سورة صٰ
2017-02-22
سورة الشُّعراء
2017-02-22

(54)
سورة الأبرار (ع)

( بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ )

بإِسمِ ذاتِيَ الواجِبِ ألمُتَجَلّي في ذواتِ الأبرارِ و بإسمِ رحمانيَّتي الشّامِلَةِ العامَّةِ‌ و رحيميَّتيَ الخاصَّةِ بالأبرارِ اُوحي إليك :

(‌ هَل أتيٰ عليٰ الإنسانِ حينٌ مِنَ الدَّهرِ لَم يَكُن شَيئاً مَذكوراً ؟)

تَفكَّروا هَل أتيٰ عليٰ الإنسانِ فَترَةً مِنَ الزّمانِ المَديدِ و هُو بَعدُ لَم يَكُ إنساناً يُشارُ إليهِ بالبَنان ؟ فالجَوابُ نَعَم حتماً ،

(‌ إنّا خَلَقنا الإنسانَ مِن نُطفَةٍ أمشاجٍ نبتَليهِ فَجَعلناهُ سميعاً بصيراً )

إنّا خَلَقنا الإنسانَ مِن نَسلِ آدَم أبو البَشَر و حوّاء مِن نُطفةٍ مِن مَنيِّ آدَم مُختَلِطٍ بِبُوَيضاتِ حَوّاء فَلَمّا يُولَدُ و يَبلُغُ البُلوغَ نَختَبِرُهُ بالتّكاليفِ و جَعَلناهُ مُختاراً في فِعالِه ،

(‌ إنّا هَديناهُ السبيلَ إمّا شاكِراً و إمّا كَفورا‌ )

و مِن بابِ اللُّطفِ إنّا هَديناهُ بِواسِطَةِ الوَحي و الشَّرعِ والعَقلِ إليٰ وِلايَةِ محمدٍ و آل محمدٍ‌ (ص) طريقَ الهِدايَةِ و السَّعادَةِ في الدّارَيْن فَهُوَ باختِيارِهِ إمّا يكونُ شاكِراً فَيَهتَدي و إمّا كَفوراً فَيَضِلّ ،

( إنّا أعتَدنا لِلكافِرينَ سَلاسِلَ و أغلالاً و سَعيراً )

ثُمَّ إنّا هَيّأنا لِمَن كانَ كَفوراً بِوِلايَتِهم ضالاًّ غَيرَ مُهتَدٍ في الدّنيا جَزاءً يوم القيامَةِ لأِعمالِهِ سَلاسِلَ و أغلالاً يُقيَّدُ بِها و ناراً مُسعَرَةً  في جهنّم ،

( إنَّ الأبرارَ يَشرَبونَ مِن كأسٍ كانَ مِزاجُها كافورا )

بالتأكيدِ إنَّ الأبرارَ الأطهارَ عليّاً و فاطِمَةَ و أولادِهِما المَعصومينَ (ع) يَشرَبونَ يوم القيامَةِ مِن كأسٍ مِن يَدِ مُحمّدٍ (ص) كان مِزاجُ شَرابِها مِن كافورِ الجَنّه ،

( عيناً يَشرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرونَها تَفجيراً )

والكافورُ‌ هي عيناً‌ تَنبُعُ مِن حَضيرَةِ القُدسِ عِندَ‌ العَرشِ في الفِردَوْسِ الأعليٰ أحليٰ مِنَ الشَّهدِ و العَسَل و أطيَب مِنَ المِسكِ و العَنبَر يَشرَبُ مِنها عبادُ‌ اللهِ عليٰ الحَقيقَةِ‌ مُحمّدٌ و آلِهِ (ص) يُفجِّرونَ أنهارَها إليٰ قُصورِهِم تَفجيرا ،

( يُوفُونَ بِالنَّذرِ و يَخافونَ يَوماً كانَ شَرُّهُ مُستَطيرا‌ )

فَعَليٌّ و فاطِمَةٌ و الحَسَنُ و الحُسَينُ (ع) و خادِمَتِهِم فِضَّةٌ حينما يَنذِرونَ لِلّهِ‌ صَوماً ثَلاثَةَ أيّامٍ‌ يُوفُونَ بِنَذرِهِم فَيَصومونَ و يَخافونَ حَنثَ النَّذرِ و جَزاءَهُ يَوماً كانَ شَرُّهُ مُنتَشِراً ،

( ‌و يُطعِمونَ الطَّعامَ عليٰ حُبّهِ مِسكيناً و يَتيماً و أسيراً )

و حينما يُريدونَ أن يَفطُروا عليٰ أقراصِ الشَّعيرِ فَيستَعطيهِمُ المِسكينُ يَوماً و اليَتيمُ يوماً و الأسيرُ اليومَ الثّالِث فيُطعِمونَهُم أقراصَهُم و يفطرونَ عليٰ الماءِ و يَصومون جائِعين ،

( إنّما نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللهِ لا نُريدُ مِنكُم جَزاءً‌ و لا شُكورا )

و يَقولونَ لِلمِسكينِ واليَتيمِ و الأسيرِ إنّما نَحنُ نُطعِمُكُم مِن قُوتِنا مَعَ شِدّة إحتياجِنا إليهِ لِوَجهِ اللهِ فَقَط لا غَيرَه و لا نُريدُ مِنكم جَزاءً و لا نَأمَلُ مِنكُم شُكوراً ،

( إنّا نَخافُ مِن رَبِّنا يَوماً عَبوساً قَمطَريراً )

: إنّا نَخافُ عليٰ شيعَتِنا يومَ القيامَةِ عذابِ ربّنا عليٰ تضييعِ حُقوقِ المَساكينِ و الأيتامِ و الاُسَراءِ يَوماً عَبوساً يُحزِنُهُم قَمطريراً شديداً في حسابِهم ،

( فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلكَ اليَومِ‌ و لَقّاهُم نَضرةً و سُروراً )

فَوَقيٰ اللهَ عَليّاً و فاطِمَةَ وَ‌وُلدِهِما (ع) حُزنَ يَومِ القيامَةِ فَأعطاهُمْ شَفاعَةَ شيعَتِهم وَ وَعَدَهُم بِنَجاتِهِم و لَقّاهُم فَرَحاً‌ و إستِبشاراً و سُروراً بِنَجاةِ الشّيعَةِ‌ غَداً مِن شَرِّهِ ،

(‌ و جَزاهُم بِما صَبَروا جَنَّةً و حَريراً‌‌ )

و جَزيٰ اللهُ آلَ مُحمّدٍ (ص) بِما صَبَروا عليٰ أذيٰ أعدائِهِم و مُخالِفيهِم و المُنافِقينَ و النَّواصِبَ و الخَوارِجَ جَنّةً و حَريراً مِن قماشِها يلبَسونَهُ ،

( مُتّكِئين : فيها عليٰ الأرائِكِ لا يَرَوْنَ فيها شَمساً و لا زَمهريرا )

و عندما يَلبَسونَ الحَريرَ و الدِّيباجَ يَتَّكِئونَ عليٰ أرائِكِ الجَنّةِ مُتَنَزِّهينَ لا يَرَوْنَ فيها حَرارَةَ الشَّمس الرَّمضاء و لا بَردَ الشِّتاءِ القارِص بَل نَسيمَ الرَّبيعَ الدّائِم ،

(‌ ودانِيَةً عليهِم ظِلالُها و ذُلِّلَت قُطُوفُها تَذليلا )

و حالِكَوْنِهم مُتَّكِئينَ عليٰ الأرائِكِ تكونُ أغصانُ الأشجارِ دانِيَةً عليهِم ظِلالُها و اُدلِيَت عليهِم ثِمارُها فيَنالوها بأيديهِم متّكِئين ،

( و يُطافُ عليهِم بِآنِيَةٍ مِن فِضَّةٍ و أكوابٍ‌ كانَت قَواريرا )

و يَطوفُ الحُور والغِلمانُ و المَلائِكةُ بِأمرِ اللهِ عليهِم بِشَرابٍ طَهورٍ‌ في فِضّةٍ بَرّاقَةٍ و أكوابٍ شَفّافَةٍ كانَت قَواريراً كالزُّجاجَه ،

( قَواريرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّروها تَقديرا )

قواريراً شَفّافَةً رقيقةً لمّاعَةً بَرّاقَةً مَصنوعَةَ مِنَ الزُّجاجِ المُفَضَّضِ بالفِضَّةِ الخالِصَه قَدَّروها حَسبَ شِربِ الشّاربين تَقديرا ،

( و يُسقَوْنَ فيها كأساً كانَ‌ مِزاجُها زَنجَبيلا )

و يُسقَوْنَ في القَوارِير كأساً مِنَ الشَّرابِ الطَّهورِ يكونُ مَمزوجاً بِالزَّنجَبيلِ المُصَفّيٰ المُنَشِّعِ المُقَوّي المُفرِح ،

( عيناً فيها تُسمّيٰ سَلسَبيلاً )

و ذلكَ الشَّرابُ يَأتونَ بِهِ مِن مَقعَدِ صِدقٍ عند مَليكٍ مُقتَدِرٍ مِن عَينٍ فيها تُسمّيٰ في المَلَاءِ الأعليٰ سَلسَبيلاً لِشِدَّة عُذوبَتِها و حَلاوَتِها ،

(‌ و يطوفُ عليهِم وِلدانٌ مُخَلّدونَ إذا رَأيْتَهُم حَسِبتَهُم لُؤلُؤاً مَنثوراً )

و يَطوفُ عليٰ آلِ مُحمّدٍ (ص) و شيعَتِهِمُ المُخلِصينَ وِلدانٌ مَردٌ مُخلَّدونَ في الجَنّةِ إذا رَأيْتَهُم يا مُحمّدُ (ص) حَسِِبتَهُم لُؤلُؤاً مِن بَياضِهِم و تَشابُهِهِم مُنتَشِرين ،

( و إذا رَأيْتَ نَعيماً و مُلكاً كَبيرا )

و إذا نَظَرتَ يا مُحمَّد (ص) و جَدَّدتَ النَظَر لِتَريٰ ما أعَدَّ اللهُ لِأهلِ بَيْتِكَ (ع) في الجَنّةِ لَرَأيتَ نَعيماً لهُم فيها و مُلكاً كبيراً فَهُم مُلوكُ الجِنانِ و سَلاطينُها ،

(‌ عالِيَهُم ثِيابُ سُندُسٍ خُضرٌ و إستَبرَقٌ )

تَعلُو أبدانَهُم الطّاهِرَة ثِيابُ سُندُسِ الدّيباجِ الأخضَرِ الخالِصِ الشَّفّاف و الدّيباجُ البَرّاقِ اللَّمّاعُ مِنَ‌ الحَريرِ النّاعِم ،

(‌ و حُلُّوا أساوِرَ مِن فِضَّةٍ )

و تُلبِسُهُمُ الحورُ العِينُ الحُلي المَصوغَةِ في الجَنّةِ و تُلبِسُهُم أسوِرَةً في أيديهِم مِن فِضَّةٍ خالِصَةً ،

(‌ و سَقاهُم رَبُّهم شَراباً طَهوراً )

و إذا رَأيتَ يا مُحمّد (ص) ثَمَّ رَأيتَ الشّيعَةَ تَراهُم قَد سَقاهُم رَبُّهم بِيَدِ‌ عليِّ ابنِ أبي طالبٍ (ع) شَراباً طَهوراً مِن كَوْثَر والسَّلسَبيل ،

(‌ إنَّ هذا كانَ لكُم جَزاءً و كانَ سَعيُكُم مَشكورا )

و يُقال لهُم حينَ السِّقايَةِ إشرَبوا هنيئاً مَريئاً إنَّ هذا كانَ لكُم جَزاءً لِمُوالاتِكُم آلَ مُحمّدٍ و كانَ سعيُكُم في الدّنيا بالمُوالاةِ مَشكوراً‌ ،

(‌ إنّا نَحنُ نَزّلنا عليكَ القُرآنَ تَنزيلاً )

فبالتأكيدِ يا حبيبي إنّا نَحنُ نَزّلنا عليكَ القُرآنَ بِشأنِ وِلايَةِ عليٍّ (ع) و فَضائِلِ أهل بَيتِكَ (ع) تَنزيلاً‌ في مُناسِباتِها ،

(‌ فاصبِر لِحُكمِ رَبِّكَ و لا تُطِع مِنهُم آثِماً أو كَفوراً )

فاصبِر يا حبيبي مُبَلِّغاً لِحُكمِ رَبِّكَ بوُجوبِ مُبايَعَةِ عليٍّ (ع) عليٰ الخِلافَةِ و لا تُطِع مِن المُنافِقين آثِماً بِتركِ وِلايَةِ عليٍّ (ع) أو كَفوراً بِعداءِهِ يَأمُرُكَ بِنَصبِ غَيرِهِ ،

(‌ واذكُر اسمَ رَبِّكَ بُكرَهً و أصيلاً )

واذكُر اسمَ رَبِّكَ في الأذانِ واقرَنِ الشَّهادَتَيْنِ بالشَّهادَةِ الثّالِثَةِ لِعَليٍّ بِالوِلايَةِ فَجراً صَباحاً و ظُهراً‌ و مَساءً غروباً

( و مِنَ الّليل فاسجُد لَهُ و سَبِّحهُ ليلاً طويلاً )

والثُّلث الأخيرِ مِنَ اللّيل فاسجُد لِلّهِ نافِلَةَ الَّليل مَعَ الشَّفعِ و الوَتر وَ سبِّحِ اللهَ طِوالَ الّليلِ حتّيٰ الصَّباحِ شُكراً‌ عليٰ نَصبِ عَليٍّ لِلوِلايَه ،

(‌ إنّ هؤلاء يُحبّونَ العاجِلَةَ و يَذَرونَ وَراءَهُم يَوماً ثَقيلاً )

إنَّ هؤلاءِ المُنافقينَ يُحِبّونَ الرِّئاسَةَ العاجِلَةَ في الدّنيا فَيغتَصِبونَ الخِلافَةَ مِن عليٍّ (ع) و يَدعَونَ وَراءَهُم يَوماً ثَقيلاً في الحِسابِ و الجَزاءِ يَحمِلونَ أوزارَها ،

( نَحنُ خَلقناهُم و شَدَدنا أسرَهُم و إذا شِئنا بَدَّلنا أمثالَهُم تَبديلا )

نَحنُ خَلَقنا هؤلاءِ الجَبّارينَ الطُّغاة و قَوّيناهُم فَيَجِب أن يُطيعونا لا أن يَعصونا و إذا شِئنا لَبَدّلنا مَكانَهُم مَن هُم أمثالَهُم بِالجَبرِ تَبديلاً ،

( إنَّ هذهِ تَذكِرَةٌ فَمَن شآءَ اتَّخَذَ إليٰ رَبِّهِ سَبيلا )

إنَّ هذهِ السّورَة تَذكِرَةٌ لِلمُسلِمينَ بِفَضائِلِ أهل البَيْتِ (ع) و مَقامِهِم عِندَ اللهِ فَمَن شآءَ الفَوزَ اتَّخَذ إليٰ رَبِّهِ بِوِلايَتِهِم سَبيلاً ،

( و ما تَشآؤنَ إلاّ أن يَشآءَ اللهُ إنَّ اللهَ كانَ عليماً حكيماً )

و ما تَشآؤنَ الفَوْزَ بِوِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) إلاّ أن يَشآءَ اللهُ لَكُم ذلِكَ إنَّ اللهَ كانَ عليماً بِمَن يَليقُ بالنّورِ حكيماً بالمَصالِح ،

( ‌يُدخِلُ مَن يشآءُ في رَحمَتِهِ )

فَبِعِلمِهِ و حِكمَتِهِ تَعاليٰ يُدخِلُ مَن يشآءُ مِن عِبادِهِ في رَحمَتِهِ وَ وِلايَةِ محمدٍ و آلِهِ (ص) و مَشيئَتُهُ نافِذَةٌ ،

( و الظّالِمينَ أعَدَّ لَهُم عَذاباً أليماً )

والظّالِمينَ لِآلِ مُحمّدٍ (ص) و شيعَتِهِم لا يُدخِلُهُم اللهُ في رَحمَتِهِ بَل أعَدَّلهُم عَذاباً‌ أليماً يومَ القيامَةِ في طَبَقاتِ الجَحيم .

( صَدَقَ اللهُ العليُّ العظيم )


نشر في الصفحات 1224-1218 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *