سورة العلق
2016-06-16
سورة التطهير
2016-06-16

(3)
سورة الأنفال و البراءة

﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾
باسم ذاتي القدسي المتوحد المنّان ، و باسم رحمانيتي الواسعة و رحيميتي الخاص بك و بأهل بيتك و شيعتهم أوحي إليك . ﴿يسألونك عن الأنفال﴾ يا رسول الله يسألك الناس عن حکم الأنفال لمن ستکون وهي کل ما غنمته بغير قتال کفدك و صفايا الملوك و الأودية و الآجام و رؤوس الجبال و ميراث من لا وارث له . ﴿قل الأنفال لله و الرسول فاتّقوا الله و أصلحوا ذات بينکم و أطيعوا الله و رسوله ان کنتم مؤمنين﴾ قل لهم ان الأنفال هي لله ولي و للإِمام المعصوم من أهل بيتي من بعدي لا يحقّ لغيرنا التصرف فيها بغير إذننا فاتّقوا الله و أصلحوا ذات بينکم مع أهل بيتي و أطيعواالله و رسوله في هذا الحکم ان کنتم مسلمين .﴿انّما المؤمنون الذين إذا ذُکر الله وجلت قلوبهم و إذا تُلِيتْ عليهم آياته زادتْهم ايماناً و علی ربّهم يتوکّلون﴾فالإيمان ليس بالادعاء بل انّما المؤمنون هم الذين حينما يذکر الله بوحيه تخشع قلوبهم لله و حينما تُتلی عليهم آياته بشأن حقّ آل محمد زادتهم إيماناً بولايتهم و علی ربّهم يتوکّلون في أداء حقوقهم. ﴿الذين يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون أُولئك هم المؤمنون حقّاً﴾ فشيعة آل محمد الذين يقيمون الصلاة مثلهم من غير بدعة ثم ينفقون الخمس مما رزقناهم لآل محمد و ذريتهم و يسلمونهم الأنفال فاُولئك هم المؤمنون حقّاً و صدقاً .﴿لهم دَرجاتٌ عند ربّهم و مغفرةٌ و رزقٌ کريم﴾ فالشيعة المؤمنون حقّاً سيکون لهم يوم القيامة عند ربّهم درجات في الجنان رفيعة مع مواليهم و لهم مغفرة من الله لذنوبهم و لهم رزق بإکرام من الله .﴿کما أخرجك ربُّك من بيتك بالحقّ و إن فريقاً من المؤمنين لکارهون﴾ و إنّما خصّك الله بالأنفال لأنّ أصحابك لم يوجفوا عليها بخيل و لا رکاب کما أخرجك الله إليها من بيتك بالحق و دفاعاً عن الحق و ان جماعة من المسلمين کانوا يکرهون خروجك . ﴿يجادلونك في الحق بعدما تبيّن کأنّما يُساقون الی الموت و هم ينظرون﴾ و هؤلاء الصحابة الکارهون لخروجك کانوا يجادلونك في الجهاد بعد ما تبيّن عزمك و إقدامك عليه و کانوا کأنّهم يساقون نحو الموت الذي يشاهدونه بأمّ أعينهم خائفين . ﴿و إذ يعدکم الله إحدی الطائفتين أنّها لکم و تودّون أن غير ذات الشّوکة تکون لکم﴾ و لکنّك أنت و علي و شيعتکم خرجتم لله فوعدکم الله النصر و الغلبة علی إحدی الطائفتين إما العير و إما النفير فستغنموها ، فوددتم أن تکون العير لکم لقلة بأسها و سلاحها . ﴿و يريد الله أن يُحِقَّ الحَقَّ بکلماته و يقطع دابر الکافرين﴾ و لکن الله أراد إرادة حتم أن يحقّ الحقَ و العدل و الإسلام بکلمات وحيه فأمرکم بقتال النفير لهم فنصرکم عليهم بسيف عليّ و قطع دابر المشرکين و بني اُميّة و اليهود . ﴿لِيُحِقَّ الحقّ و يبطل الباطل و لو کره المشرکون﴾ و يحقق الله النصر للحق بمحمد و آل محمد و شيعتهم و يبطل الله بهم الباطل المتمثل في أعدائهم حتماً و لو كره ذلك مشرکو قريش و بنو اُميّة . ﴿إذ تستغيثون ربّکم فاستجاب لکم أني ممدّکم بألفٍ من الملائکة مردفين﴾ و حصل ذلك حينما طلبتم الإغاثة من ربّکم يا آل محمد فاستجاب الله لکم دعاءکم فبشّرکم بأنيّ أعينکم بألف مقاتل من الملائکة متتابعين من السماء إلی الأرض . ﴿و ما جعله الله إلاّ بُشری و لتطمئنّ به قلوبکم و ما النصر إلاّ من عند الله إنّ الله عزيز حکيم﴾ و ما جعل الله استجابة دعاءکم إلاّ بشارة لكم بالنصر والغلبة لكي تكون سبباً لاطمئنان قلوبكم ويقينكم بالنصر و ليس النصر إلاّ من جانب الله إنّ الله عزيز يعزّکم وحکيم ينصرکم .
﴿إذ يغشّيكم النعاس أمَنةً منهُ و ينزّل عليکم من السماء ماءً ليطهّرکم به﴾ وتذكروا يا شيعه محمّد وآله إذ غشيكم النوم وغطاكم ليلة الحرب حتى الصباح فحصلت لكم الأمنه والراحة والقوة الجديّة ونزل عليكم من السماء مطراً للشرب والطبخ والتغسيل ﴿و يذهب عنکم رجز الشيطان وليربط علی قلوبکم و يثبت به الأقدام﴾ وأذهب الله بالمطر عنكم قذارة الشيطان من حدث الجنابة والخبث ، والوسوسة الشيطانية مخافة العطش ، ولكي يشدّ من شجاعتكم القلبية ويثبت بذلك صمودكم في الحرب .
﴿إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنيّ معكم فثبّتوا الذين آمنوا﴾ فتذكّروا إذ أوحى ربّ محمد وعلي إلى الملائكة المقرّبين سيما جبرئيل أنيّ بقدرتي ومشيئتي وإرادتي معكم أعين محمداً وآله وشيعتهم فأعينوهم ليثبتوا في الجهاد . ﴿سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان﴾ فسرعان ما ألقي في قلوب الذين كفروا ، أبي سفيان وحزبه ، الرعب فاضربوا بسيوفکم يا حزب محمد فوق أعناقهم واضربوا بالسيوف أنا ملهم فاقطعوها ﴿ذلك بأنهّم شاقّوا الله ورسوله ومن يشاقِق الله ورسوله فان الله شديد العقاب﴾ ذلك حدّهم الشرعي استحقوه بأنهّم عاندوا الله ورسوله ومن يعاند الله ورسوله محمداً فإن الله يعاقبه في الدنيا أشدّ العقاب . ﴿ذلکم فذوقوه وإن للکافرين عذاب النّار﴾ ذلكم القتل وقطع الأنامل والخزي والعار لكم يا أعداء محمد وآل محمد فذوقوه بسيوفهم وبالتأكيد إنّ للكافرين بولايتهم بعد هذا عذاب النارفي الآخرة . ﴿يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولّوهم الأدبار﴾ يا أيّها الذين آمنوا بولاية محمد وآل محمد إذا لقيتم الذين كفروا بولايتهم في ساحة الجهاد زحفاً عليهم فلا تعطوهم ظهوركم فراراً أو إستسلاماً ﴿ومن يولهّم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيّزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله﴾ ومن يولّ الأعداء المحاربين ظهره للفرار والاستسلام من غير اضطرار إمّا متحرفاً موضعه للقتال لحصانته أو تسوية لأمته وإما منحازاً الى جماعة مقاتلة فقد رجع مشمولاً بلعنة الله وسخطه . ﴿ومأواه جهنّم وبئس المصير﴾ ومن يبوء بسخط الله ولعنته نتيجة الفرار من الزحف فمصيره يوم القيامة ومسكنه جهنّم خالداً فيها ومصيره أسوأ المصير وأقبحه . ﴿فلَم‏‍‌ﹾتقتلوهم ولكنّ الله قَتَلهم وما رميَت إذ رميتَ ولكن الله رمیٰ﴾ فيا أصحاب محمد إنّكم لوحدكم لم تتمكّنوا من قتل رؤوس قريش وشيوخ بني أميّة ولکن الله قتلهم بسيف علی ، وما رميت يا رسول الله الحصی عليهم إذ رميت ولکن الله رماها بيدك . ﴿وليُبلي المؤمنين منه بلاءً حسناً إن الله سميع عليم﴾ ولم تكُ حرب بدر في المشيئة الإلۤهية إلاّ ليختبر فيها المؤمنين ، علياً أمير المؤمنين وشيعته اختباراً حسناً جميلاً فيجاهدوا جهاداً مشرِّفاً إنّ الله سميع لأقوالهم عليم بأحوالهم ﴿ذلكم أنّ الله موهن كيد الكافرين﴾ والغاية القصوى من ذلك الاختبار الجميل هي أن الله يضعف ضعفاً کبيراً قوی المشرکين ويبرد قواهم ويکسر شوکتهم ويفشل کيد بني أمية ﴿إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نَعُد﴾ إن كان أبوجهل وأبو سفيان وحزبهم يقولون اللَّهمّ افتح لأحقّنا واقتل أقطعنا للرّحم فهذا الفتح جاء لمحمد وآل محمد وإن تنهوا العداء لهم فهو أبقى لكم وإن تقاتلوهم نأمرهم بقتالكم .﴿ ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وإن الله مع المؤمنين ﴾ واعلموا يا أعداء آل محمد أنه لن تفيدكم أبداً جموعكم شيئاً مهما كثرت أعدادكم فإنّكم مغلوبون لا محالة وأنّ الله بقوته وقدرته ونصرته مع محمد وآل محمد وشيعتهم المؤمنين .
﴿يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولّوا عنه وأنتم تسمعون﴾ يا أيّها المسلمون الذين آمنوا بألسنتهم نأمركم وجوباً : أطيعوا الله ورسوله في كل أمر ونهي ، ولا تعرضوا عن رسول الله وأنتم تسمعون نداءه وخطابه وإبلاغه.﴿ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ، إنّ شرّ الدوابّ عند الله الصمّ البکم الذين لا يعقلون﴾ ونحذرکم وننهاکم فلا تکونوا کالذين قالوا سمعنا خطابك وهم لا يسمعون فإنّ أخسّ الحيوانات عند الله الناس الصمّ البکم عن الحق الذين لا يتعقلون ولا يفقهون. ﴿ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا عنهم وهم معرضون﴾ ولو كان الله يرجو في المنافقين خيراً لأسمعهم فاستمعوا سماع وعي خطبتك ، ولو أسمعهم خطبتك فأسمعتهم بعلوّ صوتك أداروا وجوههم يعرضون عن كلامك . ﴿يا أيّها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاکم لما يحييكم﴾ يا ايّها المسلمون الذين آمنوا ظاهراً نأمركم وجوباً استجيبوا لدعوة الله ودعوة الرسول حينما يدعوانكم لما يحييكم حياة سعيدة في الدنيا والآخرة ويأمُرانكم بالتمسّك بالقرآن والعترة . ﴿واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون﴾ واعلموا علم اليقين أنّ الله يحول بالموت بين الإنسان وهوى قلبه ومن يهواه بغير حق فطهّروا قلوبكم من ولاء غير آل محمد واعلموا أنّكم إلى حساب الله تحشرون غداً. ﴿واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أنّ الله شديد العقاب﴾ واتّقوا فتنة مظلمة تكون نتيجة لترك ولاية آل محمد تشمل المسلمين ولا تخصّ الذين ظلموا آل محمد منكم خاصة واعلموا أنّ الله شديد العقاب على ظلم آل محمد .
﴿واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطّفکم الناس ﴾ واذكروا أيّها العرب إذ كنتم قليلين مستضعفين في الأرض تخافون أن يتلاقفکم الفرس والروم بقوّتهم وشوکتهم بين حين وآخر . ﴿فآواکم وأيّدکم بنصره ورزقكم من الطّيباتِ لعلّكم تشكرون﴾ فآواكم الله في يثرب بالهجرة ، و أيّدکم بنصره في بدر وحنين والخندق وخيبر بسيف عليّ ، ورزقکم الله من الغنائم وغيرها ببركة محمد وآله لعلّكم تشكرون نعمة ولايتهم .
﴿يا أيُّها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخـونوا أماناتكم وأنتم تعلمون﴾ يا أيّها الذين آمنوا بألسنتهم ننهاکم قطعياً لا تخونوا الله والرسول بغصب الخلافة من عليّ ، ولا تخونوا أماناتكم كما خان أبو لبابة مروان بن المنذر و أنتم تعرفون قبح الخيانة.﴿واعلموا أنّما أموالكم وأولادكم فتنة وأنّ الله عنده أجر عظيم﴾ فإن لم تكونوا تعلمون فاعلموا أنّما أموالكم التي رُزقتموها وأولادكم الذين وهبكم الله إياهم كل ذلك اختبار لكم وامتحان وابتلاء فلا تغترّوا وإن الله عنده أجر عظيم لمن فاز فی الاختبار.
﴿يا أيها الذين آمنوا إن تتّقوا الله يجعل لكم فرقاناً﴾ يا أيّها الذين آمنوا بولاية محمد وآل محمد إن تتّقوا الله يجعل لكم من التقوى حكمة عملية ونظرية تفرق بين الحق والباطل عقيدة وعملاً وبين النور والظلمة .﴿ويكفّر عنكم سيّئاتِكم ويَغْفر لكم والله ذُو الفضل العظيم﴾ ونتيجة للفرقان الذي يصونكم من الكبائر يكفر الله عنكم سيّئاتكم الصغائر، ويغفر لكم هفواتكم و خطاياكم والله ذو الفضل العظيم على شيعة آل محمد . ﴿وإذ يَمكُر بك الذين كفروا لِيُثبتوك أو يقتلوك أو يُخرجوك﴾ نلفت نظرك ونعلن للملأ إذ يمكر بك الذين كفروا من قريش وبني أمية وحزبهم في اجتماعهم بدار الندوة ليوثقوك ويسجنوك أو يقتلوك أو يبعدوك من مكّة ﴿ويمکرون ويمکرُاللهُ والله خيُر الماکرين﴾ فمكروا ليقتلوك قتلة رجل واحد ، لتضييع دمك ، ويمكر الله ويدبّر لنجاتك فأمرك بالهجرة وتبييت علي في فراشك ، والله خير المدبرين المخططين ﴿و إذا تُتلىٰ عليهم آياتنا﴾ وحينما تتلو يا رسول الله على قريش وتيم وعدي وبني أميّة والمغيرة آياتنا النازلة بشأن أهل بيتك علي وولده . ﴿قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا﴾ قال الكافرون والمشركون : قد سمعنا تلاوة الآيات ونحن لو أردنا أن نقول مثلها لقلنا ، وهو قول النضر بن الحرث . ﴿إن هذا إلاّ أساطير الأوّلين﴾ فقالوا ليس هذا وحياً من الله ولكنه من قصص وأكاذيب الامم السالفة يتلوها محمد علينا . ﴿وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ﴾ وعقيب قولهم أنّه من الأساطير قالوا إن كان إلۤه لمحمد وهذا الكلام وحي منه فنحن نطلب منه عذاباً . ﴿فأمْطِرْ علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم﴾ وذلك عن طريق الاستهزاء والإنكار : أن يمطر إلۤه محمد علينا حجارة من السماء مع قرب عهد أصحاب الفيل وحجر الأبابيل منّا . ﴿وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم ، وما كان الله معذِّبهَم وهم يستغفرون﴾ فيا محمد إنّهم استحقّوا مطر الحجارة والعذاب الأليم ولكنّنا لحبّنا لك ولأجلك لا نعذبهم ومن بعدك ، فالاستغفار ينجيهم من العذاب . ﴿وما لهم ألاّ يعذبهم الله وهم يصدّون عن المسجد الحرام﴾ فإن لم نرسل عليهم عذاباً من السماء لا يعني هذا بأنّنا لا نعذبهم ، بل سنعذبهم بسيوفكم حيث صدّوا عن بيت الله الحرام . ﴿وما كانوا أولياءه إن أولياءه إلاّ المتّقون ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ وزعموا أنّهم أصحاب البيت وليسوا بأصحابه إنمّا أصحاب البيت رسول الله وأهل بيته (عليهم السلام) بالنسب والميراث والسبب والنبوة . ﴿وما كان صلاتهم عند البيت إلاّ مكاءً وتصدية﴾ فإن كان دعواهم هذا لأجل طوافهم بالبيت فليس هذا عبادة لله حيث أنّ التصفيق والصفير لهو ولعب ولغو ،﴿فذوقوا العذاب بما كنتم تکفرون﴾ فنقول لهم لقد طلبتم العذاب استهزاءاً وصددتم عن بيت الله وحاربتم النبي والمؤمنين ، فذوقوا العذاب ببدر لذلك فسيف عليّ آلم من مطر الحجارة . ﴿إنَّ الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدُّوا عن سبيل الله﴾ ومن المؤكّد هو إنفاق الكفار أموالهم في محاربة النبيّ والمسلمين ليصدّوهم عن الإسلام والتوحيد و ولاية محمد وآله . ﴿فسيُنفقونها ثم تكون عليهم حسرةً ثم يُغلبون﴾ فسرعان ما يتلفونها وبعدئذ تكون سبباً للندامة والحسرة حيث لم تنتج لهم ما قصدوه فمع ذلك سيُغلبون . ﴿والذين كفروا إلى جهنّم يُحشَرون﴾ ولم يكُ انفاقهم عليهم حسرة فحسب، بل إنّ الله سيحشرهم يوم القيامة فينالون الحسرة الكبرى في النار . ﴿ليميز الله الخبيثَ من الطيّب﴾ ففي هذه الدنيا وفي الآخرة يفصل الله بين الكافر وبين المؤمن ، ويظهر خبث الكافر وطيب المؤمن . ﴿ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركُمَه جميعاً﴾ وعندما يتميّز الكفار عَن أهل الإيمان تشد أيديهم إلى الأعناق ويشدّ بعضهم على بعض بسلاسل من نار متراكمين. ﴿فَيَجْعله في جهنّم أولئك هم الخاسرون﴾ و بعد أن يتراکم الکفار ويسحق بعضهم بعضاً ويدوسه بأقدامه يُلقَون جميعاً في الجحيم وذلك هو خسرانهم المبين .
﴿قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغْفَر لهم ما قد سلف﴾ يا رسول الله قل لأبي سفيان وأصحابه من المشركين إن يتركوا قتالك ويدَعوا محاربة الإِسلام يُعفى عن أعمالهم السالفة . ﴿وإن يعودوا فقد مضت سنَّتُ الأولين﴾ وإن عادوا لمحاربتك ومخالفة الإسلام فإنا على سنّتنا من إهلاك الأمم السالفة كعاد وثمود ﴿و قاتِلوهم حتی لاتکونَ فتنة ، ويکون الذين کلُّه لله﴾ وهذا حکم من الله واجب عليكم أيّها المؤمنون أن تقاتلوا الكفار المحاربين حتى لا يبقى شرك وتكون العبادة فقط لله . ﴿فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير﴾ وإذا امتنع الكفار من محاربة الإِسلام وقتال المؤمنين فمؤكّد أنّ الله ينظر إليهم بعطفه ويشملهم بأحكام الصلح . ﴿وإن تولّوا فاعلموا أنّ الله مولاكم نعم المولى ونِعم النصير﴾ وإذا أعرض الكفار عن الرضوخ للإِسلام والخضوع لأحكام القرآن فالله يتولاّكم بنصره وهو خير ناصر وولي
﴿واعلموا أنمّا غَنِمتم من شي ءٍ﴾ تعلموا حكم الخمس ، فهو في كل غنيمة غنمتموها من غنيمة حرب أو كنز أو غوص أو معدن أو فائدة مكسب ففيها جميعاً بشرائطها . ﴿فأنّ لله خُمسه وللرسول ولذي القربي﴾ وكل ما تعلق به الخُمس شرعاً فنصفه ثلاثة أسهم ۱- سهم الله ، ۲- سهم الرسول ، ۳- سهم ذي القربى فيوصل للإمام المعصوم . ﴿واليتامى والمساكين وابن السبيل﴾ ونصفه الآخر : ۱- سهم اليتامی ، و۲ – المساکين ، و ۳- أبناء السبيل ممن يقربون نسباً الي النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالأب يوصل إليهم حسب أحكام الخمس ﴿إن كنتم آمنتم بالله﴾ فيجب عليكم دفع الخمس الى أهله إن كنتم تدّعون الإِيمان بالله والإِسلام فمن لم يفعل فليس بمؤمن ومن أنكر فليس بمسلم . ﴿و ما انزلْنا علی عبدِنا يوم الفرقان يوم التقی الجَمْعانِ﴾ فادفعوا الخمس إن آمنتم بأحكام الله التي أنزلناها على محمد رسولنا يوم بدر ، الفارق بين الإيمان والكفر، والتقي الفريقان فيه . ﴿والله على كل شيء قدير﴾ واعلموا بعد هذا كلّه أنّ الله قادر على النصر والخذلان ، والإِعزاز والإِذلال ، والرزق والحرمان ، و كل شيء .
﴿إذ أنتم بالعُدوة الدُّنيا و هم بالعُدوة القصوی﴾ تذكّروا حالکم يوم بدر حيث كنتم بجانب الوادي قريباً من المدينة وكان الكفار بالجانب البعيد منها . ﴿والرکبُ أسفل منکم ، ولو تواعدتم لاختلفتم فی الميعاد﴾ وکان عير قريش مما يلي البحر في أرض منخفضة عن مقرّكم ، ولو كانوا على أهبة واستعداد لاختاروا مكاناً أرفع منها ﴿ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً﴾ ولكن مواقعكم هذه کانت فی علم الله من مسبّبات سيطرتکم عليهم وغلبتکم وانتصارکم وهذا ما فعله الله بكم . ﴿ليهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيىٰ من حيّ عن بيّنة﴾ نصر الله المؤمنين مع قلّتهم على الكافرين يوم بدر ، كي تتمّ الحجّة على الجميع ، فمن آمن فلنفسه ومن كفر فعليها فالإيمان حياة والكفر هلاك ﴿وأنّ الله لسميع عليم﴾ والله يسمع أقوال الناس وهمساتهم ونفثاتهم و يعلم ضمائرهم وما تکنّ صدورهم . ﴿إذ يُريكَهم الله في منامك قليلاً﴾ ومن موجبات النصر أنّ الله أراك الكفار في المنام وهم قليلو العدّة والعدد ضعفاء . ﴿ولو أراكهم كثيراً لَفَشِلْتُم ولتنازعْتُم في الأمر﴾ والحكمة من هذه الرؤيا أنّك لو كنت رأيت عددهم وعدّتهم كثيراً لخالفك المؤمنون في الإقدام على القتال . ﴿ولكن الله سلّم انّه عليمٌ بذات الصدور﴾ وبدلاً من أن تتنازعوا في الأمر فالله سلّمكم من التنازع وحافظ علي وحدتکم وعزمکم حيث کان يعلم نيّاتکم . ﴿ و اذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلِّلكم في أعينهم﴾ ومن تدابير الله الحكيمة أنه تصرف في أنظاركم ، فرأيتم عددهم قليلاً فلم تخشوهم وتصرف في أنظارهم أيضاً لكي لا يستعدّوا كثيراً لقتلكم . ﴿ليقضيَ الله أمراً كان مفعولاً وإلى الله تُرجع الاُمور﴾ وبهذه التدابير أجرى الله ما أراد من النصر لكم وأوجد الغلبة التي فعلتموها وإليه سبحانه تصير أمور الجهاد والدفاع .﴿يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فأثبتوا﴾ أيّها المؤمنون حينما تلتقون بجماعة الكفار في ساحة الجهاد فيجب عليكم أن تصمدوا أمامهم وتثبتوا لقتالهم . ﴿واذكروا الله كثيراً لعلّكم تفلحون﴾ وعليكم أيّها المؤمنون بشعار ﴿ الله أكبر ولا إله إلاّ الله ﴾ والدعاء للنصر في ميدان الحرب فبذلك يُرجى فلا حكم .
﴿وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا﴾ وعليكم أيّها المؤمنون بطاعة الله وطاعة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا تختلفوا في آرائكم ولا تتخاصموا بينکم حتی لا تفشل عزائمکم . ﴿و تذهب ريحکم واصبروا إن الله مع الصابرين﴾ فإذا اختلفتم وفشلت عزائمکم ذهبت قوّتکم ، وتشتّتت قواکم بل عليکم بالصبر حتّی يکون الله معکم . ﴿ولاتکونواکالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ﴾ وإياكم أيّها المؤمنون أن تكونوا مثل الكفار حيث خرجوا لکي يشربوا الخمور وينحروا الجزور وتضرب عليهم القيان ببدر فتتحدث به الناس . ﴿ويصدُّون عن سبيل الله واللهُ بما يعملون مُحيط﴾ ولا تكونوا مثلهم حيث كانوا يمنعون الناس عن الخير والمعروف واتباع الحق والعدل ولا يخفى على الله شيء من أعمالهم . ﴿وإذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم﴾ إنّ أعمالهم الدنيئة هذه وجرائمهم وآثامهم ومحاربتهم لك وصدّهم عن سبيل الله كل ذلك هو ما زيّنه إبليس لهم ورغّبهم فيه . ﴿وقال لهم لا غالب لكم اليوم من الناس واني جارٌ لكم﴾ تمثل إبليس لهم في صورة سراقة بن مالك شيخ المنطقة وقال لهم إن جيشكم هذا لا يغلبه أحد وإنا من كنانة بجواركم . ﴿فلما تراءت الفئتان نکص علی عقبيه و قال إنّي بري ء منکم ﴾ وعندما التقت الطائفتان . المؤمنون والكفار ، ورأى إبليس الملائكة تنزل من السماء رجع هارباً وتبرّأ من الكفار خوفاً. ﴿إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف الله والله شديد العقاب﴾ وقال إبليس أيّها الكفار إنّي أرى جيش الملائكة المردفين وأنتم لا ترونهم فأنا أخاف من سطوة الله ، و عقاب الله وعذابه شـديـد ﴿إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غرَّ هولاء دينهم﴾ وحينذاك قال من كان معك وقلبه مع الكفّار وأضمر النفاق من اصحابك : إنَّ النبيّ وعليّ وحمزة وجعفر طائشون ومغرورون بدينهم ﴿ومن يتوكّل علي الله فإن الله عزيز حكيم﴾ فليعلم المنافقون وغيرهم أن الذين هم أقل عدداً من الكفار لكنهم يثقون بالله ويعتمدون على حوله وقوته فإن الله يعزهم و ينصرهم . ﴿ولو ترى إذ يتوفي الذين كفروا الملالكة يضربون وجوههم و أدبارهم﴾ ولو تنظر بعين الولايه يا رسول الله تری الکفار حينما يهلکون وتقبض الملائكة أرواحهم الخبيثة يضربونهم بمقامع من حديد . ﴿وذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدّمت أيديكم﴾ ويقول الملائكة لهم ذوقوا سياط النار ، وهذا التعذيب نتيجة حتمية لما ارتکبته أيديکم من الجرائم والقتل . ﴿وأنّ الله ليس بظلاّم للعبيد﴾ فبالقطع واليقين والتأکيد أن الله عادل عدل، والظلم قبيح وهو منزّه عن الظلم فأنتم ظلمتم أنفسكم وهذا جزاؤكم . ﴿كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم﴾ كالعادة التي جرت على أهل مصر حيث عبدوا الفراعنة وأطاعوهم وكفروا بموسى وأنبياء بني إسرائيل فأذاقهم الله جزاءَهم فأهلكهم .﴿إنّ الله قويٌّ شديدد لعقاب﴾ فلا مجال للشكّ في حول الله وقوته وقدرته على الانتقام من الكافرين وعلى إنزال العقاب الشديد عليهم . ﴿ذلك بأنّ الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ فالعذاب والعقاب هو نتيجة لأعمال الخلق والله لا يسلب نعمه من الناس إلا بعد أن يکفروا بالله ويکفرو بنعمه ويطغوا . ﴿إنّ الله سميع عليم﴾ بالتحقيق وبالدليل والبرهان إنّ الله يسمع الهمسات والنفثات والكلمات والنجوات ويعلم الأسرار والنيّات . ﴿كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذّبُوا بآيات ربّهم﴾ كعادة شعب مصر عبّاد الفراعنة حيث غيّروا ما بأنفسهم فكذّبوا بالتوراة والألواح ومعاجز موسی كقوم عاد وثمود قبلهم . ﴿ فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكلٌّ كانوا ظالمين﴾ فسلبهم الله النِّعم وأهلكهم عقاباً على ذنوبهم ، ثم عاقبنا الفراعنة وأتباعهم بالغرق وكانوا جميعاً ظالمين ، بالكفر والجحود .
﴿إنّ شرَّ الدوابّ عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون﴾ بديهي أن أبعد الخلق مقاماً من الله هم الكفار ، وهم أضلّ من الدواب كلها لأنها لا تعقل وهم يخالفون العقل بكفرهم وعدم إيمانهم . ﴿الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كلّ مرةٍ وهم لا يتّقون﴾ وحكم بني قريضة اليهود الذين خانوا العهود وخالفوها وأعانوا المشركين عدّة مرّات وهم لا يخافون الله . ﴿فإمّا تَثْقفنّهم في الحرب فشرِّدْ بهم مَنْ خَلفَهم لعلَّهم يذّكّرون﴾ فإن وجدت يهود بني قريضة مع الكفار يحاربون ويقاتلون المؤمنين ثم انهزموا فالحقهم واضربهم حتى توصلهم مساكنهم . ﴿وإمّا تخافَنّ من قومٍ خيانةً فأنبذْ إليهم على سَواءٍ﴾ وإذا لاحت الإمارة على أنّ المعاهدين لك يعزمون على الخيانة فألغِ المعاهدة واطرحها إليهم وأعلمهم عزمهم . ﴿إنّ الله لا يحبّ الخائنين﴾ ذلك أن الله يحبّ الوفاء بالعهد ، ولا يحبّ الخيانة ونقض العهود ويبغض الخونة . ﴿ولا يحسبنَّ الذين كفروا سبقوا أنهم لا يُعجزون﴾ ولا يكن في حسبانك يا رسول الله أنّ الكفار الذين أفلتوا وفرّوا من القتل أنهم نجوا من عذاب الله فلا يعجز الله من هلاکهم .
﴿وأعِدُّوا لهم ما أستَطعْتم من قوّة ومن رِباط الخَيل﴾ أيّها المؤمنون هيّئوا لقتال الكفار ما أمكنكم من العدّة والعتاد، والخيول والناقلات الجرارة ، والمراكب الحربيّة. ﴿تُرهبون به عدوّ الله وعدوّكم، وءاخرين مِن دونهم لا تَعلمُونهم الله يعلَمهم﴾ فبالإعداد والإستعداد لقتال الكفار تخيفون أعداء الله وأعداءكم المشرکين وغيرهم من المنافقين والبغاة والمتسترين عليکم لا تعرفونهم والله يعرفهم . ﴿وما تُنْفِقوا من شيء في سبيل الله يُوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون﴾و كل ما تصرفونه من العدّة والعتاد للجهاد في سبيل الله يخلفه الله ثم يثمر لكم الغنائم ثم تنجون من ظلم الظالمين . ﴿وإن جنحوا للسَّلْم فأجنح لها ، وتوكّل على الله إنّه هو السميع العليم﴾ فإذا خضع الكفار والبغاة للصلح وطلبوه فلا بأس أن تميل للصلح المشرف معتمداً على الله وأحكامه فهو يسمع ويعلم معاهدتكم ﴿وإن يريدوا أن يخدعوك فإنّ حسبك الله﴾ وإذا اقترحوا الصلح ليجمعوا قواهم ويستعدّوا لقتالك فاحذرهم وحتماً إنّ الله كافيك شرّهم فهو حسبك . ﴿هو الذي أيَّدك بنصره وبالمؤمنين وألَّفَ بين قلوبهم﴾ وإنّ الله هو الذي نصرك رغم خداع الكفار وأيّدك باتحـاد المؤمنين وتكاتفهم وتجمّعهم وتعاطفهم وتواددهم . ﴿لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألَّفتَ بين قلوبهم ولكنّ الله الَّفَ بينهم﴾ فالإلفة بين المؤمنين هي من الله وإلاّ فأنت لو صرفت خزائن الأرض لتؤلِّفَ بين قلوب علي وحزبه وقلوب المنافقين من صحبك ما استطعت ﴿إنّه عزيز حکيم﴾ وبهذه الإلفة والتجمع الحاصل في أتباعك المسلمين كانت الحكمة الإلهية المُستهدفة منها هي العزّة لك وللمسلمين والإسلام .
﴿يا أيّها النبيّ حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين﴾ يا رسول الله إنّ الله يكفيك أمر الأعداء فاستكف بعليّ وربعه الذين اتبّعوك من جملة المؤمنين في الجهاد . ﴿يا أيّها النبيّ حرِّض المؤمنين على القتال﴾ يا رسول الله عليك بدعوة المؤمنين وحثّهم وترغيبهم على جهاد الكفار والمشركين والبغاة والناكثين والقاسطين والمارقين . ﴿إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين﴾ وأوص المؤمنين بالصبر في ساحة القتال فإذا التزموه فسيغلب كل عشرون مائتين من الکفار . ﴿وان يکن منکم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا﴾ وأما إذا كان عدد جيش الإسلام مائة مجاهد صابر، فإنّهم سيغلبون ألف مقاتل من الكفار ﴿بأنهّم قوم لا يفقهون﴾ وعلّة غلبتكم عليهم هو أنهّم لا يفقهون لماذا يقاتلون ولا يعرفون الصبر والإتكال على الله . ﴿الآن خفف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً﴾ وبعد حرب بدر التي أُمرتم فيها ليُقاتل كل واحد عشرة من الكفار خفف الله هذا الحکم لقلة صبرکم . ﴿فإن يکن منکم مائة صابرة يغلبوا مائتين ، وإن يکن منکم ألفٌ يغلبوا ألفين﴾ فمن بعد هذا على كل واحد منكم أن يقاوم اثنين فقط فإذا كنتم مائة سيغلبون مائتين أو ألفاً يغلبوا ألفين فقط . ﴿بإذن الله والله مع الصابرين﴾ والغلبة هذه منوطة فيما إذا أرادها الله ودائماً فإنّ الله يريد الغلبة للصابرين فانه مع الصابرين . ﴿ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتيّ يُثخِن في الأرض﴾ لا يحقّ لرسول الله أن يتفادی الأسری الکفار المحاربين بالمال بل يجب عليه أن يبالغ في قتلهم وإبادتهم . ﴿تريدون عَرَض الدنيا ، والله يُريد الآخرة ، والله عزيز حكيم﴾ الذين يشيرون على النبي بالمفاداة يطمعون في حطام الدنيا والله يريد لكم ثواب الآخرة والعزّة والحكم إذ هو العزيز الحكيم . ﴿لولا کتابٌ من الله سَبَق لمسَّکم فيما أخذتم عذاب عظيم﴾ لولا أن کان الحکم الإلهي مسبقاً إنّ الغنائم والأسری لکم لَنالَکم من أخذکم الفداء عذاب عظيم حيث تطلقون سراحهم عبثاً. ﴿فكُلوا ممّا غنِمْتم حلالاً طيّباً واتّقوا الله﴾ فكل ما تغنمونه من الكفار من الأموال جائز أكله إن كان حلالاً طيّباً دون الخمر والميتة وخافوا الله في الحرام . ﴿إنّ الله غفور رحيم﴾ فمؤكّد أنّ الله يغفر لكم أكلکم ما كسبتموه من المفاداة ويرحم عباده المذنبين .
﴿يا أيُّها النبيّ قُل لِمَن في أيديکم من الأسرى﴾ يا رسول الله أنبئهم من جانبنا وقل لأسرى الكفار الذين أُسروا في ساحة الحرب . ﴿إن يعلم الله في قلوبِکم خيراً يؤتِکم خيراً ممّا أُخِذَ منکم﴾ قل لهم إن آمنتم بالله و برسوله صدقاً واعتقاداً وإخلاصاً فيُطلَق سراحكم وتُرَدُّ فديتكم إليكم ولكم الثواب . ﴿ويَغْفر لكم والله غفورٌ رحيم﴾ وإن كنتم قد جرحتم أو أصبتم أحداً فلا تطالَبون بالقصاص إن ترکتم الکفر وآمنتم والله يغفر لکم ويرحمکم . ﴿وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكَن منهم ﴾ وإن أظهروا الإسلام وأضمروا الکفر ليخونوك فليست نتيجة الخيانة سوی الهلاك کما خانوا فهلکوا .﴿والله عليم حکيم﴾ وقطعيّ و يقينیّ أنّ الله يعلم نيّاتهم وعليم بقاصدهم وأغراضهم وحكيم في تشريع الأحكام . ﴿إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله﴾ حكم الله بأنّ المؤمنين المهاجرين من مكّة الى المدينة والمجاهدين ببدر بالأموال والأنفس لله فقط . ﴿والذين آوَوْا ونصروا أولئك بعضهم أولياءُ بَعْض﴾ هؤلاء المهاجرون والمؤمنون من الأنصار الذين آووا النبيّ في يثرب و نصروه يربطهم ولاء الدين وعقد الإخاء . ﴿والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء﴾ وأمّا من أسلم ولم يهاجر ولم يجاهد الكفّار فلا تشمله المؤاخاة و لا ينال من الغنائم ﴿حتی يهاجرو وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر﴾ فإذا هاجر هؤلاء وجاهدوا في سبيل الله فحينئذ يجب عليکم إعانتهم إن طلبوها منکم إن کان جهادهم للدين . ﴿إلاّ علی قوم بينکم وبينهم ميثاق﴾ ولا يجب عليكم إعانتهم إذا كان قتالهم مع قوم تربطكم معهم المعاهدات والمواثيق فإنّها محترمة . ﴿والله بما تعملون بصير﴾ فأنتم ليست لكم بصيرة دقيقة بأموركم ومصالحكم لكن الله أبصر منكم بعواقب أعمالكم .
﴿والذين كفروا بعضهم أولياءُ بعضٍ﴾ واعلموا أنّكم لو خالفتم المواثيق فإنّ الكفار يجمعهم ولاء الكفر فربما يتّحدون ضدّكم .﴿ إلاّ تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير﴾ فإن لم تقوموا بنصر المسلمين ضدّ الكفار أولم تلتزموا بالمواثيق فنتيجته الفتنة والفساد الكبير . ﴿والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، والذين آوَوْا ونَصروا أُولئك هم المؤمنون حقاً﴾ إنّ المهاجرين والمجاهدين لأجل الإسلام والأنصار الذين آوَؤا المهاجرين فهم أثبتوا إيمانهم .﴿ لهم مغفرة ورزق كريم ، والذين آمنوا من بعد وهاجَروا وجاهَدوا معكم فأُولئك منكم﴾ وثواب أولئك المغفرة والجنة ومن آمن بعد المهاجرين والأنصار بفترة واشترك في الهجرة والجهاد فهو من المؤمنين أيضاً. ﴿وأُولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إنّ الله بكل شيء عليم﴾ وهذا حكم الميراث في القرآن إنّ ذوي القربى يتوارثون بالنسب لا بالإخاء الإيماني وإنّ الله عليم بمنعكم فاطمة ( عليها السلام ) إرثها من أبيها .
﴿بَراءةٌ من الله ورَسُولِه﴾ لم تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم لأنهّا تابعة للأنفال ، فبراءة الله من المشركين والمنافقين ووجوب براءة الرسول منهم ﴿إلى الذين عاهدتم من المشركين﴾ هذه البراءة يا رسول الله لا يؤدّيها إلاّ أنت أو رجل منك وهو علي ( عليه السلام ) إلى بني خزاعة وبني مدلج وبني خزيمة الذين عاهدتم في الحديبية فنقضوا ﴿فسيحوا في الأرض أربعة أشهر﴾ فليقل لهم انّ آخر أمدٍ لكم ولحرّياتكم ، وذهابكم وإبابكم آمنين بالعهد هو الأشهر الحرم الأربعة حتى تنتهي حيث نقضتم العهد ﴿واعلموا أنّكم غير معجزي الله﴾ أيّها المشركون الذين نقضتم العهد إعلموا سوف لا يفوتكم عذاب الله فليس الله بعاجز عن الإنتقام منكم . ﴿وإنّ الله مخزي الكافرين﴾ واعلموا علم اليقين أنّ الله سيخزي الكفار بقتلهم بأيدي المؤمنين في الدنيا وجهنّم في الآخرة ﴿وأذانٌ من الله و رسوله إلى الناس﴾ وإعلان وإعلام من الله عزّ وجلّ ومن رسوله ينادي به علي بن أبي طالب (عليه السلام ) ويسمع من حضر ومن غاب من الناس ﴿يوم الحجّ الأكبر﴾ وهذا الأذان والإعلان من عليّ عن الله ورسوله يؤديه يوم الوقوف ويوم النحر بعرفات من الحجّ سنة تسع من الهجرة . ﴿أنّ الله بريء من المشركين﴾ والإعلان والأذان نصّه سورة البراءة ، وملخّصه أن العهود ملغاة والله بریء من شرك المشرکين ﴿ورسولُهُ فإن تُبتُم فهو خيرٌ لکم﴾ ورسول الله أيضاً يتبرأ منكم ومن معاهداتكم أيّها المشركون إلا أن تتوبوا من الشرك والكفر وتؤمنوا وذلك أحسن لكم . ﴿وإن توليتم فاعلموا أنّكم غير معجزي الله﴾ وإن أعرضتم عن الإيمان والإسلام ولم تتوبوا فاعلموا أنّ الله غير عاجز بل قادر على إهلاككم وعقابكم . ﴿وبشّر الذين كفروا بعذاب أليم﴾ يا رسول الله بشّر الكفار والمشركين على سبيل الإستهزاء والسخريّة واخبرهم بهلاكهم بسيوفكم ونار جهنّم بعدها. ﴿إلاّ الذين عاهدتم من المشرکين ثم لم ينقصوکم شيئاً﴾ويستثني من هذه البراءة النازلة من الله للمشركين الذين التزموا بعهودهم معكم منهم ، ولم يتحالفوا مع أعدائكم . ﴿ولم يُظاهروا عليكم أحداً﴾ ولم يتّحدوا مع من حاربكم وقاتلكم ولم يساعدوهم ولم يمدّوهم بالمال والسلاح ودفعوا الجزية لكم .
﴿فأتمّوا إليهم عهدهم إلي مدّتهم لأنّ الله يحبّ المتّقين﴾ فيجب عليكم الإلتزام بمعاهدتكم معهم إلي، إنتهاه، مدَّة المعاهدة والهدنة فتشملهم آثارها الى آخر وقتها ﴿إن الله يحبّ المتّقين﴾ وحتماً إنَّ الله يرغب في التقوى والإلتزام بالعهود والذمم و الوفاه بالمواثيق، و يحبّ اهل التقوي .
﴿فإذا انسلخ الأشهر الحرم﴾ فعندما يغيب هلال الشهر الرابع من الأشهر الحرم و هو صفر في المحاق ، وانتهت حرمتها بمضي زمانها أو هتکهم لحرمتها . ﴿فاقتلوا المشرکين حيث وجدتموهم﴾ فبعد انتهاء المدّة يجب عليکم قتال المشركين وقتل كل مشرك محارب في أيّ مكان تجدونه داخل مكّة أو خارجها ﴿وخُذوهم وأحصروهم واقعدوا لهم کلَّ مَرصد﴾ وألقوا القبض عليهم وأسروهم واقنصوا لذلك وحاصروهم في حصونهم وقلاعهم حتى الموت أو الإستسلام . ﴿ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتَوُا الزَّكاة﴾ فإن تابوا عن الشرك ابتداءاً وتابوا بعد أن أخذتموهم وحاصرتموهم والتزموا بأحكام الإسلام وصلّوا وزكّوا . ﴿فخلّوا سبيلهم إنّ الله غفور رحيم﴾ فأطلقوا سراحهم كما فعلتم بأبي أمامة سيّد يمامة فتاب وأسلم ، فالله يغفر لمن تاب ويرحمه في الدنيا والآخرة . ﴿وإنْ أحدٌ من المشركين أستجارك فأجِرْهُ﴾ يا رسول الله إن طلب الأمان أحد المشرکين کي يلتقي بك و يسمع القرآن فاعطه الأمان وحماية الجوار ﴿حتى يسمع كلام الله ثم أبلِغْه مأمَنه﴾ فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يعتدي عليه أو يؤذيه إلى أن ينتهي من غايته في الإستماع للقرآن والوحي ويجب عليك أن تردُّه لإهله سالماً ﴿ذلك بأنهّم قومٌ لا يعلمون﴾ وإعطاء الأمان هذا سببه أنّ الكفار والمشركين لا يعلمون ولا يعرفون حقيقة الوحي والقرآن فأتمّ الحجّة عليهم ﴿كيف يكونُ للمشركين عهدٌ عند الله وعند رسوله﴾ فبعد أن نقض المشركون عهودهم معك فبأيِّ وجه يرضى الله أن تلتزم بعهودهم فالعهد يُلغى بالنقض ومشروط بالوفاء ﴿إلاّ الذين عاهَدْتُمْ عِند المسجد الحرام﴾ عدا المشركين الذين لم ينقضوا عهودهم معك و هم الذين عاهدتهم بعد الحديبية في مكة و هم قريش ﴿فما اسْتَقاموا لكُم فأستقيموا لهم إنّ الله يُحبّ المُتّقين﴾ فما داموا ملتزمين بالوفاء بالعهد والميثاق مستقيمين ومقيمين على شروط العهد فالتزموا بالوفاء بالعهد فالله يجبّكم لتقواكم . ﴿كَيْفَ وإنْ يظهروا عليكم لا يَرقَُبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّةً﴾ فماذا يکون لهم عهد بعد النقض فإنهّم بعد هذا إن يظفروا بکم لا يراعوا فيکم قرابة ولا مسؤولية العهد في عواتقهم . ﴿يُرضُونَکم بأفواهِهم وتأبى قُلوبهُم وأكثرهم فاسقون﴾ عندما تأسِرونهم يحَلِفُون بأنهّم لا ينوون لكم سوءاً ولكنّهم يضمرون في أفئدتهم بغضاً لکم وعداءاً وکلهم فسقوا بنقض عهدهم .﴿اشتراوا بآيات الله ثمناً قليلاً﴾ إنّ اليهود الذين نقضوا العهد باعوا آيات التورأة المبشرة بمجيء محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وانحازوا الى الكفار مقابل حطام قليل زهيد . ﴿فَصَدّوا عن سبيله انهّم ساء ما کانو يعملون﴾ وبهذا صدّوا من آمن بالتوراة أن يؤمن بالإسلام وبنبيّ الإسلام وهذا العمل بئس العمل وأقبح عمل يفعلونه . ﴿لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمّة وأُولئك هم المعتدون﴾ هؤلاء المشركون لا يراعون بحقّ أي مسلم حرمة القرابة كما أنّ أبا جهل وأبا سفيان ما راعوا قرابة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ولا ذمّة العهود وبذلك يعتدون .﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتَوُا الزكاة﴾ ولكن إذا أعلنوا توبتهم عن الشرك وعن محاربة المؤمنين وأثبتوا ذلك عملاً بأن أدّوا الصلاة وأعطوا الزكاة . ﴿فإخوانُكُم في الدين ونُفصّل الآيات لقومٍ يعلمون﴾ فحينئذ يحقن الإسلام دماءهم وأموالهم وأعراضهم ولهم ما لكم وعليهم ما عليکم وتشملهم الأخوة الدينية فتدبّروا ما بيّناه . ﴿ وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم﴾ ولكن إذا نقضوا وخانوا عهودهم التي أقسموا على إبرامها واحترامها بأن رجعوا للعداء والإعتداء . ﴿وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر﴾ وإن عابوا الإسلام فعليكم أيّها المسلمون أن تحاربوا رؤساء الكفار في كل وقت كأبي سفيان وأبي جهل والحارث بن هشام وسهيل بن عمر و ومرحب وعمرو بن عبدود. ﴿إنهم لا أيمانَ لهم لعلّهم ينتهون﴾ان أئمّة الكفر لا يلتزمون بيَمينٍ ولا عهدٍ ولا يؤمنون ، فحاربوهم وقاتلوهم أملاً بانتهائهم من اعتداءاتهم وتركهم الطعن في الإسلام . ﴿ألا تُقاتلون قوماً نكثوا أيمْانهَم وهمّوا بإخراج الرسول﴾ نحن نحضّكم ونحثّكم علي قتال هولاء المشركين الناكثين للعهد فهلا تحاربونهم فقد اعتدوا على النبيّ و أخرجوه من مكّة فارَاً من القتل ﴿وهم بدأوکم أوّل مرّة أتخْشَونهم﴾ وهؤلاء الذين ، نقضوا عهدهم بدأوكم بقتال خزاعة تأبيداً لبني بکر وخزاعة کانوا متحالفين معكم أتخافون أن تقاتلوهم ﴿فالله أحقُّ أن تَخْشَوه إن كنتم مؤمنين﴾ فالأولي و الأصحّ أن تخافوا من الله و تخافوا عقابه من ترككم لقتالهم إن کنتم آمنتم بأنَّ الله أمركم بقتالهم .﴿قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم و يخزهم وينصرکم عليهم﴾ حاربوا المشركين يقتلهم الله بسيوفكم ويذلهّم بالأسر والهزيمة ويضمن الله غلبتکم عليهم ويؤيّدکم و يعينکم عليهم .﴿ويُشْفِ صدورَ قَوْمٍ مؤمنين﴾ إنَّ هؤلاء الکفار قتلوا من أعزّاءکم ومثلوا بهم فأشعلوا قلوبکم وصدورکم غيضاً وأسفاً فاقتلوهم كي تثلج صدوركم بالإنتقام والثأر . ﴿ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم ﴾ فإذا قاتلتموهم فبذلك ستنتهي أحقادهم فيستسلم منهم العبّاس وأبوسفيان وهند وغيرهم فيتوب الله على البعض منهم إن صدقوا التوبة . ﴿أم حسبتم أن تُتركوا ولماّ يعلم الله الذين جاهدوا منکم﴾ ونسأل بلحن الإستنکار هل کان في حسبانکم أن يدعکم الله من دون اختبار کي يعرف فی الظاهر من هم المجاهدون حقاً منکم . ﴿ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجةً والله خبير بما تعملون﴾ وحتى يعرف الذين أخلصوا لله في الجهاد ولم يتحيزوا الى بطانة من أهل النفاق يتراؤن بالجهاد والله خبيرٌ بأعمال هؤلاء وأولئك .
﴿ما كان للمُشركين أن يعْمروا مساجد الله﴾ نزلت في جواب العباس حيث مَنَّ بذلك على المسلمين فأجابه الله أنّه لا يقرُّ أن المشركين هم عُمّار الكعبة ومقام إبراهيم والمسجد الحرام . ﴿شاهدين على أنفسهم بالكفر﴾ وهؤلاء الذين يدَّعون أنّهم عُمّار بيت الله يقِّرون أنّهم وضعوا الأصنام فوق الكعبة و عظّموها وعبدوها . ﴿أولئك حَبِطت أعمالهم وفي النّار هم خالدون ﴾ فإن كانت لهم خدمات للحجّاح من الرفادة والسقاية والضيافة فقد سقط أجرها بالكفر فلا ثواب لها وبسبب الشرك يخلدون في النار .
﴿إنّما يعمرُ مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر﴾ تنحصر صفة عمارة بيت الله في توحيد الله تعالى والإيمان بدينه الإسلام ونبيّه وسنّته والإيمان بالمعاد. ﴿وأقام الصلاة وآتي الزكاة ولم يخش إلاّ الله﴾ فلا يكون من عُمّار المسجد إلاّ مَن آمن بالله والمعاد وبرسول الله ثم التزم بأحكام الإِسلام فأدّى الصلاة بشروطها والزكاة ويَتَّقِ الله فقط . ﴿فعسى أُولئك أن يكونوا من المهتدين﴾ فمن كانت هذه صفته يحتمل أن يكون من الناجين بالهداية إذ يشترط معها حسن العاقبة والتمسّك بالقرآن والعترة . ﴿أجعلتُم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله ﴾ نزلت في العباس وعلىِّ بن أبي طالب حينما تفاخرا فافتخر عبّاسٌ بسقايته للحاج وسدانة الكعبة وافتخر عليٌ بالإيمان والجهاد وقاد العباس بسيفه إلى الإسلام . ﴿واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ، لا يستوُون﴾ فعليٌّ آمن بالله واليوم الآخر ويوم الحساب والجزاء وحوض الكوثر والشفاعة والجنّة وجاهد لله في سبيل الإسلام مع الرسول في الصف الأول فلا يستوي العباس معه ﴿عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ فالفخر والشرف والفضيلة عند الله مقياسه الإيمان والجهاد الصادقان فأنّي للعباس أن يساوي عليّاً ومن يقول بذلك فهو ظالم لا يهديه الله . ﴿الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله﴾ فعليٌّ أول من آمن بالله وبرسوله من الرجال وهاجر من مكّة بعد أن أنقذ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالمبيت على فراشه وجاهد في بدر والأحزاب وحنين وغيرها لله ﴿بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله﴾ وعليٌّ وربعه حمزة وجعفر وشهداء أُحُد جاهدوا بأموالهم كخديجة وأبي طالب وبأنفسهم فقاتلوا الكفار فهؤلاء أعظم البشر درجةً ومقاماً في الدنيا والآخرة والجنة . ﴿وأُولئك هم الفائزون﴾ وأُولئك هم الظافرون بعزّة الله في الدنيا والاخرة ومثوبته والحائزون لقربه وجواره في الجنّة كما قال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنّ عليّاً وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ﴿يُبشّرهم ربُّهم برحمةٍ منه ورضوان﴾ ففي لحظة الشهادة ورجوع أرواحهم المطمئنة الي ربهّم يبشرهم الله برحمة لقائه راضيةً مرضيّة فلذلك نادى عليٌّ فُزتُ و ربّ الكعبه ﴿ وجنّاتٍ لهم فی نعيمٌ مقيم﴾ و يبشّرهم الله بجنّات وهي جنّة الخلد وجنّة عدن والفردوس وسدرة المنتهى وجنّة المأوی ولعليٍّ و حزبه وشيعة النِّعَم الدائمة﴿خالدين فيها أبداً إنّ اللهَ عنده أجرٌ عظيم﴾ ويخلدون في الجنان متنعّمين بجميع نعمها بجوار الله إلي ما شاء الله فلا انتهاء لها ولا نهاية لأمدها وهذا أعظم أجر من الله لهم .
﴿يا أيها ألذين آمنوا لا تتَّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء﴾ أيّها المؤمنون إن کان آبا ؤکم کفاراً و مشرکين فلا يجوز لکم أن تختاروهم أحبّاء وتطيعوهم وهکذا سائر أقرباؤکم و أهليکم . ﴿إن استحبّوا الکفر علی الإيمان و من يتولهّم منکم فأُولئك هم الظالمون﴾ فإن كان أقرباؤكم يختارون الكفر على الإسلام فمن أطاعهم وأحبّهم على كفرهم وشركهم ولم يهاجر لأجلهم فهوَ ظالم فاسق . ﴿قل إن کان آباؤکم و أبناؤکم وإخوانکم و أزواجکم و عشيرتکم وأموالٌ اقترفتموها﴾ يا رسول الله قل لِمن لَمْ يهاجر من المسلمين استجابة لأبيه أو إبنه أو إخوته أو زوجته أو عشيرته أو لأجل أمواله غير المنقولة . ﴿وتجارة تخشون كسادَها ومساكن تَرْضَونها أحبُّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ﴾ ولأجل تجاراتكم المربحة في مکّة تخافون إن هاجرتم عدم الربح فيها و بيوتکم التي تأنسون بها هي أعزّ عندكم وأغلى وأولى بالمودة من الله ورسوله والجهاد .﴿فتربّصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾ فانتظروا نتيجة ذلك كي يأمر الله سبحانه ويقدِّر ويقضي بهلاك المشرکين وذلّتهم وأسرهم وأنتم معهم و الله لا يهديکم ولا يوفقکم .
﴿لقد نَصَرَكم الله في مَواطن كثيرة ويوم حُنين﴾ إنّ الله نصر الإسلام والمسلمين في أكثر المواقع الحربية بسيف علي بن أبي طالب کيوم بدر والخندق وأُحمد و يوم حنين . ﴿إذ أعجبتکم كثرتکم فلم تُغْنِ عنکم شيئاً﴾ وفي وقعة حنين بين مكة والطائف عندما قاتلتم هوازن في السنة الثامنة من الهجرة فقال أبوبكر : لن نُغلب اليوم من قلّة ولكن کثرتکم ما أفادتکم ﴿وضاقت عليکم الأرض بما رَحُبت ثم ولّيتم مدبرين﴾ فلما انشغلتم بجمع الغنائم و عاودت هوازن وثقيف الکرّة عليکم فأوقعت فيکم أخذتم تفرّون يميناً وشمالاً وفرَّ أبوبكر وعمر وغيرهم من الزحف . ﴿ثم أنْزَل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين﴾ وبقي رسول الله وعليّ يجاهدان الکفار و رسول الله ينادی : يا أهل بيعة الشجرة ، يا أصحاب سورة البقرة ، فجمع المسلمين وهزم الكفار عليٌّ (عليه السلام ) (وأنزل جنوداً لم تَرَوْها﴾ فعندما بقي رسول الله وحده وعلي يذب عن رسول الله ويدافع عنه ويقاتل دونه أنزل الله خمسة آلاف من الملائكة لنصرتهما ﴿و عذّب الذين كفروا و ذلك جزاء الكافرون﴾ فلمّا قتل عليّ بن أبي طالب أبا جرول وألقى راية الكفار من يده وعذّبهم الله بسيفه فهُزموا ودُحِروا وذلك جزاؤهم . ﴿ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم﴾ وعندما قسم رسول الله الغنائم بين المسلمين وأعطى الكفار المؤلفة قلوبهم أباسفيان ومعاوية وصفوان وعبد الله إبنَي أميّة وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم ولم يرض الأنصار واعترضوا ثم تابوا فتاب الله عليهم . ﴿يا أيها الذين آمنوا إنمّا المشركون نجس﴾ أيّها المؤمنون إعلموا أنّ المشركين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخرة ولا بشريعة سماوية وكتاب ونبيّ من الأنبياء فهم من الأعيان النجسة شرعاً .﴿فلا يقربوا المسجد الحرام﴾ فمن الأحكام الخاصة بهم هو أنّه ممنوعٌ عليهم دخول المسجد الحرام ويحرم عليکم إمکانُهُم من ذلك ويجب عليهم منعهم ورَدعهم منه ﴿بعد عامهم هذا﴾ أي بعد السنة التاسعة من الهجرة حيث أذَّن عليّ بن أبي طالب ونادى بالبراءة في الحجّ وأبلغهُم .﴿وإن خفتم عَيْلةً فسوف يُغنيكم الله من فضله إن شاء﴾ ولا تَخافوا أن تَفتَقِروا إن لم يحج المشرکون بل سيغنيكم الله بإسلام أهل جدة و صنعاء وبالجرش وتبالة واخذ الجزية بمشيئته تعالي ﴿إنّ الله عليم حکيم﴾ إنّ الله يعلم کيف يغنيکم من المشركين و يوسع عليکم في الرزق و يربحکم فی التجارة وهو حکيم في تشريع الأحکام عالم بمصالحها .
﴿قاتِلُوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر﴾ يجب على المسلمين أن يُقاتلوا الكفّار والمشركين في بلاد الإسلام و كل من أنكر التوحيد والمعاد من المسلمين . ﴿ ولا يحُرّمون ما حرّم الله و رسوله ولا يدينون دين الحقّ﴾ وكل من يخالف ضروريات الدين الإسلامي و يبيح المحرمات علناً ولا يلتزم بأحكام الدين الإسلامي ﴿من الذين أُوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية﴾ وقاتلوا من اليهود والنصاری وأهل الکتب السماوية الذين ليسوا في ذمّة الإسلام أو يخضعوا لأحكام الذمة وشروطها ﴿عن يدٍ وهم صاغرون﴾ فيسلِّمون الجزية نقداً بأيدهم الى النبيّ (صلیّ الله عليه وآله وسلّم ) أو الإمام المعصوم والسلطة الشرعية وهم خاضعون لأَِحکام الإِسلام .
﴿وقالت اليهود عزيزٌ بن الله﴾ عندما رأى اليهود أنّ عزيراً حافظ لآيات التوراة كلها دفعة واحدة وعالمٌ بأحكامها غالوا فيه فقالوا قولهم فيه وأقرَّ سلام بن يشكر ومالك بن صيف بذلك ﴿وقالت النصارى : المسيح أبنُ الله﴾ وحرَّف النصاری دين عيسی الذی کان موحّداً يعبد الله الواحد الأحد و قالوا بالتثليث وبأنَّ عيسى بن مريم إبن الله لأنّه ليس له أب . ﴿ذلك قولهم بأفواههم يُضاهئون قول الذين كفروا من قبل﴾ وإنّ قول اليهود في عُزيرٍ وقول النصارى في عيسى يشبه قول الكفار بأنّ الملائكة بنات الله أو الأصنام آلهة يتفوَّهون به من دون تعقّلٍ وتفكير ﴿قَاتَلَهم الله أنّي يؤفكون﴾ أي لعنهم الله كيف يُعرضون عن التوحيد الثّابت بالدليل والبرهان والوجدان والعقل والنقل ويدَّعون الباطل . ﴿اتخّذوا أحبارهم ورُهبانهم أرباباً من دون الله﴾ تعبّدوا بكلام علماء اليهود و علماء النصاری و أطاعوهم و انقادوا لهم فکأنّهم أرباب يُحلِّلُون ويحرِّمون من دون وحي الله ﴿والمسيح ابن مريم ﴾ فهؤلا الأحبار والرهبان يصدرون الأحكام من عند أنفسهم و يشرعون کما يشاؤون من دون رجوع الي ما شرعه عيسی بن مريم .﴿و ما أُمـِروا إلاّ ليعبدوا﴾ و مال أمَرَتِ التوراةُ اليهودَ ، ولا أََمَرَ الإنجيل النصارى إلاّ أن يعبدوا الله وحده ولا يعبدوا سواه . ﴿إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانه عمّا يشركون﴾ فيوّحدوا ويعبدوا ويطيعوا الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ليس معه شريك ولا إله غيره منزّه هو عن أي شريك نسب إليه ﴿يريدون أن يطفِئوا نور الله بأفواههم﴾ إنّ هؤلاء اليهود والنصارى وبني قريضة و غيرهم يريدون بقولهم انّ عُزيراً والمسيح أبناء الله ليطفئوا نور التوحيد والإسلام والرسول .﴿ويأبى الله إلاّ أن يُتمَّ نوره ولو كره الكافرون﴾ وإرادة الله تأبى ما يريدون وتعلَّقت إرادته بإتمام ظهور الإسلام وإتمام إشعاع نور نبيّه على رغم من يکره ذلك من الكفّار .
﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق﴾ إنّ الله بعث للنبوّة والرسالة محمداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأرسله بدين الاسلام لهداية البشر أجمع و هو دين الحقيقة والعدالة . ﴿لِيُظهره على الدين كلِّه﴾ وضَمِنَ لنبيِّه أن يمنح الإسلام الرفعة والسيطرة والحكومة والغلبة على سائر الأديان يوم قيام القائم من آل محمد وهو المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه ) . ﴿ولو كَرِه المشرکون﴾ فلا یبقی فی زمن ظهور المهدی ونزول عيسی ( عليه السلام) وصلاته خلف المهدی مجال للأديان المنسوخة وإن كره ذلك المشركون .
﴿يا أيها الذين آمنوا إنّ كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل﴾ أيّها المسلمون اعلموا انّ غالبية علماء اليهود وقساوسة النصارى يبيعون صكوك الغفران مقابل أموال ويأخذون الرشا على الحكم والفتوى .﴿ويصدّون عن سبيل الله﴾ وهؤلاء الأحبار والرهبان يمنعون الناس أن يعتنقوا دين الإسلام و يؤمنوا برسول الله محمّد والقران والعترة . ﴿والذين يکْنِزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله﴾ أيّها المؤمنون إنّ حرمة اكتناز الذهب والفضة وجمعها وادّخارها من دون دفع زكاتها وخُمسها وصدقتها ثابتة شرعاً فمن يفعل ذلك . ﴿فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ ، يوم يحُمي عليها في نار جهنّم﴾ فالکانزون المانعون للزکاة و الخُمس و الصدقات أبشرهم و أخبرهم بأنّ الله سيعذّبهم بها في الآخرة حيث يصهرها في الحجيم ﴿فتُکوی بها جِباهُهم وجُنوبهم وظُهورهم هذا ما کنزتم﴾ فعندما تُصهَر فتکون قطعه نارية مذابة فحينئذ يلصقونها علی جبهاتهم وظهورهم فيقال لهم خذوا ما ادّخرتموه حراماً. ﴿لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تکنزون﴾ إنّکم کنز تموها لا لکي ينتفع بها غيرکم وإلاً لأنفقتموها کي ينتفع بها المستحقون فكنزتموها لأنفسكم ونحن أتينا بها لكم حتى تذوقوا أثرها في النار .
﴿إنََّ عِدَّة الشُّهور عند الله إثنا عشر شهراً﴾ وبديهیٌّ انّ عدد شهور السنة وعدد الأئمّة المعصومين عند الله وفي علمه وفي خلقه التکوينی وحُکمه التشريعي إثنا عشر!!! ﴿في كتاب الله يوم خَلَقَ السماوات والأرض﴾ وهذا مكتوب أزلاً وأبداً فلا يتغيّر مطلقاً ولا يزيد العدد ولا ينقص في اللوح المحفوظ وفي القرآن كتبه الله حينما خلق الخلائق من نورهم ﴿منها أربعةٌ حُرمٌ ذلك الدين القيّم﴾ ومن هذه الشهور أربعة هنَّ أشهر الحُرُم : ذو القعدة ، وذو الحجّة ، ومحرّم وصَفَر ومن الأئمة أربعة يسمّون عليّاً : الأول ، والرابع ، والثامن ، والعاشر ( عليهم السلام وإمامتهم جميعاً هو الدين الصحيح . ﴿فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم﴾ فإيّاكم أيّها المسلمون أن تظلموا أنفسكم بحرمانها من ولاية هذه العِدّة من الأئمة أو مخالفتهم ومجافاتهم أو باتّباع غيرهم . ﴿وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافة﴾ ويجب عليكم أيُّها المسلمون مقاتلة من قاتلكم من المشركين سواءً الكفار أو من أهل الكتاب أو النواصب والخوارج والمرتدّين ﴿واعلموا أنّ الله مع المتّقين﴾ وتيقّنوا وثقوا أنَّ نصر الله وتأييده وعونه ورحمته في الدنيا والآخرة و عناية و لطفه شاملة لمن يتَقيّ الله باتّباع الأئمة الإثني عشر ( عليهم السلام ) . ﴿إنمّا النّسيء زيادة في الكفر﴾ إنّ المشركين الذين يتناسون حرمة الأشهر الحرم ، والمسلمين الذين يتناسون حرمـة الأئمة من آل محمد يزدادون بعداً من الله والإِسلام . ﴿يُضلّ به الذين كفروا يحلّونه عاماً ويحرّمونه عاماً﴾ فهؤلاء المشركون ينحرفون عن الهداية حينما يحلّون حرمات الأشهر الحُرُم والمسلمون الذين يحلّون قتل أهل البيت كذلك .﴿ليُواطِئوا عدّة ما حرّم الله﴾ إنَّ تناسي حُرمة الأشهر الحُرم وتناسي حُرُمات أهل بيت النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) منهم بسبب توطئتهم لهتك حرمات الله . ﴿فيحلّوا ما حرّم الله﴾ ونتيجة توطئتهم لهتك حرمات الله إنهّم يحللون القتال في الأشهر الحُرم ويبيحون دماء الأئمة المعصومين وذرية رسول الله والمؤمنين . ﴿زيّن لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين﴾ إنّ الشيطان يُزيِّن لهم قتل المؤمنين ومحاربة أهل بيت رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم ) فيقول لهم إنَّ في قتلهم حلاوة المُلك ولكنّ الله سُيحرمهم ذلك لظلمهم وكفرهم .
﴿يا أيّها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم أنفِروا في سبيل الله﴾ يا أيّها المسلمون حينما يدعوكم رسول الله إلى جهاد الكفار في تبوك أو مع جيش أسامة فما السبب وما العلّة والعذر للمخالفة ؟. ﴿اثّاقلْتُم إلى الأرض﴾ فلم تُلبّوا دعوة الرسول كما ينبغي بل تباطأتم وجلستم للإستراحة في بيوتكم وأنختم الإبل وبدلاً عن الخروج اجتمعتم في السقيفة ﴿أرضيتم بالحياة الدُّنيا من الآخرة﴾ فهل ترضون أن تستبدلوا الجنة ونِعمها ولذّاتها وحورها وقصورها بالإِستراحة المؤقتّة في الدنيا . ﴿فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلاّ قليل﴾ فالعقل والوجدان لا يرضيان بذلك والله ورسوله لا يجوّزان ذلك إذ أنَّ راحة الدّنيا تِجاه تلك النعم العظيمة قليلة جداً ﴿إلاّ تَنفِروا يعذّبكم عذاباً أليماً﴾ فيا أيّها المسلمون إن لم تلبّوا دعوة الرسول ولم تخرجوا لجهاد الكفار مع أُسامة أو في تبوك فسيحكم الله بتعذيبکم في الدنيا و يوم القيامة ﴿ويستبدل قوماً غيرکم﴾ و إنّ الله حينئذ يعز رسول الله و يُعينه وينصره، بعليّ بن أبی طالب وربعه المؤمنين والخُلَّص بدلاً عنكم ويرسل الملائكة. ﴿ولا تضرّوه شيئاً والله علی كل شيء قدير﴾ وأنتم بتثاقلكم وتباطؤكم عن الجهاد لا تسبّبون هزيمة النبي من الجهاد بل سيغلب الكفار حتماً إذِ الله قادر علی نصرته دونکم ﴿إلاّ تنصروه فقد نَصَره الله إذ أخرجه الذين كفروا﴾ فإذا لم تنصروا رسول الله وتخرجوا معه إلی تبوك فاعلموا أنّ الله نصره حينما أراد المشرکون قتله فأبات عليّاً فی فراشه و خرج من مکّة ووصل يثرب سالماً . ﴿ثاني اثنين إذ هما في الغار﴾ فعندما كانا رجلين الثنين في غار ثور ، وهر ثانيهما الذي أخرج والأوّل لم يخرجه الكفار ولم يقصدوا قتله . ﴿إذ يقول لصاحبه لاتَحْزَن﴾ فمع أن أبابكر لم يقصده الكفار ولم يخرجوه كان يخاف على نفسه ويحزن لها ولخروجه من أهله فمنعه النبيّ عن الحُزن . ﴿إنّ الله معنا﴾ فقال رسول الله لأبي بكر: إعلم أنّ الله معنا نحن معاشر الأنبياء والمرسلين ولا يدعنا ولا يخذلنا فالله معي الآن . ﴿فأنزل الله سكينته عليه﴾ ودليلاً ثبوتياً عمليّاً لقوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هو أن أنزل الله سبحانه الطُمأنينة القلبية والراحة النفسية والوقار على نبيّه فلم يَخَف كأبي بكر ﴿وأيّده بجنودٍ لم تَرَوها﴾ و إنّ الله سبحانه أيَّد رسول الله حين خروجه من بيته ومن مكّة بملائكةٍ ستروه عن أعين المشركين وأنت يا أبا بكر وجماعتك لم تروا الملائكة أبداً. ﴿وجعل كَلِمة الذين كفروا السفلى﴾ وبسلامة النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) و هجرته المبارکة ومبيت عليٍّ على فراشه جعل الله كلمة الشرك ذليلة وكلمة المشركين : ( سنهدُرَ دمَ محمد ) مكذوبة . ﴿وكلمة الله هي العليا والله عزيز حکيم﴾ وبذلك أعزّ الله کلمة التوحيد والإسلام وکلام نبیّ الإسلام وکان کلام علیٍّ عالياً علی المشرکين ليلة المبيت فالله بحكمته وبعزّته أعزّه .
﴿انفروا خفافاً وثقالاً﴾ يجب عليكم أيّها المسلمون أن تخرجوا الى تبوك لجهاد الكفار سواءٌ الأعزب ومن يعيل ، فإن علياً هو خليفني في المدينة لرعاية عوائلكم وهو منّى بمنزلة هارون من موسى . ﴿وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله﴾ فجهاد عليٍّ هو أن يحفظ لكم المدينة ويرعى من خلّفتموه وهو خليفة رسول الله وأمّا جهادكم فهو الخروج بالمال والنفس في سبيل الله . ﴿ذلكم خيرٌ لکم إن کنتم مؤمنين﴾ وبما أن الله ورسوله يعلمان أنّه سوف لا يقع القتال بل سيؤدّي إلي المصالحة فلا بُدّ من خروج جميع المسلمين حتّی يرضخ العدوّ للصلح . ﴿لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبّعوك﴾ لو كان ما دعوتهم إليه مكسباً دنيوياً بقرب المدينة ، أو سفراً غير بعيدٍ للتجارة والربح كانوا يتّبعونك للطمع . ﴿ولكن بَعُدت عليهم الشقة﴾ وأما عندما تدعوهم إلى تبوكٍ يرون المسافة بعيدة والسّفر متعباً ويظنّون أنّ ذلك سيشقُّ عليهم .
﴿وسيحلِفون بالله لو استطعنا لخرجنا معکم﴾ وفراراً من الجهاد واعتذاراً من الخروج وإغفالاً لكم يحلفون لكم أنّهم لا يقدرون على الخروج وترك منازلهم وعوائلهم ﴿يُهلكون أنفسهم والله يعلم أنّهم لكاذبون﴾ وبهذا الحلف الحرام الكاذب يجرون أنفسهم الى الهلاك ومع وجود عليٍّ في المدينة خليفةً عن رسول الله فلا مجال للعذر والحلف ، فهم كاذبون ﴿عفا الله عنك لِمَ أذنْتَ لهم﴾ وعندما أذنت يا رسول الله للبعض أن يتأخّروا عنكم ليعدّوا ويستعدّوا للِّحاق بكم كان الأولى أن لا تأذن لهم فعفا الله عن تركك الأولى .﴿حتى يتبيّن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين﴾ فإن كنت لم تأذن لهم بالبقاء والتأخر عن الركب ليتبيّن لك من يخالفك منهم ويعلن نفاقه ومن هو صادق في إيمانه .
﴿لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر﴾ إنّ المؤمنين بالله ورسوله وبالمعاد حقاً لا يطلبون الإذن للتخلّف عند أهليهم وأموالهم وبيوتهم . ﴿أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليمٌ بالمتّقين﴾ دون أن يخرجوا للجهاد فيُضحّوا بما هو أغلى من أموالهم وأهليهم وهي أنفسهم لله والله يعلم من هو من أهل التقوى .﴿إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر﴾ بل لا يستأذنك للتخلّف سوى من لم يؤمن صدقاً بالله وبرسوله وبالمعاد والإسلام . ﴿وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون﴾ و هؤلاء المنافقون الذين يشكّون في الله و في نبوّة رسوله و في يوم المعاد يبقون في شكّهم هذا حتی الموت. ﴿ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّةً﴾ و لو كان هولاء المنافقون يقصدون من رخصةِ التخلّف الأهبة و الإستعداد للجهاد لهيّأوا المتاع والسلاح . ﴿ولكن كره الله انبعاثهم فثبّطهم﴾ ولکنهم کانوا يقصدون الفرار من الزحف والهروب من الجهاد فتخلّفوا ، فکره الله انفاقهم و رياءهم بالخروج فتركهم في تخلّفهم . ﴿وقيل اقعدوا مع القاعدين﴾ فتكاسلوا و تثاقلوا و قال بعضهم لبعض : ما لكم والخروج لقتال الروم فاقعدوا مع النساء والصبيان والمرضى والزمنى في المدينه .
﴿لو خرجوا فيکم ما زادوکم الاّ خبالاً﴾ أيّها المسلمون لو خرج هؤلاء المنافقون معكم إلى تبوك لم ينفعونكم بل يسعون في تثبيط الآخرين والتجسّس للأعداء . ﴿ولأوْضعوا خلالكم يَبغونكم الفِتنة﴾ ثم كان سعيهم أن يوجدوا الإختلاف والتفرقة بين صفوفكم والأحقاد في قلوبكم والعداء بينكم لأنهّم منافقون .﴿وفيكم سمّاعون لهم والله عَليمٌ بالظالمين﴾ وكان ذلك محتملاً جداً لأنّ بعض من معكم ميّالٌ إليهم وهم المؤلّفة قلوبهم دائماً يطيعون أوامرهم وهم ظالمون والله يعرف نفاقهم . ﴿لقد أبتَغُوا الفِتنة من قبلُ﴾ إنّ هؤلاء المنافقين تآمروا علي قتلك في عدّة مواقع وخانوك عدّة مرّاتٍ في أُحد وخيبر وذات السلاسل وغيرها . ﴿وقلّبوا لك الأمور حتى جاء الحق﴾ ففي أحد بعد أن غلبت على الكفار تركوا مواقعهم وانشغلوا بجمع الغنائم فبدّلوا النصر إلى هزيمة ورجع خالدٌ فكُسِرت رباعيّة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ولكن جاءه النصر من الله ﴿وظهر أمر الله وهم کارهون﴾ فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) بسيف ذي الفقار من الله لعليٍّ فَهَتَفَ : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ ، وظهر فضله ذلك اليوم علي رغم مكر خصمهم له .
﴿و منهم من يقول إئذن لي ولا تفتّني﴾ وعندما خاطبتَ جدّ بن قيس رئيس المنافقين : يا أبا وهب هل لك في جهاد بني الأصفر تتّخذ منهم سراري ؟ قال : إذا جئت فسوف أفتتن بهنّ فلا أقاتلهم . ﴿ألا في الفتنةِ سقطوا﴾ وهو وسائر المنافقين إنمّا يريدون الإذن بالتحلّف لافتتانهم وَوَلعَِهِم بالنساء وهم ساقطون أخلاقياً . ﴿وإنّ جهنّم لمحيطةُ بالكافرين﴾ وحتماً إنّ الكافرين و المشرکين والمنافقين لا محيصَ لهم عن دخول النار بکفرهم ونفاقهم وفسقهم وفجورهم . ﴿إنْ تُصِبْك حَسَنةٌ تَسُؤهم﴾ فإذا أصيبت يا رسول الله هزيمة الكفار ودحرهم وأصبت الغلبة عليهم وحصلت الغنائم استاؤوا لذلك . ﴿وإن تُصِبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل﴾ وإذا كان المقدّر أن يُبتلى المسلمون باستشهاد عددٍ منهم يقولون إنا احتطنا لأنفسنا وحافظنا على حياتنا. ﴿ويتولّوا وهم فرِحون﴾ فيتركون الجهاد فرحين باستشهاد وقتل من قَتِل منكم وببقائهم سالمين متخلّفين عن الواجب . ﴿قل لَنْ يُصينَا إلاّ ما كَتَبَ الله لنا﴾ قل لهم يا رسول الله إنّ الآجال بيد الله ، فلن يُقتَل أحدٌ إلا بقضاء الله وقَدَرِه الذي كتبه لنا ليلة القدر .﴿هو مولانا وعلى الله فليتوكّل المؤمنون﴾ والله سبحانه وليّنا وأولى وأعرف بمصالحنا ، والشهادة إحدى الحُسنَيَين فإذا اختارها الله لنا فعليه يتوكّل كلّ مؤمن .
﴿قل هل تربَّصون بنا إلا إحدى الحُسنَيَيْن﴾ يا رسول الله قل لهم هل تنظرون فينا شيئاً غير أمرين ، وكلاهما خير وحسن وفضلٌ إمّا النصر وإمّما الشهادة . ﴿ونحن نتربَّص بكم أن يصيبكم الله بعذابٍ من عنده﴾ ونحن ننتظر من الله لكم أن يشملكم الخزي والعار والذلة والفقر والمسكنة في الدنيا وأليم العذاب في جهنّم .﴿أو بأيدينا فتربَّصوا إنّا معكم متربصون﴾ فانتظروا عذاب الله بأيدينا وهو القتل والأسر وانتظروا عذاب الله في الآخرة ونحن ننتظر الفتح والشهادة . ﴿قل أنفِقوا طوعاً أو كرهاً لن يُتَقبّلَ منكم﴾ قل لهم يا رسول الله إن كنتم تحتالون لجلب رضا الناس بإطعامهم وتطميعهم بالمال فهذا الإنفاق غير مقبول عند الله أبداً. ﴿إنَّكم كُنتم قوماً فاسقين﴾ قل لهم يا رسول الله إنّ الله يتقبّل من المتّقين نفقاتهم فحسب وأنتم فاسقون بالتخلّف والنفاق غير متّقين . ﴿وما مَنَعهم أن تُقْبَل منهم نفقاتهم إلاّ أنهم كفروا بالله و برسوله﴾ بوماً أنّ الإيمان الصادق هو شرط قبول الأعمال فنفقات المنافقين لا تقبل لأنهّم يضمرون الكفر بالله وبرسول الله . ﴿ولا يأتون الصلاة إلا وهم كُسالى﴾ وهؤلاء المنافقون لا يحضرون لصلاة الجماعة مع الطهارة بل يتکاسلون عنها ويمسحون علي الخُفّ والجورب وهم يتثاقلون في الحضور وقليلاً ما يحضرون . ﴿ولا يُنفِقون إلا وهم كارهون﴾ وعندما تطالبهم بالزكاة لا يدفعونها بقصد القربة إلى الله بل يؤدّونها رغم أنوفهم كارهون لدفعها وكارهون لك ولأهل بيتك .
﴿فلا تُعْجبك أموالهم ولا أولادهم﴾ فلا تستحسن أيّها المسلم ما هم فيه من الثروة والملك فلا تظنّ أنّ لهم بها عندنا حرمة ولا تغترٌ بأولادهم . ﴿إنما يريد الله ليُغذّبهم بها في الحياة الدنيا﴾ فالأموال والأولاد ليست من جانبنا نعمة لهم بل نقمة عليهم وامتحاناً حيث عليهم الوزر ولغيرهم المُهَنّا فيعذّبون أنفسهم في جمعها وادّخارها . ﴿وَتَزْهَقُ أنفسهم وهم كافرون﴾ فتخرج أرواحهم ويهلكون وهم مهتّمون بجمعِ الأموال من دون أن يؤدّوا شكرها وحقوقها من الخمس والزكاة وغيرها فيموتون كفاراً . ﴿ويحلفون بالله أنهّم لمنكم﴾ وهؤلاء المنافقون يتظاهرون ويُراؤون بأنهّم مسلمون ويحلفون كذباً بالله لإغرائكم أنهّم مؤمنون . ﴿وما هُمْ منكم ولكنهم قوم يفرقون﴾ واعلموا يقيناً أنّ المنافقين ليسوا بمسلمين ومؤمنين ، وإنمّا يتظاهرون بالإسلام خوفاً منکم وخشيةً . ﴿لو يجدون ملجأً أو مغاراتٍ أو مُدّخلاً تولّوا إليه وهم يجمحون﴾ فإذا وجد المنافقون مكاناً يلجأون إليه ضدّكم أو مغارات في الجبال محصّنةً منكم أو سراديب لذهبوا إليها معاندين لکم .
﴿ومنهم من يَلمِزُك في الصَّدقات﴾ ومن هؤلاء المنافقين من يعيبك في تقسيم الزکوات والغنائم ويريد أن لا تعدل في قسمتها فتعطي الرؤساء أكثر مِن غيرهم ﴿فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يُعطَو إذا هم يسخطون﴾ فإن أعطيتَ المؤلفة قلوبهم رضوا منك ومن قسمتك وإن حرمتهم وحرمت المتخلفين عن الجهاد من الغنائم سخطوا عليك. ﴿ولو أنهم رَضُوا ما آتاهم الله ورسوله و قالوا حسبُنا الله﴾ ولو كان هؤلاء يقنعون بما رزقهم الله وما أعطاهم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لكفاهم والأجدر أن يرضوا ويقولوا حسبنا الله سيرزقنا من الغنائم في المستقبل . ﴿سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنّا إلى الله راغبون﴾ فلو كانوا يتوكّلون على الله في الرزق ويثقوا بأنّه يتكفّل أرزاق الخلائق من فضله ورسول الله يعطيهم من الزكاة إن استحقّوها كان أجدر .
﴿إنمّا الصدقاتُ للفُقَراء ، والمساكين ، والعاملين عليها﴾ . إذ أنّ مصارف الزكوات وأصناف المستحقين لها هم ثمانية :
-1الفقير الذي لا يملك المؤونة .
-2المسكين الذي لا يجد قوتاً.
-3جُباة الزكاة ﴿والمؤلّفة قلوبهم ، وفي الرّقاب ، والغارمين ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل﴾ .
-4والذين يدافعون عن الإسلام والمسلمين بأنفسهم .
-5 والأيتام والمكاتبين لِعتِقهم .
6- والمديون المعُسِر .
-7 ومرافق مصالح المسلمين العامّة .
-8 ومن افتقر في السّفر .
﴿فريضة من الله والله عليم حکيم﴾ ويشترط فيهم أن لايصرفوها في الحرام وأن لا يكونوا ينتسبون إلى هاشمٍ بالأب ، ويشترط عدم الكفر والشرك والنّصب فالزكاة مفروضة من جانب الله العليم الحكيم . ﴿ومنهم الذين يؤذون النبيَّ ويقولون هو أُذُن﴾ من المنافقين نَفيل بن الحارث وجماعته وأبوسفيان وحزبه الأموي، لا يفترون عن إبذاء النبيّ بما يستطيعون ويتآمرون عليه ويقولون إنه يطيع ما يقوله عليٌّ و يسمعه . ﴿قل أُذُن خيرٍ لكم يؤمن بالله ويؤمن لِلمؤمنين﴾ قل لهم يا حبيبنا أناساً معٌ لأَقوال عليٍّ لأنَّ خير المسلمين في ذلك ، فالنبيٌّ يؤمن بولاء عليٍّ أمير المؤمنين و يؤمن بصدق إيمان المؤمنين . ﴿ورحمة للذين آمنوا منكم﴾ و رسول الله هو وإن كان رحمةً للعالمين في رسالته لكنه رحمةٌ للمؤمنين عندما يخصّهم بالمشورة ﴿والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم﴾ و قل لهم يا حبيبي إنَّ مِن يؤذيك بالقول و الفعل و يؤذيك بإيذائه لعليٍّ و شيعتة سينال عذاباً مؤلماً في جهنّم ﴿يحلفون بالله لكم ليُرْضُوكم والله ورسوله أحقُّ أن يُرضوه﴾ إنّ المنافقين يحلفون كذباً بالله بقصد إرضائكم ويقولون كذباً إنهم يؤمنون بالله ورسوله ولكنَّ الأجدر أن لا يحلفوا كذباً بل يؤمنوا صدقاً ﴿إن كانوا مؤمنين﴾ فإن كانوا يصدقون أنهّم يؤمنون بالله وبرسوله فليُرضوا الله ورسوله بالخروج للجهاد والإستشهاد في سبيل الله . ﴿ألم يعلموا أنّه من يُجادِدِ الله ورسولهِ﴾ إنّ المنافقين لعدم إيمانهم لا يعلمون انّ الله أعدَّ في الآخرة لمن يُشاقِق ويُعاند وينافق مع الله ورسوله. ﴿فإنَّ له نار جهنّم خالداً فيها﴾ نيران الجحيم ولهيب جهنّم ولظى وطبقات سقر والدَّرك الأسفل فيها ويخلدون إلى الأبد فيها . ﴿ذلك الخزي العظيم﴾ والخلود في نار جهنّم هو أكبر خزيٍ لهم حيث يُجَرّون بالسلاسل والأغلال مُصفّدين الى النار بمرأىً من الخلائق ويُضرَبون بمقامع من حديد . ﴿يحذر المنافقون أن تُنزََّل عليهم سورةُ﴾ يخاف هؤلاء المنافقون أن يتلوَ رسول الله عليهم سورةً كسورةِ تَبَّت يدا أبي لَهَبٍ وتبّ وأصحاب الفيل بشأنهم . ﴿تُنبّئهم بما في قلوبهم﴾ فتُكذِّب أيمانهم وحلفهم لكم بأنهّم مؤمنون بالله وبرسوله وتعلن ما يُضمرون في قلوبهم من النفاق والحسد والحقد والعداء لك ولأهل بيتك . ﴿قل استهزؤوا إنّ الله مخرج ما تحذرون﴾ حبيبي قل لهم أنّ الله سيفضح مؤامرتکم ويعلن کفرکم ونفاقکم للمَلَأ وعزمکم علی قتل النبيّ في العقبة بطريق تبوك . ﴿ولئن سألتهم ليقولُنَّ إنما كنّا نخوض ونلْعَب﴾ وعندما ناديتهم بأسمائهم وأخرجتهم من مکامنهم وسألتهم لِمَ تَقدَّمتم علينا وكَمِنتم هنا ؟ أجابوا خُضنا في الأحاديث والتهينا باللّعب . ﴿قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون﴾ قل لهم يا حبيببي إنّ لهوکم ولعبکم واستهزاءکم وسخريّتکم نابعٌ من عدم الإيمان بالله والقرآن وعدم الإعتقاد برسول الله . ﴿ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم﴾ فيعتذرون عن مؤامرتهم لقتلك بأنهّم كانوا يلعبون قل لهم لا تعتذروا إنكم كفرتم بذلك بعد أن كنتم تُظهرون الإيمان . ﴿إن نعفُ عن طائفةٍ منكم نعذِّب طائفةً بأنهّم كانوا مجرمين﴾ إنّ عفونا عن بعض من كان معكم كجحش بن حمير الأشجعي نعذِّب الباقين كمعاوية وابن عوفٍ وابن عاصٍ وابن الجراح وابن الأشعث لأنهّم مجرمون لقَصدهم قتلك ﴿المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض﴾ إنَّ معاوية المنافق هو من هندٍ المنافقة يومئذٍ ، وغيرهم ممّن أبطن الكفر وأظهر الإسلام متأصّلون في النفاق . ﴿يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف﴾كان هؤلاء يشيرون على حزبهم بترك الجهاد ومخالفة عليّ بن أبي طالبٍ وبغضه وعدائه وغصبِ الخلافة وظُلم الزهراء . ﴿ويقبضون أيديهم﴾ يغصبون إرث الزهراء ويمنعون خُمس آل محمدٍ علناً ويمنعون الماء عن عليٍّ بِصفّين وعن الحسين بكربلاء . ﴿نسُوا الله فَنَسِيهم إنّ المنافقين هم الفاسقون﴾ تناسوا عمداً حقّ الله وحكمه وطاعته وأوامره باتّباع القرآن والعترة وأهل البيت فنسيهم الله من رحمته وأُولئك فاسقون بعدائهم لهم .
﴿وَعَدَ الله المنافقين والمنافقات والكفّار نار جهنّم خالدين فيها﴾ إن الله أوعد المنافقين والمنافقات وهددهم كما أوعد الكفار الخلود في طبقات نار الجحيم والدرك الأسفل في النار، ﴿هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم﴾ فنار جهنّم تكفيهم جزاءاً لنفاقهم وعدائهم لآل محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وشملتهم لعنة الله وطردهم من رحمته في الدنيا والآخرة ولهم الإقامة الأبدية في جهنّم ﴿كالذين من قبلكم كانوا أشدَّ منكم قوّةً وأكثر أموالاً وأولاداً﴾ وليس في ذلك استبعادٌ حيث أنّ الله لعن الكفار من الأمم السالفة كقوم نوحٍ و هودٍ و صالحٍ و ابراهيمَ و لوطٍ و أهلكم و كانوا أكثر من المنافقين ﴿فاستَمْتَعوا بخَلاقِهم فاستمتعتُم بخلاقکم کما استمتع الذين من قبلکم بخَلاقِهم﴾ فان الأقوام السالفة الهالكة من قبلكم تمتّعوا بنصيبهم من الحياة الدنيا وأنتم أيّها المنافقون تمتّعوا قليلاً مثلهم ﴿وخُضْتم كالّذي خاضوا﴾ فكما خاض أُولئك الهالكون في فِسقهم وفجُورهم وكفرهم وعصيانهم وغرقوا في الباطل فأنتم كذلك خضتم في النفاق والكفر ومعاداة النبي وآله ، ﴿أولئك حَبطتْ أعمالهُم في الدّنيا والآخرة و أُولئك هم الخاسرون﴾ فكما أن الله لم يتقبّل من أولئك الأمم الهالکة عملاً حسناً لكفرهم وفسقهم وحَرمَهُم الثواب في الدنيا والاخرة فأنتم كذلك وذلك هو الخسران المبين ﴿أم يأتِهم نبأ الذين من قبلهم﴾ ألم يخبرهم الأنبياء کموسی و عيسی (عليهم السلام) و محمد ( صلّي الله عليه وآله وسلّم ) عن تلك الأمم التي أهلکها الله بکفرها و عصيانها و فجورها . ﴿قوم نوحٍ وعادٍ وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مَديَن والمؤتفكات﴾ وهذه الأمم الهالكة هم من أغرقوا بالطوفان ، وأهلكوا بالعاصفة وبالرَّجفة والصيحة ونمرودٌ بالبقّة وغيرهم بعذاب يوم الظّلّة وقوم لوط بالخسف ، ﴿أتَتهم رسُلهم بالبيّنات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يَظلِمون﴾ وكان هلاكهم بعد أن حذّرهم رُسل الله وأبلغوهم آيات الله ولكنّهم أعرضوا عنها وعنهم واستمرّوا فی الکفر والعصيان ، وظلموا أنفسهم فنالوا جزاءهم ولم يظلمهم الله ابتداءاً .
﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ﴾ إنّ النبيّ وعلياً أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والحسن والحسين وفاطمة الزهراء وخديجة وآل محمد بعضهم أولياءُ النَّسب وأولياء الإرث وأولياء الثأر وأولياء المحبّة والإيمان لبعض ﴿يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ إنّ صفة أهل البيت (عليهم السلام) وآل محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) الذاتية التي لا ينفكّون عنها أبداً أنهّم يأمرون بكلّ معروفٍ وينهون عن كلِّ منكر ، ﴿ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله﴾ وهم أوّل من أقام الصلاة مع رسول الله ، ولم يتركوا ولا ركعةً من النوافل و هم أدَّوا الزكاة الواجبة والمستحبّة في الركوع و غيرها وهم أطاعوا الله و رسوله في كلِّ الأحوال ، ﴿أولئك سيرحمُهم الله إنّ الله عزيزٌ حكيم﴾ فأهلُ البيت الطاهرين إن لم يرحمهم الناس فيظلمونهم ويقتلونهم و يغصبون حقهم لكن الله يمنحهم رحمته الواسعة المطلقة فلهم الشفاعة والجنّة والعزّة والحكمة ،﴿وعَدَ اللهُ المؤمنين والمؤمناتِ جنّاتٍ ﴾وكلّ مؤمنٍ بالله وبرسوله وبالآخرة ومؤمن بولاية أهل البيت ويتمسّك بالقرآن والعترة فإنّ الله قد وعده أن يُدخله الجنّات ، ﴿تجري من تَحْتِها الأنهار خالدين فيها﴾ وهذه الجنان الموعودة لشيعة أهل البيت تجري من تحت غرفها أنهارٌ من ماءٍ ولَبَنٍ وعسلٍ وهم يخلدون فيها ، ﴿ومساكِن طيّبةٍ في جنّاتِ عدن﴾ ولهم مساكن وقصور من الزبرجد والدُّر والياقوت والذهب والفضّة بجوار قصور النّبي والأئمة في وسط الجنّة، ﴿ورضوانٌ من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم﴾ فيناديهم الله عزّ وجلّ، فيقولون : لبيّك وسعديك ربّنا فيقول لهم رضيتم ؟ فيقولون : رضينا فيتجلّى لهم فيرون نوره وهو أكبر نعمة وأعظم نعمة يفوزون بها .
﴿يا أيُّها النبىّ جاهِدِ الكفّار﴾ يا رسول الله يجب عليك أن تقاتل وتحارب بالسيف والسلاح والقوة الكفار الحربيّين المحُاربين للإسلام والمسلمين ﴿والمنافقين وأغلظ عليهم﴾ يا حبيبنا يجب عليك أيضاً أن لا تُجامِل ولا تلين في القول للمنافقين بل انتهرهم وأعرِض بوجهك عنهم ، واستعمل الشدّة في القول والفعل معهم ﴿ومأواهم جهنّم وبئس المصير﴾ فإنّ مصيرهم ومآلهم ومسكنهم يوم القيامة ومحلّهم الجحيم والسقر والدرك الأسفل من النار وقعر جهنّم وذلك بئس المصير لهم ﴿يحلفون بالله ما قالوا﴾يقسمون بالله ما قال عبد الله بن أُبّي وحزبه المنافقون : ما مثلنا ومثل محمدٍ إلاّ كما يُقال تُسمِّن كلبك يأكلك ولَئِن رجعنا إلى المدينة ليُخرجنّ الأعزُّ منها الأذلّ ، ﴿و لقد قالوا كلمة الكُفر وكَفروا بعد اسلامهم﴾ ولكن المؤكّد أنهّم قالوا كلمتهم التي كفروا بها وأهانوا النبيّ وسبّوه وشتموه بها وبذلك ارتدّوا عن الإسلام بعد أن تظاهروا به ، ﴿وهَمُّوا بما لَمْ ينالوا﴾ بالتأكيد انّهم همّوا بتتويج عبد الله بن أُبيّ ملكاً عليهم و إخراجك من المدينة و نفي المسلمين والمؤمنين عنها لكنّهم لم يتمكّنوا ، ﴿وما نَقِموا إلاّ أن أغناهم الله ورسوله من فضله﴾ ولا سبب يدعو للنقمة على النبيّ أبداً حيث انّه اعطاهم من سهم المؤلفةِ قلوبهم وقسَّم عليهم الغنائم فأغناهم من فقرهم تفضّلاً وجوداً و كرماً ، ﴿فإن يتوبوا يكُ خيراً لهم وإن يتولّوا يعذبهم الله عذاباً أليماً﴾ فبعد هذا كله لم نُغْلِقْ بابَ التّوبة بوجه أحدٍ فإن يتركوا النفاق ويتوبوا إلى الله ورسوله فهو أحسن لهم ، وإن يُعرضوا عن التوبة فلهم العذاب وجزاء جهنّم الحريق ، ﴿في الدّنيا والآخرة ، و ما لهم في الأرض من وليٍّ ولا نصير﴾ فإن أعرضوا عن التوبة فسيعذّبهم اللهُ في الدنيا بالذلّة والفقر والمسكنة والأسر والقتل وإجراء الحدود والتّعازير والقصاص بأيديکم وليس لهم من مدافع يخلصهم .
﴿ومِنْهم من عاهَدَ الله لئِن أتانا من فضْلِهِ﴾ ومِن هؤلاء المنافقين ثعلبة بن حاطب الأنصاري حيث طلب من النبيّ أن يدعو اللهَ ليوسّع الله عليه في الرزق فعاهد الله انّه ان كثر رزقه من فضل الله ﴿لنصّدقنّ ولنكوننّ من الصالحين﴾ أن يتصدَّق على الفقراء والمساكين ويؤدّي الزكاة الواجبة ويصل أرحامه ويحجّ ويُخمِّس ويُنفق للجهاد ويكون بذلك من ذوي الأعمال الصالحة ، ﴿فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولّوا وهم معرضون﴾ وعندما دعا رسول الله أن يوسّع الله رزقه واستجاب الله دعاءه فكثر رزقه وكثرت أمواله منع الزكاة والخمس ولم يحضر الصلاة ، ﴿فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم الى يوم يلقونه﴾ فكانت عاقبة ثروتهم وأموالهم أن طغوا بالإستغناء وثبتوا في النفاق ولم يقبل رسول الله منهم مالاً وهكذا من تقمَّص الخلافة من بعده حتّى أن مات على النفاق ويُحشر عليه ، ﴿بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون﴾ وهذه العاقبة السيئة هي نتيجة خُلف وعدهم ونقض عهدهم مع الله ورسوله ومنعهم الزكاة والخمس ونتيجة لكذبهم في وعدهم لله ، ﴿ألم يعلموا أنّ الله يعلم سِرَّهم ونجواهم وان الله علاّم الغيوب﴾ ألم يعلم هؤلاء المنافقون أنَّ الله عالمٌ بالأسرار و النيّات فعلم ما يتشاورون به سرّاً وان الله يعلم الغيب عندما يحرِم أحداً من الرزق ويعلم المصالح الخفيّة ، ﴿الذين يَلمِزون المطوّعين من المؤمنين في الصَّدقات﴾ عندما تصدَّق عليٌّ أمير المؤمنين سرّاً وعلانيةً ليلاً ونهاراً وفي الرکوع قال المنافقون إنّ علياً يريد أن تُنزََّل باسمه الآيات ويتحدّث الناس بکرمه ، ﴿والذين لا يجدون إلاّ جُهدهم فيسخرون منهم﴾ ثم انّ المنافقين استهزؤوا وسخروا من أبي عقيل الأنصاري حيث تصدَّق بصاعٍ من تمر نصف أُجرةِ عَمَل يومه وقالوا إنَّ الله غنيٌّ من صاعه ، ﴿سخِر اللهُ منهم ولهم عذاب أليمٌ﴾ أنّ الله هو الذي يسخر من المنافقين حيث أنّه لا يناله التّمر بل يناله التقوى ، وهو الذي يثيب على شِقّ تمرة فکيف بصاعٍ فالله يستهزیءُ بعقول المنافقين وسيعذّبهم في جهنّم ، ﴿إستغفرْ لهَم أو لا تستغفرْ لَهُم إنْ تستغفرْ لَهُم سبعينَ مَرّةً فلن يغفر الله لهم﴾ ، عندما قال عبد الله بن أبي سلول لجماعته من المنافقين : لا تنفقوا على من عند رسول الله ثم جاءك يقول : استغفر لي ، فسواءً استغفرتَ أو لا فالمغفرة من الله واللهُ لا يغفر لهم أبداً، ﴿ذلك بأنهّم كفروا بالله ورسوله﴾ إنَّ الله لن يغفر لهم لأنهّم كفروا بمنع الزكاة والخُمس مع الإنكار فإنكار الضروريّ موجبٌ للكفر وذلك بغضاً للمؤمنين ولعليٍّ وشيعته ، ﴿والله لا يهدي القَوْمَ الفاسِقين﴾ فالذي يرتكب الكبائر الموجبة للإرتداد كإنكار الزكاة والخُمس ويفسق بمنعها فإنَّ الله لا يهدي هؤلاء الفسّاق لولاية محمدٍ وآله
﴿فَرِح المُخلّفون بمقْعَدهم خلافَ رسول الله﴾ أظهر المنافقون سرورهم بتَخلّفهم عن الجهاد مع الكفّار بتبوك بقعودهم في المدينة بعد خروج النبيّ منها وأعلنوا الأفراح بِخُلوّ المدينة من النبيّ ، ﴿وكَرِهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله﴾ وأظهروا كراهتهم من تأييد النبيّ وتقوية المسلمين في قبال الروم وأعلنوا كرههم للجهاد والانفاق في سبيل الإسلام والقرآن ، ﴿وقالوا لا تَنْفرِوا في الحَرّ﴾ وكان كل واحد من هؤلاء المنافقين المتخلّفين يُوصي صديقه المنافق بعدم الخروج للجهاد في حرّ الصيف وبعذر الحرّ ﴿قُلْ نارُ جهنّم أشدُّ حرّاً لو كانوا يَفْقهون﴾ قل لهم يا حبيبي إن كنتم تتأذّون من الحرّ وتُشفقون من حرارة الشمس والصيف فكيف بكم وكيف تتحمّلون حرارة نار الجحيم ولظاها التي تشوي الوجوه ، ﴿ فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاءاً بما كانوا يكسبون﴾ فقل لهم لا يضحكوا لِفَرَحِهم من تخلّفهم عن الجهاد بل فليبكوا كثيراً لما سيذوقوه من حرّ نار جهنّم التي تلفح وجوههم جزاءاً لتخلّفهم عن الجهاد .
﴿فإنْ رجَعَك الله إلي طائفة منهم﴾ يا حبيبي عندما ترجع بفضل الله وعونه ونصره الي المدينة وتلتقي بعدة من هؤلاء المتخلّفين ، ﴿فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا﴾ فيُظهرون لك الندامة كذباً ونفاقاً ويتظاهرون بالندم وعندما تقصد غزوةً أخرى يطلبون أن تأذن لهم بالجهاد فلا تأذن لهم ، ﴿معي أبداً ولن تُقاتلوا معي عدوّاً﴾ وقل لهم لا يحقّ لكم بعد التخلّف أن تخرجوا معي إذ أنّكم لو خرجتم معي فليس إلاّ للنفاق والفتنة فلستم تقاتلون الكفّار أبداً، ﴿إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّة فاقعدوا مع الخالفين﴾ وقل لهم لأنكم أحببتم القعود في المدينة قبلاً فالآن الأجدر أن تبقوا قاعدين مع النساء والصبيان والعجزة والمرضى ، ﴿ولا تُصلّ على أحدٍ منهم ماتَ أبداً﴾ يا حبيبي يا رسول الله إنّ مَن يموتُ من هؤلاء المنافقين المتخلّفين عن الجهاد لا يجوز أن تصلّي على جنازته ، ﴿ولا تقُم على قبرِه﴾ ولا يجوز لك يا رسول الله أن تحضر دفن هؤلاء المنافقين ولا أن تزور قبورهم ، ﴿إنهّم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون﴾ إنّ هؤلاء المنافقين كفروا بالتخلف عن الجهاد بالله ورسوله وبقوا على کفرهم ونفاقهم ولم يتوبوا توبةً نصوحاً وماتوا على نفاقهم فهم فاسقون ﴿ولا تُعجبْك أموالهُم وأولادُهم﴾ يا حبيبي نحن لا نمنح الأموال ولا نرزق الأولاد حبّاً للمنافقين فلا تتعجب من ذلك ، فإنّها ابتلاءٌ وامتحانٌ ومسؤوليّةٌ ثقيلةٌ لهم ، ﴿إنمّا يُريد الله أن يعذّبهم بها في الدنيا﴾ إنّ الله يعلم انّ المنافقين يلتهون بالتكاثر ويحرصون بجمع المال فيتحمّلون المشاقّ في سبيل الأموال والأولاد فلا يهنأون بالحياة بل يتعذّبون بها ، ﴿وتزهق أنفسهم وهم كافرون﴾ وأشدّ العذاب لهم أنهم حين الموت يصعب عليهم فراق الأموال والأولاد وتُنزَع أرواحهم بشدّةٍ ويموتون کفاراً.
﴿وإذا أُنزلت سورةٌ أن آمِنوا باللهِ وجاهدوا مع رسوله﴾ حينما نرسل جبرئيل بآيات الجهاد إليك لإبلاغها الى المسلمين فتبلغها وتتلوها عليهم وتأمرهم بالخروج للجهاد ، ﴿إستأذنك أولو الطَّوْل منهم وقالوا ذَرْنا نكن مع القاعدين﴾ يأتيك الأغنياء والأثرياء الذين يجب عليهم أولاً أن يلبّوا دعوة الجهاد فيطلبون الإذن للتخلّف والبقاء مع النساء والأطفال ، ﴿رَضُوا بأن يكونوا مع الخوالف﴾ إنّ هؤلاء مع ثروتهم وغناهم وتمكّنهم واستنكافهم من أن يُقرَنوا بالفقراء تكبّراً يرضون حينئذ أن يُقرَنوا بهم فراراً من الجهاد ﴿وطُبِع على قلوبهم فهم لا يفقهون﴾ فغلب الشيطان على عقولهم وقلوبهم فلم يفكّروا بالعواقب ولم يتدبّروا الأمور ونتائجها ولم يفهموا المصلحة من المفسدة ، ﴿لكِنِ الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم﴾ وعلى عكس المنافقين هم رسول الله والمؤمنون عليٌّ ورَبعُه حيث جاهدوا صدقاً عدة مرّاتٍ في سبيل الله بالمال والنفس ، ﴿وأولئك لهم الخيرات وأُولئك هم المفلحون﴾ فهؤلاء بجهادهم حازوا جميع الخيرات في الدنيا : الفضائل المعنوية والفوائد المادية من الغنائم والأنفال والفيء والخُمس ، وفي الآخرة خيرات الجنّة وهم المفلحون بها ، ﴿أعدَّ الله لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم﴾ هيّأ الله لهم الجنات وزيّنها لهم ، وأجرى لهم السلسبيل والكوثر ونهَر العَسل واللّبن والفرات والثجاج يخلدون فيها ولهذا قال عليٌّ : فزتُ وربّ الكعبة فذلك الفوز الأكبر ، ﴿وجاء المعذِّرون من الأعراب ليُؤذن لهم﴾ وجاء رهط عامر بن الطفيل من الأعراب يطلبون الإذن للتخلّف بعذر خوفهم من تَعَرُّض قبائل طيٍّ لنسائهم وأطفالهم ، ﴿وقعَدَ الذين كذبوا الله ورسوله﴾ وأما بني عفان بن خفاف بن أنمار فلم يطلبوا إذناً ولم يقدموا عذراً بل قعدوا عن الجهاد عمداً فأعلنوا كذبهم بادّعائهم الإيمان بالله ورسوله ، ﴿سيصيب الذين كفروا منهم عذابٌ أليم﴾ فالذي لم يكن معذوراً عند الله و كفر بتخلفه عن الجهاد مع تمكّنه عليه سيُذيقه الله الذلّه والصّغار في الدنيا و نار الجحيم في الآخرة ، ﴿ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا علي المرضي و لا علي الذين لا يجدون ما ينفقون حرج﴾ وأمّا الذين لا يتمكّنون من الجهاد إمّا لضعفهم وهُم النساء أو لمرضٍ أو لفقرٍ فلا إثمَ عليهم من عَدَمِ الخروج مع إذن النبيّ لهم ، ﴿إذا نصحوا للهِ ورسوله ، ما على المحسنين من سبيل والله غفورٌ رحيم﴾ ليس علي هؤلاء إثمٌ إذا لم يرجفوا ولم يُظهروا النفاق ولم يرتكبوا الكبائر وأدّوا الفرائض وأحسنوا الطاعة لله فالله يغفر لهم ويرحمهم ، ﴿ولا على الذين إذا ما أتوك لتحمِلَهم قلتَ لا أجدُ ما أحملكم عليه﴾ ولا حرج ولا إثم على السبعة الأنصار الذين جاؤا لِيَركبوا معك إلى الجهاد ولم يملكوا ما يركبون عليه فأعذرتهم من الجهاد ، ﴿تولّوا وأَعينهم تفيض من الدّمع حزناً ألاّ يجدوا ما ينفقون﴾ فأخذوا يبكون وتسيل دموعهم حزناً على حرمانهم من الجهاد في سبيل الله لعلّةِ فقرهم فحمل عليُّ ثلاثة منهم ، والعبّاسُ إثنين وياسين بن كعبٍ إثنين ، ﴿إنمّا السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء﴾ ولكنَّ سبيل الإثمِ وطريق اللوم مفتوحٌ على مصراعيه على الأغنياء المتمكّنين الذين يطلبون إذناً بالتخلّف عن الجهاد ، ﴿رَضُوا بأن يكونوا مع الخوالف﴾ فمع أن الله لم يرضَ لهم أن يكونوا مع المتخلّفين ورسول الله لم يرض أن يکونوامع القاعدين لکنهم رضوا أن يبقوا مع النساء والصبيان ، ﴿وطَبَع اللهُ على قُلوبهم فهم لا يعلمون﴾ فأغلقوا أفئدتهم عن استماع آيات الله وفهم أحكامه وبقوا في جهل الكفر والنفاق فطبع الله على قلوبهم .
﴿يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم﴾ وعندما ترجعون من جِهاد الكفّار في تبوك بنصر الله وتأييده الى المدينة فيجيئون معتذرين غير تائبين بأعذارٍ واهية ، ﴿قل لا تعتذروا ، لن نؤمن لكم قد نَبّأنا الله من أخباركم﴾ قل لهم يا حبيبي ما فائدة الإعتذار ؟ ولا يجدي نفعاً بل هو نابعٌ من النفاق لا الندم ، والله أخبرنا عن نواياکم السيّئة ، ﴿وسيری الله عملکم و رسوله ثم تُردّون إلى عالِم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون﴾ ومن الآن فصاعداً فكل ما تعملونه من النفاق و الخيانة لا يخفی علی الله ورسوله فيجازيکم بعد الموت بعد أن يخبرکم بما عملتم في الدنيا ، ﴿سيحلفون بالله لكم إذا أنقلبتم اليهم لتُعرِضوا عنهم﴾ فعندما توجّهون اللوم والعتب والتوبيخ اليهم لتخلّفهم يحلفون كذباً بالله أنهم كانوا يريدون الجهاد ولم يستطيعوا حتى تنتهوا من لَومهم ، ﴿فأعرضوا عنهم إنّهم رجسٌ ومأواهم جهنّم جزاءاً بما كانوا يكسبون﴾ انهّم يستحقّون اللوم والتوبيخ والتوهين منكم لأنهّم أرجاس بالشرك والنفاق لكن توبيخكم يسبّب حلفهم الكذب بالله فانتهوا منه ومصيرهم الجحيم غداً .
﴿يحلفون لكم لتَرضَوْا عنهم فإن تَرضَوْا عنهم﴾ إنهم إنمّا يحلفون كذباً بالله لكسب رضاءكم فلا ينبغي أن ترضوا عنهم ولكنّكم تظهرون الرضا لاحترام اسم الله والقسم به ، ﴿فإن الله لا يرضی عن القوم الفاسقين﴾ فان أظهرتم الرضا والتسليم وقبلتم عذرهم احتراماً للقسم بالله فالمؤكّد ان الله لا يرضى عنهم لأنهّم أضافوا فسقاً على تخلّفهم .
﴿الاعراب أشدّ كفراً ونفاقاً﴾ إنّ المنافقين البدو كقبيلتي أسدٍ وغطفان أشدّ عناداً وجهلاً في الكفر وأشدُّ رسوخاً وتعصّباً في النفاق ، ﴿وأجْدَرُ ألاّ يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله﴾ فلهذا إذا جهلوا أحكام الله أو تجاهلوها ولم يعرفوا الحدود والتعازير كالأعرابي الذي نسب السرقة لزيد بن صوحان حينما رأى يساره مقطوعاً من حربِ يمامة ، ﴿والله عليمٌ حکيم﴾ والله سبحانه أعلم مصالح عباده وحکيمٌ في تشريع أحكام الحدود والديّات والقصاص والجهاد ، ﴿ومن الأعراب من يتّخذ ما يُنفق مغرماً﴾ وهؤلاء المنافقون الأَعراب من بني أسدٍ وغطفان عندما يدفعون الزكاة يحسبونها خسارةً إذ لا يؤمنون بالثواب ، ﴿ويتربّص بكم الدوائر عليهم دائرة السَوْءِ والله سميع عليم﴾ وهؤلاء المنافقون من الأعراب ينتظرون أن تصيبكم هزيمة من المشركين ولكن الله سيُدير عليهم الذلّة والعذاب في الدنيا والآخرة ، ﴿و من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر﴾ و ممَّن يسكن البادية أبوذرّ الغفاري و قبيلتة ومن شابههم في الإيمان نشهد على إيمانهم بالله وبرسوله وبالآخرة صدقاً ، ﴿و يتّخذ ما ينفق قُرباتٍ عند الله﴾ فأبو ذرّ الغفاري الصِّدّيق وربعه من الأعراب المؤمنين يقصدون القربة لله عندما يزكّون ويُخمّسون ويتصدّقون وينفقون في الجهاد ، ﴿وصَلواتِ الرّسول﴾ ويرجو أن يصلّي النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليهم ويدعو لهم بالقبول والغفران والمزيد كما قال تعالي : وصلِّ عليهم إنَّ صلاتك سكنٌ لهم ، ﴿ألا إنّها قربةٌ لهم﴾ ألا فليعلم المسلمون كلّهم أن أباذرّ وبني غِفارٍ ومن شاكلهم تقبَّل الله نفقاتهم وقَرَّبهُم إليه كما قصدوا القربةَ لله فهم مُقرَّبون إلى الله ، ﴿سيُدخلهم الله في رحمته إن الله غفورٌ رحيم﴾ إنّ ثواب هؤلاء المؤمنين المقرَّبين عند الله وجزاءهم العاجل أن يدخلوا في ولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وحزبه وأجرهم الآجِل أن يدخلوا الجنّة وهي دارُ رحمة الله .
﴿والسابقون الأوّلون من المهاجرين﴾ والذين سبقوا الرجال والنساء في الإِيمان بالله ورسوله وبكتابه هم عليِّ بن أبي طالب وخديجة بنت خويلد وأبوطالب وأبوذرّ الغفاري وجعفر بن أبي طالب وسلمان في مكّة ، ﴿والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان﴾ والسابقون من الأنصار في الإيواء والإيمان والنُصرة ، ومن اتَّبَع المهاجرين والأنصار من التابعين بإحسانٍ كأويسِ القَرَني وغيره، ﴿رضي الله عنهم ورضُوا عنه﴾ رضي الله عنهم وارتضاهم لسبقهم إلى الإسلام فاختصّوا بالشفاعة لأنهّا مُختصّة بمن ارتضى الله وهؤلاء رضوا من الله بثوابه وجزائه في الدنيا والآخرة ، ﴿وأعدّ لهم جنّاتٍ تجري تحتها الأنهار﴾ وهيّأ الله لعليِّ وربعه السابقين بالإيمان الجنات كلّها وأجرى لهم فيها أنهار السلسبيل والزنجبيل والعسل المصفّى وأنهاراً من لبن شتّى ، ﴿خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم﴾ وقد ضَمِنَ الله إخلادهم إلى الأبد في الجنان ونِعَمها في مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدر وذلك هو أكبر فوزٍ لهم ، ﴿وممَِّن حولکم من الأعراب منافقون﴾ ومن بعض قبائل الأعراب القاطنين حول المدينة و غيرها قبائل منافقةٍ غير مؤمنين كأسلَم وأشجَع وجُهينَة ومزينة ، ﴿ومن أهل المدينة مَردوا على النّفاق﴾ ومن أهل المدينة أفرادٌ وبيوتٌ عُرِفوا بالنفاق وقد أولغوا فيه واستمروا عليه كبني العاص وبني الأشعث وبني مروان وبني أميّة والمُغيرة ، ﴿لا تعلمُهم ، نحن تعلمهم﴾ ولولا أنا نخبرك بأسمائهم وأحوالهم لما عَرِفتَهُم لتظاهرهم بالإيمان و لكننا نعرفهم فنخبرك بالوحي عنهم ، ﴿سنعذّبهم مرّتين﴾ وقريباً نعذِّب هؤلاء المنافقين بالذلّة والصّغار والهلاك والفَناء ثمَّ بعذاب القبر وضغطة اللّحد ، ﴿ثمّ يُردّون إلى عذابٍ عظيم﴾ وبعد هذين العذابين يُرجعون إلى نار جهنّم وحريقها فيُسحبون إليها على وجوههم صاغرين ويُكبّون فيها من مناخرهم ، ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم﴾ ومن أهل المدينة جماعة منهم أبو لبابة الأنصاري وأبو قيس وهلال ومرداس جاءوك نادمين مستغفرين معترفين بالذنب ، ﴿خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً﴾ وهؤلاء لم يكونوا من أُُولئك المنافقين بل كانت لهم أعمال صالحة من الزكاة والخُمس والصدقات لكنّهم أساءوا بالتخلّف عن الجهاد ، ﴿عسى الله أن يتوب عليهم ان الله غفور رحيم﴾ فشدّوا أنفسهم بإسطوانات المسجد تائبين نادمين معرضين عن الطعام والشراب إلى أن تقبّل الله توبتهم وغفر لهم ورحمهم .
﴿خُذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكيّهم بها﴾ يا حبيبي خُذ من المسلمين الخُمس ممّا تعلّق به من أموالهم فإنّ الخُمس يُطهِّر أموالهم ومناكحهم وأولادهم والخُمس نماءٌ لهم في الرزق وتهذيبٌ لأرواحهم ، ﴿وَصَلِّ عليهم إنّ صَلاتك سكنٌ لهم﴾ وعندما تأخذ منهم الخمس والزكاة أدعُ لهم بالقبول والبركة والرحمة والمغفرة فإنّ دعاءك يُثبِّت إيمانهم ، ﴿والله سميعٌ عليم﴾ والله يسمع دعاءك لمن يدفع الخُمس والزكاةَ ويعلم من يقصد القربة في دفعها ومن يُرائي بها ، ﴿ألم يعلموا أنَّ الله هو يقبل التوبة عن عباده﴾ ألا يدري الناس أنَّ الله توّابٌ رحيمٌ غفورٌ ودودٌ يتوب على من تاب صدقاً وتوبةُ كلّ معصيةٍ ما يناسبها قضاءً وكفّارة وأداءً ، ﴿ويأخذ الصدقات﴾ فيتقبل الله الصدقات الشرعية من الزكوات والأخماس والكفارات إن كانت لله فإنمّا يستلمها هو بيدِه ، ﴿وإنّ الله هو التوّاب الرحيم﴾ ألا يعلم الناس ان الله توّاب كثير التوبة وواسع المغفرة وعظيم العفو علي عباده و هو رحيمٌ بل أرحم الرّاحمين .
﴿وقُل أعملوا فسيرى الله عمَلكم﴾ يا حبيبي قل للمسلمين أن اعملوا عملاً صالحاً وقدّموا الخُمس والزكاة والصدقات والخيرات والطاعات لله فهو يراها ، ﴿ورسوله والمؤمنون﴾ وكذلك النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) والأئمّة المعصومون ( عليهم السلام ) فإنهّم تُعرَض عليهم أعمالكم بالأسبوع مرّتين : الجمعة والإثنين . ﴿وستُردّون إلى عالِم الغيب والشهادة﴾ والله سبحانه يعلم أسرارکم و بواطنکم ، وما فی صدورکم وضمائرکم کما يعلم ظواهرکم وعلانِيَتكم فسترجعون إليه وتقفون بين يديه ، ﴿فينبِّئكم بما كنتم تعملون﴾ ففي يوم القيامة وعند الميزان والحساب إن أخفيتم أعمالکم أو أنکرتموها سيخبرکم بكل ما عملتموه في الحياة الدّنيا .
﴿وآخرون مُرجَون لأمر الله﴾ وقسم من الخلائق يُردّون الى عالم الغيب والشهادة وقد ماتوا مستضعفين وجُهّال قاصرين أو أطفالاً أو مجانين فهم ِممَّن يُرجی غفرانه ، ﴿إما يُعذّبهم و إمّا يتوب عليهم والله عليم حکيم﴾ فيمتحنهم الله ويختبرهم ليعلم المطيع من العاصي هناك فإن أطاعوا فيتوب عليهم وإن عصوا فسيُعذّبهم وهو أعلم بهم وحكيمٌ بصلاحهم ، ﴿والذين اتخّذوا مسجداً ضراراً وكفراً﴾ والمنافقون الذين بنوا بأمر أبي عامر الرّاهب بناءً سمّوه مسجداً يقصدون بهِ إضراراً للنبيّ والمسلمين وهو ليس لعبادة الله بل لطاعة الشيطان وتقوية الكيد ، ﴿وتفريقاً بين المؤمنين﴾ وبنوا مسجد الضرار لقصد إيجاد التفرقة والاختلاف والتشتّت بين المسلمين فيتفرّق قسم منهم عن النبيّ وعن الصلاة معه ، ﴿وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل﴾ وبنوه ليكون معقلاً ومرصداً لأبي عامر الراهب بعد رجوعه من الشام ولحزبه المنافقين كحارثة وأولاده وكان يؤمّهُم مَجمَع بن حارثة ، ﴿وليحلفنّ إن أردنا إلاّ الحُسنى والله يشهد انّهم لكاذبون﴾ فلما جاؤك يطلبون أن تذهب للصلاة فيه حلفوا لك أنهّم إنما بَنَوه ليُصلّي فيه الشيوخ والضعفاء الذين لا يقدرون على الحضور في مسجدك ولكنهم يكذبون .
﴿لا تَقُم فيه أبداً﴾ يا حبيبي إنه ليس بمسجدٍ بل هو معقلُ الكفر والنفاق فلا تدخل فيه فكيف بالصلاة بل يجب عليك هدمه وتحطيمه وتخريبه ، ﴿لمَسجدٌ أُسِّس على التقوى من أوّل يومٍ﴾ فمسجد قُبا الذي بنيته قُربةً الى الله وطاعةً لإقامة الصلوات والعبادة لله فيه يوم ورودك يثرب وهو أوّل المساجد ، ﴿أحقّ أن تقوم فيه﴾ هو أحقّ أن تقوم فيه بالعبادة والصلاة وتلاوة القرآن والوعظ والإرشاد والتبليغ والتوجيه . ﴿فيه رجال يحبّون أن يتطهَّروا﴾ وفي مسجد قُبا أكثر الأوقات تَجِد سلمانَ وأبا ذرّ والمقداد وعمّار يصلّون لله ويعبدوه مخلصين يحبّون الطهارة من الذنوب ، ﴿والله يحبّ المتطهِّرين﴾ والله يحبّ هؤلاء الأربعة وأمر النبيّ بحبّهم مع عليٍّ أميرهم فالله يحبّ كلّ من يُطهِّر نفسه من الذنوب والآثام .
﴿أفمن أسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوانٍ﴾ نستفهم منكم إعلاماً هل أنّ مسجد قُبا الذي بنيتَهُ بقصدِ القربة لله وطاعته وعبادته خالصةً خوفاً منه ورجاءَ رضوانه ورحمته ، ﴿خيرٌ أمّن أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ﴾ هو أحسَن ؟ أو مسجد الضرار الذي اُقيم بناءه بقصد النفاقِ والكفر والمكر والخديعة للإضرار والتفرقة كمن يبني بناءه على شفير الوادي ؟ ﴿فانهار به في نار جهنّم﴾ فسقط وانهدم البناء من الأعلى الى قعر الهوّة السحيقة فمسجد ضرارٍ ينهدم مع أصحابه في قعر الجحيم ، ﴿والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ فالذي يقصد الظلم والإعتداء للإسلام والمسلمين ورسول الإسلام وأئمّة الإسلام المعصومين لا ينجون من الضّلال وإن بنوا المساجد ، ﴿لا يزال بنيانهُم الذي بَنَوا رِيبةً في قلوبهم﴾ إنّ بنيان ما يسمّونه المسجد کما بنوه ابتداءً علی النفاق والشكِّ في توحيد الله ونبوّة رسوله استمرَّ قائماً على النفاق ، ﴿إلاّ أن تقطّع قلوبهم والله عليم حكيم﴾ فلا يخرج الشكّ والنفاق من قلوبهم إلاّ أن تنفصل قلوبهم بالموت و الهلاك والله يعلم ضمائرهم وحكيم في تخريب بنائِهِم .
﴿إنّ الله الشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم﴾ بالتأكيد إنَّ الله لم يبع الجنَّة بل اشتري من عليٍّ وشيعته المؤمنين أنفسهم وأموالهم مقابل نِعَم الجنة منهم فمن باعَ نفسه وماله لله الشتراه منه ، ﴿بِأنَّ لهم الجنّة﴾ فيدفع الله ثمن ما يشتريه من المؤمنين وأجره الدخول في الجنة والتلذُّذ بِنعَِمِها والخلود فيها فيُمَلِّكها لهم ، ﴿يقاتلون في سبيل الله﴾ وکيفية الشراء و صفته هو الجهاد مع الکفار و مقاتلة أعداء الله لله وامتثالاً لأمرِهِ وتقرُّباً إليه ، ﴿فَيقتُلون ويُقتَلون﴾ فعندما يعرضون متاعهم لله يضعون أرواحهم في أكفِّهم ويقاتلون أعداء الله فينالون إحدى الحَُسنَيَين إمّا أن يَقتُلون أويُقتَلون ، ﴿وعداً عليه حقّاً في التوراة والإنجيل والقرآن﴾ وقد وَعَدَ الله المؤمنين أن يُسلِّم لهم الثَّمَن مقابل شراء أنفسهم وأموالهم ووعدُهُ الحقّ قبل هذا في وحيه لموسى وعيسى (عليهم السلام) ومحمد ( صلّي الله عليه وآله وسلّم ) وذلك منصوصٌ في كتبهم السماوية . ﴿ومن أوفي بعهده من الله﴾ ونستفهم إنكاراً هل يوجد من هو أوفي عهداً وأصدقُ وعداً واربح بيعاً من الله ؟ فلا يوجد أبداً أوفي منه ، ﴿فاستبشروا ببيعِكم الذي بايعتم به﴾ فأبشِروا بالرّبح وأغلى الأثمان في بيعكم أنفسكم لله وتباشروا بالفرح والسرور لتجارتكم الرابحة وصفقتكم المربحة مع أوفي المُشترين وأحسن الثمن ﴿وذلك هو الفوز العظيم﴾ وأعظم الفوز هو أن يبيع الانسان لله نفسه الذي هو باريها وخالقها ومالكها وإنمّا هي أمانةٌ عند الإنسان مقابل رضاءِ الله وعفوهِ وغفرانه ورحمتِه وجنته .
﴿التّائبون العابدون الحامِدون﴾ هؤلاء الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله أوصافهم معروفة وهي شروط للبيع ، وهذه المعاملة مع الله وهي التوبة من كل ذنب ، والعبادة والحمد لله ، ﴿السّائحون الرّاكعون السّاجدون﴾ وهؤلاء بعد أن كان وصفهم التوبة والعبادة لله والثناء عليه يوصفون بالصوم لله والركوع والسجود بخلوصٍ وقربةٍ إلى الله ، ﴿الآمرون بالمعروف ، والناهون عن المنكر﴾ ويوصفون دائماً بتحليّهم بكلّ معروفٍ ثمّ دعوةَ الآخرين إليه وينتهون عن كل منكرٍ و ينهون الآخرين عنه ، ﴿والحافظون لحدود الله﴾ وصفتهم انهم يحفظون حقوق الله و يطبّقون أحكامه بحدودها وشروطها فيدفعون الزكاة والخُمس و يحجّون و يجاهدون ويوالون اولياءَ الله ويتبرّؤن من أعدائه ، ﴿وَ بَشِّر المؤمنين﴾ وبشِّر المؤمنين بأنهم الفرقة الناجية وأميرهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وهو ساقيهم على الحوض ويُدخلهم الجنّة بيده .
﴿ما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين﴾ أيّها الناس لا تطلبوا من النبيّ أن يستغفر للمشركين كأبي جهلٍ وأبي لهب وأبي سفيان ولا يجوز للمسلمين أن يستغفروا للمشرکين ، ﴿ولو كانوا أُولي قُربیٰ﴾ حتى إذا كانوا أقرباءكم وأرحامكم وذويكم ، وقد ثبت أنَّ عبدالمطلّب وأبا طالب وعبد الله وآمنةَ كانوا مُوحّدين إبراهيميّين فاستغَفَر لهم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ﴿بعدما تبيّن لهم أنهّم أصحاب الجحيم﴾ فلا يجوز الاستغفار للمشركين بعد أن ظهر أنَّ الله أوعدهم عذاب النار فان لم يكونوا كذلك بل تبيَّن توحيدهم لله فجائز ، ﴿وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدةٍ وَعَدها إيّاه﴾ فإذا سألتم كيف استغفر إبراهيم لِعَمِّهِ آزر المشرك ؟ نقول : إنّه كان قد وعده ذلك بشرط أن يؤمن بالله ويوحّده فقَبِل الشرط ، ﴿فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ لله تبرّأ منه﴾ وعندما ظهر له وثبت عنده أنّ آزر لا يفي بالشرط ولم يوحّد الله وبقي على شركه وعداوته لله لم يستغفر له بل تبرَّأ منه ، ﴿إنّ إبراهيمَ لأوّاهٌ حليم﴾ فبالتأكيد إنّ إبراهيمَ الخليل كثير الخشوع والخضوع لله ويتأوّه من خوف الله وعذابه ومن عدم إيمان عَمِّه والمشركين وصبورٌ على البلاء .
﴿ما كان الله ليُضلّ قوماً بعد إذ هداهم﴾ ان الله سبحانه لا يترك المؤمنين يضلّوا ويفسقوا بسبب جهلهم بالأحكام بل وبسبب إغواء الشيطان لهم يستغفروا للمشركين ، بل وبسبب اغواء الشيطان لهم يستغفروا للمشركين كلاّ ﴿حتى يبيّن لهم ما يتّقون﴾ بل بلُطفه ومَنِّه وكرمه يصونهم من الضلالة فيُشرِّع لهم الأحكام بالوحي ويبيّن لهم النبيّ الواجبات والمحرَّمات وطرق التقوى ، ﴿إنَّ الله بكل شيء عليم﴾ إنّ الله سبحانه عالمٌ بجميع مصالح المؤمنين و بما يُرشدهم للتقوي ويقودهم للهداية و يمنعهم الضلالة ، ﴿إنَّ الله له مُلكُ السماوات والأرض﴾ فبالتأكيد إن ملكيّة السماوات والأرض العينيّة الحقيقيّة لله وحده وله المالكيّة التكوينية والتشريعية وله الملك والسلطنة المطلقة عليها ، ﴿يحُيي ويمُيت وما لكُم من دون الله من وليٍّ ولا نصير﴾ فالله سبحانه يخلق ويوجِد ويَهَب الحياة ثم يُفني ويقبض الأرواح و يسلب الحياة من کلِّ شيء إذا أراد ولا إرادة تُضادّة ولا مَن يمنع تصرّفه .
﴿لقد ناب الله على النبيّ﴾ عندما شكّ جيش النبيّ وحزبه في نصر الله وعونه وتأييده في ساعة العُسرة والجوع والعطش نَصَرَ الله نبيَّه فتاب على جماعتة لأجله ، ﴿والمهاجرين والأنصار الذين اتبّعوه﴾ تاب الله على المهاجرين والأنضار الذين كادوا أن يزيغوا فندموا سريعاً وتابوا واستغفروا الله فغفر لهم ، ﴿في ساعة العُسرةِ من بعد ما كادَ يزيغ قلوبُ فريقٍ منهم﴾ في أيام الشدّة في تبوك حيث أصابهم الحرّ والعَطَش والجوع فقَلِقوا واضطربوا وشكّوا في النجاة وكادت تميل قلوبهم للشكّ ، ﴿ثم تاب عليهم إنّه بهم رؤوفٌ رحيم﴾ فاستقی لهم النبيّ فأمطرت السماء فارتوَوا فنَدموا على ما عَرَض في قلوبهم فتابوا منه فَقَبِلَ الله توبتهم فشَمَلهم برأفتِه ورحمته ، ﴿وعلى الثلاثة الذين خُلّفوا﴾ وكما تاب الله على هؤلاء تاب أيضاً على كعب بن مالك ، وفرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية حيث ندموا على تخلّفهم وتابوا ، ﴿حتّى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رَحُبَت﴾ فأمر رسول الله الناس بأن لا يكلّموهم ولا يجالسوهم وأمر أهليهم وذويهم بمتاركتهم حتّى النساء فضاقت الدّنيا بأعينهم ، ﴿وضاقت عليهم أنفسهم وظنّوا أن لا ملجأ من الله إلاّ إليه﴾ وهؤلاء لم يكونوا من المنافقين ولكنهم تخلّفوا جهلاً وكسلاً فبعد أن لم يقبل رسول الله عذرهم ملّوا حياتهم وعرفوا أن لا منجى لهم سوى الله ﴿ثمّ تاب عليهم ليتوبوا إنّ الله هو التوّاب الرّحيم﴾ فأخذوا يبكون ويتضرّعون الىّ الله ويطلبون منه المغفرة والرّضوان والعفو والرحمة فتابوا توبةً نصوحاً فتاب الله عليهم فبشَّرهم النبيّ بقبول توبتهم .
﴿يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله﴾ أيّها المؤمنون إنّ مُجرَّد الإيمان بالله وبرسوله وبالآخرة لا يكفي بل يجب عليكم التقوى وترك المحرَّمات وإتيان الواجبات والخوف من الله ، ﴿وكونوا مع الصادقين﴾ أيّها المؤمنون نأمركم أمراً مولوياًَ واجباً أنتم مُلزَمون بامتثاله فلا يكفي الإيمان والتقوى بدونه وهو أن تكونوا مع محمدٍ وآل محمد ومع أهل بيت محمد فتكونوا شيعةً لهم .
﴿ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب﴾ لا يجوز لمسلمٍ أن يتخلّف عن الجهاد أو يفرّ من زحفٍ وحرامٌ على كل مسلم أن يعصي النبيّ ولا يطيعه فكيف بأهل مدينته ومن حولها الذين يدّعون الإسلام ﴿أن يتخلّفوا عن رسول الله ولا يرغَبُوا بأنفسهم عن نفسه﴾ فجُهينة ومزينَة وأشجع وأسلم وبني غفار وكلّ أهل المدينة لا يحقُّ لهم التخلّف عن أمر رسول الله وطاعته في كل شيء سيّما الجهاد، ولا يحلّ لهم أن يبخلوا بأنفسهم حُبّاً لها دون محبّة النبيّ ( صلّي الله عليه وآله وسلّم ) ، ﴿ذلك بأنهّم لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصبٌ ولا مخمصةٌ في سبيل الله﴾ ربمّا تعتذرون للتخلّف وحِلّه بدليل العُسروالحَرَج والمشقّة ولكن لا يتمّ ذلك حيث إنّ الجهاد معناه تحمّل المشاقّ لله فإذا عطشوا أو تعبوا أوجاعوا في طريق الجهاد ، ﴿ولا يَطؤون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوّ نيلاً﴾ وإذا وطأت أقدامهم ساحة الجهاد والقتال وأغضبوا الكفار بقتالهم لهم وإذا قتلوا أو أسروا أو جرحوا أو غَنموا منهم ، ﴿إلاّ كُتِبَ لهم به عملٌ صالح﴾ فكل ذلك يُكتَب لهم في صحيفة أعمالهم عبادةً وطاعةً ويُثابون عليها ويُؤجَرون فمزيد الأجر لا يُسقط التكليف ، ﴿إنّ الله لا يُضيع أجر المحسنين﴾ فبالتأكيد لا يُحتمل مطلقاً أن يبخَسَ الله سبحانه وهو العدل والمنّان أجرَ المؤمنين الذين يُحسنون الطاعةَ للهِ ، ﴿ولا ينفقون نفقةً صغيرةً ولا كبيرة﴾ وكذلك فإنَّ ما يدفعونه ويصرفون من المال في سبيل الله قليلاً أو كثيراً وصدقةً مستحبّةً أو واجبةً بقصد القربة لله مُثاب عليه ، ﴿ولا يقطعون وادياً إلاّ كتب لهم﴾ وكذلك لا يسيرون في زحفهم إلي العدو مهما كانت الشُّقة بعيدة فالثواب والأجر يزداد مع طول المسافة فلكلّ خطوةٍ أجر، ، ﴿ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون﴾ فيعطيهم الله بفضله وجوده وكرمه و عدله وامتنانه أحسن الأجر والثواب وأفضل الجزاء علي ما قصدوا القربة بأفعالهم
﴿و ما كان المؤمنون لينفروا كافّة﴾ و عندما اعترضوا علي النبيّ ( صلّي الله عليه وآله و سلّم ) بقاءَ أميرالمؤمنين عليٍّ بأمره في المدينه قال الله في جوابهم بأنَّ الجهاد وإن كان واجباً عاماً إلاّ أنّه يُخصَّص عمومه بأفرادٍ لمصلحةٍ ، ﴿فلولا نَفَر من كل فرقةٍ منهم طائفة ليتفقّهوا في الدّين﴾ فهلاّ فكّرتم بالواجب الكفائي من تحصيل علم الأحكام الشرعيّة وفهم الواجبات والمحرَّمات من القرآن والسنّة ليقوم بذلك جماعة منكم ، ﴿وليُنذروا قومَهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون﴾ ثم بعد وجوب النفر للتفقّه يجب عليهم أن يرجعوا إلى أقوامهم لإبلاغ الأحكام إليهم وإنذارهم من المحرّمات كي يحذروها .
﴿يا أيّها الذين آمنوا قاتِلوا الذين يَلُونكم من الكفار﴾ أيها المسلمون لا تغفلوا عن الکفار القريبين منکم والذين تربطکم بهم قرابة أو الکفار الذين يريدون أن يتولّوکم ويتسلّطوا عليکم فقاتلوهم ، ﴿وليجدوا فيکم غلظةً واعلموا أنّ الله مع المتّقين﴾ فقابلوهم وقاتلوهم بشدّةٍ ولا تلينوا لهم في القول والجهاد فلا تعطوهم مجالاً ليتسلّطوا عليكم فليروا فيكم العزم والجدّ والصمود والله مع من يكون كذلك ، ﴿وإذا ما أُنْزِلت سورةٌ فمنهم من يقول أيُّکم زادَته هذه إيماناً﴾ وعندما نُنزل بواسطة جبرائيل إليك سورة البراءة من المشركين والمنافقين يستهزأون بها ويستخف بها هؤلاء المنافقون ، ﴿فأمّا الذين أمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون﴾ وأمّا المؤمنون فإنهم يفرحون كثيراً بنزول سورة البراءة ويزدادون يقينا وثقةً بالله وبوعده ووعيده وبعقابه للمنافقين وثوابه للمؤمنين، ﴿و أمّا الذين في قلوبهم مرض﴾ و أمّا المنافقون والذين يضمرون الكفر أو البعض للنبيّ وأهل بيته وشيعتهم فعندما يسمعون سورة براءة ، ﴿فزادتهم رجساً الى رجسهم﴾ يزدادون غيظاً و بغضاً وحنقاً وعداءاً لرسول الله وأهل بيته وللحقّ والعدل و الإيمان والتقوی فيزدادون نفاقاً و شرکاً ، ﴿وماتوا وهم کافرون﴾ فبدلاً من أن يرجعوا ويتوبوا ويتركوا النفاق والعناد يرسخون في الكفر فيموتون عليه مُصرّين معاندين .
﴿أوَلا يَرون أنهّم يُفتنون في كلّ عامٍ﴾ أيّها المؤمنون ألا يرى المنافقون أن الله ونبيّه يمتحنونهم بالزكاة والخُمس والجهاد في كل سنة فيثبتُ نفاقهم ، ﴿مرّةً أو مرّتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكرون﴾ ففي كل سنة يؤدّون إمتحان الإيمان واختبارَ التقوى مرّةً أو مرّتين وفي كل مرّةٍ يثبت لهم نفاقهم لكنّهم لا يندمون ولا يستغفرون ولا يؤمنون ، ﴿وإذا ما أُنزلت سورةٌ نظر بعضُهم إلى بعضٍ هل يَراکم من أحدٍ﴾ وعندما تنزل سورة تأمرهم بالخروج للجهاد في سبيل الله يؤشِّر بعينه لصديقه بالهرب خفيةً واستتاراً عن أعينُ المسلمين فيهربوا ، ﴿ثمّ انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهّم قوم لا يفقهون﴾ فعندما اطمأنّوا بأن لا يراهم أحدٌ من المسلمين انصرفوا هاربين وتخلّفوا عن الجهاد صَرفَ الله قلوبهم عن الإيمان لأنهّم منافقون لا يفقهون .
﴿لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم﴾ بالتأكيد بعث الله محمداً من العرب ومن قريشٍ ومن ربيعةَ ومُضَر وهو أنفَس وأغلى وأشرف العرب فضيلةً وشرفاً، ﴿عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم﴾ و رسول الله هذا يعزّ عليه و يشقّ عليه أن يراکم في مكروه الكفر والشرك والإِثم والضلال والجاهليّة والفسق والفجور ، ﴿حريصٌ عليكم﴾ وهو ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يحرص ويتلهّف ويهتمّ کثيراً بهدايتکم وبنجاتكم وتربيتكم وتأديبكم وإيصالكم إلى الجنّة ، ﴿بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم﴾ ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يترأّف بالمحبّة والمودّة والشفقة لأمير المؤمنين علىٍّ وشيعته المؤمنين ويعطف عليهم بالرحمة في الدنيا والآخرة ، ﴿ فإن تولوّا فقل حسبي الله لا إله إلا هو﴾ فان تولّي المسلمون و أعرضوا عن موالاة أميرالمؤمنين و أهل بيته و شيعة فقل حسبي الله وکيلاً عليکم و محامياً لهم وناصراً و معيناً ، ﴿عليه توكّلتُ﴾ وقل لهم يا رسول الله إنيّ توكّلت على عون الله وتأييدِه و دفاعِه و نَصرِهِ لعليٍّ و شيعته وهو نعم الوکيل ، ﴿وهــو ربُّ العرشِ العظيم﴾ والله جلَّ جلاله و عظم شأنه هو صاحب عرش العظمة وخالق كرسيّ القدرة وقد كتب علي قوائمه لا إله إلا الله محمّدٌ رسول الله عليٌّ أمير المؤمنين ( عليه السلام )
(صدق الله العليّ العظيم)

نشر في الصفحات 93-41 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد الأول

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *