سورة الأنعام
2016-06-16
سورة يونس (ع)
2016-06-18

(15)
سورة نوح (ع)

﴿بسمِ اللهِ الرَّحمٰنِِ الرَّحيم إنّا أرسلنا نوحاً إلى قومه﴾ بإسم ذاتي ورحمانيّتي لجميع الخلائق ورحيميّتي الخاصّة بالمؤمنين أُوحي إليك يا حبيبي بأنّي بعثتُ نوحاً بالنبوّة وأرسلتُه لإِنذار قومه ، ﴿أن أنذِر قومَك من قَبل أن يأتيهم عذابٌ أليم﴾ بأنّ قومك أصرّوا على الكفر والشِّرك والعصيان فاستحقّوا العذاب فأنذرهم وهددهم بذلك لكي تتم الحجة عليهم قبل نزول العذاب الأليم ، ﴿قال يا قوم إنّي لكم نذيرٌ مبين﴾ فذهب إليهم ليؤدّي رسالةَ ربِّه فقال لهم يا قوم إنّي جئتكم من قِبَلِ الله وأنا نذيرٌ لكم بنزول عذابه إن أصرَرتُم على الكفر واُعلِنُ هذا الإِنذار ، ﴿أن اعبدوا الله واتّقوه وأطيعون﴾ وإذا أردتم النجاة من عذاب الله فعليكم أن تعبدوهُ وتؤمنوا به وحده و تتّقوه وتخافوه فتتركوا الشِّرك والمعاصي ولا تخالفوني بل تُطيعوني ، ﴿يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخِّركم إلى أجلٍ مُسمّیٰ﴾ فإن فادَكُم الإِنذار وعبدتُم الله واتّقيتموه وأطعتموني يغفر الله لكم ذنوبكم السالفة ولا يُهلككم بل يُعَمِّركُم إلى حين آجالكم المُقدَّرة ، ﴿إنّ أجَلَ الله إذا جاء لا يؤخَّر لو كنتم تعلمون﴾ وقال لهم إعلموا أنّكم لو لم ترجعوا عن غيّكم وتُصرّون على كفركم فإنّ أجلَ وموعِد نزول عذاب الله حينما يحين فلا يؤخّر ولا رادِعَ له لو كنتم تعلمون صِدقَ إنذاري .
﴿قال ربِّ إنّي دعوتُ قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلاّ فراراً﴾ فلمّا أن أدّى رسالة ربّه وأنذر قومه وأتمَّ الحُجّة عليهم وصبر على أذاهم وازدادوا كفراً قال : إلهي إنّي أدَّيتُ رسالتي ليل نهارٍ لكنّهم لم يجيبوا دعوتي بل ازدادوا كفراً، (وإنّي كلّما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكبارا﴾ وقال : إلهي أنا كلّما دعوتهم إلى التوحيد والإِيمان كي تغفر لهم ذنوبهم وضعوا أنامِلَهم داخل آذانهِم وغطّوا رؤوسهم بثيابهم وأصرّوا على الكفر واستكبروا عن الإيمان بعنادٍ وتكبُّر ، ﴿ثُمَّ إنّي دعوتهم جهاراً ثمّ إنّي أعلنتُ لهم وأسررتُ لهم إسراراً﴾ ويا إلهي إنّي مع فعلِهِم هذا تجاهَرتُ بدعوتي وناديتُ بها وأعلنتُ إنذاري لهم بعد ذلك إعلاناً عاماً وقد أسررت إلى رؤسائهم بأنّ العذابَ هو الغَرَقُ بالطّوفان فَرداً فَرداً ، ﴿فقلتُ استغفروا ربّكم إنّه كان غفّاراً﴾ وقلتُ يا إلهي لقومي : يا قوم استغفروا الله ربّكم وخالقكم من الكُفر والشرك والآثام والمعاصي والذّنوب إنّه بالتأکيد غَفّارٌ ِلمَن تابَ واستغفَر ، ﴿يُرسِلِ السَّماءَ عليکم مِدراراً ويمُدِدكم بأموالٍ وبنينَ ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً﴾ وقلتُ لهم إن استغفرتُم الله مخُلِصين فإنّ الله يُثيبكم في الدّنيا والآخرة فيُرسل الأمطار الغزيرة ويرزقکم الزّرع والأنعام الكثيرة والأولاد ويرزقکم البساتين المُثمِرة وبرکات الأنهار ، ﴿ما لكم لا ترجون لله وقاراً وقد خلقَكُم أطواراً ؟﴾ وقلتُ لهم يا إلهي : يا قوم ما لكم لا تَرون لله عظمةً ومهابةً في قلوبكم ولا تؤمنون به وأنتم تعلمون أنّكم مخلوقين والله الذي خلقكم من النطفة أطواراً حتى سنّ الشيخوخة.
﴿ألم تَرَوا كيف خَلَقَ الله سبعَ سماواتٍ طِباقاً﴾ و قلتُ لقومي مُثبِتاً لهم وجودَ خالقٍ للكون : ألمَ تَرَوا خَلقَ طبقاتِ السماوات السَّبع بنظامٍ دقيقٍ وحكمةٍ فلا يكون هذا إلاّ من الله الخالق الحكيم المُدَبِّر ، ﴿وجعل القمر فيهنّ نوراً وجعل الشّمس سراجاً﴾ وقلتُ لهم ألمَ تَروا الإِبداع في الصُّنع والخَلق والإِيجاد الذي يَدلُّ على إلٰه قادر عليمٍ مصوّر إذ جَعَلَ القَمرَ في السماء عاكساً لنور الشَّمس وجعل الشمس ذاتها مضيئةً ملتهبةً كالسّراج ، ﴿والله أنبتکم من الأرض نباتاً﴾ وقلتُ لهم إنّ الله کما خَلَقَ السماوات والأرض وما فيهنّ هو الذي خلقكم من تُراب الأرض بعد رَشِّه بالماء فأحياكم منه كالنّبات ، ﴿ثُمّ يعيدكم فيها ويخُرجكم إخراجاً﴾ ثُمّ إنّكم ترون أنّ الله يميتكم فيُعيدكم إلى التراب والأرض فالذي خلقكم من ترابٍ وأعادكم إليه هو الذي يخُرجكم منهُ يوم القيامة نشوراً.
﴿والله جعلَ لكم الأرض بساطاً لتسلكوا فيها سُبلاً فِجاجاً﴾ وقلتُ لهم إنّ الله هو الذي جَعَلَ لكم الأرض بسيطةً ولم يجعل سطحها كلّها جبليّةً وعِرَةً حتى تتمكّنوا من السيرفي طرقٍ ومعابر وممرّات وسيعة وتتنقلون فيها بسهولةٍ ، ﴿قال نوح ربِّ إنهم عصوني واتبعوا مَن لم يَزِدهُ مالُهُ وولدُهُ إلاّ خَساراً﴾ ثمَّ قال نوحٌ : إلهي وربي إنّ قومي أعرضوا عن دعوتي وعصموني وأطاعوا واتّبعوا الأثرياء منهم الذين لم يزدهُم الأموال والأولاد إلاّ طُغياناً وغُروراً وعِصياناً ، ﴿ومكروا مَكراً كُبّاراً﴾ ويا إلهي إنّ قومي إضافةً على عصياني واتّباع رؤساء الكفر أجمعوا على محاربتي ومخالفتي وعدائي ومكروا مكراً عظيماً كبيراً لِينَصُروا الأوثان ، ﴿و قالوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُم﴾ فاتّفقوا على العُكوف على عبادة الأصنام والأوثان رَغماً لي وعِناداً وإصراراً على مخالفتي فتواصوا بينهم وقالوا لا تتركوا عبادة أصنامكم، ﴿ولا تذَرُنََّ وَدّاً ولا سُواعاً ولا يغوثَ ويعوقَ وَنَسراً﴾ وتواصوا على عدم ترك عبادة الأصنام الكبيرة الشهيرة المسماة بودٍّ وسُواعٍ ويغوثٍ ونَسر وهي مِن الحجر والخشب والطّير المحنَّط، ﴿وقد أضلّوا كثيراً ولا تزد الظالمين إلاّ ضلالاً﴾ ويا إلهي إنّ من اتّبعوهم أضلّوا بعبادة الأصنام كثيراً منهم فيا إلهي لا تجُازي الظالمين الأثرياء الذين أضلّوا الناس إلاّ ضلالاً عن الحقّ والهُدی.
﴿مِمّا خطيئاتهم اُغرقوا فاُدخلوا ناراً فَلَم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً﴾ فيا حبيبي هذه دعوات نوح فالطّوفان الذي أرسلناهُ كان نتيجة لخطيئاتهم وإصرارهم على الشرك فاُغرقوا بعد الإِنذار ثُمَّ اُدخلوا نار جهنّم فلا نَصَرهُم أحدٌ من عذاب الله ، ﴿وقال نوحٌ ربِّ لا تَذَر على الأرض من الكافرين ديّارا﴾ فيا حبيبي إعلم أنّ نوحاً دَعى على قومِه بنزولِ العذاب وطلب منّا هلاك الكفار جميعاً وقال : ربِّ لا تُبقِ على الأرض من الكفّار أحداً، ولك أن تدعو عليهم كذلك ، ﴿إنّك إن تَذَرهُم يُضلّوا عبادك ولا يَلِدوا إلاّ فاجراً كفّارا﴾ فقال نوحٌ : إلهي إنّك إن تُبقيهم وتَدَعهُم أحياءً على الأرض يضلّوا كلّ من وُلِدَ من عبادك ولا يولدوا إلا فاجراً مُصرّاً على الكفر متجاهراً به ، ﴿ربِّ اغفر لي ولوالديّ﴾ فيا حبيبي لقد استجبنا دعاءَ نوحٍ فأهلكنا قومَه وأغرقناهم بالطّوفان ونجّيناهُ ومن معه فدعانا في مسجد الكوفة قائلاً : ربِّ اغفر لي ما ارتكبَهُ قومي واغفر لِوالدَيَّ ، ﴿ولِمَن دَخَلَ بيتي مؤمناً﴾ ثمَّ يا حبيبي دعانا نوحٌ طالباً شمول الغفران والرَّحمة والرضوان لمن يدخُلُ بيت قبرِهِ ويكون ضجيع لحدِهِ وهو عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ﴿وللمؤمنين والمؤمنات﴾ وطلب المغفرة والرحمة للمؤمنين والمؤمنات من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ضجيعه في قبره ، ﴿ولا تزد الظّالمين إلاّ تبارا﴾ وقال نوحٌ وهو يدعو على أعداءِ عليٍّ ( عليه السلام ) كما دعا على قومه فقال : إلهي لا تَزِد الظّالمين لحقِّ آل محمدٍ ( عليهم السلام ) إلاّ خُسراناً وعذاباً في الدُّنيا والآخرة ، ( صدق الله العليّ العظيم ) .

نشر في الصفحات 340-337 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد الأول

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *