(69)
سورة النَّبَأ
بِإسمِ ذاتِيَ القُدّوسُ المُتَعالُ ذي الجَلالِ العَليّ الأعليٰ و بإسم رحمانِيَّتي الواسِعَةِ و رَحيميَّتيَ الخاصَّةِ بِعِبادِيَ المُؤمنين اُوحي إليك :
نَسألُ تَعظيماً عَن ماذا و أيّ شييءٍ يَتَساءَلونَ أصحابك يا رسولَ الله عَن الوِلايَةِ و الخِلافَةِ مِن بَعدِكَ جَعلتها لِعليٍّ وَ وُلدِهِ (ع) و ذلكَ هُوَ النَّبَاءُ العظيمُ لِنُبُوَّتِك ،
و يَتَساءَلونَ حَوْلَ ذلكَ وَ هُم مُختَلِفونَ فيهِ بَيْنَ مَن يقولُ إنّها خاصّةٌ لِعليٍّ (ع) بِنَصٍّ منَ اللهِ و مِنهُم مَن يَقولُ هَيْهات لَن يَنالَها ، كَلاّ ليسَ الأمرُ كَما يَقولونَ فإنّهُم سَوفَ يعلَمونَ أنَّ الوِلايَةَ مُنحَصِرَةٌ في عليٍّ (ع) ثُمَّ كَلاّ لا يَعلَمون حِكمَة ذلك ،
فَحِكمَتُنا إقتَضَت نَصبَ عليٍّ لِلوِلايَةِ ألَم نَجعَلِ الأرضَ لكُم كالمَهدِ بِحِكمَتِنا ؟ ألَم نَجعَلِ الجِبالَ أوتاداً لِلأرض تُثبِتُها بِحِكمَتِنا ؟
ألَم تَعرِفونَ حِكمَتَنا حيثُ خلَقناكُم أزواجاً لِتَتَناسَلوا و لو لا ذلكَ لا نقَطَعَ نَسلكُم و جَعَلنا لكُم نَومَكُم إستِراحَةً لأِجسادِكُم ؟
و بِحِكمَتِنا نَفسَها جَعَلنا لكُم اللّيْلَ كَلِباسٍ يَستُرُكُم بِظلامِهِ و بِحِكمَتِنا جَعَلنا النّهارَ لَكُم مَجالاً لِلعَيْشِ و المَعاش ،
و بِحِكمَتِنا ذاتِها بَنَيْنا فَوْقَ أرضِكُم سَبعَ سَماواتٍ مَشدودَةٍ بالجاذِبِيّات و جَعَلنا فيها الشّموسَ كَسِراجٍ وَقّادٍ ،
و بِحكمَتِنا أيضاً أنزَلنا مِنَ السُّحبِ المُعصِراتِ قَطَراتِ المَطَر مآءً مُتراكِماً مُتَدَفِّقاً لِنُخرِجَ بهِ الزَّرعَ حُبوباً و نَباتات فَواكِهَ و خُضرَواتٍ و بَساتينَ مُلتَفَّة ،
فَبَعدَ أن عَلِمتُم أنَّ حِكمَتِنا نافِذَةٌ في جَميعِ الأشياءِ فاعلَموا أنّها تُوجِبُ المَعادَ والحِسابَ والجَزاءَ فلِذلكَ إنَّ يومَ الفَصلِ بَيْنَ أهلِ الحَقّ و أهلِ الباطِل و أهلِ الجَنَّةِ و النّارِ لا بُدَّ و أنَّهُ سيكونُ مُوقَّتاً مُحَدّداً حَتماً .
و يومَ الفَصلِ سَيَنفُخُ إسرافيلُ في البوقِ نَفخَةَ بَعثٍ لكُم فَتَأتونَ مِن قُبورِكُم جَماعاتٍ جَماعاتٍ لِلحِسابِ و يَفتَحُ اللهُ أقطارَ السَّماءِ لِلمَلائِكَةِ فَتكونُ كالأبواب ،
و يَومَئِذٍ يأمُرُ اللهُ بِأن تَسيرَ الجِبالُ عَن أماكِنِها فَتُزالَ و تُنقَلَ إليٰ قَعرِ البِحارِ فَتكونُ أماكِنُها سُطوحاً سرابِيَّةً كالصَّحراء ،
و يَومَئِذٍ بالقَطعِ و اليَقينِ الحَتميِّ فَإنّ جَهَنّمَ تكونُ مُراقِبَة مُتَرَصِّدَةً لأِهلِها و تكونُ لِلطّاغين عليٰ آلِ مُحمّدٍ (ص) وَ شيعَتِهم مَرجعاً و مآباً ،
و سَيكونونَ لابِثينَ فيها قُروناً مِنَ الزَّمانِ لا يَذوقونَ فيها نَسيماً بارِداً و لا يَذوقونَ إلاّ حَميماً يفورُ و صديداً غَسّاقاً سيّالاً ،
فيُجازَوْنَ جَزاءً عادِلاً مُوافِقاً لِعَمَلِهِم في الدُّنيا إذ أنّهم كانوا لا يَخشونَ حِساباً و عِقاباً و قَد كذّبوا بآياتِنا النّازِلَةِ بِشأنِ آل مُحمّدٍ (ص) تَكذيباً
و كُلّ شَييءٍ فَعَلوهُ مِنَ الظُّلمِ و النِّفاقِ و الجَوْرِ أحصَيْناهُ و أثبَتناهُ في صَحيفةِ أعمالِهِم فَنَقولُ لَهُم ذُوقوا نَتيجَةَ أعمالِكُم فَأبَداً لَيْ نَزيدكُم أجراً إلاّ عَذاباً فوقَ عَذابٍ ،
وَ عليٰ عَكسِ أولئِكَ المُخالِفون لِآل مُحمّدٍ (ص) إنَّ لِلمُتَّقينَ المُوالينَ لِآلِ مُحمّدٍ (ص) و شيعَتِهم المُؤمِنينَ مَوقِفَ الفَوْزِ والنَّجاحِ و مَقامَ النُّجحِ وَ الفَلاح ،
فَلِلمُتّقينَ المُوالِينَ لِمُحمّدٍ و آلِهِ (ص) الطّاهِرين حَدائِقَ و أعناباً في الجِنان مُختَلِفَةَ الطَّعمِ والعِطر و حُوراً كواعِبَ تَكعَّبتَ ثَديُهُنَّ الواحِدَةُ تِرب الاُخريٰ و لهُم كأساً مَملوءاً مِنَ الشَّراب ،
لا يسمَعونَ شيعَةُ آل محمّدٍ في الجَنَّةِ مَدحاً لأِعداءِهِم ، أو هَجواً لَهُم و لا تَكذيباً لِحَقِّ آلِ مُحمّدٍ (ص) جَزاءً لهُم منَ اللهِ لأِعمالِهم وَ وِلائِهم و عَطآءً تَفَضُّلاً حتّيٰ يَقولوا حَسبُنا ،
كُلّ ذلكَ بِعَدلِ اللهِ و حِكمَتِهِ و هو رَبّ السماواتِ و الأرضِ و ما بَينَهُما مِنَ الخَلائِقِ فهُوَ المَوليٰ المُتَرَحِّمُ عليها كُلّها ألمُدَبِّرُ المُتَصَرِّفُ فيها كيفَما يَشآء و لا يَملِكونَ النّاس فيما أرادَ و شآءَ كَنَصبِ عليٍّ (ع) لِلوِلايَةِ حَقَّ الكَلامِ وَ الخِطابِ و الجِدالِ فَهُوَ الوَليُّ المُطلَقُ عليها ،
كذلكَ يومُ المعادِ يَومٌ يقومُ جبرئيل الرّوحُ الأمينُ و المَلائِكَةُ صفّاً بَيْنَ يَدَي مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) لا يَتَكلّمونَ إلاّ مَن أذِنَ لهُ اللهُ الرَّحمانُ بالكلامِ و قال كَلاماً صَواباً فَصَلّيٰ عليٰ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) ،
ذلكَ اليومُ هُوَ يومُ الحَقِّ و العَدلِ فلا مَجالَ فيهِ لِلباطِلِ فَمَن شآءَ النَّجاةَ فيهِ واتَّخَذَ في الدُّنيا إليٰ رَبِّهِ مَآباً يُنجيهِ و هُوَ عليٌّ (ع) فَهُوَ مَعَ الحَقّ والحَقُّ مَعَ عليٍّ (ع) ،
إنّا أنذَرناكُم يا أعداءَ آلِ مُحمّدٍ عذاباً قريباً وُقوعُهُ في يَومٍ يَنظُرُ الإنسانُ ما قَدَّمَت يَداهُ مِن عَمَلٍ مُحضَراً و مُسجَّلاً ،
وَ يَومَئِذٍ سَيَقولُ الكافِرُ بِوِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) وَ بِوِلايَةِ عليٍّ حينَما يَريٰ العَذابَ يالَيْتَني كُنتُ تُراباً تَحتَ أقدامِ أبي تُرابٍ عليّ بن أبيطالِبٍ فَأنجُو مِنَ العَذابِ ، و هَيْهاتَ هَيْهات .
نشر في الصفحات 1408-1404 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی