(54)
سورة الأبرار (ع)
بإِسمِ ذاتِيَ الواجِبِ ألمُتَجَلّي في ذواتِ الأبرارِ و بإسمِ رحمانيَّتي الشّامِلَةِ العامَّةِ و رحيميَّتيَ الخاصَّةِ بالأبرارِ اُوحي إليك :
تَفكَّروا هَل أتيٰ عليٰ الإنسانِ فَترَةً مِنَ الزّمانِ المَديدِ و هُو بَعدُ لَم يَكُ إنساناً يُشارُ إليهِ بالبَنان ؟ فالجَوابُ نَعَم حتماً ،
إنّا خَلَقنا الإنسانَ مِن نَسلِ آدَم أبو البَشَر و حوّاء مِن نُطفةٍ مِن مَنيِّ آدَم مُختَلِطٍ بِبُوَيضاتِ حَوّاء فَلَمّا يُولَدُ و يَبلُغُ البُلوغَ نَختَبِرُهُ بالتّكاليفِ و جَعَلناهُ مُختاراً في فِعالِه ،
و مِن بابِ اللُّطفِ إنّا هَديناهُ بِواسِطَةِ الوَحي و الشَّرعِ والعَقلِ إليٰ وِلايَةِ محمدٍ و آل محمدٍ (ص) طريقَ الهِدايَةِ و السَّعادَةِ في الدّارَيْن فَهُوَ باختِيارِهِ إمّا يكونُ شاكِراً فَيَهتَدي و إمّا كَفوراً فَيَضِلّ ،
ثُمَّ إنّا هَيّأنا لِمَن كانَ كَفوراً بِوِلايَتِهم ضالاًّ غَيرَ مُهتَدٍ في الدّنيا جَزاءً يوم القيامَةِ لأِعمالِهِ سَلاسِلَ و أغلالاً يُقيَّدُ بِها و ناراً مُسعَرَةً في جهنّم ،
بالتأكيدِ إنَّ الأبرارَ الأطهارَ عليّاً و فاطِمَةَ و أولادِهِما المَعصومينَ (ع) يَشرَبونَ يوم القيامَةِ مِن كأسٍ مِن يَدِ مُحمّدٍ (ص) كان مِزاجُ شَرابِها مِن كافورِ الجَنّه ،
والكافورُ هي عيناً تَنبُعُ مِن حَضيرَةِ القُدسِ عِندَ العَرشِ في الفِردَوْسِ الأعليٰ أحليٰ مِنَ الشَّهدِ و العَسَل و أطيَب مِنَ المِسكِ و العَنبَر يَشرَبُ مِنها عبادُ اللهِ عليٰ الحَقيقَةِ مُحمّدٌ و آلِهِ (ص) يُفجِّرونَ أنهارَها إليٰ قُصورِهِم تَفجيرا ،
فَعَليٌّ و فاطِمَةٌ و الحَسَنُ و الحُسَينُ (ع) و خادِمَتِهِم فِضَّةٌ حينما يَنذِرونَ لِلّهِ صَوماً ثَلاثَةَ أيّامٍ يُوفُونَ بِنَذرِهِم فَيَصومونَ و يَخافونَ حَنثَ النَّذرِ و جَزاءَهُ يَوماً كانَ شَرُّهُ مُنتَشِراً ،
و حينما يُريدونَ أن يَفطُروا عليٰ أقراصِ الشَّعيرِ فَيستَعطيهِمُ المِسكينُ يَوماً و اليَتيمُ يوماً و الأسيرُ اليومَ الثّالِث فيُطعِمونَهُم أقراصَهُم و يفطرونَ عليٰ الماءِ و يَصومون جائِعين ،
و يَقولونَ لِلمِسكينِ واليَتيمِ و الأسيرِ إنّما نَحنُ نُطعِمُكُم مِن قُوتِنا مَعَ شِدّة إحتياجِنا إليهِ لِوَجهِ اللهِ فَقَط لا غَيرَه و لا نُريدُ مِنكم جَزاءً و لا نَأمَلُ مِنكُم شُكوراً ،
: إنّا نَخافُ عليٰ شيعَتِنا يومَ القيامَةِ عذابِ ربّنا عليٰ تضييعِ حُقوقِ المَساكينِ و الأيتامِ و الاُسَراءِ يَوماً عَبوساً يُحزِنُهُم قَمطريراً شديداً في حسابِهم ،
فَوَقيٰ اللهَ عَليّاً و فاطِمَةَ وَوُلدِهِما (ع) حُزنَ يَومِ القيامَةِ فَأعطاهُمْ شَفاعَةَ شيعَتِهم وَ وَعَدَهُم بِنَجاتِهِم و لَقّاهُم فَرَحاً و إستِبشاراً و سُروراً بِنَجاةِ الشّيعَةِ غَداً مِن شَرِّهِ ،
و جَزيٰ اللهُ آلَ مُحمّدٍ (ص) بِما صَبَروا عليٰ أذيٰ أعدائِهِم و مُخالِفيهِم و المُنافِقينَ و النَّواصِبَ و الخَوارِجَ جَنّةً و حَريراً مِن قماشِها يلبَسونَهُ ،
و عندما يَلبَسونَ الحَريرَ و الدِّيباجَ يَتَّكِئونَ عليٰ أرائِكِ الجَنّةِ مُتَنَزِّهينَ لا يَرَوْنَ فيها حَرارَةَ الشَّمس الرَّمضاء و لا بَردَ الشِّتاءِ القارِص بَل نَسيمَ الرَّبيعَ الدّائِم ،
و حالِكَوْنِهم مُتَّكِئينَ عليٰ الأرائِكِ تكونُ أغصانُ الأشجارِ دانِيَةً عليهِم ظِلالُها و اُدلِيَت عليهِم ثِمارُها فيَنالوها بأيديهِم متّكِئين ،
و يَطوفُ الحُور والغِلمانُ و المَلائِكةُ بِأمرِ اللهِ عليهِم بِشَرابٍ طَهورٍ في فِضّةٍ بَرّاقَةٍ و أكوابٍ شَفّافَةٍ كانَت قَواريراً كالزُّجاجَه ،
قواريراً شَفّافَةً رقيقةً لمّاعَةً بَرّاقَةً مَصنوعَةَ مِنَ الزُّجاجِ المُفَضَّضِ بالفِضَّةِ الخالِصَه قَدَّروها حَسبَ شِربِ الشّاربين تَقديرا ،
و يُسقَوْنَ في القَوارِير كأساً مِنَ الشَّرابِ الطَّهورِ يكونُ مَمزوجاً بِالزَّنجَبيلِ المُصَفّيٰ المُنَشِّعِ المُقَوّي المُفرِح ،
و ذلكَ الشَّرابُ يَأتونَ بِهِ مِن مَقعَدِ صِدقٍ عند مَليكٍ مُقتَدِرٍ مِن عَينٍ فيها تُسمّيٰ في المَلَاءِ الأعليٰ سَلسَبيلاً لِشِدَّة عُذوبَتِها و حَلاوَتِها ،
و يَطوفُ عليٰ آلِ مُحمّدٍ (ص) و شيعَتِهِمُ المُخلِصينَ وِلدانٌ مَردٌ مُخلَّدونَ في الجَنّةِ إذا رَأيْتَهُم يا مُحمّدُ (ص) حَسِِبتَهُم لُؤلُؤاً مِن بَياضِهِم و تَشابُهِهِم مُنتَشِرين ،
و إذا نَظَرتَ يا مُحمَّد (ص) و جَدَّدتَ النَظَر لِتَريٰ ما أعَدَّ اللهُ لِأهلِ بَيْتِكَ (ع) في الجَنّةِ لَرَأيتَ نَعيماً لهُم فيها و مُلكاً كبيراً فَهُم مُلوكُ الجِنانِ و سَلاطينُها ،
تَعلُو أبدانَهُم الطّاهِرَة ثِيابُ سُندُسِ الدّيباجِ الأخضَرِ الخالِصِ الشَّفّاف و الدّيباجُ البَرّاقِ اللَّمّاعُ مِنَ الحَريرِ النّاعِم ،
و تُلبِسُهُمُ الحورُ العِينُ الحُلي المَصوغَةِ في الجَنّةِ و تُلبِسُهُم أسوِرَةً في أيديهِم مِن فِضَّةٍ خالِصَةً ،
و إذا رَأيتَ يا مُحمّد (ص) ثَمَّ رَأيتَ الشّيعَةَ تَراهُم قَد سَقاهُم رَبُّهم بِيَدِ عليِّ ابنِ أبي طالبٍ (ع) شَراباً طَهوراً مِن كَوْثَر والسَّلسَبيل ،
و يُقال لهُم حينَ السِّقايَةِ إشرَبوا هنيئاً مَريئاً إنَّ هذا كانَ لكُم جَزاءً لِمُوالاتِكُم آلَ مُحمّدٍ و كانَ سعيُكُم في الدّنيا بالمُوالاةِ مَشكوراً ،
فبالتأكيدِ يا حبيبي إنّا نَحنُ نَزّلنا عليكَ القُرآنَ بِشأنِ وِلايَةِ عليٍّ (ع) و فَضائِلِ أهل بَيتِكَ (ع) تَنزيلاً في مُناسِباتِها ،
فاصبِر يا حبيبي مُبَلِّغاً لِحُكمِ رَبِّكَ بوُجوبِ مُبايَعَةِ عليٍّ (ع) عليٰ الخِلافَةِ و لا تُطِع مِن المُنافِقين آثِماً بِتركِ وِلايَةِ عليٍّ (ع) أو كَفوراً بِعداءِهِ يَأمُرُكَ بِنَصبِ غَيرِهِ ،
واذكُر اسمَ رَبِّكَ في الأذانِ واقرَنِ الشَّهادَتَيْنِ بالشَّهادَةِ الثّالِثَةِ لِعَليٍّ بِالوِلايَةِ فَجراً صَباحاً و ظُهراً و مَساءً غروباً
والثُّلث الأخيرِ مِنَ اللّيل فاسجُد لِلّهِ نافِلَةَ الَّليل مَعَ الشَّفعِ و الوَتر وَ سبِّحِ اللهَ طِوالَ الّليلِ حتّيٰ الصَّباحِ شُكراً عليٰ نَصبِ عَليٍّ لِلوِلايَه ،
إنَّ هؤلاءِ المُنافقينَ يُحِبّونَ الرِّئاسَةَ العاجِلَةَ في الدّنيا فَيغتَصِبونَ الخِلافَةَ مِن عليٍّ (ع) و يَدعَونَ وَراءَهُم يَوماً ثَقيلاً في الحِسابِ و الجَزاءِ يَحمِلونَ أوزارَها ،
نَحنُ خَلَقنا هؤلاءِ الجَبّارينَ الطُّغاة و قَوّيناهُم فَيَجِب أن يُطيعونا لا أن يَعصونا و إذا شِئنا لَبَدّلنا مَكانَهُم مَن هُم أمثالَهُم بِالجَبرِ تَبديلاً ،
إنَّ هذهِ السّورَة تَذكِرَةٌ لِلمُسلِمينَ بِفَضائِلِ أهل البَيْتِ (ع) و مَقامِهِم عِندَ اللهِ فَمَن شآءَ الفَوزَ اتَّخَذ إليٰ رَبِّهِ بِوِلايَتِهِم سَبيلاً ،
و ما تَشآؤنَ الفَوْزَ بِوِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) إلاّ أن يَشآءَ اللهُ لَكُم ذلِكَ إنَّ اللهَ كانَ عليماً بِمَن يَليقُ بالنّورِ حكيماً بالمَصالِح ،
فَبِعِلمِهِ و حِكمَتِهِ تَعاليٰ يُدخِلُ مَن يشآءُ مِن عِبادِهِ في رَحمَتِهِ وَ وِلايَةِ محمدٍ و آلِهِ (ص) و مَشيئَتُهُ نافِذَةٌ ،
والظّالِمينَ لِآلِ مُحمّدٍ (ص) و شيعَتِهِم لا يُدخِلُهُم اللهُ في رَحمَتِهِ بَل أعَدَّلهُم عَذاباً أليماً يومَ القيامَةِ في طَبَقاتِ الجَحيم .
نشر في الصفحات 1224-1218 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی