سورة آل عمران (ع)
2016-06-16
سورة يوسف (ع)
2016-06-16

(9)
سورة هود (ع)

﴿بسم الله الرَّحمن الرَّحيم الۤرۤ﴾ بإسم ذاتي الإِلهي ورحمانّيتي ورحيميّتي أوحي إليك يا حبيبي وأبدأ برمزٍ بيني وبينك تعرفه أنت وأهل بيتك (عليهم السلام ) ألف ، لام ، راء ، بعدد ٢٣١، ﴿كتابٌ أُحكمت آياته ثمّ فُصّلت﴾ إنّ القرآن هو کلام الله الموحی إليکم أيّها الناس وقد ضُبطت آياته دون تحريفٍ ولا يُنسخ أبداً بکتابٍ آخر ، وقد بَيَّنتُه تدريجاً خلال 25 عاماً ، ﴿من لَدُن حکيمٍ خبير﴾ فالقرآن هو وحيٌ مُنزَل على رسولِ الله بواسطة أمين الوحي جبرائيل من کلام الربّ الجليل الحکيم فی حُکمِه والخبير بمصالح عباده .
﴿ألاّ تعبدوا إلا الله﴾ وأساس الوحي هذا ، والنبوّة ورسالة خاتم الأنبياء ، هو الدّعوة الى توحيد الله ونفي الشرك ، ورفض عبادة غير الله ، ﴿إنّني لكم منه نذيرٌ وبشير﴾ فقل لهم يا حبيبي أن لا يعبدوا أحدا سوى الله وقل لهم إنّي أُنذركم من جانبه العذاب إن عصيتم وكفرتم وأُبشّركم من قِبَلِه بالثواب إن آمنتم وبالفوز بالجنّة ، ﴿وأن استغفروا ربَّكم ثم تُوبوا إليه﴾ وقل لهم أيّها المسلمون أنا نذير الله وبشيره إليكم لأدعوكم إلى ترك الذنوب والآثام والتوبة عنها، وأن تطلبوا المغفرة من الله عليها ، ﴿يمتّعكم متاعاً حسناً إلى أجلٍ مسمّیٰ﴾ فإن تركتم المعاصي والآثام والكبائِرِ والصغائر وطلبتم المغفرة من الله علي ما سبق منكم منها ، فالنتيجة هي أنّ الله يغفر لكم ويُسعدكم طول حياتکم ، ﴿و يؤتِ کلَّ ذي فضلٍ فضله﴾ وبعد أن يُسعدكم في الحياة الدنيا بحياة طيّبة خالية من الجرائم والآثام والظلم والتعدّي يُعطي الله ثواب كل من عمَلَ صالحاً وجزاءه ، ﴿وإن تولّوا فإنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ كبير﴾ وإن أعرضوا عن الطاعة وعن التقوى والتوبة والإستغفار فقُل لهم إنّي أعلم أنّ الله سيُعذّبكم بذنوبكم في يوم القيامة فأخاف عليكم العذاب إن لم تتوبوا ، ﴿إلى الله مرجعكم وهو على كل شيءٍ قدير﴾ ولا تظنّوا أنّكم تُفلتون من جزاءِ أعمالكم وذنوبكم أو تحُرَمون من ثوابها إذ أنّكم تُرجَعون إلى الله وتُبعَثون يوم القيامة وهو قادرٌ على الثواب والعقاب .
﴿ألا إنهّم يثنون صدورهم ليستخفّوا منه﴾ أيّها المؤمنون : إعلموا أنّ المنافقين إذا مرّوا برسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) طأطَأ أحدهم رأسه وانحنى وغطّى وجهه بثوبه لكي لا يراه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيختفي عنه ، ﴿ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يُسرّون وما يعلنون ﴾ فأعلِن يا حبيبي وأعلِمهُم أنهّم حينما يُغطّون رؤوسهم بثيابهم ليختفون إنّ الله يَعلم ما يُضمِرون من النِّفاق وما يُعلنون منه ، ﴿إنّه عليمٌ بذات الصدور﴾ فبالتأكيد إنّ الله عالمٌ بالضمائر والسرائر والنيّات والمقاصد ، والنفاق ، أو الإيمان ، والحبّ أو البغض ، ألخَفيّةِ في القلوب ، ﴿وما مِن دابةٍ في الأرض إلاّ على الله رزقها﴾ فإن قال أحدٌ : إذا كان الله يعلم بضمائر المنافقين فلماذا يرزقهم ويُعطيهم القوت ويهبُهُم ملذّات الحياة ؟ فجوابُه انّ الله تكفّل بأرزاق الخلائق مُسبقاً، ﴿ويعلم مستقرَّها ومستودعها﴾ فالله سبحانه عمَّ رحمته في الدنيا وخصَّ رحمته في الآخرة إتماماً للحجّةِ ِِو إلاّ فهو أعلم بخلقه منذ أن كانوا نطفةً في الأصلاب ثمّ استودعت الأرحام ، ﴿كلٌّ في كتابٍ مبين﴾ والعِلم بالأرزاق مکتوبٌ مقدَّرٌ في اللّوحِ المحفوظ والعِلم بالنُطف والأجنّة في الأرحام كذلك ويبيُّنه الله لوليّه كلّ ليلة قدرٍ من کلّ عامٍ .
﴿وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيام﴾ والله جلَّت عظمته هو الخالق لجميع الخلائق ، فخَلَقَ الخير والنور أولاً من دون شرٍّ ، وخلق السماواتِ في اليوم الثاني ، وخلق من في السماء في الثالث ، وخلقَ الأرض في الرابع ، وخلقَ دوابّ الأرض في الخامس ، وخلق أقواتها في اليوم السادس ترتيباً ، ﴿وكان عرشُه على الماء﴾ وكان ابتداء خلق المخلوقات وأساس القدرة الخلاّقة هو الماء إذ خَلقَ كلّ شيءٍ حيٍّ منه فعرش قدرةِ الله هو الماء وأساس خلقِه منه ، ﴿لِيَبلُوَكُم أيُّكم أحسنُ عملاً﴾ فخلقكم من الماء والتراب طيناً ثم نفخ فيه من روحه فكان آدم وخلق له حوّاء من طينته ، فأولدكم منهما فوق الأرض ليختبركم فبالإختبار يظهر مَن هو أحسنُ عملاً فيرجع إلى الجنّة ، ﴿ولَئِن قلتَ إنكم مبعوثون مِنْ بَعد الموت﴾ فإذا أخبرتهَم وأنت الصادق المصدَّق بأنّهم سيُبعثون ويحُشرون بعد الموت في القيامة وطلبت منهم أن يؤمنوا بالمعاد وأن يحُسنوا عملاً ، ﴿ليقولنّ الذين كفروا إن هذا إلاّ سحرٌ مبين﴾ بالتأكيد ينكر الكفار والمنافقون المعاد ويقولون إنّ قولكم إنّنا نبعث بعد الموت هو كفعلِ السّاحر حينما يُعيد ما يبتلعه أو يقولون إنك تريد أن تَسحَرنا بهذا كي نتّبعك ونُطيعك ، ﴿ولئِن أخّرنا عنهم العذاب إلى أُمّةٍ معدودة﴾ فالمنكرين للمعاد كأبي سفيان وحزبِه حيث قال : لا جنّةَ ولا نار وأتباعهم المستحقّين للعذاب لتركهم ولاية محمدٍ وآل محمد ( عليهم السلام ) إن أخّرنا عذابهم الى ظهور القائم المهدي ( عليه السلام ) وأصحابه المعدودين بعدد أصحاب بَدر ، ﴿ليقولنّ ما يحبسه﴾ يقول هؤلاء المخالفون لمحمدٍ وآل محمدٍ وشيعتهم : ما يَحبسُ هذا العذاب منّا الذي يُنذرنا بهِ محمد ؟ فلو كان صادقاً لنَزل علينا العذاب ، ﴿ألا يَوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم﴾ فأعلن للملأ وأعلمهم يا حبيبي : إنّ يوم قيام القائم المهدي المُنتَقم الآخذ بالثأر المُهلِك للأعداء حينما يحيين موعده لا يصرف عنهم العذاب من القتل والدّمار والهلاك ، ﴿وحاقَ بهم ما كالوا به يستهزؤن﴾ فيوم قيام القائم من آل محمد (عليهم السلام ) لا يُصرف عنهم العذاب بل ينزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزؤون به ويُنکرونه ويستخفّون به .
﴿ولَئِن أذقنا الإِنسانَ منّا رحمةً ثمَّ نزعناها منه﴾ وکم من إنسانٍ مِنَ الناس الذين ذاقوا السعادة ببركة من هو رحمةٌ للعالمين محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ثم نزعناها بوفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) منه ، ﴿إنّه لَيؤوسٌ كَفور﴾ إنّ هذا الإِنسان قنوطٌ من رحمة الله ولُطفِه وعنايته بالأمة الإِسلامية وكفورٌ بنِعَمِ الله وبنعمةِ ولاية عليٍّ وأهل البيت ( عليهم السلام ) ، ﴿ولَئِن أذقناه نعماءَ بعد ضرّاء مَسَّته﴾ فبعد وفاة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لَئِن اقتضت المصلحة لإِتمام الحُجّة أن يَتَرأّسَ على المسلمين فأُمهِل ونُعِّم بالرّئاسة بعد أن كان فقيراً مُعدَماً قبلاً ، ﴿ليقولنّ ذهب السيّئات عنّي﴾ فهو يطغىٰ ويتجبَّر ويتكبُّر ويَتَبَختر و يغتَرّ فيقول : لقد ذَهبَت أيّام المصائِب والفَقر ووَلَّت أيّام الضُّرّ والبَلاء عنّي وَمَنِ الّذي يُحاسبني على السيّئات ؟ ﴿إنّه لَفَرِحٌ فخور﴾ إنّ هذا المُغتَرّ الطاغي الذي ظَنَّ أنّه لا يُحاسَب على السيّئات فلا يَقدِر أحدٌ على أن يُحاسِبَه عليها فرحٌ بالرِّئاسةِ فخورٌ بالإمارة ، ﴿إلاّ الذين صبروا﴾ وعلى نقيض ذلك الطاغي الفَرِح الفخور بالرئاسةِ يوجَد مَن ليس يؤساً كفوراً ولا فَرِحاً فخوراً بل هو كأمير المؤمنين ( عليه السلام ) صابرٌ محتسبٌ بعد وفاة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ﴿وعملوا الصالحات﴾ وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) وشيعته الصابرين هم بَدَل أن يعملوا السيئات ويرتکبوا المُنکرات يعملون الصالحات ويلتزمونها، ﴿أُلئك لهم مغفرة وأجرٌ كبير﴾ إنَّ عليّاً وشيعته ، المؤمنون الصابرون الذين يعملون الصالحات لهم غفرانٌ من الله ورضوانٌ وجنانٌ ثواباً كبيراً على صبرهم وطاعتهم .
﴿فلعلّك تاركُ بعضَ ما يوحیٰ إليك﴾ عندما أرسلنا جبرائيل يُبلّغك يوم عرفة في حُجّةِ الوداع أن تَنصِب عليّاً بإمرة المؤمنين وتأخذ البيعةَ له أشفَقتَ من المنافقين وأخَّرت ذلك لوقتٍ آخر؟؟؟﴿و ضائِقٌ به صدرُك﴾ و قلت لجبرائيل ، حينما قال لك : ما لَك يا محمد أجَزِعت من أمر الله ؟ كلاً يا جبرائيل ، ولكن قد عَلِمَ ربّي ما لقيتُ من قريشٍ إذ لم يُقرّوا لي بالرسالة حتىّ أمرني بجهادهم وأهبَطَ إليَّ جنوداً من السماء فنصروني فكيف يُقرِّون لِعليٍّ مِن بعدي ؟؟ ﴿انْ يقولوا لولا أُنزِل عليه كنزٌ أو جاء معه مَلَك﴾ فعندما قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليٍّ ( عليه السلام ) يوم الغدير سألتُ ربّي أن يجعلك وصيّي فَفَعل ، فقال رجلان من قريشٍ فَهلاّ سأل ربَّه ملكاً يعضده على عدوِّه أو كنزاً يستعين به على فاقته ؟ ﴿إنّما أنت نذيرٌ﴾ يا حبيبي يا رسول الله ليس واجبك سوى أن تُنذر من ينكث بيعةَ عليٍّ ( عليه السلام ) في غدير خُمٍّ ومن يُحرِّمه الخلافةَ من بعدك بالعذاب الأليم ، ﴿والله على كلّ شيءٍ وكيل﴾ واعلم يا حبيبي أنّهم سيفعلوها فسيُعادون علياً ويغصبون حقَّه وحقَّ الزهراء ( عليها السلام ) وينکثون بيعته والله وکيلٌ علی ذلك کلّه .
﴿أم يقولون افتراه﴾ وبعد أن تَلَوتَ عليهم آية التبليغ وهي : ﴿يا أيّها الرسول بلِّغ ما أُنزِل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته﴾ ثمَّ قلت من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه قالوا : إنَّ محمداً افترى هذه الآية، ﴿قُل فأْتوا بِعَشر سورٍ مثله مُفتَريات﴾ قل لهم يا رسول الله : مَنِ الذي يتمكّن من افتراء آياتٍ على الله ؟ فذلك محالٌ فالقرآن مُعجزٌ لا يُمكن الإِتيان بمثله فلذا إن قدَرتُم أن تأتوا بمثله فأتوا بعشر سورٍ مُفتريات، ﴿وأدعوا من استطعتم من دُون الله﴾ وأنّکم أيّها المنافقون العرب لن تتمكّنوا من الإِتيان بمثل آيات القرآن لو جمعتم لذلك كلّ الشعراءِ والاُدباء والفصحاءِ والبلغاء من دون الله ، ﴿إن كُنتم صادقين﴾ فأنتم كاذبون في دعواكم ومكذِّبون للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) والقرآن ومكذّبون عصمة النبي وعدالته بنسبةِ الإِفتراء إليه فإن كنتم صادقين لأتيتم بمثلِ القرآن .
﴿فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنّما أُنزل بعلم الله﴾ فإذا لم يتمكّن المنافقون من الإتيان بمثلِ آيات القرآن فاعلموا علم يقينٍ أنّ آية تبليغ ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) والأمر ببيعته نزَل به جبرائيل من كلام الله بِعِلمِ الله ، ﴿وأن لا إله إلاّ هو فهل أنتم مسلمون﴾ فإن لم يتمكّنوا من الإتيان بمثل كلام الله فذلك دليلٌ على وحدانيّة الله وعلى أن لا شريك له ولا معبود سواه فهل أنتم مسلمون بولاية عليٍّ (عليه السلام ) .
﴿من كان يُريدُ الحياةَ الدُّنيا وزينتها﴾ فأيّ منافقٍ ترك ولاية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ونكث بيعته في يوم الغدير طمعاً في الدنيا والرئاسة والإِمرة فيها ، ﴿نُوَفّ إليهم أعمالَهم فيها وهم لا يُبخسون﴾ فأبى الله إلاّ أن يجُري الأموربأسبابها فإن عقدوا مؤتمراً لِغصب الخلافة من عليٍّ ودبَّروا مكيدةً فيحصلون على نتيجتها غير منقوصةٍ في الدنيا، ﴿أُولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النار﴾ لكنّ هؤلاء المنافقين الغاصبين لحقِّ عليٍّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ليس لهم جزاءٌ على ذلك في الآخرة سوى الخلود في نار جهنّم ، ﴿وحبط ما صنعوا﴾ فليعلموا أنّ غصبَ حقّ عليٍّ ( عليه السلام ) أوجب إحباط كلّ عَمَلِ خيرٍ أو إنفاقٍ أو حسنة أو جهاد عملوه سابقاً زمن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ﴿وباطلٌ ما كانوا يعملون﴾ وإزاحة عليٍّ ( عليه السلام ) من منصبه الذي وضعه الله ورسوله فيه وبايعوه عليه فنكثوا ، وغَصبِ الخلافة وتشريع البِدَع وغصبُ فدكٍ والخُمس وما شاكل ، كلّ ذلك باطلٌ عند الله .
﴿أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه﴾ ألا ترون من هو على رسالةٍ ونبوةٍ بيّنةٍ من ربّه وهو رسول الله محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالقرآن دليلُ بيّنةٍ على صدق رسالته ، ﴿ويتلوه شاهدٌ منه﴾ ويتلوه في مهمّةِ أداءِ رسالته وولايته على الناس شاهدٌ للوحي معصومٌ عادلٌ من أهل بيته وهو عليٌّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ﴿ومِن قَبلِه كتابُ موسى إماماً ورحمة﴾ ومن قبل بعثةِ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالرسالة كانت التوراة شريعة الله وكان موسى إماماً قَد خلَّف من بعدِه هارونَ أخيه إماماً وكان موسى ( عليه السلام ) رحمةً لأُمّته ، ﴿أُولئك يؤمنون به﴾ إنّ الذين يعلمون أنّ علياً من النبيّ ( صلّي الله عليه واله وسلّم ) بمنزلة هارون من موسى ويصدّقون أنّه كما كان لموسى إمامٌ ووصيُّ من بعده هو هارون فلا بُدّ للنبيّ من وصيٍّ فهم الذين يؤمنون بخلافة وإمامة ووصاية عليٍّ بعد رسول الله ، ﴿ومن يكفرْ به من الأحزاب فالنار موعده﴾ ومن يكفر بولاية محمدٍ وآل محمدٍ ( عليهم السلام ) وإمامة عليٍّ ( عليه السلام ) بعد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من أصناف المنافقين الناكثين والقاسطين والمارقين والنّواصب فموعدُهُم غداً نار جهنّم خالدين فيها ، ﴿فلا تَكُ في مريةٍ منه﴾ فلا تَشُكّ يا حبيبي في هذا العذاب الأليم الذي وعدناه لمن كفر بولايةِ عليٍّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من هؤلاء الأحزاب المنافقين ، «إنّه الحقّ من ربّك﴾ إنّ ولاية عليٍّ وإمامته ووصايته وخلافته هو الحقّ الذي أوجبه الله عليك وعلى الناس جميعاً وأكمل به الدّين وأتمَّ به النّعمة فالحقُّ مع عليٍّ وعليٌّ مع الحقّ ، ﴿ولكنّ أكثر الناس لا يؤمنون﴾ وبما أنَّ أكثر الناس لا يعقلون ، وأكثرهم لا يفقهون ، وقليلٌ من عبادي الشكور فإنّ أكثر الناس لا يؤمنون بولاية عليٍّ أمير المؤمنين ووصايته وخلافته بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
﴿ومن أظلمُ ممَّن افترى على الله كَذِباً﴾ ولا يوجد أحدٌ أشدّ ظلماً وجوراً وتعدّياً وعناداً مِن الذي يفتري على الله ويقول : إنَّ الله لم ينصب إماماً وولياً بعد رسول الله وذلك كذب ، ﴿أُولئك يُعرَضون على ربّهم﴾ إنّ هؤلاء الظلمة المُفترين على الله كذباً القائلين بأنّ الله لم يعيّن وليَّ الله ولم يَنصِب علياً للولاية بعده يُعرَضون يوم القيامة في محكمة العدل الإِلهي للمحاكمة والجزاء ، ﴿ويقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربّهم﴾ فعندما يُعرَض منكُر ولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للمحاكمة يحضر الشهود من الملائكة والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) والأئمة المعصومين الإثنا عشر والمؤمنين فيشهدون عليهم أنّهم أنكروا ولاية عليٍّ ( عليه السلام ) ، ﴿ألا لَعنةُ الله على الظالمين﴾ فبعد إدانتهم بشهادة الشهود عليهم يُنادي منادي الجليل جلَّ وعَلا : يا أهل المحشر إنَّ لعنة الله على مُنكري ولايةَ عليٍّ الظالمين ، فكلّ أهل المحشر يقولون آمين، ﴿الذين يصدّون عن سبيلِ الله﴾ فلعنة الله على الظالمين الذين يمنعون الناس من متابعة ولايةِ محمدٍ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآل محمدٍ المعصومين والتمسّك بالقرآن والعِترة ، ﴿ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة هم كافرون﴾ وهؤلاء الذين يفترون على الله ويقولون انّه لم يُنصَب أحد للولاية والإِمامة بعد رسول الله يريدون تحريف الخلافة عن صاحبها الشرعيِّ عليٍّ ( عليه السلام ) وبذلك يكفرون بالجزاء في المعاد، ﴿أُولئك لَمْ يكونوا معجزين في الأرض﴾ إنَّ هؤلاء المنكرين لولاية آل محمدٍ وإمامتهم ووصايتهم بعد رسول الله ويحُرِّفون الخلافة عنهم لا يُعجزون الله في إرجاع الدولة لآل محمدٍ بظهور المهدي ( عليه السلام ) من آل محمد ، ﴿وما كان لهم من دون الله من أولياء﴾ وعندما يرجع الله الحق إلى أهله وترجع الخلافة والحكومة وولاية أمر المسلمين إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) في زمان حكومة المهدي ( عليه السلام ) لا ينصرهم أحدٌ من سيفه وانتقامه ، ﴿يُضاعَف لهم العذاب﴾ فالله سبحانه المنتقِم القاصِم للجبّارين المُهلك للظالمين يُعذّب أعداء آل محمدٍ في الدّنيا بسيف المهدي ( عليه السلام ) وفي الآخرة بعذاب جهنم ، ﴿ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يُبصرون﴾ إنّ منكري ولاية أمير المؤمنين عليٍّ ( عليه السلام ) ما كانوا يتحمّلون سماع آية التبليغ وفضائل عليٍّ وأهل البيت ( عليهم السلام ) وكانوا يُغمِضون الطَّرف عن ولايتهم وفضائلهم ومناقبهم ، ﴿أُولئك الذين خسروا أنفسهم﴾ إنّ هؤلاء المنكرين لولاية عليٍّ ( عليه السلام ) بَدلَ أن يربحوا في حياتهم الآخرة ، والسعادة في الدّارين والجنّة بولائِه خسروا أنفسهم حيث حَرموها الجنّة بإنكار ولايته ، ﴿وضَلَّ عنهم ما كانوا يفترون﴾ وعندما كانوا يقولون افتراءً إننّا سندخل الجنّة لمتابعة غير أهل البيت من الخُلفاء تضيع مزاعِمُهم وافتراءاتهم يوم القيامة وتكون هباءً وسراباً ، ﴿لا جرم أنهّم في الآخرة هُم الأخسرون﴾ فحيث إنّهم كانوا يظنّون أنّ من تولّوهم سيشفعون لهم ثُم يتّضِح أنهّم لا ينفعونهم من عذاب الله شيئاً لا جَرَم أنهّم أسواءُ أهل المحشر خسارةً وخذلاناً .
﴿إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ بالتأكيد إنّ المؤمنين بالله وبولاية محمدٍ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآل محمدٍ ( عليهم السلام ) ومن تمسّكوا بالقرآن والعترة و عملوا بأحکام القرآن وأطاعوا محمداً وآل محمد ( عليهم السلام ) ، ﴿وأخبتوا إلي ربّهم﴾ هؤلاء المؤمنون المطيعون لله ولرسوله ولأهل بيته ( عليهم السلام ) إن سلِّموا وصدَّقوا بكلِّ ما جاء به القرآن والنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من دون شكٍّ أو ترديدٍ أو إنكارٍ أو عصيان، ﴿أُولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون﴾ إنّ هؤلاء الشيعة المؤمنون المتبّعون لمحمدٍ وآل محمد . ( عليهم السلام ) المتمسّكون بالقرآن والعترة المصدِّقون بولاية أهل البيت المسلّمون لهم ، هم أصحاب الجنّة فالجنّة لهم يدخلونها خالدين .
﴿مثَلُ الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسميع﴾ مثلُ من ينتمي إلى الفريقين : المنكرين لولاية أهل البيت ، والمؤمنين بولايتهم أنّ المنكر هو كالأعمى والأصمّ ، والشيعيّ هو البصير السميع ، ﴿هل يستويان مثلاً أفلا تذکرون ؟﴾ تذکروا يا عقلاء العالم ويا أهل الإنصاف ويا اصحاب العدل ويا ذوي الوجدان الحيّ ، هل يستوي الأعمى والبصير في اتّباع الحقّ ؟ وهل يستوي الأصمّ والسميع في استماع العدل ؟ .
﴿ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومِه إنّي لكم نذيرٌ مبين﴾ يا حبيبنا إن كان المنافقون يکذّبونك فسنقُصّ عليك تکذيب قوم نوحٍ له و إرسالنا الطّوفان وهلاکهم به فبالتأکيد أرسلناه إلی قومه لينذرهم الشرك والکفر وعذابنا عليها، ﴿أن لا تعبدوا إلاّ الله إنّي أخاف عليکم عذاب يومٍ أليم﴾ فقال لهم أنا نذيرٌ لكم من قِبَل الله لأقول لكم اُتركوا الشرك ولا تعبدوا سوى الله بل اعبدوه فقط فإن بقيتم على الشرك أخاف عليكم أن يرسل الله عليكم العذاب المؤلم ، ﴿فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلاّ بشراً مثلنا﴾ فقال الكفّار والمشركون من قومه ، كيف تكون أنت نبيّاً مرسلاً من جانب الله لإنذارنا ولستَ من الملائكة بل أنت بشرٌ وإنسان ؟ ﴿وما نراك اتّبعك إلاّ الذين هم أراذِلُنا باديَ الرأي﴾ وقالوا له إن كنتَ تمتاز علينا بالرسالة من جانب الله فلماذا نرى إنّه لم يتبّعك الأثرياءُ والطُغاة بل اتّبعك الفقراء والمساكين والمستضعفين منّا قبل غيرهم ، ﴿وما نرى لكم علينا من فضلٍ بل نظنّكم كاذبين﴾ وقال الكفار لنوحٍ نحن لا نرى لك ولأتباعك فضلٌ علينا بالجاه والثروة والأموال بل نظنّ أنّكم كاذبون في الإمتياز علينا بالإيمان ، ﴿ قال يا قوم أرأيتم إن كنتُ على بيّنةٍ من ربّي وآتاني رحمةً من عنده﴾ فأجابهم نوحٌ قائلاً : أيّها القوم الكافرون ماذا ترون أصنع بكم فإنّي على يقينٍ من رسالةِ ربّي وآتاني الوحي والنبّوة والشريعة من عنده، ﴿فعُميّت عليکم أنُلزمكُموها وأنتم لها کارهون﴾ لکنّکم عمّيتم عن البصر إلی الحقّ وأتباعه و غَضَضتم الطَّرف عن المعاجز والدلائل والبراهين الدالة على نبوّتي وعصمتي فهل بعد هذا يجبركم الله ويُکرهکم على الإِيمان بي ؟ مع أنّ الإِختيار أساس التكليف ، ﴿ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً﴾ فقال لهم بعد ذلك أيّها الكفار أنا لا أدّعي النبوّة والرسالة لكي أكسِب منكم ثروةً وأموالاً ولا أريد أجراً منكم على رسالتي سوى الإِيمان بالله ، ﴿إن أجريَ إلاّ على الله﴾ فإنّ أجر إبلاغ الرسالة وثواب أداء الرسالة وجزاء دعوتكم إلى توحيد الله وعبادته ونفي الشرك عنه فهو على الله وذلك جنّته ورضوانه ، ﴿وما أنا بطارِدِ الذين آمنوا أنّهم ملاقو ربّهم﴾ فإن كنتم تنكرون رسالتي لأجل أنّ مَن اتبّعني هُمُ الفقراء والمستضعفون فأنا لا يجوز لي شرعاً ولا أخلاقاً وعقلاً أن أطرُدَ المؤمنين بالله وبرسالتي فيشتكون عليَّ غداً عند لقاء الله ، ﴿ولكنّي أراكم قوماً تجهلون﴾ فأنا لست أدين هؤلاء المستضعفين إتّباعهم لي وإيمانهم بالله ، بل أُدينكم لأنّكم تجهلون أحكام الشرع و قوانين العقل والأخلاق ، ﴿ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتُهم أفلا تذكرون ؟﴾ وعلى فرض أن أُلَبِّى طلبكم وأسمع لقولكم أيها القوم الكفار فأطردهم عنّي وأبعدهم عن مجلسي فَمَنِ الذي يخُلّصني من غَضَب الله وعقابه ؟ ألا تتذكّرون عقاب الله وعذابه ؟.
﴿ولا أقول لكم عندي خزائن الله﴾ وعندما تنسبون أتباعي إلى الرّذالة لفقرهم لا تدعوني العصبيّة الى أن أقول لكم إنّ خزائن رزق الله بيدي ، ﴿ولا أعلم الغيب ولا أقول إنّي مَلَك﴾ وعندما تقولون : كيف تكون نبياً ولست ملكاً بل أنت بشرٌ مثلنا ، فلستُ أدّعي أنّي من الملائكة المقرَّبين العالمين بالغيب ، بل أقول : أنا عبد الله ورسوله ، ﴿ولا أقول للذين تزدري أعينهم لن يؤتيهم الله خيراً﴾ وعندما تحتقر أعينكم أتباعي المؤمنين لفقرهم ومسكنتهم لا أُؤيِّدُکم في قولكم فلا أقول إن الله أبداً لا يؤتيهم مالاً حلالاً طيباً، ﴿اللهُ أعلمُ بما في أنفسهم إنّي إذاً لمِن الظالمين﴾ بل إنّ الله هو أعلم بحوائجهم ومطالبهم فإن عَلِمَ أنّهم يريدون منه رزقاً ومالاً حلالاً فسيرزقهم وينفي عنهم الفقر فإن قلت إنهّم لن يُرزقوا لكنت من الظالمين ، ﴿قالوا يا نوحُ قد جادلتَنا فأكثرتَ جدالنا﴾ فقال الكفار لنوح إنّك خاصمتنا وأطَلت الجَدَل والنّقاش معنا والإستدلال ضدَّنا لإثبات حقّك وإبطال مزاعِمَنا ، ﴿فآتِنا بما تَعِدُنا إن كنتَ من الصّادقين﴾ ومع جدالك واحتجاجك الكثير فنحن لا نخضع لك ولا نطيعك ولا نصدقك ولا نؤمن بالله فان كنت صادقاً في دعواك فآتنا بالعذاب الذي أنذرتنا به ، ﴿قل إنمّا يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمُعجزين﴾ فقال لهم فالآن حينما لم تنفع المحاذير ولم تهتمّوا بالإنذار وأصررتم على الشرك والعصيان وطلبتم العذاب فالعذاب من قِبَل الله يأتيکم متی شاءَ هو ولستم تُعجزون الله عنه ، ﴿ولاينفعکم نصحي﴾ فإذا كذبتموني وعصيتموني وأصررتم على الكفر والشرك والعناد فمهما أنصحكم لا تنتفعون بنُصحي إنّما ينتفع به من يُصدّقني ، ﴿إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم﴾ فأنا في أداء النصيحة لستُ أقصد نفعاً أو فائدةً لنفسي بل كنتُ مخلصاً في نصيحتكم ولكنكم أحببتم الغواية فبعد إتمام الحجّة عليکم تَرکَكُم الله فی غوايتکم ، ﴿هو ربّکم و إليه تُرجعون﴾ إنّ الله هو خالقکم و رازقکم و ربّکم و مُدَبّرکم و وليّکم أراد أن يُنقذکم من عذابه في الدنيا و الآخرة وأراد سعادتكم فيهما فله الفضل عنكم ولکنکم أبيتم فإليه تُرجعون .
﴿أم يقولون افتراه﴾ يا حبيبي فكما إنّ قوم نوحٍ كذّبوه فإنّ قريشاً و المنافقين من أُمّتك قالوا إنَّ محمداً افترى على الله آية تبليغ ولاية عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام) ابن عمّه ، ﴿قل إن افتريته فَعَلَيَّ إجرامي﴾ فقل لهم يا رسول الله إن كنت قد نصبت علياً ولياً وخليفةً من بعدي من تِلقاءِ نفسي لا بأمر الله فأنا مُستعدٌّ لقبول الإِثم والعقاب عليه ، ﴿وأنا بريءٌ مّما تجرمون﴾ وقل لهم يا رسول الله إنّي أبرَأُ مِن إجرامكم وارتكابكم الجريمة الشنعاء بإنكاركم ولاية عليٍّ ( عليه السلام ) وإدّعائكم ولاية غيره بدلاً عنه .
﴿وأوحي إلى نوحٍ أنّه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد أمَن﴾ فيا حبيبي اسمع تتمّة قصّة نوحٍ وقومه وعذابنا لهم فلمّا أن دعاهم نوحٌ ألفَ سنةٍ إلاّ خمسين عاماً وأتمَّ الحجّة عليهم وأصرّوا على الكفر ، أوحينا إليه أنّه لن يؤمن بالله أحدٌ غير مَن آمن سابقاً، ﴿فلا تبتِئس بما کانوا يفعلون﴾ فلا تخزن يا نوح علي ما يفعلون من العصيان والعناد والإصرار على الشرك والكفر ويفعلون من الإستهزاء والتكذيب بك ، ﴿وأصنعِ الفُلك بأعيُننا ووَحينا﴾ يا نوح إنّك عالم بصنعة النجارةِ فعليك بصناعةِ سفينةٍ تسَع مَن مَعك من المؤمنين وأنواع البهائم والدّواب والطيور واستعجِل في صُنعها الوحي الموحىٰ بصُنعها ، ﴿ولا تخاطبني في الذين ظلموا انّهم مغرَقون﴾ فإنّنا عَزمنا على إرسال الطوفان لإغراق الكفار الظالمين فلا تشفع فيهم لنجاتهم بل اُدعُ عليهم فقال : ربّ لا تذَر على الأرض من الكافرين دياراً، ﴿ويَصنعُ الفُلكَ﴾ فأخذ نوحٌ يجمع الخشب في مسجد الكوفة ، وينجره بيده ، فصنع السفينة وهي أربعون ذراعاً في أربعين وكتب أسماءَ الخمسة أصحاب الكساء على خشبةٍ ونصبَها في مُقدَّم السفينة ، ﴿وكلّما مَرَّ عليه ملٌأ من قومِه سخروا منه﴾ وعندما كان يصنع السفينة وهي أوّل سفينةٍ صُنعت ولم يروا قبلها مثلها ولم يركبوها وكانوا لا يصدّقون أن يأتيهم الطوفان فيسخرون منه ، ﴿قال : إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون﴾ فعندما كانوا يستهزئون به ويضحکون عليه ويسخرون منه کان يقول لهم نوحٌ إن تسخروا الآن منّا فسوف نسخر منكم حينما يأتي الطوفان ، القصاص بالقصاص ، ﴿فسوفَ تعلمون من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحلّ عليه عذابٌ مقيم﴾ فعن قريبٍ تعرفون أنّ العذاب والطوفان يأتيکم فيخزيکم بالهلاك والدّمار والويل والثّبور والصّراخ منكم ثم تموتون جميعاً بالغرق الى الأبد ، ﴿حتّى إذا جاء أمرنا﴾ فلمّا حان وقت الطوفان وأردنا أن نعذِّب الكفار ونهلكهم وأمرنا الشمس بأن تُذيب جبال الثلج فتفيض البحار بالأمواج الهائلة وأمطرنا السماء فيضاً، ﴿وفارَ التنّورُ﴾ وفي الصباح الباكر فاض الفرات بجنب مسجد الكوفة وأخذ يجري الماء مسرعاً على وجه الأرض يغرقها ووَصل الى تنّور بيت نوح ، ﴿قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين﴾ أوحينا إلى نوح أن بدأ الطوفان ، وسيغرق کلّ ذي روحٍ على وجه الأرض فاحمل في السفينة من كلّ نوعٍ من الحيوان والدّواب ذكراً وأُنثى ليتوالدا بعد الطوفان ، ﴿وأهلك إلاّ من سبق عليه القول﴾ وأركِب في السفينة أهلك زوجتك الصالحة دون الناشزة وأولادك بنيك سامٍ وحامٍ ويافثٍ دون كنعانٍ إبن زوجتك حيث سَبق عليه القول بالعذاب لكفرهِ وشركهِ ، ﴿ومَن آمن وما آمن معه إلاّ قليل﴾ وأركِب فيها كلّ من آمَن بالله وبرسالتك من قومك ومن تاب من الشرك والكفر لكنّ عدد هؤلاء المؤمنون كان قليلاً وهم ثمانية فيا حبيبي لا يثُبت على ولاية عليٍّ بعدك أكثر منهم ، ﴿وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها﴾ فعندما أركبهم وحملهم في السفينة قال نوحٌ لسائر قومه تعالوا آمنوا بالله واركبوا معنا بإسم الله وتوحيده فهي بإسمه تجري وترسو ، فكذلك أنت يا حبيبي قل للمسلمين إنَّ مَثلَ أهل بيتي كسفينة نوحٍ من ركبها نجی ومن تخلِّف عنها غرق وهوی، ﴿إنّ ربّي لَغَفوُرٌ رحيم﴾ فقال نوحٌ لهم : إن تُبتم وتركتم الكفر والشرك الآن وركبتم معنا فالله يغفر لمن تاب ويرحمه و ينقذه من العذاب و الهلاك .
﴿وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال﴾ فلمّا لم يستجيبوا لدعوتهِ أغلَقَ باب السفينة فارتفعت المياه والفياضانات والأمواج العالية فكانت السفينة تجري على الأمواج ، ﴿ونادی نوحٌ‌ ابنه وکان في معزلٍ يا بُنیّ ارکب معنا﴾ وآخر نداء کان لنوح هو نداؤه لابن زوجته فسمّاه إبناً على لغة طيّ وكان منعزلاً عن نوحٍ والمؤمنين إلى جانب الكفار فقال له تعالَ آمِن بالله واركب معنا ، ﴿ولا تَكُنْ مع الكافرين﴾ يا كنعان : أُترُك الكفر والشرك وصداقة الكفار ولا تكن معهم من الهالكين المغرقين بالطوفان ، بل آمِن وكن مع المؤمنين الناجين من الطوفان ، ﴿قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء﴾ فبدل أن يستجيب كنعان لنداءِ نوحٍ ويؤمن أصرَّ على كفره وعنادهِ وقال : سألجأُ إلى جبلٍ عالٍ يصونني من الغرق ، وكذا يا حبيبي يقول من لا يؤمن بولاية عليٍّ ( عليه السلام) سأتّبع غيره فيهديني ، ﴿قال : لا عاصمَ اليوم من أمر الله إلاّ من رحِمَ﴾ قال له نوح إنّ هذا الطوفان سيُغرق كلّ الأرض بجبالها المرتفعة الشاهقة ولا يبقى هناك ما يمنع من الغرق إلاّ من رحمه الله فركب السفينة ، ﴿وحال بينهما الموج فكان من المغرقين﴾ فعندما كان كنعان يتسلَّق الجبل لينجو من الغرق وكان نوحٌ يُتمّ عليه الحُجّة ويدعوه للإِيمان حالت الأمواج بينها والتقفته وأغرقته ﴿وقيل يا أرض ابلعي ماءك﴾ فلما أن غرق كلّ الكافرين وجميع المشركين وهلكوا وطافت السفينة في موضع البيت سبعاً وسَعَت سبعة أشواطٍ بين جَبَلي صفا والمروة، قلنا للأرض أن تبتلع وتمصّ الفيضان فقط ، ﴿ويا سماء اقلعي﴾ وقلنا للسماء أن تمُسك وتقلع عن إفاظة الأمطار الغزيرة وتكفّ عن إرسال الماء مدراراً وتقطع ماءَها ، ﴿وغيض الماء وقُضيَ الأمر﴾ فأخذ الماءُ بالنقصان والإنحسار شيئاً فشيئاً حتّى جَفَّت الأرض عدى البحار والأنهار والعيون وانتهى أمر هلاك قوم نوح ، ﴿واستوَت على الجوديّ﴾ فرَسَت سفينة نوحٍ على جبل الغريّ المُسمّى بطورٍ قُرب مسجد الكوفة حيث اختار نوحٌ لَحَدَه هناك ، ﴿وقيل بُعداً للقوم الظالمين﴾ فعند ذلك هتفت ملائكة العذاب الموكّلة بالطوفان قائلة : ألا بُعداً لقوم نوحٍ من رحمةِ الله لشركِهِم وظلمهم ، ﴿ونادی نوحٌ ربَّه فقال : ربّ إنّ ابنی من أهلي﴾ فتذكَّر نوحٌ وعدَ ربّه بإنقاذ أهل نوحٍ من العذاب واستثنائهم بقوله وأهلك فقال : إلهي أليس ابن زوجتي من أهلي ؟ ﴿وإنّ وعدك الحقّ وأنت أحكم الحاكمين﴾ فهو بمثابة ولدي وقد تبنيته فهو يُعَدّ من أهلي عُرفاً لا شرعاً إنَّ وعدك حقٌّ وأنت أعدل الحاكمين في الحكم وأنصفهم ، ﴿قال يا نوح إنّه ليس من أهلك﴾ قال الله تعالى لنوح موحياً إنَّ كنعان وإن عُدَّ من أهلك عرفاً لكنّه فقدَ هذه الميزة بشركهِ وكفره والمُشرك لا يكون من أهل بيت النبوّة ، ﴿إنّه عملٌ غير صالح﴾ فيا نوح بديهيٌّ وقطعيٌّ إنّ الشِّرك والكفر بالله وعصيان أمرك وعدمِ طاعتك هو عملٌ طالحٌ فاسدٌ غير صالحٍ منه يستحقّ عليه العذاب ، ﴿فلا تسألن ما ليس لك به علم﴾ فما دُمت عاجزاً عن هدايةِ كنعان وليس لك علمٌ بكيفيّة إنقاذه من العذاب والشرك بعد إتمام الحجّة عليه فلا تسأل لماذا عذَّبناه ، ﴿إنّي أعِظك أن تكون من الجاهلين﴾ يا نوح إنيّ أنصحك وأُحذّرك أن لا تكون كأحدِ الجُهّال الذين لا يعلمون لماذا أغرَق الله كنعاناً مع علمك بكفره ، ﴿قال ربِّ إنّي أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم﴾ فقال نوح يا إلهي أنا أعوذ مِن سخطك إليك أن أسألك عن سبب غرق كنعان الذي لم أعلم كيف أهديه وأُنقذه من الشرك ، ﴿وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين﴾ فإن لم تغفر لي سؤالي عن إنّه هل هو مِن أهلي أم لا؟ وتشملني رحمتك الواسعة سأکون ممَّن خسروا غفرانك ورحمتك ، ﴿قيل يا نوح اهبط بسلامٍ منّا﴾ فعند ذلك قالت الملائكة لنوحٍ إنزِل من السفينة إلى الأرض بوادي السَّلام في الغريّ باطمئنانٍ وسلامةٍ وأمان ، ﴿وبركاتٍ عليك»﴾ فوادي السَّلام أرض البركة فستكون لك البركة في الأولاد والبركة في العُمر فسيطول عمرك وبركةٌ في لحَدك فستكون ضجيعاً لآدم وسيكون ضجيعك عليٌّ (عليه السلام) ، ﴿وعلى أُمَمٍ ممَّن معك﴾ هذه الآية المعجزة الخالدة التي اجتمع فيها سبعة ميماتٍ في التلفّظ وذلك مستحيلٌ أن يَقع في كلام إنسانٍ بأيّ لغةٍ كان فالبركات تشمل المؤمنين أيضاً وغيرهم ، ﴿و أُممٌ سنمتّعهم ثُمّ يمسّهم منّا عذابٌ أليم﴾ وأُمَمٌ من نسل هؤلاء المؤمنين سنمتّعهم في الحياة الدنيا بنعماتها فيطغون فيها ثمَّ ينالهم منّا عذابٌ أليم آخر.
﴿تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك﴾ يا حبيبى يا رسول الله إنّ قصّة نوحٍ تلك أوحيناها إليك وهي من الأمور الغيبيّة القديمة فكما أنّ نوحاً عاش ألفي سنةٍ فسيعيش ولدك المهديُّ مثله ، ﴿ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا﴾ فقبل أن نوحيها إليك لم تكن تعلم بتفاصيلها وأسرارها وكذا قومك ما كانوا يعلمون بها فأوحيناها لِكَي يعلموا أنّ الله يعذّب من عصاه وعصى رسوله وأهل بيته ، ﴿فاصبر إنّ العاقبة للمتّقين﴾ فكما صبر نوحٌ على تكذيب قومِه حتى أن أهلكهم الله فاصبر يا حبيبي على تكذيب أمّتك لك في نصبك لعليٍّ بعدك فالعاقبة تكون الحكومة لولدك المهديّ ( عليه السلام ) وشيعته .
﴿وإلى عادٍ أخاهم هوداً قال يا قومِ اعبدوا الله﴾ واذكر يا حبيبي أيضاً نبيّنا هود ( عليه السلام ) حيث أرسلناه إلى إخوته في القبيلة قوم عادٍ ليدعوهم إلى التوحيد وترك الشرك فقال لهم اعبدوا خالقكم ، ﴿ما لكم من إلۤهٍ غيره إن أنتم إلاّ مفترون﴾ فليس لكم خالقٌ وربٌّ سوى الله الواحد الأحد فأنتم في عبادتكم للأوثان وشرككم بالله بادِّعاء الربوبية لغيره كاذبون مكذّبون ، ﴿يا قوم لا أسألكم عليه أجراً﴾ يا قوم عاد : إنّی إنمّا جئتکم رسولاً من عند الله لُأنقذکم من الضلالة والعمی و أهديکم الى التوحيد والجنة ولستُ أطلب مالاً على ذلك ، ﴿إن أجريَ إلاّ على الذي فطرني أفلا تعقلون﴾ إعلموا يقيناً وثقوا إنّني إنما أطلب الأجر على رسالتي وعلى ما أتحمّله من المشاقّ في سبيل الله مِنَ الله الذي خلقني فهل تفهم عقولکم انّي علي حقّ .
﴿ويا قوم استغفروا ربّكم ثم توبوا إليه﴾ فقال هودٌ لقومِ عادٍ اُتركوا المعاصي الكبيرة والكفر والشرك واتركوا الظلم والجرائم والآثام وتوبوا إلى الله من الكفر وآمنوا به، ﴿يُرسِل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوةً إلى قوّتكم ولا تتولوا مجرمين﴾ فإن تُبتم وآمنتم بالله وتركتم الشرك واستغفرتم لذنوبكم فحينئذٍ يغفر الله ذنوبكم التي منعت الأمطار فيُرسل الأمطارالغزيرة ويرزقكم قوّة المال بعد قوّة البدن ، ﴿قالوا يا هود ما جئتنا ببيّنةٍ﴾ فأجابه قوم عادٍ الكفّار فقالوا له : يا هود إنّك ما جئتنا بالعذاب الذي أوعدتنا حتى يكون تبياناً لقولك وتصديقاً لك ، ﴿وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين﴾ فلأنّك لم تُثبت صدق وعيدك بنزول العذاب إن لم نؤمن فنحن لا نترك عبادة الأوثان بمحضِ نهيك ولا نتّبعك ولا نُطيعك ، ﴿إن نقول إلاّ اعتراكَ بعض آلهتنا بسوءٍ﴾ فبدَل أن نُصدَّق أقوالك نقول في شأنِك إنّك مُخبَّلُ أصابك بالخبال بعض هذه الأوثان التي عاديتها وحاربتها، ﴿قال إنيّ أُشهد الله واشهدوا انّي بريءٌ ممّا تشركون﴾ فأجابهم إن كنتم لا ترضون منّي لمعاداتي الأوثان فأنا أحبّ أن يراني الله ويشهدني في إصراري على محاربة الأوثان واشهدوا عليَّ بأنّي بريءٌ منها ، ﴿من دونه فكيدوني جميعاً ثمّ لا تُنظرون﴾ فكلّما تعبدونه من دون الله أبرأُ منه وأُعاديه وأُحاربه وأبغضه فنتيجة ذلك أن تحتالون في عدائي وتقولون إنّي مُخَبَّل فأنا أتحمَّل ذلك في سبيل الله ولا أطلب منكم عَفواً، ﴿إنّي توكّلت على الله ربّي وربّكم﴾ فأنا في أداء رسالتي وتبليغ مهمّتي من جانب الله لا أتّكِل على معونة أحدٍ بل أنا متوكّلٌ على الله فحسب وهو مُرسلی وخالقکم ، ﴿ما من دابةٍ إلاّ هو آخذٌ بناصيتها﴾ فالله سبحانه هو وليُّ الأمور ومالك الرِّقاب وخالق الخلق فما من ذي روحٍ إلاّ و إنَّ نفسه التي بين جنبيه بيد الله وهو السلطان القادر عليه ، ﴿إنّ ربّی علی صراطٍ مستقيم﴾ فبالتأكيد والقطع واليقين إنّ الله عادلٌ بالذّات ويحكم بالعدل وهو يحاسب الخلق على الحقّ والعدل ويُثيب ويعاقب عليهما ، ﴿فإن تولّوا فقد أبلغتكم ما أُرسلت بهِ إليكم﴾ فإن تُعرضوا عن الإيمان والتوحيد بالله فذلك هو الإِختيارُ السيّىء الذي لم تُجبَروا عليه وأنا قد أدَّيت ما عليٍّ من إبلاغ رسالة الله إليكم ، ﴿ويستخلف ربّي قوماً غيركم﴾ فإن أعرضتم عن الإيمان وأصررتم على الشرك يُهلككم الله بعذابه ثمَّ يأتي من بعدكم ومن خلفكم أقواماً آخرون يؤمنون به و يعبدوه ، ﴿ولا تضرّونه شيئاً إنّ ربّي على كلّ شيءٍ حفيظ﴾ فأنتم بإصراركم علي الكفر لا تضرّون الله أبداً فلن ينقص منه أو من عظمته وربوبيّته شيء وهو يثبت ويُسَجِّل كلّ شيءٍ من أفعالكم .
﴿ولما جاء أمرنا نجّينا هوداً والذين آمنوا معه﴾ وعندما جاء قوم هودٍ عذابنا و أمَرنا بهلاكهم أمرنا هوداً أن يخرج بالمؤمنين من بين القوم فنجيّناهم من ذلك العقاب المُهلِك ، ﴿برحمةٍ منّا ونجّيناهم من عذابٍ غليظ﴾ فشملت رحمتنا هوداً في حياتِه ومماتِه حيث دُفِن بجوارهِ علىّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ورحمنا رَبعَه المؤمنين فخلَّصناهم من العذاب والهلاك الذي كان عذاباً شديداً مُضاعفاً.
﴿وتلك عادٌ جحدوا بآيات ربّهم﴾ فهذه قصّة قبيلة عادٍ قوم هودٍ الذين عذّبناهم وأهلکناهم لأنهّم كذّبوا بالبراهين والأدلة المثبتة للتوحيد ونبوّة هودٍ ومعاجزه ، ﴿وعصَوا رسُلَه واتّبَعوا أمرَ کلّ جبارٍ عنيد﴾ فبإصرارهم على الشرك والکفر عَصَوا جميع أنبياءِ الله ورسله الذين دعوا إلى توحيد الله وعبادته وأطاعوا أوامِرَ رؤسائهم الظلمة الجبابرة المعاندين، ﴿وأُتْبِعوا في هذه الدّنيا لعنةً ويوم القيامة﴾ فتبعاً لکفرهم وعنادهم وإصرارهم على الکفر والشرك ونتيجةً متعاقبةً لهم لعنهم الله وطردهم من رحمته فأهلکهم بعذابه ولعنهم في الآخرة فأدخلهم النار ، ﴿ألا إنّ عاداً كفروا ربّهم ألا بُعداً لعادٍ قوم هود﴾ فاعلموا أيّها الناس إنَّ قبائل عادٍ قوم هود استمرّوا في الكفر وأصرّوا على الشرك بعد إتمام الحجّة فاعلموا انّ الله أبعدهم من رحمته ، ﴿وإلى ثمودَ أخاهم صالحاً﴾ واذكر يا حبيبي بَعد قِصّة قوم هودٍ وهلاكهم لتكذيبهم هوداً ما جرى على قوم صالح النبّي حينما اتاهم وهُم قبائل ثمودٍ وقصّته معهم حتىّ يَتّعِظُوا ، ﴿قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلۤه غيره﴾ فقال لهم يا قوم ثمود اُتركوا عبادة الأوثان والأصنام واعبدوا الله الخالق الواحد الذي ليس لكم خالقٌ سواه ، ﴿هو أنشأكم من الأرض و استعمرکم فيها﴾ فالله سبحانه هو الذي أنشأ وخلق أبيکم آدم من أديم الأرض والماء ثُمَّ نَفَخَ فيه من روحه ثمّ أوجدکم من نسله فأسکنکم الأرض وعَمَّرها لکم ليرزقکم ، ﴿فاستغفروه ثم توبوا إليه إنّ ربّی قريبٌ مجيب﴾ فآمنوا بالله واعبدوه واطلبوا المغفرة منه على ذنبكم العظيم وشرككم به فتوبوا الى الله من عبادة الأوثان فالله أوحى إليَّ أنّه قريبٌ من المؤمنين مجيبٌ للمستغفرين ، ﴿قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوّاً قبل هذا﴾ فأجابه قوم ثمود يا صالح إنّنا قبل إدّعائك النبوَّة ودعوتك إلى ترك الأصنام كنّا نرجو أن تكون عضداً لنا في ديننا ودنيانا ، ﴿أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا﴾ فهل تتجرَّأُ على أن تَنهانا من عبادة الأصنام والأوثان التي كان يعبدها قبلنا آباؤنا وأجدادنا وَوَرِثنا منهم تقديسها ، ﴿وإننّا لفي شكٍّ ممّا تدعونا إليه مريب﴾ ونحن بعدُ لم نصدِّق إدّعاءك ولم يحصُل لنا اليقين بوحدانيّة الله ونحن نشكُّ هل يحسن ترك عبادة الأوثان ؟ فنحن مرتابون من دعوتك ، ﴿قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي وآتاني منه رحمةً﴾ فقال صالح لقوم ثمود أيّها القوم الكفار ما هو رأيكم الصحيح المعقول إذا كنت أثبِتُ رسالتي من قِبَل الله بالبُرهان وأُثبت أنّه آتاني رحمة النبوّة ، ﴿فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسيرٍ﴾ فبعد أن ثبتت نبوّتي بالدّليل والإِعجاز كيف يمكن أن أُجامِلكم في كفركم وشرككم فإن فعلتُ فَمَنِ الذي يُنجيني من عذابه فأنتم لا تفيدوني سوى الضلال ، ﴿ويا قوم هذه ناقة الله لكم آيةً فذروها تأكل في أرض الله﴾ فإن كنتم في شكٍّ مما أدعوكم فلكم ما طلبتم من الإِعجاز وإخراج ناقةٍ من الجبل فهذه الناقة معجزة أخرجتُها فدعوها ترعی من عشب الأرض ، ﴿ولا تمسّوها بسوءٍ فيأخذکم عذابٌ قريب﴾ ولا يجوز لكم أن تؤذوها أو تقتلوها أبداً فإن فعلتم وأسأتم إليها أو قتلتموها فالله سبحانه يرسل عليکم العذاب عاجلاً، ﴿فعقروها فقال تمتّعوا في دارکم ثلاثة أيامٍ﴾ لكن ثموداً قوم صالحٍ عاندوه وعصوه فقتلوا الناقة فقال لهم صالحٌ لقد حان وقت العذاب فلن تتمتّعوا بالحياة و بمنازلکم سوی ثلاثة أيامٍ ، ﴿ذلك وعدٌ غير مكذوب﴾ وهذا الموعد والوعيد بالعذاب هو قطعيٌّ ثابتٌ أخبرني اللهُ به والله لا يخلف ذلك وأنا صادقٌ لا يكون وعدي مكذوباً، ﴿فلمّا جاء أمرنا نجّينا صالحاً والذين آمنوا معه﴾ فعندما جاء موعد إرسال العذاب على ثمود أمرنا صالحاً أن يخرج من بينهم مع حزبه المؤمنين لينجون من العذاب ، ﴿برحمةٍ منّا و مِن خزي يومئذٍ﴾ فشَمَلَت رحمتنا صالحاً في حياته وبعد مماته إذ دُفِن بجوارهِ عليٌّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في النَّجف ونجَّاه وحزبه من عذاب ثمود ، ﴿إنّ ربّك هو القويُّ العزيز﴾ فتيقَّن يا حبيبي يا رسول الله إنَّ ربك هو القويُّ القادر على إهلاك أعدائه وهو العزيز المُعِزّ لأوليائه ورسله ، ﴿وأخذ الذين ظلموا الصيحةُ﴾ فلمّا حانَ موعِدُ هلاكِهم صاح فيهم جبرائيل ( عليه السلام ) صيحةً مدويّة شديدةً صعِقوا منها ووقعوا على وجوههم ميّتين لظلمهم وشركهم وكفرهم ، ﴿فأصبحوا في ديارهم جاثمين﴾ فكانت هذه الصيحة المهلكة من جبرائيل ليلاً في آخر الليل فلمّا كان الصباح كانوا جميعاً مُلقَون على الأرض أمواتاً في منازلهم ، ﴿كأن لم يغنوا فيها ألا إنّ ثمود كفروا ربّهم ألا بُعداً لثمود﴾ فكأنّهم أصابتهم صاعقة في البيداء فلم تغنيهم ديارهم ومنازلهم ولم تحصنهم من الصيحة فاعلموا أنّهم أصرّوا على كفرهم فأبعدهم الله من رحمته .
﴿ولقد جاءت رسلُنا إبراهيم بالبُشری﴾ واذکر يا حبيبي حينما أردنا أن نُهلِك قوم لوطٍ وأردنا أن نسلّي إبراهيم ببشارة ولادة إسحاق من سارة و إبراهيم ، ﴿قالوا سلاماً قال سلامٌ﴾ فجاءه جبرائيل وميکائيل وإسرافيل وكرّوبيل في زيِّ البَشَر متعمّمين وبهيئةٍ حسنةٍ كضيوفٍ لإِبراهيم فسلّموا عليه فردَّ عليهم السلام ، ﴿فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذ﴾ فأجلسهم في مضيفهِ وذبح عِجلاً كان لسارة تحبُّه إكراماً لهم ثمّ أتي به مشويّاً ووضعه على السّماط أمامهم ، ﴿فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نَكِرَهم﴾ لكنّه رآهم لا يأكلون من الطعام ولا يمدّون أيديهم إليه و هم مُلتثمون بالعمامةِ أنكرهم إذ كانت العادة أنّ العدوَّ لا يأكل من الزاد ، ﴿وأوجَس منهم خيفةً﴾ فكاد أن يحسّ بالخوف منهم فاضطربَت نفسه أهل هؤلاء من شرطة نمرود ؟ جاؤوا للقبض عليه وحبسه ؟ ﴿قالوا: لا تَخَفْ﴾ فحَسَر جبرائيل عن وجهه فعرفه إبراهيم وثبت روحه واطمأنَّ نفسه فقال له جبرائيل لا تخف لسنا أعداء ، ﴿إنّا أُرسلنا الى قوم لوط﴾ فأخبروه بأنهّم نزلوا إلى الأرض لكي يُهلكوا قوم لوطٍ بعذاب الله فأخذ إبراهيم يُجادلهم في ذلك واغتمَّ لذلك ، ﴿وامرأتُه قائمة فضحكت﴾ وكانت سارة زوجة إبراهيم قائمة تسمع كلام الملائكة ففرحت من خبر هلاك قوم لوطٍ الفسقة وضحكت بدل أن تغتمّ ، ﴿فبشَّرناها بإسحاق ومن وراءِ إسحاق يعقوب﴾ فأمرنا جبرائيل بأن يُبشّرها بأنهّا ستَلِد بعد العُقر إسحاق نبيّاً وسيكون بعده يعقوب ولده نبيّاً مرسلاً ، ﴿قالت يا ويلتي ءَأَلِد وأنا عجوز ؟﴾ فقالت واعجباه هل يمكن أن أَلِد وقد كنت عاقراً وأنا الآن عجوزة يائسة واليائسة لا تَلِد ، ﴿وهذا بعلي شيخاً إنَّ هذا لشيءٌ عجيب﴾ فقالت هبوا أنّي لم أكن عجوزة يائسة ولم أكن عاقرة لكنَّ إبراهيم زوجي شيخٌ هَرِم کبيرٌ فخبر الولادة هذا عجيبٌ ، ﴿قالوا أتعجبين من أمر الله﴾ فقالت الملائكة لسارة : لماذا تتعجبين فهل عجيبٌ ما تعلَّقت به إرادة الله ومشيئتهُ فإنه إذا أراد شيئاً وقال لهُ كُن فيكون ، ﴿رحمتُ الله وبركاتُه عليكم أهلَ البيتِ﴾ فيا حبيبي كما مننّا على إبراهيم وسارة ورزقناهما إسحاق ويعقوب و بينهما فکذلك أنتم آل محمدٍ وأهل بيت النبوّة شملتکم رحمته و برکاته فستکثر ذرّيتکم ، ﴿إنّه حميدٌ مجيد﴾ إنّ الله محمود الأفعال وسيُبارك فی نسلک يا محمَّد و إنّه مجيدٌ سيورثك المجد والعظمة فی ذرّيتک .
﴿فلمّا ذهب عن إبراهيم الرَّوع وجاءته البُشرى﴾ فلنستمرّ في قصة إبراهيم وقوم لوطٍ يا حبيبي ، فعندما بشَّرتهُ الملائكة وذهبَ عنهُ ما كانَ يُحسّ من الخوف وذهب عنه القلق وسمع البشارة ، ﴿يُجادلنا في قوم لوطٍ﴾ فبعد أن قال له جبرائيل إنّا جئنا لهلاك قوم لوطٍ أخذ يُجادله رُبَّما يجد طريقاً لإِنقاذهم ونجاتهم و تأخير العذاب لعلّهم يؤمنون ، ﴿إنّ إبراهيم لحليمٌ أوّاهٌ منيب﴾ بالتاکيد کان إبراهيم ذو حلمٍ و أناةٍ علی إِيذاء الکفار له يتأوّه لإصرار قوم لوطٍ علی الکفر و هلاكهم لأجله ومنيبٌ إلى الله ليُمهل الكفار كي يؤمنون ، ﴿يا إبراهيم أعرِض عن هذا﴾ قالت الملائكة لإبراهيم أعرِض عن الجِدال بشأن قوم لوطٍ وعن تأخير عذابهم وهلاكهم لأنهّم مُصرّون على الكفر ، ﴿إنّه جاء أمر ربّك وإنهّم آتيهم عذابٌ غير مردودٍ﴾ فاعلم يقيناً إنّ أمر الله بإهلاكهم صادرٌ إلينا ونحن جئنا لهذه المهنة وقطعاً إنّ العذاب نازلٌ بهم غير مدفوع عنهم .
﴿ولمّا جاءت رسلنا لوطاً سيءَ بهم﴾ فلمّا أن قام جبرائيل ومن معه من الملائكة من عند إبراهيم ذهبوا إلى سدومٍ قرية لوطٍ وكان يعمل في أرضٍ له فسلّموا عليه وقالوا نحن ضيوفك فدخله الحزن لجمالهم ، ﴿وضاق بهم ذرعاً و قال هذا يومٌ عصيبٌ﴾ فضاق صدره من قولهم إنّهم ضيوفٌ عليهم حيث خاف عليهم من إعتداءِ أهل القرية عليهم فأخذهم إلى داره من غير الطريق العام و قال إنَّ الضيافة هذا اليوم مُشكِلٌ ، ﴿وجاءَه قومه يُهرعون إليه﴾ فلمّا أحسَّ قوم لوطٍ أنَّ في بيت لوطٍ ضيوفٌ مُردٌ بيضٌ في غاية من الجمال والحُسن جاءوا يرکضون نحو داره ، ﴿ومن قبلُ کانوا يعملون السيّئات﴾ وكانت عادة قوم لوطٍ اللواط مع الضيوف الذين يدخلون قريتهم ، فهرعوا لذلك ، ﴿قال يا قوم هؤلاء بناتي هُنَّ أطهر لكم﴾ فقال لقوم لوطٍ إنَّ هؤلاء ضيوفي وهم في حمايتي و إجارتي وإكرامي فلا يمكن أن أدعكم تعتدون عليهم فبدلاً عنهم أُزوّجكم بناتي لتنكحوهنّ ، ﴿فاتّقوا الله ولا تُخزون في ضيفي﴾ فخافوا الله وعذابه وانتقامه وارجعوا عن قصدكم الإعتداء على ضيوفي فلا تفضحوني وتجلبوا إليَّ الخزي والعار من ذلك ، ﴿أليسَ منکم رجلٌ رشيدٌ﴾ ألا يوجد فيکم رجلٌ عاقلٌ منصفٌ ذو وجدانٍ لكي يُفكِّر فيما أقول فيمنعکم عن هذا الإِجرام والإِساءة والظلم ؟؟ ﴿قالوا لقد علمتَ ما لنا في بناتك من حقٍّ﴾ فقال قوم لوط للوطٍ لقد علمتَ إنّنا لكُفرنا يحرم علينا أن نتزوَّج بناتك المؤمنات فلا يحقّ لنا نكاحهُنّ ، ﴿وإنّك لتعلم ما نُريد﴾ وإنّك بالتأكيد تدري إنّنا نريد أن نلوط بضيوفك وإلاّ فإنّ نساءنا تحت أيدينا ، ﴿قال لو أنَّ لي بكم قوةً أو أوي إلى ركن ٍشديد﴾ فقال لوط لقومه يا ليت أن تكون لي الولاية التكوينيّة الإِعجازيّة كما هي لآخر وليٍّ على الأرض القائم المهديّ أو يكون لي أصحاباً كأصحابه فأدفعكم منّي .
﴿قالوا يا لوط إنّا رُسُل ربّك لن يَصلوا إليك﴾ فعندئذٍ حينما هجموا عليه في الدّار ليعتدوا على ضيوفه قال جبرائيل وربعه للوطٍ : نحن ملائكة الله أُرسلنا لعذاب هؤلاء فلن يتمكّنوا من الدخول ، ﴿فأسرِ بأهلك بقطعٍ من الليل و لا يلتفت منكم أحد﴾ فأمروه بأن يخرج من القرية سدومٍ مع بناتِه وأهله أثناء الليل وقالوا له لا يرجع أحدٌ منكم إلى الدار والقرية بل أبعدوا عنها ، ﴿إلاّ امرأتك إنّه مصيبها ما أصابهم﴾ ولكن لا تخرج معك زوجتك التي كانت تتعاون مع قوم لوطٍ وأخبَرَتهم بمجيئي الضيوف فإنّها ستُعذَّب معهم وتهلك ، ﴿إنّ موعدهم الصبح﴾ فقالت الملائكة للوطٍ اُخرج بأهلك من قريتهم ليلاً فإنّ موعد عذابهم هو الصباح وهو يوم الإِنتقام ، ﴿أليس الصُّبح بقريبٍ﴾ فيا حبيبي يا محمد أليس صباح الإنتقام من المنافقين وأعداءك وأعداء أهل بيتك وقيام القائم ان وُلدِك بقريبٍ ؟؟!!.
﴿فلما جاء أمرنا جعلنا عاليَها سافلها﴾ فعندما حان الصباح وجاء موعد العذاب أمرنا جبرائيل فوضع جناحه تحت القرية ورفعها الى السماء فقلَّبها و ألقاها على الأرض ، ﴿وأمطرنا عليها حجارةً من سجيلٍ منضود﴾ وبعد أن دمَّرناهم وأهلكناهم أمرنا الملائكة فأمطروا على قراهم مطراً من الصَّخر المُكَعَبرٍ والحَجَر المفخور بالنار متوالياً مترادفاً ﴿مسومةً عند ربِّك﴾ وكلّ حجارة معينةً بإسم کلّ واحدٍ منهم يُرمی بها فتُدمّره وتهشم عظامه وتدقّ لحمه عيَّنها الله له ، ﴿وما هي من الظالمين ببعيد﴾ فيا حبيبي يا رسول الله ليست هذه الحجارات التي يرميها الله ببعيدة من الظالمين الذين يظلمون أهل بيتك وشيعتهم .
﴿وإلي مَدين أخاهم شعيباً﴾ وتذكَّر يا حبيبي حينما أرسلنا إلى قبيلة مديَن أخاهم شعيباً من قبيلتهم بالرّسالة والنبوّة فقام بأداء الرسالة ، ﴿قال يا قومِ اعبدوا الله ما لکم من إلۤهٍ غيره﴾ فكانوا كفاراً ومشركين وبخلاء وسُرّاق يبخسون المكيال والميزان فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك الأوثان ، ﴿ولا تنقصوا المكيال والميزان﴾ ودعاهم إلى أن لا يسرقوا من المكيال ولا يبخسوا الميزان بل يلتزموا بالعدل في البيع والشراء ، ﴿إنّي أراكم بخير﴾ فإن عبدتم الله وحده والتزمتم العدل والإِنصاف في البيع والشراء ولم تنقصوا المكيال والميزان فستكونون في سعادة الدارين، ﴿وإنّي أخاف عليکم عذاب يومٍ محيط﴾ ولكنّكم إن أصررتم على الشرك وعلى السرقة والظلم فأنا أُحذّرکم نزول عذاب يشملکم جميعاً ويهلککم ، ﴿ويا قَوْمِ﴾ فکما خاطب شعيب قومه وأمرَهم بالعدل وعدم السرقة والغصب وبخس المكيال والميزان فخاطب قومك يا محمَّد كذلك، ﴿أوفوا المكيال والميزان بالقسط﴾ وقل لأِمتّك وأتباعك المسلمين أن يتمّوا الوزن الكامل في المكيال والميزان في معاملاتهم ، ﴿ولا تبخسوا الناس أشياءهم﴾ وقل لهم يا حبيبي : لا تغصبوا حقَّ الناس ولا تسلبوهم ما خوَّلهم الله فلا تغتصبوا الخلافة ولا تمنعوا الخمس ولا تبخسوا الزَّهراء حقَّها ، ﴿ولا تعثَوا في الأرض مُفْسدين﴾ وقل لهم يا حبیبی أن لا تُزيحوا الخلافة عن أهلها ولا تجعلوها قيصريّةً وكسرويةً وملوكيّةً وأمويّةً وعباسيّةً وعثمانيّةً فلا تُفسدوا في الأرض .
﴿بقيّة الله خيرٌ لكم﴾ وقل لهم يا حبيبي : إن تخضعوا لولاية آل محمدٍ وتتمسّكوا بأهل البيت والقرآن فالنتيجة هي حكومة بقيّة الله المهدي ( عليه السلام ) وهي خيرٌ لكم من حكومة غيره ، ﴿إن كتتم مؤمنين﴾ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وتؤمنون بالقرآن والنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فالله ورسوله يأمرانكم بطاعة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ﴿وما أنا عليكم بحفيظ﴾ فإن لم تطيعوا أهل البيت ( عليهم السلام ) ولم تخضعوا لولاية عليٍّ ( عليه السلام ) ووُلدِه بل أفسدتم في الأرض بمخالفتهم فأنا لَن أحفظكم من عذاب الله وانتقامه ، ﴿قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا﴾ فلنستمرّ في قصّة شعيب وقومه يا حبيبي فلمّا دعاهم شعيبٌ إلى عبادة الله وحده وتركِ عبادة الأوثان والأصنام قالوا استهزاءً : هَل صلاتك تأمرك بهذا ؟! ﴿أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء﴾ أو أنّ صلاتك تأمرك أن تنهانا عن أن نفعل ما نريد من السرقة والخيانة والبَخس في المكيال والميزان کما نشاء ، ﴿إنّک لَأنت الحليم الرَّشيد﴾ فاستهزؤوا به وسخروا منه وقالوا له إنّك كُنت فينا قبل هذا مشهوراً بالحلم والعقل فكيف تقول لنا أن نترك الأرباح ؟؟ ﴿قال يا قوم أرأيتم إن كنتُ على بيّنةٍ من ربّي﴾ فأجابهم قائلاً يا قوم ما هو رأيكم لو أنّي أُثبت لكم بالدّليل والبُرهان والإعجاز أنّي مُرسلٌ من قبَِلِ الله بهذا ؟ ﴿ورزقني منه رزقاً حسناً﴾ والله سبحانه هو الذي رزقني رزقاً حلالاً من جانبه بدون أن أسرق أو أبخَس الناس أشياءَهم ، ﴿وما أريد أن أُخالفكم إلى ما أنهاكم عنه﴾ وأنا بمَنعكم عن النقص في المكيال والميزان لا أُريد أن أمنعكم ربحاً كي أجرّه الى قُرصي بل أنا واعظٌ مُتّعِظٌ، ﴿إن أُريد إلاّ الإصلاح ما استطعت﴾ بل إنّي أقصد من ذلك إجراءَ العدل ومنع الظلم وإصلاح أمور المجتمع وإصلاح نفوسكم وتهذيبها حسب الإِمكان ، ﴿وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه أُنيب﴾ وللوصول إلى غايتي هذه أطلب التوفيق من الله إذ التوفيق منحصرٌ بيده فعليه توكّلت وإليه أُخلِص وأبتهِل وألجأ .
﴿ويا قوم لا يجرِمَنّكم شقاقي أن يصيبکم مثل ما أصاب قوم نوح﴾ وقال لهم شعيب : يا قوم مدين لا يکسبنّکم جريمة مخالفتي وعصياني العذاب الإلهي والهلاك كما فعل الله بقوم نوحٍ والطّوفان من قبل ، ﴿أو قوم هودٍ أو قوم صالحٍ وما قوم لوطٍ منكم ببعيد﴾ أو كما صبَّ الله من العذاب المُهلِك لعادٍ وثمودٍ وأهل سدومٍ من الصّاعقة والصيحة والدّمار ومطرَ الحجارة وهو قريبُ العهد منكم ، ﴿واستغفروا ربّکم ثم توبوا إليه إنّ ربّي رحيمٌ ودودٌ﴾ يا قوم توبوا الی الله من الكفر والشرك واستغفروهُ لذنبكم الكبير والنقصان في المكيال والميزان فإن فعلتم فالله يرحمکم و يتقبَّل توبتکم و يغفر ذنوبکم وهو يُحبّ التوّابين ، ﴿قالوا يا شعيب ما نفقَه كثيراً ممّا تقول﴾ فأجابوه مُستَخِفّينَ، بأقوالهِ ومواعظهِ ونصائحهِ يا شعيب لا نفهَمُ أكثر ما قلت نعم كان قبلنا أقوام ونحن خلَّفناهم ولا أكثر ، ﴿وإنّا لنراك فينا ضعيفاً﴾ يا شعيب نحن لا نعبأ بأقوالِك وتهديداتك بالعذاب وإنذارك لأنّنا نراك فينا زاهداً عابداً ناسكاً قليل المال ، ﴿ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيزٍ﴾ واعلم يا شعيب لولا عشيرتك وجماعتك المؤمنين لحاربناك وضربناك بالحجارة لمُعاداتك آلهتنا وليس لك إحترامٌ وعزّةٌ عندنا، ﴿قال يا قوم أَرَهطي أعزُّ عليكم من الله﴾ فأجابهم شعيبٌ وقال : يا قوم مديَن إنّکم لم ترجموني لاحترام عشيرتي وقومي فهل هم أعزُّ من الله واحترامه عند کم ، ﴿واتخذتموه وراء کم ظِهرياًَ إنّ ربّي بما تعملون محيط﴾ فالله هو خالقهم وخالقكم ومُرسِلي فهُوَ الأجدرُ بالإِعزاز والإكرام وقد اتخّذتم أمره خلف ظهوركم وخالفتموه وهو ربّي أحاط علماً بما تفعلون فيُعاقبكم عليه ، ﴿ويا قوم اعملوا علی مکانتکم﴾ فيا حبيبی يا محمَّد خاطِب قوملک کما خاطب شعيبٌ قومه وقل للمسلمين أن يعملوا بالتقوى وأحكام القرآن والسّنة ويتمسّكوا بأهل البيت ( عليهم السلام ) ، ﴿إنّي عامل﴾ وقل للمسلمين : إنّي عاملٌ بجميع أحكام القرآن ومبلِّغٌ جميع آياته ولا أترك الوصيّةَ بل لا أدَع الخلافة بل أنصِب علياً وصياً وولياً وإماماً وخليفةً ، ﴿سوف تعلمون من يأتيه عذابٌ يُخزيه﴾ فإن لم تتمسّكوا بالقرآن والعترة ولم تطيعوا الله ورسوله وأهل بيته ففي المستقبل تعلمون من يُهلکه الله بسيف المهدي ( عليه السلام) المنتقم ويُخزيه به ، ﴿ومن هو کاذب﴾ فعند ظهور الإِمام المهدي ( عليه السلام ) من أهل البيت وهو القائم المنتقم يُعرَف الکاذب المدّعي ولايةً غير عليٍّ ( عليه السلام ) کذباً فيُجازی علی کذبه ، ﴿وارتقبوا إنّي معکم رقيب﴾ أيّها المؤمنون انتظروا الفرَج فإنّ انتظار الفَرج من الفرج فارتقبوا دولة المهدي ( عليه السلام ) فأنا معكم متلَهِّفتٌ لظهوره وقيامِه.
﴿ولمّا جاء أمرنا نجّينا شعيباً﴾ فلنستمرّ يا حبيبي فی سردِ قصّة شعيبٍ وعذاب قومه فحينما حان وقت هلاكهم وعذابهم أمرنا شعيباً أن يخرج مع المؤمنين من مدين ، ﴿والذين آمنوا معه برحمةٍ منّا﴾ فأنقذنا أتباعه المؤمنين مَعَهُ وشملتهم رحمتنا فأمرناه بأن يأمرهم بالخروج قبل نزول العذاب من بين ظهورهم ، ﴿وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين﴾ فأمرنا جبرائيل أن يصيح فيهم بالعذاب فصاح صيحةً أهلكهم بها بعد أن جَثَوا على ركبتهم فماتوا في هذه الحالة ليلاً فَأَصبحوا ولا متنفّس يتنَفَّس ، ﴿کَأَنْ لمَ يغنوا فيها ألا بُعداً لمديَن کما بعدَت ثمود﴾ فأهلكهم الله في ديارهم ومنازلهم كأنهّم لم تنفعهم بيوتهم وحصونهم وقلاعهم من الموت والهلاك وكأنهّم لم يعيشوا فيها فاعلموا أنّ الله أبعدهم من رحمته کما أبعد ثمود .
﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطانٍ مبين﴾ وتذكَّر يا حبيبي حينما أرسلنا موسی بآيات التوراة والمعاجز وأيّدناه بوزارة هارون وإمامته فذلك السلطان البيِّن الظاهر ، ﴿إلى فرعون وملائه﴾ فأمرناه أن يُبلّغ رسالتنا ودعوتنا إلى التوحيد وترك الشرك بالله الى فرعون مصر والأقباط ، ﴿فاتّبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد﴾ لكن المصريّين اتبّعوا أمر فرعون بعبادته دون الله وصدَّقوه وأطاعوه وخالفوا موسى مع أنّ دعوة فرعون تخالف العقل إذ انّه مخلوقٌ ، ﴿يقدُم قومَه يوم القيامةِ﴾ فسيحشره الله يوم القيامة فيحاسبه ويحاكمه ويحاسب أتباعه وقومه ، فإضافةً على عذابهم بالغَرَق في الدّنيا يُحكم عليهم بالنار ، ﴿فأوردهم النّار وبِئس الوِردُ المورود﴾ فيسحبونهم بسلاسل من حديدٍ خلف فرعون وتجرّهم الملائكة الى جهنَّم فيدخلونهم فيها وهي أسوأ مكانٍ يدخل فيها الدّاخلون ، ﴿ذلك من أنباء القُرَى نقصّه عليك﴾ يا حبيبي يا رسول الله هذه القصص التي أوحيناها إليك عن نوحٍ و إبراهيم وهودٍ وصالحٍ وشعيب ولوطٍ وموسی وأقوامهم حوادث تاريخيّة غابرة ، ﴿منها قائمٌ وحصيد﴾ فمن أمثال تلك الحوادث الغابرة ما هي موجودة فعلاً في زمانك يا محمَّد فالمنافقون مكذّبون لك وأعداؤك وأعداء أهل بيتك وسيُحصَدون بالسّيف .
﴿وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم﴾ وإذا كنّا عَذَّبنا تلك الأُمَم السالفة وأهلكناهم فهو نتيجة لظلمهم وشركهم وكفرهم وعنادهم فنحن لم نظلمهم من غير استحقاقٍ ، ﴿فما أغَنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء﴾ فعندما أرسلنا العذاب عليهم ما أنقذتهم الأوثار والأصنام والآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله ولا أفادتهم شيئاً، ﴿لما جاء أمر ربّك وما زادوهم غير تتبيب﴾ فعندما جاء العذاب المهلك من قِبَل الله ما نفعتهم عبادتهم للأصنام والأوثان غير تخسيرٍ و تعذيبٍ ، ﴿وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القُرى﴾ وهكذا شأن كل قومٍ من الأقوام المشركة بالله والكافرة والمكذّبة للأنبياء والمُصرّة على الفسق حينما يعذّبها ويُهلكها ، ﴿و هي ظالمة إنّ أخذَه أليمٌ شديد﴾ فلولا أنّها ظالمةٌ ومعاندةٌ ومكذبةٌ للأنبياء لما أخذها الله بالعذاب المؤلم وأهلكها بشدة وقسوة .
﴿إنّ في ذلك لآيةً لمن خاف عذاب الآخرة﴾ بالتأكيد إنّ في سرد قصص الأمم الغابرة الهالكة لعبرةً لمن يخاف عذاب الله على هذه الأمّة التي هي في آخر الزمان وهي آخر الاُمم ، ﴿ذلك يومٌ مجموعٌ له الناس﴾ بعذاب المنافقين والمكذبين من أُمّة الإسلام يكون في يوم ظهور القائِم المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه) وهو يومٌ يُجمَع الناس فيه لمشاهدة الإِنتقام ، ﴿وذلك يومٌ مشهود﴾ فيوم قيام القائم ويوم الإِنتقام والحصد بالسّيف وقتل أعداءَ أهل البيت وتعذيبهم وقتل ظالمي آل محمدٍ يومٌ يشهدُهُ المؤمنون وشيعة آل محمد ، ﴿وما نؤَخِّره إلاّ لأجلٍ معدود﴾ فيا حبيبنا نحن لا نؤخّر وقت قيام القائم المهدي ( عليه السلام ) ولا نطيل غيبته إلاّ لكي نُتِمّ الحُجّة على الجميع ونختبر المسلمين إلى وقتٍ معيَّنٍ محدودٍ تَعرِفُه .
﴿يوم يأتِ لا تكلّم نفسٌ إلاّ بإذنه﴾ ففي اليوم الذي يأتي فيه القائم (عليه السلام ) ويظهر المهدي من غيبته، ويخرج ثائراً منتقماً بالسيف لا يَدَع أحداً من الناس يتكلّم إلاّ بإذنه ، ﴿فمنهم شقيّ﴾ ففي ذلك اليوم بين الناس من هو مخالفٌ لأهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم ومُعادٍ لهم فهو شقيٌّ يشقى بسيف المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه ) ، ﴿وسعيدٌ﴾ ومِنَ النّاس مَن هو مِن مُحبِّي آل محمدٍ ومن شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) ومواليهم ومن منتظري المهدي (عجّل الله تعالي فرجه ) و أنصاره فهو يسعد بلقائه ، ﴿فأمّا الذين شَقُوا﴾ فأمّا المخالفون لأهل البيت ( عليهم السلام ) و شيعتهم والنّاصبون العداء لآل محمدٍ ( عليهم السلام ) و أتباعهم يقتلهم المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه ) بسيفه ، ﴿ففي النار لهم فيها زفيرٌ وشهيق﴾ فعندما يقتلهم المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه ) بسيفه ينتقلون إلى النار الجحيم مباشرةً فيزفرون فيها ويصيحون ويشهقون ويموتون ، ﴿خالدين فيها ما دامتِ السماواتُ والأرضُ﴾ وهؤلاء المخالفون لأهل البيت ( عليهم السلام ) المُتّبعون لخلفاء زمانهم من بني أميّة وبني العباس ومَن شاکلهم يخلدون في النار بخلود الكون ، ﴿إلاّ ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّالٌ لما يُريد﴾ ويُستثنیٰ من الخلود الدائم الأبديّ في النار مَن كان جاهلاً قاصِراً من المخالفين فرُبمّا تناله الشفاعة إن كان مُحبّاً لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، ﴿وأمّا الذين سُعِدوا﴾ ويا حبيبي يا رسول الله أبشِر فعاقبة الموالين لك ولأهل بيتك ( عليهم السلام ) وشيعة عليٍّ ( عليه السلام ) والأئمّة المعصومين ( عليهم السلام ) الذين سعدوا بولايتهم و متابعتهم ، ﴿ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض﴾ فهؤلاء يدخلون الجنّة يوم القيامة ويخلدون فيها أبداً بدوام السماوات والأرض ودوام العالمَ ، ﴿إلاّ ما شاء ربّك عطاءً غير مجذوذ﴾ إلاّ أن يشاء الله أن يُخلّدهم فيها أكثر من دوام السماوات والأرض فله ذلك وذلك ثوابٌ غير منقطع .
﴿فلا تكُ في مريةٍ ممّا يعبد هؤلاء﴾ فيا حبيبي يا رسول الله لا تشكّ ولا تُمارِ و تجادل حول ما يعبد هؤلاء المنافقون أعداء عليٍّ ( عليه السلام ) فهم لم يؤمنوا بالله طرفة عين أبداً ولم يعبدوه ، ﴿ما يعبدون إلاّ كما يعبد آباؤهم من قبل﴾ فهؤلاء المنافقون المخالفون لولاية عليٍّ ( عليه السلام ) إنّما يعبدون الدّنيا والدينار ، والدّرهم والشهوات والأوثان ، كما كان آباؤهم يفعلون ، ﴿وإنّا لموفّوهم نصيبهم غير منقوص﴾ ونحن يا حبيبي كما عذَّبنا الأمم السالفة سنعذّب هؤلاء المنافقين المخالفين لأهل البيت ( عليهم السلام ) في الدّنيا والآخرة ونُجازيهم جزاءً كاملاً ، ﴿لقد آتينا موسى الكتاب فاختُلف فيه﴾ وبالتأكيد نحن أنزلنا التوراة على موسى بن عمران فاختلف اليهود بشأنِه وحرَّفوه وخالفوه وغيَّروه ، ﴿ولولا كلمةٌ سبَقت من ربّك لقُضيَ بينهم﴾ فيا حبيببي لولا أنّ الله سبحانه سَبَقَ في حُكمِه أن يُمهل المنافقين المكذبين لك المخالفين المُعادين لعليٍّ ( عليه السلام ) وشيعته لقضى الله بينهم بالإِنتقام العاجل ، ﴿وإنّهم لفي شكٍّ منه مُريب﴾ وإنّ المنافقين المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام) لفي شكٍّ وترديد من قيام القائم المهدي ( عليه السلام ) وظهوره بعد غيبته فهم مُرتابون في حتميّة ظهوره ، ﴿وإن كُلاًّ لمّا ليُوفينّهم ربّك أعمالهم﴾ فتيقَّن يا حبيبي إنّ الله سبحانه سيُعاقب ويحاسب ويجازي ويعذّب کلّ مخالفٍ لأهل بيتك ( عليهم السلام ) على مخالفته لهم ، ﴿إنّه بما يعملون خبير﴾ فالله سبحانه عالمٌ ومطلّعٌ على ما يَعمَلُه مخالفوا أهل البيت ( عليهم السلام ) من الظُلم والجور والفسق والفجور ومعاداة الحق .
﴿فاستقِمْ کما أُمِرت﴾ فاستقِم يا حبيبي واثُبت على الدعوة للإِيمان بالله وبولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) مهما خالف المنافقون وعاندوا ، ﴿ومَن تابَ معك﴾ وليستقِم أصحابك المؤمنون الخُلَّص الموالون لعليٍّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على بيعته يوم الغدير وليثبتوا على ولايته ، ﴿ولا تطغَوا إنّه بما تعملون بصير﴾ وقل لهم لا تجاوزوا حكم الله وأمرِهِ بمبايعة عليٍّ بالولاية ولا تعصوه ولا تخالفوه ولا تنكثوا بيعته فالله يبصر ما تفعلونه بعد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
﴿ولا تَركَنوُا إلى الذين ظَلَمُوا﴾ وقُل للمسلمين يا حبيبي : لا تنحازوا الى الذين ظلموا حقّ آل محمدٍ وغصبوهم وظلموا شيعتهم وخالفوا علياً ووُلدِه (عليهم السلام ) ، ﴿فَتَمَّسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء﴾ فإن ركنتم إلى خلفاءِ الجور الظالمين الذين غصبوا خلافة عليٍّ ( عليه السلام ) وأهل البيت ( عليهم السلام ) تحرقكم نار جهنَّم يوم القيامة ولا وليٌّ ينقذكم منها من دون الله ، ﴿ثمَّ لا تُنصرون﴾ واعلموا عِلم اليقين أيّها المسلمون إن ركنتم إلي خلفاء الجور و الظالمين ودخلتم نار جهنَّم لا ينصركم أحدٌ منها ، ﴿و أقم الصلاة طَرَفَي النهار﴾ يا رسول الله عليك بإقامة صلاة الجماعة مَرَّتين في النهار مرّةً في الفجر ومرّة ثانية للظُّهرين جمعاً، ﴿وزُلَفاً من الليل﴾ وعليك يا رسول الله أن تقيم الجماعة في المَغرب أوّل الليل لِصلاتي المغرب والعشاء جمعاً للتّسهيل على أمّتك ، ﴿إنّ الحسنات يُذهبن السيّئات﴾ ويا حبيبي نؤكِّد لك بشارةً لك وللمؤمنين الموالين لك ولأهل بيتك ( عليهم السلام ) إنّ المحبّة والمودّة والطاعة والمتابعة لكم هي حسنات تُذهب بالسيّئات الصغيرة ، ﴿ذلك ذكرى للذاكرين﴾ فهذه البشارة وهذا الوعد هو ذکری لم تذکّر وأحبَّ ووالى وأطاع وتابع وآمن بولايتك وولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) فحُبّ عليٍّ حسنةٌ لا تَضُرُّ معها سيّئة صغيرة ، ﴿واصبر فإنّ الله لا يُضيع أجر المحسنين﴾ فيا حبيبي إصبر على ما تناله من التكذيب والمخالفة والعصيان من المنافقين بشأن نصبك عليّاً بالولاية فالله لا يُضيع أجركم أبداً، ﴿فلولا كان من القرون من قبلكم أُولو بقيّةٍ﴾ فيا رسول الله إنَّ ما نُعتِبُه على الاُمم الماضية الهالكة إنّه لم يكن فيهم عِدّةٌ منهم يخالفونهم في الكفر ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر ، ﴿ينهون عن الفساد في الأرض إلاّ قليلاً﴾ فما كان فيهم عدداً من المؤمنين الآمرين بالمعروف النّاهين عن المنکر سوی أفراداً قليلون جداً، ﴿ممّن أنجينا منهم واتَّبع الذين ظلموا ما اُترفوا فيه﴾ ، فهؤلاء النفر القليلون أنجيناهم من العذاب والهلاك ولكن الأكثرية هم الذين اتّبعوا الظلمة والأثرياء المُترفين ، ﴿وكانوا مُجرمين﴾ وكان أكثريّة الأمم السالفة الهالكة والقرون الماضية مجرمين بالشرك والكفر والعصيان والفسق والفجور و تکذيب الانبياء .
﴿وما كان ربّك لِيُهلك القُریٰ بظلم﴾ ولولا إجرامهم وكفرهم وشركهم وعنادهم وعصيانهم ومخالفتهم الأنبياء لما أهلكهم الله فاللهُ لا يُهلك بظلمٍ من دون استحقاقٍ ، ﴿وأهلُها مصلحون﴾ والله سبحانه لا يُهلك أهل المدن وسكّان البلاد إن كانوا مؤمنين أتقياء مطيعين لله ولرسوله، ﴿ولو شاءَ ربّك لَجَعَل الناسَ أُمّةً واحدة﴾ فيا حبيبي لو يشاء اللهُ إشاءَة جبرٍ وإكراهٍ دون تكليفٍ باختيار، لَجَعلَ الناسَ كلَّهم مؤمنون موالون لكَ ولأهل بيتك ، ﴿ولا يزالون مختلفين﴾ ولكنَّ الله جعل أساس التكليف والشَّرع على الأمر بين الأمرين ، لا جبَر ولا تفويض ، بل اختيار فلذلك لا يزال المسلمون يختلفون في الإمامة والخلافة ، ﴿إلاّ مَن رَحِم ربّك﴾ سوى المؤمنين الذين رَحِمَهُم بموالاتك وبولاية أهل بيتك فإنّهم لا يختلفون في إمامة عليٍّ ووُلده (عليهم السلام ) المعصومين ، ﴿ولذلك خَلَقَهُم﴾ والعِلّة من الخلقة والإِيجاد هي موالاة محمدٍ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآل محمدٍ ( عليهم السلام ) ومحبّتهم وطاعتهم ومتابعتهم فالغاية من خلقِ الناس ذلك ، ﴿وتمَّت كلمة ربّك﴾ وقد نصَّ الله سبحانه في كتابِه وكلامهِ القرآن وأبلغَ ذلك بواسطة نبيّه محمد ﴿صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأقسمَ على ذلك بعزّته وجلاله ، ﴿لأملأنَّ جهنّم من الجِنّة والناس أجمعين﴾ فأقسَم أنّه يملُأ جهنّم مِن كلّ مَن عصوه وخالفوه وتركوا موالاة محمدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآل محمدٍ ( عليهم السلام) من الجنّ والإنس جميعاً .
﴿وكُلاً نقصُّ عليك من أنباءِ الرُّسل﴾ وكلّ هذه الآيات التي أوحيناها إليك من قِصَص الأنبياء والرُّسل قبلك نوح و إبراهيم وشعيب وهود وصالح وموسی وعيسى ( عليهم السلام )، ﴿ما نُثبِّت بهِ فؤادَك﴾ كلّ ذلك لأجل أن نُزيح القَلَق من قلبك ونزيل الهَمَّ والحُزن عنه حيث خِفتَ على عليٍّ ( عليه السلام ) وأهل بيتك من أذى المنافقين، ﴿وجاءَك في هذه الحق وموعظةٌ﴾ وفي هذه السورة وفي هذه الآيات والقصص لك يا رسول الله موعظةً لكي تَستمرَّ بالدّعوة لولايةِ عليٍّ متوكِّلاً على الله ، ﴿وذكرى للمؤمنين﴾ ولتكون هذه الآيات والمواعظ ذكرى للمؤمنين من شيعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والموالين لأهل البيت حتى يثبتوا على ولايته ، ﴿وقُلْ للّذين لا يؤمنون﴾ فيا رسول الله يا حبيبي قل للمنافقين والمخالفين الذين لا يؤمنون بولايةِ عليٍّ ( عليه السلام ) وأهل البيت الطاهرين ، ﴿إعمَلوا على مكانتكم﴾ بما انّكم لستم مُجبّرين ومُكرّهين بل إنّكم مختارون فاعملوا حيث عملتم من النفاق و مخالفة أهل البيت (عليهم السلام ) ، ﴿إنّا عاملون﴾ وقل لهم إنّا نحن المعصومين ألأربعة عشر ، محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآله عاملون على طاعة الله ومطبّقون أحكامه وندعو الناس لولايتنا وطاعتنا ، ﴿وانتظروا﴾ وقل لمن خالف أهل البيت ﴿عليهم السلام ) وعاداهم وأعرضَ عن ولايتهم : إنتظروا عقاب الله العاجِل في الدنيا وعذابه الآجل في الآخرة ، ﴿إنّا منتظرون﴾ فإنّنا منتظرون ظهور القائِم المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه ) فهو الذي سيَنتقِم منكم ويملأها قِسطاً وعدلاً بعدما مُلِئَت ظُلماً وجوراً ، ﴿ولله غيبُ السماوات والأرض وإليه يُرجِعُ الأمر كلُّه﴾ فإنّما ننتظر ظهور المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه) فإنَّ غيبته هي من غيب السماء ، وبأمرِ الله ، وهي غيب الأرض وإلى الله يَرجع أمر الإنتقام من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) کلّه ، ﴿فاعبُدهُ وتوكَّل عليه﴾ فيا حبيبي اعبُد الله حَقَّ عبادته وتوكَّل عليه فإنّه سينصُر أهل بيتك ( عليهم السلام) وشيعتهم ويُعزّهم وينتقم من أعدائهم ، ﴿وما ربُّك بغافلٍ عمّا تعملون﴾ وليس الله بغافلٍ عمّا يعمل المنافقون والمخالفون لآل محمدٍ ( عليهم السلام ) وأهل البيت (عليهم السلام ) ولعليٍّ (عليه السلام) وشيعته بل سينتقم منهم ويعذّبهم بنفاقهم في الدنيا والآخرة ، ( صدق الله العليُّ العظيم ) .

نشر في الصفحات 229-197 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد الأول

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *