سورة الزلزال
2016-06-16
سورة الجنّ
2016-06-16

(6)
سورة آل ياسين (ع)

﴿بسم الله الرَّحمٰن الرَّحيم ، والصّافاتِ صفّاً﴾ بإسمي أنا الله لا إله إلاّ أنا أُقسم بملائكتي المقرّبين المصطفّين للصلاة والعبادة كجماعة المؤمنين أو المصطفَّة لإجراء الأوامر كالمجاهدين ، ﴿فالزاجرات زجراً﴾ وأقسم بمزيد عناية بملائكة الزجرة والعذاب الموكّلين لإهلاك الكفار والمنافقين وبخزَنَةِ جهنَّم وَمَلَكِ الموت ، ﴿فالتّاليات ذكراً﴾ وأقسم قسماً مستقلاً خاصاً بملائكة اللَّوْحِ والقلم وملك الوحي جبرائيل الروح الملك الأكبر المنزل ليلة القدر بكلّ أمر، ﴿إنَّ إلهكُم لَواحِدٌ﴾ فقسماً بجميع ملائكة السماوات والأرضين والعباد المكرمين الذين لا يعصون الله ما أمرهم به وبأمره يعملون، العقول النورانية الجوهريّة إنّ الله فردٌ أحدٌ ، ﴿ربّ السماوات والأرض﴾ فهو خالق السماوات السبع وموجدها وصاحبها ومالكها وبارئها ومصوّرها وهو مكوِّر الأرض وداحيه وموجده ومدبّره وراعيه، ﴿وما بينها وربّ المشارق﴾ وهو ربّ الملائكة والجنّ والإنس الحيوان والنّباتات والمعادن والكُرات والذرّات الموجودة في السماء والأرض وبينهما وهو موجد حرکة الأرض الدّورية ، ﴿إنّا زَينّا السماء الدنيا بزينة الكواكب﴾ بالتأكيد أنا الله الخالق خلقتُ بيدي ملائكة السماء المصوّرة للكواكب والأفلاك هذه النجوم وأشعّتها الضوئيّة بنظامها الفلكي وزيَّنتُ الدّنيا بمحمّدٍ وآله المعصومين (عليهم السلام) ، ﴿وحِفظاً من كلّ شيطانٍ ماردٍ﴾ وحفظت الكواكب أن يصل إليها أبالسة الجنّ المردة كما حفظت محمداً وأهل بيته المعصومين من وساوس الشيطان ومكره وحبائله ، ﴿لا يسَّمَعون إلى الملأ الأعلى﴾ فلا تَتَمكَّن الأبالسة والشياطين من الاستماع الى ملائكة الوحي والتقدير واللوح والقلم كما لا تتمكَّن من سماع كلام الملك المحدث للأئمّة ( عليهم السلام ) ، ﴿ويقذفون من كلِّ جانبٍ﴾ فمنذ ولادة النبيّ طُردت الشياطين من العروج الى السماء واستراق السَّمع فالملائكة تقذفها بالشُّهب من أطراف الفضاء والسماء، ﴿دُحوراً ولهُم عذابٌ واصِبٌ﴾ يُقذفون قذفاً شديداً ويردّونهم ردّاً ويطردونهم طرداً ويرجعونهم الى الوراء بقوّةٍ ولهم في الآخرة نار دائمة مستمرّة وتُصَبُّ عليهم صبّاً، ﴿إلاّ من خطِفَ الخطفة﴾ فإذا لم يعرج الجنّ لاستراق السَّمع لا يدحر إذا طار في الفضاء بسرعة خاطفة ولا يعذَّب للخطفة بل العذاب للإستراق ، ﴿فأتبعَهُ شهابٌ ثاقبٌ﴾ لكنَّ الذي يقطع الأجواء بسرعة خاطفة تتبعه النّيازك من الكواكب فتصطدم به فتثقبه وتحرقه وتدمّره .
﴿فاستَفْتِهِم أهُم أشدُّ خلقاً أم من خلقنا؟﴾ فاسألهم يا رسول الله استفهاماً استنكارياً هل انّ الله أقدر على الخلق والإيجاد والصُّنع والتصوير أم الملائكة والجنّ والبشر الذين هم مخلوقون لله ، ﴿إنّا خلقناهم من طينٍ لازِب﴾ بالتأكيد إنّ قدرتنا الخلاقيّة تجلّت بكاملها حينما خلقنا الإنسان من تُرابٍ وماءٍ فمَزجناه طيناً لَزِجاً وصوّرناه فخلقناه ، ﴿بل عجبتَ ويسخرون﴾ وعندما يجيبون السؤال جواباً تافهاً تتعجَّب من جوابهم ومن نُقصان عقولهم ومن إنكارهم البديهيّ وجهلهم بالحقّ وكُفرهم بالله فيسخرون منك لإيمانك بالله ، ﴿وإذا ذُکِّروا لا يذکُرون﴾ فإنّ هؤلاء الکفّار الملحدين والمشرکين و المنافقين إذ ذکّرتَهُم بآيات الله لا يتذكّرون ولا يتّعظون بها ولا يذكرون خلق الله لهم ، ﴿وإذا رأوا آيةً يستسخرون﴾ و إذ رأي المنافقون و الكفار معجزةً كردِّ الشمس و شقّ القمر والمعراج وغيرها يستهزؤون بها ويضحكون منها ، ﴿وقالوا: إن هذا إلاّ سحرٌ مبينٌ﴾ ويقولون ليست هذه معاجز، ولم تكن لها حقائق خارجيّة محسوسة بل تمويهٌ وتشويةٌ علينا وعلي أعيننا وشعبذةٌ ، ﴿ءَإذا مِتنا وكُنّا تُراباً وعِظاماً ءإنَّا لمبعوثون﴾ فيكرون البعث والمعاد علناً ويسألون إنكاراً وجحوداً هل إنّنا بعد موتنا وبعد أن صرنا رميماً نُبعث ثانية ؟؟ ﴿أوَآباؤنا الأوّلون﴾ وهل سيبعث أجدادنا الذين ماتوا قبل مئات السنين وأصبحوا تُراباً وليس لهم أثرٌ ولا عينٌ ؟؟ ﴿قُل نعم وأنتُم داخِرون﴾ قل لهم يا رسول الله : نعم إنّ البعث حق فالذي خلقكم من العدم يتمكّن من خلقكم بعد العدم ، فسيبعثكم أذِلاء صاغرين معذِّبين .
﴿فإنمّا هي زجرةً واحدةً فإذا هم ينظرون﴾ فليست إلاّ نفخة إسرافيل في الصُّور وهزّة للأرض شديدةً تُلقي بما فی داخلها فتنشر رميمکم فتبعثون وتحشرون وترون القيامة ، ﴿وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين﴾ فحينئذ يرون الأمر الواقع وما كانوا ينكرونه حقيقةً ثابتةً عينيّةً فيأخذهم الذّعر والرعب والخوف فيقولون : واويلاه هذه القيامة ، ﴿هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذِّبون﴾ فيخاطبون : نعم هذه يوم القيامة ، ويوم الحساب ، والميزان ، ويوم الجزاء ويوم يفصل بين المؤمن والكافر ، والمصلح والمسيء و کنتم تنکرونه ، ﴿احشروا الذين ظلموا وأزواجهم﴾ فيأمر الله ملائكة العذاب أن يحضروا المشركين والكفار والمنافقين والطغاة والجبابرة والظالمين وزوجاتهم اللاتي كُنّ مثلهم ، ﴿وما کانوا يعبدون﴾ وأوقفوهم في محكمةِ العدل الإلهي مع أداة جريمتهم ومع ما کانوا يعبدون ومن كانوا يطيعون ويحبّون ، ﴿من دون الله فاهدوهم الى صراط الجحيم﴾ فكلّ معبودٍ مطاعٍ سوى الله يُؤتي به لإثبات الجريمة وإصدار الحكم والجزاء فيقال لخزنة جهنَّم جرّوهم الى النار ، ﴿وقِفوهم إنّهم مسؤولون﴾ فتَجُرّهم الملائكة سحباً ويوقفونهم عند الصراط أمام قسيم الجنّة والنار فيسألون عن ولاية عليٍّ وأهل بيته المعصومين ( عليهم السلام ) ، ﴿ما لكم لا تناصَرون﴾ فعندما يجيبون أنهّم لم يكونوا يوالون عليّاً وأولاده الأئمة المعصومين وليسوا من شيعته يقال لهم فلماذا لا ينصركم خلفاؤكم ؟ ﴿بل هُمُ اليوم مُستَسلِمون﴾ فالخلفاء الذين اتّخذتموهم أئمة وأولي أمرٍ في الدنيا لم ينصروكم مُطلقاً بل إنهّم هم بأنفسهم منقادون للعذاب والعقاب ، ﴿وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون﴾ فعند ذلك يلتفت بعض هؤلاء المبغضين لعليٍّ والمخالفين لأهل البيت إلى أئمَّتهم يلومونهم ويعاتبونهم ، ﴿قالوا إنّكم كنتم تأتوننا عن اليمين﴾ فيقولون إنكم تسنَّمتم منصَّة الخلافة وغصبتم حقّ آلِ محمد ونصبتُم أنفسكم أئمّةً للمسلمين وسبَّبتُم لنا الويل والعذاب ، ﴿قالوا بل لم تكونوا مؤمنين﴾ فيُجيبهم أُولئك الخلفاء : بل إنّكم اخترتم الضَّلالة والغِواية بترككُم موالاة عليٍّ و أولاده فلم تکونوا من شيعتهم ، ﴿وما کان لنا عليکم من سلطانٍ﴾ فلولا أنَّکم أعرضتم عن الحقّ وخذلتم عليّاً والحسن والحسين وأولاد الحسين المعصومين واتَّبعتمونا فكان عليكم خِلافنا بذلك ، ﴿بل كُنتم قوماً طاغين﴾ فأنتم الذين حاربتهم علياً وخذلتموه وأنتم الذين قتلتم وخذلتم ولده الأئمّة وطغيتُم واتّبعتم الهوى والشيطان وخالفتم الله وعصيتموه ، ﴿فحَقَّ علينا قولُ ربّنا﴾ فلهذا نستَحِقُّ ما وعدنا الله بقوله لأملأنّ جهنّم منكم أجمعين وقد حَقَّق الله وعده الحقّ في عذابنا ، ﴿إنّا لذائقون﴾ فبديهيٌّ ويقينيٌّ انّا سنذوق عذاب الخِزيِ والحريق ، والزَّقّوم والضّريعِ ، فهذا ما أعددناهُ لأنفسنا من قبلُ ، ﴿فاغويناكُم إِنّا كُنّا غاوين﴾ فدعوناكم الى الغواية والضَّلالة ، ومخالفة عليٍّ ومعاداته ومعاداة أولادِهِ الأحد عشر المعصومين ونحن كُنّا ضالّين مضلّين ، ﴿فإنّهم يومئذٍ في العذاب مُشتركون﴾ فنتيجة هذا التلاوم والعتاب والتخاصم والإقرار بالإثم والعصيان أن يَشتَرِكوا في العذاب كما اشتركوا في الغواية ، ﴿إنّا كذلك نفعل بالمجرمين﴾ بالتأكيد إنََّ الجزاء الذي وعدناهُم إيّاه من العقاب والعذاب يوم القيامة نُطَبّقُهُ عليهم لجريمتهم الكبرى وكفرهم بالله وعدائهم لأهل البيت ( عليهم السلام ) .
﴿إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلاّ الله﴾ إنّ هؤلاء الغاوون كانوا عندما يقال لهم إنّ من شرائط التوحيد الإقرار بالنبوّة ولوازمها الإمامة والعدل والتمسّك بالقرآن والعِترة فقط ، ﴿يَستَكبرون﴾ يستنكِفون من ذلك ويأخذُهُم الكبر والحقد والضغينة و الحسد والنخوة والعصبية فيرفضون التمسّك بهما، ﴿ويقولون أئنّا لتاركوا آلهتنا﴾ فعن طريق الإستكبار يقولون هل يُعقل أن نرفعُ اليد عن طاعة من نتولاّه والرّضوخ لحكمه ؟ ﴿لشاعِرٍ مجنونٍ﴾ فنطيع أهل البيت علياً وولده لقول النبيّ في غدير خُمٍّ مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه بل إنَّ النبيَّ لا ينطق عن الوحي وهو شاعرٌ مجنونٌ ، ﴿بل جاء بالحقّ﴾ رَغماً لأِنوفكم وتحدّياً لقولكم في النبيّ نجزم أنّه إنمّا أمركم بولاية عليٍّ من قبلنا وجاءكم بالوحي من عندنا فيه ، ﴿وصدَّق المرسلين﴾ فكما أنَّ الرُّسل والأنبياء من قبله كان لهم أوصياء من بعدهم فالنبيّ صدّقهم في ذلك وأوصى لعليّ (عليه السلام) .
﴿إنّكم لذائقو العذاب الأليم﴾ بالتأكيد أيّها الضالّون المضلّون ستنالون جزاءكم وتذوقون عذاب النار الجحيم المؤلم، ﴿وما تُجـزَونَ إلا ما كنتُم تعملون﴾ وجزاؤكم هذا ليس إلاّ نتاج أعمالكم وعدائكم لعليٍّ وأهل بيتِ النبيّ وظلمکم لهم و غصبکم لحقوقهم ومخالفتکم لهم .
﴿إلاّ عبادَ اللهِ المخلصين﴾ فالعذاب خاصٌ لأولئك وأمّا المؤمنون من شيعة أمير المؤمنين الذين عبدوا الله مخلصين فتمسّكوا بالقرآن والعترة ، ﴿أولئك لهم رِزقٌ معلومٌ﴾ فهؤلاء الفائزون بولاية أميرالمؤمنين والفرقة الناجية الذين ماتوا وهم يعرفون إمام زمانهم من أهل البيت يرزَقون صباحاً ومساءاً في الجنّة رزقاً معلوماً، ﴿فواکِهُ و هم مُکرمون﴾ ويرزقهم الله من جميع أرزاق الجنّة و طعامها سِيّما من فواکه الجنّة اللذيذة العطرة الطريَّة الناضجة ويكرمهم الولدان المخلّدون، ﴿في جنّاتِ النّعيم على سُرُرٍ مُتقابلين﴾ فيَسيحون ويمرحون في درجات الجنّة ويتلذّذون ويتنعَّمون بنعيمها ، ويسکُنون قصورها ، ويلبَسونَ ثيابها ، ويجلسون على سُرُرِها متقابلين ، ﴿يُطافُ عليهم بكأسٍ من مَعينٍ﴾ فيسقبهم أمير المؤمنين من حوضِ الكوثر و السَّلسبيل فلا يظمأون بعدها و ماء الحوض هذا صاف كالزُّلال ، ﴿بيضاء لذّةٍ للشّاربين﴾ فمن كثرة الصَّفاء رقراق أبيضُ اللون ، وحُلوٌ لذيذٌ الطَّعمِ ، وهنيءٌ ومريءٌ شربه ومنعشٌ ومنشِّط للمؤمنين ، ﴿لا فيها غَولٌ ولا هم عنها يُنزَفون﴾ وماءُ الكوثر هذا يُنعِشُ ولكنَّهُ لا يُسكِر ولا يُفقدُ الوعي ولا يزيلُ العقل وهم بعد شربهم منه لا يعطشون ولا هو ينتهي ويجفّ ، ﴿وعندهم قاصِراتُ الطَّرفِ عينٌ﴾ وأعدَّ الله لهؤلاء المؤمنين من شيعة عليٍّ الحورَ فتُعانقهم ونظراتها واطئةٌ دلالاً وحَياءً وهنَّ ذوات عيونٍ واسعة جميلة ، ﴿كأنهّنّ بيض مكنونٌ﴾ ويشبهنّ في جمالهنَّ ولونهنّ ونورِ وجوههنَّ القمر في ليالي البيض المشعَّة المضيئة ، وبياضها مشوبٌ بالحمرة كالوردة .
﴿فأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون﴾ فبينما هم على سُرُرٍ متقابلين و متّكئين على فُرُشِ الجنّة أو جالسون في مقصوراتِ قصورهم فيلتَفِت البعض علي الآخر يتحدَّثون ، ﴿قال قائِلٌ منهم إنّي كان لي قرينٌ﴾ فيسأل واحدٌ من شيعة أمير المؤمنين سائر المؤمنين ويقول لهم إنّي كان لي في الدُّنيا زوجٌ أو صديقٌ غير شيعيٍّ، ﴿يقول أءِنَّك لمن المصدّقين﴾ كان يعترض علىَّ تشيُّعي ويستنكرُ موالاتي لأهل البيت فيقول هل تُصَدِّقْ أن يكون علياً وصيّاً للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ؟؟ ﴿ءإذا متنا وكُنَّا تُراباً وعظاماً ءَإنّا لمدينون﴾ وكان يقول مُستهزءاً عندما نموت وتبلى أجسادنا فنكون تراباً ورُفاتاً كيف نحاسَبُ ونسأل عن ولاية أهل البيت ( عليهم السلام) ؟؟؟ ﴿قالَ هل أنتم مُطَّلِعون﴾ فيسأل هذا الشيعيّ الموالي لأهل البيت سائر إخوانه المؤمنين هل إنّكم تَطَّلِعون على أحواله و تعلمون عن مصيره ؟؟ (فاطَّلَعَ فرآهُ في سواءِ الجحيم﴾ فيأتي هذا الشيعيّ إلى سُورِ الجنَّة المشرف علي وادي جهنَّم فينظر فيری قرينَه في وسط النار واللّهيب ، ﴿قال تالله إن کِدتَ لتُردينِ﴾ فيخاطبه ويقول له تقريعاً وتوبيخاً وشماتةً ويقسم له إنه كان بصُحبته وصداقته كاد أن يضلّه ويرديه للهاوية ، ﴿ولولا نِعمَةُ رَبيّ لكنتُ من المحضرين﴾ ولولا نعمة ولاية محمدٍ وآل محمدٍ ومحبَّتهم والتمسُّك بهم والتشيّع لهم و طاعتهم لكنت من الممنوعين عن الجنة والحاضرين في النار ،﴿أفما نحن بميّتين﴾ ألا تدري بأنّنا لا نذوق بعد هذا طعم الموت كما يذوقه أهلُ النار مرّاتٍ ومرّاتٍ فيهلكون وتعاد جلودُهم، ﴿إلاّ موتَتَنا الأولى﴾ ولكنّنا خالدون في الجنة ولا تنتهي حياتنا و لا نتمرَّضُ و لا نموت ولا نذوق طعم الموت غير موتتنا في الدنيا ، ﴿وما نحنُ بمعذِّبين﴾ وإنّنا لسنا نعذَّب بخروج أرواحنا ونزعها ولا نُعَذَّبُ بعذاب النّار والحريق والبعد من رحمته بل مُنَعَّمون .
﴿إنَّ هذا هو الفوز العظيم﴾ بالتأكيد انّ هذا الإطلاع وهذا الخطاب لقُرناء السوء في النار وعدم الإِبتلاء بعذابهم هو أعظم فوز للشيعة ، ﴿لِمثلِ هذا فلْيعمل العاملون﴾ لمثل هذا الفوز فليوالِ المسلمون عليّاً وولده وليتمسّكوا بالقرآن والعترة وليتشَيَّعوا لأهل البيت ( عليهم السلام ) ويطيعوا آل محمدٍ ( عليهم السلام ) . ﴿أذلِك خيرٌ نُزُلاً أم شجرة الزَّقّوم؟﴾ هل الفوز العظيم والخلود في الجنّة والشّرب من الكوثر ، والحورُ والفواكِهُ والقصورُ أحسن جزاءٌ وثواباً أم التذوّق من شجرةٍ مُرّة الطعم ، ومَجّةٍ مُهوِّعةٍ ، ؟؟؟ ﴿إنّا جعلناها فِتنةً للظالمين﴾ بالتأكيد نحنُ أوجدناها ابتلاءاً للذين قالوا إنَّ النار تحُرِق الشَّجرَ وأعددناها لمن ظلموا محمداً و آل محمدٍ ( عليهم السلام ) وظلموا شيعتهم فـلا تختصُّ بالكفّار فقط ، ﴿إنهّا شجرة تخرُجُ في أصل الجحيم﴾ بالقطع واليقين إنّا خلقنا شجرة الزَّقوم من جنسٍ لا يحترق مضادّ للنار في قعر جهنَّم ووادي سقر فيه ، ﴿طلعُها كأنّهُ رُؤوسُ الشياطين﴾ وأغصانها وثمارها وفروعها وأوراقها مُنتشرةٌ في طبقاتِ جهنَّم وهي تشبه العفاريت والحيّات والغِيلان ، ﴿فإنهّمْ : لآكِلون منها فمالِئونَ منها البطون﴾ فعندما يشتدُّ جوعهم يضطرّون أن يأكلوا منه مع مرارته وعفونتِهِ ، فبما أنهّا لا تُشبِعُ ولا تُغني من جوع ، يملأون بطونهم لعلَّهم يشبعون ، ﴿ثمّ إنّ لهم عليها لشوباً من حَميم﴾ فبعد ذلك تلتهب من مرارتها بطونهم ويعطشون عطشاً شديداً فيسارعون إلى بئرٍ تفور منه المعادن المذابة فيشربون منها ، ﴿ثمََّ إنّ مرجِعهم لإَلى الجحيم﴾ فبعدها تلتهب أفئدتهم وأمعاءهم وأفواههم من حرارتها فيهوون إلى وادي الجحيم في قعر جهنَّم فتحترق أجسامهم كلّها .
﴿إنهَّم الفوا آباءهم ضالّين﴾ عندما كانوا في الدنيا وجدوا آباءهم وأجدادهم ضالّين عن الحقّ والهُدى عُصاةً وفُسّاقاً وظالمين للخلق وعاصين لأمر الله واياته ، ﴿فهُم على آثارِهِم يُهرَعون﴾ وهؤلاء لم يتبرّأوا من آبائهم لضلالتهم بل تَبعوهُم على الظّلم والضَّلال وساروا على نهجهم من الفسق والفجور ، ﴿ولقد ضلَّ قبلهم أكثر الأوّلين﴾ وهكذا كان حالُ الأمم السالفة الهالكة قبلهم حيث ضلَّ قومُ نوحٍ عن اتّباعه وقوم إبراهيم وقوم موسى فاتَّبعوا العجل والسامريّ فهؤلاء اتّبعوا العجل والسامريّ أيضاً، ﴿ولقد أرسلنا فيهم مُنذِرين﴾ ونؤكّد على أنّنا أدَّينا واجب اللّطف والهداية والإرشاد والتحذير والإنذار ، فأرسلنا الرُّسُلَ فأنذروهم بالعذاب ، ﴿فأنظُر كيف كان عاقِبةُُ المُنذَرين﴾ لكنّهم لم يطيعوا الرّسل بل عصوهم ولم يخافوا الإنذار والوعيد بالهلاك ، فاستمرّوا في الضَّلال فأهلكناهُم فانظر عاقبة أمرهم ، ﴿إلاّ عباد الله المخلصين﴾ فأهلك الله تلك الأمم عدا من كان منهم مؤمناً بالله وبرسله وكان يعبد الله خالصاً مخلصاً له العبادة .
﴿ولقد نادانا نوحٌ فلَنِعم المجيبون﴾ والسبب في إهلاكنا لأولئك أنّه دعا عليهم نبيُّهم نوحٌ ونادى الله فقال : ربِّ إنّي مغلوبٌ فانتصر فبعد إتمام الحُجّة عليهم استجبنا دعاءُه فأغرقناهم بالطّوفان ، ﴿ونجّيناه وأهله من الكرب العظيم﴾ فأمرناه بصُنع السَّفينة فصَنَعها فأركب فيها من كلِّ الحيوانات زوجين وأركب أهله والمؤمنين ، فنَجوا وأهل البيتِ هم كسفينة نوحٍ من ركبها نجى ومن تخلَّف عنها غرق وهوى ، ﴿وجعلنا ذريته هُمُ الباقين﴾ وبعد أن أغرقنا كلّ من عداهم جعلنا نسل البشر منه فذريّته من ولده سامٍ : همُ العَرَبُ ، والإسرائيليّون ، ومِن حامٍ : الفُرس والروم ، ومن يافثٍ الحبشة والهنود ، ﴿وتركنا عليه في الآخرين﴾ وأبقينا له الذكر الجميل بعده حيث جعلناه ضجيع عليٍّ أمير المؤمنين في غريِّ النجف ، عند مرقد آدم ( عليه السلام ) فيُزار في زيارة عليٍّ ( عليه السلام )
﴿سلامٌ على نوحٍ في العالمين﴾ سلامٌ منّا وسلامٌ من أهل العالم من المؤمنين علي نوحٍٍ و مرقد نوحٍٍ و ضجيعيه أمير المؤمنين وآدم ( عليهما السلام)، ﴿إنّا كذلك نجزي المحسنين﴾ إنّ نوح أحسن حين هيّأ لعليِّ بن أبي طالب قبراً وكتب عليه : هذا ما أعدَّه نوح النبيّ لعليٍّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فجزاؤه هذا ، ﴿إنّه من عبادنا المؤمنين﴾ بالتأكيد إنّ نوحاً كان من الأنبياء والمرسلين الذين عبدوا الله مخلصين ، وآمنوا ببعثةِ محمدٍ و ولاية محمدٍ وال محمدٍ ( عليهم السلام ) ، ﴿ثمَّ أغرقنا الآخرين﴾ فكتب نوحٌ أسماء الحمسة أصحاب الكساء على خشبةٍ ونصبها فی مقدّم سفينته فنجی من الطوفان فبعد ذلك غرق الکفّار والشرکون .
﴿وإنّ من شيعته لإبراهيم﴾ بالتأکيد انّ من شيعة عليٍّ أمير المؤمنين ومحبّيه هو إبراهيم الخليل شيخُ الأنبياء ( عليهم السلام ) فلمّا آمن بإمامته قال ربِّ اجعلني للناس إماماً، ﴿إذ جاء ربَّه بقلب سليم﴾ حيث فارق الحياة مؤمناً بالله وبولاية محمدٍ وآل محمدٍ ومحبّتهم وقلبه ساَّلمٌ من الشكِّ والرَّيب في التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ، ﴿إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ؟﴾ وكان أبوه مؤمناً موحّداً، ولكن عمَّه آزر وقومه البابليين كانوا يعبدون الأصنام والأوثان ، ويعبدون الشمس والقمر والنجوم فاستنكر عليهم ، ﴿ءَإفكاً آلهةً دون الله تُريدون ؟﴾ فوبَّخهُم وعاتبهم مستنكراً : هل تدَّعون كذباً ربوبيَّة غير الله وألوهيّته ، فالعقل والبرهان لا يساعدان على ذلك ، ﴿فما ظنُّكُم بربِّ العالمين﴾ فما تظنُّون في الله الخالق للسماوات والأرضين والمخلوقات كلّها هل يغفر لكم ذلك وهل يترککم وشأنکم ؟؟.
﴿فنظر نظرةً في النُّجوم﴾ فكان القوم يعتقدون أنّ الخير والشرّ بيد النجوم ، وهي التي تتصرّف في الناس فلما دعوه ليخرج معهم نظر الى النجوم ليوهمهم ، ﴿فقال إنّي سقيمٌ﴾ فقال لهم عند ذلک إنّي سقيمٌ عليلٌ عُذراً لکي لا يخرج معهم ولم يكذب إذ انّه كان سقيم الفؤاد من شركهم وكفرهم ، ﴿فتولّوا عنه مدبرين﴾ فترکوه معرضين عنه و خرجوا من المدينة ليتعايدوا ويرقصوا ويلعبوا ويُغنّوا ويشربوا في الصحراء ، ﴿فراغَ إلى آلهتهم فقال : ألا تأكلون ؟﴾ وذهب إلى الأصنام والأوثان وأمامها القرابين والأطعمة والأشربة فقال إستهزاءاً بها : هلاّ أكلتُم ؟؟ ﴿ما لكُم لا تنطقون﴾ إن كُنتم أرباباً وآلهةً فلماذا لا تقدرون على النّطق والكلام فهل يجوز أن يكون الإله أخرس عاجزاً عن النطق ؟ ﴿فراغ عليهم ضرباً باليمين﴾ فحمل عليهم وبيُمناه الفأس فأخذ يضرب عليها بفأسه ويكسّرها جميعاً عدا الصنم الأكبر فعلَّق الفأس في عنقه ، ﴿فأقبلوا إليه يزفّون﴾ فلمّا حان وقت العصر رجعوا الى المدينة وإلى إبراهيم بأهازيج كزفّةِ العروس بالدّبكات والرقص والغناء ، ﴿قال : أتعبدون ما تنحِتون ؟﴾ فلمّا رأوا ما حلَّ بالأصنام واتّهموه أراد أن يفهمهم قال : قد فعلُه كبيرهم وهو يقصد نفسه فقالوا إنّ الصَّنم لا يقدر على ذلك قال إذاً هل تعبدون ما لا قدرة له وقد صنعتموه ؟؟ ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ ولكنّ الله قادرٌ على كلِّ شيءٍ وهو الذي خلقكُم وخلق جميع الخلق بما فيها الصُّخور التي تنحِتون منها الأصنام ، ﴿قالوا ابنوا له بُنياناً فألقوه في الجحيم﴾ فقالوا يجب أن يُحرق فأبنوا له كورة نارٍ واملؤوها حطباً فأحرقوها وألقوه بالمنجنيق في وسط لهيب النار ، ﴿فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين﴾ ففعلوا به ذلك ليحرقوه فلمّا ألقوه قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم فلمّا أُطفئت النيران رأوه سالماً صحيحاً لم تمسّهُ النار فافتضحوا، ﴿وقال إنّي ذاهبٌ الى ربّي سيهدين﴾ فخاطب البابليين وقال : إني خارج من بينکم وسأذهب الى مكّة بيت الله الذي بناه آدم للتوحيد والله يوصلني إليه ، ﴿ربِّ هَبْ لي من الصالحين﴾ فلما وصل الى الكعبة ورآها خربةً دعا ربّهُ وطلب منه ولداً صالحاً يستعين به على بناء الكعبة وتجديدها، ﴿فبشَّرناه بغلامٍ حليم﴾ فأرسلنا إليه جبرائيل يُبشِّره بولادة إسماعيل ولداً صالحاً حليماً صبوراً مطيعاً مؤمناً.
﴿فلمّا بلغ معه السَّعي﴾ فبعد ولادته تركه و أمّه عند البيت ، فعطشا فسعت أمّه بين الصفا والمروة مهرولةً تبحث عن الماء ، وركز إسماعيل رجله بالأرض فنبعت زمزم له فأمر إبراهيم وإسماعيل بالسَّعي وبالسَّعي بين الصَّفا والمروة لله ففعلاً ﴿قال يا بُنيّ إنيّ أرى في المنام أنيّ أذبحُك فانظر ماذا ترى﴾ ففي المسعى قال إبراهيم لإسماعيل : إنّني أُوحيَ إليَّ في الرؤيا الصَّادقة أن أقدِّمك ضحِيَّةً و قرباناً لله فما هو رأيك ، ﴿قالَ : يا أبَتِ افعل ما تؤمر﴾ قال إسماعيل لأبيه إبراهيم أنت لك ولاية النبوّة والإمامة عليَّ وولاية الأبوَّة وأنا عبدٌ مطيعٌ لله ولك فاذبحني قرباناً لله ، ﴿ستجدني إن شاء اللهُ من الصابرين﴾ وعندما تعزم على ذبحي فإنّك تراني بمشيئة الله وتوفيقه وعنايته مطيعاً صابراً محتسباً خاضعاً لأمر الله ، ﴿فلمّا أسلما وتَلَّهُ للجبين﴾ فلما استسلما لأمر الله ولبَّيا حكمه وخضعا لطلبه وانقادا لوحيه فوضع إبراهيم جبين إسماعيل على الأرض وأمرَّ السكّين على رقبته .
﴿وناديناه أن يا إبراهيم﴾ سمع نداء ربِّه يخاطبه خليلي إبراهيم فأدار وجهه فرأى الملائكة قد نزلوا من السماء الى أرض مِنى يُسلِّمون عليه ويأخذون بيده ، ﴿قد صدَّقت الرؤيا إنّا كذلك نجزي المحسنين﴾ ويقولون له يا خليل الله لقد نفذت أمر الله وأجريت حكمه وأطعت الوحي الذي جاءك في المنام فسيجزيكَ الله عليه ، ﴿إنّ هذا لهو البلاء المبين﴾ بالتأكيد إنّ الأمر بذبح الولد فلذة الكبد امتحانٌ صعبٌ ظاهرٌ وواضحٌ امتحن الله به خليله إبراهيم (عليه السلام ) ، «وفَدَيناه بذبحٍ عظيمٍ﴾ وفداءً لإسماعيل أرسلنا مع الملائكة الخروف الذي قدّمه جدّه هابيل قرباناً لله فرفعناه الى الجنّة يرتع فيها الى ذلك اليوم ، ﴿وتركنا عليه في الآخرين﴾ وأخلدنا ذكره مدى التاريخ بتشريع السُّنن الإبراهيميّة من الحلق والختان وتقليم الأظافر وقصّ الشارب وبإبقاء أثر قدمه في مقامه في المسجد الحرام وبأحكام الحجّ .
﴿سلامٌ علی إبراهيم﴾ وسلامٌ منّا ومن جميع المؤمنين على إبراهيم الخليل شيخ الأنبياء مشرِّح الحجّ و مناسكها ما دامت الكعبة قبلة التوحيد ، ﴿كذلك نجـزي المحسنبين﴾ و نحن نُخلِّد ذکر من أحسن الطاعة لله وأخلص العبادة له كإبراهيم ونسلَّم عليه مع الملائكة وجميع المؤمنين ،﴿إنّه من عبادنا المؤمنين﴾ إنّ إبراهيم الخليل نشهد له بإيمانه الصادق بالله واليوم الآخر وبإيمانه بمجيء محمدٍ وآله وولايتهم فهومن المؤمنين الذين أميرهم عليُّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ﴿وبشّرناهُ بإسحاق نبيّاً من الصحالين﴾ فلمّا فاز في الإمتحان الشديد والاختبار العظيم بشّرناهُ بولادة ولدٍ له من سارة العقيمة وأخبرناه بأنّه سيكون نبيّ الله إسحاق ( عليه السلام ) ، ﴿وباركنا عليه وعلى إسحق﴾ وجعلنا البركة والكثرة في نسل إبراهيم وفي ذرية إسحاق وجعلنا النبوّة والوصية في أعقابهما ، ﴿ومن ذرّيتها مُحسنٌ وظالمٌ لنفسه مبين﴾ ولكن بما أنّنا لم نجبر الخلق على الطاعة والإيمان بل نتركهم باختيارهم فبعض الناس من ذرّية إبراهيم يكون مؤمناً وبعضهم يكون ظالماً لنفسه بكفره ونفاقه .
﴿ولقد منّنا على موسى وهارون﴾ وبالتأكيد لنا المِنّة على أن وهبنا النبوّة لموسى بن عمران و هارون أخيه وجعلنا هارون وزيره ووصيَّه وشددنا به أزرهُ ، ﴿ونجّيناهما وقومهما من الكرب العظيم﴾ وأنقذناهما من بطش فرعون كما أنجينا بني إسرائيل من الكفر وعبادة الفراعنة وخلّصناهم من أذى فرعون ، ﴿ونصرناهم فكانوا هُمُ الغالبين﴾ ونصرنا بني إسرائيل على القبط والفراعنة ونصرنا موسى على السّحرة فغلبهُم بمعجزته وعصاه فابتلعَت حبائلهم وحيّاتهم ، ﴿وآتيناهما الکتاب المستبين و هديناهما الصراط الستقيم﴾ وآتينا موسی و هارون التوراة وهديناهما ودلّلناهما على طريق التوحيد ومحاربة الكفر والشرك والضَّلال ، ﴿وتركنا عليهما في الآخرين﴾ وتركنا ذكرهما مدى الأجيال ذكراً حسناً طيّباً كقول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعلٍّي أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي .
﴿سلامٌ على موسى وهارون إنّا كذلك نجزي المحسنين ، إنهّما من عبادنا المؤمنين﴾ تحيّاتٌ وتسليمٌ منّا على موسى وهارون وذلك جزاءٌ لإحسانهما في طاعتنا و محاربة الكفر و نشهد بأنّها عبدين مؤمنين لنا ، ﴿وإنَّ إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتَّقون ؟﴾ ومن الأنبياء الذين أرسلناهم إلياسٌ حيث دعا قومه لعبادة الله والخوف منه والإعراض عن الكفر والشرك ، ﴿أتدعون بعلاً وتذرُون أحسن الخالقین﴾ فقال لهم إنَّكم اتخذتم الصَّنم بعل إلهاً تعبدونه وتقدَّمون له القرابين والأضاحي ؟ وهو لا ينفع ولا يضرُّ وتتركون عبادة الله ؟ ﴿الله ربّكُم وربّ آباءِكم الأوّلین﴾ إعلموا علم اليقين أنّ الله سبحانه هو ربّكم وهو خالقكم ورازقکم ومحييکم و مميتكم و هو ربُّ آبائكم القدامي بني اسرائيل ، ﴿فکذّبوه فإنهّم لِمُحضرون إلا عباد الله المخلصين وتركنا عليه في الآخرين﴾ فلما قال لهم ذلك كذّبوه وأنكروا الله ونتيجةً لكفرهم يحضرون في النار عدى من آمن منهم وعبد الله مخلصاً فأحيينا ذكره في القرآن .
﴿سلامٌ على آل ياسين﴾ نُصلّي ونسلِّم أنا وملائكتي على آل محمد وأهل بيته المعصومين وهم عليٌّ وفاطمة والأئمة الأحد عشر من ولد عليٍّ ( عليهم السلام ) ، ﴿إنّا كذلك نجزي المحسنين﴾ وهذا جزاء إحسان محمدٍ وآل محمدٍ في الطاعة لنا والجهاد في سبيلنا وتحمُّل الأذى والظلم لأجلي ، ﴿إنّه من عبادنا المؤمنين﴾ وحتىّ النبيّ محمدٍ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هو عبدٌ لله وإن كان أشرف الأنبياء وسيّد المرسلين وهو نبيُّ المؤمنين ومؤمنٌ بولاءِ عليٍّ (عليه السلام).
﴿وإنَّ لوطاً لمن المرسلين إذ نجّيناه وأهله أجمعينَ إلاّ عجوزاً في الغابرين﴾ إنّ مِن رسلنا هو لوطٌ فلما ضاق بقومه ذرعاً وكلّما دعاهم لترك اللواط لم يستجيبوا نجّيناه و بناته منهم عدا زوجته التی کانت من الهالکين ، ﴿ثم دمّرنا الآخرين وإنّكم لتمرّون عليهم مصبيحن وباللّيل أفلا تعقلون﴾ فأمرناه بالخروج من المدينة فلما خرج أرسلنا الملائكة فقلّبوا المدينة بأهلها ودمّروها ، وأنتم يا أهل مكّة في مسيركم الى الشام تمرّون عليهم صباحاً وليلاً ولا تلتفتون .
﴿وإنّ يونُسَ لمن المرسلين إذ أبَقَ الى الفُلك المشحون فساهم فكان من المدحضين﴾ وكذلك من الأنبياء هو يونس بن منّى أوعد قومه العذاب فلمّا تأخّر غضبَ لذلك فركب سفينة فوقفت … البحر فقالوا إنّ السبب إباقُ أحدكم فأقرعوا فأصابته القرعة ، ﴿ فالتقمه الحوت وهو مليمٌ فلولا أن كان من المُسبِّحين للبِثَ في بطنه الى يوم يُبعثون﴾ فألقوه في البحر فابتلعه الحوتُ وقد لاموه على ركوب السَّفينة ولولا قوله لا إله إلا أنت سُبحانك إنّي كُنتُ من الظالمين لبَقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة ، ﴿فنبذناه بالعراءِ وهو سقيمٌ وأنبتنا عليه شجرةً من يقطينٍ﴾ فلمّا استغفر وهلّل الله وسبَّحه واعترف بظلمه لنفسه أمرنا الحوتَ بأن يُلقيهِ خارج البحر وكان مريضاً مُسجّيً فأنبتنا له شَجرةَ اليقطين تُظَلِّلُ عليه ، ﴿وأرسلناه الى مائة ألفٍ أو يزيدون فآمنوا فمتّعناهم الى حين﴾ ثم عوفي من سقمه فأمرناه بإبلاغ الرسالة إلى أرض موصل وقومها الذين بلغ عددهم أكثر من مائة ألفٍ فآمنوا به وأطاعوه فنجوا من العذاب والهلاك .
﴿فأستفتهم ألِرَبِّكَ البَناتُ ولهُمُ البنون ؟ أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون ؟﴾ يا حبيبي إسألِ المشركين الذين يقولون إنّ الملائكة بناتُ الله إنهّم بأيّ دليلٍ ينسبون البنات لله ومن أين علموا أنّ الملائكة اُناثٌ ؟، ﴿ألا إنهّم من إفكهم ليقولون ولدَ اللهُ وإنهّم لكاذبون﴾ إنهّم يفتَرون على الله الكذِب بادّعائهم أنّ لله ولداً فالذات البسيطة لا تلد، ﴿اصطفى البنات على البنين ؟ ما لكم كيف تحكمون ؟ أفلا تذكّرون ؟ أم لكم سلطانٌ مبينٌ فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين﴾ كيف يُعقل أن يلد البنات دون البنين على تقدير التوليد وأنتم تكرهون البنات وتفضِّلون البنين عليهنّ فهذه إهانةٌ له وهل لديکم دليلٌ علميُّ أو عقليٌّ فأتوا به إن صدقتم وهيهات ، ﴿وجعلوا بَيْنَه وبين الجنّة نسباً وقد علمتِ الجنَّة إنهّم لمُحضرون﴾ وهؤلاء المشركون لم يكتفوا بقولهم إنّ الملائكة بنات الله بل قالوا بأنَّ إبليس و الجنّ هم من الملائكة و لكنّهم ملائكة الشَّرِّ ولكنَّ الجنَّ أنفسهم يعلمون لمحضرون وأنهَّم سيحاسبون غداً، ﴿سبحان الله عمّا يصفون إلاّ عباد الله المخلصين فإنّكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين﴾ إنَّ الله مُنَزَّهٌ ومقدس أن يُنسب إليه ولدٌ أو إبنةٌ او ملكٌ أو جِنٌّ ، والمسبِّحون هُم عبادُ الله المخلصون له ، وأمّا أنتم أيّها الكفّار وأصنامكم فلا تُضِلُّون مُؤمناً، ﴿إلاّ من هو صالِ الجحيم ، وما منّا إلاّ له مقامٌ معلومٌ وإنّا لنحن الصافّون وإنّا لنحن المسبّحون﴾ والكفار لا يفتنون سوى من هو يريد الوصول للجحيم وليس منّا نحن الملائكة رسول الله إلاّ من له مقامٌ في العبادة خاصٌّ به صافٍّ جناحهُ في العبادة يُسَبِّحُ الله دوماً ، ﴿وإن كانوا ليقولون لو أنَّ عندنا ذكراً من الأوّلين لكنّا عباد الله المخلصين فكفروا به فسوف يعلمون﴾ وهؤلاء الكفّار كانوا يدّعون أنهّم إذا كانوا يحصلون على التَّوراة والإنجيل كانوا يؤمنون بالله ويعبدونه فأرسلنا لهم القرآن فکفروا به فقريباً سينالون جزاء هم .
﴿ولَقَد سَبَقَت كَلِمَتُنا لعبادِنا المُرسلين﴾ وبالقطع واليقين إنَّنا بشّرنا كُلَّ نبيٍّ وجميع الرُّسلِ من آدم إلى محمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنَّ المهديّ بقيَّة الله هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ﴿إنّهم لهُمُ المنصورون﴾ ووعدناهُم بأنَّ الله ينصُرُ دين التوحيد والإسلام الذي هو دينُ الأنبياء أجمع بظهور الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه ) ، ﴿وإنّ جُندنا لهُمُ الغالبون﴾ ووعدناهم أن نُظهر الحقِّ على الباطل بيدِهِ وأن يغلبَ العدلُ الظُّلم في زمانه وجنودُ المهديّ ( عليه السلام ) يغلِبوُن جميع الكُفّار ، ﴿فتولَّ عنهم حتّى حينٍ﴾ فأعرض عن المنافقين والكفار الذين أظهروا الإسلام کذباً وعاملهم معاملة المسلمين حتّى أن يحين موعِدُ ظهور المهديّ (عليه السلام) ، ﴿وأبصرهم فسوف يُبصرون﴾ فبصِّرهُم وأخبرهم بعاقبة أمرهم وهو هلاكُهُم بسيفِ القائم المنتقم من آلِ محمّدٍ مهديّ هذه الأمّة فسَيروْنَهُ .
﴿أفبِعذابنا يستعجلون﴾ إنَّ هؤلاءِ المنافقين حينما يقتلون الأئمّة من آل محمّدٍ هل يريدون أن يُدنُوا زمان المهديّ فينتقم منهم بسيفه ؟ ﴿فإذا نَزَلَ بِساحتِهِم فساءَ صباحُ المنُذِرين﴾ فإذا ظهر المهديُّ وقام في مكّة مسنداً ظهره الى الكعبة ويقول : أنا الصَّمصامُ المنتقم فعندئذٍ يسوءُ حال المنافقين ذلك الصّباح ،﴿و تولَّ عنهُم حتّي حينٍ﴾ فأعرض يا حبيبي عن المنافقين و المنافقات حولَك وأصبر معهم حتّي يحين وقت ظهور المهديّ ( عليه السلام ) ، ﴿وأبصر فسوف يبصرون﴾ ومرّةً ثانيةً عليك فقط أن تُبصِّرهُمُ وتُجَذِّرُهُم من قيام المهديّ وأخذِهِ الإنتقام منهم بالسيف فسيرونه قريباً .
﴿سُبحان ربّك ربِّ العزّة عمّا يصفون﴾ والتسبيح والتنزيه لله وهو المنزّه وهو ربّك الذي تكفَّل بظهور دينك والربُّ الذي ضمِنَ العزَّة للمهديِّ وجنودِهِ وهو مُنزََّهٌ عن قولهم مات أو هلك في أيّ وادٍ سلك ؟، ﴿وسلامٌ على المُرسلين﴾ وسلامٌ يُسلِّم حينما يظهر المهديٌّ ( عليه السلام) وينزلُ عيسى من السماء ويصلّي خلفه فسيسلِّم على جميع الأنبياء المرسلين من آدم الى محمدٍ في خطبة صلاته ، ﴿والحمد لله ربّ العالمين﴾ وكُلّ البَشَرِ وجميعُ النَّاسِ يوم ذاك يحمدون الله على ظهور المهديّ وغَلَبةِ جُنودِهِ وهلاكِ المنافقينَ والكفّارِ والشياطين . اللهمّ عجِّل على فرجه وسهِّل مخرجه ، (صدق الله العليُّ العظيم) .

نشر في الصفحات 130-115 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد الأول

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *