سورة سليمان (ع)
2016-06-18
سورة الإِسراء
2016-06-18

(26)
سورة موسي (ع)

﴿بسمِ اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيم﴾ بإسم ذاتي القدسيّ المستجمع لجميع صفاتِ الكمال وبإسم رحمانيّتي الواسعة ورحيميّتي الخاصّة أوحي إليك وأرمزُ بحروف طاسين ميم ، ﴿طۤـٰسۤمۤ﴾ هي من الحروف النّورانيّة المقطَّعة الأربعة عشر التي جمعها يكون صراط عليٍّ حقٌّ نُمسِكُهُ ، ﴿تلك آيات الكتاب المبين﴾ تلك الحروف المقطَّعة هي خلاصة آيات القرآن کتاب الله المبين الواضح فهي رموز الوحي من الله إليك ، ﴿نتلو عليكَ من نبإِ موسی وفرعون بالحقّ لقومٍ يؤمنون﴾ وإثباتاً لأنَّ الآيات كلّها وحيٌ منّا نتلو عليك بواسطة جبرائيل من خبَرِ موسى بن عمران وفرعون مصر نبَأً بالحقّ والصدق للمؤمنين والشيعة الموالين لك ولأهل بيتك ( عليهم السلام ) ، ﴿إنَّ فرعون عَلا في الأرض وجعَلَ أهلها شِيَعاً﴾ إنَّ فرعون استعلا وتكبَّر وتجبَّر في أرض مصر وعلا على شعبِ مصر وفرَّق جمعهم ومزَّق كلمتهم وجعلهم طوائف وفرق ، ﴿يستضعف طائفةً منهم يُذَبِّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنّه كان من المفسدين﴾ ويجعلهم طوائف متفرقة كي يستضعف طائفة بني إسرائيل منهم فيذبّح أبناءهم لكي ينجو من موسى ويبقي نساءهم أحياءً إنّه أفسد في مصر كثيراً، ﴿ونريد أن نمنَّ على الذين استُضعفوا في الأرض﴾ فيا حبيبي كما مَنَننّا على بني إسرائيل ونجَِّيناهُم من فرعون تَعَلَّقَت إرادتنا الرّبوبيّة بأن نمُنَّ على الشيعة الذين استضعفوا من قبل أعدائهم ، ﴿ونجعلهم أئمَّةً ونجعلهم الوارثين﴾ فنُنجّيهم من الاستضعاف ونجعلهم قادة للاُمَم والشعوب وحُكّاماً عليهم ونجعلهم الوارثين لجميع أقطارِ الأرض ، ﴿ونُمَكِّن لهم في الأرض ونُرِيَ فرعون و هامان وجنودهما منهم ما کانوا يحذرون﴾ فنمكِّن للمهديّ القائم ( عليه السلام ) من آل محمدٍ وشيعته في جميع أرجاء الأرض وبذلك نُري الخليفة الأوّل والثاني وحزبهما من الشيعة ما كانوا يحذرون من الانتقام .
﴿وأوحينا إلى اُمّ موسى أن أرضعيه فإذا خِفتِ عليه فألقيهِ في اليمِّ﴾ وأمّا كيف أنجينا موسى ؟ فقد أوحينا بالإِلهام إلى اُمّ موسى وكذلك وحيُنا إلى أهل البيت المعصومين وقُلنا لها : أرضعي موسى وإذا خفتِ عليه من جلاوزة فرعون ضعيه في صندوق ٍوألقيه في النّيل ، ﴿ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادُّوهُ إليك وجاعلوه من المرسلين﴾ وقُلنا لها : لا تخافي أنتِ عليه الغَرَق والهلاك ولا تحزني من فراقه فأنا وملائكتي سنَرُدَّهُ إليكِ سالماً وسنجعله من المرسلين إلى بني إسرائيل ، ﴿فالتقطَهُ آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً﴾ فلما وصل الصندوق حيال قصر فرعون التقطهُ أعوانُ فرعون فرأوا فيه صبيّاً هو موسى ولا يعلمون أنّه سيكون لهم عدوّاً وسبباً للحُزن . ﴿إنّ فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين﴾ إنّ فرعون لم يكن خاطئاً في التقاط موسى وتبنّيه ونعم ما فعل ولكنَّ فرعون هذه الاُمّة وهامانها الخليفتان الظالمان وجنودهما وحزبهما من الخاطئين في قتل جنين الزهراء محُسناً .!!
﴿وقالت امرأةُ فرعون قُرَّة عينٍ لي ولَكَ لا تقتلوه﴾ فلمّا رأتهُ آسيةُ بنت مزاحم زوجة فرعون عرفت في سيماهُ النبوَّة فقالت لزوجها : إنّ هذا الصبيّ يكون لي ولك قُرَّة عينٍ حيث نتمنّى طفلاً فلا تقتلوهُ ، ﴿عسى أن ينفعنا أو نتَّخِذه ولداً وهُم لا يشعرون﴾ وقالت لفرعون أبقيهِ حيّاً نُرَبّيهِ عندنا عَسی أن ينفعنا حينما يَشُبُّ يافعاً ونتَّخِذُهُ ولداً بعد أن لم يولَد لنا وهم لا يشعرون أنّه سيكون هلاك فرعون بسببه ، ﴿وأصبح فؤاد أمّ موسى فارغاً إن كادت لتبدى به﴾ فلمّا علمت يوخابد بأنّ فرعون وزوجهُ إتَّخَذا موسى ولداً لهما أصبح فؤادها فارغاً من القلق والإضطراب ولا طلبوا له المراضع كادت أن تُبدي لهم أنهّا اُمَّهُ ، ﴿لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين﴾ ولولا أن ثَبَّتنا فؤادها وربطنا على قلبها بالصَّبر والإِيمان بوعدنا لكادت عاطفةُ الاُمومة تدعوها لتبدي به ولكنها صبرت ، ﴿وقالت لُأختِهِ قصّيهِ فبصُرَت به عن جنبٍ وهم لا يشعرون﴾ فقالت اُمّ موسی لأُخت موسى إقتصّي أثره لتري إلى أين يأخذُه الماء فأخذت تسير على حافّة النيل وتراقبه خفيةً ولا يشعرون بها آل فرعون ، ﴿وحرَّمنا عليه المراضع من قبلُ فقالت هل أدلُّكم على أهل بيتٍ يكفلونه لكم وهُم لهُ ناصحون﴾ ومنعنا موسى من قبول ثدي المرضعات قبل اُمّه فلم يرتضع من أحدٍ فقالت اُختُه لآلِ فرعون : هل أدلّكم على أهل بيتٍ يكفلون رضاعهُ لكم وهم ناصحون في كفالته ؟؟؟ ﴿فرددناهُ إلى اُمّهِ كي تَقَرَّ عينها ولا تحزَن ولتعلم أنَّ وعد اللهِ حقٌّ ولكنّ أكثرهم لا يعلمون﴾ فرددنا موسى بهذا السَّبب إلي اُمِّه کي تُرضعهُ وتشُمّهُ وتُقبّله فتقرَّ عينها به ولا تحزن من فراقه وتعلم يقيناً أنَّ وعد اللهِ بإرجاعه إليها وعدٌ حقٌِّ ولكنّ أكثر آل فرعون لا يعلمون كلّ ذلك .
﴿ولمّا بلغَ أشُدَّهُ واستوی آتيناهُ حکماً وعلماً وکذلک نجزي المحسنين﴾ وحينما بلغ سنَّ البلوغ واستوى عقلُهُ كاملاً آتيناهُ العصمة والإِمامة والولاية وهكذا نجزي المحسنين من آل محمدٍ ( عليهم السلام ) فنؤتيهم حكماً وعلماً، ﴿ودخل المدينة على حين غفلةٍ من أهلها فوجد فيها رجُلين هذا من شيعته وهذا من عدوّه﴾ وخرج موسى يوماً من قصر فرعون ودخل المدينة عاصمته مُلتثماً لا يعرفه أحدٌ في وقت الظَّهيرة فوجد في زقاقٍ رجلين أحدهما إسرائيليّ والآخر قبطيّ من أعدائه ، ﴿فاستغاثَهُ الذي من شيعته علی الذي من عدّوهِ فوکزَهُ موسی فقضى عليه﴾ فاستغاثه الإِسرائيليّ ليدافع عنه ويخلّصه من عدوّه القبطيّ فلبّى استغاثته وضرب موسى القبطيّ ولكمهُ فوقع على الأرض ميّتاً، ﴿قال هذا من عمل الشيطان إنّه عدوٌّ مضلٌّ مبين﴾ حينئذٍ قال موسى هذا النّزاع من عمل الشيطان الذي يريد أن يوقِعَ العداوة والبغضاء الى يوم القيامة فدفع القبطيّ لهذا وهو مضلٌّ له علناً ، ﴿قال ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرَّحيم﴾ فدعا موسی مبتهلاً إلي الله وقال ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي بهذا العمل إذ لو عرف فرعون ذلك لأمرَ بقتلي ، فغفر اللهُ له ترك التقيّة هذه وهوالغفور الرحيم أزلاً وأبداً، ﴿قال رَبِّ بما أنعمتَ علىَّ فلَن أكون ظهيراً للمُجرمين﴾ فلمّا اُلهِمَ بأنَّ الله غفر لهُ ترك التقيّة قال يا ربِّ بما أنّكَ أنعمتَ عليَّ بالسِّتر والغُفران فمن الآن إلى آخر العمر فلن أكون عوناً لفرعون وقومه .
﴿فأصبح في المدينة خائفاً يترقّب﴾ فلم يرجع موسى إلى قصر فرعون ولم يجعل نفسه ظهيراً له وعوناً بل بقي في المدينة مختفياً خائفاً من عيون فرعون وجواسيسه يترقّبهُم ، ﴿فإذا الذي استنصرهُ، بالأمس يستصرخُهُ قال له موسى إنّك لغويٌّ مُبين﴾ وعندما كان يمشي في دروب المدينة سمع الإِسرائيلي الذي استغاثَهُ سابقاً يناديه صارخاً يا موسى أدركني فرآه يعارك قبطياً آخر قال له موسى : إنَّ غوايتك بيّنةٌ يا هذا ، ﴿فلمّا أراد أن يبطش بالذي هو عدوٌّ لهما قال يا موسى أتُريدُ أن تقتُلَني كما قتلت نفساً بالأمس﴾ فلمّا دنا موسى لينصره على القبطيّ الذي هو عدوّهما قال القبطي لموسى : هل تريد أن تبطِش بي وتقتُلني كما قتلت نفساً قبطيّاً بالأمس ؟ ﴿إن تريد إلاّ أن تكون جبّاراً في الأرض وما تُريد أن تكون من الصّالحين﴾ قال القبطيُّ لموسى إنّك لا تريد بفعلك هذا إلا أن تكون جبّاراً فتاكاً في أرض مصر ولا تريد أن تكون قاضياً عادلاً مصلحاً بين الناس .
﴿وجاء رجُلٌ من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إنَّ المَلأ يأتمَِرون بكَ ليقتُلوك﴾ فجاء رجلٌ وهو مؤمن آل فرعون وهو أحدُ الصدّيقون وهم هو وحبيبُ النجّار وعليّ بن أبي طالب ( عليهم السلام ) جاء يُسرِع قال يا موسى إنَّ فرعون والأقباط يتشاورون في قتلك ، ﴿ فاخرج إنّي لك من الناصحين فخرج منها خالفاً يترقَّب قال ربِّ نجِّني من القوم الظالمين﴾ وقال له اُخرج من المدينة سريعاً فإنّي لك من الناصحين المشفقين ، فقبِلَ النُّصحَ منه وخرج من المدينة خائفاً يترقّب جواسيس فرعون وقال ربِّ ، نجِّني من فرعون وقومه الظالمين ، ﴿ولمّا توجَّهَ تِلقاءَ مديَنَ قال عسى ربِّ أن يهديني سواءَ السَّبيل﴾ وحينما توجَّه سائراً نحو مدينة مدين مسکن شُعيب النبیّ قال : عسی الله أن يدلّنی علی طريق مدين والجادَّة الوسطى المستقيمة إليها ، ﴿ولمّا وردَ ماء مدين وجد عليه اُمّةً من الناس يسقون﴾ فحينما وصل الى قرب مدينة مدين عند آبارها شاهد جماعاتٍ من أهلها مزدحمين عندها يسقون مواشيهم ويملأون قربهم ، ﴿ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال : ما خطبکما قالتا لا نسقی حتی يصدر الرُّعاءُ و أبونا شيخٌ کبير﴾ ورأى موسى عند الآبار بعيداً عن الناس امرأتين هُما إبنتا شُعيب النبىّ تمنعان أغنامهما عن السقي قال لهما ما شأنكما قالتا ننتظر انصراف الرُّعاء حتى نسقي وأبوَنا شُعيبٌ شيخٌ كبيرٌ ، ﴿فسقیٰ لهما ثُمَّ تولَّ إلى الظِّلِّ فقال : ربِّ إنّي لهما أنزلتَ إليَّ من خيرٍ فقير﴾ فسقي لها أغنامهما سريعاً ثُمَّ صرفها لهما فرجعتا الى أبيهما ثمَّ انصرفَ موسى إلى ظلِّ شجرةٍ فابتهل فقال : ربِّ إنّي لما أنزلتَ إليَّ من خيرٍ لأداءِ خدمةٍ لشُعيبٍ محتاج ، ﴿فجاءته إحداهُما على استحياءٍ قالت : إنَّ أبي يدعوك ليجزيك أجرَ ما سقيت لنا﴾ فلمّا وصلتا سريعاً سأل شعيبٌ عن السَّبب فأخبرتاه فأمرَ إحداهُنَّ أن تدعوهُ فجاءته وهي تستحي منه فقالت له إنّ شعيباً يدعوك ليكافئك على سقيك الأغنام ، ﴿فلمّا جاءه وقصَّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين﴾ فلمّا حضر موسي عند شعيبٍ وقصَّ عليه القصص التي جرت عليه مع فرعون قال له شُعيبٌ لا تخف من بطشه لقد نجوت منه ومن قومه فلا سُلطان لهم على مدين ، ﴿قالت إحداهما يا أبتِ استأجرهُ إنَّ خيرَ من استأجرتَ القويّ الأمين﴾ عندئذٍ أحبَّته إحداهما فقالت لأبيها يا أبتاه استأجر موسى للرَّعي فإنّه خيرُ أجيرٍ استأجرتَهُ إن رضي هو فإنّه قويٌّ وأمينٌ حيث لم ينظر إلينا بسوءٍ ، ﴿قال : إنّي اُريد أن اُنكِحَكَ إحدى ابنتيَّ هاتين على أن تأجُرَني ثماني حِجَجٍ فإن أتمَمت عشراً فمن عندك﴾ قال شعيبٌ لموسى : إنّي اُريد أن اُزوّجك إحدى بناتي التي شاهدتها فاختر إحداهمُا على أن تجعل مهرها عملك برعي الغنم لي ثمانِ سنواتٍ فإن أتممت عشر سنين فهو تبرُّعٌ منك ، ﴿وما اُريدُ أن أشُقَّ عليك ستجدُني إن شاء اللهُ من الصالحين﴾ وقال شعيبٌ لموسى أنا لا اُريد أن أشُقَّ عليك في المهر إذ تخفيف المهر هو من سُنَنِ الأنبياء وستجدني بمشيئة الله لا مشيئتي من الصالحين للخدمة والإِنتساب ، ﴿قال ذلك بيني وبينك أيمّا الأجلين قضيت فلا عدوان عليَّ واللهُ على ما نقول وكيل﴾ فكان الإِيجابُ من شعيب والقبول من موسى فعقد على صفورا الكبيرة وقال موسى لشعيبٍ إنّ الشَّرط بينى وبينك هو الثمان وأيمّا الأجلين قضيتُه فهو باختياري ولاجبر عليَّ واللهُ هو الشاهِدُ علينا .
﴿فلمّا قضى موسى الأجلَ وسار بأهله آنَسَ من جانب الطور ناراً﴾ فلما قضى الاُجرة موسى حسب الأجل المعيَّن قال لشعيب اُريد الرّجوع لمصر للقاء اُمّي واُختي فأعطاه عصاهُ الذي هو من مواريث النبوّة فسار بزوجته في بادية الشّام فرأی من جانب طُور الغریّ ّناراً ، ﴿قال لأهله امكُثُوا إنّي آنستُ ناراً لعلّی آتيكُم منها بخبرٍ أو جذوةٍ من النار لعلّكم تصطلون﴾ فقال لصفورا وغنمه قفوا هُنا مكانكم إنّي شاهدت ناراً من بعيدٍ فسأذهب إليها لعليّ آتيکم منها بخبرٍ أو شُعلَةٍ من النار تستدفئون بها هُنا ، ﴿فلمّا أتاها نودِيَ من شاطىء الوادِ الأيمن في البُقعة المباركة من الشَّجرة﴾ فلمّا وصل إلى جبل طور الغريّ سمع نداءً من شاطىء الفُرات عند وادي السَّلام عند مسجد الكوفة في بُقعة مرقد آدم ونوحٍ والنداء من شجرة السِّدر، ﴿أن يا موسى إنّي أنا اللهُ ربُّ العالمين﴾ فسمع موسى بن عمران كلام الله تعالى من الشجرة يُناديه ويقول : إنّي أنا اللهُ ربُّ العالمين أتكلّمُ معك وهذا نوري قد تجلّى لك ، ﴿وأن ألق عصاكَ فلمّا رآها تهتزُّ كأنهّا جانّ ولّى مُدبراً ولم يُعَقِّب﴾ فأمره الله قائلاً ألقِ عصاكَ الذي أخذته من شعيبٍ على الأرض لترى الإِعجاز فلمّا رآها تهتزُّ كالحيّة السريعة أدبَر عنها مبتعداً عنها ولم يرجع .
﴿يا موسى أقبِل ولا تخف إنّك من الآمنين﴾ فناداهُ اللهُ يا موسى أقبِل الى عصاكَ ولا تخف منها لأنهّا معجزة لك لا عليك فلا تؤذيك إنّك من الآمنين من أذاها ، ﴿اُسلُك يَدَك في جيبك تخرُج بيضاء من غير سوءٍ﴾ وأمرَهُ اللهُ أيضاً قائلاً : أدخِل يدك في جيب قميصك تحت اُبطِكَ ثُمَّ أخرجها لترى المعجزة الاُخرى تخرُج بيضاء ناصعة من غير بَرَصٍ ، ﴿واضمُمُ إليك جناحكَ من الرَّهب فذانِكَ بُرهانانِ من ربِّك الى فرعون وملائِه إنهّم كانوا قوماً فاسقين﴾ فإذا أخذتكَ الرَّهبة من بريق يدك فاضممه إلى جيبك مرّةً اُخرى فتعود كما كانت فهاتان معجزتان من ربّك لرسالتك إلى فرعون وقومه الفاسقين ، ﴿قال ربِّ إنّي قتلتُ منهم نفساً فأخافُ أن يقتلونِ﴾ قال موسى لربِّه ربِّ إنّك تعلم أنّي قد قتلت قبطياً من قوم فرعون سابقاً فيطلبونني بدمه فأخافُ أن يقبلوا رسالتي بل يقتلوني ، ﴿وأخي هارونَ هو أفصَحُ منّي لساناً فأرسلهُ معي ردءاً يصدّقني إنّي أخافُ أن يُكذِّبون﴾ فيا ربِّ إنّ أخي هارون لم يقتُل منهم أحداً ولا يطلبونه بدمٍ فهو أطلقُ لساناً في مخاطبتهم منّي لذلك فأرسله معي وزيراً ومعيناً يصدِّق دعوتي إنّي أخشى أن يكذِّبوا بدعوتي ، ﴿قال سنَشُدُّ عَضدَكَ بأخيكَ ونجعل لكم سُلطاناً﴾ فقال اللهُ لموسى سنقوّيك بهارون فنجعله وزيرك ومعينك في رسالتك وهكذا يا حبيبي فإنّ عليّاً ( عليه السلام ) منك بمنزلة هارون من موسى ، ﴿فلا يصِلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتّبعكما الغالبون﴾ وقال الله لموسى : إنّي اُدافِعُ عنکما ففرعون وقومه لا يصلون إليکما ممکروهٍ ولايغلبوکما بمعجزاتنا لکما فأنتما ومن اتَّبعكما من بني إسرائيل غالبون عليهم .
﴿فلمّا جاءهم موسى بآياتنا بيّناتٍ قالوا ما هذا إلاّ سِحرٌ مُفَترىً وما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين﴾ فحينما جاء موسى فرعون وقومه بالمعجزات الواضحات من الله وهي العصا واليد البيضاء قالوا ليس هذا إلاّ سحرٌ افتراهُ على الله ولم نسمع من آبائنا أن جاءهم نبيٌّ بها ! ﴿وقال موسى ربّي أعلمُ بمن جاء بالهُدى من عنده ومن تكون لهُ عاقبة الدّار إنّه لا يُفلِحُ الظّالمون﴾ وقال لهم موسى إن كان افتراءٌ على الله فاللهُ أعلمُ بالحال منكم هو يعلم بالهدى ومن جاء بالهُدى من جانبه إليكم وهو يعلم من منّا ستكون له عاقبةُ دار الدُّنيا ومن يُهلَك ، وقطعاً إنَّ الفلاحَ لا يكون للظالمين ، ﴿وقال فرعونُ يا أيّها الملأُ ما علِمتُ لكُم من إلٰهٍ غيري فأوقِدْ لي يا هامانُ على الطّينِ فاجعل لي صرحاً﴾ وقال فرعون تمويهاً على الناس بوجود إلهٍ في السماء يا أيّها القوم لا أعرِفُ وجودَ إلٰهٍ لكم غيري فأنا ربّكُم الأعلى فإذا كان إدّعاءُ موسى صحيحاً فاطبخ ليَ الآجرَّ يا هامان واصنع لي بُرجاً، ﴿لعلّي أطَّلِعُ إلى إلٰهِ موسي وإنّي لأظنّه من الكاذبين﴾ فبعد أن تصنع لي بُرجاً عالياً أصعدُ إليه لعليّ اُشاهِدُ أو أرى أثراً من إلٰه موسى الذي يقول إنّه في السماء وإنّي لأظنّه من الكاذبين فلا يُرى هناك .
﴿واستكبَرَ هوَ وجنودهُ في الأرض بغير الحقّ وظنّوا أنهّم إلينا لا يُرجَعُون﴾ وتكبَّر وتجبَّر فرعون وأعوانهُ في أرض مصر رغم معجزاتِ موسى ودعوته بغير أن تكون لهم حقٌّ في ذلك لأنهّم ظنّوا أنهّم لا يرجعون إلى الله ويفلِتون من حُكمِهِ ، ﴿فأخذناهُ وجنودَهُ فنبذناهم في اليمّ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين﴾ فبعد إتمام الحُجّة عليهم أخذناه وجنوده بالهلاك والعذاب فطرحناهُم في النّيل فغرقوا أذلاّء فانظر يا حبيبي كيف كان عاقبة أُولئك الظّالمين فهكذا ستكون عاقبة ظالمي أهل بيتك ( عليهم السلام ) ، ﴿فجعلناهُم أئمّةً يدعون إلى النّار ويوم القيامة لا يُنصرون﴾ فظالمي أهل بيتك ( عليهم السلام ) وعِترتك يا حبيبي جعلناهُم إمتحاناً ، أئمّةً وخُلَفاء على الاُمّة يهدون أعداء آل محمدٍ ( عليهم السلام ) إلى النار ويوم القيامة لا يُنصرون من عذاب الله ، ﴿وأتبعناهُم في هذه الدُّنيا لعنةً ويوم القيامة هُم من المقبوحين﴾ ويا حبيبي أتبعنا ظالمي أهل بيتك ( عليهم السلام ) على لسان الملائكة والمؤمنين لعنةً في هذه الدنيا ويوم القيامة هُم من المنبوذين الذين قَبَّحَهُم اللهُ في الجحيم .
﴿ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الاُولى بصائِر للناس وهُدىً ورحمةً لعلّهم يتذكّرون﴾ وبالتأكيد لقد أنزلنا على موسى التّوراة من بعد ما أهلکنا قوم نوحٍ وعادٍ وثمود وقوم لوطٍ وهودٍ و هذا التأکيد هو لأجل البصيرة لأُمَّتك وهدايةً ورحمةً لهم لعلَّهم يتذكَّرون عذاب الله ، ﴿وما كُنتَ بجانِبِ الغربيّ إذ قضينا الى موسى الأمر وما كُنتَ من الشّاهدين﴾ فقِصَّةُ موسى هُوَ وحيٌ من الله إليك يا رسول الله وما كُنتَ حاضراً بجانِبِ الغربيّ من طورِ الغريِّ حينما قضينا بالرّسالة إلى موسى وما كُنتَ من الشّاهدين لهُ هناك ، ﴿ولكنّا أنشأنا قروناً فتطاوَل عليهم العُمُر وما كنت ثاوياً في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنّا كنّا مُرسِلين﴾ ولم يبق إلى زمانك هذا ممَّن عاصر موسى بل خلقنا أجيالاً مرَّت عليهم الأعمار الطويلة فنسوا قصَّة موسى ولم تكُ مقيماً في أهل مدين فتعرف قصَّتهم وتتلوها على اُمَّتك بل نحن أرسلناك وأوحينا إليك ، ﴿وما كُنتَ بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمةً من ربّك لتُنذِر قوماً ما أتاهم من نذيرٍ من قبلِك لعلَّهم يتذكَّرون﴾ وما كنت يا رسول الله واقفاً بجانب جبل طورِ الغريّ حينما كلَّمنا موسى من الشجرة وناديناهُ بالرسالة ولكنّ هذه الآيات رحمة من ربّك لتُنذِرَ بها اُمَّتك عن مخالفتك ومخالفة أهل بيتك ( عليهم السلام ) لعلّهم يتذکّرون عذابنا.
﴿ولولا أن تُصيبهم مُصيبةٌ بما قدَّمت أيديهم فيقولوا ربَّنا لولا أرسلتَ إلينا رسولاً فنتَّبع آياتك ونكون من المؤمنين﴾ وهذا الإنذارُ لأجل أن لا تصيبهم مصيبة العذاب والهلاك نتيجة ما قدَّمت أيديهم من الظُّلم لأهل بيتك ( عليهم السلام ) قبل الإِنذار فيقولون ربَّنا لماذا لم تُرسِل إلينا رسولاً ينذرُنا فنتَّبِع آياتك بشأنِ آل محمدٍ ( عليهم السلام ) ونكون من شيعتهم ، ﴿فلمّا جاءهُمُ الحقُّ من عندنا قالوا لولا اُوتِيَ مثلَ ما اُوتي موسي﴾ فلمّا جاءهم الحقّ من قصّة موسى وحياً إليك تتلوهُ عليهم ليتذكّروا إتماماً للحُجّةِ عليهم لكي لا يخُالِفوا عليّاً ( عليه السلام ) قالوا فهَلاّ اُوتِيَ محُمّدٌ بالعصا مثلَ ما اُوتِيَ موسی ؟؟ ﴿أوَلمَ يكفروا بما أوتِيَ موسى من قبلُ قالواسحران تظاهَرا وقالوا إنّا بكُلِّ كافرون﴾ فيا حبيبي هَب إنّك اُوتيتَ عصى موسى أوَلمَ يكفر الفراعنة بما اُوتي موسى من قبلُ رغم المعجزات وقالوا إنّ موسى ومحمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ساحران تغلبا بسحرهما وقالوا إنّا بكل من موسى ومحمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) والمعجزات كافرون ، ﴿قُل فأتُوا بكتابٍ من عند اللهِ هو أهدى منهما أتَّبعه إن كنتُم صادقين﴾ فقل للمنافقين : إن كنتم كافرين بما اُنزِلَ عليَّ وعلى موسى ، فأتوا بکتابِ وحيٍ من عند الله هُوَ أهدی من القرآن والتّوراة أتَّبِعُهُ أنا إن کنتُم صادقين ، ﴿فإن لم يستجيبوا لكَ فاعلَم يتَّبِعون أهواءَهُم﴾ فإن لم يستجيبوا لك يا حبيبي في دعوتِك لهم إلى ولاية عليِّ بن أبي طالبٍ ( عليه السلام ) فاعلم يقيناً إنهّم بعد إتمام البُرهان يتَّبعون أهواءهم الشيطانيّة .
﴿ومن أضلُّ ممَّن اتَّبع هواهُ بغير هُديً من الله إنّ اللهَ لا يهدي القومَ الظالمين﴾ فيا حبيبي يا تُرى من يكونُ أضلُّ ممّن اتَّبعَ هواهُ الشيطانيّ بغيرِ دليٍل وهدايةٍ من الله وأعرَضَ عن ولايةِ عليٍّ ( عليه السلام ) ؟ إنَّ اللهَ لا يهدي القوم الظالمين لحقِّ آل محمدٍ ( عليهم السلام ) ، ﴿ولقد وَصَّلنا لهُم القول لعلّهم يتذكّرون﴾ وبالتأكيد يا حبيبي إنّا أتبعنا الآيات واحدةً تلو الاُخرى لإِثبات قولنا في ولاية عليِّ بن أبي طالبٍ ( عليه السلام ) ووُلدِهِ لعلَّهم بالتِّكرار يتذكَّرون فيُوالونَهُ .
﴿الّذين آتيناهُم الكتاب من قبلِهِ هُم بهِ يؤمنون﴾ فسواء تذكّروا أم لا فإنّ الذين آتيناهُمُ الكتابَ من قبلِ القُرآن كسلمانِ الفارسيّ والنَّجاشيّ وغيرهما هُم بولاءِ عليٍّ يُؤمنون ، ﴿وإذا يُتلیٰ عليهم قالوا آمنّا به إنّه الحقّ من ربّنا إنّا كُنّا من قَبلِهِ مُسلِمين﴾ وحينما تتلو عليهم الآيات بشأنِ ولاية عليٍّ ( عليه السلام ) يقولون آمنّا بولاءِ عليٍّ إنّه الحقُّ من ربّنا إنّا كُنّا من قَبلِ أن تتلوهُ علينما مُسلمينَ مُطيعينَ موالين لكَ ولعليٍّ ( عليه السلام ) ، ﴿أُولئكَ الذين يؤتون أجرهُم مرَّتين بما صبروا ويدرأون بالحسنة السيِّئة﴾ فأُولئك الشيعة المؤمنون هم الذين سيعطون ثواب ولائهم وإيمانهم مضاعفةً يوم القيامة بما صبروا على الأذى من أعداء آل محمدٍ ويدفعون بتشيُّعهم نفاقَ الأعداء ، ﴿وممّا رزقناهم ينفقون﴾ ولأنهّم لم يبخلوا عن أداءِ حقِّ آل محمدٍ ( عليهم السلام ) والخُمسِ المفروضِ عليهم لهُم وممّا رزقناهُم يُنفِقون الخُمسَ لآل محمدٍ ( عليهم السلام ) ، ﴿وإذا سمعوا اللّغوَ أعرَضوا عنهُ وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم﴾ وهؤلاء الشيعة الموالين لعليٍّ ( عليه السلام ) حينما سمعوا اللّغو من مخالفي عليٍّ ( عليه السلام ) ورؤوس المنافقين لو وصفوا غيره بأنّه أمير المؤمنين يُعرِضون ويقولون لهم لنا أعمالنا وتمسُّكنا بالولاية ولكم نفاقكُم ، ﴿سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين﴾ فسلامٌ عليكم سلام إعراضٍ عملاً بقوله تعالى وإذا خاطبهُم الجاهلون قالوا سلاماً ويقولن لهم نحن الشيعة الموالين لعليٍّ ( عليه السلام ) لا نبتغي الجاهلين الموالين لغيره .
﴿إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء وهو أعلمُ بالمهتدين﴾ فيا حبيبي إنّك لا تقدر أن تهدي جبراً من أحببت هدايته من أزواجك وأقاربهم لولاية عليٍّ ( عليه السلام ) ولكنّ الله يهدي من يشاءُ ويحُبّ وهو أعلمُ بالموالين لآل محمدٍ ( عليهم السلام ) المهتدين بهم ، ﴿وقالوا إن نتَّبع الهدى معك نُتخطَّف من أرضنا﴾ والمنافقين يا حبيبي قالوا لك إن نتَّبِع الهُدى معك ونوالي عليّاً ونُبايعه بإمرة المؤمنين والخلافة من بعدك تخطَفُنا العربُ من المدينة ، ﴿أوَلمَ نُمَكِّن لهم حَرَماً آمِناً يُجبیٰ إليه ثمراتِ كلّ شيءٍ رزقاً من لدُنّا ولكنّ أكثرهم لا يعلمون﴾ فقل لهم يا حبيبي : ألم نُمَكِّن ونفتح مكّة لهم بفضلِ جهادِ عليٍّ ( عليه السلام ) في بدر ؟ وجعلناها حرماً آمِناً لهم تُجبیٰ إليه من كلِّ صوبٍ من كلِّ الثَّمرات ببركة محمدٍ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآل محمدٍ ( عليهم السلام ) ولكنّهم لا يعلمون ذلك ، ﴿وكم أهلكنا من قريةٍ بطرَت معيشتها فتلكَ مساكنهم لم تُسكَن من بعدهم إلاّ قليلاً﴾ فليعتَبِر المنافقون بأنّا كم من أهل قريةٍ أهلكناهم حينما طغت في النعمة فلم يبقَ منهم أحدٌ فتلك بيوتهم خاليةٌ من بعدهم من السُّكنى إلاّ من ينزل بها من المارَّة ، ﴿وكنّانحنُ الوارثين﴾ فليعلموا علم اليقين كما أهلكنا أهل تلك القُرى فكذلك سنُهلك أعداءَ آلَ محمدٍ ( عليهم السلام ) ونحنُ الوارثين مساكنهم للشّيعة.
﴿وما كان رَبُّكَ مُهلِكَ القُریٰ حتىّ يبعَثَ في اُمِّها رسولاً يتلو عليهم آياتنا﴾ وبديهيٌّ أنّه ما كان اللهُ يا رسول الله يُهلكُ الأقوام من أهل القُرى حتيّ يتمّ عليهم الحجّة وينذرهم ويبعث في وسطهم رسولاً يتلو عليهم آيات الله ، ﴿وما كُنّا مُهلكي القُریٰ إلاّ وأهلها ظالمون﴾ وما كان ربُّكَ يا حبيبي ولا يكون مهلك القرى بواسطة وليّه المهديّ وأنصاره إلاّ وأهلُها منافقون ظالمون لآل محمدٍ ( عليهم السلام ) ، ﴿وما أُوتِيتُم من شيءٍ فمتاعُ الحياة الدُّنيا وزينتها﴾ فقل لهؤلاء الظالمين لحقِّ آل محمدٍ ( عليهم السلام ) والغاصبين لحقوقهم المتقمّصين للخلافة إنَّ ما اُوتيتم من المُلكِ والخلافة والأموال ليس إلاّ متاعُ أيام الدُّنيا وزينتها فقط !! ﴿وما عند الله خيرٌ وأبقى أفلا تعقلون﴾ ولكنّ ما عند الله من الثواب والأجر والجنّة ونعيمها لآل محمدٍ وشيعتهم في الآخرة هو خيرٌ ممّا اُوتيتم وأبقى دواماً أفلا تعقلون يا منافقين ؟ ﴿أفمن وعدناهُ وعداً حسناً فهو لاقيهِ كمن متّعناهُ متاع الحياة الدُّنيا ؟﴾ واسألهم يا حبيبي : هَل إنَّ من وعدناهُ وعداً حسناً في الآخرة بالجنّة ونعيمها كعلىٍّ والزهراء والحسنين ( عليهم السلام ) وشيعتهم فهو ملاقيه يوم القيامة هو كمن متَّعناه بالمُلك في الدُّنيا فقط ، ثُمَّ هو يوم القيامة من المحُضرين﴾ ثمَّ يوم القيامة لا يمتَّعُ بشيءٍ أبداً بل يحُرَمُ من الأجر والثواب بل يكون من الممنوعين من نعمِ الآخرة كخُلفاء الجور وأتباعهم .
﴿ويوم يناديهم فيقول أين شُرکائي الذين کنتُم تزعمون﴾ ويوم القيامة إنّ الله يُنادي المنافقين فيقول : لمن يحُاسبهم سلهُم أين شُركائي في الطاعة من خلفاء الجور الذين کنتُم تزعمون وتدَّعون وجوب طاعتهم ، ﴿قال الذين حقَّ عليهم القولُ ربَّنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهُم كما غَوَينا﴾ فيجيب خلفاء الجور الغاصبين لحقِّ آل محمدٍ ( عليهم السلام ) والذين حقَّ عليهم القول من الله بالخلود في الجحيم ربَّنا إنّ أتباعنا الذين أضللناهُم عن ولاية عليٍّ ( عليه السلام ) كما ضللنا نحنُ ، ﴿تَبرَّأنا إليك ما كانوا إيّانا يعبُدون﴾ : اليوم نتَبرَّأ منهم إليك حيثُ ما كانوا في إتّباعهم لنا يعبدوننا بل كانوا يعبدون الشيطان بطاعتهم لنا .
﴿وقيل ادعوا شُرکاءكُم فدعوهُم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنَّهم كانوا يهتدون﴾ فيقول لهم خزنةُ جهنَّم : نادوا الخلفاء الذين أشركتموهم في الطاعة مع الله فينادون يا أبا سفيان ويا معاوية ويا يزيد وَوَوَ . فلم يستجيبوا لهم هؤلاء وحينئذٍ رأوا العذاب محيطاً بهم فبعد هذا لولا يهتدون لولاية عليٍّ ( عليه السلام ) ، (﴿ويومَ يُناديهم فيقول ماذا أجبتُم المرسلين ؟﴾ ويوم القيامة ينادي المنافقين عليُّ بن أبي طالبٍ ( عليه السلام ) وهو قسيمُ الجنّة والنار وساقي الحوض فيقول لهم ماذا أجبتُم المرسلين حينما دعوکم لولايتی ؟؟؟ ﴿فَعُميت عليهم الأنباءُ يومئذٍ فهم لا يتساءلون﴾ ولكنّهم يحارون في الجواب حيث يرون صحيفة أعمالهم سوداء بعدائهم وبُغضهم وظُلمهم لعليٍّ والزهراء ( عليهما السلام ) فيصمُتون ولا يجيبون السؤال .
﴿فأمّا من تاب و آمن و عمل صالحاً فعسي أن يكون من المفلحين﴾ فأمّا من تاب من أتباع الخلفاء من عدائه لآل محمدٍ ( عليهم السلام ) كالحرّ بن يزيد الرياحي وزهير بن القين ومعاوية بن يزيد وآمن بولاية عليٍّ (عليه السلام) وعمل صالحاً لآل محمدٍ ( عليهم السلام ) فعسى أن يكون من أهل الجنّة ، ﴿وربُّك يخلقُ ما يشاء ويختار﴾ يا رسول الله إنَّ ربَّك هو خالقُ الخلق جميعاً ويخلقهم بمشيئته و إرادته وهو حکيمٌ مدبِّرٌ عليمٌ يختار لعباده النبيَّ والإِمام ، ﴿ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عمّا يشركون﴾ وما كان يحقُّ لهم أن يختاروا لأنفسهم نبيّاً أو إماماً وخليفةً أبداً لأنهّم لا يعلمون الغيب فسبحان الله وتعالى عمّا يشركون بطاعته طاعة خلفاء الجور، ﴿وربّك يعلم ما تُكِنُّ صدورهم وما يعلنون﴾ وإنّ ربّك يا حبيبي يعلم ما تخُفي صدورهم وقلوبهم من الحقد والحسد والحنق والغيظ لعليٍّ ولأهل بيتك ( عليهم السلام ) وما يُعلنون ، ﴿وهو اللهُ لا إلٰه إلاّ هو له الحمد في الاُولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون﴾ فالله هو عالمُ الغيب وهو اللهُ الواحد الأحد الذي لا شريك لهُ في الطاعة والعبادة له الحمد على نعمه في الدنيا والآخرة وله الحكم في تعيين عليٍّ ( عليه السلام ) للولاية وإليه ترجعون بعد الموت .
﴿قل أرأيتم إن جعل اللهُ عليکم اللّيل سرمداً إلى يوم القيامة من إلهٌ غير اللهِ يأتيكم بضياءٍ أفلا تسمعون﴾ قل للمنافقين يا حبيبي : لم ترَوا فضل الله ورحمته عليکم أن جعل لکم النهار بعد الليل فلو جعل عليکم الليل دائماً باقياً الى يوم القيامة كيف كان حالكم ومن غيرُ الله يأتيكم بالنهار ؟ فاشكروه وأطيعوا أمره بولاية آل محمدٍ ( عليهم السلام ) ، ﴿قُل أرأيتُم إن جعل اللهُ عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة مَن إلٰهٌ غيرُ اللهِ يأتيكم بليلٍ تسكنون فيه أفلا تبصرون ؟﴾ وقل لهم يا حبيبي : أفرأيتم لو جعل اللهُ عليكم النهار دائماً الى يوم القيامة فهل خليفتكم الذي انتخبتُم أو إلٰهٌ غير الله يأتيكم بليلٍ. تنامون وتستريحون فيه أفلا تبصرون ولاية الله عليكم ؟؟؟ ﴿ومن رحمَتِهِ جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلّكم تشكرون﴾ فمن رحمة الله عليکم وولايته التکوينيّة عليكم جعل لكم الليل مع النهار لتسكنوا وترتاحوا باللّيل ولتبتغوا الرِّزق وتعملوا في النهار ولعلّكم تشكرون اللهَ وتُوالون آل محمدٍ ( عليهم السلام ) .
﴿ويوم يُناديهم فيقول أين شركائي الذين كُنتُم تزعمون ؟﴾ ويوم القيامة يُنادي اللهُ المنافقين بواسطة رسول الله وعليٍّ ( عليه السلام ) فيقول لهم أين الآن الخلفاء الذين جعلتموهم شركائي في الطاعة وزعمتم أنهّم أوليائي فمكانهم الآن في الجحيم ، ﴿ونزعنا من كلِّ اُمّةٍ شهيداً فقلنا هاتوا بُرهانكم﴾ ويوم القيامة أقمنا من كلِّ جيلٍ من الأمّة إماماً معصوماً شهيداً من آل محمدٍ ( عليهم سلام ) فقُلنا لمخالفيهم هاتوا بُرهانكم في مخالفتهم ، ﴿فعلموا أنّ الحقّ للهِ وضلَّ عنهم ما كانوا يفترون﴾ فعندما يعجِزون عن البُرهانِ يعلمون أنَّ الحقَّ لله في دفاعِه عن محمّدٍ وأهل بيته ( عليهم السلام ) الطاهرين وتاهَ عن المنافقين ما كانوا يفترون على آل محمدٍ ( عليهم السلام ) ، ﴿إنّ قارون كان من قوم موسى فبغی عليهم وآتيناهُ من الکنوز ما إنَّ مفاتِحَهُ لتنوءُ بالعصبة اُولي القُوَّة﴾ فيا حبيبي قل لهم لا يتغترّوا بالمُلكِ والخلافة والأموال والثروات إذ أنَّ قارون كان من بني إسرائيل ثريّاً فطغى وظلم قومه وأعطيناه من كنوز الذَّهب والفضَّة ما أنَّ مفاتحِه لتثقُل على جماعةٍ أبطالٍ ! ﴿إذ قال لهُ قومه لا تفرح إنَّ اللهَ لا يحبّ الفرحين﴾ فبينما هو يظلمهم ويتجبَّر مغتّراً بكنوزِهِ وأمواله قال له قومه يا قارون لا تفرح الى حدِّ الطُّغيان بكنوزك فأنت لا تحملها الى القبر واللهُ لا يحُبُّ البطر والطُّغيان ، ﴿وابتغِ فيما آتاك اللهُ الدّارَ الآخرة ولا تنسَ نصيبك مِنَ الدُّنيا﴾ و قال له قومه موسى وهارون وغيرهما : يا قارون اطلب بواسطة ما أعطاك الله من الدنيا ثواب الدار الآخرة فلا تنسَ إنّ نصيبك من الدُّنيا ما تكسِبُ به الآخرة ، ﴿وأحسن كما أحسنَ اللهُ إليك ولا تبغِ الفساد في الأرض إنَّ اللهَ لا يحبُّ المفسدين﴾ وأحسن على المحتاجين بثروتك كما أحسن الله إليك ورزقك ولا تطلب الاحتكار والربا والبخل والفسوق في الأرض إن الله لا يحبّ المفسدين بل يبغضهم ، ﴿قال إنمّا اُوتيتُهُ على علمٍ عندي﴾ فأجابهم قارون قائلاً إنّ ما حصلتُ من الثروة والكنوز ليس إلاّ نتيجةً لعلم عندي بكيفيّة جمع الثروة من الرِّبا والقمار .
﴿أولمَ يعلم أنَّ الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشدُّ منه قوَّةً وأكثرُ جمعاً﴾ أولم يعلم يا حبيبي ولم يسمع أنَّ الله قد أهلك من قبله من الاُمم الماضية من هو أشدُّ قوّةً في جمع المال وأكثرُ جمعاً منه للثَّروات ؟؟؟ ﴿ولا يُسألُ عن ذنوبهم المجُرمون﴾ ومع ذلک كُلِّه فاللهُ سبحانه وتعالي أهلکهُ فلم تُنقِذُهُ أموالُهُ وثرواته وكنوزُه وهكذا فلا يُسألُ اللهُ بأيِّ ذنبٍ يُهلِكُ المجرمين ، ﴿فخرجَ على قومه في زينتِهِ قال الذين يُريدون الحياة الدنيا : يا ليتَ لنا مثلَ ما اُوتِيَ قارون﴾ فلمّا وعظوه ونصحوه خرج على قومه في حُليّهِ وحُلَلِهِ و خدمه وحشمه متحدّياً إيّاهم فقال الذين لا يؤمنون بالآخرة بل يريدون الدنيا: يا ليت لنا مثل ما اُوتي هذا الثريّ ، ﴿إنّه لذو حظٍّ عظيم﴾ وقالوا: إنَّ قارون بتملُّكِهِ لهذه الأموال والثروات لذوحظٍّ ونصيب وافر يمتازُ به علينا فهو أشرفُ مناّ .
﴿وقالَ الذّين اُوتوا العلم ويلكُم ثوابُ اللهِ خيرٌ لمن آمن وعمِل صالحاً ولا يُلَقّاها إلاّ الصابرون﴾ ولمّا رأوهُ المؤمنون الأتقياء أتباعُ موسى قالوا لهؤلاء الذين تمنَّوا مثل ما اُوتيَ قارون : الويلُ والثُّبورُ لكم لتمنّيكُم ذلك إذ الجنّة خيرٌ من ذلك للمؤمن المتّقي ولا ينالها إلاّ من صبر عن الحرام ، ﴿فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئةٍ ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين﴾ فدعا عليه موسی فخسفنا به وبداره الأرض فابتلعته مع كنوزه فما كان له جماعةٌ من خدم وحشمٍ ينصرونه من عذاب الله وما كان من المنتصرين بأمواله .
﴿وأصبح الذين تمنَّوا مكانه بالأمس يقولون : ويكأنَّ الله يبسط الرزق لمن يشاءُ من عباده ويقدر﴾ فلمّا رأوا هلاكه الذين تمنّوا أن يكونوا مكانه أثرياء حينما خرج عليهم بزينته أمس يقولون : و اعجباهُ إنَّ اللهَ هو يُوسِعُ الرِّزقَ لمَِن يشاءُ مِنَ الخلقِ ويُضيِّق عليه ، ﴿لولا أن مَنَّ اللهُ علينا لَخَسَف بنا ويكأنَّهُ لا يُفلِحُ الكافرون﴾ وقالوا لولا أن منَّ اللهُ علينا ورحمنا حيثُ لم يعطنا هذه الكنوز لكُنّا مثلهُ نطغى فحينئذٍ لخسَفَ بنا اللهُ الأرض واعجباً إنِّه لا يُفلِحُ الكافرون بنِعَمِ الله ؟؟ ﴿تِلكَ الدّار الآخرة نجعلُها للذين لا يريدون عُلُوّاً في الأرض ولا فساداً﴾ فيا حبيبي تلك الجنّة ونعيمها في الآخرة نجعلها ثواباً ومآباً للذين لا يريدون مُلكاً وخلافةً ورئاسةً محرَّمةً في الأرض ولا يريدون فساداً فيها ، والعاقِبَةُ للمُتّقين﴾ ويا حبيبي إنَّ العاقبة الحسنى المحمودة المقرونة بالفوز والفلاح هي للمُتّقين المؤمنين وشيعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقط لا غيرهم من المخالفين .
﴿من جاء بالحسنة فلهُ خيرٌ منها ومن جاء بالسيّئة فلا يجُزى الذين عملوا السيّئات إلاّ ما كانوا يعملون﴾ فالذي جاء بالحسنة والولاء لمحمدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم﴾ وآل محمدٍ ( عليهم السلام ) والعمل الصالح في الدّنيا فله خيرٌ من الدُّنيا وهي الجنّة ومن جاء بالسيّئة ومخالفتهم فلهُ النار ولا يجزیٰ المنافقون إلا ما كانوا يعملون ، ﴿إنّ الذي فَرَضَ عليكَ القرآن لرادُّكَ إلى معادٍ﴾ ويا حبيبي إذا تمَنَّيت الرّجوع إلى المدينة بعد حِجّةِ الوداع سالماً، فاعلم إنَّ الذي فرض عليك القرآن وأمرك بإبلاغ ولاية عليٍّ ( عليه السلام ) هو الذي سيرُدّك إليها ، ﴿قُل ربِّي أعلمُ بمن جاء بالهُدیٰ ومن هو في ضلالٍ مبين﴾ وقل يا حبيبي بعد أن تُبلِّغ ولاية عليٍّ ( عليه السلام ) إلى الناس : ربيِّ أعلم من كُلِّ عالمٍ بمن جاء بالهُدی وولاية عليٍّ ( عليه السلام ) ومن هو في ضلالٍ واضحٍ يضمرُ له العداء ، ﴿وما كنتَ ترجو أن يُلقیٰ إليه الكتاب إلاّ رحمةً من ربّك﴾ فيا حبيبي ما كُنتَ ترجو أو تأمَلُ من الله أن يُلقى إليك الوحي بشأن الإِمامة والولاية من بعدك إلاّ لعليٍّ ( عليه السلام ) رحمةً من ربّك لأُمّتك ، ﴿فلا تكوننَّ ظهيراً للكافرين﴾ فلا تكن يا حبيبي ظهيراً للمنافقين المجرمين المناوئين لعليٍّ ( عليه السلام ) والكافرين بولايته بعد إبلاغ ما اُنزل إليك من ربّك في عليٍّ ( عليه السلام ) وأخذِ البيعة منهم ، (ولا يصدَّنّك عن آيات الله بعد إذ اُنزِلَت إليك﴾ فيا حبيبي لا يصدّونك هؤلاء المنافقين عن آيات الله النازلة بشأن عليٍّ ( عليه السلام ) بعد إذ اُنزِلَت إليك فتخشى أن تبلّغهم بها ، ﴿وادعُ إلى ربّك ولا تکوننَّ من المشركين﴾ بل توكَّل علي الله ولا تخشَ إلاّ الله وادعُ النّاس إلى أمرِ ربّك بالتمسُّك بولايةِ محمدٍ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وآل محمٍد ( عليهم السلام ) والبيعة لعليٍّ ( عليه السلام ) ولا تكونَنَّ من المشركن أحداً غيره في الخلافة إ!.
﴿ولا تَدعُ مع اللهِ إلهاً آخر لا إله إلاّ هُو﴾ ويا حبيبي لا تدع الناس لطاعة أحدٍ مع الله فيكون إلهاً آخر مع الله سبحانه وحده لا شريك له ولا إله إلاّ هو فحسب ، ﴿كلّ شيءٍ هالكٌ إلاّ وجههُ لهُ الحكمُ وإليه تُرجعون﴾ وكلّ شيءٍ حيٌّ هالكٌ بمشيئتِهِ سبحانه ولا يبقى إلاّ وجهه الكريم لهُ الحكم النافذ بشأنِ الولاية والخلافة وإليه ترجعون ، ( صدق الله العليّ العظيم ) .

نشر في الصفحات 508-491 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد الأول

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *