سورة الزُّمَرْ
2017-02-20
سورة الفُرقان
2017-02-20

(34)
سورة مَريَم (ع)

( بسمِ اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيم كهٰيٰعص )

بإسِمِ ذاتِيَ القُدسيّ و رحمانيّتي و رحيميّتي أبدَأُ الوحيَ إليكَ بِرَمزِ،كاف ها يا عَيْن صاد،مِنَ الحُروفِ‌ النّورانيّةِ كُلّ حَرفٍ يَرمُزُ إليٰ إسمٍ مِن أسماءِ اللهِ الحُسنيٰ

( ذِكرُ رَحمَةِ رَبِّكَ عَبدَهُ زَكريّا إذ ناديٰ رَبَّهُ نِداءَ خفيّاً )

هذا الرَّمزُ يُشيرُ إليٰ ذِكرِ عِنايَةِ اللهِ بِعَبدِهِ النّبيّ زكريّا و قِصَّتِهِ أَنَّهُ ابتَهَلَ إليٰ اللهِ في شيخوخَتِهِ طالِباً ألولَدَ ناديٰ رَبَّهُ في السَّحَرِ خُفيَةً ،

( قالَ‌ رَبِّ إنّي وَهَنَ العَظمُ مِنّي واشتَعَلَ الرَّأسُ شَيْباً وَ لَم أكُن بِدُعاءِكَ رَبِّ شقيّاً )

قالَ : إلهٰي إنّي كَبُرَ سِنّي و ضَعُفَ العَظمُ مِنّي وانهارَت قُوايَ و ابْيَضَّ شَعرُ رَأسي مِنَ الشَّيْبِ وَ لَم أكُن في سابِقِ عُمري شَقيّاً مَردودَ الدُّعآءِ حينَ دَعَوْتُكَ‌ ،

( و إنّي خِفتُ المَوالِيَ مِن وَرائي و كانَتِ امرَأتي عاقِراً‌ فَهَب لي مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُني )

و إنّي أخافُ‌ أقربائي مِن بَني إسرائيلَ أن يُبَدِّلوا ديني مِن بَعدي إذ لَيسَ لي أهل بيتٍ وَ وَلَدٍ يَخلفني و إنَّ إمرأَتي كانَت عاقِراً فَهَبْ لي وَلَداً يَرِثُني و يَرِثُ النَّبُوَّةَ بعدي ،

( و يَرِثُ مِن آلِ يعقوبَ واجعَلْهُ رَبِّ رَضيّاً )

و يَرِثُ النُّبُوَّة مِن آلِ يَعقوبَ بن إسحاق بن إبراهيم واجعَلهُ رَبِّ معصوماً مَرضيّاً عندكَ إذِا لخلافةُ جَعليّةٌ مِنكَ‌ مَشروطَةٌ بالعِصمَة .

( يا زَكريّا إنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسمُهُ يَحييٰ لَم نَجَعل لَهُ مِن قَبلُ سميّاً )

فَجاءَهُ‌ النِّداءُ مِن رَبِّهِ يا زكريّا إنّا نُبَشِّرُك بأنّا سَنَهِِبُهُ لَكَ وَلَدٌ وليٌّ معصومٌ يَرِثُكَ غُلامٌ إسمُهُ يَحييٰ بن زكريّا لَم نَجعل لَهُ في بَني إسرائيلَ مِن قَبلُ سَمِيّاً

( قالَ رَبِّ أنّيٰ يكونُ‌ لي غُلامٌ و كانَت امرَأَتي عاقِراً و قَد بَلَغتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيّاً )

قالَ زكريّا : رَبِّ كيفَ يكونُ‌ لي غُلامٌ مِن صُلبي حيثُ إنَّ إمرَأتي هِيَ عاقِر و عَجوز وَ قَد بَلَغتُ مِنَ الشّيخوخَةِ حالةً صَعبةً لا عِلاجَ لها .

( قال كذلكَ قالَ ربُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ قَد خَلَقتُكَ مِن قَبلُ و لم تَكُ شيئاً )

قالَ المَلَكُ الَّذي بَشَّرَهُ بالوَلَدِ مِن قِبَلِ اللهِ كذلكَ قالَ‌ رَبُّك سأرزُقُكَ وَلَداً وَ هُوَ علَيَّ سَهلٌ و قَد سَبَقَ أن خَلَقتُكَ مِنَ العَدَمِ إليٰ الوجودِ حينَ لَم تَكُ شيئاً

( قالَ رَبِّ اجعَل لي آيةً قال آيتُكَ ألاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سوّياً )

فَقالَ زَكريّا : رَبِّ اجعَل لي عَلامةً حينما تُريدُ أَن تَهَبَ لي غُلاماً ، قالَ المَلَكُ عَنِ اللهِ لهُ ألعَلامةُ هيَ أنّكَ يَجِبُ أن تَعتَكِفَ في الأقصيٰ و تَصومَ صومَ السّكوتِ ثَلاثةَ أيّامٍ بِلَياليها ،

( فَخَرجَ عليٰ قومِهِ مِنَ المِحرابِ فَأوحيٰ إليهم أَن سَبِّحوهُ بُكرَةً و عَشيّاً )

فَخَرجَ زكريّا مِنَ المِحراب بِمَسجد الأقصيٰ بَعدَ الأعتِكافِ ثَلاثَةَ أيّامٍ إليٰ قومِهِ فَأبلَغَهُمُ الوحيَ النّازِل إليهِ لَهُم مِنَ اللهِ أن سَبِّحوا اللهَ صباحاً و مَسآءً يا بني إسرائيل ،

( يا يَحييٰ خُذِ الكتابَ بِقُوَّةٍ و آتيناهُ الحُكمَ صَبيّاً )

فَوُلِدَ يَحييٰ فَجاءَهُ الوَحيُ يا يَحييٰ خُذِ النُّبُوَّةَ بَعَدَ زَكريّا بِقُوّةٍ و عَزمٍ و آتيناهُ الحُكمَ صبيّاً فَتَبّاً لِمَن ادّعيٰ الخِلافَة لِكِبَرِ سِنّهِ و تَبّاً ،

( وَحناناً مِن لَدُنّا وَ زَكاةً و كانَ تقيّاً و بَرّاً بِوالِدَيهِ و لم يكُن جبّاراً عَصيّاً )

و مِن فَضائِلِهِ أنَّهُ كانَ حَنوناً عليٰ النّاسِ مِن حَنانِ اللهِ و كان كثير الزّكاةِ عليٰ الفُقَراءِ و كانَ تَقيّاً وَرِعاً وَ بارّاً بِوالِدَيهِ و لَم يكُن جبّاراً‌ في الأرضِ عاصياً لِلّه‌ ،

( وَ سَلامٌ عَليهِ يومَ وُلِدَ وَ يومَ‌ يَموتُ و يَومَ يُبعَثُ حيّاً )

وَ سلامٌ مِنَ اللهِ و رَسولِهِ عَليهِ فَهُو قد أمِنَ مِن شَرِّ الشّيطانِ و الإنسان يومَ وُلِدَ و يَومَ استُشهِدَ مَظلوماً فَفارَدمُهُ و لَم يَهدَاءْ إلاّ بعدَ الثّأر مِن قاتِليهِ و سلامٌ عَليهِ يومَ يُبعَثُ حيّاً يَومَ القِيامَة .

( واذكُر في الكتابِ مَريَمَ إذ انتَبَذَت مِن أَهلِها مَكاناً شرقيّاً )

واذكُر يا حَبيبي في القُرآن مَريمَ ابنَةَ عِمران حينما اعتَزَلَت مِن أهلِها مكاناً في شَرقِيّ بَيتِ المُقدِس و جامعِ الأقصي حينما جآءَها النِّداءُ اُخرُجي مِنهُ فإنّهُ بيتُ عبادَةٍ لا وِلادةٍ .

(‌ فاتَّخَذت مِن دونِهِم حِجاباً فأرسَلنا إلَيها روحنا فَتَمثَّلَ لَها بَشَراً سويّاً )

فاتّخَذَت بينها و بَيْنَ قومها أستاراً تحجُبها عَنهُم لِتَغتَسِلَ غُسلَ التَّعميد لا الحيض لأِنّها كانَت بَتول لا تريٰ الدَّمَ فأرسَلنا مَلَكاً إليها روحَ اللهِ جبرئيل فتَمثَّل لها بَشَراً كاملَ الشّكل ،

( قالَت إنّي أعوذُ بالرَّحمانِ مِنكَ إن كُنتَ تَقيّاً )

قالَت لهُ مَريَم إنّي أستَجبرُ باللهِ الّذي وَسَعَت رَحمَتُهُ مِنك أن تُؤذيني و تَدنوَ مِنّي إن كُنتَ‌ تَقيّاً‌ فاتَّقِ اللهَ و ابتَعِد عَنّي !

( ‌قال : إنّما أنا رَسولُ رَبِّكِ لأِهَبَ لَكِ غُلاماً زَكيّاً‌ )

قال جبرئيل لِمَريَم لَستُ إلاّ مَلَكاً رَسولاً مِن رَبِّكِ إليكِ لأِنفُخُ فيكِ بأمرِ الله لأِهبَ لَكِ بِقُدرَةِ اللهِ و إرادَتِهِ وَلَداً مَعصوماً‌ ،

( قالَت أَنّيٰ يكونُ لي غُلامٌ و لَم يَمسَسني بَشَرٌ و لَم أكُ بَغيّاً )

فَأجابَت مَريَمُ كيفَ يكونُ لي وَلَدٌ و أنا عَذرآءُ باكِرَه و لم يَمسّني بَشَرٌ لِحَدِّ الآن بالزَّواجِ والنِّكاح و لَم أكُ زانيةً بَل صِدّيقةٌ طاهرةٌ ،

( قالَ كذلكَ قالَ رَبُّكِ‌ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ و لِنَجعلَهُ آيةً لِلنّاسِ و رَحمةً مِناّ و كانَ أمراً مَقنضيّاً )

قالَ لَها جَبرئيل : كذلِكَ قالَ اللهُ إنّي قادِرٌ و ذٰلك عَلَيَّ سَهلٌ و لِنَجعلَهُ آيةً عليٰ قُدرَةِ اللهِ‌ للنّاسِ و رَحمَةٌ مِنَ اللهِ لَهُم و كانَ ذٰلك أمراً مُقتَضِياً بِمَشيئَتِهِ تعاليٰ ،

( فَحَملَتهُ فانتَبَذَت بِهِ مَكاناً قَصيّاً )

فَنَفَخَ فيها جبرئيلُ فَحَمَلَت بِعيسيٰ فَتَنحَّت وابتَعَدَت عَنِ المَسجِدِ الأقصيٰ مَكاناً بَعيداً قُربَ النّخلَةِ بَعد أن سَمِعَت النِّداءَ اُخُرجي مِن بيتي و لكنَّ فاطمةَ بِنتَ أسَدٍ جآءَها النِّداءُ اُدخلي الكَعبَةَ فَدَخَلت !!!

( فَأجاءَها المَخاضُ إليٰ جِذعِ النَّخلَةِ قالَت يا لَيتَني مِتَّ قَبلَ هذا و كُنتُ نَسياً مَنسيّاً )

فَجاءَها حالُ المَخاضِ و فاجأَها دَفعَةً واحدةً و هي وَحيدةٌ فاتَّكَأَت إلي جِذعِ النَّخلَةِ الَّتي أَثمَرت بِبَركَتِها فَقالَت حَياءً ياليتني مِتُّ قَبلَ هذا الوقت و كُنتُ مَنسيّةً‌ عِندَ النّاس ،

( فَناداها مِن تَحتِها ألاّ تَحزَني قَد جَعَلَ ربُّكِ تَحتَكِ سريّاً )

فَناداها جبرئيلُ مِن تَحتِ‌ جَبَلِ بيتِ المَقدِس يا مَريمُ لا تَحزَني لأِنّك وَلَدَتِ غُلاماً و سوف يَتّهِموكِ فَقَد جَعَل اللهُ وَلَدكِ الّذي وُلِدتِ مِمَّن اختيارهُ اللهُ نَبياً ،

( و هُزّي إليكِ بِجِذعِ‌ النَّخلَةِ تُساقِط عَليكِ‌ رُطَباً جَنيّاً )‌

وَ قَد بارَك اللهُ لَكِ و لِعيسيٰ وَ هيَّأ رِزقَكُما فَهُزّي جِذعَ النَّخلَةِ الَّتي وَلَدْتِ عِندَها بَدَلَ أن تَصعَدي عَلَيها تُساقِط عَليكِ رُطَباً ناضِجاً طَريّاً غَيرَ ‌يابِسٍ .

( فكُلي واشرَبي و قَرّي عيناً فَإمّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أحداً فَقولي : إنّي نَذَرتُ لِلرّحمٰنِ صَوماً فَلَن اُكَلِّمَ اليومَ إنسيّاً‌ )

فَكُلي مِنَ الرُّطَبِ واشرَبي مِن ماءِ العَيْنِ القَريبَةِ مِنَ النَّخلَةِ واطمَإنّي واهدَئي و لا تَقلَقي فإذا رأيتي مِنَ البَشَرِ أحَداً فَأَشِّري إليه إنّي ناذِرَةٌ لِرَبّي صَومَ السّكوتِ فَلا اُكَلِّمَ أحداً‌ ،

( فَأتَت بِهِ قَومَها تَحمِلهُ‌ قالوا يا مَريمُ لَقَد جِئتِ شيئاً فَريّاً )

واحتَضَنَت عيسيٰ و أتَت بِهِ إليٰ قومِهَا فَلمّا رَأوها قد وَلَدَت و لم تَكُن قَد تَزَوّجت قالوا يا مريمُ لَقَد جِئتِ بشييءٍ مُنكَرٍ قبيحٍ وَلَدتِ مِن غير إزدواجٍ .

( يا اُختَ هارون ما كانَ أبوكِ إمرَأ سَوْءٍ وَ ما كانت اُمُّكِ بَغيّا )

يا شَبيهَةَ هارون في التّقويٰ والزُّهد وَ هو أخو موسيٰ و عليٌّ بمنزلة هارونَ مِن موسيٰ ، فَيجوزُ ‌القول يا اُختَ عليٍّ ، ما كانَ أبوكِ عمران رَجُل سَوْءٍٍ و ما كانت اُمّك زانيةً‌.

( فَأشارَت إليهِ قالوا كيفَ‌ نُكَلِّمُ مَن كان في المَهدِ صبيّاً‌ )

فأشارَت إليٰ عيسيٰ أَن سَلوهُ وَ خاطِبوهُ فَأنا صائِمةٌ بِالسّكوت قالوا : إنّهُ رَضيعٌ فَكيفَ نُكَلِّمُ مَن كانَ في المَهدِ صَبيّاً لَم يَنطِق بَعدُ ؟

( قالَ إنّي عَبدُ اللهِ آتانِيَ الكِتابَ وَ جَعَلني نَبيّاً )

فَسَبعوهُ يُخاطِبُهم إنّي لَستُ صَبيّاً عاديّاً لا يَتَكلّم بَل إنّي عَبدُ اللهِ عيسيٰ بنُ مَريَم آتانِيَ اللهُ الرِّسالَةَ صبيّاً‌ و جَعَلَني نَبيّاً في بني إسرائيل‌،

( و جَعَلَني مُبارَكاً أينما كُنتُ و أوصاني بالصّلاةِ و الزّكاةِ ما دُمتُ حيّاً‌ )

وَ جَعَلَني مُبارَكاً بالعِصمَةِ و النُّبوَّةِ فالعِصمَةُ و النُّبُوَّة جَعليّةٌ مِنَ اللهِ و أوصاني بالصَّلاةِ و الزَّكاةِ ما دُمتُ حَيّاً إليٰ قِيامِ مَهديِّ آلِ مُحمّدٍ (ص) فأدفَعُ الزّكاة إليهِ كُلَّ عامٍ حتيّٰ يَظهَر !!!

( وَ‌ بَرّاً بِوالِدَتي وَ لَم يَجعَلني جَبّاراً شَقيّاً والسّلامُ عَليَّ يَومَ وُلِدتُ و يَومَ أموتُ و يَوم اُبعَثُ حيّاً )

و أوصانِيَ اللهُ أن أَبَرَّبِوا الدتي و لَم يَجعَلني جَبّاراً شقيّاً‌ بعُقوقِها والسّلامُ مِنَ الله عَلَيَّ يَومَ أن وُلِدتُ و يَومَ‌ أموتُ بَعد أن أنزِلَ من السّماءِ وَ يومَ اُبعَثُ حيّاً .

( ذٰلكَ‌ عيسيٰ بنُ مريَمَ قَولَ الحَقِّ الَّذي فيهِ يَمتَرون ما كانَ لِلّهِ أن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبحانَهُ )

ذٰلك يا حبيبي قِصَّةُ عيسيٰ بن مريَم قَولَ الحَقِّ و الوَحيِ والصِّدقِ مِنَ اللهِ وَ قَد يَتنازَعونَ فيهِ فَمِن قائِلٍ أنّهُ إبنُ الله و مِن قائِلٍ إنّهُ‌ إبنُ حبيبِ النَّجّار لا هذا و لا ذاك و ما كان اللهُ أن يَلِد حاشاهُ )

( إذا قَضيٰ أمرا‌ً فإنّما يَقولُ لهُ كُن فَيكون )

فاللهُ إذا أرادَو شآءَ أمراً كَوِلادةِ عيسيٰ فإنّما يَقولُ لهُ كُن بإرادَتي و مَشيئَتي فَيَكونُ لاِستحالَةِ تَخَلُّفِ المُراد عَن إرادَتِه .

( و إنّ اللهَ ربّي وَ ربِّكُم فَاعبُدوهُ هٰذا صِراطٌ مُستقيمٌ )

فَقُل يا حبيبي لِلنّصاريٰ أنَّ اللهَ ربّي و رَبِّكُم و لَيسَ‌ عيسيٰ ربُّكُم و لا مَريمَ و لا روحُ القُدُس فاعبُدوا اللهَ وَحدَهُ هذا هو الصِّراطُ المُستقيمُ لِلهدايةِ ،

( فَاخَتَلَفَ الأحزابُ مِن بَينهِم فَوَيلٌ لِلّذين كَفروا مِن مَشهَدِ يومٍ عَظيمٍ )

فاخَتَلَفَ الأحزابُ مِن بَني إسرائيلَ‌ فيما بَينَهُم حَولَ عيسيٰ فَمَن يَقولُ إنّه رَبٌّ و مَن يَقولُ‌ أنّهُ إبنُهُ وَ مَن يَقولُ أنّهُ إبنُ حبيبِ النّجّار و مِنْ قائِلٍ قُتِلَ و صُلِبَ فَوَيلٌ لِلّذينَ كَفَروا بِنُبُوَّتِهِ مِن عَذابِ يَومِ القِيامَةِ ،

( أسمِع بِهِم و أبصِر يَومَ يأتوننا لـٰكِنِ الظّالِمونَ اليَوْمَ في ضَلالٍ مُبينٍ )

أسمِع بِهِم يا حبيبي واستَمِع لأِقوالِهِمُ السّخيفةَ و أَبصِر باختلافِهِم في عيسيٰ يَومَ يأتونَنا عليٰ هذا الحال لكنِ الظّالِمونَ اليومَ فِي ضَلالٍ واضِحٍ فالحَقُّ ما قُلناه ،

(‌ و أَنذِرهُم يَومَ الحَسرَةِ إذ قُضِيَ الأمرُ وَ هُم في غَفلَةٍ‌ وَ هُم لا يُؤمنون )

و أنذِر النّصاريٰ يا حبيبي أنَّهُ يَحينُ مَوعِدُ يومِ الحَسرَةِ يومَ قيامِ المَهديِّ (ع) فَيَنزِلُ عيسيٰ مِنَ السّماءِ و يُصلّي خَلفَهُ في بَيْتِ المَقدِسِ فيَتحَسَّرونَ عليٰ ما مَضيٰ مِنهُم و قُضِيَ الأمرُ وَ هُم غافِلونَ لا يُؤمنونَ بِولايةِ آلِ مُحمَّدٍ (ص)

( إنّا نَحنُ نَرِثُ الأرضَ وَ مَن عَليها و إلينا يُرجَعون )

و أَنذِرهُم بأنّا نَحنُ سَوفَ نورِثُ الأرضَ بَقيّةَ اللهِ المَهديّ المُنتَظَر (عَجَّ) وَ نورِثُهُ كُلَّ مَن علَيها فَيَملاءُ الأرضَ قِسطاً وَ عَدلاً بَعدَ ما مُلِئَت ظُلماً و جوراً ثُمّ إليٰ الله يُرجَعونَ بَعدَ الموت .

( واذكُر في الكتابِ إِبراهيمَ إنَّهُ كانَ صِدّيقاً نبيّاً )

واذكُر يا حبيبي في القرآنِ خَبَر إبراهيم لاُِمَّتِكَ دَرساً لَهُم و نِبراساً ، إنَّ إبراهيم بن تالِخ كان يلتَزِمُ الصِّدقَ في القولِ و الفعلِ و كان نبيّاً معصوماً ،

( إذ قالَ لأِبيهِ يا أبَتِ لِمَ تَعبُدُ ما لا يسمَعُ و لا يُبصِر و لا يُغني عَنكَ شيئاً ؟ )

واذكُرهُ لهم إذ قالَ لِعَمِّهِ آزَرَ الكافِر الّذي كان هو رَبيبٌ لهُ يا أبَةِ إحتراماً و أضافَ لماذا تعبُدُ الصَّنَمَ الّذي لا يَسمَعُ و لا يُبصِرُ و لا يُفيدُكَ شيئاً و نفعاً ؟؟

( ‌يا أَبَتِ إنّي قَد جاءَني مِنَ العِلمِ ما لَم يَأتِكَ فَاتَّبِعني أَهدِكَ صِراطاً سَويّاً )

يا عَمُّ إنّي قَد جاءَنيَ الوَحيُ مِنَ اللهِ و عِلم الشَّريعَةِ ما لَم يَأتِكَ فَاتَّبِعني كي اُعَلِّمَكَ بِهِ و أهدِيَكَ إليٰ الطّريقِ المُستقيم ،

( يا أَبَت لا تَعبُدِ الشّيطانَ إنَّ الشَّيطانَ‌ كانَ لِلرّحمٰنِ عَصيّاً )

يا عَمِّ لا تَعبُدِ الشّيطانَ بِعبادَتِكَ لِلصَّنَم فَهُوَ يَأمرُكَ بِذلكَ إنَّ الشّيطانَ سَبَقَ أن كانَ لِلّه الرَّحمانِ عاصياً وَ لِذا يَأمرُكَ بِعصيانِهِ ،

( يا أبَتِ إنّي أخافُ‌ أن يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرّحمانِ فَتكونَ لِلشّيطانِ وَليّاً )

يا عَمِّ إنّي أدعوكَ لِعبادَةِ اللهِ شَفَقَةً علَيكَ فَأَخشيٰ أن يَنالك عَذابٌ مِنَ إلـٰهنا الرّحمان فَتكونَ لِلشّيطانِ قَريناً في النّار ،

( قالَ أراغِبٌ أنتَ عَن آلِهَتي يا إبراهيمُ لَئِن لَم تَنتَهِ‌ لَأرجُمَنّك واهجُرني مَليّاً )

قالَ لَهُ عَمُّه آزَر هَل مُعرِضٌ أنتَ‌ عَن صَنَمي يا إبراهيم لَئِن لَم تَنتَهِ مِن إعراضِكَ عَنهُ لَأرجُمَنّكَ بالحِجارَةِ وابتَعِد عَنّي زَمَناً طويلاً ،

( قالَ سَلامٌ عليك سَأستَغفِر لَكَ ربّي إنّهُ كان بي حَفيّاً )

قالَ إبراهيمُ جواباً لِآزَركما قالَ تَعاليٰ و إذا خاطَبَهُم الجاهِلونَ قالوا سَلاماً : أنا سِلمٌ مَعَك إنَّكَ رَبّيتَني فَلَكَ حَقٌّ عَلَيَّ سَأَستَغفِرُ لَكَ اللهَ لِما قُلتَ ، إنَّهُ كانَ لِدُعائي مُجيباً ،

( و أعتَزِلُكُم وَ ما تَدعونَ مِن دونِ اللهِ و أَدعو ربّي عَسيٰ أَلاّ أكونَ بِدُعآءِ ربّي شقيّاً )

وَ‌قالَ لهُ إن لَم تُؤمنوا باللهِ و تَترُكوا عِبادَةَ الأَوثانِ فَأَنا أَعتَزِلُكُم و أبتَعِدُ عَنكُم وَعَن أصنامِكُم و أَبتَهِلُ و أعبُدُ ربّيَ الله و أرجو أَن لا يُخيبَ اللهُ دُعائي بل يُجيبُهُ و أَسعَدُ بِهِ ،

( فَلَمّا اعتَزَلَهُم وَ ما يَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ وَهبنا لَهُ إسحاقَ وَ يَعقوبَ وَ‌كُلّاً جَعلنا نَبيّاً )

فَلَمّا اعتَزَلَهُم إبراهيمُ وابتَعَدَ عَن أوثانِهِم و إجتماعاتِهِم وَ تَفرّغَ لِعبادَةِ اللهِ و دُعاءِهِ رَزَقناهُ وَلَداً بَعدَ إسماعيلَ سَمّاهُ إسحاقَ ثُمَّ إبنَهُ يعقوب و جَعلناهُما نَبيَّيْنَ مَعصومَيْنَ ،

( وَ وَهَبنا لَهُم مِن رَحمَتِنا وَ جَعَلنا لَهُم لِسانَ صِدقٍ عليّاً )

وَ وَهَبنا لإسحاقَ و يعقوبَ و إسماعيلَ و ذُريّتِهِ مِن رَحمَتِنا الخاصّةِ بأوليائِنا فَجَعلنا مِن نَسلِ إسماعيل مُحمداً و آلِهِ (ع) و جَعَلنا لَهُمُ الصِدّيقَ الأكبَر عليّ ابن أبيطالِبٍ (ع) ،

( واذكُر في الكتابِ موسيٰ إنّهُ كان مُخلَصاً و كانَ رَسولاً نَبيّاً )

واذكُر يا حبيبي في القُرآن موسيٰ بن عِمران لاُِمَّتِكَ وَصفِه بِأنَّهُ كانَ مُخلصٌ لِلّهِ في طاعَتِهِ وَ عِبادَتِهِ و كانَ رَسولاً إليٰ بني إسرائيلَ و نَبيّاً عَنِ اللهِ و أَخلَصَهُ اللهُ لِنَفسِهِ ،

( ‌و نادَيناهُ مِن جانِبِ الطّورِ الأيْمَنِ وَ قَرَّبناهُ نَجيّاً )

و نادَيْناهُ بالوَحيِ والرِّسالَةِ مِن جانِبِ طورِ الغَريِّ الأيْمَنِ مِن طور سينآء و الّذي هُوَ عليٰ يمينِهِ و سينآء عليٰ يَسارهِ و قَرّبناهُ إلينا بالمُناجاةِ فَهُو كَليمُ الله (ع) ،

( وَ وَهَبنا لَهُ من رَحمتنا أَخاهُ هارونَ نبيّاً )

وَ وَهبنا لِموسيٰ بن عِمران حينما طَلَب مِنّا وزيراً مِن أهلِهِ فَجَعلنا لَهُ مِن رَحمَتِنا أخاهُ هارون نَبيّاً و كذلكَ جَعَلنا عليّاً مِنكَ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسيٰ (ع) ،

( واذكُر في الكتابِ إسماعيل إنّهُ كانَ صادِقَ الوَعدِ وَ كانَ رَسولاً ‌نَبيّاً‌‌ )

واذكُر يا حبيبي لَهُم في القُرآن إسماعيلَ جَدِّكَ إبن إبراهيم إنّهُ‌ كانَ صادِقَ الوَعدِ حينما قال لأَِبيهِ يا أبَتِ‌ افعَل ما تُؤمَر سَتَجِدُني إنشاءَ اللهُ مِنَ الصّابرين وَ كانَ رَسولاً نَبيّاً مَعصوماً ،

( وكانَ يأمُرُ أهلَهُ بالصَّلوةِ والزَّكاةِ و كانَ‌ عِندَ رَبِّهِ مَرضيّاً )

و كانَ إسماعيلُ‌ يأمُرُ قومَهُ وَ عشيرتَهُ بالصَّلوةِ و عِبادَةِ‌ اللهِ وبأنفاقِ‌الزّكاةِ لِلفُقَراءِ و كانَ عِندَ اللهِ ‌مَرضِيَّ الأفعالِ و الطّاعاتِ ‌و العِبادات .

( واذكُر في الكِتابِ‌ إدريسَ‌ إنّهُ‌ كانَ صِدّيقاً نَبيّاً وَ رَفعناهُ مَكاناً عليّاً )

واذكُر يا حبيبي في القُرآن إدريسَ النَبيّ إنَّهُ كانَ صِدّيقاً في القول و الفِعلِ‌ .و الإيمانِ و التَّقويٰ و نَبيّاً مَعصوماً‌ وَ رَفَعناهُ إليٰ دَرَجَةِ عليِّ ابن أبيطالِب (ع) أي الولاية و الإمامَة ،

( أولئكَ الّذينَ أنعَمَ‌ اللهُ علَيهِم مِنَ‌النَبيّينَ مِن ذُريّةِ آدَمَ‌ و مِمَّن حَمَلنا مَعَ نوحٍ وَ مِن ذُريّةِ إبراهيمَ ‌و إسرائيلَ ‌)‌

فأولئكَ جميعاً يا حبيبي هُمُ الّذينَ أنعَمَ اللهُ علَيهِم بالعِصمَةِ والولايةِ مِنَ النّبيين مِن نَسلِ آدَم وَ مِن ذُريّةِ مَن حَمَلنا مَعَ نوحٍ في السّفينَةِ و مِن ذُريّةِ إبراهيمَ ‌و يعقوبَ إسرائيل الله ،

( وَ مِمَّن هَدَيْنا واجَتَبَيْنا إذا تُتليٰ عَليهِم آياتُ الرَّحمٰنِ خَرّوا سُجّداً و بُكيّاً )

فأولئكَ مِمَّن هَدَيْناهُم لِولايةِ مُحمدٍ و آلِ مُحمدٍ (ص) وَ‌مَوَدَّتِهِم واجتبيناهُم فَالنُّبوَّةُ والإمامَةُ بالإجتباءِ لا بالشّوريٰ و كانوا إذا تُتليٰ فَرَضاً عَلَيهِم آياتُ فضائِلِ آلِ مُحمّدٍ (ص) في القرآن يَخِرّونَ‌ سُجّداً شُكراً للهِ و يبكونَ‌ شوقاً إليهم ،‌

( فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أضاعوا الصّلاةَ واتّبَعوا الشَّهواتِ فَسَوفَ يَلقونَ غيّاً )

ولـٰكِن يا حبيبي خَلَّفَ هٰؤلاءِ الأنبياء عَقِبٌ مِن بَعدِهِم أَضاعوا الصَّلاة بِتَركِ ولايةِ آل مُحمّدٍ (ص) فَغيَّروها واتّبَعوا الشَّهواتَ كَشِرب الفُقاعِ والغِنا و اللِّواطِ مِن اُمّتِك فَسَوفَ يُلاقون شَرّاً ،

( إلاّ مَن تابَ و آمَنَ و عَمِلَ صالِحاً فَأولـٰئِكَ يَدخُلونَ الجَنّةَ و لا يُظلَمونَ شيئاً )

إلاّ مَن تابَ مِنهُم و آمَنَ بِولايةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ‌ (ص) وَ عَمِلَ صالِحاً بالتَمَسُّكِ بِولايَتِهِم فأولـٰئكَ يَدخُلونَ الجَنّةَ يومَ القيامَةِ و لا يُظلَمون شيئاً مِن ثواب ولايَتِهم ،

( جَنّاتِ عَدنٍ الَّتي وَعَدَ الرَّحمانُ عِبادَهُ بالغَيْب إنّهُ كانَ وَعدُهُ مَأتيّاً )

والجَنّة الّتي يَدخُلونَها هِيَ جنّاتُ أمنٍ و اطمِئنانٍ و استِقرارٍ و سَعادَةٍ هي الّتي وَعَدَ اللهُ الرَّحمانُ عِبادَهُ المُوالينَ لِمُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) بِوَحيِ القُرآن إنّهُ لا يُخلِفُ بَل كانَ وَعدُهُ مأتيّاً يَفي بِهِ .

( لا يسمَعونَ فيها لَغواً إلاّ سلاماً و لَهُم رِزقُهُم فيها بُكرَةً و عَشِيّاً )

حينما يَدخُلونَ الجَنّةَ و يَستَقِرّونَ فيها لا يَسمعونَ فيها إسمَ وُلاةِ الجَور و ذِكرهِم و لا يسمعون كلاماً إلاّ سَلاماً مِنَ الملائكةِ والحورِ الوِلدانِ و لهُم فيها رِزقُهُم مِنَ الجَنّةِ صباحاً و مساءاً ،

( تِلكَ الجَنّةُ الّتي نورِثُ مِن عبادِنا مَن كانَ تَقيّاً )

تِلكَ جنّةُ العَدنِ نورِثُها و نُمَلِّكُها كالميراثِ لِعبادنا المُوالينَ لِمُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) الأتقياءَ الّذين لا يَركَنونَ إلي وُلاةِ الجَور و المُخالفينَ لأِهلِ البيت (ع) ،

( وَما نَتَنَزَّلُ إلاّ بأمرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْن أَيْدينا وَ ما خَلفَنا وَ ما بَيْنَ ذٰلك و ما كانَ رَبُّكَ نَسِيّاً )

و لِكي نُثبِتُ أنَّ القُرآنَ وَحيٌ مِنَ اللهَ وَ لَيسَ مِن نَفسِكَ أمسَكَ اللهُ الوَحيَ عَنكَ يا رسولَ الله وَ نَحنُ الملائِكَةُ لا نَتَنَزَّلُ إلاّ بأمرِ اللهِ الّذي بِيَدِهِ تَقاديرَ الاُمورِ في الماضي و الحالِ و المُستَقبَلِ وَ ما كانَ اللهُ ناسياً لِلوَحي ،

( رَبُّ السّماواتِ والأرضِ وَ ما بَينَهُما فاعبُدهُ واصطَبِر لِعبادَتِهِ هَل تَعلَمُ‌ لَهُ سميّاً )

بَل رَبُّكَ لا ينسيٰ رَبُّ السَّماواتِ والأرض و ما بَيْنَهُما مِنَ الخَلائِقِ فاعبُدهُ كما يُريدُ فَبَلِّغ ولايةَ أهل بيتِك (ص) واصطَبِر عليٰ الأذيٰ لِعبادَتِهِ هل تَعلَمُ سَمِيّاً لِلّهِ غَيرَ عليٍّ ؟ فَعليٌّ اشتَقَّ مِنَ العَلِيِّ ،

( وَ يَقولُ الأنسانُ ءَإذا ما مِتُّ لَسَوفَ اُخرَجُ حَيّاً )

وَ يَقولُ الإنسانُ المُنافِقُ المُخالِفُ لِولايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) هَل إذا ما مِتُّ وَ هَلَكتُ فَكيفَ‌ في المُستقبَل يُمكِنُ أن اُخرَجَ حَيّاً هَيهات !

( أوَ لا يَذكُرُ الإنسانُ أَنّا خَلَقناهُ مِن قَبلُ و لَم يكُ شيئاً ؟)

أوَ لا يُفَكِّرُ هذا الإنسانُ المُنافِقُ وَ يَتذَكَّر حينما كانَ في كَتمِ العَدَم أنّا خَلَقناهُ و وَهَبنا لَهُ الوُجودَ مِنَ العَدَم و لَم يَكُ شيئاً موجوداً قَبلَهُ ؟؟

( فَوَربِّكَ لَنَحشُرنَّهُم وَالشّياطين ثُمّ لَنُحضِرنَّهم حَولَ جَهنَّمَ جثيّاً )

فَقَسماً باللهِ ربّكَ سَنَحشُرُ المُنافقينَ مَعَ الشّياطين يومَ القيامةِ ثُمّ نأمُرُ بإحضارِهِم في سَلاسِلَ و قُيودَ فَيَجثَوْنَ عليٰ رُكّبِهِم حَولَ جَهنَّمَ ثُمّ يُلقَوْنَ فيها ،

( ثُمّ لَنَنزعَنَّ مِن كُلِّ شيعةٍ أيُّهُم أشَدُّ عليٰ الرّحمانِ عِتيّاً )

ثُمَّ نأمُرُ بالإنتِزاعِ من كُلِّ فِرقَةٍ من شيعةِ وُلاة الجَوْر شيعةَ آلَ أبي سفيانَ و آلَ مَروانَ و شيعةَ تَيْمٍ وَ عَديٍّ و شيعةَ بني العَبّاسِ مَن هُو أَشَدُّهم جُرأةً عليٰ اللهِ و مُعاداةً لآِل مُحمّدٍ (ص) ،

( ثُمَّ لَنَحنُ أعلَمُ بالّذين هُم أوليٰ بها صِليّاً )

ثُمّ يا رسولَ اللهِ أنا و أنتُم أهل البَيْت (ع) أعلَمُ النّاسِ بالّذينَ هُم أوليٰ بِعذابِ جَهَنَّمَ الحريق وصولاً و صلويًٰ و إستحقاقاً بِوَصلِها ،

( و إن مِنكُم إلاّ وارِدُها كانَ رَبِّك حَتماً مَقضيّاً )

فَلَيس فَقَط مَن كان أشَدُّ عليٰ الرَّحمان عِتيّاً أوليٰ بها صِليّاً بَل كُلّ واحدٍ مِنكُم أيُّها المُنافِقونَ المُخالِفونَ لآِلِ مُحمّدٍ (ص) إلاّ و هُوَ وارِدٌ في جَهَنَّم و كانَ ورودُهُ فيها حَتمٌ و حُكمٌ قَضيٰ اللهُ بهِ علَيكُم .

( ثُمَّ نُنَجّي الَّذينَ اتّقَوا وَ نَذَرُ الظّالمينَ فيها جِثيّاً )

ثُمَّ قَطعاً وَ يَقيناً نُنَجّي الَّذين اتّقَوا رَبَّهُم و آمَنوا بِولايةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) و تَمسَّكوا بِولايَتِهِم مِن جَهَنَّمَ و نَدَعُ الظّالِمين لآِل مُحمّدٍ (ص) في جَهنّمَ جاثِينَ علي رُكَبِهِم .

( و إذا تُتليٰ عَليهِم آياتُنا بَيّناتٍ قالَ الّذينَ كَفَروا لِلّذينَ آمَنوا أيُّ الفَريقَيْن خَيرٌ مَقاماً و أحسَنُ نَدِيّاً ؟ )

وَحينما تُتليٰ عليٰ المُنافقينَ آياتُنا النّازِلةُ بِشأنِ آلِ مُحمّدٍ (ص) واضحاتٍ قالَ الّذينَ كفَروا بولايَتِهم للّذينَ آمَنوا بِولايَتِهم أيُّ الفريقَيْن مِنّا خيرٌ مَقاماً في الدُّنيا و أحسَنُ مَرأيًٰ حيثُ المُلكُ لنا ؟ !

( وَكَم أهلَكنا قَبلَهُم مِن قَرنٍ هُم أحسَنُ أثاثاً ورِءيّاً )

وَ لِيعلَموا كَم قَد أهلَكنا مِن قَبلِ هؤلاءِ المُنافقينَ أعداءَ آل مُحمّدٍ (ص) مِن اُمّةٍ ماضيةٍ قَبلَهُم كانوا هُم أحسَنُ أثاثاً و أموالاً مِنهُم و أحسَنُ مَرأيًٰ و مَنظراً كقارون فَسَنُهلِكُهُم إيضاً .

( قُل مَن كانَ في الضّلالة فَليَمدُد لَهُ‌ الرَّحمانُ مَدّاً )

قُل يا رسولَ اللهِ لاُِمّتِك إنَّ الخِلافَةَ والمُلكَ الّتي يَنالها أعداؤنا لا تُفيدُهُم فَمَن كانَ في الضَّلالَةِ فَليَمدُد لَهُ الرَّحمانُ في الدُّنيا مَدّاً بِالأموالِ والبَنين .

( حَتّيٰ إذا رَأوا ما يُوعَدونَ إمّا العَذابَ و إمّا السّاعَة فَسيعلَمونَ مَن هُوَ شَرٌّ مكاناً و أضعَفُ جُنداً )

فَليُمدِد لَهُمُ اللهُ إتماماً لِلحُجّةِ عَليهِم حَتّيٰ إذا رَأوا ما يُوعَدونَ إمّا العَذابُ بسيفِ آل مُحمّدٍ (ص) و شيعَتِهِم و إمّا القيامة فَسَيَعلَمونَ حينئذٍ مَن هُوَ شَرُّ الفَريقَيْنِ مَكاناً و أَضعَفُ أعواناً .

( وَ يَزيدُ اللهُ‌ الّذينَ اهتَدَوا هُديًٰ والباقياتُ الصّالِحاتُ خيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَواباً و خَيرٌ مَردّاً )

و يَزيدُ اللهُ الّذينَ اهتَدوا بولايةِ مُحمّدٍ و‌آل مُحمّدٍ (ص) هدايةً بالتَمسُّكِ بِولايَتِهِم والطّاعاتِ الباقيات و الأعمال الصّالحةِ لَهُم خيرٌ عندَ اللهِ ثواباً مِن غيرِهِم و خَيرٌ مَرجعاً ،

( أفَرأيتَ الّذين كَفَرَ بآياتِنا وَ قالَ لَاُوتَيَنَّ مالاً وَ وَلداً )

هَل رأيتَ حِماقَةَ الّذي كَفَرَ بآياتِنا النّازلةِ بِشَأنِ آل مُحمّدٍ (ص) يا حبيبي ؟ و هو أبوسفيان قالَ سَيكونُ المُلكُ لِبني اُميّةَ و اُوتَيَنَّ أموالاً و أولاداً ألفَ شهرٍ ،

( اَطّلَعَ الغَيبَ أَم اتَّخَذَ عِندَ الرَّحمٰن عَهداً ؟ )

نَستفَهِمُ مُوَبِّخينَ إنّهُ يا حبيبي إطَّلعَ عليٰ الغَيْبِ الّذي أوحيناهُ إليكَ عَن طريقِ بِنتِهِ اُمّ حبيبتةَ أم اتَّخَذ عِندَ اللهِ عَهداً بِأن يُعطيهِ المُلك ألفَاً كَلاّ لَم يَتّخِذ عَهداً بَل اطّلَعَ عليهِ بإخبارِكَ بِهِ ،

( كَلاّ سَنكتُبُ ما يقولُ و نَمُدُّ لهُ مِنَ العَذابِ مَدّاً و نَرِثُهُ ما يَقولُ و يأتينا فَرداً )

كَلاّ ليسَ كما يَقولُ أبوسفيان بأنَّهُ سيُؤتيٰ باللهِ المُلكَ ألفَ شَهرٍ بَل سَيَغتَصِبونَ بني اُميّةَ المُلكَ و سَنكتُبُ في صَحيفَةِ عَمَلِهِ ما قالَ و نَمُدّ لَهُ مِن عذابِ جَهَنَّمَ مَدّاً وَ نورِثُ آلَ مُحمّدٍ‌ (ص) ما يقولُ مِن المُلكِ و يأتينا فَرداً بلامالٍ وَ وَلَدٍ !

( واتَّخَذوا مِن دونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكونوا لَهُم عِزّاً‌ كَلاّ سَيَكفُرون بِعِبادَتِهِم و يكونونَ عليهِم ضِدّاً )

واتَّخَذوا آل اُميّة مِن دونِ اللهِ هُبَلَ والّلاتَ والعُزّيٰ آلِهةً‌ لِيَكونوا لَهُم عِزّاً مُقابِلَ الإسلام كَلاّ سَيكفُرون بِعبادَتِهِم لِيُنافِقوا و يَنالوا المُلكَ و سَيكونونَ عليهِم ضِدّاً يومَ القيامَةِ في النّار .

( ألَم تَرَ أنّا أرسَلنا الشَّياطينَ عليٰ الكافِرينَ تَؤُزّهُم أَزّاً )

ألَم تَنظُر يا حبيبي و حَتماً أنّك تَريٰ أنّا أرسَلنا الشّياطينَ يَتسلَّطونَ عليٰ الكافرينَ بِولايَتِكَ وَ ولاية أهل البَيْت (ع) تهيبهم هَزّاً‌ و تحريكاً نحوَ المعاصي .

( فَلا تَعجَل عَلَيهِم إنّما نَعُدُّ لَهُم عَدّاً )

فلا تَعْجَل يا حبيبي بالدُّعاءِ عَلَيهِم بِنُزولِ‌ العَذابِ حَتّيٰ تَتُمُّ الحُجّةُ عَليهِم إنّما نَعُدّ لَهُم أنفاسَهُم و أعمالَهُم عَدّاً لِموعِدِ الإنتقام .

( يَومَ نحشُرُ المُتَّقينَ إليٰ الرَّحمٰن وَفداً و نَسوقُ المُجرمينَ إليٰ جهنّمَ وِرداً )

إنّنا وَ ملائكةَ الرَّحمَةِ مَعَ مُحمّدٍ و آلِهِ (ع) نَحشُرُ المُتّقينَ المُوالينَ لِمُحمّدٍ و آلِهِ (ع) إليٰ مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مليكٍ مُقتَدِرٍ رحمانٍ وافدينَ عَليهِ و نَسوقُ زَجراً المُجرمينَ المُعاندينَ لآِل مُحمّدٍ (ص) إليٰ جَهنّمَ يَرِدونَها وِرداً .

( لا يَملِكونَ الشَّفاعَة إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِندَ‌ الرَّحمانِ عَهداً )

فَالمُجرمينَ لا يَملِكونَ شَفاعةَ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) فَالشفاعةُ لا تُنال إلاّ مَنِ اتّخَذَ عِندَ الله الرَّحيمُ للشّيعةِ عَهداً بولايةِ مُحمّدٍ و آلِهِ (ع) .

( وَ قالوا اتَّخَذَ الرَّحمانُ وَلَداً لَقَد جِئتُم شيئاً إدّاً )

وَ قالَ المُنافِقونَ إنَّ اللهَ اتّخَذَ ‌عليّاً (ع) وَلداً باتِّخاذِهِ علينا وليّاً قُل لَهُم يا حبيبي لَقَد جِئتُم مِنَ القَولِ شَيئاً مُنكراً عَظيماً ،

( تَكادُ ‌السّماواتُ‌ يتَفَطَّرنَ مِنهُ وَ تَنشَقُّ الأرضُ و تَخِرُّ الجِبالُ‌ هَدّاً )

تَكادُ‌ السّماواتُ‌ يتَشَقّقنَ مِن هذا القول و الإستهزاء و تَنشَقُّ الأرضُ مِنهُ و تَخِرُّ الجِبالُ و تَسقُطُ هَدماً مِن غَضَبِ الله مِنه ،

( أن دَعَوا للرّحمانِ وَلداً وَ ما يَنبَغي لِلرَّحمانِ أن يَتَّخِذَ وَلَداً )

كُلّ ذلك لأِجلِ أنَّهُم نَسَبوا لِلّهِ عَليّاً (ع) وَلداً إستهزاءً باللهِ و بِولايَتِهِ وَ ما يَنبغي لِلّهِ أن يَتّخِذَ أحَداً وَلَداً كعيسيٰ أو عُزَيز أو عليّ (ع) ،

( إن كُلّ مَن في السَّماواتِ والأرضِ إلاّ آتي الرَّحمٰنِ عَبداً لقد أحصاهِم وَ عَدَّهُم عَدّاً )

إن كُلّ مَن في السَّماواتِ‌ والأرضِ مِنَ المَلائِكَةِ والإنسِ والجِنِّ إلاّ آتي الرَّحمانِ‌ يَومَ القِيامَةِ عَبداً لَقَد أحصيٰ اللهُ المُنافِقينَ وَعَدّهُم عَدّاً فَلا يُفلِتونَ مِن قَبضَتِهِ ،

( وَكُلُّهُم آتيهِ يَومَ القِيامَةِ فَرداً )

وَ كُلّ المُنافقينَ سَيأتي إليٰ مَحكَمَةِ عَدلِ اللهِ والحِسابِ يوم القيامةِ فَرداً لا ناصِرَ لَهُ وَلا مُعينَ و لا شفيع ،

( إنَّ الّذينَ آمَنوا وَ عَمِلوا الصّالحاتِ سَيَجعَلُ لهُمُ الرّحمٰنُ وُدّاً )

إنَّ الّذينَ آمَنوا باللهِ و بِولايةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) وَ عَمِلوا الصّالحاتِ مُتَمسّكينَ بِولايَتِهِم سَيَجعَلُ لَهُم اللهُ في قُلوبِ النّاسِ مَحبّةً وَ يَجعَلُ بيْنَهُم وُدّاً ،

( فإنّما يَسَّرناهُ بِلسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتَّقينَ و تُنذِرَ بِهِ قَوماً لُدّاً )

فإنّما يَسَّرنا القُرآنَ وَحياً بِلسانِكَ البليغَ فَتُبلِّغَهُم بوِلاية آل مُحمّدٍ (ص) لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتّقينَ المُتَمسّكينَ بالولايةِ و تُنذِرَ بهِ المُنافقينَ الأقوامَ الألِدّاء ،

( وَ كَم أهلَكنا قَبلَهُم مِن قَرنٍ هَل تحُسُّ مِنهُم مِن أَحدٍ أَو تَسمَعُ لَهُم رِكزاً ؟ )

وَ كَم أهلكنا قَبلَ ألِدّاءِ آل مُحمّدٍ (ص) مِن اُمّةٍ قَبلَهُم كفروا هَل تُحِسُّ يا حبيبي مِن أولئكَ و تَجِدُ مِنهُم مِن أحَداً و تَسمَعُ لَهُم هَمساً كَلاّ و هيهاتَ فَقَد هَلَكوا و هٰكذا سَيهلِكونَ هؤلاءِ مِثلَهُم .

( صَدَقَ اللهُ العَليُّ العَظيمُ )


نشر في الصفحات 911-893 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *