(35)
سورة الفُرقان
بإسِمِ ذاتِيَ المَخصوص لِذاتي فَلا يَشتَرِكُ فيهِ أحدٌ مَعي وَ لا يُسمّيٰ بِهِ غيري و بِإسمِ رَحمانيّتي الواسِعَةِ وَ رَحيميَّتيَ الخاصّةِ أوحي :
كَثُرَت بَرَكَةُ اللهِ و فَضلُهُ عليٰ عبادِهِ وَ هُوَ الّذي أنزَلَ القُرآنَ عليٰ عَبدِهِ و رَسولِهِ مُحمّد (ص) لِيكونَ لِجَميعِ المُكلَّفينَ نَذيراً مِن عذابِ اللهِ و لِيُفرِّقَ بَيْنَ الحَقِّ وَالباطِل ،
وَ هُوَ الَّذي لَهُ مُلكُ السّماواتِ والأرضِ بِجَميعِ مَعنيٰ كَلِمَةِ الوِلكيَّةِ وَ هيَ مِلكيَّةٌ حَقيقيّةٌ و هُو أحدٌ فردٌ صَمَدٌ لمَ يتَّخِذ مِن عبادِهِ أحَداً يكونُ لَهُ وَلَداً ،
وَ لَم يَكُن لِلّهِ شَريكٌ في المُلكِ و المَلَكوتِ فَكُلُّ ما سِواهُ هُوَ مِلكُهُ و هو خالقُ كلّ شيءٍ في الوُجودِ فَقَدَّر خَلقَهُ تَقديراً بِحكمَتِهِ و عَدلِه .
والكُفّارُ والمُشرِكينَ والمُنافقينَ اتَّخَذوا مِن دونِ اللهِ آلِهَةً إمّا صَنَماً أو طاغوتاً مَعَ أنَّهم لا يَخلُقونَ شَيئاً بَل هُم مَخلوقونَ لِلّه ،
وَ مَعَ أنَّهم لا يملِكونَ لأِنفُسِهِم قُدرَةً عليٰ دَفعِ ضَرٍّ و لا جَلبِ نَفعٍ و لا يَملِكونَ إختياراً لِموتِهِم و لا حياتِهِم و لا نُشوراً بَعدَ موتِهِم ،
فاسمَع إليٰ أقوالِهِم يا حبيبي ،فَقالَ الَّذين كَفَروا باللهِ و بِولايةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) : إن هذا الأَمرُ بِأخذِ البَيْعة لِعليٍّ (ع) هُوَ كِذبٌ مُفتَعَلٌ إفتراهُ مُحمّدٌ (ص) عليٰ اللهِ و أعانَهُ عليهِ عليٌّ (ع) و حِزبُهُ و قولِهم هذا جاؤا بهِ ظُلماً و زوراً عليٰ آل مُحمّدٍ (ص) ،
وَ قالوا هٰذهِ الآيات النّازِلَةِ إنّما هي خرافاتُ الأقدَمين استَنسَخها مُحمّدٌ مِن كُتُبِ الأقدَمين فهيَ تُمليٰ عليهِ مِن سلمانِ الفارسيّ صَباحاً و مَسآءً
قُل لَهُم لَيسَ كما تَقولونَ بَل أنزَلَهُ اللهُ الّذي يَعلَمُ أسرارَكُم و نِيّاتِكُم و يَعلَمُ السِرَّ في السَّماواتِ والأرض فَلا تَخفيٰ عليهِ مُؤامَراتِكُم إنّهُ كانَ غَفوراً رَحيماً لِشيعةِ آل مُحمّدٍ (ص) ،
وَ قالَ المُنافِقونَ إستهزآءً ما لِمُحمَّدٍ (ص) يَدَّعي الرِّسالَةَ ثُمَّ هُوَ يأكلُ الطّعامَ كما نأكُل و يَمشي في الأسواقِ لِيَشتري البِضاعَةَ مِثلَنا هَلاّ اُنزِلَ إليهِ مَلَكٌ يَكونُ وَزيراً لَهُ و خَليفَةً بَدَلَ عليٍّ فيُنذِرَنا !!
لو لا يُلقيٰ إليهِ كَنزٌ كقارون أو تَكونَ لَهُ بساتينَ يأكُلُ مِنها لو يَصدِقُ أنَّهُ رسول اللهِ وَ قال الظّالِمونَ لآِلِ مُحمّدٍ (ص) : إن تَتَّبِعونَ إلاّ رَجُلاً مَسحوراً بِحُبِّ عليّ بن أبيطالب (ع) ،
اُنظُر إليهم يا حبيبي بِنَظرِالإستِخفافِ وَالسُّخريّةِ حيثُ ضَرَبوا لَكَ الأمثالَ الرّكيكةَ فَعَليٌّ (ع) هُوَ المُغرَمُ بِحُبِّك فَضَلّوا عَن ولايَتِهِ فَلا يَستطيعون وُصولاً إليٰ طريقِ الهِدايَةِ ،
( تَبارَكَ الّذي إن شآءَ جَعَلَ لَك خَيراً مِن ذٰلكَ جنّاتٍ تَجري مِن تَحتِها الأنهارُ و يَجعَلُ لَكَ قُصوراً )
كَثُرَت بَركةُ اللهِ الّذي إن شآء أَن تَفوقَ سُليمانَ في المُلكِ فَيَجعل لَكَ خَيراً مِمّا قالوا جَنّاتٍ تجري مِن تَحتِها الأنهارُ في الدُّنيا وَ يَجعَل لَكَ قُصوراً لـٰكنّكَ تُريدُها في الآخرةِ لأَِنّ الدُّنيا فانِيةٌ
فَحتّيٰ لو جَعلنا لَكَ جَنّةٌ و ألقينا إليكَ كَنزٌ فَهُم لا يُؤمنونَ بِولايتِكُم أهل البيت بل كَذّبوا بالقيامةِ والحسابِ والعقابِ و هَيَّأنا لِمَن كَذَّبَ بالسّاعَةِ ناراً مُسعرَةً ،
إذا رأوها مِن مكانٍ بعيدٍ في المَحشَر يسمَعونَ لها غِلياناً و انفجاراً كالبُركانِ و زَفيراً باللّهيب والدُّخان كما يَزفُرُ الإنسانُ مِن فَمِهِ ،
و حينما يُلقون في جهنَّمَ في مكانٍ ضَيّقٍ منها مُكبَّلينَ بالسّلاسِل والأغلال يَصرُخونَ حينئذٍ بالوَيلِ والثّبور فنَقول لهُم إصرخوا كثيراً كثيراً لا مَرَّةً واحدةً
فَقُل لَهُم يا حبيبي : هَل ذٰلك العَذابُ هُوَ خيرٌ مِن النّعيمِ أم النّعيم في جنّةِ الخُلدِ خَيرٌ مِن ذلك العَذاب؟ تِلكَ الجَنّة الّتي وُعِدَ الشّيعة المُتّقون كانَت لهم جزآءً لِتَشَيُّعِهم و مَصيراً لهُم ،
لهُم في الجنّة ما يشتهونَ خالدين فيها إليٰ الأبَد كانَ ذلك لهُم عليٰ اللهِ حقّاً كما وَعَدَهُم بها يسأَلونَهُ بهِ ،
وَ يَومَ القِيامَةِ يحشُرُ اللهُ المُنافقينَ وَ ما يعبدوهُ مِن دونِ اللهِ مِن وُلاةِ الجَور وَ الطّواغيت فَيَقول لَهُم هَل إنّكم يا وُلاةَ الجَور أضلَلتُم اُمّة الإسلام هٰؤلاء أم هُم باتِّباعِهِم لَكُم ضَلّوا السَّبيل ؟؟؟
فَيَقولُ أتباعُ خُلَفاءِ الجَور و وُلاةِ الظُّلم الَّذينَ تَركوا ولاية آل مُحمّدٍ (ص) وَ وَالَوا الظّالِمينَ : سُبحانَكَ اللّهُمَّ ما كانَ يَنبغي لَنا أن نَتَّخِذَ الخُلَفاءَ مِن دونِكَ أولياءَ بَل كانَ يَنبغي أن تُوالي آل مُحمّدٍ (ص) ،
وَ لكنَّكَ يا ربَّنا مَتَّعتَ آل أبي سُفيانَ و آلَ مَروانَ بالخِلافَةِ والمُلكِ كما مَتّعتَ آباءَهُم إتماماً لِلحُجّةِ و إختباراً حتّيٰ أن نَسَوُا القُرآن وَ خالَفوهُ وَ كانوا قَوماً هالِكين ،
فَنَقولُ لَهُم يا حبيبي حينئذٍ إنَّ هؤلاءِ الخُلفاء قَد كَذّبوكُم اليومَ بِما تَقولونَ فيهِم فَاليومَ لا تَستطيعونَ دَفعاً لِلعذابِ وَ لا نَصراً لأِنفُسِكُم و مَن يَظلِم آلَ مُحمّدٍ (ص) نُذِقُه اليومَ عَذاباً كبيراً في جهنَّم ،
إنَّ المُنافِقينَ يَسخَرونَ مِنكَ لأِنّكَ تَأكلُ الطَّعامَ وَ ما أرسَلنا مِن قَبلِكَ مِنَ المُرسَلينَ أحداً إلاّ أنّهُم كلّهُم كانوا يَأكلونَ الطَّعامَ وَ يَمشونَ في الأسواقِ وَأنتَ مِثلَهُم ،
وَجَعَلنا فِرقَةَ السُّنّةِ لِلشّيعَةِ فِتنَةً و امتحاناً وَ جَعَلنا الشّيعَةَ لِلسُّنّةِ فِتنَةً و اختِباراً فيا أيُّها الشّيعة المُوالينَ لأِهل البَيْتِ (ع) هَل تَصبِرونَ في الإمتحان ؟ فَنِعمَ ذلكَ و كانَ اللهُ يراكُم !
وَقالَ الّذينَ لا يَخافونَ يَومَ القِيامَةِ والمَعادِ بَيْنَ مَن يَلقيٰ الله لَكَ يا رسولَ الله : هَلاّ اُنزِلَ علَينا جبرائيل وَ لَم يُنزَل علَيك أو نَريٰ اللهَ بأعيُنِنا ؟؟!!
إنَّ هؤلاء المُنافقينَ لَقَد استكبروا عَنِ الإيمانِ بِكَ و بِأهلِ بيتِكَ (ع) و أخذَهُمُ الكِبرُ والعُجبُ بِأنفُسِهم و جاوَزوا الحَدَّ في الكُفرِ والظُّلم ،
وَ يَومَ القِيامَةِ سَيَروْنَ مَلائِكةَ العَذابِ يَزجُرونَهُم إليٰ النّارِ لا بِشارةَ يَومَئِذٍ لِلمُجرمينَ المُعادينَ لِمُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) وَ يَقولونَ لِلمَلائِكَةِ نَجّونا مِنَ الضّيقِ نَجّونا .
وَ يَومَ القِيامَةِ عَمِدنا إليٰ ما عَمِلوا في الدُّنيا مِن عَمَلٍ كانوا يَظنّونَهُ صالِحاً وَ يَرجونَ الثّوابَ عليهِ فَجَعلناهُ لِعَدَمِ تَمَسُّكِهم بولايةِ آل مُحمّدٍ (ص) هَدَراً كالهَبآءِ المَنثور .
ولـٰكِنَّ أصحابَ الجنّةِ المُوالِينَ لِمُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) يَومَئِذٍ هُم خيرٌ مُستَقرّاً مِن أعدائِهم و أحسَنُ مَنزِلاً يستريحونَ و يُقيلونَ فيهِ ،
و يَومَ القيامَة تتخلَّلُ السّمآءُ بالغيوم البيضاء و تنزل الملائكة مِن السمآء إليٰ المَحشَر تنزيلاً ،
وَ الحُكمُ وَالسّلطَنةُ والقُدرَة التّامَةُ يَومَئِذٍ للّهِ يَمنَحُهُ لِمُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) فَقَط دونَ غيرِهِم فَحينَئِذٍ يكونُ عَليٌ (ع) قَسيمُ الجَنّةِ والنّارِ وَ ساقي الحَوض وَيكونُ يَوماً عليٰ الكافِرينَ بولايَتِهِ صَعباً ،
فَذٰلك اليوم يَومٌ يَعَضُّ الظّالِمُ التّارِكُ لِولايةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) عليٰ يَديْهِ حَسرَةً وَ نَدامَةً و يَقولُ يالَيتَني اتَّخذتُ في الدُّنيا مَعَ مُحمّدٍ و آلِهِ (ص) طريقاً إليٰ ولايَتِهِم ،
وَ يَقولُ الظّالِمُ يا ويلي وَ يا هلاكي لَيتَني لَم أتَّخِذ بَعدَ النَبيّ فُلاناً خليفةً وَ خَليلاً دونَ عليٍّ وآل مُحمّدٍ و أهل البَيْت (ع) ،
وَ يَقول لَقَد أضلّني فلانٌ الّذي تَسنّمَ الخَلافَةَ غَصباً عَنِ القُرآنِ وَ العِترةِ بَعدَ أن جاءَني ، إبلاغُ النَّبيِّ في غَديرِ خُمٍّ و كانَ الشّيطانُ للإنسانِ المُعادي لِعَليٍّ (ع) خَذولاً ،
وَ عِندَئذٍ يَقولُ رسولُ الله شاكياً إليٰ اللهِ اُمَّتَهُ التّارِكينَ لِلقُرآنِ و العِترَةِ يا رَبِّ إنَّ قومي اتَّخَذوا هذا القرآنَ الّذي بَلَّغتُهُم بهِ مَتروكاً في عُزلَةٍ ،
وَ كما أنّ لكَ يا حبيبي أعداءً مُجرمينَ يُعادونَ أهل بيتك (ع) وَكذلكَ جَعَلنا لِكُلّ نَبيٍّ قَبلَكَ عَدوّاً مِنَ المُجرِمينَ إمتحاناً وَكفيٰ باللهِ لَكَ هادياً وَ ناصِراً وَمُعيناً علَيهِم ،
وَ قال المُنافقينَ الّذينَ كَفروا بِولايَةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) هَلاّ اُنزِلَ عليٰ مُحمّدٍ القُرآنُ دَفعَةً واحِدَةً لا آيةً آيةً ، نَعَم هُو كذلك أنزلناهُ جُملَةً واحِدةً ليلةَ القَدرِ عليٰ قَلبِكَ ثُمَّ رَتَّلناهُ بِواسطَةِ جِبرئيل تَرتيلاً ،
وَلا يَأتونَكَ بِمَثَلٍ لإنكارِ عِصمَتِكَ وَ وِلايَتِكَ و رِسالَتِكَ إلاّ جئناكَ بِالحَقِّ وَحياً تدمَغُهُ وَ مَثَلاً يكونُ أحسنُ مِن مَثَلِهِم شَرحاً و بَياناً ،
هؤلاءِ المُجرِمينَ أعداءِ آل مُحمّدٍ (ص) الّذينَ يُحشَرونَ يُساقونَ عليٰ وُجوهِهِم مُكبّين إليٰ جهَنّمَ أولئِكَ هُم أشَرُّ الخَلقِ مَكاناً وَ أَضَلُّ النّاس سَبيلاً وَمَذهباً
فإن يَعتَرِضونَ عليٰ نَصبِكَ عليّاً (ع) لِلخلافَةِ فَلَقَد آتينا قبلَكَ موسيٰ الكتابَ وَ جَعلنا مَعَهُ أخاهُ هارونَ وَزيراً يُعينُهُ فكذلكَ عليٌّ مِنكَ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسيٰ (ع) ،
فَقُلنا لَهُما إذهَبا إليٰ قومِ فرعونَ الّذينَ كَذَّبوا بِشَرائِعِ اللهِ فَدَمّرناهُم بَعدَ إتمامِ الحُجّةِ علَيهِم تَدميراً كامِلاً ،
و هكذا قوم نوحٍ قَبلَهُم حينَما كَذَّبوا نوحاً وَ مَن قَبلُهُ مِنَ الرُّسُلِ و أتمَمنا علَيهِم الحُجَج فَلَم يَتوبوا أغرَقناهُم بالطّوفانِ وَ جَلعناهُم عِبرَةً لِلنّاسِ ،
وَ كَذلك هيّأنا لِلظّالمينَ مِن أعداءِ آل مُحمّدٍ (ص) و أعداءِ شيعَتِهِم المُؤمنينَ عَذاباً في الدُّنيا وَ دماراً و.هَلاكاً ثُمّ في الآخرةِ مُؤلماً ،
وَ هكذا عَذّبنا قَومَ عادٍ و قَومَ ثَمودٍ و أصحابَ بِئر الرَّسِّ قَومَ شُعيبٍ و أقواماً بَيْنَ أولئكَ الهَلكيٰ كثيرونَ عَذَّبناهُم ،
فَكُلَّ قَومٍ مِن هؤلاءِ قَبلَ تَعذيبِهِ ضَرَبنا لَهُ الأمثالَ عليٰ لِسانِ الأنبياءِ لكي يَنتَبِهوا و يَتّعِظوا وَ كُلاًّ قَطعناهُم مِن جُذورِهِم بَواراً وَ هَلاكاً
وَلَقَد أتَوْ هؤلاء المُنافِقينَ و مُشركي قُريشٍ عليٰ القَريةِ الّتي اُمطِرَت بالحِجارَةِ مَطَرَ العَذابِ وَ هِيَ سَدوم، أَفَلم يَكونوا يَرَونها بَليٰ لكنّهُم لا يَرجونَ المَعاد ،
و حينما يَراكَ المُنافقونَ يَتَّخِذونكَ مَسخَرَةً وَ يَهزَؤنَ بِكَ قائِلينَ : أهٰذا يَتيمُ أبي طالبٍ هُوَ الّذي بَعَثهُ اللهُ إلينا رَسولاً ؟ فَلِماذا لَم يَبعَث صَناديدَ قُريشٍ بالرّسالَةِ ؟؟
إنَّ مُحمّداً (ص) لو كادَ أن يُضِلُّنا عَن عِبادَةِ أو ثانِنا كَهُبَلٍ والّلات و العُزّيٰ و مَناةَ لو لا أن ثَبَتنا عليها وَسَوفَ يَعلَمونَ هؤلاءِ حينَ يَرَوْنَ العَذابَ بسيفِ عليٍّ (ع) مَن هُوَ أضَلُّ ديناً هُم أم مُحمّدٌ (ص) ؟
أتريٰ يا حبيبي إنَّ مَن اتَّخَذَ إلـٰهَهُ هَواهُ النَّفسانيّ الشيطانيَّ فَعاديٰ عَليّاً و أهلَ البَيْتِ (ع) هَل أنتَ تكونُ علَيهِ وَكيلاً لِتَردَعُهُ عَن هَواهُ كلاّ فَدَعهُ في هَواه !!!
فيا حبيبي إنّكَ تَحسِبُ أنَّ المُنافِقينَ يَسمعونَ مِنكَ ما تَقولُهُ في فَضائِلِ عليٍّ و أهل البَيْت (ع) ؟ و تَحسَبُ أنَّهم يَعقِلونَ بِأنَّ عَليّاً (ع) مَعصومٌ و وَلِيٌّ وَ إِمامٌ و خَليفةٌ ؟؟؟
لا لَيسَ كذلك فَهُم يَصمّونَ آذانَهُم عِناداً عَن سِماعِ فَضائِلِهِ وَ هُم يُعارضونَ العَقلَ فيُعادونَهُ و إن هُم إلاّ كالحيواناتِ في عَدَمِ الفَهمِ بَل هُم أضَلُّ مِنها مَذهباً لأِنَّها لا تَملِكُ عَقلاً و فَهماً !!
فيا حبيبي لو لا كَوْنَهُم كالأنعامِ لَما عُرِفَ نورُ آل مُحمّدٍ (ص) ألَم تَنظُر إليٰ حِكمَةِ اللهِ كيفَ خَلَقَ الظَّلامَ في اللّيلِ وَ لو أرادَ لَجَعلَهُ سَرمداً لـٰكنَّهُ خَتَمهُ بِطلوعِ الشّمسِ و جَعَلَها دَليلاً عليٰ الظّلام !
ثُمّ ألَم تَنظُر يا حبيبي أنّ اللهُ كيفَ قَبَضَ ظَلامَ اللّيلِ وَ يُزيلُهُ بِسُهولَةٍ و يُسرٍ فَكذلكَ سيُزيلُ حُكمَ الطُّغاةِ وَ وُلاةِ الجَوْر بِنورِ دَولَةِ آل مُحمّدٍ (ص) ،
فاللهُ حكيمٌ في صُنعِهِ و تَدبيرِ فَهُوَ الّذي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ ساتِراً والنّومَ فيهِ راحَةً لِلأجسادِ وَ جَعَلَ النّهارَ وَقتاً لانتِشارِ النّاسِ في أعمالِهِم ،
وَهُو الّذي أرسَلَ النَّسيمَ والهَواءَ الّذي يَهُبُّ بشارةً مِنهُ قَبلَ هَطولِ رَحمَةِ المَطَرِ و أنزَلنا مِنْ غُيومِ السّمآء ماءً طاهراً مُطهِّراً ،
وَ أنزَلناهُ لِنُحيي بِهِ بلاداً مَيتَةً زرعُها بالزَّرعِ و نُسقي بِهِ ممّا خَلَقنا مِن الحيواناتِ والأنعامِ الثّلاثَةِ والبَشَر والنّاس جميعاً ،
وَ لَقَد صَرَّفنا هذا المِثالَ لَهُم وَ مَثَّلنا ولايةَ عليٍّ (ع) بالمَطَر لِيَتَذَكّروا فَضَلَّ اللهِ و آلائِهِ علَيهِم بِنَصبِهِ علَيهِم وَلِيّاً و لـٰكنْ أبيٰ أكثَرُ النّاسِ المُسلمينَ إلاّ كُفراً بِنَعمَةِ ولاية آل مُحمّدٍ (ص) ،
وَ لَو إقتَضَت مَشيئَتُنا لِبَعَثنا في كُلِّ مَدينَةٍ مِن مُدُنِ العَرَبِ مَن يُنذِرُهُم عاقِبَةَ مُعاداةِ عَليٍّ (ع) كأبي ذَرٍ في الشّامِ و غَيرُهُ في غيرِها !!
فَيا رسولَ الله لا تُطِع الكافِرينَ بِولايَةِ عليٍ (ع) حينما يَطلُبونَ أن تُقيلَهُم مِن بيعَتِهِ وَ جاهِدهُم بِعَليٍّ (ع) وَسيفِهِ جهاداً كبيراً في غَزواتِهِ مَعَهُم كلّها
وَاللهُ هُوَ الّذي بِزواجِكَ مِن بَناتِ المُنافقين خَلَطَ البَحرَيْنِ بَحرُ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) و بَحرُ النِّفاقِ لـٰكنّ بَحرَ مُحمّدٍ و آلِهِ عَذبٌ سائِغٌ و بَحرُهُم مالِحٌ مَجٌّ وَ جَعَلَ بَينَهُما حاجِزاً فَلا تَلِدُ عائِشَةُ و حَفصَةُ و اُمّ حبيبة وَلداً ،
وَ الله هُوَ الّذي خَلَقَ مِن مآءِ عَليٍّ أولاداً مِن فاطمةَ هُم أبناءُ رسولِ الله فَجَعلَ نَسَبهُم مِنكَ وَجَعَلَ عَلياً (ع) صِهراً لكَ وَ كانَ اللهُ قَديراً لِما يشآءُ
وَ هؤلاء المُنافقينَ يَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ الجِبتَ والطّاغوتَ وَما لا يَنفَعُهُم طاعَتُهُم مِنَ اللهِ شيئاً وَ لا يَضُّرهُم عِصيانُهُم لو عَصَوهُ و كانَ المنافِقُ الكافِرُ عليٰ اللهِ لأِعداءِ اللهِ ظَهيراً ،
فَيا رسولَ اللهِ بَعدَ كُلّ ما شَرحناهُ لَكَ فَما أرسَلناكَ بالرِّسالَةِ إلاّ لِتُبَشِّرَ مَن آمَنَ وَ واليٰ أهل بيتكَ (ع) وَتُنذِرَ مَن كَفَر وَ عانَدَ آل مُحمّدٍ (ص) ،
فَقُل لاُِمّتِكَ يا حبيبي : أنا لا أطْلُبُ مِنكُم عَليٰ الرِّسالَةِ و تَبليغِها إليكُم مِن أجرٍ مادّيٍّ وَ لا اُريدُ إلاّ أن تَسعَوا حَسَبَ القُدرَةِ والإستطاعَةِ أن تَتَّخِذوا بِولاية أهل بيتي (ع) إليٰ ربّكم سبيلاً ،
فيا حبيبي لا تَنتَظِر مِنهُم أن يَفوا بِأَجرِ رسالَتِك بَل تَوكَّل عليٰ الحَيّ الّذي لا يَموتُ فَهُوَ يُؤجرُكَ عَليهِ وَ سَبِّح بِحَمدِهِ وَ قُدسِهِ و أثني علَيهِ وَ كفيٰ باللهِ خبيراً بذنوبِ عِبادِهِ المُعادينَ لأِهلِ بيتك (ع)
وَ اللهُ جَلَّ جلالُهُ هُوَ الّذي خَلَقَ السَّماواتِ والأرضَ وَ ما بَينَها مِنَ الخَلقِ في سِتَّةِ مَراحِلَ ثُمّ هَيْمَنَ عليٰ عَرشِ القُدرَةِ هُوَ الرَّحمانُ فأسأل عَن صِفاتِهِ جبرئيلَ يُخبِرُكَ عَنهُ ،
وَ إذا قيلَ لِقُريشٍ اُسجُدوا للّهِ الرَّحمان قالوا وَ ما مَعنيٰ الرَّحمان ؟ هَل نَسجُدُ لِما تَأمُرُنا يا مُحمَّد وَ لا نَراهُ بِأَعيُنِنا فَزادَهُم قولَهُم نُفوراً مِنَ اللهِ
تَعاظَمَت بَرَكة اللهِ الّذي جَعَلَ في سمآءِ الرِّسالَةِ بُروجَ الأئمّة (ع) الإثنا عَشَر وَ جَعَلَ فيها الزَّهرآءَ سِراجاً وَ عليّاً (ع) قَمَراً مُنيراً،
وَاللهُ سُبحانَهُ هُوَ الَّذي جَعَلَ اللّيلَ ظلام خُلفاءِ الجَور يُخلِفُهُ و يَعقِبُهُ النّهارَ بِضياءِ دولةِ آل مُحمّدٍ (ص) تَذكِرَةً لِمَن أرادَ أن يَتَذكَّرَ أو أرادَ أن يشكُرَ نِعمةَ الولايةِ ،
وَ عِبادُ اللهِ الرَّحمان بِخَلقِهِ هُمُ حقيقةً يَعبدونَهُ وَ يُوالونَ مُحمّداً و آلِهِ (ص) فَحَسب ، صِفَتُهُم أنَّهُم يَمشونَ عليٰ الأرضِ مَشياً هَيِّناً مِن دونِ تَجبُّرٍ و لا طُغيانٍ و إذا خاطَبَهُمُ الجاهِلونَ بِفَضائِلِ آل مُحمّدٍ (ص) بالجَهل لا يُقابلونَهُم بِمِثلِهِ ،
وَالصِّفةُ الاُخريٰ لِشيعةِ آل مُحمّدٍ (ص) عِبادُ اللهِ عليٰ الحَقيقةِ هيَ أَنَّهُم لا يَنامُون اللّيل كُلّهُ بَل يَبيتونَ بَعضَهُ بالعِبادَهِ للهِ سُجوداً و رُكوعاً و قياماً ،
إنَّ جَهنَّمَ أَسوأَ مكانٍ هي لاِستقرارِ الإنسانِ إذ لا قَرارَ و لا راحَةَ لَهُ فيها فَهِيَ بِئسَ المَقَرِّ لَهُ و هِيَ أسوَأ مقامٍ إذ لا نَهايَةَ لِعذابِها !!!
وَهؤلاءِ الّذينَ يَعبُدونَ الرَّحمانَ حَقَّ العِبادَةِ هُمُ الّذينَ إذا أنفَقوا النَّفَقاتِ الواجِبَةِ والمُستَحَبّة كالخُمسِ والزّكاةِ والصَّدقاتِ لا يُسرفونَ و لا يَبخَلون و كانَ إنفاقُهُم عَدلاً بَيْن ذلك ،
وَ هُمُ الّذينَ يُخلِصون لِلّهِ الطّاعَةَ والعِبادَةَ وَ لا يُشركونَ بِطاعَتِهِ و عِبادَتِهِ جِبتاً أو طاغوتاً مِن وُلاة الجَوْر فلا يَدعونهُ مَعَ اللهِ إلـٰهاً آخَر ،
وَهؤلاء لا يَئِدونَ بَناتَهُم كَوُلاةِ الجَوْر والمُنافقين وَ لا يَقتُلونَ المُؤمنينَ والمُسلمينَ كبني اُمَيَّةَ و غَيرِهِم وَ لا يقتُلونَ النَّفسَ الَّتي حَرَّم اللهُ قَتلَها إلاّ بالقِصاص أو الحَدِّ الواجِب ،
وَ هٰؤلاءِ أَبَداً لا يَزنونَ بَل يَعمَلونَ بِسُنّةِ المِتعَةِ وَلو لا نَهيَ عُمَر عَنها مازَنا إلاّ شَقيّ وَ مَن يَفعَل الزِّنا و يَترُك المِتعَةَ يُلاقي عُقوبَةَ إثمِهِ ،
وَ عُقوبةُ إثمِهِ هُوَ أنَّهُ يُضاعَفُ لَهُ العَذابُ ضِعفَيْن يَومَ القِيامةِ لِتَركِهِ سُنّةَ المِتعَةِ بِتَحريمِ عُمَر و إرتكابِهِ الزِّنا فَيَخلُدُ في النّار ذَليلاً بإهانةٍ ،
وَ لا ينجو مِن هٰذهِ العُقوبَةِ إلاّ مَن تابَ مِن ذَنبِهِ و آمَنَ بولايةِ آل مُحمّدٍ (ص) و عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأولئكَ يُبَدِّلُ اللهُ ما مَضيٰ مِن سَيّئاتِهِم حَسَناتٍ في صَحيفةِ أعمالِهم وَ كانَ اللهُ غَفوراً رَحيماً لِمَن تابَ و آمَن ،
وَ مَن تابَ بِصِدقٍ عَن معصيتِهِ ثُمَّ تلافاها بِالعَمَلِ الصّالِحِ والتَّقويٰ فإِنَّهُ يَتوبُ بذٰلكَ و يَئوبُ إليٰ اللهِ مَتاباً صَحيحاً نَصوحاً ،
وَالتّائِبونَ واقِعاً هُمُ الّذينَ لا يَشهدونَ شَهادةَ الزّورِ والباطِلِ و إذا مَرّوا بالغِناءِ والطَّرَبِ واللَّهوِ واللَّعِبِ مَرّوا كِراماً مُعرِضينَ ساخِطين ،
وَ هُمُ الّذينَ إذا ذُكِّروا بِآياتِ رَبِّهِم النّازِلَةِ بِشَأنِ فَضائِلِ آلِ مُحمّدٍ (ص) و ولايتِهِم لَم يُطاطِئوا بِرؤسِهِم صامّينَ آذانَهُم عَنها و يُغمِضونَ أعيُنَهُم عنها
وَ هؤلاءِ عِبادُ الرّحمانِ الأتقياء يَبتَهِلونَ إليٰ اللهِ قائِلينَ : رَبّنا هَبْ لنا مِن أزواجِنا و أولادنا مَن يُقِرّونَ عُيونَنا بِتَمسُّكِهم بولايةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّد (ص) ،
وَ يَبتَهِلونَ إليٰ اللهِ قائلينَ : رَبَّنا واجعَلنا نُخالِفُ لِشيطانِ الجِنِّ والإنس و نُحاربُهُم و نَسبِقُ النّاسَ في التّقويٰ و نَكون قُدوَةً لَهُم في التَّقويٰ ،
أولـٰئكَ الشّيعة الأتقياء سَيُجزَوْن عَن تَمسُّكِهِم بالقُرآنِ والعِترَةِ الغُرفَةَ العالية في الجَنّةِ و يُلقَوْنَ في الغُرفَة تَحيّةً و سَلاماً مِن أهل الجنّة و المَلائِكةِ وَ الحُور العين ،
وَ هُم يَخلُدونَ فيها أبداً حَسُنَت لَهُم مُستَقرّاً وَمكاناً لِلرّاحَةِ والإستقرارِ وَ الطُمأنينَةِ و حَسُنَت مقاماً و مَسكناً أبَديّاً ،
قُل لاُِمّتكَ يا رسولَ الله (ص) ما يُبالي بِكُم وَما يَهتَمُّ بِكُم وَ بِشأنِكُم ربّي لو لا دَعوَتكُم إليٰ ولايةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) وَبيعةَ عليٍّ و أهل البَيْت (ع)
وَ مَعذٰلكَ فَقَد كَذّبتُم أكثرُهُم بِولايةِ آل محمّدٍ (ص) فَسوفَ يكونُ عذابُكُم لِزاماً وَ لازماً عَليٰ اللهِ لأِنَّهُ عادِلٌ لابُدَّ أن يُعَذِّبَ مَن كذّبَ بولايةِ آل مُحمّدٍ (ص) .
نشر في الصفحات 929-912 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی