(75)
سورة الطَّلاق
بِإسمِ ذاتِيَ الرُّبوبيّ الإلـٰهيّ المُشَرِّع و بإسمِ رحمانِيَّتيَ الواسِعَة الشّامِلَة لِجَميعِ خَلقي و رَحيميَّتيَ المُختَصَّةِ بالمُؤمِنين اُوحي :
يا خاتَمَ الأنبياء و الشَّرائِع شَرِّع لاُمّتِكَ أحكامَ طَلاقِ النِّساءِ و قُل لهُم : إذا طَلّقتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقوهُنّ في طُهرِ غَيرِ المُواقَعَةِ يكونُ أوّل عِدَّتِهِنّ ،
و يَجِبُ عليكُم إحصاء عِدَّةِ الطَّلاقِ كامِلاً فلا تَحِلُّ إلاّ بانقِضاءِهِ تَماماً و خافُوا اللهَ و عِقابَهُ و لا تُخرِجوهُنَّ في العِدَّةِ من بُيوتِهِنّ فالمُعتَدَّةُ لها حَقُّ السُّكنيٰ ،
و لا يَجوزُ إخراجُهُنَّ مِن بُيوتِهِنّ إليٰ انقِضاءِ العِدَّةِ إلاّ أن يَتسَبَّبنَ النُّشوزَ بِإتيانِ الفاحِشَةِ العُلَنِيَّة فيُخرَجنَ لِلحَدِّ ،
تِلكَ الأحكامُ الشَّرعيَّةُ هيَ حُدودُ اللهِ الّتي حَدَّها لِلطّلاق و شَرَّعَها و عَيَّنها و أوجَبَها و فَرَضها و مَن يَتَعَدَّ و يَتجاوَزَ حُدودَ اللهِ فَقَد ظَلَمَ نَفسَهُ بِجَلبِهِ سَخَطَ اللهِ و إستِحقاقِهِ العذابَ الإلـٰهيّ ،
لا تَدري أيّها الإنسانُ حِكمَةَ تَشريعِ العِدَّةِ فَرُبّما حَصلَ النَّدَمُ و لَعَلَّ اللهُ يُحدِثُ بَعدَ الطَّلاقِ رُجوعاً والعِدَّةُ تَمنَعُ مِن اختِلاطِ المِياهِ والنَّسَب ،
فإذا قَضَيْنَ مُدَّةَ عَدَّتِهِنَّ و وَصَلنَ إليٰ آخَرِ ساعَةٍ مِن عِدَّتِهِنَّ قَبلَ الإنتهاءِ ،
فَأنتُم مُختارونَ فإمّا أمسِكوهُنَّ بالرُّجوعِ عَن طَلاقِهِنّ مِن غَيْرِ إضرارٍ بِهِنّ أو لا فَفارِقوهُنَّ بإحسانٍ ،
و يَجِبُ عليكم كَشَرطٍ لِصِحَّةِ الطَّلاقِ إشهادُ رَجُلَيْنِ ذَوَيْ عَدلٍ عادِلَيْنِ مُؤمِنَيْنِ مِنكُم لا مِنَ المُخالِفينَ و أقيموا الشَّهادَةَ عليٰ الطّلاقِ لِلّه، لَكُم أو علَيكُم ، واللهُ يُؤجِرُكُم ،
ذلِكَ الحُكمُ و الأمرُ يُوعَظُ بهِ و يُنصَحُ مَن كانَ يُؤمِنُ باللهِ و اليَوْمِ الآخِر و حسابِهِ و جَزاءِهِ و بِوِلايَةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) و سُنَّتِهم ،
و نُوعِظُهُم إيضاً بِأنَّ مَن يَتَّقِ اللهَ و يُطيعُ أوامِرَهُ و أحكامَهُ فيُجازيهِ الله بان يجعل له مخرجاً
اللهُ بِإن يَجعَل لهُ مَخرَجاً مِنَ الغُمومِ و الفَقرِ و يَرزُقهُ مِن حيثُ لايَحتَسِب الرِّزقَ هُناك ،
وَ مَن يَتَوكّل عليٰ اللهِ في اُمورِهِ مِنَ المُؤمِنينَ فَاللهُ هُوَ حَسبُهُ وكيلاً يَكفيهِ مُهمّاتَهُ إنَّ اللهَ نافِذٌ قَضاؤه و قَدَرُهُ و قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلّ شييءٍ قَضاءً و قَدَراً ،
والنّساءُ الّلاتي بَلَغنَ سِنَّ اليَأسِ أي الخَمسين لِغَيرِ الهاشميَّةِ والسِّتينِ لَها مِن نساءِكُم إن شَكَكتُم فيهِ فَمُدَّةِ عِدَّتِهِنَّ ثَلاثَةُ أشهُرٍ عُدِّتها و الّلاتي في سِنّ المحَيْضِ و لَم يَحِضنَ فَمِثلُهُنّ ،
و أمّا عِدَّةُ طَلاقِ النِّساءِ اُولات الأحمالِ الحَوامِل فَأجَلُ عِدَّتِهِنّ هُوَ أن يَضَعنَ حَملَهُنّ سواءً طالَ أم قَصُر بِخِلافِ عِدَّةِ وَفاتِهنّ ،
و مَن يَخافُ اللهَ و يُراعي أحكامَ العِدَّة و يَلتَزِم بِها و لا يُخالِفها سيَجعَلُ اللهُ لهُ مِن أمرهِ يُسراً في الدُّنيا و يَكفيهِ الشّدائِد ،
ذلكَ الحُكمُ بالنِّسبَةِ للّطَلاقِ هُوَ أمرُ اللهِ الوُجوبيِّ الفَرضِ الَّذي شَرَّعَهُ و أنزَلَهُ في القرآِنِ إليكُم لِتَعمَلوا بِهِ ،
و مَن يَتَّقِ اللهَ في أمرِهِ فيُطيعُهُ و يعمَل بهِ و لا يُخالِفُهُ يُكَفِّر اللهُ عنهُ سيّئاتَهُ و ذُنوبَهُ و يَمحوها و يَغفِرها و يَزيدُ لَهُ ثَوابُهُ يومَ القيامةِ ،
أسكِنوا النّساءَ أيّامَ عِدَّةِ طَلاقِهِنَّ مِن حيثُ سَكنتُم في بُيوتِكم مِن وُسعِكم و جِدَتِكُم لا فوقَها و لا تُضاروهُنّ إضراراً فَتُضَيِّقوا عليهِنَّ في المَسكَنِ ،
و إن كُنَّ المُطَلَّقاتُ صاحِباتُ حَملٍ في بُطونِهِنّ فَيَجِبُ عليكُمُ الإنفاقُ عليهِنّ بالنَّفَقَةِ العادِلَةِ حتّيٰ يَضَعْنَ حَملَهُنَّ و يَلِدنَ ،
فَإن أرضَعن لَكُم أولادَكُم مِنهُنّ فَأعطوهُنَّ اُجورَهُنَّ عليٰ الرِّضاعِ واتَّفِقوا حَوْلَ أمرِ الرِّضاعِ بَيْنكُم بِمَعروفٍ و إن تَعاسَرتُم في الإنفاقِ حَوْلَ الإرضاعِ لِمِقدارِ الاُجرَةِ أو غَيرهِ فَتَسقُطُ حَقّها في الإرضاعِ و لا تُجبَرُ عليهِ فَسَتُرضِع الطِّفلَ إمرَأةً اُخريٰ ،
نأمُرُكم لِيُنفِق كُلّ رَجْلٍ ذو سِعَةٍ من المالِ والثَّروَةِ عليٰ عِيالِهِ زَوجته و أطفاله مِن سِعَةِ مالِهِ فَيُوسِّع عليهِمُ الإنفاقَ و مَن ضُيِّقَ عليهِ رِزقهُ فَليُنفِق عليٰ حَدِّ ما آتاهُ اللهُ مِنَ الرِّزق ،
لا يُكَلِِّفُ اللهُ نَفساً مِنَ البَشَرِ بالإنفاقِ إلاّ في حدودِ ما آتاها مِن رزقٍ لا أكثَر سَيَجعَلُ اللهُ بَعدَ عُسرٍ في العَيْشِ لكُم يُسراً بالإنفاق .
و كم هِيَ مِن قَريَةً عَصَت أهلُها وامتَنَعَت عن إطاعَةِ أمرِ رَبِّها و رُسُلِهِ فحاسَبناها سَريعاً و عاقَبناها شَديداً و عَذَّبناها عَذاباً فَظيعاً ،
فذاقَت نتيجةَ عِصيانِها و نالَت جَزاءَ أعمالِها و كانَ عاقِبَةُ حالِها خَساراً و خُسراناً و هَلاكاً و دِماراً ،
ثُمَّ بعدَ الهَلاكِ هَيَّاءَ اللهُ لهُم في الجَحيمِ عذاباً شديداً فاتّقوا اللهَ و خافوُا عِصيانَهُ يا أصحابَ العقولِ وَ والوُا مُحمّداً و آل مُحمّدٍ (ص) ،
أيُّها المُسلِمون إعلَموا أنّه قَد أنزَلَ اللهُ إليكُم بِواسِطَةِ جَبرئيل و مُحمّدٍ (ص) وِلايَةَ عليٍّ (ع) ذِكراً يُسعِدُكُم في الدُّنيا والآخرِه ،
و أرسَلَ إليكُم مُحمّداً (ص) رَسولاً يتلوا عليكُم آياتِ اللهِ مِن القُرآنِ واضِحاتٍ بِشأنِ وِلايَةِ عليٍّ (ع) و فضائِلِهِ ،
لِكَي يُخرِجَ الّذين آمَنوا بِوِلايَتِهِ و عَمِلوا الصّالحاتِ مِن ظُلُماتِ الكُفرِ و النِّفاقِ و الجَهلِ و الظُّلمِ إليٰ نورِ الحَقِّ و العَدلِ و الهُديٰ ،
و مَن يُؤمِن باللهِ كامِلاً فيُوالي مُحمّداً و آلَ مُحمّدٍ (ص) و يَعمَل صالِحاً و يَتَمسَّك بالثَّقَلَيْن يُدخِلهُ اللهُ غَداً جنّاتٍ تجري مِن خِلالِها الأنهارُ المُتَنَوِّعَه ،
و يَجعَلهُم خالِدينَ في الجنّاتِ إليٰ الأبَدِ و بالتَّحقيقِ سيَكونُ قَد أحسَنَ اللهُ لهُ رِزقاً في الجَنّاتِ فَيرزُقُهُ الحورَ و الوِلدانَ و الطَّعامَ و الشَّرابَ و ما تَشتَهيهِ الأنفُسُ وَ تَلَذّ الأعيُن ،
فاللهُ جَلّ جَلالُهُ هو الّذي خَلَقَ و أوجَدَ سَبعَ سماواتٍ طِباقاً و خَلَقَ مِن كُرَةٍ كالأرضِ سَبعاً مِثلَهُنّ عَدداً ،
و بِأمرِ اللهِ يَتَنَزَّلُ الملائِكَةُ والرُّوحُ في لَيْلَةِ القَدرِ بِكُلّ أمرٍ مُقَدَّرٍ بَيْن السّماواتِ و الأرضِ عليٰ الإمامِ المَعصومِ مِن آلِ محمدٍ (ص) ،
فَعلَيْكُم أن تَعلَموا أيّها النّاس أنّ اللهَ هُوَ الّذي يَنصِبُ الوَلِيَّ لِلوِلايَةِ و الإمامَ لِلإمامَةِ و الَيسَ بِعاجِزٍ عَنهُ كَي تَختارُوهُ أنتُم بَل هُوَ عليٰ كلِّ شييءٍ قَديرٌ
و عليكُم أن تَعلَموا أنَّ اللهَ حكيمٌ خَبيرٌ مُدَبِّرٌ عليمٌ يَعلَمُ لِمَن يَختار و يَصطَفي لِرسالَتِهِ وَ وِلايَتِهِ و لذلكَ إصطفيٰ مُحمّداً و آلَهُ (ص) فَهُوَ قَد أحاطَ بِكُلِّ شييءٍ عِلماً بِمَصالِحِه ،
نشر في الصفحات 1457-1451 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی