سورة الجنّ
2016-06-16
سورة هود (ع)
2016-06-16

(8)
سورة آل عمران (ع)

﴿بسم الله الرحمن الرَّحيم الۤم ، الله لا إله إلاّ هوَ الحيُّ القيّوم﴾ بإسم ذاتي ورحمانيّتي ورحيميّتي ، أرمِزُ يا حبيبي بألف لام ميم تعرفُهُ أنت والأئمة (عليهم السلام ) فقط ، وأنا الله الذي لا إله غيري الواهب للحياة والقائم على الخلق بالولاية ، ﴿نزَّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل﴾ أنزل الله عليك القرآن دفعةً واحدةً ليلة القدر وأنزله بالتدريج خلال ٢٣ عاماً وهو يُصدِّق برسالة موسى وعيسى فالله هو منزِّل التوراة والإِنجيل، ﴿من قبلُ هدىً للناس وأنزل الفرقان﴾ وقبل بعثتك يا رسول الله أنزل التوراة علي موسی والإنجيل على عيسی ليهدوا الناس للتوحيد ويُبشِّروا بمجيئك ، ثم أنزل عليك القرآن ، ﴿إنَّ الذين كَفروا بآيات الله لَهُم عذابٌ شديد﴾ مؤكّداً أنّه سيعذّب كل من يكفر بآيات القرآن وأحكام الإسلام ولا يؤمن بولاية محمدٍ وآل محمدٍ في الدنيا ومصيره الى عذاب النار ، ﴿واللهُ عزيزٌ ذو انتقام﴾ فقطعيٌّ أنّ الله هو عزيزٌ وأراد العزّة لرسوله ولأهل بيته وشيعتهم فمن أذلهّم وغصبهم حقّهم فإنّ الله ينتقم منه في الدنيا والآخرة ، ﴿إنّ الله لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء﴾ ونؤكِّد أنّ الله عالمٌ بمقاصدكم ونيّاتكم وأسرارِ ضمائركم وعددِ أنفاسكم وجميع أعمالكم ، ولا تُخفون عليه شيئاً منها لا في بطن الأرض ولا في الفضاء
﴿هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاءُ﴾ فالله بلغت قدرته وعظمته وبلغ علمه وربوبيته أن صور الناس في ظلمات الرحم الثلاث كما يريد هو ذكراً أو أنثى ، أو خنثى ، جميلاً أو لا ، أبيض أو أحمر ، طويلاً أو قصيراً، أو أسود أو أسمر وغيره ، ﴿لا إلۤه إلاّ هو العزيز الحکيم﴾ فليس ربٌّ خالقٌ مصوّرٌ غيره يناقضه في إرادته وصنعه وهو العزيز الذي أعزَّ محمداً وآل محمد وشيعتهم وحکيمٌ في خلقه وتصويره وتشريعه .
﴿هو الذي أنزل عليك الکتاب﴾ و من عزّته وحکمته وعلمه بالخفايا وبمصالح خلقه وتدبيره لهم أنزل القرآن عليك لتُطبّق أحكامه وتبلِّغ شرائعه، ﴿منه آيات محکماتٌ هُنَّ اُمّ الکتاب﴾ وقسمٌ من آيات القرآن وأکثرها هي آيات الأحكام وآياتٌ بيّنات واضحات المعاني والتفاسير وهنّ أساس القرآن كالفاتحة والإخلاص ﴿وأُخَر متشابهات﴾ وبعض آيات القرآن هي ما لا يمكن الأخذ بظاهر لفظه ، وما يُشتَبه بمنطوقه عن مفهومه كقوله تعالى : الرَّحمن على العرش استوى ، فاشتبه الجهّال به وقالوا بجلوس الله بجسمه على العرش ، ﴿فأمّا الذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابَهَ منه﴾ فالمؤمنون حقّاً يتّبعون المحُكمات ، ويرجعون في المُتشابهات الى الرسول وأهل بيته ، لكنّ المنافقين يتركون المحکمات ويتمسّکون بظواهر المتشابهات ، ﴿ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويله)﴾ يقصد المنافقون بذلك إضلال الناس ومحوِ أحكام الإسلام وغايتهم من التمسّك بالمتشابهات أن يفسّروا القرآن بآرائهم كما يشتهون ، ﴿وما يعلم تأويله إلاّ الله والرَّاسِخون في العلم﴾ ولا يعلم تفسير القرآن سوى الله ورسول الله والأئمة المعصومين وآل محمدٍ الذين زُقّوا العلم زَقّاً وأهل البيت الذين نزل القرآن في بينهم، ﴿يقولون آمنا به كُلٌّ من عند ربّنا﴾ فمحمّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته ( عليهم السلام ) عندما يُرتِّلون القرآن ويقولون آمنّا بمُحکماته فکلّه وحيٌ من کلام الله نعلم فيما نزلت ومتی نزلت و أين نزلت، ﴿وما يذَّكَّر إلاّ أولوا الألباب﴾ ولا يَتَّعِظ بهذا سوى أهل العقول والقلوب المُتَفهِّمة فيعرفون أنّ العالم بتفسير القرآن ليس إلاّ من نزل القرآن في بيتهم فيوالونهم ، ﴿ربّنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا﴾ فبعد أن والَوا محمداً وأهل بيته الطاهرين وكانوا من شيعتهم يقولون مبتهلين إلي الله ربَّنا لا تُمِل قلوبنا عن محبّتهم بعد أن هديتنا بموالاتهم ، ﴿وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنْت الوهّاب﴾ ويقولون ربّنا هب لنا ثباتاً على موالاتهم وعاقبةً حسنةً في الدنيا ورحمةً ومغفرةً ورضواناً في الآخرة فأنت وحدك المنّان علينا بالهِبات ، ﴿ربّنا إنّك جامع النّاس ليومٍ لا ريب فيه﴾ ويقولون يا ربّ الخلائق إنّك ستجمع وتحشر جميع الخلائق وجميع البشر في يوم القيامة للحساب ولا شكّ في ذلك ، ﴿انّ الله لا يخلف الميعاد﴾ بديهيٌّ وقطعيٌّ إنّ الله وعد الناس فقال : كما بدأكم تعودون ووعد المؤمنين الجنّة وأوعد المنافقين والكافرين النار فحتماً لا يُخلِف وعدَه .
﴿إنّ الذين كفروا لن تُغني عنهم أموالهم ولا أولادهم﴾ إنّ الذين اتبّعوا المتشابهات وكفروا بالله وبالراسخين في العلم ولم يأخذوا منهم التفسير الصّحيح لا تُفيدهم الأموال والأولاد أبداً ﴿ من الله شيئاً وأُولئك هم وقود النار﴾ فهؤلاء الذين في قلوبهم مرضٌ لا تُنجيهم من عذاب الله وعقابه أموالهم ولا أولادهم فسيدخلون جهنّم ويكونون حطباً لجهنّم ، ﴿كدأبِ آلِ فرعون والّذين من قبلهم﴾ فهؤلاء مصيرهم كمصير آل فرعون الذين طغوا وكفروا ، واعتزّوا بالأموال والأولاد ، وأعرضوا عن موسى وهارون و إبراهيم وعبدوا العجل والسامريَّ والأصنام .
﴿كذَّبوا بآياتنا فأخذهم الله بذُنوبهم واللهُ شدبدُ العقاب﴾ فلمّا نَصَب موسی هارون وصيّاً ترکوه وکذّبوه و اتّبعوا السامریَّ وعبدوا العجل فأهلكهم الله بالغَرَق وعذّبهم في الدنيا قبل الآخرة ، وعقاب الله شديد ، ﴿قُلْ للذين كفروا سَتُغلبون و تُحشَرون إلي جهنّم و بئس المهاد﴾ يا حبيبي قل للكفّار و المشركين والمنافقين انّ الله سيغلبكم بالبَطَل الغالب عليّ بن أبي طالب فتُهزَمون في بدرٍ وحُنين والأحزاب وغيرها وفي القيامة تُعَذَّبون في النار ، ﴿قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا﴾ أيّها المسلمون بالتأكيد أنّ حرب بدرٍ كانت لكم عبرةً وآيةً تدلُّ على نصر الله لِأوليائه فعندما التقى المؤمنون مع قلّتهم عدّةً وعدداً مع الكفار بكثرتهم ، ﴿فئة تقاتلُ في سبيل اللهِ واخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأيَ العين﴾ فالنبيّ وأمير المؤمنين وربعهم کانوا فئة يقاتلون الکفار في سبيل الله والکفار کانوا ألف مقاتل فكان المؤمنون يرونهم مِثلَيهم إذ هم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، ﴿والله يؤيِّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لِأولي الأبصار﴾ وكانت النتيجة أنّ الله أيَّد بنصرهِ ، النبيِّ وأمير المؤمنين والمؤمنين ، مع قلّة عددهم وعُدّتهم ، ففي هذا النصر عبرةٌ لذوي البصائر حيث أنهّا خلاف العادة الجارية في الحروب .
﴿زُيِّن للنّاس حُبُّ الشهواتِ من النساء والبنين﴾ إنّ الله بلطفه وحنانه حينما خلق آدم وحوّاء خلق لهما غريزة الشهوة ليأنس كلّ منهما بالآخر، وأوجد فيهما حُبّ الأولاد ولذلك أكلا من الشجرة حتى يستولِدا، ﴿والقناطير المُقنطرة من الذّهب والنضّة﴾ وأمّا حبّ الناس لجمع الذهب والفضّة بمقادير كثيرة واكتنازها فهو ما زيّنه الشيطان لهم وزيّنته لهم نفوسهم الأمّارة بالسوء ، ﴿والخيل المُسوّمة والأنعام والحَرث﴾ وأمّا حبّ الخيول الحسان فإذا كان لغرض الجهاد بها فهو من الله ، وإن كان لمحاربة الحقّ فهو من الشيطان ، وحبّ الأنعام الثلاثة والزراعة فمن الله ، ﴿ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسنُ المآب﴾ هذه النِّعم كلّها يتمتَّعُ الإنسان بها في دنياه ولكن نعم الله تعالى في الجنّة أحسن منها وأفضل وأدوَم استمتاعاً، ﴿قُلْ أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للذين اتّقوا﴾ يا حبيبي قل للناس : هل أُخبركم بأفضل من هذه النِّعم الدنيويّة وأحسن منها وأمتع وألذّ وأحبّ ؟ هي مأ أعدّه الله لأهل التّقوى ، ﴿عند ربهّم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها﴾ فقد هيّأ الله لأهل التقوى من شيعة آل محمدٍ المؤمنين ، جنّاتٍ فيها القصور من الذّهب والفضّة والخيول والأنعام والفواكه والثمار وتجري فيها أنهار اللّبن والعسل ويخلدون فيها ، ﴿وأزواجٌ مطهّرةٌ ورضوانٌ من الله﴾ وقد هيّأ للرجال المؤمنين الحورَ العين الطّاهرة من الطّمث والحَدَث وللنساء الوِلدان المخلّدين ، وفوق كلِّ هذا رضىٰ الله عنهم وإرضاؤهم بما يحبّون ، ﴿والله بصيرٌ بالعباد﴾ وإنّ الله عالمٌ خبير مُطَّلعٌ على أعمال البشر، ويرى من يعمل صالحاً فيجازيه الجنّة ، ومن لا يعصي الله فله ما ذكر من النعم ، ﴿الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا﴾ إنّ الذين اتّقوا وأعددنا لهم تلك النعم ، هُمُ الذين يبتهلون الى الله قائلين : ربّنا آمنا بك وبرسولك ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) ، ﴿فاغفر لنا ذنوبنا وقِنا عذابَ النار﴾ فتُب علينا واعفُ عن سيّئاتنا فإنّنا نستغفرك من الذّنوب فاغفرها لنا فأبعدنا عن نار جهنّم وصُن وجوهنا من اللّظىٰ ، ﴿الصَّابرين والصّادقين والقانتين والمُنفقين﴾ وأُولئك همُ الذين يصبرون على الطاعة وعن المعصية والصادقون في إيمانهم وأعمالهم المطيعون لله ، والذين يؤدّون الخُمس والزكاة ﴿والمستغفرين بالأسحار﴾ والّذين يصلون نوافل الليل ، وصلاة الشّفع والوتر قبل الفجر ووَقت السَّحر ، ويستغفرون في صلاة الوتر سبعين مرّة على الدّوام .
﴿شَهِد الله أنّه لا إله إلاّ هُوَ والملائكة وأولو العِلم﴾ عندما تنكرون الوحدانية يُقيم الله البيّنة والشهادة عليها فيشهد هو أولاً وهو أصدق الصادقين ، و ملائكته ثانياً و الأنبياء والأئمة من آل محمدٍ ثالثاً .
﴿قائماً بالقسط لا إلۤه إلاّ هو العزيز الحكيم﴾ ولازمُ توحيد الله تعالى هو القول بالعدل ، إذ شهِد على نفسه بقيامه بالعدل في شؤون عباده ، فليس الشيعة العدليّون يقولون بالعدل فقط بل الله هو الذي يشهدُ علي نفسه به ، ﴿إنّ الدّینَ عند اللهِ الإِسلام﴾ إنّ أصول الدين الإِسلامي هي : التوحيد والعدل ، والإيمان بالله ورسوله وأهل بيتـه وباليوم الآخر ، وبكلّ ما جاء بهِ القرآن ، والولاية ﴿وما اختلف الذين اُوتوا الكتابَ إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم﴾ فبعد شهادة الله وملائكته ورسله والأوصياء على توحيد الله وعدله لا يختلف أحدٌ ممّن نزَلَ عليك الكُتب السماويّة كالتوراة والإنجيل والقرآن إلاّ بعد حصول العلم بشهادتهم وذلك تعدّياً عن الحق ، ﴿ومن يَكْفُر بآيات الله فإنَّ اللهَ سريعُ الحساب﴾ وكل من لا يقرّ بالتوحيد ولا يكون عدلياً يقول بعدالة الله فيکفر بعدالة الله ، لا يترکه الله سدی ، بل سيحاسبه علی ذلك أشدّ الحساب ويعاقبه . ﴿فإن حاجّوك﴾ يا حبيبي إذا جادَلك وناقَشك الكفّار والمنافقون في أصول الدين : التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد . وضروريّات الدين ، ﴿فقل : أسلمتُ وجهي لله ومن أتبعنِ﴾ فقل لهم يا حبيبی إنّ هذه الأصول بُرهانيةٌ واضحةٌ لا جدال فيها ولذلك فأنا خضعت انقياداً لله وأعلنتُ الإسلام ومن تبعني بالإقرار بهذه الأصول ، ﴿وقل للذين أُوتوا الکتاب والأميّين ءأسْلَمتُم﴾ فقل لليهود والنصاری والمسلمين وللمشرکين من أهل مكّة : هل اعتنقتم الإسلام وأقررتم بالتوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد ؟ ﴿فإن أسلموا فقد اهتدوا﴾ فإن أقرّوا بذلك وأعلنوا الإيمان بأصول الدين وأجروا الشهادة عليها بلسانهم وعملوا على طبقها فحتماً إنّهم مهتدون ، ﴿وإن تَولّوا فإنّما عليك البلاغُ والله بصيرٌ بالعباد﴾ وإذا لم يُقرّوا بأصول الدّين الخمسة وأعرضوا عن الإيمان بها فلا يجب عليك سوى إبلاغ ذلك إليهم ، والله أعلم وأعرفُ بهم .
﴿إنَّ الذين يَكْفُرون بآيات الله ويقتلون النبيّين بغير حقٍّ﴾ إنّ الكفار والمشركين واليهود الذين قتلوا أنبياء الله والمنافقين الذين يقتلون رسول الله ويدسّون إليه السُّمّ في الهريسة من دون أن يستحقّوا القتل منهم ، ﴿ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس﴾ والمنافقين الذين يقتلون عليّاً وفاطمة ( عليها السلام ) والحسن والحسين ( عليهما السلام ) وأصحابهم وشيعتهم ويقتلون الأئمّة المعصومين من ذُريّة الحسين الذين يدعون إلى العدل ، ﴿فبَشِّرهم بعذاب أليم﴾ فأبشر هؤلاء القتلة الظلمة الفجرة المجرمين ، عليهم لعائنُ الله بالنّارً المؤلمة والجحيم المؤلم والخلود إلى الأبد فيه ، ﴿أُولئك الذين حَبطت أعمالهم﴾ إنَّ قَتَلَة الأنبياء وقَتَلةَ محمد وآل محمد ( عليهم السلام ) بارتكابهم الجناية بحقّ هؤلاء تبطل أعمالهم كلّها إن كانت لهم صدقات وأعمال صالحة ، ﴿في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين﴾ فالله يحُبِط أعمالهم في الدنيا فلا يبقى لهم الذّكر الجميل والثناء الحميد بل يُلعَنون مدى الأجيال ويحبط أعمالهم في الآخرة فلا ثواب لهم ولا أجر ولا ينصرهم من العذاب أحَد ، ﴿ألم تَرَ إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدْعون الى كتاب الله ليحكم بينهم﴾ ياحبيبي نحن نعلم ما تتحمّله من المنافقين الذين يقولون حسبنا كتاب الله ويجعلون شعارهم القرآن مقابل أهل البيت ولكنّهم حينما تدعوهم إلى حكومة القرآن ، ﴿ثم يتولّى فريقٌ منهم وهم مُعرِضون﴾ فحينئذٍ عندما يرون القرآن هو الذي يأمرهم بالمودّة في القربي وإطاعة أُولي الأمر المعصومين ( عليهم السلام ) فيُعرضون عن القرآن ويتولّون عن ولاية آل محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ﴿ذلك بأنهّم قالوا لن تَمسّنا النّارُ إلاّ أيّاماً معدودات﴾ إنَّ المنافقين الذين قالوا حسبنا كتاب الله ، قالوا بعد بيعتهم لعليٍّ ( عليه السلام ) في الغدير سنحرمه الخلافة بعد محمد فإذا كان هذا إثماً فستعذَّب عليه أيّاماً قلائل فقط ، ﴿وغَرَّهم في دينهم ما كانوا يفترون﴾ وقولهم هذا إفتراءٌ كذب على الله والقرآن ، وغرورٌ وطغيانٌ وضلالٌ عن دين الإِسلام حيث وعدهم الله بالخلود دائماً وأبداً في نار جهنّم ، ﴿فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه﴾ فما يكون حال هؤلاء عندما يُحشرون ويوقفون للحساب في يوم القيامة ويُسألون عن ولاية عليٍّ وموالاة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ﴿ووُفّيتْ كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يُظلمون﴾ ففي ذلك اليوم يُثاب الشيعة على ولائهم لأهل البيت ( عليهم السلام ) ويُعاقَب المخالفون لآل محمد على خلافهم ولا يجوز على الصراط إلاّ من بيده صكٌّ من عليٌ (عليه السلام ) .
﴿قُل اللّهُمَّ مالِكَ المُلك﴾ قل يا حبيبي يا رسول الله معلناً للملأ ومبتهلاً الى الله ومتحدّياً لأمراء الجور وملوك الدنيا والسلاطين الشياطين : اللهّم لك الولاية المطلقة التامّة على ملكوت السماوات والأرض ، ﴿تؤتي المُلك من تشاء﴾ أنت الذي تعطي الولاية التكوينية والتشريعية والنبوة والإِمامة لمن اقتضت مشيئتك إعطاءه أزلاً وكان أهلاً لذلك ولائقاً لمُِلك الولاية ، ﴿وتَنزع المُلك ممّن تشاء﴾ وتحرم من ليس أهلاً للولاية وكان ظالماً أو فاسقاً فلا يليق أن تعطيه المُلك الإِلهي فلا يَحقّ أن يكون خليفة أو إماماً، ﴿وتُعزّ من تشاء﴾ وأنت يا إلهي بعزّتك تُعزّ الأنبياء والأوصياء وتُعِزّ محمداً وآل محمد ( عليهم السلام ) وشيعتهم وتمنحهم عزّ الإيمان ، ﴿وتُذلّ من تشاء﴾ وأنت الله الذي تذلّ الجبابرة الظالمين والفسقة الفجرة المنافقين والنّاصبين العداء لمحمد وآله الطاهرين ، ﴿بيدك الخير إنّك على كلِّ شيء قدير﴾ ان الذي يغصب حقّ الأنبياء والأئمة ويزيحهم عن مقرِّهم ويتسنَّم محلِّهم وينصب نفسه إماماً ليعلم هو وأتباعه أنّ الولاية لا تُنال بذلك بل إنهّا لا تكون إلاّ بنصبٍ من الله ، ﴿تولِج الليّل في النهار وتُولِج النهار في الليل﴾ أنت إلهنا تُدخل الليل وظلمة المساء في ضوء النهار باستدارة الأرض حول نفسها فتكون نصف دائرتها ليلاً ونصفها نهاراً بالتّعاقب والتدريج ، ﴿وتُخرِج الحيَّ من الميت﴾ أنت يا الله المحيي الخالق البارىء المصوِّر تُخرج كلّ النبات من الأرض الجماد ، وتخرج المؤمن الواعي ذا الفؤاد الحيّ من صُلب الكافر والمنافق ميّت القلب ، ﴿وتخرج الميّت من الحيّ﴾ وأنت يا إلهي قادرٌ على إماتة الجنين في بطن أمّه وإماتة البذرة ، وأنت تعلم بِوَلَد نوحٍ الكافر وكلّ کافرٍ من صُلب مؤمن ، ﴿وترزق من تشاء بغير حساب﴾ وأنت يا إلهي ترزق الأولاد الصالحين وترزق الإيمان والتقوى والتوفيق وترزق العلم والعقل والعمل الصالح لمن له قابليّة ذلك تفضّلاً ، ﴿لا يتّخِذ المؤمنون الكافرين أولياء﴾ أيّها المسلمون إن الولاية والنّبوة والإِمامة خاصةٌ ومحصورةٌ في محمدٍ وأهل بيته المعصومين فلا يجوز لكم أن تتولّوا غيرهم الذين كانوا كفاراً قبل الإسلام وبعده ، ﴿من دون المؤمنين﴾ فلا تتولّوا غير أُولي الأمر الذين عيّنهم الله ولاةً للمسلمين هم محمد وآله الطاهرون الأئمة الإثنا عشر ( عليهم السلام ) ، أمير المؤمنين أوّلهم ، والمهديّ آخرهم ، ﴿ومَن يَفْعل ذلك﴾ فمن يتّخذ غير محمد وآل محمد ( عليهم السلام ) أولياء ، ويجعلهم أولي الأمر بدلاً عن أهل البيت من الخلفاء غير المعصومين كبني أميّة وبني العباس ومن بعدهم ، ﴿فليس من الله في شيء﴾ فالإنسان يتبرّأ الله منه ، وليس مطيعاً لأمر الله ، وليس متمسّکاً بکتاب الله ولا متبّعاً سنّة رسول الله بل هو عاصٍ لله ، ﴿إلاّ أن تتّقوا﴾ ولكن نحن شرّعنا التقيّة وجوّزناها لكم فليست من بدع أهل البيت بل هي نصٌّ صريحٌ من القرآن فإن خفتم فاتّقوا ﴿منهم تُقاةً﴾ فإذا خفتم على أنفسكم من هؤلاء الولاة الظالمين الجائرين الضالّين فلا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة فتظاهروا بطاعتهم تقيّةً ، ﴿و یحذّركم الله نفسه﴾ والله سبحانه یحذّرکم عقابَه وعذابه فعليکم أن تتّقوه وتخافون ولا تتولّوا الكفار والمنافقين وخلفاء الجور والظالمين ، ﴿وإلى الله المصير﴾ وقطعاً ويقيناً إنّ مصيركم إلى الله يوم القيامة فيحاسبكم عن موالاة محمد وآل محمد والبراءة من الولاة الكافرين .
﴿قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تُبدوه يعلمه الله﴾ قل للمسلمين يا حبيبي : إن أضمرتم حُبَّ عليّ بن أبي طالب ومودّة أهل البيت أو أعلنتموه أو أخفيتم بغضهم أو تجاهرتم به فالله عالمٌ بحقيقته ، ﴿ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير﴾ فعلم الله ذاتيٌّ حضوريٌ محيطٌ بجميع الخلق والمخلوقات ، فلا يخفى عليه شيء في السماء والأرض وهو قادر على كشف الحقائق والأسرار، ﴿يوم تَجد كلُّ نفسٍ ما عَملت من خير مُحضراً﴾ ونتيجة علم الله بالضمائر والقلوب والمقاصد والنيّات ، تظهر يوم القيامة حيث تجد النفس المؤمنة الموالية لمحمدٍ وآل محمد وكلّ نفسٍ شيعية جزاء ولائها الجنّة ونعيمها ، ﴿وما عَمِلت من سوءٍ تَودُّ لو أنَّ بينها وبينه أمداً بعيداً﴾ وكلّ نفسٍ تركت ولاءَ محمدٍ وأهل بيته وعملت السوء باتّباع غيرهم تجد جزاء ذلك يوم القيامة نار جهنّم فتودّ لو تُبعد عنه مدّة بعيدة ، ﴿ويحُذّركم الله نفسه والله رؤوفٌ بالعباد﴾ وقبل أن تقِفوا للحساب يوم القيامة يُحذِّركم الله عقابه وعذابه إن تركتم ولاية محمدٍ وآله وذلك رأفةً بكم لعلّكم تهتدون لولايتهم ، ﴿قل إن كنتم تُحبّون الله فاتّبعوني﴾ قُل لاُمَّتك يا حبيبي إن كنتم تدَّعون محبّة الله والإيمان به وامتثال أوامره فاتّبعوني في نصبي عليّاً أميراً للمؤمنين ، ﴿يُحبِبكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾ فان اتّبعتموني في ولاء عليٍّ أمير المؤمنين (عليه السلام ) والتمسّك بالقرآن والعترة والمودّة لأهل البيت ( عليهم السلام ) يحُبّكم الله ويغفر لکم خطاياکم فهو غفورٌ للشيعة رحيمٌ بالمؤمنين .
﴿قل أطيعوا الله والرسول﴾ قل للمسلمين يا رسول الله أمراً مولويّاً فرضاً و ضروريّاً دائماً أن يطيعوا الله في ولاية أهل البيت ويطيعوا الرسول بنصبه لعليٍّ ، ﴿فإن تولّوا﴾ فإن أعرضوا عن طاعة الله ورسوله وتولّوا وعصوا وخالفوا ولم يوالوا أهل البيت الطيبين الطاهرين ، ﴿فإن الله لا يحبّ الكافرين﴾ فإن عصيان أمر الله ورسوله كفرٌ بالله و برسوله والله لا يحبّ من لا يطع الله والرسول ولا يوالي علياً وولده ، ﴿إنّ الله اصطفی آدم ونوحاً و آل إبراهيم﴾ بالتأکيد إنّ النبوّة والإمامة بالإصطفاء من قبل الله. لا بالإنتخاب فالله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وهُم محمّد وآله الطاهرين ، ﴿وآل عمران على العالمين﴾ والله اصطفى آل أبي طالب كافل النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وعمُّه وحاميه وهم عليٌّ أمير المؤمنين وأولاده المعصومين وذرّيته الطيّبين على جميع الملائكة والجنّ والإنس ، ﴿ذرية بعضها من بعض﴾ فذُريّه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأولاده هُم من الشجرة المباركة التي أصلُها النبيّ وعليٌّ والزهراء والحسن والحسين ( عليهم السلام ) فالأئمة من الحسن والحسين من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ﴿واللهُ سميعٌ عليم﴾ وإنّ الله يسمع ويعلم من يحبّهم ويتولاّهم ويُصلّي عليهم ويُسلِّم ويزورهم ويستشفع بهم إلى الله في حوائجه .
﴿إذ قالت امرأة عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرراً﴾ وتذكّروا أيّها المسلمون حينما نذرت حنّة زوجة عمران عندما كبُر سنّها ولم تلِد أن تجعل حملها لله محرّراً للمسجد الأقصى وخادماً موقوفاً عليه ، ﴿فتقبّل منّي إنّك أنت السميع العليم﴾ فقالت يا إلهي وربي تقبّل نذري هذا وارزقني ولداً كي أجعله محرّراً في المسجد الأقصى أنت تسمع دعائي وتعلم حاجتي ، ﴿فلمّا وضعتها قالت ربّ إني وضعتها أُنثى﴾ فلمّا أن حملت بمريم واستجاب الله دعائها وتقبّل نذرها وانتهى أمدُ الحمل وضعت أُنثى فقالت إلهي نذرت لك غلاماً محرراً وهده أنثى ، ﴿والله أعلم بما وضعت﴾ وهذا القول منها لشدّة تأسّفها لأن الأُنثى لا تتمكّن أن تخدم المسجد كالغلام ولكن الله هو الذي رزقها أنثى فهو أعلم بها ، ﴿وليس الذکر کالأنثی وانّی سمّيتها مريم﴾ فقالت يا إلهي ان الوليدة انثی والولد الذکر يصلح لأن يكون محرراً فهو ليس كالأنثى الضعيفة وقد سمّيتها مريم ، ﴿وإنّي أُعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرّجيم﴾ فوفاء النذري سأدعها تحت رعاية زكريّا تخدم المسجد الأقصى وتتعبَّد فيها فأعذها من كلّ سوءٍ وفسادٍ وأعذ نسلها من الشيطان ، ﴿فتقبّلها ربهّا بقبولٍ حسن وأنبتها نباتاً حسناً﴾ فتقبل الله نذرها وجعل علامة القبول أن حَسَّن الله خلقها وخُلقها ونموّها فكانت تعدِل يومها سنة غيرها وتنبت في اليوم نباتَ سنةِ غيرها ، ﴿وكفَّلها زكريّا﴾ فلمّا جاءت أُمّها بها الى المسجد الأقصى تنازَعَ في كفالتها الرُّهبان فأقرعوا بالأقلام فأثبت الله القرعة لزکريّا وهو زوج خالتها فتكفّلها والتزم برعايتها ، ﴿كلّما دخل عليها زکريّا المحراب وجد عندها رزقاً﴾ فعندما کان يأتي زکريا بغذائها الی داخل المسجد وهي قائمةٌ تصلّى في المحراب للعبادة يرى أنّ بجانبها طبقاً من فواكه الجنة ، ﴿قال يا مريم أنّي لكِ هذا﴾ فكان يعلم أنّ ذلك الطِّبق من الجنّة حيث فيه الفواكه التي لا توجد في غير فصلها وهي مُعَطَّرةٌ ولكن أراد أن يعلم هل هي تعلم بذلك أم لا ؟ فسألها، ﴿قالت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب﴾ فأجابت زكريّا إنّ هذا الرزق هو من الجنة يرسله الله لها كلّ يومٍ وبالتأكيد إنّ الله يرزق من يريد أن يرزقه من غير أن يحتسب .
﴿هنالك دعا زکريِّا ربّه﴾ فعندما رای زکريّا عنايةَ الله بمريم ، ورزقه لها من الجنّة بعد أن أولدها بدعاء أمّها العاقِر من قبل، دعا الله ، ﴿قال ربِّ هب لي من لدُنك ذريّةً طيبةً إنّك سميع الدعاء﴾ فقال إلهي وربّي كما رزقت مريم لحَنّة فارزقني ذريةً مثلها طيّبةً بالعبادة والتقوى فإنّي محرومٌ من الأولاد وزوجتي عاقر و أنت تسمع الدعاء ، ﴿فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب﴾ فبعد دعاءِه قام في محراب المسجد الأقصى يصلّي ويعبد الله ففي تلك الحال جاءه الوحي وسمع الملائكة تُناديه وتقول له ، ﴿إنّ الله يشّرك بيحيیٰ مصدقاً بكلمةٍ من الله﴾ يا زكريّا إنّ الله استجاب دعاءَك فيبشّرك أنّه سيرزقك ولداً اسمه يحيیٰيكون نبيّاً مصدّقاً بنبوّة عيسی کلمة الله ، ﴿وسيّداً وحصوراً ونبيّاً من الصالحين﴾ ويبشّرك أنّه سيكون رئيساً متبوعاً وإماماً من بعدك وهو سيمتنع عن الشهوات فلا يتزوّج ويكون نبيّاً من الشهداء ، ﴿قال ربِّ أنّي يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر﴾ فتعجَّب حينما بشَّرته الملائكة بولادة يحيى وهو في العشرين بعد الماءة من العمر وزوجته قريباً من التسعين وكلاهما شيخان عجوزان ، ﴿وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء﴾ فقال : هَب انّي أملك الشّهوة والنُّطفة ولكنَّ زوجتي يائسةٌ وهي من العواقر اللاتي لم يلدن قبلاً فأجابه الملك أنّ الله سيُحبِّلها فتلِد .
﴿قال ربِّ اجعل لي آية﴾ فعندما أخبره الملك أنّ مشيئة الله وإرادته تعلَّقت باستجابة دُعاك وأن تحمِل منك إمرأتك طلبَ علامةً على حملها ، ﴿قال : آيتك ألاّ تكلّم الناس ثلاثة أيامٍ إلاّ رمزاً﴾ قال له الملك : العلامة على ذلك يجب أن تصوم ثلاثة أيامٍ صوم السكوت فبعدها سترى القوّة والنشاط کأيّام شبابک ، ﴿واذکر ربّک کثيراً وسبّح بالعشيِّ والإبکار﴾ وعليك أن تذکر الله وتُسبِّحه وتُهلِّله وتكبِّره طول مدّة حمل امرأتك ، ومساءاً وصباحاً، فالذّكر والتسبيح يُکثر الأولاد والرِّزق .
﴿وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله اصطفاكِ﴾ وعندما كانت مريم تصلّي في المحراب ويأتيها رزقها من الجنة خاطبتها الملائكة وقالت لها إنّ الله اختارك أمّاً لكلمتِهِ ، ﴿وطهّركِ واصطفاكِ على نساء العالمين﴾ وإنّ الله طهّركِ من الطمث ومن مُلامسة الرجال واختارك الله من بين جميع نساء العالم أن يستولدك من دون مُماسّة الرّجال ، ﴿يا مريم اقني لربِّك واسجدي واركعي مع الراكعين﴾ ولأجل أن لا يتّهموكِ اليهود لا تفتأي ولا تتركي العبادة واستمريّ دائماً في الصلاة والدّعاء والركوع والسجود أمام أعين المصلّين ، ﴿ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليكِ﴾ إنّ قصة ولادة مريم وخبر ولادة يحيى ونبأ ولادة عيسى هو من الأخبار الغيبيّة التي لم تحضرها وإنما علمت بها بواسطة الوحي، ﴿وما كنت لديهم إذ يُلقون أقلامهم أيُّهم يكفل مريم﴾ ولولا أنّ الله أوحى إليك بذلك لما كنت تعلم بالجُزئيّات والتفاصيل بالأخصّ عندما أقرعوا لتعيين من يتكفَّل رعاية مريم ، ﴿وما كنت لديهم إذ يختصمون﴾ وإنّما أمرناهم بالقرعة لكي نُنهي الخصومة بينهم ونجعل زكريّا النبيّ المعصوم زوج خالةِ مريم كفيلاً لها صيانةً لها من كلِّ سوء .
﴿إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله يشّرك بكلمةٍ منه﴾ وتذكّر يا حبيبي قول الملائكة لمريم وبشارتها من قبل الله بأنّها سيرزقها ولداً بمشيئته من دون مُماسّة بشر ، ﴿إسمه المسيح عيسی أبن مريم﴾ فإسمه وکنيته ونسبه هو عيسی بن مريم المسيح فلا أبَ ولا والدله وهو ممسوحٌ بأجنحةِ جبرائيل حين ولادته ، ﴿وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرَّبين﴾ وصفةُ عيسى أنّه يكون وجيهاً بالنبوّة في الدنيا ووجيهاً بنصرته للمهديّ ( عليه السلام ) في آخر الزمان ووجيهاً في الآخرة بالشفاعة ، ﴿ويكلّم الناس في المهد﴾ وبما أنّ البلوغ لا يُشترط في النبوة والإمامة والله قادرٌ على أن يؤيّد النبيّ والإمام بالمعجزة فإنّ عيسى سيُكلِّم الناس في المهد ويخبرهم بنبوّته ، ﴿وكهلاً ومن الصالحين﴾ والدليل على أنّ عيسى لم يُمت هو أنّ الله أخبرنا انّه سيُكلّم الناس كهلاً وهو رُفِعَ إلى السماء شاباً فلا بدّ أن ينزل في سنِّ كهولته فيُكلّم الناس ، ﴿قالت ربِّ أنيّ يكونُ لي ولدٌ ولم يَمْسسني بشرٌ﴾ إنّ مريم بعد أن بشّرتها الملائكة بعيسى تعجّبت من ذلك حيث كانت عذراء باكرة فقالت : کيف يولد لي ولدٌ ولم أتزوّج ؟ ﴿قال كذلك الله يخلقُ ما يشاء﴾ قال جبرائيل لمريم : انّ الله لا يُشتَرط عليه في خلق البشر أن يولدهم من النطفة البشرية بل هو قادرٌ على خلقهم من بويضة الأمّ فقط ، ﴿إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون﴾ فإذا شاء الله خلق شيءٍ وأراد إيجاده وقدَّر وقضى إنفاذ أمره تكويناً فلا يتخلَّف ما أراد عن مشيئته ، ﴿ويعلّمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل﴾ وإنّ الله تعالى سيُعلِّم عيسى الكتاب والقراءة ويعلّمه الحكمة العمليّة والعقلية ويمنحه الولاية التكوينية ويُعلّمه شريعة التوراة والإنجيل ﴿ورسولاً إلى بني إسرائيل﴾ ثم يُكلِّفه الرسالة فيرسله إلى إبلاغ شريعة الإنجيل الى بني إسرائيل الذين انحرفوا بعبادة العجل واتّباع السامريّ ، ﴿انّي قد جئتكم بآيةٍ من ربّكم﴾ ويقول لهم إنّي رسول الله إليكم وقد أوحى إليَّ الإِنجيل ، والدليل والبرهان عليه ، ما أعطاني الله من المعاجز والولاية التكوينية ، ﴿انّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطّير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله﴾ والولاية التكوينية للنبيّ والأئمة ليست من مخترعات الشيعة بل إنّ الله يقول إنّ عيسى كان يخلقُ الطيور من الطّين ويعطيها الرّوح بإذن الله وولايته، ﴿وأبرىءُ الأكمَهَ والأبرص﴾ وبما أنّ زمان عيسى كان قد تقدَّم منه الطِّبّ اليوناني فناسبت معجزته زمانه فأخذ يشفي المولود أعمى والأبرص بلا دواء ولا علاج ، ﴿واُحيي الموتي بإذن الله﴾ والدّليل على أنّ المعصومين من آل محمدٍ يتمكّنون من إحياء الأموات بإذن الله وليس هذا من الغلوّ، قول عيسى صريحاً بذلك وقد فعله وقد فعلوه ، ﴿وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم﴾ والدليل على أنّ محمداً وآله يعلمون ما يغيب عن الأنظار قول عيسى أنّه يخبر الناس بما يخفونه في دُورِهم وما يأكلون خُفية، ﴿إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين﴾ فقال عيسى لبني إسرائيل إنّ هذه المعاجز تكفيكم للدلالةٌ على رسالتي ونبوّتي وهي بعينها دلائل إمامة الأئمّة من أهل البيت ( عليهم السلام ) .
﴿ومصدّقاً لما بين يديَّ من التوراة﴾ والدليل الآخر على رسالتي هو أنّني جئت مُکمِّلاً لشريعة موسى قبلي ومصدّقاً بكتابه التوراة وأُقرّ بنبوّة موسي وهارون ، ﴿ولِأُحِلّ لکم بعض الذي حُرِّم عليکم﴾ ولقد أمرني الله أن أُحلّ لكم صيد البحر في السبت بعدما كان حراماً في شريعة موسى ( عليه السلام ) وكنتم تحتالون فيه ، ﴿وجئتكم بآيةٍ من ربكم فاتقوا الله وأطيعون﴾ فلست أدّعي النبوة جزافاً أو من دون دليلٍ بل جئت إليكم بالمعاجز وبالإنجيل من قِبَلِ الله فخافوا الله واتّبعوني ، ﴿إنّ الله ربّي وربُّكم فاعبدوه هذا صِراطٌ مستقيمٌ﴾ فلا تعبدوا العجل ولا تتّبعوا السامريَّ ولا تُغالوا فيَّ فلستُ إبناً لله فلا تشركوا ولا تثلِّثوا فالله الواحد هو ربّي وربّكم والتوحيد هو الدين الصحيح ، ﴿فلمّا أحسَّ عيسى منهم الكفر قال : مَن أنصاري إلى الله﴾ فلمّا علم روح الله أنّ بني إسرائيل اليهود عُبّاد العجل تآمروا على قتلهِ خاطب أصحابه وقال : من الذي ينصر ديني ورسالتي منکم ؟ ﴿قال الحواريّون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنّا مسلمون﴾ أجابه أوصياءه الإثنا عشر الذين أنزل عليهم المائدة وعلّمهم الإِنجيل : نحنُ أنصار دينك سنقوم بتبليغه واشهد علينا بأنّا موحِّدون ، ﴿ربَّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين﴾ وابتهل الحواريّون رافعين أكُفَّهم بالدعاء الى الله قائلين : ربَّنا آمنا بعيسى واتّبعنا شريعة المسيح ووحَّدناك وصدَّقنا بمجيء أحمد فاكتبنا من الشاهدين برسالته ، ﴿ومكروا ومكر الله والله خير الماکرين﴾ فهَمَّ اليهود و عزموا علی قتلِ عيسی وصلبه فأحضروا الصّليب ولکنّ الله مكَر بهم فشبَّه يهوذا الإسخريوطي به فقتلوه وصلبوه ونجی عيسی منهم بنفسه .
﴿إذ قال اللهُ يا عيسى إنّي متوفيّك ورافعُك إليَّ﴾ فشاء الله حينئذٍ أن يُنقِذ عيسى من يد اليهود فقال له سأجعلهم يعتقدون وفاتك وموتك ولكنّني سأرفعك الى السماء الرابعة والبيت المعمور ، ﴿ومُطهِّرك من الذين كفروا﴾ وبالتأكيد فلستُ أدَعك بيدِ اليهود فيُلوِّثونك بأَيديهم المجرمة ويقتلونك بل أُبقيك حيّاً بعيداً عن متناولهم ، ﴿وجاعلُ الذين اتّبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة﴾ وسأجعل أوصياءك الذين اتّبعوك من حواريّيك كشمعون الصَّفا هو ونَسْله بالأخصّ سوسن بنت شيوعا والدة المهدي (عجّل الله تعالى فرجه ) وولدها المهدی يفوقون اليهود فی القوّة ، ﴿ثم إليَّ مرجعُکم فأحکم بينکم فيما کنتم فيه تختلفون﴾ وبعد أن نُنزلك إلى الأرض وتكون من أنصار المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه) وتعيش معه مدّةً من العُمر ويأتي أجلك سترجع الى الله ويُحشر اليهود ويُحاسبون ويُحاكمون ، ﴿فأمّا الذين كفروا فأعذّبهم عذاباً شديداً﴾ فيوم القيامة عندما يُحشر اليهود والمسيحيّون فيحكم الله فيُعذّب من كفر بالله وبنبوّة عيسى ونزوله من السماء ومن أشرك بالله عذاباً صعباً ، ﴿في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين﴾ وعذاب الله لليهود ليس فقط في القيامة بل سينالون القتل والتَّشريد والذلّة حتى ظهور المهدي ( عليه السلام ) ولا ينصرهم الله ، ﴿وأمّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ وأمّا من آمن بالله ووحدانيّته وبعيسی وشريعته وما بشَّر به من مجيء نبيٍّ من بعده اسمُه أحمد من الإسرائيليين ولم يرتكب الآثام والجرائم ، (فيُوفّيهم أجورهم والله لا يحبّ الظالمين﴾ فهؤلاء كسلمان الفارسي والنجاشي ملك الحبشة ومن شاكلهما يعطيهم الله ثواب توحيدهم وأجر طاعتهم وجزاء إيمانهم وأمّا من ظلم فالله لا يحبُّه .
﴿ذلک نتلوه عليک من الآيات والذکر الحکيم﴾ إنَّ قصّة عيسی والحواريين أنزلناه عليك بالوحي فتلاهُ عليك جبرائيل وهو جزءٌ من آيات القرآن المحكمة غير المتشابهة، ﴿إنَّ مثَل عيسى عند الله كمَثلِ آدم خَلَقهُ من تُراب﴾ وجواباً على اعتراض اليهود على ولادة عيسى من غير أب واتّهامهم مريم بالإِتصال برجلٍ مّا ، يقول الله : انَّ مثله كمثل آدم حيث لم يخلقه الله من نطفةٍ بل من تراب ، ﴿ثم قال له كُن فَيَكون﴾ فلمّا أن صور طينته فنفخ فيه من روحه، وقال له کن إنساناً فکان کما أراد، فعيسی أيضاً نفخ الله من روحه في أُمّه فولدته ، ﴿الحَقُّ من ربّك فلا تكن من الممترين﴾ ليس ما يتقوَّله اليهود ويفترون به على مريم حقاً ولا ما يغالي به النصارى فيسمّونه ابن الله صحيحاً بل الحقّ هو أنّه كلمةُ الله وروحه ونفخته فلا يكن منهم .
﴿فَمن حاجَّك فيه مِن بعد ما جاءك من العلم﴾ يا حبيبي يا رسول الله بعد أن نزل الوحي عليك بقصة عيسى بن مريم فمن أنكر رسالتك ونبوّتك بعد نزول الوحي والقرآن من نصارى نجران، ﴿فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم﴾ فقل لهم فليحضروا للمباهلة وليدعوا هم أبناءهم ولتدعُ أنت إبنَيك وولديك الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وتُحضرهم معك ، ﴿ونساءنا ونساءكم﴾ وادعُ يا حبيبي من نساء أهل بيتك وذوي القربى وعِترتك حبيبتك فاطمة الزهراء وقُل لهم ليُحضروا نساءهم الراهبات ، ﴿وأنفسنا وأنفسكم﴾ وادعُ للحضور معك من هو نفسك عليّ بن أبي طالب الذي هو وأنت من شجرةٍ واحدةٍ ، ولولا سيفه ما مَثُلَ الدّين وليُحضروا رؤساءهم ، ﴿ثمَّ نبتهِل فنجعل لعنة الله على الكاذبين﴾ فلمّا اجتمعوا للمباهلة لكى يطلبوا العذاب واللّعنة للطَّرف الكاذب منهما أحسَّ بالعذاب نصارى نجران وامتنعوا من المباهلة ودفعوا الجزية ، ﴿إنّ هذا لهو القَصَص الحقّ﴾ إنّ قصّة زكريا ويحيى ومريم وعيسى التي أوحيناها إليك هي من القِصَص الواقعيّة الثّابتة تاريخياً ووجدانياً ، ﴿وما من إله إلا الله﴾ والنتيجة الحاصلة من هذه القصص ليست إتلاف الوقت بالأقاصيص بل لإِثبات أنَّ عيسی هو عبد الله ورسوله وأنَّ الله واحدٌ لا شريک له ، ﴿وإنّ الله لهو العزيز الحکيم﴾ ولأجل التأکيد علی أنّ العزّة والجبروت والكبرياء والعظمة خاصةٌ بذات الله وهو يمنح العزّة لرُسُلِه وأوليائه وحكيمٌ في خلقه ، ﴿فإن تولّوا فإنّ الله عليمٌ بالمفسدين﴾ فبعد هذا كلّه إن تولَّوا وأعرضوا هؤلاء النصارى واليهود عن الإِسلام والتوحيد وأشركوا بالله فالله يعلم بفسادهم .
﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم﴾ يا رسول الله قُل لأتباع شريعة موسى والتوراة وأتباع المسيح والإنجيل غير المحرّفة تعالوا فلنتَّحِد على أساس توحيد الله ، ﴿ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً﴾ فعليه تعالوا نترك عبادة الأنبياء وما سوى الله فنُخلص العبادة لله وندَع الشرك به سواء كان لِربّنا أو روح القدس ، ﴿ولا يتّخِذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله﴾ فكما أنّي حَرَّمت على اُمّتي المغالاة فيَّ أو في أحدٍ من الأنبياء والأوصياء فكذلك أنتم لا تغالوا في عيسى والحواريين ، ﴿فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون﴾ فإن دعوتهم للوحدة على أساس التوحيد ونفي الشرك وترك الغلوّ ولم يقبلوا فعليكم أيّها المسلمون أن تُعلِنوا لَهُم إصراركم على التوحيد .
﴿يا أهل الكتاب لِمَ تحاجّون في إبراهيم﴾ أيّها اليهود والنصارى لماذا تختصمون وتتجادلون حول إبراهيم ( عليه السلام ) فيقول اليهود : هو من أنبياء بني إسرائيل ، ويقول النصارى هو مختصٌّ بالنصارى ، ﴿وما أُنزلت التوراة والإِنجيل إلاّ من بعده﴾ فليس إبراهيم نبياً لبني إسرائيل ولا نبياً للنصاری حيث أنّه كان قبل موسى وعيسى بقرونٍ عديدة ونزلت التوراة والإِنجيل بعده بقرون ، ﴿أفلا تعقلون﴾ هل أنتم مجانين سُلِبتُم العقل ؟ أم تخالفون عقولكم عمداً وتدَّعون ما يخالف العقل السليم والوجدان والتاريخ ؟ ﴿ها أنتم حاججتم فيما لکم به علم﴾ أنتم أيّها اليهود والنصاری حينما جادلتم رسول الإِسلام وطلبتم منه البُرهان على نبوّتِه احتجَّ بنصِّ التوراة والإِنجيل وبشارة موسى وعيسى بمجيئه ، ﴿فَلِمَ تجاجّون فيما ليس لكم به علم﴾ ولكن ما معنى إدعاء كلّ فرقةٍ منكم بأنّ إبراهيم منها ؟ وليس لديكم دليلٌ معقولٌ فهو سابقٌ على اليهوديّة والنصرانيّة ، ﴿والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ والله سبحانه أخبر بالوحي عن إبراهيم (عليه السلام ) ودعوته إلى التوحيد وبنائه للكعبة بيت التوحيد ومحاربته للشرك والوثنية ، ﴿ما کان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً﴾ فإبراهيم الخليل کان هو نبيّ التوحيد والإسلام ودينه وشريعته الحنيفيّة السَّهلة السَِمحة فلم يكن من أتباع موسی ولا عيسی ، ﴿ولکن کان حنيفاً مسلماً﴾ بل کانت صحف إبراهيم الوحي المنزل عليه من السماء وتتضمَّن شريعة التوحيد والإسلام والسُّنن الإبراهيميّة ومناسكه ، ﴿وما كان من المشركين﴾ فإبراهيم الخليل كان موحّداً حاربَ الأوثان ولم يعبدُ سوى الله ولم يُشرك بالله بل هو مُكَسِّر الأصنام .
﴿إنَّ أولى الناس بإبراهيم لَلَّذين اتّبعوه﴾ إنّ أولى الناس بادّعاءِ أنَّ إبراهيم نبيٌّ له هم أتباعه على التوحيد من نسل إسماعيل إبنه وهو هاشم ( عليه السلام ) وعبد المطلب ( عليه السلام ) وعبد الله ( عليه السلام ) وأبو طالب ( عليه السلام ) ، ﴿وهذا النبيّ والذين آمنوا﴾ وأولى الناس بجدِّه إبراهيم هو رسول الله محمَّد وعمّيه حمزة وأبو طالب وأبوه عبد الله وآمنة وفاطمة بنت أسدٍ وجعفر وعلي ( عليه السلام ) وخديجة وفاطمة الزهراء ، ﴿والله وليُّ المؤمنين﴾ فكما إنَّ لِهؤلاء الأولويّة بإبراهيم فكذلك إنَّ الله له الأولويّة القُربية الإختصاصية الودّية لهؤلاء وأميرهم أمير المؤمنين ، ﴿ودَّت طائفة من أهل الكتاب لو يضلّونكم﴾ أيّها المسلمون اعلموا وتيقّظوا وكونوا حذرين فإنّ اليهود يهتمّون دائماً بضلالكم عن دينكم بشتّي الأساليب ، ﴿وما يضلّون إلاّ أنفسهم وما يشعرون﴾ ولکنَّ اليهود إن وجدوکم يقظين وحذرين ومتمسّكين بالقرآن والعترة فلن يتمكّنوا من إضلالكم بل بمساعيهم الشيطانيّة يضلّون هم عن الهداية باستمرار ، ﴿يا أهل الكتاب لِمَ تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون﴾ أيّها اليهود والنصارى يا أمّة التوراة والإنجيل لماذا تكفرون بآيات التوراة والإنجيل المُبشّرة بنبيِّ الإِسلام وتكفرون بالقرآن وأنتم تشهدون على صحّتها ؟؟ ﴿يا أهل الكتاب لِمَ تلبسون الحقّ بالباطل﴾ أيّها اليهود وأيّها النصارى لماذا تموّهون على الناس وتقولون إنّ محمداً يُقِرُّ بنبيّنا ولكنّه تاركٌ لشريعة موسى وعيسى ومخالفٌ لهما ؟ ﴿وتكتمون الحقّ وأنتم تعلمون﴾ وأنتم تعلمون بأنّ موسى وعيسى والتوراة والإنجيل أمَر أتباعهما باتّباع نبيّ الإسلام عند بعثته والإِيمان برسالته ولکنکم تُخفون ذلك عن الناس ، ﴿وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي اُنزِلَ على الذين آمنوا وجهَ النهار﴾ ومِن حِيَل اليهود ومكرِهم وتآمرهم على رسول الإسلام انّهم اتّفقوا على أن يتظاهروا بالإِسلام صباحاً ويُصلّوا خلف النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) في المسجد ، ﴿واكفروا آخِره لعلّهم يرجعون﴾ وفي المساء ينحازون عن صلاته ويتوجّهون إلى بيت المقدس بحُجّة أنّهُ القبلة الأولى وقبلة موسي و عيسي لعلَّ المسلمين يرتدّون عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ﴿ولا تؤمنوا إلاّ لِمَن تَبعَ دينكم﴾ ثم أعلنوا شرطاً مُسبقاً لاتّباع النبيّ والإيمان برسالته أن يُعلنَ إعتناقه لليهوديّة ولشريعة التوراة والإلتزام بها ، ﴿قل إنّ الهُدى هدى الله﴾ قل للناس يا رسول الله : إنَّ الهداية الإلهيّة و الرّشاد هو اعتناق الإسلام النّاسخ للأديان السابقة والتمسّك بالقرآن والعترة فقط ، ﴿أن يُؤتى أحدٌ مثل ما أُوتيتم﴾ وهذه الهداية خاصةٌ باتِّباع الإسلام والقرآن ولن يُؤتىٰ أحدٌ من اليهود وغيرهم الهداية كما أُوتيتم أيّها المؤمنون ، ﴿أو يحاجّوكم عند ربّكم قل إنَّ الفضل بيد الله﴾ فلا يحقّ لليهود محاجّتكم يا رسول الله فأعلن للبشر كافّةً إنَّ الهداية والسعادة والتوفيق كلّها من عند الله والنبوّة والرّسالة والولاية والإِمامة من جانبه فقط ، ﴿يؤتيه من يشاءُ واللهُ واسعٌ عليم﴾ والله سبحانه هو الذي يؤتي النبوّة والرسالة والإمامة والحُكمَ وولاية أمور الناس لكلّ من تعلَّقت مشيئته بهِ وهو واسعُ الرَّحمة عليمٌ بالمصالح ، ﴿يختصُّ برحمتهِ من يشاء والله ذو الفضل العظيم﴾ وليس للناس حقٌّ في انتخاب الرّسول أو الإِمام ولا يجوز لهم أن يختاروا لأنفسهم من يتولّى أمور الناس بل إنّ الله يختصّ لذلك المعصومين (عليهم السلام ) وله بذلك الفضل العظيم على الناس .
﴿ومِنْ أهل الكتاب من إن تأمَنْه بقِنطارٍ يؤدِّه إليك﴾ يا رسول الله إنّ من أهل الكتاب اليهود والنصارى من يلتزم بتعاليم موسى وعيسى ويُنفِّذ أحكام التوراة والإِنجيل ويكون أميناً حافظاً للأمانة مهما كانت ، ﴿ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤدّهِ إليك ﴾ ومن اليهود من ليس حافظاً للأمانة ولا يؤدّي الأمانة بل يُنازع عليّاً في درعِه ومتهم فنحاص بن عازر أو كعب الأحبار يخونون الدّرهم ، ﴿إلاّ ما دُمتَ عليه قائماً﴾ فلولا المخافة من الحكومة الإسلاميّة والإجراءات القضائية والإشهاد عليهم حين إيداع الأمانة فهم يخونون الأمانة ، ﴿ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأُمِّيين سبيلٌ﴾ وخيانتهم بأمانات المسلمين هو لأجل إدّعاءهم الكاذب جواز النّكول في شريعتهم وإباحة غصبِ أمانة أهل مكّة ، ﴿ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون﴾ وهؤلاء اليهود ينسبون كذباً جواز خيانة الأمانة إلى أحكام التوراة ويقولون إنّ في التوراة آية تجوِّز خيانة أمانةَ غير اليهودي .
﴿بلیٰ من أوفیٰ بعهده واتّقى فإن الله يُجبّ المتّقين﴾ قل لهم يا حبيبي : بلي إنّ من تتبَِّع أحكام موسى وعيسى (عليهم السلام ) في أداء الأمانات وترك الخيانات ويَتّقي الله فمؤكّدٌ أنّ الله يُحبّه ، لا مَن يخون ﴿إنّ الذين يَشترون بِعَهدِ اللهِ وأيمانِهم ثَمَناً قليلاً﴾ أيّها المسلمون تيقّنوا انّ كلّ من يبيع دينه بالدنيا ويخالف القرآن والعترة لأجل المال ، ينكث اليمين والبيعة والمواثيق ، ﴿أولئك لاخلاقَ لهم في الآخرة﴾ فإن حصلوا على رئاسةٍ في الدنيا واستيلاء على مُقَدّرات المسلمين وتسنّموا المناصب الإلهيّة غصباً، لكنهم ليس لهم أيُّ قيمة أو نصيب في الآخرة ، ﴿ولا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة﴾ فالذين يبخسون أجر رسالة النبيَّ ولا يوالون ذي القربي الذين اُمروا بمودّتهم ويخونونهم فلا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم نظر رحمة أبداً، ﴿ولا يُزكّيهم ولهم عذابٌ أليم﴾ فهؤلاء الذين خبثوا بنكث بيعة عليٍّ ولَوَّثَهم إبليس بمخالفة أهل البيت وماتوا على بغض آل محمّد ، لا طهَّرهم الله من الذنوب ولهم الخلود في الجحيم ، ﴿وإنّ منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب﴾ ومن هؤلاء المنافقين الذين اشتروا الدنيا بالدّين يُحرِّفون آيات القرآن كما يشتهون ويرتّلون ما حرّفوه کي تحسبوه قرآناً وليس من القرآن، ﴿ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله﴾ فيدَّعون أنَّ آية [ الشيخ والشيخة إذا زنيا فأجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدة نكالاً من الله ] جزءٌ من القرآن ووحيٌ من عند الله وليس ذلك من القرآن ، ﴿ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون﴾ وهذه الآيات التي أرادوا دسَّها في القرآن واضحةُ الكذب إذ لم تُسمع من النبيّ أو من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ولهذا فهم يعلمون أنّها كذب ، ﴿ما كان لبشرٍ أن يؤتيَه اللهُ الكتاب والحُكمَ والنبوّة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله﴾ إنّ عيسى هو بشرٌ مولودٌ من بشر ولكن آتاه الله الإِنجيل وأعطاه الولاية التكوينية كإحياء الموتي وآتاه الرسالة وبعثه بالوحي فكيف تنسبون إليه انّه دعى الناس ليعبدوه ؟ ﴿ولكنْ كُونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون﴾ بل إنّ عيسی ( عليه السلام) کان يقول للنصاری : اعبدوا الله وحده وتعلّموا أحکام الإنجيل لله ، وعلّموها للناس لله وعليكم بتبشير التوحيد إلى البشر ، ﴿ولا يأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنبيّين أرباباً﴾ فتعاليم عيسى كلّها على أساس توحيد الله ونفي الشرك عنه ولم يأمركم أن تعبدوا روح القدُس ولا أن تعبدوه هو أو مريم أو أرباباً آخرين ﴿أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون﴾ فبعد أن أسلمتم بأنّ لعيسى بن مريم العصمةَ والرسالة والنبوة وشريعة الإِنجيل من الله فكيف يمكن أن يأمركم بالشرك بعد التوحيد ؟ ﴿وإذ أخذ اللهُ ميثاق النبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمةٍ ثمَّ جاءكم رسولُ الله مصدِّقٌ لما معكم لتؤمننَّ به﴾ واذكروا أيّها المسلِّمون حينما أخذ الله الميثاق من الأنبياء مرّةً في عالم الذَرِّ بالولاء لمحمَّد وآل محمد ومرَّةً حينما بُعِثوا بالرسالة أن يُبشّروا بمجيئه ويأمروا الناس باتّباعه ، ﴿ولتنصُرَنّه﴾ وأوجب على جميع الأنبياء أن ينصروا محمداً وآلهِ ودينه بدعوة الناس إلى ولائهم والإيمان بهم وقد فعلوا وسينصرونه عند ظهور ولده المهدي (عليه السلام)، ﴿قالءأقرَرتُم وأخذْتُم على ذلكم إصري قالوا أقررنا﴾ وحينما أخذ الله منهم الميثاق في عالم الذرّ وعالم الدنيا قال لهم هل التزمتم بالعهد والميثاق ؟ قالوا نعم إقراراً بذلك وسألهم هل تُنفِّذون عهدي ؟ قالوا نعم ، ﴿قال : فأشهدوا وأنا معكم من الشاهدين﴾ قال الله العليّ العظيم لأنبيائه ورسله : إنّ أوّل لوازم النبوة وشرائط الرسالة أن تشهدوا على وجوب ولاء محمدٍ وآله وأنا اللهُ العدل أشهدُ على وجوب ذلك . ﴿فمن تولّى بعد ذلك فأُولئك هم الفاسقون﴾ وقال تعالى لهم : واشهدوا تِباعاً أيّها الأنبياء وأنا أشهد معكم على أنّ من أعرضَ عن ولاية محمدٍ وأهل بيته الطاهرين وتولّى عن إتّباعهم فهو من الفاسقين .
﴿أفغيرَ دين الله يَبغون﴾ ثم يسأل اللهُ سؤالاً إستنكارياً وتوبيخياً : هل إنّ هؤلاء الفاسقين المُعرِضين عن ولايةِ محمدٍ وأهل بيته يبغون ديناً غير دينهم ؟ ﴿ولَهُ أسْلَمَ من في السماوات والأرض﴾ ولولاية محمدٍ وآل محمدٍ أسلمَ الملائكُة والجنّ والإِنس جميعاً حين ظهور القائِم المهديّ من آل محمدٍ ( عليهم السلام ) ، ﴿طوعاً وكرهاً وإليه يُرجعون﴾ فعند قيام القائِم من أهل البيت يُسلم لله ولدينه كلٌ مَلَكٍ أو جنٍّ أو إنسان مؤمن طوعاً ويُسلِم بحَدِّ سيفه بعضهم كرهاً فيُقتلون ويُرجعون إلى الله ، ﴿قُل آمنّا بالله وما أُنزل علينا﴾ قل رسول الله : آمنّا بتوحيد الله وعدله وآمنّا بوحيه وكتابه وما وعدنا فيه من ظهور دينه على الدّين كُلِّه بظهور المهدي ( عليه السلام ) ، ﴿ وما أُنْزِل عَلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط﴾ وآمنّا بصُحُف إبراهيم المُنَزَّلة عليه وشريعته التوحيدية وسنّته الإبراهيميّة التي سار عليها ولداه وحفيده يعقوب وأولاده أحفاد إبراهيم ، ﴿وما أوتي موسی و عيسی والنبيّون من ربّهم﴾ وقل : آمنّا بالتوراة والإِنجيل غير المحُرَّفةِ المُنزَلةِ على موسى وعيسى وشريعتيهما التوحيديّة التي سار عليها أنبياءُ بني إسرائيل وأوصياءُ عيسى ( عليه السلام ) ، ولا نُفرّق بين أحدٍ منهم﴾ وقُل للناس : نحن لا نُفرَّق بين الأنبياء من حيث التصديق برسالتهم والقول بعصمتهم جميعاً فكلّهم في العصمة سواء وإن اختلفوا في تعاليمهم ، ﴿ونحن له مسلمون﴾ وأعلِن يا رسول الله لِلملأ وقل بأنّك وأهل بيتك وشيعتهم مسلمون مقرّون بالتوحيد والنبوّة التي هي الإقرار برسالةِ جميع الأنبياء وتؤمنون بالمعاد .
﴿ومن يبتغِ غير الإِسلام ديناً﴾ فالإِسلام الذي أكمله الله يوم الغدير بولايةِ أمير المؤمنين واشترط فيه البيعة لعليِّ ثم قال ورضيت لكم الإِسلام ديناً فمن أراد غير ولاءِ آل محمدٍ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ﴿فَلَنْ يُقبَل منه وهو في الآخرةِ من الخاسرين﴾ فالله نفى قبول دينه إلى الأبد فلا خلاص له ولا نجاة و لا تنالُه شفاعة ولا عفو ولا مغفرة ، فيسر رحمة الله وجنّته ورضوانه فمصيره النار ، ﴿کيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم﴾ وجوابٌ مُقدَّرٌ لسؤال من خالف علياً إذ قال :لماذا يرتضی الله ديني بعد أن أعلنتُ الشهادتين يقول تعالى إنَّ مخالفة الوحي والقرآن والنبيّ ونقض بيعة الغدير كفرٌ بالإسلام ، ﴿وشَهِدوا أنّ الرّسول حقّ﴾ وعندما قالوا : إنّ محمداً يجرّ النار إلى قُرصِ إبن عمّه بنصبِهِ وليّاً علينا وسأل سائلٌ بعذابٍ وقعَ عليه في الحال شهدوا أنّ ذلك كان بأمر الله ، ﴿وجاءَهم البيّنات والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ وقد أرسلنا الآيات القرآنية والمعجزات بشأنِ عليٍّ والعترة ورأوا مواقِفُه البيّنة في ساحات الجهاد ومع ذلك خالفوه وظلموه فالله لا يهديهم إلى جنّته ، ﴿أُولئك جزاؤهم أنَّ عليهم لعنة الله﴾ إنّ الذين ظلموا محمداً وآل محمد وخالفوا علياً وغصبوا حقَّه و نكثوا بيعته وقسطوا حقّه ومَرقوا عن ولايته فجزاؤهم اللّعن والطَّرد من رحمة الله والخلود في العذاب ، ﴿والملائكة والناس أجمعين﴾ وأنّ الملائكة كلّها تلعنُ ظالمي علي ومُعادِيهِ وظالمي أهل بيته والناس بأجمعهم يلعنون كلّ ظالمٍ جائرٍ منافقً قاتلٍ غاصبٍ خائنٍ فتشملهم اللّعنة ، ﴿خالدين فيها لا يُخفَّف عنهم العذاب﴾ و نتيجة اللّعنات والحِرمان من رحمة الله ودخول الجحيمِ إلى الأبدِ معذَّبين بأشدّ العذاب ولا تخفيف عليهم في العذاب ، ﴿ولا هُم يُنظرون﴾ وإذا كان إبليس قد طلب الإنظار والمهلة أجراً على عباداته السابقة وطاعاته فأمهله الله لكنَّ أعداء عليٍّ‌ لا يُمهَلون لأنّ الله لم يتقبَّل منهم من عملٍ أبداً .
﴿إلاّ الذين تابوا من بعد ذلك﴾ ونستثني من هؤلاء من تاب توبةً صحيحةً كالحُرّ بن يزيد الرّياحي والتوّابين بعد الحسين ( عليه السلام ) وأمثالهم منذ صدر الإسلام حتى هذا اليوم ، ﴿وأصلحوا فإنّ الله غفورٌ رحيم﴾ فبعد أن تابوا تمسّكوا بالقرآن والعترة ووالوا أهل البيت وأحبّوهم واتّبعوهم في كلّ شيءٍ فكانوا شيعةً حقيقيّين لهم فالله يغفر لهم ويرحمهم ، ﴿إنّ الذين كفروا بعد إيمانهم﴾ إنّ الذين ارتدّوا عن أهل البيت وكفروا بوصيّةِ محمّدٍ في أهل بيته وبمودّتِهِ في قُرباه والذين أنکروا ضروريّاً من الدين ، ﴿ثم ازدادوا کفراً﴾ و بعد الإرتداد وإنكار ضروريٍّ من الدّين حاربوا علياً والأئمة المعصومين من أهله فقتلوهم سُمّاً أو بالسّيف وقتلوا شيعتهم ، ﴿لن تُقبَل تَوبتُهم وأُولئك هم الضالّون﴾ فهؤلاء القتلة الظالمون من أعداء محمدٍ وآل محمدٍ والنّاصبون العِداء لهم ولشيعتهم أبداً لا تُقبَل منهم توبةً بل يجب قتلهم فهم ضالّون عن آل محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
﴿إنّ الذين كفروا وماتوا وهم كفّار﴾ إنّ الكفّار الذين لم يؤمنوا بالله ورسوله والقرآن والعترة كأبي سفيان ومعاوية ويزيد وماتوا على هذه الحالة من الكفر ولم يؤمنوا بالإِسلام بقلبهم عمداً ومقصِّرين ، ﴿فلن يُقبَل من أحدهِم مِلء الأرض ذهباً ولو افتدى به﴾ فالله لا يقبل ممّن يقول : لا خبرٌ جاءَ ولا وحيٌ نزل ، أو يقول : فالّذي نفس أبي سفيان بيده لا جنّة ولا نار ، فهؤلاء إلى الأبد لا يقبل الله منهم كفارةً أو فديةً لكفرهم ولو ملأوا الأرض ذهباً، ﴿أولئك لهم عذابٌ أليمٌ وما لهم من ناصرين﴾ فهؤلاء الكفار الذين لم يؤمنوا بالله طرفة عين، سيعذّبهم الله بکفرهم في الدنيا والآخرة ويخلّدون في النار الحريق ولا ينصرهم من الله أحد ، ﴿لن تنالوا البِرّ حتّى تُنفقوا ممّا تُحبّون﴾ لا تنالون الجنّة ثواباً على حسناتكم أبداً حتى تدفعوا الخُمس لمحمدٍ وآل محمدٍ من غَنائمكم وأرباحکم ومکاسبکم ، ﴿وما تنفقوا من شيءٍ فإنَّ الله به عليم﴾ وکلّ نفقةٍ من زكاةٍ أو خُمسٍ أو صدقةٍ أو كفّارةٍ أو صِلَةٍ أو برٍّ أو إحسانٍ أو مؤنةٍ أو معونةٍ فكلّ ذلك يعلم بها الله .
﴿كلّ الطعام كان حِلاًّ لبني إسرائيل﴾ فلما اعترض اليهود على النبيّ أكلَه لحوم الإبل وألبانها بحُجّة أنّ إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى قد حرّموها فأجابهم أنّ ادّعاءكم كذبٌ بل إنّها كانت حلالاً ، ﴿إلاّ ما حرَّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تُنزَّل التوراة﴾ نعم انّ يعقوب إسرائيل الله کان يضرّه لحم الإبل وكلّ ما يضرُّ فهو حرامٌ ولهذا حرَّم ذلك على نفسه وذلك قبل نزول التوراة علي موسى ، ﴿قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين﴾ فقل لهم يا رسول الله : إن كانت لحوم الإبل محرَّمة في شريعة موسى فكتابهُ التوراة فليأتوا بها وليتلوا آية تحريم اللحم إن كانوا يصدقون في دعواهم ، ﴿فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأُولئك هم الظالمون﴾ فبعد أن لم يعثروا على آية تحريم لحم الإِبل في التوراة فإنّ من يدّعي أنّ لحوم الإِبل محرّمة على الأنبياء فهو كاذبٌ و ظالمٌ و مرتدٌّ عن دينه، ﴿قُل صدَق الله﴾ قل يا رسول الله لهؤلاء اليهود إنّ الله صادقٌ في وصفهِ لكم حينما قال : إنّ أشدَّ الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود !!! ﴿فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً﴾ فلولا العداء لما احتججتم باسم إبراهيم ونسبتم إليه تحريم اللحم لأنّكم لستم على ملّة إبراهيم فإن كنتم تصدّقونه فاتّبعوا ملّته فهو كان حنيفاً مسلماً ، ﴿وما كان من المشركين﴾ وإبراهيم الخليل هو كاسر الأوثان ومحطِّم الأصنام ولم ينسب لله ولداً ولم يأمر بعبادةِ العجل واتّباع السامريّ .
﴿إنَّ أوّل بيتٍ وُضع للناس للّذي بِبَكّة﴾ بالتأكيد عندما خلق الله الأرض و جمَّدَها ابتدأ بمكان الكعبة ثُمَّ دَحى الأرض من تحتها ثمَّ بنى آدم البيت عليها وحجَّ و طاف حولها ، وحَجَّ الأنبياء وطافوا حوله ، ﴿مباركاً وهدىً للعالمين﴾ ، فبيت الله هو البيت العتيق الأوّل ولكنّه كان لا يمتاز بشىءٍ حتى باركه الله بولادة عليِّ بن أبي طالب فيه وثم أصبحَ كعبة الإسلام والمسلمين ، ﴿فيهِ آيات بيّنات﴾ و لبيت الكعبة معاجز وكراماتٍ ، أظهرها الله ، منها صيانته من أصحاب الفيل بالأبابيل ، وانشقاق جدارِهِ لفاطمة بنت أسدٍ وولادة علیٍّ فيه ، و تطهيُرهُ له من الأصنام ، ﴿مقام إبراهيم﴾ وعند البيت موضع قدم إبراهيم وقيامه في العبادة و عنده مدفن إسماعيل وأمِّه ومسكنهم ومشربهم زمزم ومسعاهم وبقربهِ موقفهم و منحرهم ، ﴿ومن دخله كان آمناً﴾ وحُكم الملتجىء إلى البيت انّه مأمونٌ ولو كان مُجرماً فلا يُنال بسوءٍ بل يُضيَّق عليه في المشرَب والمأكل حتّى يخرج وثواب من دخله مؤمناً إنّه آمنٌ من العذاب يوم القيامة وأمّا الشخص الوحيد الذي دخله مولوداً فعليٌّ فهو آمن .
﴿ولله على الناس حجّ البيت﴾ وحقٌّ ودَيْنٌ وحكمٌ تكليفيٌّ عباديٌّ ووضعيٌّ مولويٌّ واجبٌ على كلٍّ مؤمنٍ مَرَّةً في عمرهِ أن يحجّ إلى بيت الله حجّ تمتُّعٍ أو قِرانٍ أو إفرادٍ ويزور النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ﴿من استطاع إليه سبيلاً﴾ فالحجّ الواجب مشروطٌ بالإستطاعة الجسمية والماليّة وعدم الصَدِّ والإِحصار والتمكن من أداء المناسك في وقتها ومحلّها بشرائطها وشرطُ قبولها الولاية ، ﴿ومن كفر فإنّ الله غنيٌّ عن العالمين﴾ ومن ينكر وجوب الحجّ فهو كافِر و مَن يتركه عامداً متعمداً من دون عذرٍ فيموت على الكفر إلاّ أن يوصي ويُنيب من حجّ على غير سنة محمد وآله فهو كافر بالحجّ والله لا يحتاج الى حج الحُجّاج .
﴿قل يا أهل الكتاب لِمَ تكفرون بآيات الله﴾ قل يا رسول الله لليهود والنصاری لماذا تعترضون على تشريع الحجّ إلى الكعبة وتنكرون الوحي وتقولون إنّ القبلة التي يجب أن يُحَجَّ إليها بيت المقدس ، ﴿والله شهيدٌ على ما تعملون﴾ فاعلموا أنّ الله يسمع ويری ويراقب أعمالکم ومساعيکم فی منع المسلمين من الحجّ الى بيت الله ومنع الناس من اعتناق الإِسلام .
﴿قل يا أهل الكتاب لِمَ تصدّون عن سبيل الله مَن آمن﴾ قل يا حبيبي لهؤلاء اليهود والنصارى لماذا تصرفون وتمنعون الناس عن اعتناق الاسلام و تمنعون المسلمين من عباداتهم ، ﴿تبغونها عوجاً وأنتم شهداء﴾ كل ذلك لأنّ بغيتكم وهدفكم ومقصدكم أن تمُيلوا الناس عن الحق وتحرِّفون المسلمين عن الكعبة في الصلاة والحجّ وأنتم تشهدون أنّ التوراة والإنجيل تُبشِّر بالنبيّ ( صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ، ﴿وما الله بغافلٍ عمّا تعملون﴾ فاعلموا علم يقينٍ أنّ الله يداه مبسوطتان وهو عالمٌ وسميعٌ وبصيرٌ وإليه المصير ولا يغفل عن خيانتکم و سيُجازيكم و يعاقبكم بأعمالكم . ﴿يا أيّها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين اُوتو الکتاب يردّوکم بعد إيمانکم کافرين﴾ أيّها المسلمون لا تطيعوا اليهود الذين يريدون أن يحرّفونکم عن قبلتکم ويمنعونکم عن الحجّ فإن أطعتموهم فإطاعتهم موجبٌ للإِرتداد عن الإِسلام ، ﴿وكيف تكفرون وأنتم تُتلیٰ عليكم آيات الله﴾ فكيف يجوز أن تكفروا بل إنمّا يكون المبُرّر لإطاعة اليهود أن تكونوا جهلاء قاصرين ولم تطّلعوا على آيات القرآن وسنّة محمدٍ وآله ولم تعرفوا حرمة إطاعة اليهود أمّا مع العِلم فلا يجوز ، ﴿وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيم﴾ وكيف يجوز أن تُطيعوا اليهود وتُطيعوا سائرَ الناس وتكفروا مع أنّ الله مَنَّ عليکم أن بعث فيکم رسوله محمداً فطريق الهداية منحصرةٌ بطاعةِ محمدٍ وآله ومن يطعهم فهو على صراطٍ مستقيم .
﴿يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله حقَّ تُقاته﴾ أيّها المسلمون المؤمنون عليكم بترك معصية الله ومعصية رسوله وأهل بيته ووالوهم حقّ الموالاة وأطيعوهم حقّ الطاعة ، ﴿ولا تموتُنّ إلاّ وأنتم مسلمون﴾ فاحذروا أن تموتوا ميتة جاهليّةً فمن مات ولم يعرف إمام زمانه من أهل البيت المعصومين الإثنا عشر ( عليهم السلام ) مات ميتةً جاهليةً بل موتوا على موالاتهم ، ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً﴾ والموت على الإِسلام مبنيٌّ على أن تعتصموا وتتمسّكوا بالقرآن والعترة وتركبوا سفينة النجاة وتتبعوا أهل البيت وتكونوا من شيعة آل محمد ، ﴿ولا تفرّقوا﴾ ولا يجوز لكم أن تتركوا التمسّك بالقرآن والعترة وتتفرّقوا عن أهل بيت الى هذا وذاك وتتّبعوا سبيل تعدُّد المذاهب في الإِسلام ، ﴿واذكروا نعمة الله عليکم﴾ و يجب عليکم أن لا تنسون ولا تغفلوا عن نعمةِ ولاية آل محمد و مشايعة عليٍّ فبنصبهِ للولاية أتمَّ الله النعمة عليكم وأكمل دينكم ، ﴿إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم﴾ واذكروا لولا ولاية محمدٍ وآل محمدٍ لكنتم كالأوس والخزرج بعضهم أعداء بعضٍ فجمع الله بينهم وألّف بينهم ببركةِ محمدٍ وآله ( عليهم السلام ) ، ﴿فأصبحتم بنعمتهِ إخواناً﴾ فبنعمة ولايةِ محمدٍ وآله ( عليهم السلام ) التي أتمَّ الله النِعَم بها و ببركةِ هذه النعمة جمعكم الله علي أخوّة الإسلام ، ﴿وکنتم علی شفا حفرةٍ من النار فأنقذکم منها﴾ وقبل أن ينقذکم الله بمحمدٍ وأهل بيته كنتم على هاويةً سحيقةٍ تؤدي إلى شفير جهنّم وكفرٍ ونفاق و ضلال وظلم وجور وفسق وفجور ، ﴿كذلك يبيّن الله لکم آياته لعلّكم تهتدون﴾ فهل بيانٌ أوضح من هذا ؟ ومن أن يقول الله : إنّ من دون ولاية محمد وآله فلا نجاة من شفا حفرةٍ من جهنم ؟ بل السقوط فيها حتميٌّ فهل تهتدون لولايتهم .
﴿ولتكن منكم أُمّةٌ يدعون إلى الخير﴾ ويجب عليكم مؤكداً ووجوب فرض أن يقوم طوائف من المسلمين بالدّعوة إلى موالاة محمدٍ وآله الطاهرين ومتابعتهم والتمسّك بالقرآن والعترة ، ﴿ويأمرون بالمعروف﴾ ويجب بالوجوب الكفائي على المسلمين أمر المسلمين بالمعروف الواجب والمستحب من الشرع وأمر الناس غير المسلمين باعتناق الاسلام وأمر المخالفين بموالاة محمدٍ وآله ، ﴿وينهون عن المنكر﴾ ويجب كفائياً نهيَ المسلمين عن المحرَّمات الشرعية و المعاصي والآثام وترك الواجبات ونهي غيرهم عن الظلم وعن مخالفة مذهب أهل البيت ومعاداة الشيعة ، ﴿وأُولئك هم المفلحون﴾ فالمؤمنون الذين يدعون إلى ولاية محمد وآله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر والقبيح والظلم فهؤلاء هم الفائزون بالجنّة والفرقة الناجية من بين فِرَق المسلمين، ﴿ولا تكونوا كالذين تفرّقوا﴾ ولا تكونوا كاليهود حيث تفرّقوا عن هارون وصيَّ موسى وخليفته واتّبعوا العجل والسامريّ فلا تتفرقوا عن مَن هو بمنزلة هارون من موسى ، ﴿واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات﴾ واليهود اختلفوا بعد موسى وتركوا الأسباط وحرَّفوا التوراة بعد أن أبلغهم بها نبيّهم وأوصياءه فلا تكونوا مثلهم فتختلفون بعد النبيّ وتخترعون المذاهب المختلفة ، ﴿وأُلئك لهم عذابٌ عظيم﴾ فالذين يختلفون بعد وفاة رسول الله وينقلبون على أعقابهم ويتركوا علياً ويخالفوا آل محمد فهم كأُلئك اليهود لهم نار جهنّم خالدين فيها أبداً.
﴿يوم تبيَضّ وجوهٌ﴾ وفي يوم القيامة تسطع وجوه الشيعة نوراً ويقودهم إمامُهم قائد الغرّ المحجَّلين فوجوههم بيضاء من نور جبينهم ونور ولايتهم ، ﴿وتسودُّ وجوه﴾ وفي ذلك اليوم تسودُّ وجوه الذين انقلبوا على أعقابهم بعد رسول الله وخالفوا علياً وتركوا أهل البيت من شدّة خوفهم ومن لظى النار ومن فقدانهم نور الولاية ، ﴿فأمّا الذين اسودَّت وجوههم أكفرتُم بعد إيمانكم﴾ فيخاطب هؤلاء المسودّة وجوههم ويُقال لهم توبيخاً وتقريعاً أبعدَ أن بايعتم الله ورسوله وبايعتم علياً بإمرةِ المؤمنين كفرتم بعد ذلك ونقضتم البيعة ؟؟ ﴿فذوقوا العذاب بما کنتم تکفرون﴾ فاسودادُ وجوهکم أوّل العذاب ويتلوه عذاب الجحيم فذوقوه جزاءًً لمخالفة عليٍّ أمير المؤمنين وإيذاء فاطمة وولديها وكفرتم بعهد الله وميثاقه ، ﴿وأمّا الذين ابيضَّت وجوههم ففي رحمة الله﴾ وأما حال شيعة أمير المؤمنين والمؤمنين الموالين لأهل البيت الذين يسطع نورهم من بين أيديهم وتسطع جباههم فهم تحت راية عليٍّ ويشفع النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لهم والأئمة فيدخلون الجنة ، ﴿هم فيها خالدون﴾ فعندما يفوزون بالجنة ويدخلونها وبأيديهم الصكّ من عليٍّ أمير المؤمنين ويشربون من الحوض والكوثر ويتنعّمون بنِعَم الجنة فلا يذوقون الموت أبداً .
﴿تلك آيات الله نتلوها عليك بالحقّ﴾ هذه الأوصاف لشيعة عليٍّ ومناوئيه ومخالفي أهل البيت ومحبتهم التي نوحيها إليك يا حبيبنا تُحسَب على قواعد العدل في الجزاء وعلى أساس الفرق بين الحقّ والباطل والثواب والعقاب ، ﴿وما اللهُ يريدُ ظلماً للعالمين﴾ فإنّ الله سبحانه عادلٌ وحکمٌ عدلٌ ولا يجازي أحداً يوم القيامة إلاّ بما عمله في الدنيا إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ ولأنّه لا يريد الظلم أمَر الناس باتّباع عليّ ( عليه السلام ) ، ﴿ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله تُرجع الأمور﴾ واعلموا وتيقّنوا وثقوا أنّه لم يأمركم بموالاة أهل البيت والتمسّك بالقرآن والعترةِ لحاجته إليكم بل هو الغنيُّ بالذّات ويملك كلّ ما في الوجود من مُلكٍ بل ولأنَّ مصيركم إليه تعالى .
﴿كنتم خير أُمَّةٍ أُخرجت للناس﴾ أي كنتم مخلوقين قبل الخلق كلّهم والخطاب خاصٌ بالمعصومين الأربعة عشر محمدٍ وآله حيث كانوا أنواراً بعرشِه مُحدِقين ثمّ أخرجهم الله للنّاس ، ﴿تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾ وأنتم أيّها المعصومون يا رسول الله ويا آل محمد ( عليهم السلام ) تمتازون عن الناس کلّهم انّکم تعملون بکل معروفٍ وتأمرون بهِ ومعصومين عن کلِّ منکرٍ و تنهون عنه وإيمانکم خالصٌ لله ، ﴿ولو آمن أهل الکتاب لکان خيراً لهم﴾ فلو آمن اليهود والنصاری والمسلمون ، المخاطبين بالكتاب والوحي وبولاية محمدٍ وآل محمد ( عليهم السلام ) لأكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أقدامهم ولسعدوا في الدنيا والآخرة ، ﴿منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون﴾ لكنّ من المسلمين طائفةٌ شيعةٌ مؤمنون متّبعون لعليٍّ وولدِه وموالون لهم ، ومتمسّكون بالقرآن والعترة وأكثر المسلمين يتّبعون الفسقة من بني أميّة وبني العباس وغيرهم ، ﴿لن يضرّوكم إلاّ أذیً وإن يقاتلوکم يولّوکم الأدبار﴾ وأمّا إذا لم يؤمن أهل الكتاب سيّما اليهود فلا يتمكّنون أبداً من الإضرار بالإسلام وبرسالة القرآن ولا ينالون منكم سوى الإيذاء و فی معركة الجهاد يفرّون منکم ، ﴿ثم لا يُنصرون﴾ وإذا قاتلوکم وقاتلتموهم وثَبَتُّم وفرّوا من سيوفکم فإنهّم لا يسلمون من أيديكم بل ستغلبونهم في النهاية فيقضي عليهم المهدي القائم (عجّل الله تعالى فرجه ) ، ﴿ضُرِبت عليهم الذلّة أينما ثُقِفوا﴾ وهؤلاء الكفار الحربيّين حَكَم الله عليهم بذلّة القتل أو الأسر أينما وجدوا في البلاد الإسلامية وعُثِرَ عليهم ، ﴿إلاّ بحبلٍ من الله وحبلٍ من الناس﴾ إلاّ أن يعطوا الجزية مستسلمين غير محاربين ويخضعون لأحكام الله وشروط الذمّة أو يكون بينهم وبينکم ميثاق ، ﴿وباءُ و بغضبٍ من الله وضُربت عليهم المسكنة﴾ ويرجع هؤلاء الكفار إن كانوا محاربين عن شمول رحمة الله لهم فَشَملهم غضبه فأمر بقتلهم وأباحَ أموالهم للمسلمين وأجاز سلبهم ونهبهم ، ﴿ذلك بأنهّم كانوا يكفرون بآيات الله﴾ إنّ غضب الله تعالى على اليهود وغيرهم ليس عداوةً من غير سببٍ بل لأجل انهم كفروا بآيات التوراة والإنجيل والقرآن وكفروا بمعاجز النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ﴿ويقتلون الأنبياء بغير حقّ﴾ وإنمّا استحقّوا القتل والهلاك لأنهّم قد قتلوا أنبياء بني إسرائيل من قبل وعزموا على قتل عيسى ( عليه السلام ) ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من غير جُرمٍ لهم ، ﴿ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون﴾ وإنمّا كانوا يقتلون الأنبياء لأنهّم كانوا يمنعونهم وينهونهم عن العصيان والفسق والفجور وکانوا يردعونهم عن الظلم والتعدّي فأصرّوا عليها .
﴿ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّة قائمة﴾ إنّ اليهود والنصارى والمسلمين ليسوا جميعاً سواء وليس كلهم مشركين أو محاربين أو منافقين بل فيهم الموحِّدون العُبّاد الزُهّاد الرُّهبان والأتقياء ، ﴿يَتلوُن آيات الله آناءَ الليل وهم يَسجدون﴾و هؤلاء القائمون بالعبادة والزهد وترك الدنيا مشغولون دائماً بتلاوة القرآن أو التوراة والإنجيل ويسجدون لله في المساجد وصوامع العبادة ، ﴿يؤمنون بالله واليوم الآخر﴾ ومن هؤلاء اليهود والنصارى من يعتنق الإسلام ويؤمن بوحدانيّة الله ورسالة محمد وآله والمعاد کالنّجاشي وغيره وکلّ شيعي مؤمن ، ﴿ويأمرون بالمعروف ويَنهَوْن عن المنكر﴾ وبعد أن آمنوا بالإسلام واعتنقوه يقومون بأداء واجبَي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة الى سائر أهل الكتاب والمسلمين ، ﴿ويُسارِعون في الخيرات وأُولئك من الصالحين﴾ ويسارع هؤلاء في النفقات الواجبة كالخُمس والزكاة والمستحبّةِ كالصدقات والمبرّات وإذا كانوا ذِمِّيين فيُسارعون الى الجزية والخَراج ، ﴿وما يفعلوا من خير فلن يُكفروه﴾ والذين يؤمنون بالإسلام وبالتوحيد والعدل والنبوّة والإِمامة والمعاد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويُسارعون في الخُمس والزكاة والحجِّ والجهاد والصلاة والصوم فلا يحُرِّمون الثواب ، ﴿والله عليمٌ بالمتّقين﴾ وهذه الخيرات والعبادات مشروطةٌ بقصد القربة وخلوص النيّة والتقوى والله هو العالم بمن يتّقي الله فيها .
﴿إنّ الذين کفروا لن تُغني عنهم أموالهم ولا أولادهم﴾ مؤكدٌ قطعيٌّ عدم استغناء من كفر بالله وبولاية محمدٍ وآله وكفر بأحكام القرآن يملکه من مالٍ وولدٍ عن عذاب الله يوم القيامة ، ﴿من الله شيئاً وأُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ فالأموال والأولاد لا تنفعهم للنجاة من عذاب الله حيث إنّ يوم القيامة لا تنفع فيه مالٌ ولا بنونٌ إلاّ من أتي الله بقلبٍ سليم فيخلدون في النار الى الأبد .
﴿مَثَلُ ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا﴾ وخيرُ مثالٍ لصفة حال الكفّار في مصاريفهم ضدّ الإسلام وضدَّ ولاية محمدٍ وآله ونفقاتهم على أتباعهم وجنودهم وعساكرهم وعيالاتهم ، ﴿كَمَثَل ريحٍ فيها صِرٌّ أصابت حرثَ قومٍ﴾ فالمثال والتشبيه هو تماماً كفناءٍ وهلاكٍ ودمارٍ عارضٌ على الزرع حينما تَهُبُّ عليه العواصف السموميّة الحارة أو الباردة الثلجيّة ، ﴿ظلموا أنفسهم فأهلکته﴾ والعواصف المدمَّرة هي نتيجة الظلم والفسق والفجور الذي يرتكبه الناس فهي تُهلك الزرع والحرث وتدمِّر كل شیء . ﴿وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون﴾ فهؤلاء حينما ينفقون الأموال في ضدَّ محمدٍ وآل محمدٍ فهم يهلكون أنفسهم بها ويخسرونها ويدمّرون كيانهم بأيديهم ويظلمون أنفسهم وليس الله بظلّام لهم إبتداءً .
﴿يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونکم﴾ أيّها المسلمون الموالون ، يا من آمنتم بولاية محمدٍ و آل محمد : إيّاکم وأن تُصادِقوا وتُشاوروا وتصطفوا وتسارّوا أحداً ممّن لا يوالي محمداً وآله ، ﴿لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عَنِتُّم﴾ إنّ هؤلاء المخالفين لكم الذين لا يؤمنون بولاية محمد وآله لا يقصِّرون في إضرارکم بما ينافي العقل والعدل والعاطفة بل يجبّون عنادکم ومشقّتکم في الحياة ، ﴿قد بدَت البغضاء من أفواههم﴾ إنهّم إن نافقوا بالتّظاهر في محبّتكم لكنّهم أضمروا عداءكم وبغضكم وقد ظهر ما أضمروه من فلتات لسانهم وهم يغتابونکم ويسبّونکم خلف ظهورکم ، ﴿وما تُخفي صدورهم أکبر﴾ والله مُطَّلِعٌ علي قلوبهم وضمائِرهم ومقاصدهم ونيّاتهم ويُخبرکم انّ مخالفيکم يُخفون الحِقد و الحسد و الضغينة و العداوة عليکم في قلوبهم ، ﴿قد بيّنا لکم الآيات إن کنتم تعقلون﴾ بالتأكيد أوضحنا لكم ما كان خفياً عليكم من النّوايا السيّئة لمخالفيكم أعداء أهل البيت وشيعتهم فإن كنتم عقلاء فلا تصادقوهم ، ﴿ها أنتم أولاء تُحبّونهم﴾ أيّها المؤمنون إنّكم تحبّون هداية هؤلاء المخالفين وتحبّون أن يوفَّقوا لولاية محمدٍ وأهل بيته وتحبّون أن تكون عواقبهم على خيرٍ ويموتون على الولاية ، ﴿ولا يحبّونكم﴾ ولكنَّ هؤلاء المخالفين ولو أظهروا لكم المودَّة ولكنّها نفاق ولا يُكِنّون لكم الحُبّ في قلوبهم بل يكرهونكم ولا يحبّون التشيّع ، ﴿وتؤمنون بالكتاب كلِّه﴾ وهم لا يؤمنون بالآيات النّازلة في شأن عليٍّ وآل محمدٍ كآية التّبليغ والولاية والمباهلة والتّطهير والقربی وغيرها لکنّکم تؤمنون بجميع القرآن وآياته ، ﴿وإذا لقوكم قالوا آمنّا﴾ وعندما يلتقون بكم أيّها الشيعة يقولون لكم نحن نؤمن بولاية آل محمد والآيات النازلة بشأنهم نفاقاً وخداعاً ومكراً ، ﴿وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ﴾ لكنّ المخالفين لشيعة أهل البيت عندما يفرغ مجلسهم من الشيعيّ يعضّون أطراف أصابعهم من شدّة الغضب والحنق والحسد والعداء ، ﴿قُل موتوا بغيظكم﴾ يا رسول الله قُل لأعداء شيعة أهل البيت موتوا من حسدکم وحقدکم و بغضکم فالحسد لا يسود فيأکل صاحبه فالموت لکم يا أعداء الشيعة ، ﴿إنّ الله عليمٌ بذات الصّدور﴾ وقل لهم يا حبيبي إن كانوا يظنّون أنّ الله لا يعلم ما في ضمائرهم فليعلموا علم اليقين انّه جِدٌّ عالم بضمائرهم .
﴿إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم﴾ أيّها المؤمنون يا أتباع أهل البيت وشيعة آل محمد ( عليهم السلام ) إن يمنحكم الله النَّصر والغلبة عليهم فتكون لكم دولةٌ شيعيةٌ كالحمدانيّين والبُويهيّين والصّفويّين فيستاؤون منكم ، ﴿وإن تُصِبکم سيّئة يفرحوا بها﴾ و إذا أصابتکم مصيبةٌ کاستشهاد أئمّتکم وقتل رجالکم وفقدِ علمائكم و غلبة حكّام الجور عليكم و ظلمهم لكم يفرح هؤلاء المخالفون المنافقون منها، ﴿وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئاً﴾ أيّها المؤمنون لو تصبرون علي أذى المخالفين لكم حتّى ظهور إمامكم المهدي (عجّل الله تعالى فرجه ) و تلتزمون بالتقيّة في محلّها والتقوى في العمل لا ينالكم الضرّ من عداءِهم لكم ، ﴿إنّ الله بما يعملون محيط﴾ فقطعاً ويقيناً إنّ الله محيط وعالمٌ بالأعمال القبيحة لأعداء الشيعة والمؤمنين وظلمهم وجورهم عليهم وعدائهم وحقدهم لهم .
﴿وإذ غدوت من أهلك تبوّىء المؤمنين﴾ واذكر يا حبيبي حينما خرجت من المدينة لحرب الكفار ، خالد بن الوليد وجماعته في أُحُد ، فأمرت المسلمين أن يتّخذوا مواقع في الجبل ، ﴿مقاعد للقتال﴾ فتجعل ظهر عسكرك جبل أُحُد، و أمرت الرماة أن ينصحوا عليكم بالنبل ولا يبرحوا مكانهم وجُعِلَت الميمنة والميسرة بنو سلمة وبنو حارثة وفي مقدّمك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام ) ، ﴿والله سميعٌ عليم﴾ ومؤكّدٌ أنّ الله سميعٌ نداءك لعليٍّ حينما وقعتَ جريحاً فذبَّ عنك بنفسه حتى كُسِر سيفه فهتف جبرئيل لا فتى إلاّ علي لا سيف إلاّ ذو الفقار فعلم الله ذلك وأنزل عليه ذا الفقار ، ﴿إذ همَّت طائفتان منكم أن تفشلا﴾ واذكر حينما ترك الرماة مواقعهم مع سائر المسلمين طمعاً بالغنائم فهجم خالد بن الوليد ورَبعُه من الجبل عليهم ففرّوا جميعاً وفشلوا ولم يبق معك غير عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ﴿والله وليّهما﴾ والله سبحانه وليٌّ رسوله محمد ووليٌّ وليِّه عليٍّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو نصرهما بعد أن فرَّ المسلمون وهو الذي حفظهما ومنحهما الغلبة على الكفار ، ﴿وعلى الله فليتوكّل المؤمنين﴾ فكما أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام ) توكّلا على الله فقط فنصرهما فكذلك فليفعل من اتّبعهما ووالاهما واقتفى أثرهما وكان من شيعتهما من أهل الإيمان .
﴿ولقد نصَركم اللهُ ببدرٍ وأنتم أذلّة﴾ أيّها المؤمنون ويا رسول الله تذكّروا عندما حاربتم الكفّار والمشركين ببدرٍ وكنتم أذلّ منهم عُدّةً وعدداً وقلَّةٌ في قبال كثرةٍ فنصركم الله عليهم ، ﴿فاتّقوا الله لعلّكم تشكرون﴾ فخافوا الله واخشوه وأخلِصوا له العبادة والتوكّل والطاعة فلولاه لما غلبتم بقلّتكم كثرتهم ، فهو الذي نصركم عليهم و أهلکهم بأيديکم فاشکروه تعالي ، ﴿إذ تقول للمؤمنين آلن يكفيکم ان يمدّكم ربّكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة منزلين﴾ واذكر يا حبيبي قولك للمؤمنين حينما خافوا الهريمة لِقلّتهم فقلت لهم تشيجعاً وتثبيتاً : ﴿لستم قليلين ، بل معكم ثلاثة آلاف ملك فأنتم أكثر منهم ألا يكفي هذا العدد للغلبة ؟ ﴿بلى إن تصبروا وتتّقوا ويأتوكم من فورهم﴾ فقلت لهم نعم قطعيٌّ ويقينيٌّ إذا صبرتم في جهاد عدوّکم واتّقيتم الله ولم تفرّوا من الزّحف وتثبتوا حينما يزحفون بسرعةٍ نحوكم ، ﴿هذا يُمددكم ربكم بخمسة آلافٍ من الملائكة مسوّمين﴾ فالإمداد الأول بألفٍ من الملائكة حينما تَعزمون على الجهاد ، والثاني بثلاثة آلافٍ حينما تُعسكرون في قبالهم والإمدادُ الثالث بخمسةِ آلافٍ حين الصَّبر في القتال ، ﴿وما جعله الله إلاّ بُشریٰ لكم ولِتَطمئِنَّ قلوبكم به﴾ وكان هذا الوعد من الله إزالةً للقلق ودفع الخوف وبشارةً بالنصر حتى تطمئنَّ قلوبكم بنصر الله وتأييده لرسوله وأتباعه ، ﴿وما النصر إلاّ من عند الله العزيز الحكيم﴾ فاعلموا علم اليقين انّ النصر هو بيد الله ومُنحصرٌ بمشيئته وإرادته وليس في الكثرة في العدد و لا العُدّة والعتاد والسلاح وهو الذي يُعزّ من يشاء وحكيمٌ بالأمور ، ﴿ليقطع طرفاً من الذين كفروا﴾ فالله سبحانه حتماً يهلك صناديد الكفار بيد عليّ بن أبي طالب كعاص بن وائلٍ ونوفل بن خويلد وحنظلة بن أبي سفيان ومطعم العدي و عقبة والوليد وشيبة وعبيدة بن الحارث ، ﴿أويكبتهم فينقلبوا خائبين﴾ والله سبحانه بعد أن يقطع طرفاً منهم بسيف عليٍّ يُذلّ البقيّة بالأسر والهزيمة فيرجعوا و قد خاب ظنّهم في غلبة النبيّ والمسلمين وخابت مساعيهم ، ﴿ليس لك من الأمر شيء﴾ يا رسول الله ليس لك أن تشفَع في أبي سفيان ومن شاكله وخالد بن الوليد وربعه وهنداً وابنها معاوية وأمثالِه أو تستغفر لهم جرائمهم ، ﴿أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنهّم ظالمون﴾ فالتوبة بيد الله يخصّ بها من يرتضي إيمانه وتقواه وولاءهُ لك ولأهل بيتك وكذا العذاب فهو يختصُّ به من ظلم وآذى رسوله وأهل البيت والمؤمنين ، وهؤلاء ظالمون ، ﴿ولله ما في السماوات ومافى الأرض يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء والله غفورٌ رحيم﴾ فالتوبة والعذاب هما متعلّقان بمشيئة الله لأنّه هو مالك رقاب خلقه وعباده فيغفر لمن يشاء من المؤمنين ويعذّب من يشاء من المنافقين والله غفورٌ للمؤمنين ورحيمٌ بهم فقط .
﴿يا أيّها الذين آمنوا لا تأكلوا الرِّبا﴾ أيّها المسلمون محرَّمٌ عليكم أكل الرّبا وهو كلّ منفعةٍ أو فائدةٍ مشروطةٍ في القَرض فكلّ شرطٍ في القرض جَرَّ نفعاً حرامٌ فلا تأخذوه ، ﴿أضعافاً مضاعفة واتّقوا الله لعلّكم تفلحون﴾ وكذلك حرام أيضاً الرّبح المضاعف من الرّبا أي الفائدة المحسوبة على الفائدة للتأخير في الدّفع والأداء فاتركوه خوفاً من الله ففي ذلك أملٌ بالفلاح ، ﴿واتّقوا النار التي أُعدّت للكافرين﴾ فإن لم تتركوا أخذ الرّبا وأكل فائدته وربحه ومنفعته فجزاؤكم الحتمي هو النار فاتقوها واتركوه فالنار أعدّها الله لمن يكفر ويأكل الرّبا ، ﴿وأطيعوا الله ورسوله لعلّكم ترحمون﴾ أيّها المسلمون أطيعوا الله في جميع أحكامه وأوامره وواجباته ومحرّماته وأطيعوا رسوله في ما يأمركم به من ولاية عليٍّ وأهل بيته لكي تشملكم الرحمة الإِلهية .
﴿وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم﴾ وسارعوا الى التمسّك بالقرآن والعِترة والمودّة في القربى وموالاة محمدٍ وآل محمد ( عليهم السلام ) ومشايعتهم ومتابعتهم ونصرتهم حتى يغفر الله لكم ، ﴿وجنّةٍ عرضها السماوات والأرض﴾ وسارعوا أيّها المسلمون إلى اتّباع أهل البيت والتشيُّع واعتناق المذهب الحقّ حتى تنالوا الجنّة وتدخلوها وهي أوسع من الكُرَة الأرضيّة والفضاء ، ﴿أُعِدَّت للمتّقين﴾ فهذه الجنة الواسعة جداً أعدَّها الله وهيّأها فقط لمحمدٍ وآله وللمؤمنين المتّقين من شيعة أمير المؤمنين (عليهم السلام ) ومُحبّيه ومواليه .
﴿الَّذين ينفقون في السرّاء والضرّاء﴾ فهؤلاء المتنّقون أميرهم عليّ بن أبي طالب الذي أنفق في سبيل الله عندما كان موسراً وأنفق هو وفاطمة والحسنان قوتهم ثلاثة أيّامٍ وهم لا يجدون غيره ، ﴿والكاظمين الغيظ﴾ ومحمدٌ وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام ) كانوا يكظمون غيظهم حينما كان الناس يغيظونهم ويؤذونهم ويسبّونهم ويهينونهم ، ﴿والعافين عن الناس﴾ ورسول الله وأهل بيته هم الذين عَفوا عن من أساء إليهم ومن أراد العفو على خطيئته منهم والتزموا العفو عند المقدرة ، ﴿والله يحُبّ المحسنين﴾ ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآله الطاهرين أحسنوا بالتقوى والإِنفاق وكظم الغيظ والعفو عن الناس فبديهيٌّ انّ الله يحبّهم فهم أحبّاء الله وأودّاءه، ﴿والذين اذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله﴾ أيمّا مسلم مؤمن هَمَّ بفعل فاحشة الزنا وارتكب أكثر من العزم عليه بأن ظلم نفسه بارتكاب مقدّماته كالتّقبيل فذكر الله وترك الفاحشة ، ﴿فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلاّ الله﴾ فبعد أن ذكروا الله وتركوا الزّنا واستغفروا لما قصدوه من الفاحشة ولما ارتکبوه من مقدّماته من اللَّمس والتقبيل والخُلوّ بالأجنبيّة فالله يغفر لهم ولا غافر سواه ، ﴿ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون﴾ فمقدّمات الفاحشة التي عملوها ليست من الكبائر إن تابوا منها وإن أصرَّ المؤمن على الصغيرةِ فتكون كبيرةٌ فمن لم يُصِرّ فهو يعلم أنّ توبته مقبولة ، ﴿أُولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربّهم﴾ فهؤلاء المؤمنون التاركون للزّنا خوفاً من الله وخشيةً منه واستغفروا لما قصدوه وعملوه دون إصرار فالله يُجازيهم الغفران ، ﴿وجنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها﴾ وجزاؤهم وثواب تركهم الكبيرة وتوبتهم من الصغيرة أن يتفضّل الله عليهم بدخول الجنّة بدرجاتها وقصورها التي تجري خلالها الأنهار يخلدون فيها إلى الأبد ، ﴿ونِعم أجر العاملين﴾ إنّ هذه الجنّات والخلود فيها هي جزاءُ العَمل بأحكام القرآن وسنّة محمدٍ وآل محمد وتعاليمهم وترك المحرّمات وإتيان الواجبات .
﴿قد خَلت من قبلکم سُننٌ فسيروا في الأرض﴾ أيّها المؤمنون يا شيعة محمد وآل محمد علموا أنّه كان قبلكم أُمَمٌ كُلِّفوا بشرائع الأنبياء قبلكم وقد مضوا فابحثوا عن الآثار القديمة لهم في الأرض ، ﴿فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين﴾ فتدبّروا في آثارهم الضخمة الصخرية لماذا هُدّمت وخُربت حتى تعلموا بأنّ الله دمّرها عليهم نتيجةً لتكذيبهم الأنبياء فاعتبروا من عاقبة أمرِهم ، ﴿هذا بيانٌ للناس وهُديً وموعظة للمتّقين﴾ إنّ الأمر بتدبُّرِ أحوال الاُمم السالفة والنظر إلى آثارهم هو لبيان حقيقة الانتقام الإِلهي للنّاس فيعتبروا ولكي يكون زيادة هداية واتّعاظٍ للشيعة والأتقياء ، ﴿ولا تَهنوا﴾ أمّا أنتم أيّها الشيعة المؤمنون الأتقياء فلا تَهِن قواكم من غلبة أعداءِ الله وأَعدائکم على القُدرة والحُكم ولا تضعفوا عن الصّمود أمامهم ، ﴿ولا تحَزنوا﴾ ويا شيعة آل محمد إنّکم وإن حزنتم علي مصائب أهل البيت واستشهاد الأئمة لكنكم لا تحزنوا على ذهابِ دمائهم هَدراً فالثّأرُ قريبٌ ، ﴿وأنتم الأعلَون إن كنتم مؤمنين﴾ ففي القريب العاجل يظهر إمامكم المهديٌّ الثّائِر المُنتَقِم فيَثأر لكلِّ الدِّماء الزاكية ولكلّ ما أصابكم من أعدائكم فتكون الحكومة والقوّة لكم عليهم فأثبتوا على الإيمان .
﴿ان يمسسكم قرحٌ﴾ أيّها الشيعة المؤمنون إن أصابكم القتل والظلم من أعداءِ أهل البيت واستُشهِد الأئمّة على يد الظالمين وقُتِل شيوخكم من شيعة عليّ بن أبي طالب، ﴿فقد مَسَّ القوم قرحٌ مثله﴾ فالمؤكَّد أنّ علياً إمامكم قتل شيوخ بني أُميّة وشيعة آل أبي سفيان ببدرٍ وأُحُد وحُنين وغيرها عَدداً كثيراً ونالوا المصيبة منكم قبل هذا ، ﴿وتلك الأيّام نداولها بين الناس﴾ وحكمة الله تعالى اقتضت أن يداول الحكم والقوة بين الناس إتماماً للحجّة فتكون الدّنيا لهم لفترةٍ ثمّ تنتهي مدّتهم فترجع لكم آخر الزمان ، ﴿وليعلم الله الذين آمنوا﴾ وبهذا الإمتحان والاختبار والمصائب والأحزان يختبركم الله سبحانه أيّها المؤمنون الثابتون على ولاية آل محمدٍ عن غيرکم ، ﴿ويتّخِذ منکم شهداء﴾ واقتضت مشيئة الله وحكمته ولطفه ومَنُّه أن ينال أئمّتكم وشيعتهم وأنصارهم الخُلَّص فضيلة الشهادة في سبيل الحقّ والعدل ، ﴿والله لا يحبّ الظالمين﴾ وثِقوا تيقّنوا أنّ استشهاد هؤلاء بيد الظالمين ليس عِزّاً وفخراً للظالمين وقدرةً بل هو إدانةٌ لهم بأيديهم والله لا يحبّ الظلم والظالمين ، ﴿وليُمحّص الله الذين آمنوا﴾ وبهذه المصائب والأحزان والآلام والشدائد الّتي تنامكم من أعداء الله وأعداء رسوله وآله يطهّركم الله من الذّنوب أيّها الشيعة المؤمنون ، ﴿ويمحق الكافرين﴾ وبهذه الجرائم والآثام والظلم والجور الذي يرتكبه أعداءكم أعداء الحقِّ والعدل يهلكهم الله ويُبيدهم ويجتثُّ جذورهم ويُفنيهم ، ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا﴾ هل ظننتم أنّكم بمُجَرّد أن قلتم نحن مسلمون مؤمنون بالله ورسوله وأهل بيته ( عليهم السلام ) يُقال لكم ادخلوا الجنّة ؟ فذلك محالٌ إلاّ أن يثبُت إدّعاءکم بالإِختبار ، ﴿يعلم الله الذين جاهدوا منكم﴾ فالله يعلم الصادق في ادّعائه الإيمان وموالاة أهل البيت والكاذب ، فبالجهاد يتعيّن ويُعرف الصادق المجاهد المؤمن من غيره ، ﴿ويعلم الصابرين﴾ والله سبحانه بالإِمتحان يُظهر علمه فيمن هو الصابر على موالاة أهل البيت وعلى التقوى حقيقةً لا مُجرَّد ادّعاء فهو صابرٌ على الطاعة وعلى المصيبة وعن المعصية لله، ﴿ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل ان تلقوه﴾ وقبل أن يأمركم الله بالجهاد في سبيل الله والحقّ والعدل والأئمة المعصومين والقرآن كنتم تقولون للشهداء يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً ، ﴿فقدْ رأيتموه وأنتم تنظرون﴾ فإذا كنتم تصدقون في تمنّيكم الشهادة مع الشهداء من أهل البيت وشيعتهم وسيّد الشهداء الحسين ( عليه السلام ) وأنصاره فهذا طريق الجهاد مفتوحٌ أمامَكم فاتّبعوهم .
﴿وما محمدٌ إلاّ رسولٌ قد خَلت من قبله الرسل﴾ يا أمّة محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) اعلموا كما تعلمون أنّ رسول الله خاتم الأنبياء هو كالأنبياء قبله فكما انّهم جميعاً كُتِب عليهم الموت فكُتِب أيضاً عليه ﴿أفإن مات أو قُتِل﴾ فإذا جاء أجل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ورضي به هو وأذِن لقابض الأرواح أن يقبض روحه الطاهرة أو كان سبب حضور أجله السُّمّ الذي دسّوه له في الهريسة ليقتلوه ، ﴿انقلبتم علي أعقابكم﴾ رجعتم إلى الجاهليّة والكفر والشرك وارتددتُم عن طاعةِ الله ورسوله وولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وتركتموه واجتمعتم في السقيفة وغصبتُم الخلافة ، ﴿ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرَّ الله شيئاً﴾وكلّ من ارتدَّ عن الإِسلام وعن التمسّك بالقرآن والعترة وموالاة عليٍّ و وُلدِه بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فأبداً لا يتمكّن من محوِ التشيّع مهما دام حكمُه وسلطانُه وقتل من الشيعة بل الله سيُبقيهم على رغمه ، ﴿وسيجزي الله الشاكرين﴾ والشيعة المؤمنون الذين لم يبايعوا أبا بكر ولم يتركوا عليّاً وسائر الشيعة الذين شكروا الله علي ولاءِ عليٍّ وأهل البيت سيجزيهم الله الخُلُود في الجنّة ، والدّولة عند ظهور المهدي ( عليه السلام ) .
﴿وما كان لنفسٍ أن تموت إلاّ بإذن الله﴾ واعلموا أيّها المسلمون انّ الموت هو أجلٌ محدَّدٌ من قِبَل الله تعالى فإذا لم يشأ الله أن يموت أحدٌ لا يتمكّن الخلق من قتله وإذا أراد الله موته فلا يمنعه شىءٌ ، ﴿كتاباً مؤجلاً﴾ فالأعمار كلّها بيد الله وهو الذي قدَّر الآجال وعيَّن لحظة موت کلّ فردٍ بأجلٍ ختميٍّ مُقدَّرٍ فلا معنى للفرار من الموت فإن لم يُقدَّر فلا داعي للفرار وإن قُدِّر فالفرارُ لِمَ ؟ ﴿ومن يُرِد ثواب الدنيا نؤتِه منها﴾ وكلّ من يجدّ ويجهد نفسه ويسعى ويكدح للحصول على المقاصد واللذات والمنافع الدنيوية من المال والجاه والسلطة يصل إليها ، ﴿ومن يُرِد ثواب الآخرة نؤتِه منها﴾ وكلّ من يجعل هدفه ومقصده رضى الله والجنّة ويتحمَّل المشاقَّ والمصائب والآلام في سبيل الله فالله يضمن له الجنّة ويدخله فيها ، ﴿وسنجزي الشاکرين﴾ وکل من يشکر نعمة ولاية محمدٍ وآل محمد ومحبّتهم ونعمة الإيمان بمذهب القرآن والعترة ويشكر جميع نِعَم الله فجزاؤه الجنّة قطعاً .
﴿وكأيِّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثير﴾ ومثالاً على من أراد ثواب الآخرة وكان من الشاكرين انّه كم من الأنبياء كنبيّنا محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) جاهد معه مجاهدون ربّانيّون عقيدةً وعملاً كحمزةَ وجعفر وعليّ (عليهم السلام ) ، ﴿فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله﴾ فما وهَنت عزيمتهم وشجاعتهم وصلابتهم في سبيل الله وما وهنوا في جهاد الكفار بل ازدادوا ثباتاً حينما قُتِل واستُشهِد منهم في سبيل الله في معركة الجهاد ، ﴿وما ضَعُفوا وما أستكانوا والله يحبّ الصابرين﴾ فهؤلاء المجاهدون لربهّم لا يشعرون بضعفٍ باستشهادِ ربعهم في سبيل الله ولا يخضعون لأعداء الله بل يصبرون على جهادهم والله يُحبّهم لصبرهم ، ﴿وما كان قولهم إلاّ أن قالوا﴾ فهؤلاء المجاهدون الربّانيّون حمزة و جعفرٍ وعليٍّ أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) وربعهم لم يطلبوا إلغاء حكم الجهاد بل قالوا ما يُرضي الله ورسوله من قول الحقّ ، ﴿ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا﴾ فدعاؤهم وابتهالهم إلى الله هو أنهّم طلبوا غفران الله ورضوانه وعفوه عمّا سلف منهم من مصادقة أعداء الله وأعدائهم سابقاً، ﴿وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين﴾ وأضافوا دعاءَ هم أن طلبوا الثبات في ميدان الجهاد ضدّ الكفار وطلبوا النصر من الله والغلبة على أعداء الله الكفّار .
﴿فآتاهم الله ثواب الدنيا﴾ فاستجاب الله دعاءهم ونصرهم على أعدائهم فغلب المؤمنون الكفار وانهزم جيش الكفر وسَلِمَ رسول الله ودينه الإِسلام ، ﴿وحُسْن ثوابِ الآخرة﴾ فعلاوةً على النصر الذي آتاهم الله أعطاهم حسن ثواب الآخرة وهي رضى الله والجنة والشفاعة والمقام المحمود عند الله ، ﴿والله يحبّ المحسنين﴾ فهؤلاء المجاهدون الربّانيّون أحسنوا الطّاعة لله ولرسوله وأحسنوا الجهاد مع الكفار وأحسنوا الدعاء فالله يحبّ عليّاً وحمزة وجعفر وربعهم.
﴿يا أيّها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردّوكم على أعقابكم﴾ أيّها المسلمون إن تطيعوا الكفار كأبي سفيان وخالد بن الوليد وحزبهما ومن كفر بولاية محمدٍ وآل محمد وكفر ببيعة يوم الغدير يُخرجوكم من الإِسلام إلى الجاهليّة ، ﴿فتنقلبوا خاسرين﴾ فحينما تطيعوهم تخالفوا كتاب الله وأوامره بشأن موالاة أهل لبيت وتعصوا رسول الله ووصيّته في أهل بيته فتتركوا عليّاً وتختاروا غيره فتخسروا الجنّة ، ﴿بل الله مولاكم وهو خيرُ الناصرين﴾ بل أطيعوا الله الذي تجب طاعته عليكم لأنّه هو ربّكم و خالقكم و رازقكم و هو أمركم بطاعته و طاعةِ رسولِهِ وأهل بيت رسوله وهو ينصرکم من بنی أميّة والکفّار ، ﴿سنُلقي في قُلوبِ الّذين كفروا الرُّعب﴾ نحن قريباً نُلقي الخوف والرُّعب في قلب أبي سفيان و حزبه الكفار عندما تحدّثوا لإعادة الكرّة عليكم في أُحُد في طريقكم إلى مكّة لکنهم خافوا، ﴿بما أشرکوا بالله ما لم يُنزِّل به سلطاناً﴾ و هذا الخوف منکم والرُّعب الذي حدث في قلوبهم هو لأجل أنهّم مشركون بالله ولا يثقون ولا يؤمنون بنصرٍ منه بل يعلمون أنهّم مُحادِدونَ لله ، ﴿ومأواهم النار و بئس مثوی الظالمين﴾ فاعلموا أيّها المسلمون وأعلموهم انّ مصيرهم يوم القيامة إلى نار جهنّم خالدين فيها وهي بئس المسكن والملجأ والمصير للظالمين .
﴿ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسّونهم بإذنه﴾ بالتأكيد انّ الله صادقٌ عندما وعدكم النصر وقد وفي بوعده في أُحُد فنصركم أولاً وهزم خالداً والمشركين فأحسّوا القتل منكم بإذن الله ، ﴿حتّى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر عصيتم﴾ فكنتم غالبين منتصرين عليهم إلى أن تركتم مواقعكم وتنازعتم حول الغنائم و جمعها وعصيتم أمر رسول الله بعدم ترك المواقع ، ﴿من بعد ما أراكم ما تحبّون منكم من يريد الدنيا﴾ فحصل لكم ما تكرهون فخرج خالد بن الوليد الكافر المشرك مع ربعه من الشِّعب هاجماً عليكم بعد ما رأيتم ما تحبّون من النصر لأنّكم أراد بعضكم الغنائم وطمعتم في الدنيا ، ﴿ومِنْكم من يريدُ الآخرة﴾ ولم يكن فيكم من يريد الآخرة ويجاهد لله حقّاً صابراً محتسباً غير عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حيث ثبت يَذَُبّ الكرب عن وجه رسول الله حتى كُسِر سيفه وجُرِح تسعون جرحاً، ﴿ثمّ صَرَفكم عنهم﴾ وعليّ بن أبي طالبٍ الذي أراد الآخرة وهتف جبرئيل به قائلاً لا فتى إلاّ علي ذلك اليوم هو الذي صرفكم عن متناول سيوف الکفار وتناوشهم لکم فهو منقذکم ، ﴿لِيَبتليَکم ولقد عفا عنکم والله ذو فضلٍ على المؤمنين﴾ وكان كلّ ذلك ابتلاء وامتحان من قبل الله لكم وكانت النتيجة أن فشلتم جميعاً ما عدا عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) فعفا الله عن فشلكم وهو المتفضّل على المسلمين .
﴿إذ تُصعدون ولا تلوون على أحدٍ﴾ واذكروا فراركم حيث هربتم فوق الأرض على وجوهكم لا تلتفتون يميناً ولا شمالاً ولا تعرجون على من يهرب بجنبكم ، ﴿والرّسولُ يدعوكم في أُخراكم﴾ وكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يناديكم للثبّات وعدم الفرار وعليٌّ ينادي من جانبه يا أهل بيعة الشجرة ارجعوا والنبيّ يقول: إليَّ إليَّ عباد الله، ﴿فأثابكم غمّاً بغمٍّ﴾ فلمّا رجعتم جزاکم الله غمّ الکفار والمشرکين فهزمهم الله ليکون غمّهم مقابل ما غمّکم من الفشل نتيجة الفرار من الجهاد ، ﴿لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم﴾ ذلك لأجل أن لا تحزنوا ممّا فاتكم من الغنائم ولا تحزنوا على ما أصابكم من الهزيمة والجروح من خالدٍ وجماعته الكفار ، ﴿واللهُ خبيرٌ بما تعملون﴾ وبعد هذا کلّه فالله لا تخفی عليه نيّاتکم ومقاصدکم وعدم ثباتکم ، وخبيرٌ بأفعالکم ، وخبيرٌ بجهادِ وليّهِ عليّ بن أبي طالب في أُحد، ﴿ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمَنةً نعاساً يغشی طائفة منکم﴾ وبعد أن هُزم خالد بن الوليد سيف الشيطان وحزبه الكفار في أُحد سلّط الله على المجاهدين المؤمنين دون المنافقين النُّعاس والنّوم ليُزيل تعبهم ، ﴿وطائفةٌ قد أهمّتهم أنفسهم يظنّون بالله غير الحقّ﴾ وطائفة أخرى كانوا منافقين صحبوا رسول الله بطمع الغنيمة والرئاسة من بعده لم يناموا قلقاً وخوفاً وظنّوا أنّ الله لا ينصر رسوله ودينه بل سيغلِبُ الكفّار ، ﴿ظنّ الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء﴾ فكانوا يظنّون هؤلاء المنافقين ظنّهم أيّام كفرهم بأن لا جنّة ولا نار بل المُلكُ لِمَن غَلَب وكانوا يقولون هل سنكون خلفاءَ محمّدٍ كما نأمل ، ﴿قُل إنّ الأمر كلّه لله﴾ قل لهم يا رسول الله انّ النبوّة والإِمامة وولاية أمور المسلمين والخلافة كلّها بيد الله فهو الذي يَنصِب لها من يشاءُ ويُريد ، ﴿يُخفون في أنفسهم ما لا يُبدون لك﴾ هؤلاء المنافقون يُخفون في أنفسهم أنهم إن كانت الغلبة للكفار فسيكونون معهم وإن كانت الغلبة معك يا رسول الله فسيتنعّمون بالخلافة بعدك ، ﴿يقولون لو كان لنا من الأمر شىء ما قُتِلنا هاهُنا﴾ فعندما أحدقَ بهم خطر القتل قالوا: لو كان لنا حظُّ في الرئاسة بعد محمدٍ والخلافة و الإمارة بعد وفاته لما قُتِلنا في أُحد ، ﴿قل لو کنتم في بيوتکم لبَرزَ الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم﴾ قال لهم يا حبيبي : إنّ الآجال بيد الله فلا تخافوا من الإشتراك في الزحف مع رسول الله فإن كنتم في بيوتكم كعُثمان وعُمَر يُقتلون حينما قُدِّر لهم من دون جهادٍ ، ﴿وليبتلي اللهُ ما في صدوركم وليُمحّص ما في قلوبكم والله عليمٌ بذات الصدور﴾ واعلموا علم اليقين انّ الله سيمتحنكم ويُظهِر ما أضمرتموه من تسنُّم الخلافة بعد النبيّ مع فَصِّه على عليٍّ فيميز المنافق من المؤمن فالله عالمٌ بالنيّات .
﴿إنّ الّذين تولّوا منکم يوم التقى الجمعان﴾ إنّ من انهزم يوم أُحُد عندما التقى جمع المسلمين بجمع الكفار وتقاتلوا وتضاربوا بالسيوف فتركوا رسول الله وعليّاً وفرّوا، ﴿إنمّا استزلهّم الشيطان ببعض ما كسبوا﴾ كان السبب الوحيد الّذي دعاهم للفرار والهزيمة هو وسوسة الشيطان في نفوسهم حيث زلزل عقيدتهم وإيمانهم بالله وبوعده بالنّصر وذلك نتيجةً لمخالفتهم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ﴿ولقد عفا الله عنهم إنّ الله غفورٌ حليم﴾ وإن كان جزاء من يفرّ من الزّحف وَحَدُّه القتل وعذاب جهنّم لكن الله عفا عن المنهزمين في أُحد لرجوعِهم فالله يغفر ويرحم من يتوب .
﴿يا أيّها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا﴾ أيّها المسلمون لا تكونوا في عقيدتكم وإيمانكم كالمنافقين الذين هم كالكفّار يُظهرون إيماناً ويُبطنون كفراً ، ﴿وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غُزىً لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قُتلوا﴾ فإذا قُتل أحد منكم فثقوا إنّ الله اختاره للشهادة وفضّله عليكم فلا تقولوا كما قال المنافقون المتخلّفون بشأنِ رَبعِهِم لو كانوا من المتخلّفين لما قُتلوا ، ﴿ليجعَل اللهَ ذلك حسرةً في قلوبهم﴾ بالتأكيد سيُميت الله المناففين في بيوتهم حتى يبقى أمل الحياة والبقاء حسرةً لا تتحقّق أبداً فلا فرار لهم من الموت أبداً، ﴿والله يُحيي و يُميت والله بما تعملون بصير﴾ فالحياة والموت بيد الله ويُحيي ويُميت من يشاء کيف يشاء ، أنّي شاء ، وحينما شاء ، فليس الموت مرهوناً بالحرب فقط و الله عالمٌ بأفعالكم ، ﴿ولئن قُتِلتم في سبيل الله أو مُتّم﴾ أيّها المسلمون الموتُ حقٌّ لا بُدَّ منه ، ولا مفرَّ منه فلئن يستشهد أحدكم في سبيل الله وجهادِ أعداءِ الله ويموت على ولاية محمدٍ وآله ، ﴿لمَغفرةٌ من اللهِ ورحمةٌ خير ممّا يجمعون﴾ فالشهادة في سبيل الله والموت على ولايةِ محمدٍ وآل محمد ( عليهم السلام ) نتيجتُهُ غفران الله والوصول إلى رحمته وجنّته ونعيمها وذلك أفضل من الثّروة التي يجمعها الكفار ، ﴿ولئِن مُتُّم أو قُتلتم لإَلى الله تُحشرون﴾ واعلموا أيّها المؤمنون لو تُقتَلون في سبيل الله أو تموتون على ولايةِ محمدٍ وآل محمد ( عليهم السلام ) فَحَشرکُم الي الله و هو يثيبکم الجنّة .
﴿فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم﴾ فبعد أن خالفوك وعصوك يا رسول الله لم تطردهم لأنّك أُرسِلتَ رحمةً للعالمين من قبل الله ، فلم تغلظ عليهم القول والعتاب بل جاملتهم بعطفك ، ﴿ولو كُنتَ فظّاً غليظ القول لانفضّوا من حولك﴾ ولو كنت يا رسول الله سيّىء الخُلق قَسيَّ القلب جافّاً فتسبّهم وتشتمهم و تطردهم من حولك لتفرّقوا عنك ، ﴿فاعفُ عنهم واستغفِر لهم﴾ يا حبيبي يا رسول الله ، اعفُ عنهم فرارهم وهزيمتهم يوم أُحد واطلب الغفران لهم من الله و لا تعاقبهم عقاب من يفرّ من الزَّحف ، ﴿وشاوِرْهم في الأمر﴾ ومن بعد هذا ينبغي أن تشركهم في أمر الدّفاع عن المدينة وعن الإسلام بالمشاورة تشجيعاً لهم و تقويةً لإيمانهم ، ﴿فإذا عزمتَ فتوكَّل على الله﴾ فإذا أعطى كلُّ رأيه ومشورته ، وانتخبت رأياً راجحاً كمشورة سلمان المُحمّدي بحفر الخندق فتوكّل على الله و نفِّذه ، ﴿إنّ الله يُحبّ المتوكّلين﴾ فالله لا يحبّ أن يتوكّل المسلمون على آرائهم و نظرياتهم أو عددهم وعتادهم في الحروب فقط بل يُحبّ أن يتوكّلوا عليه فقط في جهادهم ودفاعهم کمحمدٍ وآله ( عليهم السلام ) .
﴿إن ينصركم الله فلا غالب لکم﴾ فبما أنّ الله ينصر من يتوكّل عليه في الجهاد في سبيله فاعلموا علم يقينٍ : إنْ ينصركم الله أيّها المسلمون ، فلا يتمكّن الکفّار من غلبتكم ، ﴿وإن يخذلکم فمن ذا الذي ينصرکم من بعده﴾ و بديهیٌّ أنّ من لا يتوكّل علي الله ولا يجاهد في سبيله مخلصاً ولا يثُبت في قتال الكفار يخذله الله فإن خذله فمن يقدر على نصره ؟ ﴿وعلى الله فليتوكّل المؤمنون﴾ فبما أنّ النصر بيد الله وهو ينصر المتوكلين عليه ويخذل من لا يتوكل عليه بل يغيّربقوّته و عُدّته و عددهِ ، فعليه فليتوكّل المؤمنون بنصره .
﴿وما كان لنبيٍّ أن يغلّ﴾ لا تنسبوا أيّها المنافقون الغلول والخيانة واغتصاب الغنائم إلى النبيّ وتدّعوا أنّ الفيء من الغنائم وليس للنبيّ كفدكٍ وغيرها، فالنبيُّ معصومٌ والمعصوم لا يغلّ أبداً، ﴿ومن يغلُلْ يأت بما غَلَّ يوم القيامة﴾ وبديهيٌّ أنّ من يخون ويغصِب حقّ الآخرين أو يغتصِب فدَكاً من الزّهراء سیقرُّ جُرمِه وسيُحاسب عليه يوم القيامة ، ﴿ثم تُوفّیٰ کلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يُظلمون﴾ فبعد الحساب العسير وإقرارهم بخيانتهم وجريمتهم يُعطَون جزاءهم الأوفى الكامل من العذاب الأليم نتيجةً لما اكتسبوه حسب قانون العدل الإلهي ، ﴿أفمَن اتّبع رضوان الله كمن باءَ بسخطٍ من الله﴾ أيّها المسلمون أنصِفوا وأجيبوا هل إنّ من امتثل أمر الله بقولِه وآتِ ذا القربي حقّه فأعطىٰ فاطمة فدكاً هو كمن غَصَبها حقَّها وسلبها فدك ورجع غضب الله وعذابه ؟؟ ﴿ومأواه جهنّم وبئس المصير﴾ فالذي اتّبع رضى الله بالإِحسان والمودّة الى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وأهل البيت ليس كمن ظلمها وآذاها وظالمُها مأواه النار ومصيره أسوأَ مصير ، ﴿هم درجاتٌ عند الله والله بصيرٌ بما يعملون﴾ فليس المسلمون كلّهم سواءٌ عند الله وبدرجةٍ واحدةٍ بل لهم درجاتٌ متفاوتةٌ من الإيمان والنِّفاق ، ومن يكون في الجنّة ومن يكون في النار، ومن يخون ومن لا يخون .
﴿لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً﴾ مُؤكّدٌ وقطعيٌّ أنّ لله المنّةُ والتفضّل على عباده وخلقه سيّما المؤمنين بأن بعث بالرسالة محمداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وجعله نبياً مرسلاً ، ﴿من أنفُسِهم»﴾ ولله المِنّة عليهم بأن جعل الرسول من البشر ومن بني الإنسان ولم يجعله مَلَكاً أو جنياً ، لكي يأنسوا إليه و لا يستوحشوا منه ، ﴿يتلو عليهِم آياته﴾ فرسول الله محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هو بمنّةِ الله وفضله يوصل الوحيَ إلى الناس ويتلو عليهم آيات القرآن الحکيم ويُرتِّل کلام الله وأحکامه عليهم ، ﴿ويزكّيهم ويعلّمُهم الكتابَ والحكمةَ﴾ ورسول الله بسُنّته وشريعته وأخلاقه العظيمة ومكارم أخلاقِهِ يُزكّي ويُهذِّب المسلمين ويأخذ منهم الزكاة، ورسول الله يُعلّم القرآن وحِكمة القرآن فيُعلّم المسلمين تفسيره ، ﴿وإن كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين﴾ فرسول الله يقوم بمسؤولية إبلاغ الوحي وتزكية النفوس والأموال وتعليم القرآن والحکمة ، وان كانت أمّته في الجاهلية الجهلاء وضلال الكفر والشرك سابقاً .
﴿أولمّا أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها﴾ أيّها المسلمون حينما تصابون بسبعين شهيداً في أُحد وسبق أن أصبتم مائة وأربعين قتيلاً من الكفار يوم بدر، ﴿قلتم أنّي هذا قل هو من عند أنفسكم﴾ ولكنّكم لم تتذكروا أنّكم سبق أن أصبتم من الكفار ضِعف ما أصابكم منهم فقلتم من أين جاءتنا هذه المصائب فقُل لهم يا حبيبي إنّكم أنتم السبب لها لِتَرككم مواقِعكم ، ﴿إنّ الله على كل شيءٍ قدير﴾ فكان المتوقّع هو أن يغلبكم الكفار بتركِكم المواقع والفرار من الزّحف ولكنَّ الله قادرٌ على أن ينصر رسوله ودينه وهو قادرٌ على ما يُريد ، ﴿وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله﴾ فالشهادة في سبيل الله هي ما أوجبها الله عليكم للدفاع عن دينه ورسوله وأهل البيت ( عليهم السلام ) فهو الذي أذِنَ للمسلمين أن يتقدّموا للإِستشهاد في سبيله ، ﴿وليعلم المؤمنين﴾ وبهذا الإذن أي الأمر بوجوب الإِستشهاد في سبيل الله فهو تكليفٌ يُعرَفُ بِهِ المؤمن الحقيقيّ الصادق في إيمانه ، ﴿وليعلم الذين نافقوا﴾ وبحكم الجهاد والأمر بالاستشهاد يُعرَف المنافقون لأنهّم لا يستقبلوا الشهادة ولا يخاطرون بأنفسهم في سبيل الله بل يفرّون ، ﴿وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا﴾ وعندما قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) للمنافقين وسيّما عبد الله بن أُبيّ : يجب عليکم الجهاد مع الكفّار في سبيل الله فاخرجوا من الزَّحف ودافعوا عن الإسلام ، ﴿قالوا لو نَعلم قِتالاً لاتبّعناكم﴾ أجابوا النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بقولهم نحن لا نعرف القتال والمحاربة ولا نعرف الضَّرب بالسلاح فلو كنّا نعرف القتال لخرجنا معكم ، ﴿هم للكفر يومئذٍ أقرب منهم للإيمان﴾ إنّ المنافقين دائماً مذبذبون بين الكفر والإِيمان ، والكفار والمؤمنين ، فأيّة كفَّةٍ رجحت ينحازون إليها ، ولكنّهم يومئذٍ كانوا يبطنون الكفر ويميلون إلى الكفار أكثر ، ﴿يقولون بأفواههم ما لَيس في قُلوبِهم﴾ وعندما قال المنافقون لو كنّا نعرف قتالاً لاتّبعناكم كان جواباً إسكاتياً وعُذراً غير حقيقيٍّ حيث إنّ في قلوبهم أنهّم لن يجاهدوا حتى مع علمهم بالقتال ، ﴿واللهُ أعلمُ بما يكتمون﴾ فإن كان المنافقون يُبطنون الکفر و يتظاهرون بالصّلاح نفاقاً وخداعاً ومكراً ويكتمون ولاءهم للكفّار فاللهُ أعلمُ بذلك منهم ، ﴿الذين قالوا لإِخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قُتلوا﴾ إنّ هؤلاء المنافقين كانوا يُضمرون ويكتمون في أنفسهم أن يَسلَموا من القتل ، لهذا قالوا لإخوانهم المنافقين لو كان المؤمنون يطيعونا في التخلّف لما قتلوا ، ﴿قل فادرَأوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين﴾ قل لهم يا حبيبي إن كان المؤمنون يتخلّفون و لم يدافعوا ولم يجاهدوا لکنتم تُقتلون بيد الکفار جميعاً ، وإن کان الموت منوطاً بالقتال فحسب فادفعوا أجلکم لو صدقتم .
﴿ولا تحسبنّ الذين قُتِلوا في سبيلِ الله أمواتاً﴾ وتحدّياً للمنافقين الذين يعتبرون الشهادة خسارة أعلِن يا رسول الله أنّ الشهداء في سبيل الله لم يموتوا هدراً ولم يفقدوا الحياة الأبدية ، ﴿بَلْ أحياءٌ عند ربهّم يُرزَقون﴾ بل إنهّم أحياءٌ بدوام ذكرهم بالإِجلال والإِعظام وأحياءٌ حيث بدمائهم يحيى الحقّ والعدل والإسلام ، ولأرواحهم حياةٌ عند الله يرتزقونَ من رزق الله ، ﴿فرِحين بما آتاهم اللهُ من فضله﴾ إنّ الشهداء حينما ينالون رحمة الله ويرتزقون من رزق الله وتبقى أجسادهم طريّةٌ وأرواحهم حيّة عند ربهّم يذهب الحزن عنهم ويفرحون بنعم الله ، ﴿ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاّ خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون﴾ والشهداء يتباشرون بينهم ويُظهرون السّرور ويُبشّرون أهليهم وأمّتهم بأنهّم نالوا الدرجات الرفيعة عند الله ولا حُزنَ لهم بل مسرورون ﴿يستبشرون بنعمةٍ من الله و فضل﴾ يظهرون البِشر والسّرور والفرح بما أنعم الله عليهم من الخلود في جنته والحياة تحت عرشه ونيلهم رحمة الله ورضوانه وغفرانه واختصاصهم بالشفاعة ، ﴿وأنّ الله لا يضيع أجر المؤمنين﴾ فبالتأكيد والقطع واليقين أنّ الله ضَمِن الجنّة أجراً للمؤمنين الموالين لمحمدٍ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآله الطاهرين وهو أكرم من أن يُضيع أجرهم .
﴿الذين استجابوا لله والرسول﴾ وبعد وقعة أُحد حينما أمر رسول الله بالزَّخف خلف الكفار و التوجه الي مكّة فكلّ من لبّي و أجاب و أطاع أمره و خرج ، ﴿من بعد ما أصابهم القرح﴾ وفي هؤلاء من قد جُرح كعليٍّ أمير المؤمنين حيث بلغت جراحاته التسعين ، ومع هذا خرج للجهاد مُلبّياً نداءَ الرسول ومجيباً لأمره ، ﴿للذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيم﴾ فلعليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) وحُذيفةَ وجعفرٍ ومن شابهَهُم من الذين أحسنوا في الجهاد مع الكفار بأُحُد واتّقوا ولم يفرّوا ، لهم أجرٌ في الدنيا وهو النّصر وأجرُ الآخرة الجنّة .
﴿الذين قال لهم النّاسُ إنّ الناس قد جمعوا لكم فأخشَؤهُم﴾ إنّ المجاهدين مع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) جاءهم شيطانٌ إنسیٌّ يخوّفهمْ وهو عبد القيس أو نعيم بن مسعود الأشجعي ويقول لهم إنّ أبا سفيان ومشركي مكّة جمعوا العتاد والسلاح لكم ، ﴿فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونِعم الوكيل﴾ فبدلاً من أن يخافوا منهم ويخشوهم ازدادوا إيماناً بالله إذ أنّ الله يزيد في تأييده وعونه ونصره لهم مازاد الکفار في عتادهم فقالوا يکفينا الله أمرهم وهو نعم المدافع والمعين ، ﴿فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسَسهُم سوء﴾ فلمّا ازدادوا إيماناً بالله و توکلاً عليه و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل وجاهدوا مخلصين لله في سبيله وجعوا بالنّصر والغلبة والغنائم ولم يمسسهم ذلّة ولا هزيمه، ﴿واتّبعوا رضوان الله والله ذو الفضل العظيم﴾ فالمؤمنون المجاهدون اتّبَعوا وأطاعوا ما أمر الله بِهِ من الجهاد في سبيله وارتضاهُ ورضِيَ به عبادًة تفوق غيرها في الفضل ، وهو الذي يجازي الفضل فضلاً أعظم منه، ﴿إنّما ذلك الشيطان يخوّف أولياءه﴾ فاعلموا أيّها المؤمنون أنّ الذي جاءکم يُثبّطکم عن الجهاد ويخوفكم من الكفار هو الشيطان ولا يخاف من تخويفه المؤمنون بل لا يخوِّف سوى المنافقين الذين هم أتباعه ، ﴿فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين﴾ فلا تخافوا من الكفار ومن عددهم وعُدَّتهم أيّها المؤمنون فإنّي أقوى منهم وأنصرُكم عليهم فخافونِ وخافوا عقابي وعذابي إن تخاذلتم إن كنتم تؤمنون بالجزاء .
﴿ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر﴾ يا رسول الله لا يحزنك تخلّف المنافقين وفرار اخوتهم المنافقين من الجهاد ومسارعتهم من عصيان أوامرك ومخالفتك وترك الجهاد ، ﴿انهّم لن يضروا الله شيئاً﴾ إنّ مسارعة المنافقين بالتخلّف والتثبيط والفرار والتخاذل عن الجهاد في سبيل الله معك أبداً لا يوجب هزيمتك ومحو دين الله ، ﴿يريد الله ألاّ يجعل لهم حظّاً في الآخرة﴾ بل انمّا يضرون بأنفسهم حيث يُحرَمون فضيلة الجهاد وكسب الغنائم ويتحملون الآثام فيمنعهم الله من رحمته يوم القيامة ويخسرون الجنة ، ﴿ولهم عذابٌ عظيم﴾ وبعد هذا كلّه فقد أعدَّ الله لهؤلاء المنافقين الفاسقين التاركين للجهاد والفارّين من الزَّحف والعاصين لله ولرسوله عذاب جهنّم والحريق .
﴿إنّ الذين اشتروا الكفر بالإيمان﴾ إنّ هؤلاء المنافقين الذين باعوا الدّين بالدّنيا واشتروا الكفر بمعصيةِ الله والرسول وتركِ الجهاد بدلَ أن يشتروا الإيمان بنفوسهم ، ﴿لن يَضرّوا الله شيئاً ولهم عذابٌ أليمٌ﴾ فليعلموا علم اليقين أنهّم بعمَلِهم هذا أبداً لا يضرون دين الله ولا يمحونه ، وما الله بتاركٍ دينه و رسوله بل ينصرهما ولهم عذابُ جهنّم المؤلمة جداً ، ﴿ولا يحسبنّ الذين كفروا انّما نُملي لهم خيرٌ لأنفسهم﴾ و لا يظنّ المنافقون و الكفار إنّنا حيث نُملهم في الدنيا ويلتهون فيها بالتكائر والتوالد في المال والبنين إنّنا نريد خيرهم بل ذلك شرٌّ لهم لشدّة الحساب والعقاب ، ﴿إنمّا نملي لهم ليزدادوا إثماً﴾ ولا يحسب هؤلاء ولا يظنّوا إنّما نُملي لهم الأموال والأولاد ونُمهِلُهُم في الدنيا لأجل أن يزدادوا فسقاً وجوراً بل لكي يشكروا الله ويتوبوا ، ﴿ولهم عذابٌ مهين﴾ لكنّهم يحسبون أنّهم أحرارٌ في ارتكاب الجرائم والآثام فيزدادون إثماً فوق إثم فيستحقّون عذاباً فوق العذاب وهي الذلّة في النار والإهانة فيها .
﴿ما كان الله ليذَر المؤمنين على ما أنتم عليه﴾ أيّها المسلمون لا يدعكم الله كما أنتم عليه من اختلاط المنافق بالمؤمن والطالح بالصالح والشيعيّ بالمخالِف والصحابة الصادقين بالصحابة الفاسقين ، ﴿حتّى يميز الخبيث من الطيّب﴾ فلا يدعکم هکذا بل إنّه سيختبرکم ويمتحنکم ويبتليکم حتی يفصل الخبيث المنافق الفاسق من الطيّب المؤمن الموالي لمحمدٍ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآله ( عليهم السلام ) ، ﴿وما كان الله ليُطلعكم على الغيب﴾ ومع أن الله يعرف مسبقاً من هو الخبيث ومن هو الطيّب ولكنه أبي إلاّ أن يميز بينها بالإختبار وإتماماً للحجّة فلا يخبركم عنها من غير تمييز ، ﴿ولكن الله يجتبي من رُسُلِه من يشاء﴾ ولكن الله يُطلع من اجتباه للرسالة والولاية والإِمامة على الغيب وهم محمدٌ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآل محمدٍ المعصومين (عليهم السلام ) فهم يعرفون الخبيث من الطيّب ، ﴿فآمنوا بالله ورُسُلِهِ﴾ أيّها المسلمون آمنوا بالله وبأنّه علاّمٌ للغيوب وآمنوا بعدلِه وأنّه لا يقضي قبل الإختبار وآمِنوا برسول الله و علمه بالغيب من قِبَل الله و آمنوا بولايته وولاية أهل بيته ( عليهم السلام ) ، ﴿وإن تؤمنوا وتتّقوا فلكم أجرٌ عظيم﴾ فإذا آمنتم بالله وعدلهِ ونبوّة رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وولايته وولاية أهل بيته (عليهم السلام ) وآمنتم بأنّهم مُطّلعون على الغيب ثم تتّقون الله في متابعتهم فلكم الشفاعة والجنّة ثواباً ، ﴿ولا يحسبنَّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم﴾ هذا تحذيرٌ من الله لِمانِعي، الخُمس، والزكاة أن لا يظنّوا أنهّم بِمَنعهم الخمس والزكاة التى .رزقهم الله من فضله بخلاً هو نفعٌ وفائدةٌ لهم وربح ، ﴿بل هو شرٌّ لهم سيطوَّقون ما بخلوا به يوم القيامة﴾ فليعلموا علم اليقين أنّ ذلك ليس نفعاً وخيراً لهم بل هو شرٌّ یوجب ذهاب البركة من أموالِهم والإِثم والعذاب والتّطويق بها في الآخرة فالمُهنّيٰ لغيرهم والوِزرُ عليهم ، ﴿ولِلّه ميراث السّماوات والأرض﴾ ولا يحسب هؤلاء أن الله بحاجةٍ إلى أخماسهم وزكواتهم بل هو الغنيّ عنهم ولا يَدَع محمداً وآله وذريتهم محتاجين ولا يُبقي مستحقّي الزكاة في الفقر بل يرزقهم من السماء والأرض ، ﴿والله بما تعملون خبير﴾ فالله سبحانه وإن أوجب الخُمس والزكاة ليُغني أهلها ومستحقّيها وينقذهم من الفقر إلاّ أنّه خبيرٌ بكيفيّةِ إعاشتهم إن منعتم الحقوق الواجبة .
﴿لقد سَمِع اللهُ قولَ الذين قالوا إنّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء﴾ بالتأكيد إنّ الله سمع قول اليهود كحيِّ بن أخطب وغيره بأنّ الله استقرضنا لفقرهِ فلو كان غنياً لما قال : من ذا الذي يُقرض الله ولكنّنا لا نحتاج قرضاً ، ﴿سَنكتبُ ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقٍ﴾ فالله تعالى سمع قولهم وأمر الملائكة والمَلَكين : الرّقيب والعتيد أن يكتَبوا ذلك في صحيفة أعمالهم ويكتبوا قتلهم أنبياءَ بني إسرائيل من دون جُرمٍ لهم ، ﴿ونقول ذُوقُوا عذابَ الحريق﴾ فعند الحساب يوم القيامة نعرض عليهم صحائِف أعمالهم وأقوالهم ، ثُمَّ نحكم عليهم بدخول نار جهنّم فلمّا نرميهم فيها نقول لهم ذوقوا لهيب النار وحريقها ، ﴿ذلك بما قدَّمت أيديکم وانّ الله ليس بظلّامٍ للعبيد﴾ ونقول لهم عندما نعذبهم بنار الحريق هذا جزاء ما فعلتموه وقُلتموه وارتكبتموه من الإثم فبديهيٌّ انّ الله لا يظلم أحداً من عبادهِ دون ذنبٍ ، ﴿الذين قالوا إنّ الله عهدَ إلينا ألاّ نؤمن لرسولٍ حتّى يأتينا بقربانٍ تأكله النار﴾ هؤلاء اليهود سبق أن قالوا لك يا رسول الله نجن لا نؤمن لنبيٍّ حتى يُقدِّم لله قرباناً كقابيل فتأتي نارٌ من السماء فتحرقه وكان ذلك علامة عدم القبول جعلوه علامة القبول ، ﴿قل قد جاءكم رسلٌ قبلى بالبّينات وبالذي قلتم﴾ قال لليهود يا رسول الله : إنّ النار المحرقة للقربان ليست علامة قبولٍ لها ، ومع هذا فقد أتى بهذه المعجزة أنبياء بني إسرائيل ولبّوا ما تطلبون منهم ، ﴿فلِمَ قتلتموهم إن كنتم صادقين﴾ فقل لهم يا حبيبي : إنّ هذه معاذير واهية فَلو كُنتم تصدّقون في دعواكم فلِمَ لم تؤمنوا بأنبياءِ ، بني إسرائيل وقتلتموهم وقد أتَوا بما طلبتم ، ﴿فإن كذّبوك فقد كُذّب رسلٌ من قبلك﴾ يا حبيبي يا رسول الله إن كذَّب اليهود برسالتك ونبوّتك وكذّبوا بشريعتك وكتابك فلستَ أوّل نبيٍّ يُكَذَّب بل كُذِّب قبلك أنبياء ، ﴿جاؤوا بالبيّنات والزّبر والكتاب المنير﴾ وأولئك الأنبياء مع أنهّم أتَوا بالمعاجِز والبراهين والكتب والصحف السماوية والألواح والوحي كذّبوهم وحاربوهم .
﴿كلٌّ نفسٍ ذائفةُ الموتِ﴾ أيّها الناس اعلموا أنّ كلّ ذي روحٍ من إنسان أو ملكٍ أو جِنٍّ وكلّ ذي نفسٍ سائلةٍ كالحيوان لا بُدّ وأن تسيل من جسمه نفسهُ السائلة وتنفصل من بدنه روحه بالموت ، ﴿وإنمّا تُوَفّون أجوركم يوم القيامة﴾ وما منكم أيّها الناس أحدٌ إلاّ وأن يُعطى جزاءَ عملهِ ويَنال أجر أفعاله في الدنيا يوم القيامة إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ ، ﴿فمن زُحزِح عن النّار واُدخِل الجنّة فقد فاز﴾ ففي يوم القيامة وحين الجزاء فكلّ من كان جزاؤه الرحمة والمغفرة الإِلهية ورضوان الله فاُبعد عن النار وأُدخل الجنّة بصكٍّ من علىٍّ فهو من الفائزين ، ﴿وما الحياةُ الدنيا إلاّ متاعُ الغرور﴾ وأمّا إذا لمَ يُزحزَح عن النار بل أَمر بدخول النار فهو الذي كان قد اغترَّ بمتاع الدنيا ولهوها و لَعِبها ولذائذها المُحرَّمة .
﴿لتُبلونّ في أموالِكم وأنْفُسِكم﴾ أيّها المسلمون : بالتأكيد ستُختبرون و تمُتحنون في أموالكم فهل تؤدّون الحقوق الواجبة منها أم لا ؟ وفي أنفسكم هل تبذلونها في سبيل الله وتتعبونها في عبادته أم لا؟ ولتسمعُنّ من الّذين أُوتوا الکتاب من قبلکم ومن الذين أشرکوا أذیً کثيراً﴾ وبالتأکيد نخبرکم أنّکم سوف تكونون عرضاً للتُّهم والسَبّ والشّتائم من اليهود والنصارى والمشركين فيُقرعونكم بألسنتهم مهما شاؤوا ، ﴿و إن تصبروا و تتّقوا فإنّ ذلك من عزم الأمور﴾ أيّها المسلمون إن تصبروا على الأذى في سبيل الله وتتّقوا المعاصي والآثام ولم تؤثِّر فيكم أساليب اليهود والنصاری ودعاياتهم وسبابهم فذلك ما يستلزم إرادةً و عزماً وتصميماً ،
﴿و إذ أخذ الله ميثاق الذين أُوتوا الکتاب لتُبيِّنُنّه للناس﴾ واذکر و ذكّر يا رسول الله إنّ الله أخذ العهد علي اليهود والنصارى وأمرهم في التوراة والإِنجيل بأن يبيّنوا أحکام التوراة و آياتها المبشّرة بمجيء مُحمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ﴿ولا تکتمونه فنبذوه وراء ظهورهم﴾ وبعد أن أخذ الله العهد في التوراة من اليهود ببيان التوراة وعدم كتمانه كتموه ولم يبينوه تماماً فنبذوا العهد وخالفوه واعرضوا عنه ، ﴿واشتَروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون﴾ فاليهود يكتمون آيات التوراة المبُشّرةِ برسالةِ محمدٍ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لكي يترأّسوا على الناس ويكسبوا الثروة فباعوا التوراة وعهد الله بالثمن البَخس فهذه أسوأ معاملةٍ ومبادلة ، ﴿لا تحسبنَّ الذين يفرحون بما أتوا ويُحبّون أن يُحمَدوا بما لم يفعلوا﴾ يا رسول الله لا تعتني ولا تُعير أهميّة للمتخلّفين عن الجهاد أَلفرحين بقعودهم ثمّ عندما تنزِل آيةً في فضل المجاهدين يُحبّون أن تنزل فيهم آيةً تمدحهم ، ﴿فلا تحسبنّهم بمفازةٍ من العذاب ولهم عذابٌ أليم﴾ فلا يكن في حُسبانك أنهّم في تخلّفهم نجوا من القتل أو الجرح بل سيذوقون من ذلك في المستقبل ولا تظنّ أنهّم يفوزون بالخلاص من عذابِ الله يوم القيامة ، ﴿ولله ملك السماوات والأرض والله على كلِّ شیءٍ قدير﴾ واعلم يا حبيبي إنّني غنيٌّ بالذات، ومالكُ المُلك المُطلَق وناصية الأمور بيدي وبيدي أَزِمَّة الخلائق كلّها فهي مِلکٌ لخالقها وهو قادرٌ على كلّ شيءٍ يريده فلا يحتاج هؤلاء .
﴿إنّ في خلق السماوات والأرض﴾ والدليل على أنّ لله مُلك السماوات و الأرض و هو المالك الحقيقيّ يتصرَّف فيها كيف يشاء هو أنّه خالقها من عدم ، ﴿واختلاف الليل و النهار لآياتٍ لأولي الألباب﴾ و دلالات أُخریٰ تظهر جليّة لذوي الولاء لمحمدٍ و آل محمد و لذي الحِجیٰ و العقول الكاملة هي اختلاف الليل والنهار فانهّا تدلّ على قدرة الله وعلمه وحكمته وتدبيره ولطفه ورحمته وعظمته وانّه لا بُدّ مِن إمامٍ ، ﴿الذين يذكرون لله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم﴾ وهؤلاء العقلاء الموالين لمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآله الميامين ( عليهم السلام) يذکرون الله فی جميع حالاتهم ذکراً دائماً ويذکرونه ذکراً بألسنتهم بالتسبيح والتهليل والصلوات والتحميد والإستغفار ، ﴿ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض﴾ وهؤلاء المؤمنون العقلاء الموالون لمحمدٍ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآل محمد ( عليهم السلام ) هم أهل الذكر والتدبُّر العباديّ والتفكير في عظمة الخالق بالتدبُّر في خلقه ، ﴿ربَّنا ما خلقتَ هذا باطلاً﴾ وعندما يتفكّرون في خلق السماوات والأرض بنظامها الدقيق وحكمتها اللطيفة يقولون : إنَّ الله لم يخلقها عبثاً ولم يتركها سُدىً ولا يُخليها من وليٍّ معصوم. ، ﴿سبحانك فقِنا عذابَ النار﴾ فإذا كان الله لم يخلقها عبثاً ولم يترك الناس سُدىً فلا بُدَّ من تكليفٍ واختبارٍ وجزاءٍ فيقولون : ربنَّا أنت مُنَزَّهٌ عن الظلم فبعدلك أبعدنا عن النار .
﴿ربَّنا إنّك من تُدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار﴿ إلهنا وخالقنا إنّ من استحقّ النار بأعماله في الدنيا فألقيته فيها جزاءَ أعماله فقد يَنال خزياً لأنّه بمرأىً ومسمع من جميع الخلائق وأنت لا تنصر الظالمين لتُنَجّيهم منها ، ﴿ربَّنا إنّنا سمعنا منادياً ينادي للإِيمان أن آمنوا بربّكم﴾ إلهنا وسيّدنا نحن سمعنا نبيّك محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يدعو الناس إلى الإِيمان بالله وبكتابه والى الإِيمان بولايته وولاية أهل بيته ( عليهم السلام ) وطاعتهم ، ( فآمنّا ربَّنا فأغفرْ لنا ذُنوبَنا﴾ فلبّينا النِّداء وأطعنا الأمر فآمنّا بك وبولاية محمدٍ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآل محمد ( عليهم السلام ) وكتابك ودينك فإن كانت منّا هفوةً او زلّةً أو ذنبٍ لنا فاغفرها لنا ، ﴿وكَفِّرْ عنّا سيئاتنا﴾ وبمحبة محمدٍ ( صلّى لله عليه وآله وسلّم ) وآل محمد (عليهم السلام) ومودّة أهل البيت ( عليهم لسلام) التي قُلتَ في كتابك أنّها تُكفِّر الخطايا وتمحوها كَفِّر عنّا ذنوبنا و معاصينا ، ﴿وتوفَّنا مع الأبرار﴾ إلهنا وسيّدنا اجعل محيانا محيانا محمدٍ وآل محمد ( عليهم السلام ) و مماتنا ممات محمدٍ وآل محمدٍ ( عليهم السلام ) الأبرار الصالحين الطاهرين وشيعتهم المخلصين ﴿ربَّنا وآتِنا ما وعدتنا على رُسلك﴾ إلهنا وسيّدنا نحن ندعوك بواجب عبوديّتنا لك ونطلب منك أن لا تَحرِمنا ما وعَدَتنا من الرحمة والمغفرة والثواب والجنة على لسان أنبيائك ولأنّنا محتاجون إلى ما وعدتنا ، ﴿ولا تُخزِنا يوم القبامة إنّك لا تُخلف الميعاد﴾ إلهنا وخالقنا أنت وَعَدتَ المؤمنين الموالين لمحمدٍ وآله الطاهرين أن لا تدخلهم النار بل تدخلهم الجنّة وقطعيٌّ أنّ وعدك الحقّ ولا تخلفه .
﴿فاستجاب لهم ربُّهم﴾ إنّ المتدبّرين في خلق الله والمؤمنين بالله عن اجتهادٍ واستدلالٍ لا تقليدٍ وأهل الذِّكر والذُكر والدُّعاء من المؤمنين الموالين لمحمدٍ وآله الميامين يستجيب الله دعائهم حتماً، ﴿انّي لا أُضيع عملَ عاملٍ منكم﴾ فالله المجيب لدعاءِ المؤمنين من شيعةِ أمير المؤمنين (عليه السلام ) يقول لهم : ويخاطبهم تِلواً : ثِقوا واطمئنّوا برحمة الله ووعده فأنا لا أُلغي طاعاتكم وعباداتكم وولائكم لمحمدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآله ( عليهم السلام ) ، ﴿من ذكرٍ أو أُنثى بعضهم من بعض﴾ فأنا الذي أُثيب على جهادِ الرجال منكم في سبيل الله وأجعل جهاد النساء من الشيعة حُسن التبَعُّل وأتقبَّل جهاد أموالِهنّ ، ﴿فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأُوذوا في سبيلي﴾ فالمؤمنون الذين هاجروا مع النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من مكّة إلى المدينة ومنها إلى الحبشة كعليٍّ وجعفر وربعهما الذين أُخرجوا ولم يَخرجوا هُم تِلقاء أنفسهم وتحمّلوا الأذى لله ، ﴿وقاتَلوا وقُتِلوا﴾ والمؤمنون المجاهدون في سبيل الله في بدرٍ وأُحُدٍ وحُنين وغيرها الذين قاتلوا صادقين ولم يَفِرّوا ولم يتخلَّفوا والشهداء الذين قُتلوا كحمزة وغيره، ﴿لأُكفِّرنَّ عنهم سيّئاتهم﴾ هؤلاء المؤمنون المجاهدون حقاً أُؤكِّدُ ضامناً أني سأمحو كلَّ خطيئة أو زلّة أو سيّئة كانت منهم وأغفرها لهم ، ﴿ولأُدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار﴾ وهذا وعدٌ ثابتٌ قطعيٌّ منّي لهم مؤكَّدٌ إنّي سأُدخلهم بيدِ عليِّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) الجنّة ودرجاتها وقصورها التي تجري من خلالها أنهار العسل والحليب والماء ، ﴿ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب﴾ هذا كله أجرٌ وثوابٌ وجزاءٌ لجهادهم وإيمانهم الصادق وقتالهم في سبيل الله وشهادتهم لله وأحسنُ الثواب هو عند الله .
﴿لا يغرُّنَّك تقلّب الذين كفروا في البلاد﴾ أيّها المسلم وأيّها المؤمن لا تغترّ ولا تنخدع بتصرُّف الذين كفروا بالله وبولاية محمدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآل محمد ( عليهم السلام ) في بلاد المسلمين كما يشاؤون ، ﴿متاعٌ قليل﴾ فكلّ المدّة التي يتسنّمون فيها دفّة الحكم والرئاسة قليلٌ كمّاً وكيفاً بالنسبة الى مدّة حكومة المهديّ ( عليه السلام ) فليلةٌ واحدةٌ منه خيرٌ منها، ﴿ثمَّ مأواهم جهنّم وبئس المهاد﴾ فأعداء الله وأعداء رسوله وأهل بيت رسوله تنتهي مُدّة استمتاعهم بالدنيا ثمَّ مسكنهم الجحيم ومقرّهم السَّقر في قعر جهنّم أسوأ المكان .
﴿وإن من أهل الكتاب لمَنَ يؤمن بالله وما أُنزل إليكم وما أُنزل إليهم﴾ أيّها المؤمنون إنَّ من أهل الكتاب ومن هو تابعٌ لعيسى والإِنجيل هو سلمانُ الفارسی و بالتأکيد آمنَ بالله و بالقرآن وبمحمدٍ ( صلّی الله عليه وآله وسلّم ) وآله فصار منهم أهل البيت ، ﴿خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً﴾ إنَّ سلمانَ ومَن على شاكلته من النصارى الذين آمنوا بالله وبرسوله وأهل بيته هم أهل الخشوع لا يتركون آيات الله لأجل المنافع الماديّة ، ﴿أولئك لهم أجرهم عند ربهّم إنّ الله سريع الحساب﴾ إنََّ لسلمان ومَن آمن من أهل الكتاب ولم يبيع دينه بالدنيا ولم يبايع أحداً غير عليّ بن أبي طالب (عليه السلام ) لهم الجنّة ثواباً عند الله والله لا يؤخّرهم للحساب أبداً .
﴿يا أيُّها الذين آمنوا أصبروا﴾ أيّها الشيعة المؤمنون بالله وبرسوله وأهل بيته ، اصبروا على طاعة الله وطاعة رسوله وأهل بيته ، واصبروا عن معصية الله و معصيتهم واصبروا على المصائب ، ﴿وصابِرُوا﴾ وتواصوا بالصبر فليأمر أحدكم غيره بذلك و تصابروا في قبال الكفار والمنافقين والمخالفين من أعداء أهل البيت ( عليهم السلام ) ولا تُبدوا الجَزع واليأس ، ﴿ورابِطُوا﴾ ورابطوا للجهاد في سبيل الله وللحضور في صلاة الجماعة مع الإمام العادل وكونوا مُرابطين لإمامكم المهدي ( عليه السلام ) منتظرين ظهوره، وذلك هو أفضل الطاعات ، ﴿واتّقوا الله﴾ أيّها الشيعه المؤمنون : عليکم بتقوی الله في جميع اُمورکم بإتيان ما أمر الله به ، وترك ما نهى عنه والخوف منه فحسب لا مِن غيره ، ﴿لعلّكم تُفلحون﴾ فإنّكم إن صبرتم وصابرتم ورابطتم واتّقيتم فالأمل هو أن تفلحوا بغلبة أعدائكم وتسلُّم القدرة منهم ، وظهور إمامكم وتطبيق العدل وتُفلحوا بالفوز بالجنّة .
(صدق الله العليّ العظيم) اللهم اجعلنا مفلحين وأفلحنا منجحين بمحمد وآله الطاهرين .

نشر في الصفحات 195-137 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد الأول

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *