ولادة النّور
2018-05-13
من شعر شعراء الزّهراء (ع) في میلادها
2018-05-13

( والدة القدّیسة )

و من یا تری تلیق أن تکون والدةً للنّور الإلهي وتفّاحة الفردوس غیر السّیّدة الخدیجة اُمّ المؤمنین الاُولیٰ ؟

نعم إنّها السّیّدة خدیجة بنت خویلد و ما أدراك من خدیجة !

إنّها سیّدة أشراف مکّة و سیّدة تجّار العرب و أفضل نساء قریش و أکثرهنّ ثروةً و عظمةً و عزّاً و دلالاً .

و ناهیك عن اُهمّیّة تجارتها حیث کانت کثیرة الخدم و الحشم و العمّال و الاُجراء فکانت تدرّ علیهم الأرزاق و تموّن القریب و العبید و تُعیل الأرامل و الأیتام و تُطعم الجیاع و المساکین من برکات تجارتها فکانت کما یذکر المؤرّخون تمتلك ماءة ألف بعیر تحمل تجارتها بین الحجاز و الشّام فکانت تُصدّر البضائع من الجزیرة العربیّة إلیٰ الاردن و فلسطین و الشّام و الرّوم و تستورد الأقمشة و العسل و الأواني النّحاسیّة و الأسلحة و الطّعام من الشّام إلیٰ الحجاز فتُؤدّي خدمةً إقتصادیّة عظمیٰلأهل مکّة و یثرب و لجمیع القبائل و العشائر العربیّة في الحجاز والیمن فلها الفضل الکبیر علیٰ الاُمّة العربیّة قبل الإسلام و علیٰ الاُمّة الإسلامیّة بعد ظهور الإسلام .

ولکی تعرف أهمّیّة الحرکة التّجاریّة التّي کانت تُدیرها هذه السّیّدة العظیمة یحب أن نطالع التّاریخ حتّیٰ نقف علیٰ عظمة تجارة السّیّدة خدیجة (ع) .

فالتّاریخ یٌحدّثنا أنّ في أیّامها کانت نساء قریش الشّهیرات کاُمّ جمیل زوجة أبي لهب و هنداً زوجة صخر اُمّ معاویة صهّاكٍ اُمّ عمیر و مرجانة اُم ّزیاد و الزّانیة اُمّ عمر و بن العاص ، من صویحبات الأعلام اللاّتي یرتزقن من الفجور و الفُروج و الزّنا و السّفاح و یلدن أولاد العهر و الخنا فیتنازع جماعة من الرّجال الزّناة علیٰ الولید الواحد من الزّنا کعمر و بن العاص و زیاد بن أبیه و ما شاکل .

وکانت علامة هذه الفاحشات المومسات الفاجرات أعلامهنّ علیٰ بیوتهنّ ، فیاللعار و للشنّار من هذه المخازي و الفضایح الّتي أثبتها التّاریخ بل أثبتها الوحی الإلهي في القرآن المجید حیث وصف بعضهم بقوله :﴿ عُتلًّ بعد ذلك زنیم ﴾ ، وصف إمرأة أبي لهبٍ بقوله : ﴿  و امرأته حمّالة في جیدها حبلُ من مسد ﴾ ، و قد وجدوها مُلقاةً علیٰ العراء عاریة . و في جیدها اُجرة زناها .

ففي بیئة کهذه و في مجتمع متسافل کهذا برزت سیّدتنا العظیمة اُمّ المؤمنین خدیجة و هي تحترف أشرف مهنةٍ یعتزّ بها الرّجال الشّرفاء دائماً . فکانت خدیجة تاجرةُ شریفة عفیفة تکتسب الرّزق الحلال و تنفقه علیٰ المستحقّین من المـُعوّزین و المـُعمدین ومن ثَمّ أنفقت کل ثروتها في سبیل ﷲ و الدّین و في سبیل الإسلام و المسلمین و لم تُبقِ لوریثتها الوحیدة فاطمة القدّیسة شیئاً ، حتّیٰخاطب الجلیل جلّ جلاله نبیّه بقوله : ﴿  و آت ذا القربٰی حقّه ﴾ حینما أفاء ﷲ علیٰرسوله فدکاًفأعطیٰ النّبّي (ص) فدکاً لفاطمة إمتثالاً لقوله تعالیٰ و آت ذا القربیٰ حقّه ، فکان فدك حقُّ لفاطمة قبال ما أنفقته خدیجة في سبیل ﷲ .

و لا بدّ هنا أن اشیر إلیٰ بعض الأحادیث الواردة بشأنها سلام ﷲعلیها ، فأروي عن استاذي الخوئي حفظة ﷲ بأسانیده عن العامّة ما یلي :

أروی عنه عن الفصول المهمّة (ص:129) عن النّبي (ص) أنه قال :

« کمل من الرّجال کثیر و لم یکمل من النّساء إلاّٰ مریم بنت عمران و آسیة بنت مزاحم إمرأة فرعون و خدیجة بنت خویلد و فاطمة بنت محمّد » .

و أروي عنه عن اسد الغابة (ج:5 ص583) عن النّبّي (ص) قال :

«خیر نساءها خدیجة بنت خویلد ، خیر النساءها مریم بنت عمران » .

و أروي عنه عن المستدرك بین الصّحیحین (ج :3 ص:184) عن النّبي (ص) قوله :

« خدیجة سابقة نساء العالمین إلیٰ الإیمان بالله و بمحمّد» .

و أروي عنه عن الإستیعاب المطبوع بهامش الإصابة (ج:4 ص:279) باسناد عن ابن عبّاس ( ر ض ) عن رسول ﷲ (ص) قوله :

« أفضل نساء أهل الجنّة أربعة : خدیجة بنت خویلد و فاطمة بنت محمّة و مریم بنت عمران و آسیة بنت مزاحم … إلخ » .

و أروي عنه عن الإصابة (ج:4 ص:273) عن عائشة عن النّبي (ص) أنّها قالت : إنّ رسول ﷲ بشّر خدیجة ببیت في الجنّة من قصب لا صحب فیه و لا نصب .

و أروي عنه عن سیر أعلام النّبلاء (ج:2 ص:85) أنّ النّبي (ص) قال :

« یا خدیجة جبرئیل یُقرئك السّلام » .

و إیضاً قال جبرئیل :

« یا محمّد إقرأ علیٰ خدیجة من ربّها السّلام » .

فالله سبحانه و تعالیٰ هو الّذي یُقرء علیٰ خدیجة السّلام ، فهذه فضیلة و منقبة خاصّة بها دون سواها من النّساء ، فهي أفضل النّساء لذلك و بما أنّها أفضل نساء النّبي و أفضل من عائشة و حفصة حسدتها ألضّائر الحاسدة و الحزب الأموي الحاقد فنالوا من کرامتها بأن نسبوا إلیها بناتٍ عدیٰ فاطمة القدّیسة و أثبتوا أنّ عثمان الأموي قد تزوّج من بنتی رسول ﷲ (ص) من خدیجة فأصبح ذوالنّورین حتّیٰ یُفضّلوه بهذا علیٰ عليّ بن أبي طالب (ع) صهر النّبي و زوج القدّیسة فاطمة حسب ظنّهم و لکنّهم فشلوا و خاب ظنّهم جمیعاً و افتضحوا إذ أنّ فضیلة الزّواج من فاطمة فضیلة إختصّ بها عليّ (ع) و لا تکون لغیر فاطمة أهمّیّة کفاطمة حتّیٰیکون الزوّاج منها کالزّواج من فاطمة ، إذ أنّ فاطمة هي أشرف و أفضلمن ملایین الزّوجات الاُخریات فکیف بزوجتین تزوّجهما عثمان بن عفّان ، ثمّ إنّ فاطمة (ع) هي البنت الوحیدة لخدیجة و الزّوجتین اللّتین تزوّجهما عثمان لیستا لخدیجة بالولادة بل لقد تبنّتهما خدیجة فنسبتا إلیها و هذا ما صّرح به صاحب کتاب الإستغاثة عليّ بن أحمد الکوفي المتوفي سنة 352 إی قبل ألف سنة فذکر في (ص:75) ما یلي :

قد صحّت الرّوایة عندنا بأنّه کان لها – لخدیجة – اُخت من اُمّها تُسمّیٰ– هالة – قد تزوّجها رجل من بني تمیم یقال له أبوهند فأولدها إبناً إسمه – هند بن هالة – و بنتین زینب و رقّیة و مات أبوهند و قد بلغ إبنه مبلغ الرّجال و الإبنتان طفلتان و کانتا موجودتین حین تزوّج رسول ﷲ (ص) خدیجة بنت خویلد و ماتت هالة بعد ذلك بمدّة یسیرة و خلّفت الطّفلتین – زینب و رقیّة – في حجر رسول ﷲ (ص) حجر خدیجة و کان من سنّة العرب في الجاهلیّة أنّ من یربّـي یتیماً یُنسب ذلك الیتیم إلیه و لا یستحلّ التّزوّج بمن یُربّیها لاّنها کانت عندهم بزعمهم بنتاً لمربّیها فلمّا ربّا رسول ﷲ (ص) و خدیجة هاتین البنتین نُسبتا إلیهما و هما إبنتا أبي هند زوج هالة اُخت خدیجة و لم تزل العرب علیٰ هذه الحالة إلیٰ أن ربّیٰ بعض الصّحابة یتیمة  بعد الهجرة فقالوا : لو سألت رسول الله (ص) هل  یجوز  فی الأسلام تزوّج الیتیمة بمن ربّاها ؟ فأنزل ﷲ جلّ ذکره آیة في تجویز ذلك ، فکانت تُنسب هاتین البنتین إلیٰ رسول ﷲ (ص) ثمّ نُسب أخوهما هند إلیٰ خدیجة و کان إسم خدیجة نابهاً معروفاً إسم اُختها خاملاً مجهولاً فظنّوا لمـّا غلب إسم خدیجة علیٰ إسم هالة اُختها أنّهالخدیجة ثم نُسب هند إلیها… الخ

فهکذا یصرّح هذا المؤرّخ الکوفيّ بأنّ البنتین المنسوبتین إلیٰ خدیجة هما لهالة اُختها فعلیٰ هذا إنّ الحقیقة هي أنّ عثمان هو صهر لهالة و لیس بصهر للنّبيّ (ص) فلا یجوز تلقیبه بذي النورین فهو عدیم النّور قطعاً و ذو النّور هو صهر النّبي (ص)عليّ بن أبي طالب (ع) فحسب .

وعلیٰ ذلك إیضاً تکون القدّیسة فاطمة هي البنت الوحیدة لخدیجة و زینب و رقّیة هما بنتا هالة اخت خدیجة قطعاً .

ثمّ إن السّیّدي خدیجة هي أوّل انثیٰ آمنت برسول ﷲ (ص) وصلّت معه بعد أن کان عليّ بن أبي طالب (ع) أسبق النّاس طرّاً و أوّل من صلّیٰمع رسول ﷲ (ص) .

و یذکر المؤرّخون کابن الأثیر في کامله ما یلي :

و کانت خدیجة إمرأة حازمة عاقلة شریفة مع ما أراده اﷲ من کرامتها ،فأرسلت إلیٰ رسول ﷲ (ص) فعرضت علیه نفسها و کانت أوسط نساء القریش نسباً و أکثرهنّ مالاً و شرفاً و کلّ قومها کان حریصاً علیٰ ذلك منها لو یقدر علیه …إلخ .

و إنّما یدلّ ذلك علیٰ وفور عقلها و شدّة حزمها إذ لم تکن تاجرة الأموال فحسب  . بل إکتسب بعقلها شرف الدّنیا و الآخرة و اکتسبت أشرف الأنبیاء و المرسلین فأصبحت و دعاءً للنّور الإلهي المتمثّل في فاطمة القدیّسة سیّدة نساء العالیمن (ع) فبعد أن عرضت خدیجة زواجها علیٰ رسول ﷲ (ص) أرسل عمومته و علیٰ رأسهم أبوطالبٍ عمران والد عليّ (ع) إلیٰ أولیاءها و أعمامها فخطبوها منهم و خطب أبوطالب خطبة النّکاح و هي کما یرویها المؤرّخون هکذا : ألحمد لله الّذي جعلنا من ذرّیّة إبراهیم و زرع إسماعیل و ضئضئی معدٍ و عنصر مضرٍ و جعلنا حضنة بیته و سوّاس حرمه و جعل لنا بیتاً محجوجاً و حرماً آمناً و جعلنا الحکّام علیٰ النّاس .

ثمّ إنّ إبن أخي هذا محمّد بن عبدﷲ لا یوزن برجل إلاّٰ رجح به شرفاً و نبلاً و فضلاً و عقلاً فإن کان المال قلّ فإنّ المال ظلّ زائلُ و أمر حائل و محمّد من قد عرفتم قرابته .

و قد خطب خدیجة بنت خویلدٍ و بذل لها  من الصّداق ما آجله و عاجله من مالی – کذا – و هو و ﷲ بعد هذا له نبأُ عظیم و خطر جلیل فزوّجها .

و هذه الخطبة تُثبت إیمان أبي طالب (ع) بالله و التّوحید و دین إبراهیم الخلیل قبل بعثة النّبيّ (ص) وتُثبت إیمانه بالنّبيّ (ص) حیث أخبر عن نبوّته مسبقاً فهو یحلف بالله إنّ له نبأُ عظیم ، فلتخسأ الأقلام الحاقدة المأجورة الخائنة الّتي نفت إیمان أبي طالب (ع) و ذلك عداءً و بعضاً لولده عليّ (ع) .

فهکذا ثمّ الزّواج المیمون المبارك بین محمّد (ص) و خدیجة اُمّ المؤمنین و اُمّ فاطمة القدّیسة سیّدة نساء العالمین . و قد أنشد شاعر قریش بهذه المناسبة شعراً رواه الشّیخ المجلسي في بحاره (ج:16 ص:14) :

هنیئأ مریئأ یا خدیجة قد جرت

لك الطّیر فیما کان منك بأسعد

تزوّجت من خیر البریّة کلّها

و من ذا الّذي في النّاس مثل محمّد؟

یُبشّرنا البرّان عیسیٰ بن مریم

و موسیٰ بن عمران فیا قُرب موعد

أقرّت به الکُتُاب قدماً بأنّه

رسول من البطحاء هاد مهتد


نشر في الصفحات 38-33 من كتاب قدیسة الاسلام

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *