(52)
سورة أَبّا = عَبَس
بإِسمِ ذاتِيَ القُدسيِّ الإلـٰهيِّ الرُّبوبيِّ الفَردِ الأحَدِ الوِترِ و بإسمِ رحمانيَّتي وَ رَحيميّتي أبدَأُ الوحيَ إليكَ :
عَبَسَ أبوجَهلِ بن هُشامٍ شيخ الاُمَويّينَ و تَوَلّيٰ و أعرَضَ بِوَجهِهِ حينما جآءَ رسولَ اللهِ (ص) الرَّجُلُ الأعميٰ إبن اُمّ مكتومٍ يَسمَعُ منهُ القرآن ،
وَ ما يُدريكَ أيّها العابِسُ العَبوسُ لعَلّ إبنَ اُمِّ مكتومٍ الأعميٰ مِن سِماعِ القرآنِ يَتَزكّيٰ أو يَتَذكَّر كَلامَ اللهِ فَتَنفَعُهُ الذِّكريٰ فَيَخشَع ،
أمّا أبوجَهلٍ و أبوسفيان وَ مَن مِثلَهُما مِمَّن استَغنيٰ بالثَّرَواتِ و الأموالِ فَيَجِبُ عليكَ أن تَتَصَدّيٰ لَهُ و تَرُدَّ علَيهِ وَ لا تَهتَمَّ بِمُلاطِفَتِهِ لِيَتَزَكّيٰ فَما عليكَ أن لا يَتَزَكّيٰ ،
و أمّا مَن جاءَكَ يَسعيٰ إليكَ مُسرِعاً و هو يَخشيٰ مِن أبي جَهلٍ و حِزبِه بَني اُمَيَّه و يَخافهُم فَيَجِبُ عليكَ أن تَتَلَهّيٰ عنهُ و تَستَخِفَّ بِهِم كي يَهدَأ رَوْعَهُ و لا يَخافهُم ،
كلاّ لا تَخشَوْا أعداءَ آلِ محمّدٍ (ص) فإنّ الآياتِ النّازِلَةِ بِشأنِ وِلايَتِهِم تَذكِرَةٌ لِلنّاسِ تَذَكِّرُهُم أمرَ اللهِ بطاعَتِهِم فَمَن شاءَ ذَكَرَ أمرَ الله ،
فآياتُ وِلايَةِ آل محمّدٍ (ص) هي في صُحُفٍ سماويَّةٍ مُكَرَّمَةٍ مَرفوعَةِ القَدرِ المَنزِلَةِ عِندَ اللهِ و الأنبياءِ و المَلائِكَةِ و مُطَهَّرةٍ لم يَمسّها إلاّ المُطَهَّرون ،
نَزَلَت بِأيدي سُفراءِ اللهِ إليٰ رَسولِهِ كجبرئيلَ و ميكائِيلَ و مَن مَعَهُما مِنَ المَلائِكَةِ الكِرامِ المُقرَّبينَ البَرَرةِ الاُمَناءِ علي الوَحي ،
قاتَلَ اللهُ الإنسانَ المُعادي لآِل محمّدٍ (ص) ألمُنكِرُ لِوِلايَتِهم فما أكفَرَهُ باللهِ و بالحَقِّ و العَدلِ فالنّاصِيُّ أكفَرُ مِن جميعِ الكُفّار ،
و كيف يكفُر الإنسانُ مَعَ أنَّ اللهَ هُوَ خَلَقَهُ و لولاهُ لَم يُخلَق ثُمَّ فَلينظُر مِن أيِّ شييءٍ خَلَقَهُ ؟ مِن نُطفَةِ مَنيٍّ خَلَقَهُ فَقَدَّرهُ إنساناً ثُمَّ يَسَّرلَهُ سبيلَ الخروجِ مِنَ الرَّحِم ،
ثُمَّ إنّ اللهَ كما خَلَقَ الإنسانَ و مَنحَهُ الحياةَ هو الّذي أماتَهُ و دَفَنهُ و مَحاهُ مِنَ الوُجودِ ثُمَّ إنَّ اللهَ هو الذي حينما يشآءُ يُنشِرُهُ يوم القيامَه ،
و مَعَ ذلك كلِّهِ لَم يَمتَثِل الإنسانُ الكافِرُ ما أمَرَهُ اللهُ مِن وِلايَةِ محمّدٍ و آل محمّدٍ (ص) و لَم يُطعِهُم و لَم يَتَشَيَّع لهُم و لم يُسَلِّمهُمُ الخِلافَةَ ،
فَليَنظُرِ الإنسانُ نَظَر تَفَكُّرٍ و تَدَبُّرٍ إليٰ طَعامِهِ الرّوحيّ و الفِكريّ و العَقيديّ و طعامِهِ الجِسميّ و لِيَختارَ السَّليمَ و يَدَعَ السَّقيم ،
و لِيَعلَمِ الإنسانُ أنّا بِفَضلِنا صَبَبْنا الماءَ مِنَ السّماءِ عليهِ صَبّاً ثُمَّ شَقَقنا الأرضَ بالزَّرعِ شَقّاً فأنبَتنا فيها حُبوباً يأكلَها والعِنَبَ و الرُّطَب ،
و أنبَتنا فيها زيتوناً و نَخيلاً و تموراً و حدائِقَ و بساتينَ كثيرةَ الأشجارِ و الأزهارِ و الثِّمارِ و فاكِهَةً و مَرتَعاً لَم يَعرِفُهُ أبوبَكرٌ و أعلَنَ جَهلَهُ بِهِ ،
و لَم يَفهَمِ الخَليفَةُ الجاهِلُ مَعنيٰ الأَبّا فَإنّ اللهَ عَقَّبَ ذلك بِقولِهِ مَتاعاً لكُم هِيَ الحَبُّ والزّيتونُ و الفواكِهُ و لأِنعامِكُم هِيَ الأبّ فما أجهَلَهُ بالقرآن .
فحينما تَجييءُ صَيْحَة القِيامَةِ الّتي تَصُخُّ آذانَ المُنافِقين فيَومَئِذٍ يَفِرُّ المَرءُ المُنافِقُ عَدوُّ آل مُحمّدٍ (ص) مِن أخيهِ و.اُِمّهِ و أبيهِ و صاحِبَتِهِ و بَنيهِ يُنادي و انفَساهُ ،
لِكُلِّ فَردٍ مِنَ المُنافِقينَ يوم القيامَةِ شأنٌ لِوَحدِهِ يُشغِلُهُ عَن غَيرِهِ يُفَكِّرُ في نَجاةِ نَفسِهِ مِنَ العَذابِ و هَيْهات ،
وُجوهٌ لِشيعَةِ آل محمّدٍ يوم القيامَة ويوم الصّاخَّةِ مُبتَشَّةٌ مُضيئَةٌ بِنورِ الوِلايَةِ واثِقَةٌ بِشَفاعَةِ أهل البيت (ع)
و يومَئِذٍ تَكونُ وجوهُ شيعة أهل البَيْت مِنَ الفَرَحِ والسُّرورِ بالفَوز و الفَلاحِ مُبتَسِمَةٌ ضاحِكةٌ يُبَشِّرُ بعضُهُم البَعْضَ بالجَنّةِ ،
وَ وُجوهٌ يوم القيامَةِ لِلمُنافِقينَ مُخالِفي أهل البَيْتِ (ع) يكونُ عَليها غُبارٌ مِنَ الذُّلِّ و العارِ و الخِزيِ تَغشاها الظُلمَةُ والسَّوادُ والبُؤس ،
أولئِك أصحابُ الشِّمالِ و أصحابُ النّارِ و العَذابِ المُسوَدَّةِ وُجوهُهُم هُمُ الذين كانوا في الدّنيا نَواصِبَ كَفَرةً و أعداءً لآِلِ مُحمّدٍ (ص) و فَجَرَةً بالفُجور .
نشر في الصفحات 1201-1198 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی