سورة الحجّ
2016-06-18
سورة سليمان (ع)
2016-06-18

(24)
سورة الملائكة (ع)

﴿بسمِ اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيم ، أَلحَمدُ للهِ فاطِر السَّماواتِ والأرض﴾ بإسم ذاتي الرُّبوبيّ الخلاّق البارىء ورحمتي الواسعة ورحيميّتي الخاصة أوحي إليك بأنَّ الحمد والثَّناء كلّه لله خالق السماوات والأرض ، ﴿جاعل الملائكة رُسُلاً أُولي أجنحةٍ مثنیٰ وثُلاثَ ورُباع﴾ والله هو الذي يجعل لرسالته من يشاءُ لا أنتم أيُّها البشر، كما جعل الملائكة رُسُلاً لها مراتب في الخلق والرُّتبة صاحبات أجنحةٍ ثنتان وستّةٍ وثمانية ومثنیٰ أي أربعةٍ ، ﴿يزيد في الخلق ما يشاءُ إنَّ الله على كلِّ شىءٍ قدير﴾ فهو الذي يجعل من الملائكة وغيرها رُسُلاً ويزيد في الخلق ما يشاء كما يشاء حيث يشاء إذ لا حدَّ لقدرته فهو على كلّ شيءٍ قدير، ﴿ما يفتحِ اللهُ للنّاس من رحمةٍ فلا ممُسِكَ لها﴾ كما أنّهُ حين يخصُّ أحد خلقِهِ بشيءٍ كالولاية ويفتحُ بها للناس رحمةً واسعةً فلا يقدِرُ أحدٌ على منعها ، ﴿وما يمُسك فلا يُرسل له من بعدِهِ وهو العزيزُ الحكيم﴾ وأمّا إذا مَنَعَ اللهُ خلقَه من رحمةٍ فلا مطلق للرحمة أحدٌ دونه فالأمر بيده وليست الولاية إختياريّة بل الله يخصُّ أحداً دون غيره بعزَّته و حکمته .
﴿يا أيّها الناس اذکروا نعمة الله عليکم هل من خالقٍ غير الله﴾ يا أيّها الناس الذين نخاطبهم بالقرآن وأيّها المسلمون اذكروا نعمة الله عليكم ابتداءً بخلقكم من العدم فهل خالقٌ لكم غير الله ؟ ﴿يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلاّ هو فأتّیٰ تُؤفكون﴾ وإنّه هو يرزقكم بعد أن خلقكم ويتكفّل برزقكم من السماء بالأمطار والشمس ومن الأرض بالزَّرع والمعدن والصيّد لا ربَّ غيره فأين تصرفون وجوهكم ؟ ﴿وإن يُكذّبوك فقد كُذّبت رُسُلٌ من قبلِكَ وإلى الله تُرجَع الاُمور﴾ يا رسول الله إن كان المنافقون بدل أن يذكروا نعمة الله عليهم بولايتك وولاية أهل بيتك ( عليهم السلام ) فهم يكذّبوك فلا تحزن حيث كُذّبت رسُلٌ من قبلك والعاقبة تكون لك فإنّ الاُمور تُرجَعُ الى الله ، ﴿يا أيّها الناس إنّ وعدَ اللهِ حقٌّ﴾ يا أيّها الناس جميعاً وأيّها المسلمون إعلموا يقيناً بأنَّ وعدَ الله بنصر نبيِّه وأهل بيته ( عليهم السلام ) على أعدائهم والإِنتقام منهم بعذابه حقٌّ وصدقٌ ﴿فلا تَغُرَّنّكم الحياة الدّنيا ولا يغُرَّنّكم بالله الغَرور﴾ فلا تخدعكم مغريات الحياة الدنيا وملاذها وشهواتها ولايخدعکم ويغريکم بجهله عن الله الشخص الغرور المغترّ خليفة الجور المناوىء لعليٍّ ( عليه السلام ) .
﴿إنّ الشيطان لکم عدوٌّ فاتخذُوهُ عدوّاً إنمّا يدعو حزبَهُ ليکونوا من أصحاب السَّعير﴾ إنَّ هذا الشّخص الغرور المنافق هو شيطانٌ وعدوٌّ لكم فلا توالوه وتتَّخذوه خليفةً بل عادوه فلا يدعو حزبهُ المخالفين لعليٍّ ( عليه السلام ) إلاّ الي الجحيم ، ﴿الّذين كفروا لهم عذابٌ شديد﴾ فالذين کفرو بالله و برسوله وبولاية عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) لهم عذابٌ شديدٌ في نار جهنَّم يوم القيامة ، ﴿والّذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبيرٌ﴾ ولكنّ الشيعة الذين آمنوا بالله ورسوله وأهل بيته وعملوا الصالحات والعبادات والخيرات لهم مغفرةٌ من الله وثواب الجنّة أجرٌ کبيرٌ، ﴿أفَمَن زُيِّنَ لهُ سوءُ عَمَلِهِ فرآه حسناً فإنّ الله يضلُّ من يشاء ويهدي من يشاء﴾ هل يستوي من ينظُرُ بمنظارِ الحقّ ومَن زَيَّنَ له الخلفاء سوءُ عمله فرأى معاداة عليٍّ ( عليه السلام ) حسناً ؟ فإنّ الله يتركه في ضلاله وهو يهدي من والى عليّاً ( عليه السلام ) ، ﴿فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ إنّ الله عليمٌ بما يصنعون﴾ فيا رسول الله لا ينبغي أن تُتلِف نفسك بالحسرات عليهم بل دعهم في ضلالهم ومصيرهم للجحيم إذ أنَّ الله جِدُّ عالمٌ بأعمالهم .
﴿والله الذي أرسَلَ الرِّياح فتُثيرُ سحاباً فسُقناهُ إلى بلدٍ ميّتٍ﴾ والولاية رحمةٌ إلهيّةٌ وفيضٌ من الله كالمطر فالله حينما يُرسل الرِّياح فتُحرِّك سحاباً كي تمطر ثُمَّ يسوقها الى الأراضي القاحلة الجافَّة، ﴿فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النُّشور﴾ فيُحيي بها الأرض الميتة الجافة القاحلة بالزَّرع والكلأ فهكذا الولاية فهي تحُيي القلوب الميّتة في الدنيا وهكذا في القيامة ، ﴿مَن كان يُريدُ العزة فَللِّهِ العِزّةُ جميعاً﴾ فمن كان يريد الحياة الواقعية ويريد إحياء قلبه وروحه من موت الجهل والكفر والنفاق ويريد العزّة فعليه بموالاة محمدٍ وآله ( عليهم السلام ) فالعزّة كلّها لله ، ﴿إليه يصعَدُ الكلمُ الطيِّب والعملُ الصالح يرفعه﴾ وطريق الحصول على هذه العزّة كلّها هي الإِقرار بالإِيمان بالله ورسوله وأهل بيته ( عليهم السلام ) باللّسان والكلمُ الطَّيّب ثمَّ يقرنُهُ بالعمل الصالح الذي يرفعه الله إليه .
﴿والذين يمكرون السيّئات لهم عذابٌ شديدٌ ومكرُ أُولئك هو يبور﴾ وأمّا الذين يمكرون بمحمّدٍ وأهل بيته وبعليٍّ والزهراء ( عليهم السلام ) وشيعتهم المكر السيّىء فلهم عذابٌ شديدٌ يوم القيامة ومكرُ المنافقين يفنیٰ بالبوار والهلاك، ﴿والله خلقكم من ترابٍ ثمَّ من نطفةٍ ثُمَّ جعلكم أزواجاً﴾ والله سبحانه هو مولاکم ومديّر اُمورکم ووليِّكم الذي خلقكم وخلق آدم أباكم من ترابٍٍ ثمَّ خلقكم من نطفة المنيّ ثمَّ جعلكم أزواجاً تتناسلون ، ﴿وما تحمِلُ من اُنثى ولا تضعُ إلاّ بعلمه﴾ وعندما تدخل النُّطفة في الأرحام فتحمل النساء فلا يعلم ما حملت إلاّ الله ومَن علَّمهُ الله ولا تضَعُ الاُنثى إلا بعلمه تعالى ، ﴿وما يُعَمَّرُ من مُعَمَّرٍ ولا ينقصُ من عمره إلاّ في كتابٍ إنّ ذلك على الله يسير﴾ وكذلك مدّة الحياة والعيش في الدُّنيا وعُمر الإِنسان فذلك مكتوبٌ في اللّوح المحفوظ لا يعلمه إلاّ المعصوم الذي تنزل الملائكة والروح عليه ليلة القدر وذلك سهلٌ على الله ، ﴿و ما يستوي البحرانِ هذا عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابه﴾ فلا يستوي الوليّ المعصوم مع غيره ولا يستوي البحران فبحرُ علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) هو عذبٌ فراتٌ مريءٌ سائغٌ حلوٌ شرابهُ ، ﴿وهذا مِلحٌ أجاجٌ ومن كُلٍّ تأكلون لحماً طريّاً وتستخرجون حليةً تلبسونها﴾ ومستنقع جهل المنافقين مرٌّ ومجٌّ وملحٌ اُجاجٌ وإن كانت البحار العذبة والمالحة كلّها فيها الأسماك واللّئالىء وغيرها ، ﴿وتری الفُلک فيه مواخِر لتبتغوا من فضله ولعلَّکم تشکرون﴾ ولکن کما أنّکم ترون السُّفن تشقُّ عباب البحار فكذلك أهل البيت ( عليهم السلام ) هُم سُفُن النّجاة في لُجَجِ البحار فتذكَّروا لعلّكم تشكرون نعمة ولايتهم .
﴿يولج اللّيل في النهار ويولج النّهار في اللّيل وسخّر لكم الشمس والقمر﴾ فالله هو وليُّ السماوات والأرض يدخل الظَّلام في الضياء بحركة الأرض حول نفسها ويدخل الضوء في الظلام وسخَّر لكم الشمس والقمر دائبين ، ﴿كلٌّ يجري لأجلٍ مسمّىً ذلكم اللهُ ربُّكم لهُ الملك﴾ وكلٌّ من الشمس والقمر يسير في مدارِ معيَّن محدودٍ بقدرته تعالى لا يحيد عنه فذلكم قدرة الله ربّكم له الملكُ الحقيقي، ﴿والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير﴾ وأمّا خلفاء الجور وسلاطين الظّلمة الغاصبين للملك والخلافة لا يملكون ملكاً حقيقياً بمقدار قِشرِ الحبَّة والنّواة ، ﴿إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءکم ولو سمعوا ما استجابوا لکم﴾ إن تدعوا هؤلاء الملوك والخلفاء لحوائجكم فلا يستمعون لكم ولو استمعوا فهم لا يستجيبون لطلباتكم في الدُّنيا، ﴿ويوم القيامة يكفرون بشرکكُم ولا يُنبِّئك مثلُ خبير﴾ وأمّا في يوم القيامة فهم أعجزُ منكم فيكفرون بشركِكُم في طاعتكم لهم بدلاً عن الله ولا يخبرُكَ عن يوم القيامة أحدٌ كاللهِ تعالى فهو خبيرٌ بأحوالها .
﴿يا أيّها الناس أنتُم الفُقراء إلى الله واللهُ هو الغنُّي الحميد﴾ يا أيّها الناس المخاطبون بالقرآن إعلموا بأنّكم تفتقرون إلى رحمة الله وفضله في الدّنيا والآخرة فتمسّكوا بذيلِ رحمته وهم أولياءه، والله غنيٌّ عنكم ومحمودٌ في أفعالِهِ ، ﴿إن يشأْ يُذهبكُم ويأتِ بخلقٍ جديدٍ وما ذلك على الله بعزيزٍ﴾ فالله غنيٌّ عنكم وعن تمسُّككم بالقرآن والعترة فإن لم تفعلوا ربمّا تقضى مشيئتُهُ بأن يُهلكَكُم ويأتِ باُناسٍ غيركم يُوالونَ آل محمدٍ ( عليهم السلام ) وما ذلك بصعب على الله، ﴿ولا تَزِرُ وازرةٌ وِزرَ اُخریٰ﴾ واعلموا أيّها النّاس إنّه لا تحمل نفسٌ آثِمةٌ حملَ نفسٍ اُخریٰ في الحساب يوم القيامة فَكُلٌّ مسؤولٌ عن عمله ، ﴿وإن تَدْعُ مُثقَلةٌ إلى حِملها لا يحمل منه شيءٌ ولو كان ذا قُربیٰ﴾ واعلموا أيضاً إن تطلُب نفسٌ مُثقلَةٌ بالأوزارِ والذّنوب أحداً الى حمل الأوزار عن عاتقها لا يحمل منها شيءٌ حتى ولو كان المدعوُّ للحمل رحماً قريباً، ﴿إنمّا تُنذِرُ الّذين يخشون ربهَّم بالغيب وأقاموا الصَّلاة﴾ وأنتَ يا رسول الله إنمّا تُنذِرُ بهذا المؤمنين من شيعة آل محمدٍ ( عليهم السلام ) الّذين يخشَونَ الله ويخافونه في السِّرِّ والعلانية ويُقيمون الصلاة الصحيحة من غير بدعةٍ ، ﴿ومن تزکّیٰ فإنمّا يتزكّى لنفسه وإلى الله المصير﴾ ومن يؤدّي الزكاة من هؤلاء الشيعة الذين يخشون ربهَّم فإنمّا يتزکّیٰ لنفسه سينالُ ثوابَهُ و أجرهُ العظيم ومصيرُهُ إلي رحمة الله ، ﴿وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظُّلماتُ ولا النّور ولا الظِّلُّ ولا الحَرور﴾ واعلموا أيّها الناس أنّه لا يتساويان في الرؤية الأعمی والبصير فكذلك لا يستوي المنافق والمؤمن الشيعيّ و لا تستوي الظُّلمات والنور ولا الظلّ والهجير ، ﴿وما يستوي الاحياء ولا الأموات إنّ الله يُسمِعُ من يشاءُ وما أنت بمُسمعٍ من فی القبور﴾ کما لا يستوي الأحياء ولا الأموات فالشيعة أحياءٌ وأعداءهم كالأموات إنّ الله يُسمِعُ بهذا المثل من يشاءُ من عباده وما أن بمُسمِع بها المنافقون الميِّتة ضمائرهم ، ﴿إن أنتَ إلاّ نذيرٌ إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً وإن من اُمّةٍ إلاّ خلا فيها نذيرٌ﴾ فعليك يا حبيبي الإِنذار إن أنت إلا نذيرٌ إنّا أرسلناك إليهم بالحقِّ لتُبشِّرهم بالولاية وتنذرهم بمخالفتها وما من أمّةٍ إلاّ سَلَفَ فيها نبيٌّ يُنذرهم ، ﴿وإن يكذّبوك فقد كذَّب الذين من قبلهِم جاءتهُم رسُلُهم بالبيّنات وبالزُّبُر وبالكتابِ المُنير﴾ فبعد أن بَلَّغتَ ما اُنزِلَ إليكَ مِن ربّك فإن يُكذِّبوك المنافقون فهَوِّن عليك حيث قد كَذَّبَ الذين من قبلِهم رُسُلَهُم الذين جاؤوهم بالمعاجز والآيات والكُتُب والتوراة والإِنجيل ، ﴿ثُمَّ أخذتُ الذين كفروا فكيفَ كان نكير﴾ وبعد أن كذّبوهم أخذتُهُم وعاقبتهم بتكذيبهم فأهلكتهم ودمَّرتهم فكيف إنكاري لمنكراتهم برأيك يا حبيبي ؟؟؟ ﴿ألمَ تَرَ أنَّ اللهَ أنزَلَ من السماءِ ماءً فأخرجنا بهِ ثمراتٍ مختلفاً ألوانها ﴾ ألمَ تُشاهِد يا رسول الله أنَّ الله أنزَلَ من السماء المطر والمُزنَ فأخرَجَ به الأرض اليابسة ثمراتٍ مُتَنوّعة الأشكال فكذلك ولايتکم، ﴿ومن الجبال جُدَدٌ بيض وحُمرٌ مخُتلِفٌ ألوانها وغرابيبُ سود﴾ وكاختلافِ أنواع الثّمرات والنّبات هو اختلافُ أشكالِ الجماد فتشاهد الجبال منها قُلَلٌ بيضاءَ وحمراء وغيرها وصخورٌ سوداء ، ﴿ومنَ الناس والدّواب والأنعام مخُتَلِفٌ ألوانه﴾ وكاختلافِ الجماد والنّبات هو اختلاف الناس فترى الأبيض والأسود والأصفر وكذا الدواب والأنعام فهي مختلفة الأنواع ، ﴿كذلك انمّا يخشی الله من عبادِهِ العلماءُ إنَّ الله عزيزٌ غفور﴾ فليس كلُّ إنسانٍ كامِلٌ بل ليس الإِنسانُ الكامِلُ الذي يخشیٰ اللهَ سوى العلماءُ المتمسّكون بالولاية من عبادِهِ إنَّ الله عزيزٌ في حُكمِهِ غفورٌ لعباده الشّيعة .
﴿إنَّ الذين يتلون كتابَ الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرّاً وعلانيةً﴾ وهؤلاء العلماءُ المتمسّكون بالولاء هُمُ الذين يتلون القرآن وعملوا به وأقاموا الصَّلاة الصحيحة وأنفقوا الخُمسَ والزّكاة خُفيةً وجهراً ، ﴿يرجون تجارةً لن تبور﴾ وهؤلاء العلماء المؤمنون الأتقياء الشّيعة المخلصون يرجون عند الله تجارةً وثواباً جزيلاً لن تفنیٰ ولن تتلف ، ﴿ليوفّيهم اُجورهم ويزيدهم من فضلِهِ إنّه غفورٌ شكور﴾ وبالتأكيد إنّ الله سيُوفّيهم ثوابهم وأجرهم ويزيد في أجرهم أكثر من عملهم تفضُّلاً منه إنَّ الله غفورٌ لذنوبهم شكورٌ لطاعاتهم ، ﴿والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحقُّ مصدِّقاً لما بين يديه إنّ الله بعبادهِ لخبيرٌ بصير﴾ ويا حبيبي نؤكِّد هنا إنّ الذي أوحينا إليك بشأنِ الولاية من القرآن هو الحقُّ المؤكَّد تصديقاً لما بين يديك من الإِمامة والخلافة إنَّ الله خبيرٌ بمصالِحِ عبادِهِ بصيرٌ بشؤونهم ، ﴿ثُمَّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا﴾ وبعد أن أوحينا القرآن إليك يا حبيبي أورثناهُ بعدك عليّاً والحسن والحُسين والتسعة المعصومين من ذرّيّة الحسين ( عليه السلام ) الذين اصطفيناهم من عبادنا للولاية ، ﴿فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مُقتصِدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير﴾ فمِنَ المعصومين من يظلم نفسه بالعمل بالقرآن وهو عليٌّ ( عليه السلام ) حيثُ يحُرِم نفسه الأطعمة المتنوَّعة ويكتفي بخُبزِ الشَّعير ومنهم من يکون معاشهُ الإِقتصاد في المؤنةِ کأغلبهم ومنهم من يعرف بالجود والكرم لأنّه سابقٌ بالخيرات كالحسنِ والجواد ( عليهم السلام ) أو سابقٌ في الإِيمان وهو عليٌّ ومنهم من يكون بالشّهادة سابقٌ بالخيرات كالحُسين ، كلُّ ذلك بإذن الله وبفضله الكبير يرِثون الكتاب ، ﴾جنّات عدنٍ يدخلونها يحُلَّون فيها من أساوِرَ من ذهبٍ ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير﴾ وجزاءً لهم سيدخلون جنّات خلودٍ وأمانٍ فتُلبِسُهُم الحورُ العين الحُلَل الكريمة ومنها في أيديهم أسوِرَةٌ ذهبيّةٌ مخوصةٌ باللّؤلؤ وألبِسَتُهُم في الجنّة من الحرير الخالص ، ﴿وقالوا الحمدُ لله الذي أذهب عنّا الحَزَن إنَّ ربَّنا لغفورٌ شكور﴾ فعند ذلك يقولون : ألحمدُ لله على أن أزاحَ عنّا المصائب والأحزان التي لاقيناها في الدُّنيا من أعدائنا المنافقين إنَّ الله غفورٌ لشيعتنا شكورٌ لنا ولهُم ، ﴿الذي أخَلَّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصَبٌ ولا يمسّنا فيها لغوب﴾ ويقولون : ألحمدُ لله الذي أسكننا دار الخلود والرّحمة والإِستقرار والأمن من فضله لا ينالنا في الجنّة تَعَبٌ ولا ينالنا فيها كلَلٌ أو مَلَلٌ أو كَسَلٌ ، ﴿والذين كفروا لهم نارُ جهنَّم لا يُقضیٰ عليهم فيموتوا ولا يُخَفَّف عنهم من عذابها كذلك نجزی کلَّ کفور﴾ وأمّا الذين كفروا بالله وبولاية محمدٍ وآله فلهم جزاءُ كفرهم نارُ جهنَّم لا يُحكَمُ عليهم بالموت فيموتوا ويستراحوا ولا يُخَفَّفُ عنهم من عذاب جهنّم بذلك نجزي كلَّ كفورٍ بالولاية ، ﴿وهُم يصطرِخون فيها ربَّنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كُنّا نَعمَل﴾ وهؤلاء المنافقون المخالفون لمحمدٍ وآله ( عليهم السلام ) يصرخون في جهنَّم ويُعولون ويُنادون ربَّنا أخرجنا منها نعمل عملاً صالحاً وتتمسَّك بالثَّقلَين ولا نخالف الولاية .
﴿أوَلمَ نُعَمِّركم ما يتذكّر فيه من تَذَكَّر وجاءكُم النّذير فذوقوا فما للظالمين من نصير﴾ فتُجيبُهم ملائكةُ الغضب عنِ الله ألم نُعَمِّركم في الدُّنيا ولكن ما تذكَّرتُم بالإِنذار الذي جاءكم به رسول الله فذوقوا العذاب فما لأعداءِ أهل البيت ( عليهم السلام ) من ناصِرٍ ينصرُهُم ، ﴿إنّ الله عالمُ غيب السّماوات والأرض إنّه عليمٌ بذاتِ الصُّدور﴾ إنّ ما ذكرناهُ هو الغيبُ مِنَ الله وهو عالمُ غيب السماوات والأرض والدّنيا والآخرة وهو جِدُّ عالم بمقاصد الناس ونيّاتهم وما في ضمائرهم ، ﴿هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كُفرُه ولا يزيدُ الظالمين كفرُهم عند ربهِّم إلاّ مقتاً﴾ فيا أيّها المسلمون إنّ اللهَ هو الذي جعلكم مستخلفين في الأرض بعد الاُمم فمن كفر بولاية محمدٍ وآل محمدٍ ( عليهم السلام ) فعليه وبالُ كُفرِهِ ولا يزيدُ الظالمين كفرُهم بالولاية عند الله إلا بغضاً وشنآناً، ﴿وا يزيدُ الكافرين كفرُهُم إلاّ خساراً﴾ ولا يزيد الكافرين بولاية محمدٍ وأهل بيته ( عليهم السلام ) والآيات النّازلة بشأنهِم في القرآن كفرُهُم بهم وبولايتهم إلاّ خسارةً لأنفسهم .
﴿قُل أرأيتُم شركاءكم الذين تدعون من دون الله ِأروني ماذا خَلَقوامن الأرضِ ؟﴾ وقل لهم يا حبيبي : اُنظروا إلى من أشركتم طاعتَهُ بطاعةِ الله ممِِّن تدعون من دون الله وأوليائه من خلفاء الجور أخبروني ماذا خلقوا من الخلق في الأرض ؟؟؟، ﴿أم لهُم شِركٌ في السّماوات أم آتيناهم كتاباً فهُم على بيّنةٍ منه﴾ أم أخبروني هل لهم شركةٌ مع الله في السماوات وخلقها ؟ أم هل آتيناهم وحياً وكتاباً ونصّاً على خلافِتهم فيكونوا على بيّنةٍ منه ؟ ﴿بَل إن يَعِدِ الظّالمون بعضُهُم بعضاً إلاّ غروراً﴾ كلّ ذلك بديهيٌّ الجواب فليس لهم أيّ دليلٍ أوحجّةٍ بل ما يُوعِد خلفاءُ الجور أتباعهم المنافقون إلاّ باطلاً وإغراءً بالجهل وإغتراراً بالدُّنيا وتغريراً، ﴿إنّ اللهَ يمُسِك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهُما من أحدٍ من بعده إنّه كان حليماً غفوراً﴾ فليس لله شريكٌ في قدرته وهو وحده يمُسِك السماوات والأرض من الزوال والفناء وحينما تفنيان فمن يمُسِکهما حينئذٍ سواهُ إنّه يحلمُ ويغفر ولولا ذلك لأزال الظالمين فوراً ، ﴿وأقسموا بالله جهد أيمْانهم لئن جاءهم نذيرٌ ليكوننَّ أهدى من إحدى الاُمم﴾ ويحلف المنافقون و الظالمون المخالفون لآل محمدٍ ( عليهم السلام ) بغاية جهدهم في الأْيمان و يقولون نحَلِفُ أن نُطِيعكَ غاية الجهد يا محُمَّد ونحلِفُ أن نكونَ أهدى من اليهود والنصاری ، ﴿فلمّا جاءهم نذيرٌ ما زادهم إلاّ نفوراً إستکباراً فی الأرض ومکرَ السَّيِّیء﴾ ولکن حينما جاءهم محمدٌ ( صلّی الله عليه وآله وسلّم ) نذيرٌ فأنذرهم إذا خالفوا عليّاً ( عليه السلام ) ولكن ما زادهُم الإِنذارُ إلاّ نفوراً من عليٍّ ( عليه السلام ) وإستكباراً عليه بغصب الخلافة ومكرَ السّوء ، ﴿و لا يحيقُ المكرُ السّيىء إلاّ بأهله فهل ينظرون إلاّ سُنّة الأوّلين﴾ ولكن ليعلموا أنّه لا يحيط مكرَ السوء إلاّ بمن مكر ولا ينال علياً وولده ( عليهم السلام ) فهل ينتظرون عقاباً سوى عقاب الأوّلين وسنّة الله فيهم الهلاك ، ﴿فلن تجدَ لسُنّة الله تبديلاً و لن تجَِدَ لسُنّةِ الله تحويلا﴾ فقد أهلَكَ الله الأوّلين فسَيُهلك هؤلاء فلن تجد لسنّة الله في الاُمم الظالمة تبديلاً ولن تجد لسُنّة الله وعقابه عن المنافقين تحويلاً .
﴿أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشدّ منهم قوّة﴾ ، ألم يعتبر هؤلاء المنافقون ؟ ألم يسافروا و يسيحوا فينظروا كيف أهلك اللهُ الظالمين فكيف كانت عاقبةُ الاُمم الماضية بعد أن كانوا أشدَّ قوَّةً من المنافقين ، ﴿وما كان الله ليُعجزُهُ من شيءٍ في السماوات والأرض إنّه كان عليماً قديراً﴾ فقطعاً ويقيناً بالحسِّ والوجدان ما كان اللهُ ليعجز عن الإِنتقام منهم ولا يعجزه شيءٌ في السماوات والأرض فهو قادرٌ على ما يشاء فسينتقِم بقُدرته منهم إنّه عليمٌ قادرٌ بالإِنتقام ، ﴿ولو يؤاخِذُ اللهُ الناس بما كسبوا ما تركَ على ظهرها من دابّةٍ ولكن يؤخِّرهم إلى أجلٍ مسمّىً﴾ ولو يحاسِبُ اللهُ الناس ويعاقبهم بما كسبوا من مخالفة آل محمدٍ ( عليهم السلام ) لأهلك من عليها من مخالفي أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين هم كالدّواب ولكن يؤخِّرهم ليوم قيام القائم المهديّ ( عجّل الله تعالى فرجه ) ، ﴿فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعبادِهِ بصيرا﴾ فإن حان أجلُ معاقبة الظالمين ومؤاخذتهم والإِنتقام منهم بسيف المهديّ من آل محمدٍ ( عليهم السلام ) فحينئذٍ إنّ اللهَ بصيرٌ بالمنافقين وغيرهم فلا يفلتون من العذاب . ( صدق الله العليُّ العظيم )

نشر في الصفحات 474-465 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد الأول

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *