سورة هود (ع)
2016-06-16
سورة الحجر
2016-06-16

(10)
سورة يوسف (ع)

﴿بسم الله الرَّحمٰن الرحيم الۤر﴾ بإسم ذاتي ورحمانيّتي ورحيميتّي أرمز إليك بألفٍ ولامٍ وراءٍ بما تعرفه أنت وأهل بيتك (عليهم السلام ) يا مُحمَّد ( صلّى الله عليه وآله وسلَّم ) ﴿إنَّا أنزلناه قرآناً عربياً﴾ أيّها الناطقون بلغة الضّادِ، وأيّها المتكلِّمون بلغة يَعرُب بن قحطانٍ : بالتأكيد إنّا أنزلنا القرآن باللغة العربيّة ، ﴿لعلّكم تعقِلون﴾ إنمّا أنزلناهُ بلغتكم أيّها العَرَب ولم نُنزِله بالعبرانيّة أو السِّريانيّة و بلغة الإنجيل والتوراة أملاً بأن تفهموه وتتدبَّروه وتدرسوه.
﴿نحن نقصُّ عليك أحسنَ القصص﴾ يا حبيبي يا رسول الله : نحن نقصُّ عليك أحسنَ وأنفَعَ وأفيَدَ القِصص الحقيقيّة التاريخية لكي تعتَبِر بها وتَتَّعِظ، ﴿بما أوحينا إليك هذا القرآن﴾ فكما إنّنا أوحينا إليك القرآن كتاباً للدّرس والتعلُّم و تهذيب الأخلاق وتزكية النفوس وتنظيم المجتمع كذلك قصصها فهي ليست خيالية غرامية هزليّة ، ﴿وإن كنتَ من قبلهِ لمَِن الغافلين﴾ فإنك يا حبيبي كنت قبل أن نبعثك بالرسالة ونوحي إليك القرآن غافلٌ من كيد الحاسدين لك ولأهل بيتك ( عليهم السلام ) ، ﴿إذ قال يوسف لأبيه يا أبتِ إنّي رأيت أحدَ عشر كوكباً﴾ فتذكَّر قصّة يوسف الصدّيق حينما رأى في المنام رؤياً صادقةً فقصَّها على يعقوب فقال له رأيت بِعَدَد إخوتي كواكب ساجدة لي ، ﴿والشَّمس والقمرَ رأيتُهم لي ساجدين﴾ ورأيتُ يا أبتِ الشمس والقمر نزلتا من السماء وخَزَّتا أمامي على الأرض و أنا جالسٌ على عرش المُلك ، ﴿قال يا بُنيّ لا تقصص رؤياك على إخوتك﴾ قال يعقوب النبيّ ليوسف الصدّيق : يا ولدي إياك وأن تَقُصّ هذه الرؤيا على إخوتك فالأولى صيانة الرؤيا عن غير أهلها ، ﴿فيكيدوا لك كيداً﴾ فإنك إن قَصَصت رؤياك على إخوتك يفهمون منها أنّك سوف تمتاز عليهم بالملك فيحسدونك ويكيدون لقتلك ، ﴿إنّ الشيطان للإِنسان عدوٌ مبين﴾ فبالتأكيد إنّ الشيطان يوسوسٍٍ إليهم بالحسد ، كما فعل بقابيل على هابيل فهو منذ أن أبي عن السجود لآدم ولُعِن ، أضمَر العداوة لوُلده، ﴿وكذلك يجتبيك ربّك ويعلّمك من تأويل الأحاديث﴾ قال يعقوب ليوسف مُعبِّراً له رؤياه نعم كما رأيت في منامك فإنّك ستمتاز على إخوتك بالنبوّة والمُلك باجتباء الله واصطفائه فتعرف تعبير الرؤيا ، ﴿ويُتمّ نعمته عليك وعلى آل يعقوب﴾ فالله سبحانه سيختارك إذاً للنبوّة والإِمامة باجتباء الله لا باختيار الناس ويُتمّ نعمته عليك وعلى عشيرتك بالمُلك والسلطان والقوّة ، ﴿كما أتمَّها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إنّ ربّك عليمٌ حكيم﴾ كما أتمَّ الله النِّعمة من قَبلُ على أجدادك إبراهيم وإسحاق حيث منحهما النبوّة و أنقذهما من الکفار والمشرکين و أَمَّرهما علی قومهما فالله عليمٌ حکيمٌ فی صُنعِه .
﴿لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسائلين﴾ ففي قصّة يوسف مع إخوته دروسٌ وعِبَر وتجارب وحِكَم ومواعظ لِمَن سأل عنها وطلبها وفهمها ، ﴿إذ قالوا لَيوسُف وأخوه أحبّ إلى أبينا منّا ونحن عصبة﴾ منها أنّ أخوة يوسف تحادثوا بينهم عن محبّة يعقوب ليوسف وبِنيامين فقالوا إنّه يحبّهما أكثر منّا مع أنّنا جماعة عشرة من وُلدِه الكبار ، ﴿إنّ أبانا لفي ضلالٍ مبين﴾ فيا حبيبي إن كان المنافقون يتحدَّثون عن حُبّك لعليٍّ والزهراء والحسنين ( عليهم السلام ) ويُخطِّئونك بذلك فقد خَطَّأَ وُلد يعقوب أباهم وقالوا إنّه في ابتعادٍ عن الحقّ واضح ، ﴿أُقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يَخلُ لكم وجهُ أبيكم﴾ فتآمَرَ إخوة يوسف عليه وصمَّموا وقالوا اقتلوه أو اطرحوه في جُبٍّ، بعيدٍ في الأرض حتى يضطرَّ يعقوب ليحبّكم من دونه وهكذا تآمر المنافقون علي قتل عليٍّ ( عليه السلام ) ، ﴿وتكونوا من بعده قوماً صالحين﴾ فقال بعضهم لبعض : إن قتلتم يوسف سيصلح حالكم مع أبيكم وسترثون النبوّة بعده وتكونون خلفاءَه وهكذا كان أمل المنافقين ، ﴿قال قائلٌ منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابتِ الجُبّ﴾ قال يهوذا لسائر إخوته لا تقتلوا يوسف لأنّ قتله يُبتِر أعماركم و يُقصّرها فألقوه في ظلمات بئرٍ عميقٍ وهكذا إذا أراد الله أن يؤخِّر أجلَ إنسانٍ ، ﴿يلتقطْه بعض السيّارة إن كنتم فاعلين﴾ فإذا ألقيتموه في بئرٍ مظلمٍ تنجون منه بدون قتله حيث يُخرجه من البئر بعض المسافرين العابرين فيأخذه معه إن كنتم تريدون الخلاص منه ، ﴿قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنّا على يوسف وإنّا له لناصحون﴾ فطلبوا من يعقوب أن يرسله معهم فأبى لأنّه كان يخاف عليه منهم ولا يأتمنهم عليه فقالوا له مُصرّين وحالفين بأنّهم يخُلصون له المودّة والرّعاية والخِدمة ، ﴿أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنّا له لحافظون﴾ فقالوا له أرسِل يوسف معنا غداً إلي الصحراء لكي يستنشق الهواء الطلق ويركض في الصحراء فينشط ويشبّ وينمو و نُعاهدك على حفظه ، ﴿قال إنّي ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب﴾ قال يعقوب لبنيه : إنّي أحزن من فراق يوسف ولو قليلاً وإن ذهبتم به فتُسببّون الحزن لي وأخاف أن يأكله من هو في صفةِ الذئب روبيل أخوه الأكبر لأنّه كان يعلم أنّ الذئب لا يأكل الأنبياء ، ﴿وأنتم عنه غافلون﴾ إنّ قول يعقوب هذا لبِنيهِ يدلُّ علي أنّه كان يعلم إنّهم عازمون على التخلّص منه وسوف يختلقون كذباً أنّ الذِّئب قد أكله وقصد من أنكم عنه غافلون أي عن حقيقة مقامِه ، ﴿قالوا لَئِن أكله الذئب ونحن عصبة إنّا أذاً لخاسرون﴾ فأجابوه حيلةً ومكراً وقالوا كيف يمكن أن يأكله الذئب ونحن أكثر من عشرة رجال فإن حَدَثَ هذا فنحن فخسر إعتمادك علينا وثقتك بنا .
﴿فلمّا ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابةِ الجُبّ﴾ فاضطرَّ يعقوب بالرّضى لكثرة حلفهم وعهدهم وميثاقهم وإصرارهم فأخرجوه معهم إلى الصحراء فضربوه كثيراً وخلعوا ملابسه واتّفقوا على إلقائه في بئرٍ عميقٍ ، ﴿وأوحينا إليه لتُنَبِّئَنَّهم بأمرهم هذا و هم لا يشعرون﴾ فأرسل الله إليه جبرائيل فقال له يا يوسف إصبر في ذات الله فإنَّ الله سيحفظك ويوصلك إلى المُلك فيحتاج إليك إخوتك وهم لا يعرفونك فحينئذٍ تُخبرهم بعملهم هذا ، ﴿وجاؤا أباهم عشاءً يبكون﴾ فرجعوا في المساء إلى البيت وتظاهروا بالبكاء والحزن والأسى والأسف على فقد يوسف وهكذا المنافقون يفعلون فما كُلّ بكاءٍ بُكاءٌ عن حقيقة ، ﴿قالوا يا أبانا إنّا ذهبنا نستبق و تركنا يوسف عند متاعنا﴾ فقالوا كذباً ومكراً وخديعةً لأبيهم يعقوب نحنُ انشغلنا بالتَّسابُق ، بالخيل في الصحراء و ترکنا يوسف عند ملابسنا وثيابنا وأمتعتنا ﴿فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنّا صادقين﴾ فلما بقي يوسف تؤمن أنّ السباع لا تفترسكم ، حتى ولو كنّا صادقين وصَدَّقتنا ، ﴿وجاؤا على قميصه بدم كذب قال بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً﴾ فلكي يُثبتوا إدّعاءهم أتوا بثوبِ يوسف وقد لَطَّخوه بدمٍ ليس ليوسف فأروه ليعقوب فلمّا عرف ذلك قال لهم إنّكم قد زَيّنت لكم أنفسكم الخلاص منه ، ﴿فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون﴾ فقال لهم ليس لي سوى الصَّبر على مصيبةِ فراق يوسف وأستعينُ بالله على أن يحفظه ويردّه إليَّ سالماً وأن يصونه من أن يُقتل .
﴿وجاءت سيّارةٌ فأرسلوا وارِدَهم فأدلى دَلْوَه﴾ ونتيجةً لصبر يعقوب و استعانتهِ بالله حضَرَت قافلةٌ عابرةٌ من مَدْيَن إلى مصر قريباً من بئر يوسف فبعثوا السَّقاء فأنزل دلوه في البئر، ﴿قال يا بُشرى هذا غلامٌ﴾ فلما أن نزل حبل الدّلو الى قاع البئر تعلَّق به يوسف فخرج من البئر فلمّا رآه السَّقاءُ صاحَ فَرِحاً مسروراً وأخبرَ جماعته قائلاً : خرج من البئرِ شابٌ صبيح ، ﴿وأسرّوه بضاعةً والله عليمٌ بما يعملون﴾ ففي تلك الساعة حَضَر إخوة يوسف فقالوا هذا عبدٌ لنا وقعَ في الجُبّ أمس وقالوا ليوسف سِرّاً إمّا أن تُقِرَّ لنا بذلك أن نقتلك فأقرَّ لهم فباعوه لبعض المسافرين ، ﴿وشروه بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودةٍ وکانوا فيه من الزاهدين﴾ فباعوه بعشرين درهم حيث لم يقصدوا سوى الخلاص، منه وإبعاده الى مصر وإلاّ فغلامٌ جميلٌ مثله كان غالياً ، ﴿وقال الذي اشتراهُ من مصر﴾ فلمّا وصلت القافلة الي مصر استقبلتهم شرطةٌ عزيز مصر وفرعونها وملِكها فلمّا رأوه شاباً جميلاً اشتروه لعزيز الملِك ، ﴿لامرأتِه أكرمي مثواه﴾ فلمّا رآه المَلِك ورأی أدبه وجماله وکان عقيماً أبتراً قال لزوجته زُلَيخا لا تَشُقّي عليه ولا تُكلّفيه في الخدمة بل تَلطَّفي معه كضيفٍ لنا ، ﴿عسی أن ينفعنا أو نتّخذه ولداً﴾ فقال لزُليخا إنَّ هذا الشباب مبروكٌ عسی أن تنالنا برکاته وعاقلٌ مؤدّبٌ عسي أن ينفعنا بأدبه وعقله وربمّا نَتَبَنّاه و نتّخذه إبناً لنا .
﴿وكذلك مكّنا ليوسف في الأرض﴾ وبنجاته من القتل وإخراجه من الجُبّ و إيصاله إلى قصر مَلِكِ مصر منحناه القدرة والمكنة في أرض مصر ورفعناه من قعر البئر الى أعلى القصر ، ﴿ولنُعلّمه من تأويل الأحاديث﴾ وإضافةً على ما تفضّلنا عليه من التّمكين في بلاد مصر وهَبناه وعلّمناه عِلمَ تعبير الأحلام وتفسيرها لأنه سيحتاج إليه الناس ، ﴿والله غالبٌ على أمرِه ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون﴾ كلّ ذلك لأن الله قد أرادَ مُسبقاً أن يُفضِّل يوسف على إخوته ويُميّزه بالمُلك والنبوّة وهو غالبٌ في إرادتِه على إرادةِ غيره لكنّ الناس غافلون ، ﴿ولمَّا بلغ أشدَّه آتيناه حكماً و علماً وكذلك نجزي المحسنين﴾ وعندما بلغ يوسف سنّ الرُّشد أي تجاوز الثامنة عشرة من عُمره أوحينا إليه الحكمة الشَّرعية وأحكامها وعلم الدّين والشَّرع والقضاء جزاءً على صبره .
﴿وراودته الّتي هو في بيتها عن نفسِه﴾ وبما أنّ المؤمن مُبتلى وأنَّ الشيطان عدوٌّ له يُريد إغواءه وكان يوسف في غاية الحُسن والجمال دَعَته زُلَيخا الى أن تقضي وطَرَها منه، ﴿وغلَّقت الأبواب وقالت هيت لك﴾ لكنّه أبي وامتنع من تلبية طلبها فَهَمَّ بالفرار من القصر لكنها أغلقَت الأبواب في وجهه وحبستهُ فقالت له دعني أُقبّلك ، ﴿قال معاذ الله إنّه رَبّي أحسنَ مثواي﴾ فقال لها أعوذ بالله منكِ ومن الشيطان وأعوذ به من نفسي الأمّارة ومن أن أعصيه وأخون زوجك وهو سيّدي أحسنَ ضيافتي ، ﴿إنّه لا يُفلح الظالمون﴾ فإنّ هذا العمل ظلمٌ بحقّهِ وإساءةٌ في قبال إحسانه وحتماً فإنّ الظالمين لا يُفلحون بظلمهم بل يشقون ويخسرون ، ﴿ولقد همَّت به﴾ فعندما امتنع من تلبية طلبها وأبي الخيانة وزجرها ، ألقت نفسها عليه لتحتضنه وتُقبّله ، ﴿وهمَّ بها لولا أن رأى بُرهان ربِّه﴾ وهمَّ يوسف ليضربها الحَدَّ و يوجعها ليردعها عن المعصية ، لكنّه تذكَّر حُكم الله بعدَم جواز القصاص قبل الجناية ، ﴿كذلك لنصرف عنه السّوءَ والفحشاء﴾ وهكذا لأنّه معصومٌ من كلّ إثم عَصَمناه من أن يتجنّي عليها و عصمناه من أن يُلبّي طلبها و يرتكب معها القبيح ، ﴿إنّه من عبادنا المخلصين﴾ بالتأكيد إنّ يوسف كان من أنبيائنا المعصومين وعبادنا المخلصين في عبادتهم وطاعتهم لنا .
﴿واستبقا الباب وقَدَّت قميصه من دُبُرٍ﴾ فلم يَرَ بُدّاً سوی الهروب منها فسبقها إلى الباب ليهرب فَجَرَّت أذيال ثيابه من الخَلف فمزَّقتها لتحبسه ، ﴿وألفَيا سيّدها لدى الباب﴾ وفي هذه اللحظة فتح عزيزُ ملِكِ مصر الباب فوجداه خلف الباب فرآهما في هذه الحالة ، ﴿قالت ما جزاءُ من أراد بأهلِك سوءاً﴾ فَسبَقَت يوسف بالكلام إذ هي سيّدة القصر وقالت لزوجها : إنّه أراد أن يخونه فيها فليس جزاءَه سوى ما أحكُم ، ﴿إلاّ أن يُسجَن أو عذابٌ أليم﴾ فإمّا أن تسجنه لإباقِه لي و عدم طاعته ، وإمّا أن تأمُر بضربه وتأديبه حتى يكون عبداً مطيعاً لي ، ﴿قال : هي راودَتْني عن نفسي﴾ فحينئذٍ دافعَ عن نفسه وشرفِهِ ، فقال للمِلك : إنّي لم أقصد الخيانة بل هي التي دعتني إلى ذلك فأبيت، ﴿وشهد شاهدٌ من أهلها﴾ فقال يوسف للمَلِك إنهّا أغلقت الأبواب بوجهي ولم يشهدنا أحدٌ سوى الله فاسألِ الطّفل في المهد إبن عمّها، فنَطَق الطّفل قائلاً ، ﴿إن كان قميصُه قُدَّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين﴾ فأنطق الله الطفل في المهد ليستدلّ بدليلٍ عقليٍّ و شرعيٍّ وقانونيّ فقال : إن كان ثوبه ممزوقاً من الأمام فهي المدافعة عن نفسها وهو كاذب ، ﴿وإن كان قميصُه قُدّ من دُبُرٍ فكذبت وهو من الصادقين﴾ وإن كان ثوبه ممزوقاً من خلفه فهو الهارب منها وهي المتعلّقة بثوبه من خلفه فهو الصّادق وهي الكاذبة ، ﴿فلمّا رأى قميصه قُدَّ من دُبُرٍ﴾ فأقبل الملك مفتّشاً لثوب يوسف فرآه ممزوقاً من خلفه فعرف صدق كلامه وأنّ زُليخا هي العاشقة له ، ﴿قال إنّه مِن كيدکنّ إنّ کيدکنّ عظيمٌ﴾ فقال عزيز مصر لزليخا إنّ قولك ما جزاءُ من أراد بأهلك سوءاً هو من كيدك إذ اعتبرت فراره إرادة سوءٍ لك ، فإنّ كيدكنّ يا نساء البلاط عظيمٌ .
﴿يوسف أعرِض عن هذا﴾ فقال الملك ليوسف أعرض عن بيان هذه الحادثة وذكر ما أرادته زُليخا مِنك حفظاً لشرفنا وكرامتنا عند الناس ، ﴿واستغفري لذنبك إنّك كنت من الخاطئين﴾ وقال لزوجته زُليخا اُطلبي العفوَ منّي لقصدكِ فأنتِ خاطئةٌ بهذا واطلبي العفو من يوسف لِتُهمَتِك إيّاه لأنَّ عزيزاً كان كافراً بالله ، ﴿وقال نسوةٌ في المدينة﴾ وانتشر الخبر في المدينة وذاع بسبب انتقاد يوسف للملكة أو نقل خَدَمِ البلاط للقصة فأخذت النساء تَلومها ، ﴿امرأةُ العزيز تراوِد فَتاها عن نفسه قد شَغفَها حبّاً﴾ فقالت النساء : يقبح لسيّدة البلاط وهي ملكة أن تتنازل لعبدها فتراودُه الحُبّ والغرام وتطلب منه الوَطَر ، ﴿إنا لَنراها في ضلالٍ مبين﴾ وقلن نحن نراها في متاهةٍ وانحرافٍ في الذّوق والعقل لوجود الشبّان بكثرةٍ في البلاد من الطبقات المُترَفةِ ، ﴿فلمّا سمعت بمكرهنّ أرسلت إليهنّ واعتدت لهنّ متّكئاً﴾ فلمّا سمعت زُليخا أنّ النساء يَلُمنها ويتّخِذن حبّها ليوسف ذريعةً لتحطيم كيانها و شرفها والإستخفاف، بحُرمتها والإِنتقاص منها دَعَتهُنَّ إلى القصر لرؤيته ، ﴿وآتت كلّ واحدةٍ منها سكّيناً﴾ فقدَّمت لهُنَّ الاُترُجَّ وأعطت كلّ واحدةٍ سكينةً لتقشير الاُترُجّ إذ لو قدَّمت فاكهةً اُخرى لما احتجن إلى سكّين ، ﴿وقالت اُخرُج عليهنّ﴾ ثمَّ أمَرت يوسف أن يعبُر من أمامهنّ أو أن يُطِلّ من النّافدة والشُّباك عليهنّ فخرج يوسف بملابسهِ البيضاء ، ﴿فلمّا رأينه أكبَرنه وقطّعنَ أيديهنّ﴾ فعندما خرج عليهم يوسف ورأينَ حسنَهُ وجماله الخارق وطلعته البهيّة ونوره الساطع استعظَمَنَّه وبَهَرنَ من جماله فأخذن يجرن السكّين على أيديهنّ من دونِ التفاتٍ ، ﴿وقُلنَ حاشَ لله ما هذا بشراً إن هذا إلاّ مَلَكٌ كريم﴾ فقُلن في وصفه ووصف جماله وبهائه وحيائه و عفّته حاشَ لله أن يكون هذا قد تعرَّض لها فليس هذا من صنف أهل مصر بل هو أشبه بالملائكة ، ﴿قالت فذلكنّ الذى لُمُتّنني فيه﴾ فحينئذٍ قالت زُليخا للنّسوة ما بالكُنّ لقد قطّعتُنّ أيديكنّ من غير شعورٍ وبَهَرَكُنّ جمال يوسف فهذا ما كنتنّ تلومونني فيه ، ﴿ولقد راودته عن نفسه فاستعصم﴾ فبالتأكيد أنا التي دعوته إلى أن يشفى غليلي ويُلبّي طلبي لأقضيَ وطراً منه لكنه أبي وامتنع والتزم العصمة ، فهذه الآية صريحةٌ في عصمة يوسف ( عليه السلام) ، ﴿ولَئِن لم يفعل ما آمرهُ ليسجننَّ وليكوناً من الصّاغرين﴾ فقالت هو عبدٌ أملِكُ رقَبتَه ويجب عليه أن يطيعني فيما أَريد فإن يمتنع فسآمُر بسجنهِ حتى يتأدَّب ويطيعني ويكون عبداً ذليلاً لي .
﴿قال ربِّ السّجنُ أحبُّ إليَّ ممّا يدعونني إليه﴾ فعند ذلك رفع يوسف يده ، إلي السماء مبتهلاً الى الله قائلاً إلهي إنّي أحبّ طاعتك ولو اُسجَن عليه ولا أُُحبّ الفاحشة ، ﴿وإلاّ تصرف عنّي كيدهنّ أصبُ إليهنّ وأكُن من الجاهلين﴾ فقال : إلهي إنّ هذه النسوة يدعونني لكي أُطيع أمرَ زُليخا وأُلبّي طلبها وهنّ أيضاً يُبدين الحُبّ لي و يطلبنَ وصلي فإن لم تخلّصني منهنّ أُصوّبهُنّ بالحجارة ، ﴿فاستجاب له ربّه فصرف عنه كيدهنّ إنّه هو السميع العليم﴾ فاستجاب الله سبحانه باللحظة نفسها دعاءَ يوسف وأنقذهُ من النسوة وزليخا فحضَر المَلِك ووزراؤه وجنده إلى القصر فنجّی يوسف وقد سمع الله دعاءه وعَلِمَ به .
﴿ثم بدا لهم مِن بعد ما رأوا الآيات ليُسجننّه حتّى حين﴾ فلمّا رأى المَلِك ووزراؤه وقوّاده أنّ النسوة قطَّعن الأيدي من شَغَفَهِنّ بالنظر إلى يوسف أمر الملك بعد استشارتهم بأن يسجن يوسف حتى لا يعرف الناس الحقيقة لمدّةٍ .
﴿ودخل معه السّجن فتيان﴾ فلما أُدخل يوسف السجن أُدخل عليه غلامان للملك أحدهما الساقي للملك والثاني الطّباخُ الخاصّ له اُتُّهِما بِدَسّ السُّمّ إلى الملك : ﴿قال أحدهما إنّي أراني أعصر خمراً﴾ فقال الشاب الذي هو ساقي الملك : يا يوسف إنّي رأيت في منامي انّي أعصِر العنب لِأُهيّىء الخمر للملك ، ﴿وقال الآخر إنّي أراني أحمِل فوق رأسي خبزاً تأكل الطّير منه﴾ وقال له الشاب الثاني وهو طبّاخ الملك يا يوسف إنّي رأيت في حُلُمي بأنّي حملت طبق الخبز ِلأُحضره إلي مائدة الملك فجاءت الطّير فاختطفته ، ﴿نَبِّئنا بتأويله إنّا نراك من المحسنين﴾ فقالا له يا يوسف نحن نعلم إنّك عفيفٌ شريفٌ بريءٌ وعالمٌ بالأحلام فأَخبِرنا عن تعبير أحلامنا وتفسيرها وأحسن إلينا بذلك ، ﴿قال لا يأتيكما طعامٌ تُرزقانه إلاّ نَبّأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما﴾ فلمّا قصّا عليه منامَهُما عرف تعبيرها لكنه قال لهما ساُخبِركُما عن تعبير أحلامکما قريب الظُّهر الزِّوال وقبل غذائکما، لکی يفكّر في مصلحة تعبيره لهما ، ﴿ذلكما ممّا علّمني ربّي إنّي تركت ملّة قومٍ لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون﴾ وقال لهما إنَّ عِلمَ تفسير الأحلام هو ما علّمنيه ربّي بعد إعراض عن دين الکفارا والمشرکين و بعد أن ترکتُ عاداتِهم وتقاليدهم وفسقهم وفجورهم ، ﴿واتّبعتُ ملّة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نُشرك بالله من شيء﴾ فأخذ يدعوهما إلى الإيمان بالتوحيد وبرسالةِ الأنبياء وترك الشِّرك و عبادة غير الله وطاعة الفراعنة والجبابرة فأخبرَهُما عن دين آبائه، ﴿ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكنّ أكثر الناس لا يشكرون﴾ فقال لهما: إنمّا أرسل الله إبراهيم وإسحاق ويعقوب بالنبوّة ليس مُجَرّد فضلٍ منه عليهم بل هو تفضّلٌ على الناس ليعتنقوا دينهم ويتّبعونهم ولكنّ الأغلب لا يشكرون فضل الله عليهم ، ﴿يا صاحبَي السجن ءَأربابٌ متفرّقون خيرٌ أم الله الواحد القهّار﴾ فخاطَبَهما بالدَّليل العقليّ الوجدانيّ قائلاً فَكِّر أو أنصفنا واحكُما هل عبادة وطاعة خالقُ الخلائق المُحيي المُميت أفضل أم طاعة البشر والأصنام والملوك ؟ ﴿ما تعبدون من دونِه إلاّ أسماءً سمّيتموها أنتم وآباؤكم﴾ فإنّ الأصنام والأوثان ومن تعبدونهم من البشر والفراعنة ليسوا بخالقين بل إنّهم مخلوقين وليسوا آلهة بل أنتم سمّيتموهم أرباباً لكم وآباؤكم سمّوها آلهة ، ﴿ما أنزل الله بها من سلطان﴾ وإذا كنتم تَدَّعون أنّها تُقرّبكم إلى الله زُلفي لكنّ الله لا يرضى بعبادتها وليس لكم أيّ دليلٍ على أنّ الله أمركم بذلك ، ﴿إن الحکم إلاّ لله أمرَ أن لا تعبدوا إلاّ إيّاه﴾ فنتيجة الحُكم الوجداني والحكم العقليّ وحكم العدل والإنصاف أن العبادة لا تجوز إلاّ لله والله هو الذي أمركم أن لا تشركوا به ولا تعبدوا غيره ، ﴿ذلك الدّين القَيِّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون﴾ فإنّ التوحيد والإيمان بالله والعبادة الخالصة ونفي الشّريك عنه هوالدين المستقيم الصّحيح من قِبَلِ الله ولكنّ الكفار جاهلون به .
﴿يا صاحِبَي السّجن أمّا أحدكما فيسقي ربّه خمراً﴾ فقال لهما مُعَبِّراً أحلامهما أيّها الغلامين يا رفيقَيَّ في السّجون هذا تعبير منامكما فتعبير حلم الساقي هو أنّه يرجع الى عمله في سقاية الملِك ، ﴿فأمّا الآخر فيُصلَب فتأكل الطّير من رأسه﴾ و أمّا تعبير حُلم الطباخ فهو أنّه سيأمر المَلِك بصلبه فيُصلب مدّةً طويلة فتأتي البُزاة والصّقور فتأكل من رأسه ، ﴿قُضِي الأمر الذي فيه تستفتيان﴾ فلمّا سمعا منه هذا التعبير نَدِما على عرض الحُلم عليه وأسفا فقالا له أردنا أن نختبرك ولمَ نَرَ حُلماً ، قال لهما : سيكون ما قُلتُ حَتماً ولا مَرَدَّ له من الله ، ﴿وقال للّذي ظَنَّ أنّه ناجٍ منهما : أُذكُرني عند ربّك﴾ ثم قال يوسف للساقي بَدَلَ أن يطلب حاجته من الله فقط ويَدَع الأسباب : عندما تسقي المَلِك ذَكِّرهُ بِبراءتي وتعبيري لِحُلمك ، ﴿فأنساه الشيطان ذكر ربّه فلَبِثَ في السِّجن بِضع سنين﴾ فلمّا عرف إبليس ما كلّف يوسف الساقي ألقى النّسيان عليه ليبقى يوسف في السجن فلم يذكر الساقي رسالة يوسف للملك فبقي عدّة سنوات في السجن ، ﴿وقال المَلِك : إنّي أرى سبع بقراتٍ سمانٍ يأكلهنّ سبعٌ عجاف﴾ فلمّا أنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف للملك وأراد الله نجاة يوسف من السجن وأراد أن يُذكِّر الملك بيوسف ليخرجه أراه حُلماً فرأى سبعَ بقراتٍ ضعافٍ يأكلن سبع بقراتٍ سمانٍ ، ﴿وسبع سنبلاتٍ خضرٍ واُخر يابساتٍ﴾ ورأی الملك في منامه سبع سنابل حنطة خضراء يانعة وسبعة اُخرى صفراء جافّة يابسة ورآها فاستيقظ من نومه ، ﴿يا أيّها المَلأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون﴾ فطلب تعبير رؤياه من أهل القصر ومن أهله وخواصّه ووزرائه وأهل التَّعبير من المصريّين لكنّه غَفَل عن يوسف في سجنه، ﴿قالوا : أضغاثُ أحلامٍ وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين﴾ فأجابه علماء تفسير الأحلام ووزراؤه وخواصُّه وندماؤه إنّ هذه الرؤيا هي ، من بخارات المعدة ومن أخلاط الأحلام غير الواضحة ونحن لا نعلم تفسيرها ، ﴿وقال الذي نجا منهما وادَّكر بعد أُمّةٍ أنا أُنبّئكم بتأويله فأرسلون﴾ عندئذٍ قال ساقي الملك متذكّراً يوسف الصدّيق وتعبيره للرؤيا بعد مدّةٍ طويلةٍ من نسيانه انّ المُعبِّر لهذه الرؤيا هو يوسف فأرسلوني إليه ، ﴿يوسُف أيّها الصدّيق في أفتِنا﴾ فأرسل الملك الساقي إلى السجن ليسأل يوسف فجاءه وقال له : يا يوسف أيّها الصادق في إتّهامِه للملكة وأيّها الصادق في تعبير الأحلام عبِّر لنا ، ﴿في سبع بقراتٍ سمانٍ یأكلهنّ سبع عجاف﴾ فعَبِّر لنا رؤيا الملك وهي أنّه رأى في منامه سبع بقراتٍ ضعافٍ أكلت سبع بقراتٍ سمانٍ وقضت عليهنّ ، ﴿وسبع سنبلاتٍ خضرٍ وأُخَر يابساتٍ لعلّي أرجع الى الناس لعلّهم يعلمون﴾ ورأى أيضاً سبع سنابل حنطةٍ طريّةٍ خضراء وورائها سبع سنابل جافةٍ صفراء فعبِّرها لي حتّى اُخبر الملك واُخبر الناس الذين مهتّمون برؤياه حتّى يعرفوه ، ﴿قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلاّ قليلاً مما تأكلون﴾ قال يوسف مُعبِّراً للرؤيا إنّ البقرات السبع السّمان والسُّنبلات الخُضر معناها أنّ السبع سنين الآتية تكون كثيرة الخير والزَّرع فادّخِروا فيها الطَّعام ، ﴿ثمّ يأتي من بعدِ ذلك سبع ٌشدادٌ يأكلن ما قدَّمتم لهنّ إلاّ قليلاً ممّا تحصنون﴾ ثم سيكون بعد السنين السبعة هذه سبع سنين مُجدِبةٍ مقحطةٍ تأكلون فيها ما ادّخرتموه من الطعام وأحرزتموه إلاّ قليلاً ، ﴿ثمَّ يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يُغاثُ الناس وفيه يعصرون﴾ وبعد هذه السنوات السبع المجُدِبةِ يُغيث الله عباده ويرحمهم فيرزقهم الزَّرع والثَّمر المطر فيَعصرون الخمور من العنب والتّمر ويعصرون الحليب من البقر والغنم ، ﴿و قال المَلِك ائتوني به﴾ فلمّا حضر الساقي عند الملك وأخبره بتعبير رؤياه وأخبره بتعبير حُلمه من قبل ورؤيا صاحبه الطّباخ فأمر الملك بإخراج يوسف وإحضاره ، ﴿فلمّا جاءه الرسول قال ارجع إلى ربّك فاسأله﴾ فلمّا أن جاء رسول الملك إلى السجن ليُطلق سراحه ويُحضره عند الملك أبي يوسف إلاّ أن تُثبَت براءته فقال : إرجع الى الملك واسأله ، ﴿ما بالُ النسوة اللّاتي قطّعن أيديهن﴾ فاسأل الملِك كي تَثبُت براءتي عنده من التّهمة وليعرف الناس بأنّي سُجِنت مظلوماً، عن سبب جرح النسوة أيديهنّ بالسكاكين ، ﴿إنّ ربّي بكيدهنّ عليم﴾ إنّ الله يعلم أنَّ النسوة هذه إلي أيّ حَدٍّ شغفن حُبّاً بي وطلبن منّي وصلاً ولكنني أبيت وامتنعت ورددتُهُنّ ،﴿ قال ما خطبُكنّ إذا راودتُنَّ يوسف عن نفسه﴾ فجمع الملك النسوة وأحضَرهُنَّ فس‍ألهنّ هل رأيتن من يوسف ميلاً أو استجابةً لكُنّ حينما راودتُنّه الحبّ والغرام ؟ ﴿قُلنَ حاشَ لله ما عَلِمنا عليه من سوءٍ﴾ فأجابت النسوة الملك قائلات شهادةً منّا أمام الله إنّ يوسف حاشاهُ من التهمة والخيانة بل لم نَرَمنه مَيلاً الى الإِجابة ، ﴿قالت امرأة العزيز ألآن حَصحَص الحقّ﴾ فبعد هذه الشهادة من النسوة على براءة يوسف إضطرّت زُليخا أن تُعلِن براءته فقالت : ألآن وضح الحقّ وظهرت براءته ، ﴿أنا راودتُه عن نفسه وإنّه لمَِن الصادقين﴾ فأنا أقرّ وأعترف بأنّي أنا الّتي راودتُ يوسف وأردتُ منه الإجابة لطلبي واطاعتي لقضاء الوَطَر منه ويوسفُ صادقٌ في كلِّ أحواله وأقواله ، ﴿ذلك لِيعلم أنّي لم أخُنه بالغيب﴾ فإنّ إقراري هذا واعترافي ببراءة يوسف هو لأجل أن يعلم يوسف أنّني لست خائنةً بحقِّه في غيابه وإنّما دعاني لاتّهامه استنقاص الناس عليَّ ﴿وأنّ الله لا يهدي كيد الخائنين﴾ فأنا لم أقصد الخيانة حيث كنتُ أظنّ أنّه ملِكُ يميني لا بُدَّ أن يطيعني في مآربي والآن لا أخونه لأنّ الله لا يوفِّق الخونة في خيانتهم ، ﴿وما أُبَرِّىءُ نفسي إنّ النفس لأمّارةٌ بالسّوء﴾ فقالت زُليخا تِباعاً : أنا لا أُبَرِّى، نفسي من مراودة يوسف كما أنّ النسوة راودنَهُ لأنّ نفس النساء أمّارةٌ بمثل ذلك بالنسبة لمثل يوسف ، ﴿إلاّ ما رَحَم ربّي إنّ ربيّ غفورٌ رحيمٌ﴾ فإنّ كل إمرأة تميل نفسها إذا رأت فتىً شاباً جميلاً مملوكاً لها وهي مَلِكةُ البلاط وسيّدة البلاد إلاّ أن يرحم الله بعصمته له .
﴿وقال الملك ائتوني به أستخلِصهُ لنفسي﴾ فعند ذلك قال الملك أخبروا يوسف ببراءته وأحضروه لديَّ لكي اجعله نديماً خالصاً ومستشاراً ووزيراً لي دون غيره ، ﴿فلمّا كلَّمه قال إنّك اليوم لَدَينا مكينٌ أمين﴾ فلمّا أخبروه بأنّ الملك أعلن براءته وطلب حضوره والتقى به فلمّا رحَّب به واعتذر منه قال له أنت اليوم ذو مِكنةٍ عندي ومؤمَّنٌ فأيِّ المناصب تطلُب ؟ ﴿قال اجعلنى على خزائن الأرض إنّي حفيظٌ عليم﴾ فقال يوسف للملك بما أنّ رؤياك تدلُّ على سنينٍ مُمرعةٍ واُخري مُجدبةٍ فاجعلني متولياً علي البيت المال وأمور الرّيع والزَّرع وأقوات الناس کي أُدبِّر , اقتصادهم فأنا عالمٌ به .
﴿وكذلك مكنَّا ليوسف في الأرض يتبوَّأُ منها حيث يشآء﴾ وهكذا بإخراجهِ من السجن وعَرض المَلِك عليه المناصِب وانتخابهِ هو الولايةَ على أرض مصر وبيت المال منحناهُ المِكنةَ والقُدرة في مصر بتنقّل في مصر أینما أراد ، ﴿نُصيب برحمتنا من نشاءُ ولا نُضيعُ أجرَ المحسنين﴾ فالله سبحانه يُجازي مَن صَبَر وعَفّ و اتّقی بنصيبٍ فی الدّنيا وعُلوٍّ في المقام والقُدرة رحمةً منه لِمَن أراد ولا يُضيع أجرَ مَن أحسن الطّاعة والصَّبر ، ﴿ولَأجر الآخرة خيرٌ للذين آمنوا وكانوا يتّقون﴾ وبالتأكيد إنّ ثواب الله وأجره في يوم القيامة أفضل من نِعَمِهِ في الدنيا للمؤمنين الصّابرين الذين التزموا بالتّقوی ، ﴿وجاء إخوةٌ يوسف فدخلوا عليه فعرفهم و هم له منکرون﴾ فلمّا جاءت سَنَة القحط واحتاج آل يعقوبٍ إلى الطعام جاءَ إخوة يوسف إلى مصر ليشتروا طعاماً فدخلوا على يوسف فعرفهم وهم لا يعرفونه ، ﴿ولمّا جَهَّزهم بجَهازهم قال ائتوني بأخٍ لكم من أبيكم﴾ فسألهم من أنتم ؟ قالوا : نحن أولاد يعقوب ، قال : هل له غيركم ؟ قالوا كان له ولدٌ اسمه يوسف فأكله الذئب وله أخٌ إسمه بنيامين إحتفظ به أبوه فلمّا أعطاهم الطعام قال لهم ائتوني به ، ﴿ألا تَرون أنّي أوفي الكيل وأنا خير المنزلين﴾ ألا تنظرون إنّي اُعطي لكلّ فردٍ طعام سنته ومَؤنةَ عامِه كاملاً وأنا اُكرِم الغريبَ واُقرِي الضّيف فائتوني به سريعاً ِلاُكرِمكم ، ﴿فإن لم تأتوني بِهِ فلا كيل لكم عندي ولا تقربون﴾ فإذا لم تُحضِروه معكم فاعلموا أن ليس لكم أيّ حقٍّ عندي من الطعام والقوت فلا تأتوا إلى مصر لهذا الغَرَض ، ﴿قالوا سنُراوِد عنه أباهُ وإنّا لفاعلون﴾ فقالوا ليوسف إنّ يعقوب بعد أن إئتمنّنا على يوسف فأكله الذِّئب فإنّه لا يُرسل بنيامين معنا ولكننا سنُصِرّ عليه ونَجيءُ بهِ .
﴿وقال لِفتيانِه اجعلوا بِضاعتَهم في رِحالهم﴾ ثمّ أمَر يوسف غِلمانَه فقال لهم اجعلوا دراهمهم في حمولتهم وأمتعتهم فوضع الغِلمان نقودَهم بين أجناسهم ، ﴿لعلّهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلَّهم يرجعون﴾ فإذا وضعتم دراهمهم بين متاعهم فسيعرفونها عندما يُلقون رحالهم في منزلهم بمديَن فيعرفون انّنا رَدَدناها إليهم فيطمعون ثانياً فيرجعون مباشرةً ، ﴿فلمّا رجعوا الى أبيهم قالوا يا أبانا مُنِعَ منّا الكيل﴾ فلمّا رجعوا الى مديَن وألقوا رحالهم ووجدوا بضاعتهم رُدَّت إليهم قالوا ليعقوب إنّ عزيزَ مصر منعنا أن نأتيه للطعام إلاّ بشرط ، ﴿فأرسِل معنا أخانا نکتَل وإنّا لهُ لحافظون﴾ فشرَط علينا أن نأتيه ببنيامين فابعَثهُ معنا حتى نأخذ منه الطعام فإن لم تُرسله سنموت جوعاً ونحن سنُحافظ عليه من كلّ طارىءٍ ، ﴿قال هَل آمنُكم عليه إلاّ كما أمِنتكم على أخيه من قبل﴾ فقال يعقوب لبنيه كيف أئتَمِنُكم عليه اليوم وقد نَدِمتُ على ائتمانكم على يوسف من قبلُ و قد فرَّطتم فيه وخنتم، ﴿فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الرّاحمين﴾ فعندئذٍ توكَّل يعقوبٌ على الله دون وُلدِهِ في حِفظ وَلَدِهِ بنيامين وقرأ آيةَ الحفظ عليه ولو كان فَعَل ليُوسف لَرَحِمَهُ الله ، ﴿ولمّا فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم رُدَّت إليهم﴾ فلمّا أرادوا تفريغ أحمالِهِم من الطّعام رأوا دراهمهم فيها قد رُدَّت إليهم فلم يؤخَذ على الطعام منهم ثمنٌ بل حسبوه مجاناً، ﴿قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا﴾ فوضعوا الدّراهم في يد يعقوب فلمسها فَشَمَّ منها رائحة يوسف وأحسَّ بتدبير يوسف فقالوا لهُ هذه دراهمنا أرجَعَها لنا ، ﴿ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعيرٍ ذلك كيلٌ يسير﴾ فأرسِله معنا لكي نأتي بالميرةِ لأهلنا ونحن نحفظ بنيامين ويزداد على طعامنا حِمل بعيرٍ بسببهِ ذلك ما يُوجب اليُسر والرَّخاءَ لنا.
﴿قل لن أُرسله معكم حتّى تُؤتونِ موثقاً من الله﴾ فقال يعقوب لبنيه لا أبعَثُ بنيامين معكم أبداً إلاّ أن تحلفون لي بالله وتتعاهدون بالله معي في حفظه وردِّهِ ، ﴿لتأتُننّي بهِ إلاّ أن يُحاط بکم﴾ وتُرجعوه إليَّ وتُسلّموه بيدي سالماً إلاّ أن تُغلَبون عليه ويمنعکم من إرجاعه مَن يحوطکم بالقوّة لأنّه كان يحتمل أنّ يوسف يبقيه معه، ﴿فلمّا آتوه مَوْثِقهم قال: اللهُ علي ما نقول وكيل﴾ فلمّا حلف له بنوه على ان يحفظوا بنيامين ويُرجعوه إليه سالماً وأعطوه الميثاق عليه قال إنّ الله يشهد على عهدنا وميثاقنا ، ﴿و قال يا بنيّ لا تدخلوا من بابٍ واحدٍ وادخلوا من أبوابٍ متفرّقة﴾ فخاف على وُلدِه الحَسَدَ والعَين فنصحهم ، وقال يا أبنائي لا تدخلوا جميعاً من بابٍ واحدٍ فتجلبون الأنظار فيُصيبكم العَين بل تَفرَّقوا في الدّخول ، ﴿وما أُغني عنكم من الله من شيءٍ إن الحكم إلاّ لله﴾ واعلموا أنّ نصيحتي هذه ليست لِدفعِ قَدَرِ الله وقضائه عنکم بل لأدفَعَ عنکم ضَرَرَ العين فقط فالحکم والقضاءُ والقَدَر بيد الله ، ﴿عليه توکّلت و عليه فليتوکّل المتوکّلون﴾ فأعلَنَ يعقوب توکّله علی الله فحسب وقال : توكّلت على الله في حفظ بنيامين ويوسف ولا أتوكّل عليكم ولا على غيركم ، فمن أراد أن يتوكّل فليتوكّل على الله ، ﴿ولمّا دخلوا من حيثُ أمرهم أبوهم﴾ فعندما وصل أولاد يعقوب إلى أرض مصر ودخلوا المدينة من أبوابٍ متفرّقة ولم يدخلوها جميعاً دفعةً واحدة كي يُحسَدوا ، ﴿ما كان يُغني عنهم من الله من شيءٍ إلاّ حاجةً في نفس يعقوب قضاها﴾ لم يفد ذلك الحَذَر عمّا قدَّره الله من إيصال بنيامين الى يوسف والفراق بينه وبين يعقوب موقّتاً بل نفعهم في دفع مضرّة الحسد والعين عنهم ، ﴿وإنّه لذو علمٍ لما علّمناه ولكنّ أكثر الناسِ لا يعلمون﴾ فبالتأكيد إنّ يعقوب عالمٌ بما أوحينا إليه من أنَّ يوسف ليس ميّتاً بل هو حيٌّ وقد مكّنهُ الله في الأرض كما رأى في المنام ولكنّ الأغلب لا يعلمون أنّه كان يعلم .
﴿ولمّا دخلوا على يوسف آویٰ إليه أخاه﴾ فعندما دخلوا على العزيز وأدخلوا بِنيامين عليه كما طلب منهم واشترط ضَمَّ في السرعنهم بنيامين إليه وألهاهُم بالطّعام كي لا يشعرون ، ﴿قال إنّي أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون﴾ هَمَس في أُذنه قائلاً : إنّي أنا يوسف أخوك من أمّك وأبيك فتعانَقا ففرح بنيامين كثيراً وذهب حزنه على يوسف وقال له يوسف لا تحزن على ما مضى من ظلم إخوتك عَلَيَّ ، ﴿فلمّا جهَّزهم بجهازهم جعل السِّقاية في رَحل أخيه﴾ فَدبَّر يوسف حيلة لكي يُبقي بنيامين عنده فکان مِن عُرف الناس أنّ السارق يکون مملوکاً للمسروق منه فوضع يوسف المكيال في حِمل بنيامين ومتاعه، ﴿ثمّ أذَّن مؤذن أيّتها العير إنّكم لسارقون﴾ فلم يَتَّهم أخاه البريء ، ولم يكذب عليهم بل أَمَرَ مُناديه أن يُنادي أيّها المسافرون الغرباء إنّكم سارقون أي سرقتم يوسف من يعقوب ، ﴿قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون﴾ فرجع اولاد يعقوب سائلين ما الّذي سرق منكم وما هي السرقة التي وقعت وماذا فُقِد منكم من البضاعة والمال ؟ ﴿قالوا نفقد صواع المَلِك ولمن جاء به حِمل بعيرٍ وأنا به زعيم﴾ فقال غلمان يوسف وعُمّاله ومناديه فَقَدنا مِکيال الملك الذي يُكْتال به لكم الطعام وسنعطي جائزةً لمن يجيء به حِمل بعيرٍ طعاماً وقال المنادي أنا كفيلٌ بذلك ، ﴿قالوا تاللهِ لقد علمتم ما جئنا لنُفسد في الأرض وما كُنّا سارقين﴾ فجاء إخوة يوسف يحلفون بالله الأَيمان المُغَلَّظة أنّهم ما جاؤوا إلى مصر للسرقة والخيانة بل جاؤوا لأخذ الطعام فحلفوا أنهّم ما سرقوه ، ﴿قالوا فما جزاؤه إن کنتم كاذبين﴾ فقال عُمّال يوسف لهم : فماذا يستحقّ السارق من جزاءِ عندكم أيّام القحط إن كنتم كاذبين في براءتكم من السرقة إذ كانوا قد سرقوا يوسف من يعقوب ، ﴿قالوا جزاؤه من وُجِد في رَحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين﴾ ،فقال إخوة يوسف إنّ جزاء السارق عندنا هو أن يُستَرقّ ويكون مملوكاً للمسروق منه وهكذا نُجازي السُّراق ، ﴿فبدأ بأوعيتهم قبل وعاءِ أخيه ثمّ استخرجها من وعاءِ أخيه﴾ فأمر يوسف أن تُفَتَّش أحمال إخوته من أبيه قبل حِمل بنيامين كي لا يلتفتون إلى الحيلة ثُمَّ أمرَ بتفتيش حِملِه فأخرجوا الصواع منه .
﴿كذلك كِدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاهُ في دين المَلِك﴾ فهكذا عَلَّمنا يوسف الطريق ليأخذ بنيامين ويُبقيه عنده إذ لم يكن جائزاً في شرع فرعون مصر أن يُستَرقَّ السّارق ، ﴿إلاّ أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء﴾ فلولا مشيئة الله و إرادته وتعليمه الكيد ليوسف لما تَمكَّن يوسف من أخذ بنيامين بحُجّة السّرقة و مشيئة الله تهدف أن ترفع درجة يوسف وبنيامين على إخوتهم ، ﴿وفوق كلُّ ذي علمٍ عليم﴾ وفوق علم يوسف بهذه الحيلة والتّدبير هو علم يعقوب الّذي كان يتفرَّس الأمور من بُعدٍ ينتظر لقاء يوسف بعد الفراق .
﴿قالوا إن يسرق فقد سرقَ أخٌ له من قبل﴾ فقال الإخوة ليوسف إن كان بنيامين قد سرق الصُّواع فليس بعجيبٍ حيث سَرَق يوسف أخوه المِنطقة من عَمَّتِه حيث اتّهمتهُ به فی صِغَره ، ﴿فأسرَّها يوسف فی نفسه و يُبدها لهم﴾ فلمّا اتّهموه بالسّرقة جهاراً أراد أن يَرُدّ عليهم ويُخبرهم ببراءتِه وأنّ عمّته اتهّمته لِتَستَرِقّه فسكت لِيَسترِقّ أخاه دونَ أن يعرفوا ، ﴿قال لهم أنتم شرٌّ مكاناً والله أعلم بما تصفون﴾ فاکتفی بأن لَوَّحَ لهم بأنّهم هم الخونة السُّراق الذين سرقوه من أبيه فقال لهم أنتم أسوأ حالاً من بنيامين وأقبح فِعلاً والله يعلم حقيقة ما تتّهمون به يوسف .
﴿قالوا يا أيّها العزيز إنّ له أباً شيخاً كبيراً﴾ فلمّا تذكّروا عهودهم ومواثيقهم و أيمانهم بأن يُرجعوا بِنيامين إلى أهله سالماً قالوا ليوسف : أيّها العزيز إنّ لهُ أباً أصابته الشيخوخة وهو يأنَس به وعاهدناه ، ﴿فخُذ أحَدَنا مكانه إنّا نراك من المحسنين﴾ فاقترحوا عليه مع علمهم بعدم إمكان ذلك في عُرفهم وشرعهم لكنّهم أرادوا أن يكملوا العذر عِند يعقوب فقالوا إن تَسترِقّ أحدنا مكانه فهو أحسن ﴿قال معاذ الله أن نأخذ إلاّ مَن وجدنا متاعنا عنده إنّا إذاً لظالمون﴾ فقال يوسف ألمَ تقولوا إنّ في شرعِكم هو أن يُستَرقّ السارق جزاءً لسرقته فمعاذ الله من مُخالفةِ شرعِهِ بل نَستَرِقُّ بِنيامين الذي وجدنا الصُّواعَ عنده ، ﴿فلمّا استيئَسوا منه خلصوا نجيّاً﴾ فلمّا استيأسوا من رجوع بنيامين معهم لثبوت التُّهمة عليه وشهادتهم عليه وقضائهم المُسبَق أن يُسَترَقّ من سَرَق جلسوا يتشاورون ويتناجون ويتهامسون ، ﴿قال كبيرُهم ألمَ تعلموا أنّ أباكُم قد أخذ عليكم موثقاً من الله﴾ قال أخوهم الأكبر يهودا: يا إخوتي أنتم تعلمون أنّ أباكم يعقوب لم يُرسل معكم بنيامين حتى أخذ منكم المواثيق والعهود والأيمان بأن تَرُدّوه إليه : ﴿ومن قبل ما فرَّطتم في يوسف﴾ وهل تذكرون ما ارتكبتموه من الخيانة والظُّلم والحِقد والحَسَد في حقّ يوسف فائتمنتموه من أبيه وفرَّطتم في حفظِ الأمانة فألقيتموه في الجُبّ ، ﴿فَلَن أبرَحَ الأرض حتّي يأذن لي أبي﴾ فأنا أبداً لا أخرج من مصر و لا أترك بنيامين هنا و أرجع من دونه إلى مَديَن من غير إذن يعقوب لي بذلك ، ﴿أو يحكم الله لي وهو خيرُ الحاكمين﴾ فلا أرجع إلاّ ويأذن والدي يعقوب ، أو يحكم الله بما يُقدّره مِن أجلي ، أو نجاة بنيامين ، أو مجيء يعقوب إلى مصر ، والله يحكم بما هو الأصلح ، ﴿إرجعوا إلي أبيكم فقولوا يا أبانا إنّ ابنك سرق﴾ فقال يهودا لإخوته إرجعوا الى مَديَن وخذوا إليه الطعام وقولوا له : إنّ يهودا بقي هناك لأجل أنّ بنيامين سرَقَ صُواع المَلِك فاسترّقوه ، ﴿وما شهدنا إلاّ بما علمنا وما كُنّا للغيب حافظين﴾ فقولوا له إنّنا لم نشهد على صِحّة اتّهام بِنيامين بالسّرقة إلاّ بعد أن علمنا يقيناً بوجود الصُّواع فی متاعِه وعندما عاهدناك لم نکن نعلم الغيب إنّه سيسرق ، ﴿واسأل القريةَ التي كنّا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنّا لصادقون﴾ فيا أبانا إسأل عن صحّة دعوانا أهل المدينة التي كنّا فيها بمصر والقافلة التي رجعنا فيها فإنّهم سمعوا النِّداء و رأوا الصّواعَ في رَحلِ بنيامين فمؤكِّدٌ صِدقُنا .
﴿قال بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً﴾ فلمّا رجع وُلدُ يعقوبٍ دون يهودا و بِنيامين إلى مَديَن وقالوا له ذلك أجابهم يعقوبٌ قائلاً بل أنتم الذين حكمتم بأن يُستَرقَّ من وُجِدَ في رحلهِ الصّواعُ وإلاّ لما أُخِذ ، ﴿فصبرٌ جميلٌ عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنّه هو العليم الحكيم﴾ فليس لي سوى أن أصبِر من دون جزعٍ على مصيبة فراق بنيامين ويوسف ويهودا فنتيجةً للصبر الجميل أرجو أن يُرجعهم الله و يُردّهم إليَّ كلّهم إنّه عليمٌ بصبري حكيمٌ بكيفيّة رَدَّهم ، ﴿وتولّى عنهم وقال يا أسفي علي يوسف﴾ فأدار يعقوبٌ وجهه عنهم وأعرض عنهم وأخذ يتأوّه من فراق يوسف وأخويه ويتأسّف عليه أكثر ممّا يتأسّف عليهما لعلمه باصطفاءِ الله لهُ ، ﴿وابيضّت عيناه من الحُزن فهو کظيم﴾ ولكنّه أخذ يقاوم الدّموع ويتصبَّر ويتجلَّد و يتجرَّع الغصّة فنزل الماءُ الأبيض في عينهِ وضعف بصره من شدّة الحزن إذ كان يكظم غیظه ويتجرّعه ، ﴿قالوا تالله تَفتَؤْ تذكر يوسف﴾ قال أولاد يعقوبٍ حسداً منهم لذكر يوسف ، ليعقوبٍ تالله لا تزال تذکر إسم يوسف وتلهج بذكره كأنّك لا تدري أنّه ميّت ، ﴿حتى تكون حَرَضاً أو تكون من الهالكين﴾ وإنّك لست تترك ذكر يوسف حتى تُشرف على الموت أو حتّى يجرُّك حزن فراقِه إلى الهلاك والموت ، ﴿قال إنّما أشکو بثّي و حُزني إلي الله و أعلم من الله ما لا تعلمون﴾ فأجابهم يعقوب انّني لست أشكو مصيبتي إليكم بل انمّا أشتكي إلى الله من حُزني وغمّي على مُصابي فقط و أعلم أنّ انتهاءِ الفراق والمصائب بيد الله ولكنّكم لا تدرون ، ﴿يا بَنيّ اذهبوا و تحسّسوا من یوسف و أخيه﴾ فأمرهم بالتّفتيش عن یوسف والإِستفسار عن مصيره و مصير بنيامين لعلمه من الله ما لا يعلمون وأنّ یوسف حيٌّ موجودٌ يُرزَق ، ﴿ولا تيأسوا من رَوح الله إنّه لا ييأس من رَوح الله إلاّ القوم الكافرون﴾ ولا يأخذكم اليأس و القنوط من رحمة الله وشمول عنايتِه ليُوسف وصيانته من الذئب وإطالة عمره فلا يقنط من رحمة الله إلا من لا يؤمن بالله .
﴿فلمّا دخلوا عليه قالوا يا أيّها العزيز مَسَّنا وأهلنا الضُرّ﴾ فجاء وُلدٌ يعقوبٍ إلي مصر وحضروا عند يوسف وبدلاً من أن يستعطِفوه في بنيامين إشتَكوا جوعهم وضُرّهم و طلبوا منهُ الطّعامَ استجداءً ، ﴿وجئنا ببضاعةٍ مُزجاةٍ فأوفِ لنا الكيل﴾و قالوا ليوسف نحن جئنا هذه المرّة لنمير القمح لأهلنا لكنّنا لم نملك الثّمن الصحيح لفقرنا فهذه دراهم ردّية لا نملك غيرها وأعطوه كتاباً من يعقوب بذلك ، ﴿وتصدَّق علينا إنَّ الله يجزي المُتصدّقين﴾ وقالوا له تَصدَّق علينا بإطلاق سراح بِنيامين ، والله يثيبُ على الصّدقات ، ﴿قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون﴾ فلمّا اشتكوا ضُرَّ آل يعقوبٍ وأعطوه كتاب يعقوب فقرأهُ أخذَ ينتحِب باكياً ثمََّ وبَّخَ إخوته قائلاً : هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وضربتموه وألقيتموه في البئر وبِعتُموه و حكمتُم بسِرقَةِ بِنيامين ، ﴿قالوا إنّك لأنتَ يوسف ؟﴾ وحيث أخبرهم بما أسرّوه من الخيانة والحسد ليوسف ولم يعلم به سوى يوسف سألوه هل أنت يوسف ؟.
﴿قال أنا يوسف وهذا أخي قد مَنَّ الله علينا﴾ فأجابهم نعم أنا يوسف ذلك الذي فعلتم ما فعلتم به وهذا أخي بنيامين قد مَنَّ الله عليٍّ فأوصلني إلى ما ترون و مَنَّ عليه بوصلي ، ﴿إنّه من يَتَّقِ ويصبر فانّ الله لا يُضيع أجر المحسنين﴾ فبالقطع واليقين إنّ مَن يتّقي الله ويطيعه ويصبر على المكارهِ والمصائب والبلايا ويتحمَّل الشّدائد والآلام فالله لا يُضيع ثواب أعماله الحسنة ، ﴿قالوا تالله لقد آثَرَكَ الله علينا و إن كُنّا لخاطئين﴾ قالوا حالفين بالله تعجّباً بالتأكيد أنّ الله فضَّلك علينا بالمُلك والسلطان والجاه والمال ونحن أخطأنا في ظُلمنا لك ، ﴿قال لا تثريبَ عليكم اليوم﴾ فقال يوسف في جوابهم متفضلاً مُمتنَّاً عليهم فاليوم لا لَوْمَ عليكم ولا مؤاخذة و لا توبيخ ولا معاقبة فقد غفرتُ لكم ما هو مِن حقّي ، ﴿يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين﴾ وأمّا بالنسبه لغُفران الله لکم ذنوبکم بشأن أبيکم يعقوب و أخيکم بنيامين فاستغفروه لعلّه يغفر لكم ويرحمكم بيده الرَّحمة والمغفرة وهو أرحم منّي .
﴿إذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجهِ أبي﴾ ثُمَّ أخرَجَ قميص إبراهيم الذي جاء به جبرائيل من الجنّة وألبَسَهُ حين أُلقِيَ في نار نمرودٍ وكان يعقوب مَنَحَهُ إيّاه فأعطاه لإخوته ليوصلوه إلى يعقوب فيشُمَّه، ﴿يأتِ بصيراً وأْتوني بأهلكم أجمعين﴾ فقال لهم انّ يعقوب إذا شَمَّ قميص إبراهيم سيذهب الماءُ الأبيض من عينه فيرجع كماكان نافذ البصر ثمّ ارجعوا به إليَّ مع جميع آل يعقوب .
﴿ولمّا فَصَلتِ العيرُ قال أبوهم إنّي لأجِد ريحَ يوسف لولا أن تُفنّدون﴾ و عندما خرجت القافلة من أرض مصر ودخلت أرض فلسطين حَمَلَ الصّبا ريحَ قميص يوسف الى مَشام يعقوب فقال : أشمّ رائحة يوسف إن لم تُخَطِّئونِ ، ﴿قالوا تالله إنّك لفي ضلالك القديم﴾ فلمّا سمع من هو جالسٌ عنده من نساء وُلدِه و أولادهم قالوا له كأنّك بحقّ الله مُصيِّرٌ على محبّة يوسف وتفضيله على إخوته ،﴿فلمّا أن جاء البشيرُ ألقاهُ على وجهه فارتَدَّ بصيراً﴾ فلمّا جاء يهوذا الولد الأكبر ليعقوب حاملاً القميص ومُبشِّراً ليعقوب بالبشارة ألقى القميص على وجه يعقوب فذهب الماء الأبيض من عينهِ ورجع بصيراً، ﴿قال ألم أقُل لكم إنّي أعلم من الله ما لا تعلمون﴾ فعند ذلك خاطب يعقوبٌ بنيهِ فقال لهم أتذكرون إنّي قلتُ لكم أنّي أعلم من الله علماً لا تعلمونه فهو أنَّ يوسف حيٌّ موجودٌ و أنتم لا تعلمون بذلك .
﴿قالوا يا أبانا استغفْر لنا ذُنُوبنا إنّا كُنّا خاطئين﴾ فقالوا وهم نادمون على خطاياهم وطلبوا الشفاعة من يعقوب عند الله فقالوا استغفر لنا واطلب العفو من الله لذنوبنا وخطايانا التي عملناها ، ﴿قال سوف أستغفر لكم ربّي إنّه هو الغفور الرّحيم﴾ فوعَدَهم يعقوب أن يدعو الله لهم بالمغفرة والعفو والرحمة ليلة الجمعة وأكَّد لهم أنّ الله يغفر ذنوب التائبين النادمين ويرحمهم ، ﴿فلمّا دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه﴾ فحملوا يعقوب وأهليهم جميعاً وجاؤوا بهم إلى مصر فلمّا دخلوا على يوسف لم ينزل لهم إحتراماً لأبيه بل استقبله راكباً فسَلَبَ الله النبوَّة من عَقِبِه ، ﴿و قال ادخلوا مصر إن شاۤءَ اللهُ آمنين﴾ فلمّا استقبلهم رحَّبَ بهم وعانق أبويه ثمّ أذِنَ لهم بدخول المدينة بإذن الله ومشيئته وإرادته وضمن لهم الراحة والسلامة والإطمئنان ، ﴿ورفَعَ أبويه على العرش وخَرّوا له سُجّداً﴾ فذهب بهم إلى قصرهِ فأدخلهم القصر فأجلسَ أبويه على كُرسيّ المُلك وعرش مصر فَخَرَّ إخوته له وانحَنوا احتراماً وتعظيماً كما رأى في المنام ، ﴿وقال يا أبتِ هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربيّ حقّاً﴾ فلمّا انحنى إخوته له تعظيماً إلتفت إلى أبيه يعقوب مذكّراً أباه برؤياه قائلاً هذا تعبير رؤياي الصادقة حقّقها الله لي الآن ، ﴿وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن﴾ فلمّا قال يوسف لأبيه ذلك قال له يعقوب : أخبرني ماذا فعل بك إخوتك قال له سَلني ماذا فعل بي ربّي لأُِجيبك انّه أحسنَ بي وأخرجني من البئر و من السجن ، ﴿وجاءَ بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي﴾ و يا أبتِ إنّ ربّي أحسنَ بي إذا جاء بكم من صحراء فلسطين إلى صعيد مصر من بعد أن أراد الشيطان أن يفرّق بيننا بأن وسوَسَ في صدور إخوتي بالحسد لي ،﴿إنّ ربّي لطيفٌ لما يشاء إنّه هو العليم الحكيم﴾ وفي روايةٍ هكذا سيمُنّ الله على آل محمدٍ بعد أن حسدهم أعداءهم فتکون لهم الدولة في الدنيا وسيورّثهم الله الأرض كلّها فبالتأكيد إنّ الله يعمّ بلطفه من يشآء من أوليائه وهو عالمٌ بالعواقب حكيمٌ بالمصالح .
﴿ربِّ قد آتيتني من المُلك وعلّمتني من تأويل الأحاديث﴾ فعندئذٍ رفع يوسف يديه مبتهلاً إلى الله قائلاً إلهي أشكرك على أن آتيتني مُلك مصر ومُلك النبوّة و علّمتني تعبير الأحلام وتفسير الرؤيا ، ﴿فاطر السماوات والأرض أنت ولييّ في الدنيا والآخرة﴾ : أنت إلهى وربّي وخالق جميع السماوات بما فيها والأرض وما عليها لكَ الولاية المطلقة التامّة عليَّ فتولّى مصالحي وسعادتي في الدنيا والآخرة ، ﴿توفّني مسلماً وألحقني بالصالحين﴾ فيا إلهي وربّي وخالقي أسألك أن تتوفّاني على دين الإسلام والتوحيد الذي ستُکمِلُه بولاية محمدٍ وآل محمدٍ وفي الجنة ألحقني بدرجة محمد و آل محمد و الأنبياء ، ﴿ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك﴾ إنّ خبر يوسف وإخوته هذا هو من الحوادث التاريخيّة الغابرة الماضية الّتي لم تحضرها ولكنّنا أوحينا إليك لتعرفه ، ﴿وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمکرون﴾ والدليل على أنّك اطّلعت على قضيّة يوسف وإخوته بالوحي ولم تسمعه من أحدٍ من الناس هو عدم علم أحدٍ بما تشاوَرَ بهِ إخوة يوسف سِرّاً واحتالوا على يوسف ، ﴿وما أكثر الناس ولو حرصتَ بمؤمنين﴾ فيا حبيبي يا رسول الله كما أنّ إخوة يوسف حسدوا يوسف فكذلك المنافقون حسدوا عليّاً فخالفوه فالمنافقون لا يؤمنون بولاية عليٍّ ووُلدِهِ ولو أصررت عليهم وأكَّدتَ عليهم بحرصٍ ، ﴿وما تسألهم عليه من أجرٍ﴾ فأنت يا رسول الله لم تطلب من المسلمين أجراً على تبليغك الرسالة أو ذهباً وفضّة بل إنّما امرتهم بالمودّة في القُربي وموالاة أهل البيت فحَسب . ﴿إن هو إلاّ ذكرٌ للعالمين﴾ فولاءُ عليٍّ والإِيمان به والمبايعة معه على إمرة المؤمنين والخلافة والوصاية إنمّا هو فرضٌ واجبٌ نُذَكِّر به جميع أهل العالم في كلِّ زمانٍ ومكان .
﴿وکأيِّن من آيةٍٍ في السماوات والأرض﴾ فيا حبيبي كم من آيةٍ في القرآن وعلامة في السماوات وبراهين في الأرض تدلُّ على ضرورة نصب الإِمام من بعدك إذ لو خُليَت لَقُلِبَت ، ﴿يمرّون عليها﴾ فهذه الآيات والعلامات والبراهين العقلية والوجدانية يمُرّ عليها المنافقون فيرون مثلاً أن لا بُدَّ للجسد من روحٍ ولا بُدَّ للنحل من يعسوبٍ ولا بُدَّ للسفينة من رَبّانٍ و . . . . ﴿وهم عنها مُعرضون﴾ ولكنّ هؤلاء المنافقين يُعرضون عن جميع الآيات التي تنُصّ على ولايةِ عليٍّ ووُلده ويُعرضون عن الدلايل والبراهين التي تُثبت ضرورة نصب الإمام المعصوم ، ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون﴾ فهؤلاء وإن أعلنوا الإسلام والشهادتين إلاّ أنهّم مشركون شِركَ طاعةٍ بالله بطاعة خلفاء الجور ومشركون بالله بنصبِ العداء ومحاربة عليٍّ و وُلده ، ﴿أفأَمِنُوا أن تأتِيهم غاشيةٌ من عذاب الله﴾ هل إنّ المنافقين الذين تركوا ولاية آل محمدٍ إطمأنّوا أن لا تأتيهم نقمة تغشاهم وبلاءٌ يعُمَّهم من عذاب الله في الدنيا كانتقام المهدي القائم ( عليه السلام ) المنتقم لآل محمد ؟ ﴿أو تأتیَهم الساعةُ بغتةً وهم لا يشعرون﴾ أو هل اطمأنّ المنافقون الذين أعرضوا عن التمسّك بأهل البيت أن تأتيهم ساعة الإِنتقام وساعة الهلاك دفعةً واحدةً دون أن يشعروا بها ، ﴿قُل هذه سبيلي﴾ فيا حبيبي يا رسول الله قل للمسلمين : إنّ طريقي لهدايتکم و نهجي لسعادتکم هو أن تتمسّکوا بالقرآن والعترة اهل البيت ( عليهم السلام ) ، ﴿أدعو إلى الله على بصيرةٍ﴾ فأنا بدعوتي لكم إلى التمسّك بالقرآن والعترة وموالاة عليٍّ ووُلده إنّما أدعوكم إلى المحجّة الواضحةِ والمذهب الحقّ ، ﴿أنا ومن اتّبعني﴾ فكما أنّي أدعوكم إلى الله بالبرهانِ الواضح فكذلك يدعوكم من اتّبعني أوّلاً وهو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ووُلده من بعده اتّبعوني عليه ، ﴿وسبحان الله وما أنا من المشركين﴾ فقل لهم يا حبيبي إنّ الله مُنزَّةٌ عن تعيين غير عليٍّ وتقديم المفضول على الفاضل وتفضيل غيرهِ عليه وهو الأفضل الأعلم الأكمل وقل لهم : أنا مُتَبرّىءٌ أن أكون من مخالفي عليٍّ ( عليه السلام ) .
﴿وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى﴾ فيا حبيبي لماذا يستبعد هؤلاء المنافقون أن يكون نصب عليٍّ بوحي منّا فإنّا لم نُرسل الأنبياء قبلك إلاّ وهم آحادٌ من الناس ، ﴿أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم﴾ ألم يسافروا ويسيحوا في الأرض فيروا آثار الاُمم الماضية الهالكة الذين كذَّبوا الأنبياء وعصوهم فيعتبروا ويدعوا مخالفة عليٍّ ( عليه السلام ) ووُلده ، ﴿والدّار الآخرة خيرٌ للذين اتّقوا أفلا تعقلون﴾ فقل لهم يا حبيبي إنّ جنّة الخُلد التي أعدَّها الله في الآخرة داراً للمؤمنين المُتّقين المُوالين لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) أفضل من خلافة خلفاء الجور في الدنيا إن عَقِلتم ، ﴿حتّى إذا استيأس الرُّسل﴾ فقبل هذا عندما كان الأنبياء يبأسون من هداية الاُمَم الكافرة بعد إكمال المُدّة وإتمام الحُجّة وينتهى أملهم ، ﴿وظنّوا أنهّم قد كُذّبوا﴾ وكانوا يعلمون أنّ الكفار لا يرجعون عن غَيِّهم وعِنادهم و لن يؤمنوا بهم ولن يُصدّقوا برسالاتم بل يُصرّون علي تكذيبهم ، ﴿ جاءَهم نصرنا﴾ فعند ذلك كان يأتيهم نصرنا فنُرسل العذاب علي الكفار ونُهلكهم وننصر رسلنا ومَن آمن معهم ونُنقذهم ، ﴿فنُنجّي من نشاء﴾ فنحن نُنجّي من العذاب والإنتقام والهَلاك والدّمار من نشاء من أُمّتك وهم المؤمنون الموالون لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، ﴿ولا يُرَدُّ بأسنا عن القوم المجرمين﴾ فعندما نرسل العذاب يوم قيامِ القائم (عليه السلام ) على المخالفين لأهل البيت ( علیهم السلام ) فلا يردّ العذاب عنهم أحدٌ ولا يدفع بشيء ، ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب﴾ بالتأكيد إنّ في سَردِ قِصَص الأنبياء والاُمم الماضية عِبَرٌ و دروسٌ للعقلاء من أمّتك فيُطيعوك في موالاة عليٍّ ( عليه السلام ) و وُلدِه ، ﴿ماکان حديثاً يُفتریٰ ولکن تصديق الّذي بين يديه﴾ فحديث قِصَص الأنبياء ليس افتراءً عليهم بل هو وحيٌ من الله ليكون دليلاً على تصديقك بنصب من هو بين يديك علىّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ﴿وتفصيل كلّ شيء﴾ ولكن نفصل كلّ شيءٍ بشأن من هو بين يديه عليّ ( عليه السلام ) من حَسَدِ المنافقين له ولأهل البيت ( عليهم السلام ) ثُمَّ تأمرهم عليهم ثم سَيثأَر الله لهم بقيام القائم (عليه السلام ) وهلاك المخالفين بسيفه ، ﴿وهدىً ورحمةً لقومٍ يؤمنون﴾ ولتكون هذه القِصص سبباً لهداية الناس إلى ولاية عليٍّ ( عليه السلام ) وآله ولتكون بشارةٌ بالنَّصر والفوز للمؤمنين من شيعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ( صدق الله العليّ العظيم ) .

نشر في الصفحات 254-231 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد الأول

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *