(72)
سورة المُدَّثِّر
بِإسمِ ذاتِيَ الرُّبوبيّ الباعِثِ لِلرُّسُل و بِإسمِ رحمانِيَّتيَ الشامِلَةِ لِلخَلقِ و رحيميَّتيَ الخاصَّةِ بالمُؤمنين اُوحي إليك :
يا مُحمّد بن عبد اللهِ الصّادِقِ الأمينِ المُتَدَثِّرِ بالدِّثارِ في بَيْتِ خديجَةَ اُمِّ الزَّهرآء (ع) :قُم مِن دِثارِكَ واذهَب فَأنذِر قُريشاً بالعَذابِ إن لَم يُؤمِنوا بِوِلايَتِكُم أهل البَيْت (ع) ،
و كَبِِّرِ اللهَ علانِيَةً واهتُف فيهِم أللهُ أكبَر و نَأمُرُكَ فَلِلعِبادَةِ والصَّلاةِ و الطَّوافِ ثيابَكَ طَهِّرها واغسِلها مِنَ النِّجاساتِ والشِّركِ فاهجُرهُ وابتَعِد عَنِ المُشركين ،
و نَنهاكَ نَهياً مَولويّاً لا تَمنُن عليٰ المُشرِكينَ بالمِنَنِ العَظيمَة و الأيادي الجَميلَةِ لِتُكثِر رَبعَكَ مِنهُم و لِرَبِّكَ فاصبِر عليٰ آذاهُم ،
فَيوم القيامَةِ اليومُ إذا نُقِرَ و نُفِخَ في البُوقِ والنّافِخُ إسرافيلٌ بإذنِ اللهِ لِلبَعثِ فذلكَ اليَومُ هو يومٌ صَعبٌ ذو عُسرَةٍ عليٰ الكافِرينَ غَيرُ يسيرٍ لا يُتَحمَّل ،
دَعني يا حبيبي أنا و مَن خَلقْتُهُ وَحيداً و وَليداً عَنيداً بن مُغيرَةَ المَخزومي و جَعَلتُ لهُ إتماماً لِلحُجَّةِ مالاً مَمدوداً لِلتِّجارَة و أولاداً يَشهَدهُم حُضوراً بَيْنَ يَدَيْهِ و مَهَّدتُ لهُ العَيْشَ تَمهيداً ،
و مَعَ كُلّ تِلكَ النِّعمَة ثُمَّ هُوَ يَطمَعُ أن أزيدَ عليهِ المالَ و البَنينَ و هُوَ يَزيدُ في كُفرِهِ و عِنادِهِ و عداءِهِ لِمُحمّدٍ و آلِهِ (ص) كَلاّ هَيْهاتَ إنّهُ كانَ و لا زالَ لآِياتِنا النّازِلَةِ مُعانِداً جِدّاً ،
سَاُذِلُّهُ تَعَباً و رَهَقاً و مَشَقَّةً و حِرصاً و طَمَعاً طَلَباً مِنهُ صُعوداً في الغِنيٰ و الثَّروَةِ و مَزيداً ،
إنَّ وَليداً فَكَّر في وِلايَةِ مُحمدٍ و آل محمدٍ (ص) و قَدَّرَ في نَفسِهِ أنَّ مُحمّداً (ص) سَيَغلِب الشِّركَ و الأوْثانَ و الحِزبَ الاُمَويَّ و لابُدَّ مِن مُحارِبَتِهِ فَقاتَلَهُ اللهُ كيفَ قَدَّرَ في نَفسِهِ ذلكَ ثُمَّ قاتَلَهُ اللهُ كَيفَ قَدَّرَ جَهلاً و عِناداً ،
ثُمَّ نَظَر الوليدُ إليٰ أموالِهِ و بَنينِهِ و عَشيرَتِهِ و حِزبِهِ ثُمَّ عَبَسَ و بَسَرَ بِوَجهِهِ مُغضِباً عليٰ محمّدٍ (ص) ثُمَّ أدبَرَ عَنِ الحَقِّ و الهُديٰ والستَكبَرَ عن الإيمانِ باللهِ و بِمُحمّدٍ و آل محمدٍ (ص) ،
فقال لِقَوْمِهِ إن هذا القرآنُ إلاّ سِحرٌ يُؤثِرُهُ مُحمّدٌ مِنَ السَّحَرةِ إنْ هذا الكلامُ إلاّ قَول بُلَغاءِ البَشَرِ و فُصَحائِهِم يُعَلِّمونَهُ ،
فَحَتماً أوصِلُهُ و اُدخِلُهُ جَهنَّمَ السَّقَر و ما أدراكَ ما عَظَمَةُ سَقَر يا وليد إنّها نارٌ لا تُبقي عليكَ و لا تَذَر شيئاً مِن جِسمِكَ سالِماً ،
لَوّاحَة لَهَبُها فَتلوحُ لِلبَشَرِ أمثالِ الوَليدِ و رَبعِهِ المُشرِكينَ المُنافِقين و عليها مَلائِكةُ الغَضَبِ خَزَنَة النّيرانِ تِسعَةَ عَشَر مَلَكاً تَزجُرُهُم ،
و ما جَعَلنا خَزَنَةَ النّيرانِ إلاّ مَلائِكَةَ الغَضَبِ و ما جَعَلنا عِدّةَ المَلائِكَة تِسعَةَ عَشَرٍ إلاّ بِعَددِ خُلَفاءِ الجَوْرِ إمتحاناً لِلّذين كفَروا ،
لِيَستَيْقِنَ الّذينَ اُوتوا القُرآنَ بِأنّ اللهَ جَعَلَ حُروفِ البَسمِلَةِ تِسعَةَ عَشَرَ لِيَدفَعَ بِها مَلائِكة الغَصَب و يَزداد الّذين آمَنوا بِوِلايَةِ محمدٍ و آلِهِ (ع) إيماناً بِشَفاعَتِهم و لا يَشُكّونَ فيها ،
و سَيقولُ الّذين في قلوبِهِم مَرَضٌ النِّفاقِ و العِداءِ لآِل محمّدٍ (ص) و الكافِرونَ بِوِلايَتِهِم ماذا أرادَ اللهُ بهذا العَدَدِ مَثَلاً لَنا و هُوَ عَدَدُ خُلَفاءِنا ؟؟؟ ،
و هكذا يَدَعُ اللهُ مَن يشآءُ خِذلانَهُ في ضَلالَتِهِ و يَهدي مَن يشآءُ هِدايَتَهُ إليٰ وِلايَةِ محمّدٍ و آلِهِ (ع) ،
و ما يَعلَمُ عَدَدَ جُنودِ رَبِّكَ مِنَ المَلائِكَةِ إلاّ هُوَ و هو أخبَرَ بِهِ مُحمّداً (ص) و هُوَ أخبَرَ بهِ عَليّاً (ع) و ما هِيَ المَلائِكَةُ إلاّ ذِكريٰ لِلبَشَر بِأنّها مُطيعَةٌ مُنقادَةٌ لِمُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) ،
كلاّ ليسَ كما يَقولُ الوليدُ و حِزبُهُ فَقَسماً بالقَمَرِ و قَسَماً باللَّيْلِ ، حينَ أدبَرَ و مَضيٰ فَأقبَلَ الصُّبحُ و أسفَرَ لِلعَيْنَيْن إنَّ وِلايَةَ محمّدٍ و آلِ محمدٍ (ص) هِيَ لَإحدي المُهمّاتِ الكُبريٰ العَظيمَه سيّما فاطِمَة الزّهرآء ،
فَأرسَلنا مُحمّداً (ص) نَذيراً لِلبَشَرِ المُعانِدينَ لِولايَةِ آل محمّدٍ يُنذِرُهُم بالعَذابِ فَمَن شآءَ منكُم بَعدَ هذا أن يَتَقَدَّمَ إليٰ وِلايَتِهِم و يَتَمسَّك بِها أو يَتَأخَّر عَنها فَيَهلَك ،
كُلّ نَفسٍ مُكَلَّفَةٍ هيَ سَتكونَ بِما كَسَبت في الدُّنيا مِن عَمَلٍ رهينَةٌ بها يَومَ القِيامَةِ مَرهونَة في الجَحيم بما كَسَبت ،
إلاّ أنّ أصحابَ اليَمينِ المُوالِينَ لِعَليٍّ أميرِ المُؤمنينَ (ع) هُم يَومَئِذٍ في جَنّاتٍ يَتَساءَلونَ مَعَ المُجرِمينَ يَسألونَهُم ما الّذي أدخَلَكُم في سَقَر ؟
فيُجيبونَهُم قائِلينَ نَحنُ في الدّنيا لَم نَكُ مِنَ المُصَلّينَ بِصلاةِ محمدٍ و آلِهِ الطّاهِرين و لَم نَكُ نُطعِمُ المِسكينَ الهاشِميَّ الخُمسَ و غَيرَهُ الزَّكاةَ ،
و يقولونَ نَحنُ كُنّا في الدُّنيا نَخوضُ في الباطِلِ مَعَ أهل الباطِلِ و النِّفاقِ الخائِضينَ في الضَّلالَةِ و الهَويٰ ،
و يَقولونَ نَحنُ كُنّا في الدّنيا نُكَذِّبُ بِيَومِ الحِسابِ والجَزآءِ و العِقابِ حتّيٰ أتانا المَوْتُ المُحتَّمُ و أيقَنّا بالحِساب ،
يَومَئذٍ فما تَنفَعُهُم و لا تَشمُلُهُم شَفاعَةُ الشّافِعينَ عِندَ اللهِ مُحمّدٌ و آلِهِ (ع) الطَيِّبينَ الطّاهِرين ،
فما بالُهُم هؤلاءِ المُنافِقينَ هُم عَنِ التَّذَكُّرِ و الإتِّعاظِ مُعرِضينَ و عَن وِلايَةِ آل محمدٍ (ص) فارّينَ كأنَّهُم حَميرٌ نَفَرَت و فَرَّت و هَرَبَت مِن أسَدِ الله عليّ بن أبيطالب (ع) ،
بَل إنَّ فِرارَهُم مِن وِلايَةِ أسَدِ اللهِ الغالِب عليّ بن أبيطالِب (ع) هو لأِجلِ أنّهُ يُريدُ كُلّ امرِءٍ منهُم أن يُؤتيٰ مِنَ السَّماءِ بإسمِهِ صَحائِفَ مَنشورَةً كالقُرآن ؟؟،
كَلاّ سَوفَ لا تأتيهِم صُحُفٌ مُنَشَّرَةٌ فهَيْهاتَ لِعَدَمِ عِصمَتِهم و إيمانِهم بَل هُم لا يَخافونَ حِسابَ الآخِرَة فلا تُفيدُهُم نُزولَ الصُّحُفِ عَليهِم ،
كَلاّ ليسَ القُرآنُ إلاّ تَذكِرَةٌ لَهُم يُذَكِّرُهُم بِضَرورَةِ وِلايَةِ محمدٍ و آل محمدٍ (ص) فَمَن شآءَ اتَّعَظَ بهِ فوالأهَمّ ،
وَما يَذكُرونَ أهَمِيَّةَ وِلايَة آل مُحمّدٍ (ص) إلاّ أن يَشآءَ اللهُ هِدايَتَهُم و إسعادَهُم هو أهلُ التَّقويٰ فَيَتّقوهُ و أهلُ المَغفِرَةِ فَيَغفِر لهُم ،
نشر في الصفحات 1446-1441 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی