(68)
سورة ألمَعارِج
بإِسمِ ذاتِيَ الجَبّار القَهّار المُنتَقِم قاصِمُ الجَبّارين و مُبيرُ الظّالِمين المُستَجمِعِ لِجَميعِ صِفاتِ الجَلالِ و الجَبروتِ و بإسمِ رحمانيَّتي و رحيميّتي اُوحي إليك :
سَألَ الحارِثُ بن النُّعمانِ الفِهريّ ، و هو سائِلٌ مُنافِقٌ يومَ غَدير خُمٍّ مِنكَ يا مُحمّد (ص) بَعدَ أن بَلَّغتَ ما اُنزِلَ إليكَ في عليٍّ (ع) وَ نَصَبتَهُ لِلوِلايَةِ و الخِلافَةِ و أخَذتَ البَيْعَة لَهُ ،
و طَلِبَ نُزولَ العَذابِ قائِلاً : أللّهُمّ إن كانَ هذا هُوَ الحَقُّ مِن عِندِكَ فَأمطِر علَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائتِنا بِعَذابٍ أليمٍ وَ قَد وَقَعَ ذلِكَ فَضَرَبَهُ اللهِ بِحِجارَةٍ في رَأسِهِ فَخَرَجَت مِن دُبُرهِ فَهَلك .
و هذا العَذابُ مِنَ اللهِ مُعَدٌّ لِلكافِرينَ بِوِلايَةِ عليّ بن أبيطالبٍ (ع) ليسَ لَهُ دافِعٌ يَدفَعُهُ عَنهُم كما لَم يُدفَع عَنِ الحارثِ المَلعون ،
و هذا العذابُ هُوَ مِنَ اللهِ صاحِبُ المَعارِج الّتي صَنَعها رَسولُ اللهِ مِن جهازِ الإبِل في غَديرِ خُمٍّ ثُمَّ رَقيٰ عليها و رَفَعَ عليّاً (ع) حتّيٰ بانَ بَياضُ إبطَيهِما و أمَّرَهُ بالوِلايَة و الخلافَة ،
تَصعَدُ إليٰ عَرشِ قُدرَةِ اللهِ و عَظَمَتِهِ و جَبَروتِهِ جميعُ المَلائِكةُ و جَبرئيلُ الرّوحُ الأمينُ يوم القيامَة الّتي تكونُ مِقدارُ زَمانها كَخَمسينَ ألفَ سَنَةٍ مِن سِنِّيِ الدُّنيا ،
فاصبِر يا رسولَ اللهِ عليٰ نِفاقِ المُنافِقينَ النّاكِثينَ لِبَيْعَةِ عليٍّ (ع) يومَ الغَديرِ و أتباعِهِم صَبراً جَميلاً بِحِلمٍ و مُداراةٍ و حُسنِ عِشرَةٍ سِيّما مَعَ زَوجاتِكَ المُنافِقات ،
إنَّ المُنافِقينَ يَرَوْنَ المَعادَ و الحِسابَ و الجَزاءَ مُحالاً و بَعيداً وُقوعَهُ لِعَدَمِ إيمانِهم لكنّنا نَراهُ قَريباً وُقوعُهُ لِقِصَرِ عُمْرِ الدُّنيا ،
و علامَة يوم القيامةِ أن تكونُ كواكِبُ السَّماءِ ذائِبَةً كالفِضَّة المُذابَةِ و تكونُ الجِبالُ فيها كالقُطنِ المَنفوشِ ،
و يَومَئِذٍ عند ما يُحشَرُ المُنافِقونَ لِلحساب تَراهُم لا يَسألُ حَميمٌ و صَديقٌ و حَبيبٌ عن حالِ حَميمٍ و حبيبٍ و لو كان إماماً لَهُ و خَليفةً ، !!!
مع أنّهُم يَبصُرُ بعضُهم بعضاً و لكن لا يَهتَمُّ إلاّ بِنَفسِهِ و يَستَغيثُ وانفَساهُ و يتَمنّيٰ المُجرِمُ المُخالِفُ لِعَليٍّ و آل مُحمّدٍ (ص) لو تُقبَل مِنهُ فِديَةٌ عن نَفسِهِ لِيَنجو من عذاب يومئذٍ فيَجعل بَنيهِ فِداءًً لِنَفسِهِ ،
و يتَمنّيٰ لو يَفتَدِي بِصاحِبَتِهِ و زَوجَتِهِ و أخيهِ و عَشيرَتِهِ الّتي تَضُمُّهُ و يَفتَدي بِمَن في الأرضِ جميعاً مِن بَشَرٍٍ و أموالٍ ثُمَّ يُنجيهِ الإفتِداءُ من العذاب ،
فيقول لهُم قَسيمُ النّارِو الجَنّةِ عليٌّ (ع) : كَلاّ لا افتِداءَ و لا نَجاةَ لكُم بَل إنّها النّارُ الّتي تَتَلَظّيٰ و تَلتَهِبُ تَنزعُ بِلَطاها جُلودَكُم المَشوِيَّةَ تَلتَهِمُ مَن أدبَرَ و تَوَلّيٰ عَن وِلايَةِ عليٍّ (ع) ،
و تَدعوا النّارُ كُلّ مَن أدبَرَ و تَوَلّيٰ عَن وِلايَةِ عليٍّ (ع) و جَمَعَ الأموالَ و نَهَبَها و سَلَبَها فَادَّخَرَها في وِعآءٍ و لَم يُؤدِّ حَقَّ آل مُحمّدٍ (ص) و ذُرّيتَهُم منها ،
بالتأكيدِ إنَّ الإنسانَ خَلَقَ اللهُ فيهِ الغَرائِزَ الحيوانِيَّةَ فَهُوَ شَديدُ الهَلَعِ والجَزَعِ حينما يَمسُّهُ الشَّرُّو الفَقرُ و هو بخيلٌ حريصٌ إذا مَسَّهُ الخَيرُ و الثَّراء فهو مَنوعٌ عن إنفاقِهِ ،
إلاّ النّاس المُؤمنين المُصلّين كما صَلّيٰ رسول الله و أهل بَيتهِ (ع) مِن غَيرِ بِدعَةٍ و هُمُ الّذين عليٰ صَلاتِهِم دائِمونَ مُحافِظونَ عليٰ أوقاتِها و شرائِطِها ،
و هُمُ الّذين في أموالِهِم حَقٌّ مِنَ الخُمسِ و الزَّكاةِ و الصَّدَقاتِ يَدفعونَهُ لِلسّائِلِ المُستَحِقّ لَهُ و المَحرومُ مِن حَقِّهِ حَرَّموهُ الخُلَفاءُ الظَّلَمَةُ و وُلاةُ الجَور ،
و هُمُ الّذين يُصَدِّقونَ إيماناً بِقُلوبِهِم و إقراراً بِألسِنَتِهم بِيَومِ الحسابِ و الجَزاءِ و يَومِ المَعادِو النُّشور ،
و هُمُ الّذين صِفَتُهُم أنّهُم مع إيمانِهِم وَ وِلائِهِم لآِلِ مُحمّدٍ (ص) مِن عذابِ رَبِّهم خائِفونَ وَجِلونَ لِما صَدَرَ مِنْهُم مِنَ الشَّهَواتِ إنّ عذابَ اللهِ غيرُ مأمونٍ نُزولهُ إلاّ لِلمعصومين عليهم السّلام فَقَط .
و هُمُ الّذينَ صِفَتُهُم أنّهُم لِفُروجِهِم عن الزِّنا و اللِّواطِ والسَّحقِ و الوَطي حافِظونَ ساتِرونَ صائِبون ،
إلاّ أنّهم ليسوا لِفُروجِهم حافِظون عليٰ أزواجِهم أو ما مَلَكَت أيْمانُهم من الجَواري و الإماءِ فإنّهُم غيرُ مَلومينَ عندَ اللهِ في الحَلال ،
فَمَن ابتَغيٰ مِنَ النّاسِ وَراءَ ذلكَ الحَلال شيئاً مِنَ الحَرامِ المُحَرّم فَأولئِكَ هُمُ المُعتَدونَ المُتجاوِزونَ عليٰ الشَّرع ،
و هُمُ الّذين صِفَتُهُم أنّهم لإماناتِهِم المَودوعَةِ عندَهُم ماديَّةً و مَعنويَّةً حافِظون مُؤدّونَ و لِعَهدِهِم الّذي عاهَدوهُ بَيْنَهُم مُراعون ،
و هُمُ الذين أنّهُم بِشهاداتِهِم الحِسِّيَّة كما هِيَ قائِمونَ يُؤَدّونَها مِن دونِ زِيادَةٍ أو نُقصانٍ أو تَزويرٍ أو تَحريفٍ ،
و هُمُ الّذين عليٰ صلاتِهمُ الواجِبَةِ بِأنواعِها و أوقاتِها و شَرائِطِها و أركانِها و أجزاءِها و مُقَدِّماتها و مُقارِناتِها كما هِيَ شَرعاً يُحافِظونَ و لا يَبتَدِعونَ فيها بِبِدْعَةٍ ،
فَأولئِكَ المُؤمنونَ المُوالُونَ لِمُحمدٍ و آل محمدٍ (ص) أَلّذين تِلكَ أوصافهم يوم القيامَةِ في جَنّاتٍ مُكرَمونَ تَخدِمُهُم المَلائِكَةُ و الحُورُِ الغِلمان ،
نَسألُ إستِنكاراً فَما بالُ الّذين كفَروا بِوِلايَةِ عليٍّ مِن قِبالكَ مُسرِعينَ بِالفَرارِ إليٰ اليَمينِ و إليٰ الشِّمالِ مُتَفَرِّقينَ مَذاهِبَ عنِ الإسلامِ و الوِلايه ؟
فَهَل يَطمَعُ كُلُّ فَردٍ مِن هؤلاءِ المُتَفرِّقينَ عَن وِلايَةِ عليٍّ (ع) أن يُدخَلَ جَنّةَ نعيمٍ يوم القيامَةِ فَهَيْهاتَ هَيْهات فَلَن يَدخُلَها ،
كَلاّ لا يَطمَعوا بالجَنَّةِ بِدونِ وِلايَةِ عليٍّ (ع) إذ بِدونِها فلا قيمَةَ لِشأنِهِم فإنّا خَلَقناهُم مِن نُطفَةِ مَنيٍّ نَجسٍ كما يعلَمونَ فَليَخسَؤا ،
فلا اُقسِمُ تَعظيماً و إجلالاً و إكباراً لِذاتي ، خالِقُ المَشارِقِ في الكواكِبِ و المَغارِبِ بِقُدرَتي أنا ، إنّا و مُحمدٌ و آلُ محمدٍ (ع) قادِرونَ عليٰ أن نُبَدِّلَ مكانَهُم خَيْراً مِنهُم و ما نَحنُ بِمَسبوقينَ عَجزاً ،
فَدَعَهُم يا رسولَ الله يَخوضوا في عِداءِ عليٍّ (ع) و يَلعَبوا بالخِلافَةِ حتّيٰ يُلاقوا يومَهُمُ الّذي يُوعَدونَ فيهِ العذاب بِسَيفِ المَهديّ (ع) ،
وَ يومَ قيامِ القائِمِ المَهديّ (ع) فَأعداءُ عليٍّ والزَّهراء (ع) هُم يَخرُجونَ بِأجسادِهِم مِن قُبورِهِم بِسُرعَةٍ كأنَّهُم إليٰ أعمِدَةٍ لِلصَّلبِ عليها يُجَرّونَ بِسُرعَةٍ ،
ففي ذلِكَ اليَوم حينَما يَصلُبُهُم مَهديُّ آل مُحمّدٍ (ص) تَكونُ أعيُنُهُم الّتي زَلَقوا بِها مُحمّداً و آلَه (ص) ذَليلَةٌ تغشاهُمُ الخِزيُ وَ العارُ واللَّعنَةُ ،
فَذلكَ اليومُ يَوم قيامِ القائِمِ المَهديّ (ع) هُو يَومُ الإنتِقامِ مِن أعداءِ آلِ مُحَمّدٍ (ص) وَالحِزب الاُمَويّ وَخُلَفاءِ الجَوْرِ وَ هُوَ اليومُ الّذي كانوا يُوعَدون بِهِ عليٰ لِسانِ النَّبيّ وَأهلِ بَيْتِهِ (ع) ،
نشر في الصفحات 1403-1397 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی