(71)
سورة يس
بِإسمِ ذاتِيَ الأقدَس الأكمَل الأعظَم و بإسم رحمانيَّتي الشامِلَة لِخَلقي و رحيميَّتيَ الخاصّةِ بعبادِيَ المُؤمنين اُوحي إليك :
يا سَيِّدَ الخلائِقِ أجمَعين و أشرَفَ المُرسَلين يا مُحمّد الصّادِقِ الأمين (ص) يا حبيبي :
قَسَماً بالقُرآنِ كَلامَ اللهِ و وَحيِهِ الحكيم المُشتَمِلِ عليٰ الحِكَمِ و الأحكامِ الحَكيمَةِ العقليَّةِ و العَمَليَّةِ المَتينَةِ و المُحكَماتِ اُقسِمُ إنَّكَ و جَميع المُرسَلين اُرسِلتُم عليٰ وِلايَةِ عليٍّ (ع) ألصِّراطِ المُستَقيمِ لِلّه ،
و اُقسِمُ بالقُرآنِ إنَّ وِلاءَ عليٍّ (ع) تَنزيلٌ و وَحيٌ مُنزَلٌ مِنَ اللهِ العَزيزِ الّذي أعَزَّ عليّاً (ع) والرَّحيمُ الّذي يَرحَمُكُم بِوِلايَتِهِ أنزَلَهُ لِتُنذِرَ قوماً مُنافِقينَ مِن قُريشٍ و أصحابكَ كما اُنذِرَ آباؤهُم المُشركينَ فَهُم غافِلونَ عَن وِلايَتِهِ ،
بالتأكيدِ بَعدَ إتمامِ الحُجَّةِ عليهِم و إنذارَهُم ثُمَّ عِدائَهُم لِعَليٍّ (ع) لَقَد حَقَّ و وَجَبَ الوَفاءُ بالقَوْلِ و الوَعيدِ و الإنذارِ بالعَذابِ عليٰ أكثَرِ أصحابِكَ فَهُم لا يُؤمِنونَ بِوِلايَتِهِ ،
إنّا جَعَلنا بِبَيْعَةِ الغَديرِ في أعناقِهِم عُهوداً وَ مَواثيقَ بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) كالأغلالِ و القُيودِ و أحكَمنا عَقدَها كما تُعقَدُ أذقان الإبِل فَهُم بِبَيعَةِ الغديرِ مُلزَمونَ رَغماً لِآنافِهِم ،
و بِبَيعَةِ الغَديرِ جَعَلنا مِن بَيْنِ أيدي أصحابِكَ سَدّاً يَمنَعُهُم مِنَ الفِرارِ مِن وِلايَتِه و مِن خَلفِهم أيضاً سَدّاً يَمنَعُهُم مِنَ الرُّجوعِ عَن وِلايَتِهِ فَأغشينا أعيُنَهُم بِغِشاءِ الجَهلِ فَهُم لا يُبصِرون طريقاً لِلفِرارِ مِنَ الحَقّ ،
و سواءٌ عليٰ المُنافِقينَ مِن أصحابِكَ و زَوْجاتِكَ أن تُنذِرهُم بالعَذابِ بِنَكثِ بَيْعَةِ الغَديرِ أم لا تُنذِرهُم فَهُم لا يُؤمِنونَ بِقُلوبِهِم بِوِلايَةِ عليٍّ (ع)
فَلَيْسَ إلاّ إنّما تُنذِرُ بإنذارِكَ و يَنتَفعُ بهِ مَنِ اتَّبَعَ الوَحيَ و ثَبَتَ عليٰ وِلايةِ عليٍّ (ع) و خافَ اللهَ و لم يَنكُث بَيعتَهُ فذلكَ بَشِّرهُ بمَغفِرةٍ من اللهِ و أجرٍ كريمٍ يوم القيامَة ،
فَسواءٌ أنذَرتَهُم أم لا فإنّا نَحنُ يوم المعادِ سَنُحيي المَوتيٰ ثانِيَةً و نُحاسِبُهُم و نُجازيهِم و نَسألُهُم عَن وِلايَةِ عليٍّ (ع) و نَكتُبُ في صَحيفَةِ أعمالِهم ما قَدَّموا مِن عَمَلٍ و مِن آثارٍ في الدُّنيا ،
و عِلم كُلّ شييءٍ في عالَمِ الوُجودِ و المُمكناتِ إنّا نَحنُ أحصَيْناهُ في عليٍّ إمامٍ مُبينٍ هُوَ بابُ مَدينَةِ عِلمِ النّبي (ص) ،
واضرِب لاُِمّتِكَ و قَومِكَ يا حبيبي مَثَلاً عليٰ دَعوَتِكَ لهُم لِوِلايَةِ عليٍّ (ع) قِصّة أصحاب قَريَةِ أنطاكِيَة حينما جاءَها المُرسَلون مِن قِبَلِ عيسيٰ بن مريم ،
إذ أرسَلنا إليهِمْ رَسولَيْنِ إثنَيْنِ هُما شَمعون و يُوحَنّا لِدَعوَتِهم فَكَذّبوهُما فَعَزَّز رِسالَتهما بِرَسولٍ ثالِثٍ هوُ بُولُس فقالوا لَهُم إنّا إليكُم مُرسَلونَ مِن جانِبِ عيسيٰ (ع) ،
قالوا أهلُ أنطاكِيَةَ لهُم لَستُم أنتُم إلاّ بَشَرٌ أمثالنا في الصّورَةِ و الجِنس و ما أنزَلَ اللهُ ذوالرَّحمَةِ الواسِعَةِ مِن وَحيٍ أو كِتابٍ عليكم إن أنتُم إلاّ قَومٌ تَكذِبونَ علَينا ،
أجابوهُم الرُّسُلُ قالوا : رَبُّنا يعلَمُ أنّنا لا نَكذِبُ علَيكُمْ ، بَل إنّا إليكم مُرسَلونَ مِن جانِبِ عيسيٰ نَدعوكُم و لا يَخفيٰ عليهِ شيءٍ و ما علينا إلاّ البَلاغُ المُبين ،
قالوا لَهُم أهلُ أنطاكِيَةَ نَحنُ تَشآءَ منا بِمَقدَمِكُم إليٰ أنطاكِيَه لَئِن لَم تَمتَنِعوا مِن دَعوَتِكُم فبالتّأكيدِ سَنَرجُمكُم بالحِجارَةِ و لَيَنالُكُم مِنّا عذابٌ مُؤلِمٌ ،
فَأجابوهُم الرُّسُلُ قالوا إنَّ شُؤمَكُم عليكُم و هُوَ مَعكُم و هُوَ كفرُهُم لو أنّكُم تَذَكَّرتُم و اتَّعظتُم بَل أنتُم قومٌ مُبالِغونَ في التَّشَؤّمِ مُسرِفونَ فيهِ ،
و جآءَ مِن الأقصيٰ المُبارَكِ إليٰ مَدينَةِ أنطاكِيَه رَجُلٌ هُوَ أحَدُ الصِّدّيقينَ الثَّلاثَة هو حبيبُ النَّجارِ و الآخَران مُؤمِنُ آل فرعون و عليّ بن أبيطالب (ع) يَسعيٰ نَحوهُم قالَ يا قومِ اتَّبِعوا المُرسَلينَ إليكُم ،
إتَّبِعوا يا أهلَ أنطاكيَِةَ مَن يدعوكُم إليٰ الإيمانِ و سعادَة الدُّنيا و الآخِره و لا يَسألكم أجرَةً عليٰ دَعَوتِهِ و هؤلاءِ الرُّسُل هُم مُهتَدونَ إليٰ الحَقِّ وَ يَهدونَ إليهِ ،
و أضافَ حبيبُ النّجارِ قائِلاً لَهُم بِسؤالٍ إستِنكارٍ مالِيَ لا أعبُدُ الّذي خَلَقني و أوْجَدَني و صَوَّرَني فَهُوَ مَعبودي و أنا عَبدُهُ و إليهِ تُرجَعونَ بعدَ المَوْت ،
هَل أتَّخِذُ وَ حاشايَ مِن دونِ اللهِ ربّي إلـٰهاً مَعبوداً و عليٰ فَرضِ ذلكَ لَو يُريدُني الرَّحمانُ بِضُرٍّ فالآلِهَةُ لا تُغنِ عَنّي شَفاعَتُهم لِدَفعِ الضُّرِّ شيئاً و لا يُنقِذوني مِن عَذابِه ،
فَأضافَ حَبيبُ النَّجارِ قائِلاً لو أنّي أتَّخِذُ مِن دونِهِ آلِهَةً إنّي إذاً لَفِي ضَلالٍ عَنِ الحَقِّ و الهُديٰ بَيِّنٌ واضِحٌ إنّي آمَنتُ بِرَبّكم أيُّها الرُّسُلُ فاسمَعوني اُعلِنُ إيماني ،
فَلمّا تُوَفّيَ حَبيب قالَت لَهُ الملائِكَةُ اُدخُلِ الجَنّةَ قال حبيبٌ يالَيْتَ قَومي أهل أنطاكِيَة يعلَمونَ بِما غَفَرلي رَبّي و جَعَلني مِنَ المُكرَمين فَيُؤمِنون
و حينما أرَدنا إهلاكَ أهلَ أنطاكِيَةَ مِن بَعدِ حبيبِ النَّجار ما أنزَلنا عليهِم مِنَ المَلائِكَةِ مِن جُندٍ مِنَ السَّماءِ تُحارِبُهُم و تُهلِكُهُم و ما كُنّا مُنزِلينَ المَلائِكَةَ إستِصغاراً لِشَأنِهم ،
بَل حينَما أرَدنا إهلاكَهُم إن كانَت عُقوبَتهم إلاّ صَيحَةً واحِدةً مِن جَبرَئيل عليهِم و بِأثَرِها فإذا هُم خامِدونَ هَلكيٰ ،
فَيَقولُ جَبرئيل يا حَسرَةً عليٰ العِبادِ الهَلكيٰ فَهَلاّ آمَنوا كَي لا يَهلِكوا إذ ما يَأتيهِم مِن رَسولٍ إلاّ كانوا بهِ يَستَهزِؤنَ بَدَلَ أن يُؤمِنون ،
فيا حبيبي نَسألُ إستِنكاراً ألَم يَرَوْا قَومكَ كَمْ أهلَكنا قَبلَهُم مِنَ القُرونِ المُهلَكَة أنّهم إليهم لا يَرجِعونَ بَعدَ الهَلاكِ و إن كانوا كُلّهم جميعاً لَدَيْنا يوم القيامَةِ مُحضَرون ،
و دَليلاً و بُرهاناً لهُم عليٰ ضَرورَةِ وِلايَةِ عليٍّ (ع) و فائِدتها أنّ الأرضَ القاحِلَةَ أحيَيناها بالمَطَر و أخرَجنا مِنها بالزَّرعِ حَبّاً فَمِنهُ يَأكُلون فكذلكَ نُحيي القُلوبَ بالوِلايَه ،
و جَعَلنا في الأرض بساتينَ و مَزارِع من نخيلِ التُّمورِ و أعنابٍ مُتَنَوِّعَةٍ و فَجَّرنا في الأرضِ مِنَ العُيونِ المُختَلِفَةِ النّابِعَةِ ،
لِكَي يَأكُلوا مِن ثَمَرِ النَّخيلِ و الأعنابِ و مِن ثَمَرِ ما عَمِلَتهُ أيديهِم مِنَ الحَرثِ و السَّقي والزَّرعِ و الحَصْدِ أفَلا يَشكرونَ اللهَ عليٰ ذلكَ فيُوالونَ آلَ محمدٍ (ص) ؟ ،
فَتَقَدَّسَ و تَنَزَّهَ عَنِ النَّقائِصِ الخالِقُ الّذي خَلَقَ الخَلائِقَ أزواجاً كلّها سواءً مِمّا تُنبِتُ الأرضُ مِنَ النَّباةِ أو مِن البَشَرِ أنفُسِهم و مِمّا لا يَعلَمونَ الجُهَلاءُ مِن نَواةِ الذَّرَّةِ ،
و دلالةً اُخريٰ عليٰ وِلايَتِنا وَ وِلايَةِ آل محمدٍ (ص) و آيةً لهُم عليٰ ذلكَ هُوَ اللّيلُ نَفصِلُ منهُ النّهارَ فإذا هُم مَحفوفينَ بالظَّلام حتّيٰ الفَجر ،
و آية اُخريٰ عليٰ الوِلايَةِ التّكوينيَّةِ هِيَ الشَّمسُ تَجري و تَسيرُ في مَدارِها لِمُستَقَرٍّ لَها في النِّهايَةِ ذلكَ تَقديرُ الله العزيز العليم و تَنظيمُهُ لها ،
و آية اُخريٰ عليٰ الوِلايَة التكوينِيَّة هُوَ القَمَرُ حيثُ قَدّرناهُ يَسيرُ مَنازِلَ خِلالَ الشَّهرِ حتّيٰ يَعودَ بعد البُدورِ كهِلالِهِ فَيشَبُهُ الشِّمراخَ الأعوَج قَد مضيٰ عليهِ سِتّة أشهُرٍ للعَتيق ،
والوِلايَةُ التّكوينيَّةُ إقتَضَت ، لاالشَّمسُ يُمكِنُها الخُروجُ مِن مَدارِها فَتَتبَع مَدارَ القَمَر و لااللَّيْلُ يَسبَقُ النَّهارَ فيأتي في الزَّوالِ بَل كُلٌّ كُرَةٍ في فَلَكٍ مُعَيَّنٍ تَدور ، !!!
و دِلالَة اُخريٰ عليٰ ضَرورَةِ وِلايَةِ محمدٍ و آل محمدٍ (ص) لهُم أنّا حَمَلنا أولادَ آدَمَ و ذُرَيَّتَهُ في سَفينَةِ نوحٍ المَملوءَة حِملاً فكذلك أهل البَيْت (ع) هُم كسفينَةِ نوحٍ مَن رَكِبَها نَجيٰ ،
و خَلَقنا للنّاسِ مِن مِثلِ سَفينَةِ نوحٍ مَركوباً في البَرِّ و الجَوِّ ما يَركَبونَهُ فَيَحمِلُهُم كالحَيْوانِ و الآلاتِ و الطّائِرات ،
و إن إقتَضَت مَشيئَتُنا العادِلَةُ أن نُغرِقَهُم فحينئِذٍ فلا مُجيبَ لِصُراخِهم لِيُنقِذُهُم فَيغرَقونَ و لا يُنقَذونَ إلاّ أنّنا لا نُغرِقُهُم رَحمَةً مِنّا وَ مَتاعاً لهُم بالحَياةِ إتماماً لِلحُجَّةِ إليٰ حينِ الأجَل ،
مَعهذا إذا قالَ لهُم رَسولُ اللهِ إتَّقوا اللهَ و وَالوُا عليّاً و أهل بَيْتي (ع) و خافُوا اللهَ ألآنَ و في المُستَقبَل لعلَّكم تُرحَمونَ بِوِلايَتِهم ،
و خافُوا اللهَ الآنَ و في المُستَقبَل لَعلَّكم تُرحَمونَ بِوِلايَتِهم ،
و ما تَأتي هؤلاءِ المُنافِقينَ مِن آيَةٍ من آياتِ ربّهم بِشَأنِ آل محمدٍ (ص) وَ وِلايَتِهم و فَضائِلِهم و مَناقِبِهم إلاّ كانوُا عَنها مُعرِضين فلا يُوالونَهُم ،
و إذا قيلَ لهُم في القرآنِ والسُّنَّةِ أنفِقوا الخُمسَ لِآلِ محمّدٍ (ص) و ذُرّيتِهم والزَّكاة لِغَيرِهم مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ مِنَ الأموالِ ، قالَ الّذين كفَروا بِوِلايَتِهم لِلّذين آمَنوا هل نُطعِمُ مَن لَو أرادَ اللهُ إطعامَهُ لأطعَمَهُ هُوَ ،
وَ يقولونَ لِلّذين آمَنوا بِوِلايَةِ محمّدٍ و آل محمدٍ (ص) إن أنتُم إلاّ في ضَلالٍ واضِحٍ بِدَفعِكُمُ الخُمسَ لآِل محمدٍ (ص) و ذُرّيتِهم ،
و يقولونَ لِلّذين آمَنوا بِوِلايَةِ آل محمدٍ (ص) مَتيٰ يكونُ هذا الوَعدُ الّذي تَتَوَعَّدونا بِعَذابِ اللهِ و إنتقامِهِ مِنّا إن كنتُم صادِقينَ في وَعيدِكُم ؟
فما يَنتَظِرونَ عَذاباً إلاّ أنّها سَتكونُ صَيْحَةً واحِدَةً مِن جَبرئيل تُهلِكُهُم و تأخُذُهُم بالإنتقامِ قَبلَ قِيامِ القائِمِ المَهديِّ (ع) و هُم في حالٍ يَختَصِمونَ فيما بَيْنَهُم ،
فحينئذٍ فلا يستطيعونَ أن يُوصوا توصِيَةٍ بِوَصِيَّةٍ إليٰ أحَدٍ و لا يَستطيعونَ إليٰ أهلِهِم يَرجِعونَ فَيُوَدِّعونَهُم بَل يَهلِكون ،
و بعدَ هلاكِهم و مَوتِهم عند ما نَفَخَ إسرافيلُ في البُوقِ لِلحَشرِ و المَعادِ فإذا هُم مِن القُبورِ إليٰ حِسابِ رَبّهِم يُبعَثونَ بِسُرعَةٍ ،
فعندئذٍ يَقولونَ يا وَيْل لَنا والثُّبور وَقَعَ ما كُنّا نُكَذِّبُ بهِ و قَد بُعِثْنا فيَتساءَلونَ مَن بَعَثنا مِن مَرقَدِنا و لَحَدِنا ؟
هذا هُوَ البَعثُ و الحِسابُ و العِقابُ و العَذابُ في الجَحيمِ الّذي وَعَدَ بِهِ الرَّحمانُ فَلَم نُؤمِن بهِ و صَدَقَ المُرسَلونَ حينَ أخبَروا عَنهُ ،
إن كانَت عاقِبَةُ أعداءِ آل محمّدٍ (ص) إلاّ صَيْحَةً واحِدَةً تُهلِكُهُم فيَموتونَ ثُمَّ يُبعَثوُن فإذا هُم جميعٌ لديٰ مَحكَمَةِ عدلِ اللهِ مُحضَرون ،
فيُخاطِبُهم رَسولُ اللهِ قائِلاً : أليومُ لا تُظلَمُ نَفسٌ شيئاً أبَداً تَستَحِقُّهُ و لا تُجزَوْنَ أيّها النّاسُ إلاّ جَزاءَ ما كنتُم تَعمَلونَ في الدّنيا ،
إنَّ أصحابَ الجَنّةِ آل محمّدٍ (ص) و شيعَتهم المُؤمنينَ هُمُ اليومَ في إنشغالٍ بالنِّعَمِ الإلـٰهيَّةِ عَنِ الإلتِفاتِ إليٰ أعداءِهِم و هُم مُتَفكِّهونَ بأنواعِ اللَّذائِذ .
فآلُ مُحمّدٍ (ص) و شيعَتهُم هُم و أزواجُهُم في الجَنَّةِ في ضِلالٍ الأشجارِ عليٰ الأسِرَّةِ مُستَنِدونَ لهُم في الجَنَّةِ فاكِهَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ حاضِرَةٌ و لهُم ما يُحِبّونَ و يَطلُبونَ و يَأمَلون ،
و عليٰ آلِ محمّدٍ (ص) و شيعَتِهم سَلامٌ مِنَ اللهِ يَسمَعونَهُ قَولاً و هُتافاً منَ اللهِ رَبّهمُ الرّحيمُ بِهِم فَتَشمُلُهُم السَّلامَةُ الأبَدِيَّةُ ،
و يَأتي الخِطابُ الإلـٰهيُّ إليٰ أعداءِ آل مُحمّدٍ (ص) أن تَمَيّزوا عَن شيعَةِ آلِ مُحمّدٍ (ص) وانجازوا عَنهُم و لا تَختَلِصوا بِهِم أيُّها المُجرِمونَ الظّالِمون ،
و يَأتيهِم الخِطابُ مُوَبِّخاً ألَم آخذُ العَهدَ مِنكُم بِوِلايَةِ مُحمّدٍ و آلِهِ (ص) يا بَني آدَمَ الّذي أخرَجَهُ الشّيطانُ مِن الجَنّةِ و نَهيتُكُم أن لا تعبُدوا الشّيطانَ بِطاعَةِ خُلَفاءِ الجَوْرِ إنّهُ لكُم عَدوٌ ظاهِرُ العِداء ؟،
ألَم أعهَد إليكُم أنِ اعبُدوني وَحدي وَ والُو عليّاً (ع) فَصِراطُ عليٍّ (ع) هذا هُوَ صِراطٌ مُستَقيمٌ إليٰ الهُديٰ و الجَنَّه ،
و بالتأكيدِ والتَّحقيقِ لَقَد أضَلَّ الشّيطانُ مِنكُم خَلقاً كَثيراً فَأرداهُم و أبَعَدَهُم عَنِ الهُديٰ أفَلم تَكونوا تَعقِلونَ ذلِكَ فَتُوالونَ عليّاً (ع) ؟
فاليومُ هذِهِ جَهنَّمُ الجَحيمُ الّتي كنتُم تُوعَدونَ بِها لو خالَفتُم آلَ محمدٍ (ص) إصلَوْها وادخُلوها اليَومَ بما كنتُم تكفُرونَ بِوِلايَتِهِم في الدُّنيا ،
ففي هذا اليوم يوم الحسابِ و العِقابِ نَختِمُ عليٰ أفواهِهم بِخَتمٍ مِن نارٍ كي لا يَكذِبوا و تُكَلِّمُنا أيديهِم و تَشهَدُ أرجُلُهُم ناطِقَةٌ بِقُدرَتِنا بما كانوا يَكسِبونَ مِن آثامٍ و ظُلمٍ لآِلِ محمّدٍ و شيعَتِهم ،
و رُبَّما نَشآءُ بِمَشيئَتِنا فَنَطمِسُ عليٰ أعيُنِ أعداءِ آلِ محمّدٍ (ص) طَمَسناً نُعدِمُ بهِ أعيُنَهُم فيَتسابَقونَ إليٰ الصِّراطِ لِيَعبُروهُ فَهيْهاتَ أن يُبصِرون طريقَهُم ،
و رُبّما نَشآءُ و سَنَشآءُ حَتماً نَمسَخُهُم مَسخاً قِرَدَةً و خَنازيرَ في أماكِنِهم في المَحشَر فما يَستطيعونَ مُضِيّاً لِلصِّراط و لا رُجوعاً إليٰ أماكِنِهم ،
و أمّا في الدُّنيا فَمَن نُعَمِّرهُ عُمراً طَويلاً فلا خَيرَ فيهِ لَهُ إذ نُقَلِِّبُهُ رأساً عليٰ عَقِب و نَعكِس قُواهُ فيَنتَكِس في خِلقَتِهِ ضَعيفاً بَعدَ قُدرَتِهِ و بَليداً بَعد فِطنَتِهِ ،
فَنَسألُ مُستَنكِرينَ أفَلا يعقِلونَ ذلكَ ألمُنافِقونَ الّذين يَقولونَ إنَّ عَلِيّاً هو فَتيًٰ و لا بُدّ أن يكونَ الخَليفَةُ شِيْخاً كبيراً ،
و حينَما يُبَلِّغُهُم محمّدٌ (ص) قَولَ رَبِّهِم في عليٍّ (ع) يَقولونَ إنّهُ ينشِدُ شِعراً و ما عَلّمناهُ الشِّعرَ و ما يَنبَغي لهُ لأِنَّ الشِّعرَ أعذَبُهُ أكذَبُه بَل إن هُوَ إلاّ ذِكرٌ وَ وَحيٌ مِنَ اللهِ و قُرآنٌ بَليغٌ ،
لِيُنذِرَ بهِ رسولُ اللهِ مَن كانَ حيّاً قَلباً و روُحاً فيُفيدُهُ الإنذارُ فيُوالي عَليّاً (ع) وَ بَعدَ الإنذارِ و إتمامِ الحُجَّةِ يَحقّ القَولُ بالعَذابِ عليٰ الكافِرينَ بِوِلايَتِهِ ،
أولَم يَروا هؤلاءِ المُنافِقون أنّا بِوِلايَتِنا التكوينيَّة خَلقنا لَهُم مِمّا عَمِلَت أيدي مَلائِكَتِنا أنعاماً ثَلاثَةً فهُم لها مالِكون ،
و ذلَّلناها و سَخّرناها لَهُم فَمِنَ الأنعامِ كالإبِلِ رُكوبُهم و مِنها كالغَنَمِ و البَقَرِ يَأكلونَ و لهُم فيها منافِعُ مِن ألبانِها و أشعارِها و جُلودِها و مشارِبَ ألبانها أفَلا يشكرونَ نِعَمنا فيُوالونَ عليّاً (ع) ؟؟؟ ،
واتَّخذوا هؤلاءِ المُنافِقونَ مِن دونِ اللهِ آلِهَةً مِن وُلاةِ الجَوْرِ يُطيعونَهُم دونَ اللهِ أمَلاً مِنهُم لعلَّهم يُنصَرونَ بِهِم عليٰ آلِ محمدٍ (ص) ،
و خُلَفاءَ الجَوْر لا يَستطيعونَ نَصرَهُم عليٰ آلِ محمدٍ (ص) و شيعَتِهم بَل هُم لِوُلاةِ الجَوْرِ جُنودٌ مُحضَرونَ لِخِدمَتِهِم و نُصرَتِهم ،
فيا رَسولَ اللهِ فلا يحزُنكَ قَولَهُم فيكَ إنّكَ لَتَهجُر و تَقولُ شِعراً إنّا نَعلَمُ ما يُخفونَهُ سِرّاً و ما يُعلِنونَهُ مِنَ النِّفاقِ فَنُعاقِبُهُم عليه ،
نَسألُ مُستَنكِرينَ أولَم يَنظُرِ الإنسانُ المُنافِقُ أنّا خَلَقناهُ مِن نُطفَةٍ قَذِرَةٍ نَجِسَةٍ فإذا هُوَ خصيمٌ لآِلِ محمّدٍ (ص) ظاهِرُ العِداءِ و الخُُصومَه ،
و ضَرَبَ لنا الإنسانُ المُنافِقُ مَثلاً كالعاصي بن وائِلِ السَّهمي و قَد نَسِيَ خِلقَتَهُ قالَ مَن يَتَمكَّن أن يُحيي العِظامَ و هِيَ رَميمٌ مُنكِراً لِلبَعث ،
قُل لِلمُنافِق يا حبيبي : يُحيي العظامَ الرَّميمَةَ ربّها الّذي خَلَقها و أنشأَها أوّلَ مَرَّةٍ و هو بِكُلِّ خَلقٍ يُريدُ إنشاءَهُ عليمٌ ذاتاً ،
و يُحييها الّذي جَعَلَ لكُمْ مِن خَشَبِ الشَجَرِ الأخضَرِ بَعدَ يُبسِهِ حَطَباً مُشتَعِلاً ناراً فإذا أنتُم منهُ تُحرِقونَ و تُوقِدون ناراً ،
ألَيسَ اللهُ الّذي خَلَقَ السّماواتِ و الأرضَ إبتداءً بِقادِرٍ عليٰ أن يُعيدَ خَلقَها ثانِيَةً مِثلَ الخَلقِ الأوَّل ؟ بَليٰ هُوَ قادِرٌ علي ذلِكَ و هُوَ الخَلاّقُ العَليمُ بالخِلقَةِ ،
فَمُنحَصِرٌ أمرهِ بالإيجادِ إذا أرادَ إيجادَ شييءٍ أو خَلقِهِ أو تكوينِهِ إلاّ بَأن يَقولَ لهُ كُن بِإرادَتي فيَكونُ بإرادَتِهِ و لا يَتَخلَّف ،
فَتَقَدّسَ اللهَ و تَنَزَّهَ مِن أن يَكونَ لَهُ شريكٌ في الطّاعَةِ مِن الخُلَفاءِ و هُوَ الّذي بِيَدِ قُدرَتِهِ مَلَكوتُ كُلّ شييءٍ في الوُجودِ و قَد وَلّيٰ عليٰ المَلَكوتِ مُحمّداً و آلَ مُحمّدٍ (ص) فَقَط لا غَيرهِم و إليهِ تُرجَعون فيُحاسِبُكُم عليٰ وِلايَتِهِم .
نشر في الصفحات 1440-1426 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی