(53)
سورة صٰ = ألصَّلَوات
بإِسمِ ذاتِيَ الواجِبِ الوُجود مَعدَنِ الكمالِ و الفَيْض واللُّطف و بِإسمِ رحمانيَّتي و رحيميّتي اُوحي إليكَ بِصاد ،
رَمزَ الصَّلَوات أي صَلواتُ اللهِ الزّاكياتِ النّامياتِ الدّائِماتِ المُتَتالِياتِ عَليكُم يا أهلَ البَيْتِ المَعصومين (ع) ،
وَ حَقّ القُرآن وَ قَسَماً بالقُرآنِ كلامُ اللهِ النّازِل عَليكَ الَّذي يُذَكِّرُ النّاسَ بِولايَتِكُم و أهلَ البَيْت (ع) ،
إنَّ المُنافقينَ لا ينفَعُهُمُ الذِّكرُ بَلِ الَّذين كَفَروا بِوِلايَتِكُم أهلَ البَيْتِ في حَميّةِ الجاهِليَّةِ و الطُّغيانِ و الخِلافِ ضِدَّكُم و النِّفاق ،
فتَذَكّر يا حبيبي كَم أهلَكنا مِن قَبلِ المُنافِقينَ مِن اُمَّةٍ ماضِيَةِ و حينَ إهلاكِهِم بالعَذابِ نادَتْهُم ملائِكَتُنا أيْنَ تَفِرّونَ الآنَ وَ لاتَ حينَ مَهرَبٍ ،
و عَجِبوا هؤلاءِ المُنافِقونَ أبوسفيانٍ و حِزبَهُ أن جاءَهُم محمّدٌ (ص) مُنذِرٌ لهُم مِن عَشيرَتِهم يُنذِرُهُم بعذابِ اللهِ و قالوا هؤلاءِ الكافِرون بِوِلايَةِ محمدٍ و آلِهِ (ص) : هذا ساحِرٌ كذّابٌ بَل هُوَ الصّادِقُ الأمين ،
و سَألوا مُتَعجِّبينَ أجَعَلَ مُحمّدٌ الآلِهَةَ المُتَعدِّدَة الكثيرَةَ إلـٰهاً واحِداً ، غيرَ أصنامِنا إن هذا لَشييءٌ غريبٌ عجيبٌ كثير العَجَب ،
وانطَلَقَ رَؤساء المنافِقينَ مِن دارِ أبي طالِبٍ عليه السّلام بَعدَ الطّعامِ مُشرِعينَ قائِلينَ بعضَهُم لِبَعضٍ إذهَبوا واتبُتوا عليٰ عِبادَةِ أصنامِكُم فذلكَ هُوَ المَطلوبُ مِنّا ،
و قالوا ما سَمِعنا بهذا الإدّعاء الّذي يَدّعيهِ مُحمّدٌ في المِلَّةِ الجاهِليَّةِ الأخيرَةِ إن هذا الإدِعاءُ إلاّ افتِعالٌ كاذِبٌ وادِّعاءٌ باطِلٌ ،
وسَألوا مُستَنكِرينَ هَل اُنزِلَ عليهِ الوَحيُ مِن بَيْنِنا و لَم يُنزَل علينا ؟
نَعَم رَغماً لِمَعاطِسِهم بَل هُم في شَكٍّ مِنَ الوَحيِ والرِّسالَةِ و الوِلايَةِ بَل هُم فيهِ حتّيٰ يذوقوا عَذابي فيُخزيهِم ،
إنّا نَسألُهُم توبيخاً هَل عِندَهُم خزائِنُ رَحمَةِ ربِّكَ مِنَ العِصمَةِ و الوِلايَةِ والنُّبُوَّةِ حتّيٰ يَهِبونَها لِمَن أحَبّوا بَلِ اللهُ يَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن يَشآءُ إختيارَهُ لِلوِلايَةِ و هو العزيزُ الوَهّاب ،
و نَسألُهُم إستنكاراً هَل لِلمنافقين مُلكُ السماواتِ و الأرض و ما بينهما حتّيٰ يُحرِموا مُحمّداً و آلهِ (ص) منها فَليَرتَقوا درجاتٍ في الأسبابِ المُوصِلَةِ إليٰ الوَحيِ فيَحتَكِروها لأِنفُسِهم ،
هؤلاءِ المُنافِقون يا حبيبي جُندُ الشّيطانِ ضُعَفاءٌ هنالِكَ عِندَ تكذيبِهم لَكَ و جُندٌ مهزومٌ بِسَيفِ عليّ بنِ أبيطالبٍ (ع) مَعَ الأحزابِ في حَربِ الأحزاب ،
كَذَّبت قَبلَ المُنافقين أنبياءَها أقوامُ نوحٍ و عادٍ و قوم فِرعَونَ صاحِبِ الأوتادِ الّتي كانَ يُعَذِّبُ بِها المُؤمنينَ باللهِ و بِموسيٰ (ع) ،
و كَذَّبت قَبلَهُم قومُ ثمودٍ صالِحاً و قَومُ لوطٍ لوطاً و كَذَّبت أصحابُ الأيكَةِ شُعيباً أولئِكَ الأحزابُ المُكذِّبون الّذين أهلكناهُم قَبلَهُم ،
إنْ كُلٌ مِن هؤلاءِ الأحزاب إلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ الذين أرسَلناهُم إليهِم فَحَقِّ عليهِم عقابي فأهلكتُهُم بِعَذابي ليس إلاّ فَسَأهلِكُ هؤلاءِ مِثلَهُم ،
و ما يَنتِظُرُ هؤلاءِ المُنافقون إلا صَيحَةً واحِدَةً ( مِن علاماتِ ظهورِ المَهديِّ ) بالعذابِ تَنزِلُ عليهِم فتُهلِكُهُم مالَها مِن مُهلَةٍ لهُم بِمِقدارٍ فَواقِ النّاقَةِ و فُرصَة ما بَيْن الحَلبَتَيْنِ لها ،
و قالوا هؤلاءِ المُنافِقون إستهزاءً رَبَّنا عَجِّل لنا قِسطَنا و حِصَّتنا مِنَ العذابِ الّذي تَعِدُنا بهِ مَعَ ظهورِ المَهديّ (ع) قَبلَ يومِ الحِساب ،
إصبِر يا مُحمّد عليٰ ما يقولونَ هؤلاءِ المُنافِقون واذكُر عبدَنا داوُدَ والِدِ سُليمان صاحِبَ الأيدي القَويّةِ في الحُكمِ إنّهُ كانَ أوّاباً إلينا دُوماً ،
إنّا وَهَبنا لهُ الحُكمَ والقُوّةَ فسَخَّرنا الجِبالَ لهُ فعِند ما كانَ يُسبِّحَنا بِصوتِهِ الدّاووديِّ و يُناجينا كانَت الجِبالُ يُسَبِّحنَ مَعَهُ ليلاً و صَباحاً مَعَ إشراقَةِ الشَّمس ،
و سَخَّرنا لَهُ جميعَ أصنافِ الطَّيْر مَحشورَةً بَيْنَ يَدَيهِ إذا أرادَ تُسَبِّحُ بَيْنَ يَدَيهِ مُطيعَةً ذاهِبَةً بأمرِهِ و أوّابَةً تَرجِعُ إليه ،
و قَوّينا بِشِدّةٍ مُلكَهُ بالعُدَّةِ و العَدَد و آتيناهُ النُّبوَّةَ و العِصمَة و آتيناهُ فَصلَ القَضاءِ و الحُكمِ في الخُصومَةِ ،
فما أعدَلَهُ في القَضاءِ فَهَل أتاكَ يا حبيبي خَبَرُ قضاءِه بَيْنَ الخَصمَيْنِ حينما جاءهُ إذ تَسَوَّر و اسوَر المِحرابِ في الأقصي و لم يدخُلوا مِن الباب ؟
إذ دَخلوا عليٰ داودَ في المِحرابِ مِن سُورهِ فَفَزِعَ منهُم خَشيةَ أن يكونا عَدُّوَيْنِ لهُ لِدُخولِهما مِنَ السّورِ في وَقتِ صَلاتِهِ قالوا لَهُ لا تَخَف فإنّنا خَصمانِ بَغيٰ أحدُنا عليٰ الآخَر ،
فَحضَرنا عندَكَ لِلتّحاكُمِ فاحْكُم بَيْنَنا بالعَدلِ و لا تَجُر في حُكمِكَ و اهدِنا إليٰ جادَّةِ الحَقِّ و الصَّوابِ و طريقِ العَدلِ و الشَّرع ،
قالَ أحدُهما إنَّ هذا أخي لهُ تِسعٌ و تِسعونَ نَعجَة خروفٍ ولي نَعجَةٌ واحِدَةٌ فقالَ لي إكفَلني نَعجَتكَ حتّيٰ يَكمُلُ العَدَدُ و غَلَبني في هذا الكلام ،
فقالَ داوُدُ لهُ بَدَلَ أن يُعطيكَ مِن نِعاجِهِ لَقَد ظَلَمَكَ أخوكَ بِمطالِبَتِهِ نَعجَتَك ،
نَعجَتكَ لِيَضُمّها إليٰ نِعاجِهِ لِيَكمُلُ العَدَدُ مأة لأِنّهُ يَجِب عليهِ أن يَدفَعَ لكَ زكاةَ غَنَمِه ،
و أضافَ داوُدُ قائِلاً و إنّ كثيراً مِنَ الشُركاءِ لَيظلِم بعضُهُم في القِسمَةِ شريكَهُ إلاّ الذين آمَنوا باللهِ و أحكامِهِ وعَمِلوا الصّالحاتِ فإنّهم لا يَظلِمونَ و قليلونُ مِثلَ هؤلاء ،
عندئِذٍ غابَ الخَصمانِ المَلَكانِ فَعَلِمَ داوُدُ أنّما اختَبرناهُ كي نَريٰ هَل يحكُمُ بالعَدلِ أم لا فاستَغَفَر اللهَ لِنِسبَتِهِ الظُّلمَ إليٰ المَلائِكَةِ و خَرَّ راكِعاً لِلّهِ و تابَ إليه ،
فَغفَرنا لهُ نِسبَتَهُ الظُّلمَ إليٰ المَلَكِ لأنّهُ لم يُعَرِّفهُ نَفسَهُ مُسبَقاً فَلَم يَتَعَمَّد ذلكَ و إنّ لهُ عندنا مَقامَ القُربِ و مَنزِلَة المُقَرّبين و العاقِبَة الحَسَنه ،
فعندَئِذٍ بعدَ الإختبار أوْحَينا إليهِ يا داوُد إنّا جَعلناكَ خليفةً في الأرضِ فالخِلافَةُ جعلِيَّةٌ مِنَ اللهِ و ليسَ لِلنّاس أن يَجعلوا أحَداً خَليفَةً ،
و أمرناهُ بعدَ أن جَعلناهُ خليفةً أنِ احكُم بَيْن النّاسِ بالحَقِّ و العَدلِ فليسَ لِلخَليفَةِ أن يحكُمَ بالجَوْر و الباطِل ،
و نَهيناهَ بَعدَ أن جَعلناهُ خَليفَةً و قُلنا و لا تَتَّبِعِ الهَويٰ فيُضِلّكَ إتّباع الهَويٰ عن سبيلِ الله فالخليفةُ لا يجوزُ لهُ مُتابِعَة الهَويٰ و مَن فَعَلَ فَقَد ضَلَّ عن سبيلِ الله ،
إنّ الَّذين يضِلّونَ عَن سَبيلِ الله بِمُتابِعَةِ الهَوي أولئِكَ الخُلَفاءُ الجائِرينَ الظّالِمينَ لهُم عذابٌ شديدٌ بما نَسَوا حُكمَ اللهِ يَنالُهُم يومَ الحِسابِ و العِقاب ،
و ما خَلَقنا السّماءَ و الأرضَ و ما بَيْنَهما مِنَ الخَلائِقِ و الجِنّ و الإنسِ و المَلائِكَةِ و الحيوان بِغَيرِ حِكمَةٍ و عَدلٍ حتّيٰ نَدَعها بِغَيرِ خَليفَةٍ مَعصومٍ فيها ،
إنَّ الظَّنَّ بِأنَّ خَلقَنا لَها بِغَيرِ العَدلِ و الحِكمَةِ فلا يَجِب أن نَجعَل فيها خليفةً معصومٍ فذلك ظَنُّ الّذين كَفروا بِوِلايَةِ محمدٍ و آلِهِ (ص) فَوَيْلٌ و ثُبورٌ لِلّذين كفَروا بِوِلايَتِهِم مِنَ النّارِ تُحرِقُهُم ،
أم ظَنّوا هؤلاءِ المُنافقين أنّنا نَجعَلُ الّذين آمَنوا بِوِلايَةِ محمدٍ و آلِ مُحمّدٍ (ص) و عَمِلوا الصّالِحاتِ كالمُفسدينَ المُخالفينَ لِولايَتِهم ؟ هَيهات ،
أم ظَنّوا هؤلاءِ المُفسدين أن نَجعَل المُتّقينَ الشّيعَةَ المُوالينَ لآِلِ مُحمّدٍ (ص) كالفُجّارِ المُخالِفينَ لَهُم سَواسِيَةً في الجَزاءِ كَلاّ وَ هيهات .
فالقرآنُ كِتابٌ أنزلناهُ إليكَ يا مُحمّد مُبارَكٌ كثيرُ البَرَكاتِ في الدّنيا و الآخِرَةِ لِلمُتَمسِّكينَ بالثَّقَلَيْن ألمُتفكِّرينَ في آياتِهِ ألمُتذَكِّرينَ بهِ أصحابُ العُقولِ و القُلوبِ السَّليمَة ،
و وَهبنا لِداوُد النّبيّ ذُريّةً طيِّبَة و وَلداً صالِحاً يَرِثُهُ هو سُليمانٌ و هو نِعمَ العَبد لنا مُطيعاً إنّهُ أوّابٌ إلينا بالمُناجاتِ و العِبادات ،
تَذَكّر إذ عُرِضَ عليهِ في وَقتِ العَشاءِ الجِيادِ مِنَ الخَيلِ المُهيَّأَةِ للجِهادِ في سَبيلِ اللهِ و هُنّ صافِناتٍ رافِعاتٍ حَوافِرِها في عَدوِها ،
فَوقَفَ يَستعرِضُهُنَّ مَشعوفاً بالنَّظَرِ إليهِنَّ طِوالَ اللَّيل فالتَهيٰ بِهِنَّ عن نافِلَةِ اللّيلِ حتّيٰ تَوارَت قافِلتُها مُحَتجِبَةً عن نَظَرهِ في الاُفُق واختَفَت ،
فناديٰ سُليمانُ قائِلاً رُدّوا الجيادَ علَيَّ ثانِيَةً فَرَدّوها فأخَذَ يَسمَحُ أعناقَها و سيقانِها و يُدَلِّلُها حُبّاً لَها لِجادِها في سبيلِ الله ،
و لَقَد إختَبرنا سليمانَ بِقَبضِ روحِ وَلَدِهِ و ألقينا عليٰ كُرسيِّهِ جَسَداً لإِبنِهِ مَيِّتاً فَنَجحَ في الإختبارِ و صَبَر ثُمَّ أنابَ إلينا ،
فابتَهَلَ إلينا قالَ رَبِّ اغفِرلي إنشِغالي بالسَّلطَنَةِ و هَبْ لي مُلكاً دُنيويّاً لا يَنبَغي لأِحدٍ مِن بَني إسرائيلَ مِن بَعدي ،
إنّك يا رَبِّ أنتَ الوَهّابُ لِلمُلكِ و السُّلطانِ لِذي القَرنَيْن و المَهديِّ القائِمِ مِن آلِ مُحمّدٍ (ص) فَهَبني مُلكاً كَمُلكِهِما ،
و لمّا طَلَب مِنّا مُلكاً كَمُلكِ مَهديِّ آلِ مُحمّدٍ (ص) فَسَخَّرنا له الرّيحَ مُطيعَةً بِأمرِهِ تَذهَبُ و تَروحَ حيثُما أمَرَها و أصابَ رأيَهُ و إرادَتهُ ،
و سَخّرنا لهُ الجِنَّ و الأبالِسَة الشّياطين مِن نَسلِ إبليسَ كلّ جِنيٍّ بَنّاءٍ يَبني و غَوّاصٍ يَغوصُ و آخَرينَ مِنَ الشّياطينَ مُقَرَّنينَ بالسَّلاسِلِ مَكتوفي الأيدي ،
فَلمّا وَهبناهُ ذلكَ قُلنا لَهُ هذا عَطاؤنا لكَ فامنُن و تَفَضَّل عليٰ مَن شِئتَ بالعطآءِ أو أمسِكِ المُلكَ و لا تُعطي مِنهُ فلا نُحاسِبُكَ بِشَييءٍ ،
و مَعَ ذلكَ المُلك والقُوّة والسُلطان الّذي وَهبناهُ فإنَّ لهُ عِندَنا في الآخِرَة لَقُربيٰ و مَنزِلَة في الجنّةِ و حُسنَ المَرجعِ . العاقِبَه ،
واذكُر يا حبيبي عبدَنا المُطيع أيّوب الصّابِر إذ ناديٰ رَبّهُ الّذي امتَحَنَهُ قائِلاً : رَبِّ إنّي مَسَّنِيَ الشّيطانُ بِنُصبٍ و تَعَبٍ و ألَم و ضُرٍّ ،
فَقُلنا لهُ سَنَرفَعُ عنكَ النَّصَبَ و العَذابَ و نَدحَرُ الشيطان عَدُوّك فاضرِب بِقَدَمِكَ الأرضَ يَنبُعُ ماءٌ مِن عَينٍ هذا مُغتَسَلٌ تغسِل بِهِ جِسمَكَ و ماءٌ بارِدٌ تَشرَبُ مِنهُ متُعافيٰ ،
و وَهبنا لهُ زَوجَتَهُ و أولاداً و ذُرّيةً منها بِعَدَدِ مَن ماتَ مِنهُ قَبلاً و أضفناهُ مِثلَ عَدَدِهِم أولاداً مِثلَهُم بَنينَ و بَناتٍ رَحمَةً مِنّا و مَوعِظَةً لِأصحابِ العقولِ السّليمَةِ ،
و قُلنا لهُ لأِنّك قَد سَبَق أن حَلَفتَ أن تَضرِبَ زوجَتَكَ مأَةَ سوطٍ لِنَميمَةِ الشّيطانِ فَخُذ بِيَدِكَ الآن ضِعثاً فيهِ مأَةَ فرعٍ فاضرِب بهِ أهلَكَ و لا تَحنَث باليَمين
إنّا وجَدنا أيّوبَ صابِراً عليٰ البَلاءِ و لَم يَجزَع و وَجدناهُ نِعمَ العَبدُ المطيعُ لنا مُحارِبٌ للشيطانِ و وَجدناهُ إنّهُ أوّابٌ إلينا دوماً ،
واذكُر يا حبيبي عِبادَنا الأنبياءَ قَبلَكَ جَدّكَ إبراهيمَ و إبنَهُ إسحاقَ و إبنَهُ يعقوبَ أصحابَ الأيدي الباطِشَةِ بالأصنامِ و البَصائِرَ في الدّين ،
إنّا أخلصناهُم لنا و اختَصَصناهُم لِخِصلَةٍ أخلَصوها لنا هِيَ تَذَكُّرٌ دوماً ذِكريٰ الدّارَ الآخِرَة و عَمَلَهُم لها ،
و إنّهُم يُسَمّونَ عِندنا في العَرشِ الأعليٰ لَمِن زُمرَةِ المُصطَفيْن الأخيار مُحمّدٍ و أهل بيتِهِ الأطهارِ الأبرار ،
واذكُر يا حبيبي إسماعيلَ جَدّكَ و اليَسَع النّبيّ و ذالكِفْل النَّبيّ و كُلُّ نَبيّ ، مِن هؤلاءِ هُوَ مِن زُمرَةِ الأخيارِ آل مُحمّدٍ الأطهار غَداً ،
هذا ذِكرٌ للأِنبياءِ و فَضائِلِهم و إنَّ لِلمُتّقينَ أهلَالبَيْتِ المَعصومينَ و شيعَتِهِمُ المُخلصين لَحُسن العاقِبَةِ و المَرجَعِ و المَصير ،
مآبُهُم إليٰ جنّاتِ عَدنٍ في أعليٰ عِليّين مِنَ الجِنان مُفتَّحَةً لَهُم أبوابُ قصورِها يَجلسون فيها مُتَّكئِينَ عليٰ النَّمارِقِ يأمُرونَ الغِلمانَ فيَدعونَ بِفاكِهَةٍ كثيرَةٍ و شَرابٍ لَذيذٍ ،
و عندَهُم حورٌ عينٌ تُؤنِسُهُم خافِضاتِ العيونِ دَلالاً و كُلّهُنَّ في سِنٍّ واحِدٍ هذا هو ما تُوعَدونَ بهِ يا شيعةَ آلَ مُحمّدٍ ليومِ الحِسابِ و الثَّواب ،
إنَّ هذا الجَزاءِ و الثَّوابِ هو رِزقُنا لِلشّيعَةِ المُتّقينَ أبَدِيٌّ خالِدٌ سَرمَدِيٌّ لا يَنتهي و لا يَفنيٰ و لا يَزولُ و ما لَهُ مِن نَفادٍ ،
هذا ذِكرُ الشّيعَةِ المُتّقين و إنَّ لِلطّاغينَ المُنافِقينَ المُخالِفينَ لآِلِ مُحمّدٍ (ص) لَشَرُّ مَصيرٍ و مَرجَعٍ فمآبُهُم إليٰ جَهَنَّمَ ينالونَها خالِدينَ فَبِئسَ المَسكَنِ لَهُم ،
هذا العَذابُ لهُم فَليَذوقوهُ الصَّديدَ المُذابَ بَدَلَ الماءِ و المَعادِنَ المَصهورَةِ السّائِلَةِ و عَذابٌ آخَرٌ مِن مِثلِهِ أنواعٌ مُشابِهَةٌ ،
فيُقال لهُم انظُروا إليٰ أتباعِكُم هذا فوجٌ مَزدَحِمٌ مِنهُم مُقتَحِمٌ مَعَكُم النّار فيقولونَ لا مَرحباً بِهِم إذ يَستَغيثُ أهل النّارِ مِن عَذابِهم إنّهم يَزيدونَ في حَريقِ النّار ،
فيُجيبونَهُم أتباعَهُم قائِلينَ بَل أنتُم لا مَرحباً بِكُم و بلِقاءِكُم إذا أنتُم قَدَّمتُم هذا العَذابَ لنا إذ ضَللتُموُنا عن وِلايَةِ آلِ مُحمّدٍ (ص) فَبِئسَ القَرارُ لَكُم النّار .
عِندَئِذٍ يَستغيثونَ إليٰ اللهِ قائِلينَ : رَبّنا مَن قَدَّمَ لنا هذا العَذابَ مِن خُلَفاءِنا فَزِدهُ عَذاباً مُضاعَفاً مِن عَذابِنا في النّارِ أضعافاً مُضاعَفَةً ،
و يقولونَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ما لَنا لا نَريٰ في النّارِ مَعَنا رِجالاً مِن شيعَةِ عليٍّ (ع) كُنّا نَعدُّهُم مِنَ الأشرارِ فَهَل شَفَعَ لهُم عليٌّ (ع) إمامُهم ؟؟؟
أولئِكَ الشّيعَةُ إتّخَذناهُم سِخريّاً نَسخَرُ بِهِم و نَستَهزِيءُ بِهم ، فَلِماذا لا نُشاهِدُهُم هُنا ؟ فَهَل مالَت عنهُم أبصارُنا فَبَعضٌ يقولُ نَعَم و بَعضٌ يقولُ لا إن ذلكَ مُؤَكَّدٌ وَ حتميٌّ تَخاصُمُ أهل النّار ،
قُل يا حبيبي لَستُ أنا إلاّ مُنذِرٌ لكُم إذا خالَفتُم أهل بَيْتي اُنذِركُم النّارَ واعلَموا يَقيناً أنّهُ لا إلـٰه إلاّ اللهُ الواحِدُ القَهّارُ رَبِّ السّماواتِ و الأرضِ العَزيز الغَفّار فلا تُطيعوا غيرَهُ ،
قُل يا مُحمّد (ص) إنَّ إنبائي بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) عَنِ اللهِ هُوَ نَبَاءٌ عظيمٌ تَكفَّلتْهُ و تَضَمَّنْتهُ نُبُوَّتيَ الخاتِميّةِ و لكن أنتُم يا مُنافقينَ عَنهُ مُعرضين ،
و قُل لهُم إنَّ دليلَ صِدقي في إنبائي عَن اللهِ هُوَ أنّهُ بَعثَني وَ ما كانَ لي مِن عِلمٍ بالمَلَاء الأعليٰ و المَلائِكَةِ المُقرَّبينَ حتّيٰ اُخبِركُم عَن أحوالِهم إذ يَختَصِمونَ حَوْلَ عليٍّ (ع) إنّهُ بَشَرٌ أو مَلَك ،
إن يُوحيٰ إليَّ ذلكَ مِنَ اللهِ بواسِطَةِ جبرئيل و لَستُ أنا إلاّ نَذيرٌ لكم من جانِبِ اللهِ بَيِّنُ الإنذارِ فإيّاكُم و مُخالَفَةِ عليٍّ (ع) ،
و تَذكَّر إذ قالَ اللهُ ربّكَ لِلمَلائِكَةِ إنّي سَأخلُقُ بَشَراً مِن طينٍ هُوَ آدَمٌ و سَأجعَلُ في صُلبِهِ و مِن ذُريِتِهِ مُحمّداً و آلَ محمّدٍ و آلَ محمّدٍ (ص) فإذا سَوّيتُ خَلقَهُ و نَفَختُ فيهِ الرّوحَ مِن روحي فَقَعوا لهُ ساجِدينَ لي شُكراً و حَمداً عليٰ أن جَعلتُهُ أباً لِمُحمّدٍ و آل محمّدٍ (ص) ،
فَسَجَد الملائِكَةُ كلّهم أجمَعونَ إلاّ أنَّ إبليسَ الجِنيّ الّذي كانَ في صَفِّ المَلائِكَة استَكبَرَ عَن السُّجودِ لآدمَ و كانَ مِنَ الكافِرينَ بِوِلايَةِ مُحمّدٍ و آلِهِ ،
قالَ اللهُ يا إبليس ما مَنَعكَ أن تَسجُدَ لآِدمِ الّذي خَلَقْتُهُ بِيَدِ قُدرَتي و عَظَمَتي هَل استَكبَرتَ أم كُنتَ مِن العالينَ عليٰ مُحمّدٍ و آلِهِ (ص) ؟؟؟
أجابَ إبليسُ و هو أوّلُ مَن قاسَ و لا قِياسَ في الدّينِ فقال : أنا خَيرٌ مِن آدَم خَلَقتَني مِن نارٍ و خَلقتَهُ مِن طينٍ فَلَم يَفطِن لِعَظَمَةِ ما في صُلبِهِ مِن أنوارِ مُحمّدٍ و آلِهِ (ص) ،
قالَ اللهُ لإبليس فاخرُج مِن دائِرَةِ رَحمَتي و مِن صَفِّ مَلائِكَتي فإنّكَ مَرجومْ بِعذابي مَطرودٌ مِن رَحمَتي و إنَّ عليكَ لَعنَتي إليٰ يومِ القيامَه ،
قالَ رَبِّ إنّي عَبَدتُكَ سِتّةَ آلافِ سَنَةٍ فأعطِني أجرَها و ثَوابَها فَأنتَ عادِلٌ واجعَل أجرَها إمهالي إليٰ يومِ يُبعَثونَ آدَمُ و ذُرّيَتِه ،
قالَ اللهُ لهُ نَعَم فإنّكَ مِنَ المُنظِرينَ لِسِتّةِ آلافِ سَنَةٍ مُقابِلَ عِباداتِك بِمِقدارِها لا إليٰ يومِ يُبعَثونْ بَل إليٰ يَومِ قيامِ قائِمِ آلِ مُحمّدٍ (ص) فَذلِكَ الوَقتَ المَعلومِ لَهُم ،
فقالَ إبليسُ لَعَنَةُ اللهُ قَسَماً بِعِزَّتِكَ يا إلـٰهي لَاُغوِيَنَّ ذُرِيّةَ آدَمَ أجمعين إلاّ عِبادَكَ المُخلَصين مِنهُم ألمَعصومينَ والمُتّقينَ والمُوالِينَ لِمُحمدٍ و آلِهِ الطّاهرين ،
قالَ اللهُ تعاليٰ فالحَقُّ العَدلُ مِنّي جَزاءً لَكَ و الحَقّ أقولُ و الصِّدق الّذي ليسَ غَيرَهُ لَأملَأنَّ جَهنّمَ مِنكَ و مِمَّن تَبِعَكَ و لَم يَشكُر نِعمَةَ وِلايَةَ محمدٍ و آلِهِ (ص) مِنَ البَشَر أجمعين ،
قُل يا حبيبي لِاُمّتِكَ ما أسألَُكُم عليٰ تَبليغي وَحيَ ربّي مِن أجرٍ مادِيٍّ مِنكُم بَل أسألُكُمُ المَودَّة في قُربايَ أهل بيتي و ما أنا مِنَ المُتَكلِّفينَ لَكُم بِأكثَرَ مِن وِلايَتِهم ،
فَإبلاغُ ما اُنزِلَ إليَّ مِن ربّي بِشَأنِ وِلايَةِ عليٍّ (ع) إليكُم وَ نَصبي لَهُ لِلخِلافَةِ و الوِلايَةِ و الوِصايَةِ إن هُوَ إلاّ ذِكرٌ مِنَ اللهِ للعالَمين إليٰ يومِ الدّين ،
و بِالتأكيدِ سَوفَ تَعلَمونَ نَبَاءَ حُكومَةِ آل مُحمّدٍ (ص) و حَقيقَةَ وِلايَتِهِم بَعدَ حينٍ وَ مُدَّةٍ مِن غَيبَةِ وَلَديَ المَهديّ (ع) عِندَ ظهورِهِ فَتَزدَهِرُ الدُّنيا بِعَدلِهِ ،
نشر في الصفحات 1217-1202 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی