(76)
سورة ق=الوَعيد
بِإسمِ ذاتِيَ االواجِبِ الوُجودِ ألمُوجودِ ألمُوجِدِ للمَوجوداتِ كُلّها وَ بإسمِ رَحمانيَّتي العامَّةِ لعُمومِ المَوجودات و رَحيميَّتيَ الخاصَّةِ بالمُؤمِنين اُوحي :
أرمِزُ إليكَ بِحَرفِ القافِ أحَد الحُروفِ النّورانيَّةِ الأربَعَةَ عَشَر الّتي تُشَكِّلُ جُملَةَ عليٌّ صِراطُ حَقٍّ نُمسِكُه ،
قَسَماً اُقسِمُ بِكَلامي و وَحييَ الّذي أنزَلتُهُ عليكَ لِتُبَلِّغُهُ للنّاسِ القُرآن العَظيم ذِي المَجدِ و العَظَمه ،
فَلمّا أبلَغتَهُ لَم يُؤمِنوا بَل تَعَجَّبوا أن جاءَهُم محمّدٌ (ص) رَسولٌ مُنذِرٌ لهُم وَ هُوَ مِنهُم عربيٌّ هاشِميٌّ مَكيٌّ ، فَقالَ الكافِرونَ مِن قُريشٍ هذا شَييءٌ عَجيبٌ يكونُ مُحمّدٌ نَبيّاً ،
و قالَ الكافِرون مِن قُريشٍ و بَني اُمَيَّةَ : هل إذا مِتنا و كُنّا تُراباً و رَميماً في القُبورِ نُبعَثُ أحياءً ذلكَ رُجوعٌ مُحالٌ بَعيدٌ وُقوعُهُ ،
بالتّأكيدِ بسابِقِ عِلمِنا و مَشيئَتِنا يَموتوُنَ فَتُنقِصُ الأرضُ مِن عَدَدِهِم بابتِلاعِ أجسادِهِم و عندنا كتابٌ لأِعمالِهِم سِجِلٌّ مكتوبٌ ،
بَل عَلِمنا أنّهُم كَذّبوا بالحَقِّ الّذي بَلَّغَهُم بهِ مُحمّدٌ (ص) مِن وِلايَةِ عليٍّ (ع) لَمّا جاءَهُم عليٰ لِسانِهِ فَهُم في تَشكيكٍ و تَرديدٍ حَوْلَ وِلايَة عليٍّ و وُلدِه (ع) ،
أفَلا ينظُرونَ نَظَر تَدَبُّرٍ إليٰ السّماءِ فَوقَ رُؤسِهم لِيَعرِفوا كيفَ بَنَيناها بِقُدرَتِنا بالجاذِبيَّةِ و زَيّناها بالكَواكِبِ و ليس فيها عُيوبٌ و شُقوقٌ فكذلكَ سمآء الوِلايَةِ زَيّناها بمُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) ،
أفَلَم يَنظُروا إليٰ الأرضِ كَيْفَ مَددناها و دَحوْناها و ألقَينا فيها جِبالاً رَواسِيَ ثابِتاتٍ و أنبَتنا فيها نَباتاتٍ من كُلِّ نَوْعٍ جَميلٍٍ ذات بَهجَةٍ ؟،
كُلّ ذلكَ تَبصِرَةً مِنّا تُبَصِّرُكُم و ذِكريٰ تُذَكِّرُ بوجوبِ وِلايَةِ مُحمّدٍ و آل محمدٍ كُلَّ عَبدٍ مُؤمِنٍ بِوِلايَتِهم مُنيبٍ إليٰ الحَقِّ و العَدل ،
و نَزّلنا بِبَركَةِ مُحمّدٍ و آلِهِ (ص) مِنَ السَّماءِ مآءً مَطَراً مُبارَكاً كَثيرَ الخَيْرِ و البَرَكَةِ فَأنبَتنا بهِ بَساتينَ و مَزارِعَ و الحُبوب المَحصودَةَ كالبُرِّ و الشَّعير ،
و أنبَتنا بهِ النَّخلَ مُرتَفِعاتٍ طويلاتٍ لَها طَلعٌ مَنضودٌ مُنَظَّمٌ يكونُ رُطَباً و تَمراً تأكُلوهُ ،
كُلّ ذلِك جَعَلناهُ رِزقاً لِلعبادِ الّذينَ يَعبُدونَ اللهَ و إن شارَكَهُم فيهِ غَيرَهُم و أحيَيْنا بهِ بَلدَةً قاحِلَةً يابِسَةً فكذلِكَ سيَكونُ بَعثَكُم و خُروجَكُم مِنَ القَبر ،
إن كَذَّبتكَ قُريش يا حبيبي فَقَد كَذَّبَت قَبلَهُمُ الأنبياءَ مِن قَبلِكَ قَومُ نوحٍ نوحاً و أصحابُ الرَّسّ بِئرِ ثَمودٍ و هُم قَومُ ثَمود هُوداً و قُومُ فرعونُ موسيٰ و إخوانُ لوطٍ لوطاً ،
و كَذَّبَ أصحابُ الأيكَةِ الشَّجَرةِ شُعَيْباً و قَوْمُ تُبَّعٍ مَلِكِ اليَمَنِ كَذّبوهُ حينَ أسْلَمَ فأولئِكَ كُلٌّ كَذّبَ الرُسُلَ فَحَقّ عليهِم وَعيدي بالعَذاب ،
نَسألُ إنكاراً هَل عَجَزنا و تَعِبنا عِندَ خَلقِنا لِلخَلقِ إبتداءً حتّيٰ يكونَ إعادَتُهُ علَينا صَعباً ؟ كَلاّ بَل هُم في شَكٍّ مِن بَعثٍ مُجَدّدٍ ،
و بالتّأكيدِ لَقَد خَلَقنا الإنسانَ مِن مادَّةٍ و روُحٍ و غَريزَةٍ و نَعلَمُ ما تُوَسوِسُ بهِ نَفسُهُ مِنَ الشّكوكِ و نَحنُ أقرَبُ إليٰ نَفسِهِ مِن عِرقِ وَريدِهِ إليٰ قَلبِه ،
و نَعلَمُ ما تُوَسوِسُ بهِ نَفسُهُ إذ يَكتُبُهُ و يُسَجِّلهُ المَلَكانِ الرَّقيبانِ العَتيدان المُتَلَقِّيانِ أعمالَهُ عَنِ اليَمينِ و اليَسارِ قاعِدانِ لِلكِتابَةِ ،
ما يَتَلَفَّظُ الإنسانُ مِن قَوْلٍ و كَلامٍ إلاّ جالِسان لَدَيْهِ مَلكَيْنِ أحدُهُما الرَّقيبُ و الثّاني ألعَتيدُ يُسجِّلانَهُ و يَكتُبانَهُ عليهِ ،
و حينَما يَفقِدُ وَعيَهُ و عَقلَهُ عِندَ حُلولِ المَوْتِ بِأجَلِ اللهِ المُحدَّدِ يَقولانِ لَهُ المَلَكان : ذلِك الحالُ هُوَ ما كُنتَ مِنهُ تَهرَبُ و تَبتَعِدُ ،
و بَعدَ المَوْتِ حينَ البَعثِ يَنفُخُ إسرافيلُ في البُوقِ نَفخَةَ الحَشرِ بِأمرِ اللهِ فذلِكَ اليَومُ ، يَومُ الوَعيدِ لِمُنكِرِهِ ،
عندئِذٍ تَجييءُ كُلّ نَفسٍ بَشَريَّةٍ لِلحسابِ و الميزانِ والصِّراطِ و مَعَها سائِقٌ يَسوقُها مِنَ المَلائِكَةِ و شاهِدٌ مَعصومٌ مِن آلِ مُحمّدٍ (ص) يَشهَدُ عليها ،
فَيَقولُ لَهُ الشّاهِدُ مِن آلِ مُحمّدٍ (ص) : لَقَد كُنتَ في غَفلَةٍ عَن إمامَتي و عَن شَهادَتي عليكَ واليومُ كَشَفنا عنكَ غِطاءَ الغَفْلَةِ فَبَصَرُكَ اليومَ حادُّ النَّظَر ،
و يَقولُ المَلَكُ الّذي يَسوقُهُ هذا الّذي لَدَيَّ و في يَدي مُعتَدٍ ظالِمٍ لآِلِ محمّدٍ (ص) فيا مُحمَّدُ و يا عليُّ ألقِيا في جَهنَّم كُلَّ كفّارٍ بِوِلايَتِكُم عَنيدٍ لكُم ،
:ألقِيا في جَهَنَّمَ يا سِيَّديَّ اليومَ كُلّ مَنّاعٍ لِلخُمسِ غاصِبٍ لِحَقِّكُم مُعتَدٍ عليٰ أهلِ بَيْتِكُم و شيعَتِكُم شاكٍّ في وِلايَتِكُم ،
هُوَ الّذي جَعَلَ مَعَ اللهِ إلـٰهاً آخَرَ يُطيعُهُ دونَ اللهِ مِن خُلَفاءِ الجَوْرِ فَألقِياهُ يا سِيّدَيَّ في العَذابِ الشَّديدِ في جَهنَّم الحريق ،
فَيَقولُ قَرينُهُ في الدُّنيا و خَليفَتُهُ و إمامُهُ الظّالِمُ : رَبّنا أنا ما دَعَوتُهُ لِلّطُغيانِ والضَّلالِ و لكِن هُوَ كانَ بإختيارِهِ في ضَلالٍ بَعيدٍ عَن وِلايَةِ آلِ مُحمّدٍ (ص) ،
فَيَقولُ رَسولُ اللهِ عَن لِسانِ اللهِ لا تَخْتَصِموا لَدَيَّ اليومَ يا أعداءَ أهل بَيْتي و قَد سَبَقَ أن أتمَمتُ عليكُم الحُجَّةَ و قَدَّمتُ إليكُم بالوَعيدِ إن لم تُؤمِنوا بِوِلايَةِ أهل بَيْتي ،
و يَقولُ لهُم ما يُبَدَّلُ القَوْلُ الّذي سَبَقَ لَدَيَّ بَل يكونُ ما قُلتُ لكُم سابِقاً مِنَ الوَعيدِ و ما أنا بِظَلاّمٍ لِلعبادِ بَل أنتُم ظَلَمتُم أنفُسَكُم ،
فذلِكَ اليومُ يومٌ نقولُ عليٰ لِسانِ عَليٍّ (ع) قَسيمِ النّارِ لجَهنَّمَ هَلِ امتَلَأتِ مِنَ الكافِرينَ و المُنافِقين ؟ فَتَقولُ هَل مِن مَزيدٍ مِن أعداءِكَ اُحرِقُهُم ؟
و في ذلكَ اليومِ تُقَربُ و تُزَيَّنُ الجَنَّةُ لِلمُتّقينَ المُوالينَ لِمُحمّدٍ و آلِ مُحمّدٍ (ص) الطّاهِرينَ يَرَوْنَها فَيَعبُرونَ الصِّراطَ إليها بِسُرعَةٍ ،
فَيَقولُ لَهُم إمامُهُم عليّ بن أبيطالب (ع) قَسيمُ الجَنَّةِ بَعدَ أن يُعطيهِم جَوازَ عُبورِ الصِّراطِ و دُخولِ الجَنَّةِ هذا ما كنتُم تُوعَدونَ بهِ جَزاءً لِكُلّ أوّابٍ عَن طاعَةِ الخُلَفاءِ إليٰ طاعَتِنا حَفيظٍ لِعَهدِ وِلايَتِنا ،
مَن خافَ اللهَ واتّقاهُ و إن لَم يَرَهُ و آمَنَ بِوَعدِهِ و وَعيدِهِ عليٰ الغَيْبِ و جآءَ رَبَّهُ بِقَلبٍ مُقبِلٍ عليٰ مَوَدَّةِ وَ وِلايَةِ مُحمّدٍ و آلِ مُحمّدٍ (ص) ،
و يقولُ لَهُم عليّ بن أبيطالِبٍ (ع) اُدخُلوا الجَنَّةَ بِسَلامَةٍ مِن كُلِّ أذيًٰ و أمنٍ مِن كُلِّ خَوفٍ و سَلامٍ مِنَ اللهِ عَليكُم فَذلِكَ هُو يَومُ الخُلودِ فيها إليٰ أمنٍ مِن كُلِّ خَوفٍ و سَلامٍ مِنَ اللهِ عَليكُم فذلكَ هو يَومُ الخُلُودِ فيها إليٰ الأبَد ،
و لِلشّيعَةِ المُوالينَ في الجَنَّةِ ما يُريدونَ و يَطلُبُونَ و يَتَمَنَّوْن و يَأمُلون مِنَ الَّلذائِذِ و لَدَيْنا في الجَنّةِ مُعَدٌّ لَهُم مَزيدٌ مِنَ النِّعَم ،
فَليَعتَبِر أعداء آل محمّدٍ (ص) و المُنافِقين كَم أهلَكنا قَبلَهُم مِن اُمَّةٍ و أقوامٍ كانوا هُم أشَدّ مِن قُريشٍ قُوَّةً فَفَتّشوا في البِلادِ عَن طريقٍ لِلهُروبِ مِنَ المَوْتِ و لَم يَجِدوا ،
إنَّ في ذلِكَ الوَصف لَهُم لَتَذكِرَةٌ وعِظَةٌ لِمَن كانَ لهُ قَلبٌ واعٍ أو ألقيٰ السَّمعَ لإبلاغِ النَّبيّ و هُوَ يَشهَدُ خُطبَةَ الغَديرِ في حَقِّ عليٍّ (ع) ،
و بالتأكيدِ لَقَد خَلَقنا السّماواتِ و الأرضَ و ما بَيْنَهُما مِنَ المَلَكِ و الإنسِ والجِنِّ و الحيوانِ و النَّباةِ في سِتَّة مَراحِلَ و ما نالَنا مِن خِلقَتِها تَعَبٌ و إعياءٌ ،
فاصبِر يا حبيبي عليٰ ما يَقولُ المُنافِقونَ فيكَ و في عَليٍّ (ع) و سَبِّح و قَدِّس و احَمد رَبَّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ فَجراً و عَصراً قَبلَ الغُروبِ يَكفيكَهُم
و مِنَ اللَّيْل فَسَبِّحِ اللهَ بِنَوافِلِ العَشائَيْنِ و بِنافِلَةِ اللّيْل في أدبارِ الصَّلاة الواجِبَةِ مَعَ الشَّفعِ و الوِتر ،
واستَمِع يا حبيبي يَوْمَ يُنادي المُنادي وَلَدُكَ المَهديُّ (ع) مِن مَكانٍ قَريبٍ مِنَ الكَعبَةِ المُقَدَّسَةِ يا لَثاراتِ جَدَّتي فاطِمَه (ع) ،
يَوْمَ يسمَعونَ أعداءَ آل مُحمّدٍ (ص) الصَّيْحَةَ والهُتافَ بالحَقِّ مِن جَبرئيلَ بِإسمِ المَهديّ القائِمِ (ع) ذلِكَ يَوْمُ خُروجِ المَهديِّ لِلإنتِقام ،
إنّا نَحنُ نُحيي الأرضَ بِعَدلِ المَهديِّ (ع) و حُكومَةِ الحَقِّ فَيَملَاُها قِسطاً و عَدلاً و إنّا نَحنُ نُميتُ الخَلائِقَ عِندَ السَّاعَةِ و إلَيْنا مَصيرهُم ،
و يَصيرونَ إلينا يَومَ البَعثِ تَنشَقُّ الأرضُ عَنهُم فَيَخرُجونَ بِسُرعَةٍ ذلكَ حَشرٌ لِلخَلائِقِ علَينا سَهلٌ بَسيطٌ ،
نَحنُ أعلَمُ مِنَ النّاسِ بِما يَقولونَ أعداءُ عليٍّ (ع) فيهِ وَ ما أنتَ مُكلَّفٌ عليهِم تُجبِرُهُم إجباراً بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) بَل تُبَلِّغُهُم فَقَط ،
فَذَكِّر النّاسَ يا حبيبي بِالقُرآنِ و آياتِهِ النّازِلَةِ بِشَأنِ وِلايَة أهلَ بَيْتِكَ مَن يَخافُ وَعيدَ اللهِ وَ عَذابَهُ .
نشر في الصفحات 1467-1458 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی