(87)
سورة الكَهف
بِإسمِ ذاتِيَ القُدسیّ الرُّبوبیّ المـُستَجمِعِ لِجَميعِ صِفاتِ الکَمالِ و الجَمالِ و العَظَمَةِ وَ الجَلالِ و بإسِمِ رحمانيَّتیَ الواسِعَةِ و رحيميَّتیَ الخاصَّةِ ، أبَداءُ الوَحیَ إليک :
ألحَمدُ و الثَّناءُ و التَّنزيهُ و التَّقديسُ خاصٌّ لِلّهِ تَعالیٰ ألّذی بِلُطفِهِ و عِنايَتِهِ و فَضلِهِ و عَدلِهِ أنزَلَ علی عَبدِهِ الحَقيقیِّ الکامِل محمدٍ (ص) ألکِتابَ النّاسِخ لِلکُتُبِ ألقُرآنَ و لَم يَجعَل لِلقُرآنِ إعوِجاجاً عَنِ الحَقِّ و لا فی اللَّفظِ و لا فی المـَعنیٰ ،
و جَعَلَهُ قَيِّماً ذي قِيمَةٍ راقِيَةٍ عالِيَةٍ لَفظاً و مَعنیٰ لِيُنذِرَ بهِ النّاسَ عذاباً شديداً إن لَم يُوالُوا مُحمّداً و آلِهِ (ص) و يُبَشِّرَ المـُومِنينَ بوِلايَتِهِم ألّذينَ يعملون الصالحات أنّ لهم أجراً حَسناً غَداً هو النّعيمُ ماکثين فيه إلیٰ الأبَد يخلدون ،
و أنزَلَ القُرآنَ لِيُنذِرَ الّذين قالوا : اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً کعُزيزٍ و عيسیٰ مالهُم بهِ من علمٍ حِسیٍّ أو بُرهانٍ بل يَتَخَرّصون و لا لِآباءِهِم عِلمٌ کَبُرَت کلمةًٌ الشِّرکِ تَخرُجُ من أفواهِهم فهی من الآثامِ الکبيرة و إن يقولون إلّا کَذِباً باطِلاً فليسَ لِلّهِ وَلَدٌ،
فلعلَّکَ يا حبيبی يا محمّد (ص) مُهلِکٌ نَفسَکَ غَمّاً و حُزناً علیٰ آثارِ تِفاقِهم الّذی أظهَروهُ و عداءِهِم لِعَلیٍّ و الزَّهراءِ (ع) بِأن لَم يُومِنوا بهذا القرآن حَسرَةً و حُزناً و أسیٰ ” ؟ فَلا داعِیَ لذلِکَ ،
فلا تأسَف يا حبيبی و لا تَغتَمَّ و لا تَحزَن إذ إنّا جَعلنا ما علیٰ الأرضِ مِن أهل بَيْتِک المعَصومين زينَةً للأرضِ لِنَختَبِرهُم أيُّهم أحَسنُ عَمَلاً أهلُ البَيْتِ أو غيرِهِم؟ و إنّا لَجاعِلونُ ما علیٰ الأرضِ إن لَم يُوالوهُم بَطحاءَ قاحِلَه،
نَستَفهِمُ تَقريراً هَل حَسِبتَ يا محمّد إنَّ قِصَّة أصحابِ الکَهفِ بِوادي رَقيمِ فِلسطين کانوا من آياتِنا و مَعاجِزنا لِأهل بَيْتِکَ أعجَب ؟؟کتَکلُّمِ رأسِ الحُسَين (ع) علیٰ القَناةِ کلّا بَل هذا أعْجَبْ ،
فاقصُص لهُم إذأ أویٰ الفِتيَةُ المُوُمِنون الشُّجعانُ إلیٰ الکَهفِ جيرَمٍ مُختَفينَ مِن طاغوتِ زمانِهِم فقالوا ربَّنا آتِنا مِن لَدُنکَ رَحمَةً تُنجينا بِها مِنهُ و هَيّیء لَنا مِن أمرِنا مَعَ الطّاغوتِ إرشاداً کَيْفَ نُعاديه ،
فَلَمّا نامُوا فی الکَهفِ ضَرَبنا علیٰ آذانِهِم بِأجنِحَةِ المَلائِکَةِ لِکَی يَدومَ نَومَهُم سِنينَ عَديدَةٍ بل قُرونٍ ثُمَّ بَعثناهُم مِن نَوْمِهِم و أيْقَضاهُم لِکَی نُثبِت يقيناً بأنَّ أیّ الحِزبَيْنِ ألمُؤمِنينُ أمِ الکُفّارُ أضبَطُ إحصاءً لِلأمَدِ و الزَّمانِ الّذی لَبثوا فيهِ نائِمين؟؟
نَحنُ نَقُصّ عليکَ يا مُحمّد (ص) نَبَاءَ أصحابِ الکَهفِ کما هُوَ مِن دونِ زِيادَةٍ و نَقيصَةٍ إنّهُم شَبابٌ مُؤمِنون شُجعان آمُنوا بِرَبّهِم فی زمانِهِم و زِدناهُم هِدايَةً حينما جآءَ هُم علیٌّ (ع) و مَن مَعَهُ علیٰ بِساطِ الرّيحِ فَسَلَّموا عليهِ و عليکَ و آمَنوا بِوِلايَتِکُم و سيکونونَ مِن أنصارِ المَهدیّ (ع)،
وَ رَبَطنا جَأشَهُم و قَويّنا قُلوبَهُم و شَجَّعناهُم حيثُ نَهَضوا بِوَجهِ دَقيانوس المـَلِک فَقالوا لَستَ رَبَّنا بَل رَبُّنا رَبُّ السّماواتِ و الأرضِ و خالِقُهُنَّ ، أبَداً لَن نَدعُوا مِن دونِهِ إلـٰهاً وَ إن فَعَلنا إذاً لَقَد قُلنا باطِلاً و زُوراً ،
و تَحّدثوا بَيْنَهُم قائِلين هاؤلاءِ قومُنا اتَّخَذوا مِن دونِ اللّهِ المُلوکَ وَ دَقيانوسَ آلِهَةً فهَلّا يأتونَ عليهِم بِبُرهانٍ واضحٍ علیٰ اُلوهِيَّتِهِم فَمَن هو أظَلمُ مِمَّن افتَریٰ اللّهِ کَذِباً هکذا،
و قالَ بعضُمُ لِبَعضٍ إذا اعتَزلتُم قومَکُم و ما يَعبُدونَ مِن دونِ اللّهِ فالجَئوا إلیٰ الکهفِ و اختَفُوا فيهِ مِن سَطوَتِهم يَبسَط لکُمُ اللهُ مِن رَحمَتِهِ الرّزقَ و يُهيِّیء لکُم مِن أمِرکُم ما يَستَوْجِبُ لَکُمُ الرِّفقَ بِحالِکُم بَدَلاً عن قَتلِکُم،
و إذا نَظَرتَ إليهِم تَریٰ الشَّمسَ عِندَ طُلوعِها و شُروقِها تَميلُ عَن کَهفِهِم نَحوَ اليَمينِ و إذا غَرَبت تَعبُرُهُم نَحَو اليَسارِ و هُم فی ساحَةٍ و سيعَةٍ فی الکَهفِ نائِمين ،
ذلِکَ الحالُ هُوَ مِن آياتِ قُدرَةِ اللّهِ مَن يَهديهِ اللّهُ لِلإيمانِ و التَّقویٰ فَهُوَ المهُتدي حَقّاً و مَن يَترُکهُ فی ضَلالَتِهِ فَلَن تَجِدَ لهُ وَلِيّاً يَهديهِ و يُرشِدُهُ مِن دونِه،
و إذا نَظَرتَ إليهِم تَحسَبُهُم يَقِظينَ مُنتَبِهينَ و هُم نائِمونَ وَ نَقَلِّبُهُم بِواسِطَةِ المَلائِکَةِ کُلّ سَنَةٍ مَرّةً علیٰ الجَنبِ الأيْمَنِ و الجَنبِ الأيْسَر و کلبُهُم باسِطٌ يَدَيْهِ عِندَ مُدخُلِ الکَهفِ لو اطَّلَعتْ عليهِم أيُّها النّاظِر بِتِلکَ الحالَةِ لولَّيْتَ مُعرِضاً عنهُم فِراراً و لامَتلَاءَ قلبُکَ مِنهُم رُعباً ،
و کما أنَمناهُم بَعثناهُم مِن نَوْمِهِم يَقظِينَ لِيَتساءَلوا بَيْنَهُم عَن مُدَّةِ نَومِهم قال قائِلٌ مِنهُم کَم لَبِثتُم نائِمينَ هُنا ؟ قالوا لَبِثنا يَوماً أو بَعضَ يومٍ و نِصفَه ،
ثُمّ قالوا إنَّ اللّهَ ربّکُم هو أعلَمُ بِمِقدارِ ما لَبِثتُم نائِمينَ فابعَثوا أحَدَکُم بِوَرِقِ نَقدِکُم الفِضّيِّ إلیٰ المَدينَةِ فليَنظُر أیّ الطّعامِ أطهَرْ و أحَلُّ فَليَأتِکُم بِقُوتٍ مِنهُ وَلْيَتَلَطَّف فی کلامِهِ و تَعامُلِهِ لِکَي لا يُشعِرَنَّ بِکُم أحَداً مِن جَماعَة المَلِکِ فَتُعَرفونْ،
إنّهم إن يُلقوا القَبضَ عليکُم و يَتَغَلّبوا عليکُم فيَأسِرونَکُم و يَرجُموکُم بالحِجارَةِ حتّیٰ تموتُوا أو يُعيدوکُم فی مِلّتِهم بالجَبرِ و الإکراهِ فتَدخُلوا فيما هُم فيهِ مِن عُبوديّةِ المَلِکِ و إن حَصَلَ ذلکَ فَلَن تُفلِحوا إذاً أبداً،
و کما أيقَظناهُم مِن نَومِهِم فَأرسَلوا أحَدهُم لِيَشتري طَعاماً کذلِکَ أعثَرنا عليهِمُ النّاسَ فَعَثَروا علیٰ أنَّهُم مِن أهلِ زَمانِ دَقيانوس بِدِلالَةِ سِکّة عُملَتِهِم لِيَعلَموا أنَّ وَعَد اللهِ بالرَّجعَةِ حَقٌّ و لِيَعلَموا أنَّ ساعَةَ القيامَةِ لا شَکَّ فيها،
فَبَعدَ العُثورِ عليهِم إذِ النّاسُ يَتَنازَعونَ بَينَهُم حَوْلَ أمرِهِم فقالوا ابنُوا علیٰ بابِ کَهفِهِم بُنياناً لِيَرقُدوا فيهِ إلیٰ الأبَد و رَبّهُم أعلَمُ بهِم کيفَ يَفعَلُ بِهِم يُميتُهُم أو يُبقيهِم و قالَ رِجالُ الحُکومَةِ و السُّلطان لَنَتَّخِذَنَّ عليهِم مَسجِداً نَبنيهِ لِلعِبادَه،
سَيقولونَ بعض القَساوِسَةُ الأحبارُ إنّهُم کانوا ثَلاثَةُ فِتيَةٍ رابِعُهُم کلبُهُم و يَقولونَ آخَرون إنَّهُم خَمسةٌ سادِسُهُم کلبُهُم قَذفاً بالقَوْلِ مِن دونِ حِسٍّ و مُشاهِدَةٍ بل بالغَيْب و يقولونَ سَبعةٌ و ثامِنُهُم کلبُهُم کذلک،
قُل لَهُم يا رسولَ اللهِ إنَّ ربّي هُوَ أعلَمُ مِنكُم بِعِدَّتِهِم و هُوَ عَلَّمني بِه فَعَلَّمتُ عَليّاً بِذلِكَ فما يعلَمُهُم إلاّ عَددٌ قليلٌ و هُم أهلَُ بَيْتي فَقَط فَلا تُجادِل أيُّها السّائِل في عَدَدِهِم إلاّ جَدَلاً خَفيفاً و ولا تَسأل عَنهُم مِنَ الأحبارِ أحَداً ،
و لا تَقولَنّ أيُّها المُسلِمُ لِشَيیءً إنّی فاعِلٌ ذلِکَ الشّيیءَ غَداً إلاَّ أن تَقولَ إن شآءَ اللّه فلَو لا مَشيئَتُهُ لَما فَعَلتُهُ و اذکُر رَبَّکَ حينَما تَنسیٰ و قُل عَسیٰ أن يَهدِيَني رَبّي إلیٰ صَلاحٍ و رُشدٍ أقرَبُ مِن هذا الّذی اُريُد فِعلَهُ،
و قُل يا حبيبي إنَّ اللهَ أعلَمُ مِنكُم بِما لَبِثوا في الكَهفِ مِن شَييءٍ وَ عَلَّمَني بِهِ و اُعَلِّمُكُم بِهِ فَلَبِثوا ثَلاثَةَ قُرونٍ و تِسعَةَ أيّامٍ فَلِلّهِ خَبَرُ غَيبُ السّماواتِ و الأرضِ و أبصِر باللّهِ و أسمِع باللّهِ يا رسولَ اللّه أنتَ و أهلُ بَيْتِک مَعَک ما لِلنّاسِ من وَلیٍّ حقيقیٍّ دونَهُ و لا يُشرِکُ الله فی وِلايَتِهِ و لا فی حُکمِهِ أحَداً منهُم مَعکُم ،
و اتلُ يا حبيبی عليهِم ما اُوحيَ إليکَ من القرآنِ کتاب اللّهِ لا مُبَدِّلَ لِکَلِماتِهِ المُنزَلَةِ بِشَأن آل محمدٍ (ص) و لَن تَجِد أبَداً مِن دونِ اللّهِ مُلتَجاءً تَلجَاءُ إليهِ مِن شَرّ المُنافقين،
و حينَما يلومَکَ المُنافِقونَ علیٰ مُجالِسَةِ سلمان و أبی ذَر و المَقداد و عمّار و بَلال فَصَبِّر نَفسَکَ و تَحمَّلَ الَّلوْم وابقِ مَعَ الّذين يَدعونَ رَبَّهُم بالنَّهارِ والَّليْل لِيَنصُر عليّاً (ع) و لا تَرفَع نَظَرَکَ عنهُم تُريدُ بِذلِکَ رِضا المُنافِقين أبو زَوجَةِ عُثمان و رَبعِهِ و إسمِهِ عُيَينَةَ الفَرازیّ لِيُقَدّموا الزَّکوات ،
وَ لا تُطِع عُيَيْنَةَ و عُثمانَ و مَن أغفَلنا قَلبَهُ عَن وِلايَة علیٍّ (ع) بَعدَ أن أضمَرَ لَهُ العِداء واتَّبَعَ هَواهُ النَّفسِيَّةَ الشيطانِيَّةَ و أبغَضَ عَليّاً (ع) و حِزبَهُ المُؤمِنينَ و کانَ أمرُهُ لَکَ بِإبعادِهِم تَمادِياً فی الغَیّ ،
و قُل لهُم يا حبيبی إنَّ وِلايَةَ علیٍّ (ع) هو الحَقُّ الّذی جآءَ مِن رَبِّکُم و أمَرنی بِإبلاغِهِ فَمَن شآءَ أن يُطيعَهُ فَليُوْمِن بِوِلايَةِ علیٍّ (ع) و مَن شآءَ أن يَعصِيَهُ فليَکفُر بِوِلايَةِ علیٍّ (ع) أنّا أعدَدنا لِلظّالِمينَ المُناوِئينَ لِعَلیٍّ ناراً يُحيطُ بِهِم کَسُرادِقِ الفُسطاطِ مِن کُلِّ جانِبٍ ،
و حينَما يَستَغيثوا صارِخينَ مِن ألَمِها يُغاثونَ بِيَدِ خَزَنَةِ النّارِ بِسائِلٍ کالفِلِزِّ المُذابِ يَشوي وجوهَهُم مِن حَرارَتِهِ و هو بِئسَ الشّرابُ لهُم و هِیَ أسوَءُ رفقٍ بِهِم ،
و بالتأکيدِ إنَّ الّذينَ آمَنوا بِوِلايَةِ محمدٍ و آل محمدٍ (ص) و عَمِلوا الصّالِحاتِ مُتَمَسِّکيُن بِوِلايَتِهِم إنّا سَوْفَ لا نُضيعُ أجرَ مَن أحَسنَ منهُم عَملاً ،
أولئِکَ المُوالونَ لِآلِ مُحمّدٍ (ص) لهُم يومَ القيامَةِ جَنّاتُ عَدنٍ يَسکُنونَها إلیٰ الأبَد تَجري مِن تَحتِ قُصورهِمُ الأنهارُ المُتَنَوِّعَه يُحلَّوْنُ فيها حُلِيّاً مِن أساوِرَ مِن ذَهَبٍ فی أيديهم ،
و يَلبَسونَ فيها ثِياباً خُضراً مِن ديباجِها و إستَبرَقِها و سُندُسِها مُتَّکِئِينَ فيها علیٰ الاراءِکِ المَصفوفَةِ مُتَقابِلين نِعمَ الثّواب ثَوابُهُم و حَسُنَت المُداراةُ و الرِّفقُ بِهِم ،
واضرِبِ لِاُمَتِّک يا حبيبی مَثَلاً عَن حالِ شيعَةِ علیٍّ (ع) و حالِ المُنافِقين قِصَّةَ رجُلَيْن کان لَهُما بُستانَيْن مِن أعنابٍ و أحَطناها بِنَخلِ التُّمورِ و جَعَلنا بَيْنَهُما زرعاً مِنَ الحُبوبِ و الخُضرَوات ،
وكِلتا البُستانَيْنِ آتَت ثِمارَها و لَم تُنقِص مِنَ الثِّمارِ و النّاتِجِ شيئاً و شَقَقنا عَن وَسَطِهِما نَهراً يَستَقي مِنُه و الّذی کانَ لَهُ ثَمَرٌ زائِدٌ فقالَ لِصاحِبِهِ المُؤمِن و هُوَ يُفاخِرُهُ أنا أکثَرُ مِنکَ مالاً و أعَزُّ عَشيرَةً ،
و دَخَلَ بُستانَهُ و هو ظالِمٌ لِنَفسِهِ بالعُجبِ و الغُرور و الطُّغيان قالَ حينَما دَخَلَ البُستانَ ما أظُنُّ أن تَفنیٰ هذِهِ الأشجارُ أبَداً و ما أظُنُّ السّاعَةَ الآخِرَةَ تَقومُ أبَداً و لو قامَت و رُدِدتُ إلیٰ رَبّی کما يَقولونَ لَأجِدَنَّ خَيراً مِنها هُناکُ ،
قالَ لهُ صاحِبُهُ المُؤمِن و هوَ يَعِظُهُ هَل کَفَرتَ باللّهِ الّذی خَلَقَکَ مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ قَذِرَةٍ ثُمَّ سوّاکَ رَجُلاً بَعدَ وِلادَتِکَ طِفلاً؟ تَبّاً لَکَ يا کافِر لکِنّنی آمَنتُ و اللهُ هو رَبّی و لا اُشرِکُ بِهِ أحَداً فی الرُّبوبِيَّةِ ،
وَ هَلَّا حينما دَخَلتَ بُستانَکَ قُلتَ ما شآءَ اللهُ لا قُوّةَ إلّا باللّهِ فَبِمَشيئَتِهِ و قُوَّتِهِ کَثُر تَمُرها وَ إن رَأيْتَ أنا أقَلُّ مِنکَ مالاً و وَلداً فَبِمَشيئَتِهِ و حِکمَتِهِ إيضاً فَعَسیٰ ربّی أن يُعطيني خَيراً أفضَلَ مِن بُستانِکَ و هُوَ الإيمان ،
و عَسیٰ رَبّي أن يَسلُب مِنکَ النِّعمَةَ لِکُفرِکَ و يُرسِل علیٰ جَنَّتِکَ صَواعِقَ يُحرِقُها فَتُصبِحَ أرضاً مَلساءَ قاحِلَةً أو يُصبِحَ نَهرها جافّاً يابِساً فيَغورُ ماؤها فی الأرض فلَن تَستطَيعَ حينَئذٍ لِلماءِ طَلَباً فَيَموتُ البُستانُ عَطَشاً ،
و اُحيطَ بِثَمَرِ الکافِرِ بالصّاعِقَةِ فَأتلَفَتهُ فأصبَحَ يُقَلِّبُ کَفّيهِ أسَفاً و حُزناً علیٰ ما أنفَقَ عليها لِکَي تَزدَهِر و تُثمِر وَ أسَفاً و نَدَماً علیٰ ما أعلَنَ مِن طُغيانِهِ و الجَنَّةُ مُتَساقِطَةٌ أعنابها علیٰ الأرضِ و يَقولُ يا لَيْتَنی لَم أشرِک بِرَبّی غيرَهُ أحداً ،
و لکِن هَيْهاتَ و لَمّا يَنفَعُ النَّدَم و لَم تَکُن لَهُ جَماعَةٌ يَنصُرونَهُ مِن دونِ اللّه وَ ما کانَ مُنتَصِراً مِن عَذابِ اللهِ فکذلِکَ مَصيرُ المُنافِقينَ المُناوِئينَ لِآل مُحمّدٍ (ص) سَيکونُ ،
هُنالِکَ عندَ نَزولِ العَذابِ علیٰ المُنافِقين تَکونُ الوِلايَةُ لِلّهِ و لِمُحمّدٍ وَ آلِ مُحمّدٍ (ص) هِیَ الحَقُّ القَطعیُّ اليَقينیُّ الثّابِت و سِواها باطِلٌ واللهُ هو خيرٌ ثواباً لِلمُوالين لهُم فهُم خيرٌ عاقِبَةً مِنَ المُنافِقين،
وَاضرِب لاُِمّتک يا حبيبي مَثَلاً علی انتِعاشِ المُنافقينَ بالحياةِ الدنيا فَهُو کماءٍ أنزلناهُ من السماءِ فاختَلَط بهِ نَباةُ الأرض فأصبح بعد يَنْعِهِ هشيماً يابساً و تَنشُرُه الرّياح هنا و هناک و کان الله علیٰ کلِّ شيیءٍ أرادَهُ مقتدراً ،
ألمالُ و الثَّروَة و البَنون و الأولاد هی زينَةُ الحياةِ الدنيا فقط و لا تدومُ بَل تفنیٰ وَ تَزول ولکنّ الباقياتُ الصالحاتُ من الأعمال و الخيراتِ هِيَ أفضَلُ عند اللّه من زينَةِ الدّنيا ثَواباً و أجراً و أفضَلُ ما يأمَلُه الإنسانُ غَداً ،
و عقيبَ زينة الحياةِ الدّنيا يوم القيامَةِ و الحِسابْ حَيثُ نُسَيِّرُ الجبالَ من أماکنها لِساحَةِ المَحشَر و تریٰ الأرضَ يومئذٍ ظاهِرَةٌ لِلمَرأیٰ و حَشَرناهُم فلَم نُغادِر و نَترُک مِنهُم أحداً ،
و يُعَرضون علیٰ محکمة الله صفّاً طويلاً فيُقال لهم لقد جئتُمونا فُرادیٰ عُزَّل کما خلقناکم أوّلَ مَرّةٍ فی رَحِمِ أمّهاتِکُم و کنتم لا تُصَدِّقونَ البَعثَ بَل زَعمتُم زَعماً باطِلاً ألَّن نَجعَلَ لکُم مَعاداً أبَداً ،
وَ وُضِعَ کتابُ الأعمالِ بَين يَدَي ميزان الأعمال علیّ بن أبيطالبٍ (ع) قَسيمُ الجَنَّةِ و النّار فَتَریٰ المُجرمين المُناوئين لِعلیٍّ (ع) مُشفِقينَ وَجِلينَ ممّا فيه مُسَجَّلٌ مِن أعمالِهِم و يَقولونَ ألوَيلُ لَنا ما بالُ هذا الکتاب لا يَدَعُ صَغيرَةً و لا کبيرَةً من أعمالِنا إلاّ أحصاها علَينا ،
فعندئذٍ يَجدِونَ ما عملوا من ظُلمٍ و جَوْرٍ و فِسقٍ و فُجورٍ و ذَنبٍ و إثمٍ حاضِراً مُجَسّماً لا يُمکِنُهُم إنکارُهُ فيُجازون عليهِ بالعَدلِ و الإستحقاقِ و لا يَظلِمُ ربّکَ أحَداً هُناک ،
وَ ذَکِّرهُم إذ قلنا للملائکةِ اسجُدوا لِآدمَ حيثُ أودَعنا صُلبَهُ أنوارَ مُحمّدٍ (ص) و آلِهِ الأربَعَةَ عَشَر (ع) فَسَجدوا جميعاً لِأنوارِهِم عَدیٰ إبليسُ کانَ من الجِنّ فی صَفِّ الملائکةِ فَخَرَجَ عن طاعَةِ أمرِ الله ،
فَقُل لهم مُوَبِّخاً هل تَتَّخِذونَ إبليسَ و ذُرّيتَهُ مِنَ البَشَر وَ هُم الطّواغيتُ وَ خُلَفاء الجَورِ أولياءَ مِن دوني ؟ وَ هُم لَکُم عَدوٌ فيا سآءَ لِلظالمين أولياءَ بَدَلاً عَنِ اللّه ،
فَأولئِکَ الطّواغيتُ ذُرّيَة إبليسَ حيثُ شارَکَ فی إنعِقادِ نُطفَتِهِم لَيسوا کمُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) فما أشهَدتُهُم خَلقَ السّماواتِ و الأرضِ و لا خَلقَ أنفُسِهِم کما أشهَدتُ محمّداً و آلَ مُحمّدٍ (ص) و هُم کانوا أنوراً بالعَرشِ مُحدِقينَ و ما کُنتُ أنا أتَّخِذ المُضِلّينَ خُلَفاءَ و أولياءَ يَعضُدونَ الّدين ،
وَ حَذِّرهُم يوم يقولُ اللّهُ لِأتباعِ خُلَفاءِ الجَوْرِ فی المَحشَر نادُوا شُرَکائِیَ الخُلَفاءَ الّذينَ زَعمتُم أنّهم أوليائي فَيَدعُوهُم لِلشَّفاعَةِ فَلَم يَستَجيبُوا لهُم بِها وَ يَجعَلُ اللّهُ بينَهُم إباقاً و عِناداً و عِداءً ،
وَ يومئذٍ يریٰ المُجرمون المناوئون لعلیٍّ (ع) نار جهنّم فيعلَمون أنّهم حَتماً سيَقَعون فيها و لَم يَجِدوا عنها لَهُم صارفاً لِحِرمانِهِم مِن شَفاعَةِ علیٍّ ،
و بالتأکيد لقد وَضّحنا وَ شَرحنا فی هذا القرآن للنّاس جميعاً من کُلٍّ مَثَلٍ يَدُلُّهُم علیٰ ضَرورَةِ وِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) وَ کانَ الإنسانُ المُنافِقُ أکثَرَ شيیءٍ جَدَلاً فی وِلايَتِهِم ،
و نَستَفهِمُ مُوَبِّخين ما الّذی مَنَعَ النّاس المُنافقين أن يُؤمنوا بِولايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) حيثُ جاءَهُمُ الهُدیٰ عليها و ما مَنَعَهُم أن يَستَغفِروا رَبَّهُم علیٰ تَرکِ وِلايَتِهِم فَهَلّا يُؤمِنونَ بِوِلايَتِهِم إلاّ أن تَأتيهِمُ المُهلِکاتُ سُنَّتنا لِلأوّلين أو يأتيهمُ العذابُ الإلـٰهیُّ مُقابِلَ أعيُنِهِم ،
و ما اُرسِلُ بِلُطفي و عَدلي ألمُرسَلينَ و الأنبياءَ و الأوصياءَ إلی النّاسِ إلاّ مُبَشِّرينَ لهُم بالجَنَّةِ لو أطاعُوهُم و مُنذِرينَ لهُم بالعَذابِ إن عَصَوا ،
و معذلِکَ يُجادِل الذّين کفَروا بِوِلايَةِ محمّدٍ و آل محمّدٍ (ص) بالباطِلِ بِشَأنِ وِلايَتِهِم فيَقولونَ إنّ عليّاً (ع) شابٌّ أو إنَّ النُّبُوَّة و الخِلافَة لا تَجتَمِعانِ فی بَيْتٍ واحِدٍ لِيُدحِضوا بهِ الحَقّ الثّابِتَ لِعلیٍّ (ع) و يَتَّخذِونَ آياتِ اللهِ النّازِلَةِ بِشَأنِهِ و ما أنذَرَهُم النَّبیُّ بِهِ مَسخَرَةً و إستِهزاءً ،
و نَستَفهِمُ تَقريراً مَن هُوَ أظَلمُ مِمَّن ذُکِّر بآياتِ ربّهِ النازلِةِ بشأنِ علیٍّ (ع) فَأعرَضَ عنها واتَّبَعَ غيرَهُ و تناسیٰ عمّا قَدَّمَت يَداهُ من ظُلمٍ بحَقِّ عليٍٍّ و آلِ محمدٍ (ص) و شيعَتِهم ؟؟؟
إنّا جَعَلنا علی ٰ قُلوبِ المُنافِقينَ أغطِيَةً مِن أن يَفقَهوا القُرآنَ و جَعَلنا فی آذانِهِم ثِقلاً عَن سِماعِ الحَقِّ و إن تَدعوهُم إلیٰ وِلايَةِ علیٍّ (ع) أکثَرَ مِن هذا فَأبَداً لا يَهتَدونَ لِوِلايَتِهِ أبداً لِنِفاقِهم ،
و ربُّکَ يا حبيبی هو الغفورُ ذوالرَّحَمَةِ الواسِعَةِ يحلُمُ عن العاصِين فَلَو يُؤاخِذهُم سريِعاً بما کَسَبوا من ظُلمِ آل محمدٍ (ص) لَعَجَّلَ لهُم العذاب و لکِن لا يُعَجِّلُ بَل لهُم مَوعِدٌ هو وَقتُ قِيامِ القائِمِ المَهديِّ (ع) فَحينَئذٍ لَن يَجِدوا مِن دونِ اللّهِ مَلجَاءً کَلاّ ،
و تِلکَ القُریٰ لِلاُمَم الّذين ذکرناهُم أهلکناهُم حينَما ظَلَموا و خالَفوا الأنبياءَ و عَصَوهُم و جَعلنا لإهلاکِهِم مَوعِداً مُحدَّداً مُعيَّناً ،
و ذَکِّرهُم إذ قالَ مُوسیٰ بن عِمر انَ لِوَصِيِّهِ الشّاب يُوشَع بن نُونٍ أنا لا أبرَحُ عَنِ السَّيْرِ و السِّياحَةِ أبحَثُ عَنِ الخِضِر الّذی أعلَمُ مِنّی ، حَتّیٰ أصِلَ إلیٰ مُلتَقیٰ البَحرِ الأبيَضِ و الأسَودِ أو أمضي زَمَناً طويلاً نَحوَ القُطبْ ،
فلمّا وَصَلا مُجتَمَع و مُلتَقیٰ البَحرَيْنِ نَسِيا سَمَکَتِهِما أن يَحمِلاها مَعَهُما کي يَعرِفا بِها عَيْنَ الحَياةِ فَبَقِيَت عِندَ صَخَرةٍ فی المَسيرِ قُربَ العَيْنِ و کانَت قَريبَةً مِنَ العَيْنِ فَتَسَرَّبَت فی البَحرِ حَيَّةً ،
فَلَمّا جاوَزا موسیٰ و يُوشَعَ مُلتَقیٰ البَحرَيْنِ نَحوَ المَغرِبِ فی القُطبِ قالَ موسیٰ لِيُوشَع : آتِنا طعامَنا لَقَد لَقينا مِن سَفَرِنا هذا تَعَباً فلأ بُدَّ أن نَستَرِيح ،
قال يُوشَعُ لِموسیٰ : هَل إلتَفَتَّ حينَما أوَيْنا إلیٰ الصَّخرَةِ قُربَ العَيْنِ لِلإستراحَةِ و العِبادَةِ فإنّی نَسيتُ السَّمکَ هُناکَ و ما أنسانيه إلاّ الشّيطان فحالَ دُونَ أن أذکُرَهُ إلیٰ الآن وقَدَ رَأيتُ السَّمَکَ عادَت إليهِ الحياةُ و اتَّخَذَ طريقَهُ فی البَحرِ و قَد تَعجَّبتُ مِن ذلِک ،
قالَ موسیٰ لِيوُشَع ذلِکَ المَکانُ هو الّذی کُنّا نَبغيهِ فالخِضرُ هُوَ قَريبٌ مِنهُ إذ شَرِبَ مِنَ العَيْنِ ماءَ الحياةِ فَرَجَعا علیٰ آثارِهِما يَقتَصّون أثَرَهُما ،
فَوَجدا عَبداً مِن عِبادِنا هُوَ الخِضُر آتيناهُ العِصمَةَ و الوِلايَةَ و تلِکَ رَحمَةٌ مِن عِندنا وقد عَلّمناهُ مِن لَدُنّا عِلمَ الأسرار و الخَفايا و المَنايا و البَلايا و المُغَيّبات ،
قالَ لهُ موسیٰ بَعدَ أن سَلّمَ عليهِ : إنَّ اللهَ أخبَرَنی بَأنّک أعلَمُ مِنّی فَهَل تَرضیٰ أن أتَّبِعُکَ فی مَسيرِکَ علیٰ أن تُعَلِّمَنی مِمّا علّمَکَ اللهُ صَواباً ؟ قالَ الخِضرُ لِموسیٰ : إنّکَ لَن تَستطيعَ مَعِیَ صَبراً علیٰ ما أفعَلُ لِعَدَمِ عِلمِکَ بِمَصلِحَتِهِ ،
وَ قالَ لهُ کيفَ تَستطيعُ أن تصبِر علیٰ ما لَم تُحيطُ بهِ عِلماً بِمَصالِحِه و أسرارِهِ الخَفيَّةِ کَلاّ لا تَستطيعُ ، قالَ موسیٰ سَتَجدِنُی إن شآءَ اللهُ أنْ أصبِر صابِراً وَ لا أعصي لَکَ أمراً يُخالِفُ الصَّبر ،
قالَ الخِضُر لِموسیٰ:فَإن اتّبَعتَنی لِتَتَعلَّمَ مِنّی عِلمَ الغَيْبِ فلا تَسألني عَن شيیءٍ أفعَلُهُ حتّیٰ اُحَدِّثُکَ أنا بِسِرِّهِ و أذکُرُ لَكَ مَصالِحَهُ و حِکمتَهُ ،
فانطَلَقا سائِرينَ علیٰ ساحِلِ البَحرِ بَعَد أن أمَرَ يُوشَعاً بالرُّجوعِ إلیٰ قَومِهِ حتّیٰ أن رَکِبا فی سَفينَةٍ کانَت فی السّاحِلِ فَلَمّا سارَت خَرَقَها و ثَقَبَها الخِضُر قالَ موسیٰ مُستَنکِراً أخَرَقتَها لِتُغرِقَ أهلَها لَقَد جِئتَ شيئاً مُنکَراً قَبيحاً ،
قالَ لهُ الخِضرُ: ألَم أقُل يا موسیٰ إنَّک لَن تَستطيعَ مَعِیَ صَبراً علیٰ ما تَراهُ مِنّی ؟ قالَ موسیٰ : لا تُؤاخِذنی بما تَناسَيْتُ مِنَ الشَّرطِ لِأنّنی نَبیٌّ صاحِبُ شَريعَةٍ تُحَرِّم هذا العَمَل و لا تُتعِبني بالتَّکليفِ العَسير ،
فانَطَلَقا سائِرَيْنِ بعدَ تَرکِ السَّفينَةِ حتّیٰ إذا لَقِيا غُلاماً فی الطَّريقِ فَقَتَلهُ الخِضرُ بِأمرِاللّهِ قالَ لَهُ موسیٰ مُستَنکِراً :أقَتَلتَ نَفساً برَيئَةً مِن غَيرِ قِصاصِ نَفسِ لَقَد جِئتَ شيئاً مُنکَراً فی شَريعَتی ،
قالَ لَهُ الخِضُر ألَم أقُل لَکَ إنّکَ لَن تَستَطيعَ أبَداً أن تَصبِرَ مَعي ؟ قالَ لهُ موسیٰ إن سَألتُکَ عَن شيیءٍ بَعدَ هذا فلاتَصحَبني مَعَک قد بَلَغْتَ مِن جانِبی عُذراً بِمُخالِفَتي لِلشَّرط ،
فانطَلَقا سائِرَيْنِ حتّیٰ إذا أتَيا نَحَو أهلِ قَريَةِ النّاصِرَةِ فاستَطعَما أهلَها لِجُوعِهِما فَأبَوا أن يُضَيِّفوهُما بِقُرصٍ واحِدٍ فَوَجَدا جِداراً مُنَحَنِياً يُريدُ أنْ يَنقَضَّ ساقِطاً فَبَناهُ الخِضرُ بالطّينِ قال لهُ موسیٰ إنَّهم لَم يُطعِمونا فَلَوْ شِئتَ لا تَّخَذتُ علیٰ بِناءِﻩِ اُجَرةً نَشتَري بِها الطَّعام ،
قالَ لهُ الخِضُر إنتَهَت المَرَّةُ الثّالِثَةُ هذا مَوعِدُ فِراقٍ بَيني و بَينِک لِمُخالِفَتِکَ لِلشَّرطِ ساُخِبُرکَ قَبلَ المُفارِقَةِ بتأويلِ وَ تفسيِر المَصالِحِ و الحِکَمِ فی ما فَعَلتُ و ما لَم تَستَطِع عليهِ صَبراً يا موسیٰ ،
أمّا السَفينَةُ فکانَت لِمَساکينَ فُقَراءَ صيّادينَ يعمَلونَ فی البَحرِ لِکَسبِ القُوتِ فَأردتُ أن أعيبَها لِکَي لا تَجلِبِ النَّظَرَ فکانَ وَراءَ السّاحِلِ مَلِکٌ جائِرٌ يأخُذُ کُلّ سَفينَةٍ تَعبُرُ أمامَهُ غَصباً فَلَمّا رآها مَعيوبَةً تَرَکَها فَسَلِمُوا ،
وَ أمّا الغُلامُ فکانَ أبَواهُ مُؤمِنَيْنِ فأمَرنِیَ اللهُ و أخبَرَني إنّهُ يُخشیٰ مِنَ الغُلام َأن يُرهِقَهُما بِطُغيانِهِ علیٰ النّاسِ و ظُلمِهِ و فَسادِهِ و کُفرِهِ فأرادَ اللّهُ و أرَدتُ مَعَ الله أن يَکفِيَهُما و جَميعَ النّاسِ شَرَّهُ قَبلَ ذلِکَ و أن يُبدِلَهُما رَبُّهما خَيْراً منهُ يُولَدُ لهُما مِن نَفسِ اليَومِ أفضَلُ صَلاحاً و أقرَبُ رَحمةً و بِرّاً بِهما ،
و أمّا سِرّ الجِدار الّذی بَنيتُهُ فکانُ لِغُلامَيْنِ يَتيمَيْنِ فی المَدينَةِ فَقَدَ أبَوَيْهِما و کانَ تحتهُ کنزٌ لهُما مِيراثٌ أخفاهُ لهُما أبوهُما و کانَ أبوهُما صالِحاً مُؤمُناً تَوَکَّلَ فی ذلِکَ علیٰ الله
فَأرادَ اللّهُ ربّک و رَبّی و ربُّهما أن يَبلُغا سِنَّ البُلوغِ و الرُّشدِ و يَقرَءآ وَصِيَّةَ الأبِ حيثُ کَتَبَ فيها ودَلاّهُما بِمَوضِعِه فيَأتِيانِ إليهِ و يَستَخرِجا کنزَهُما فَأمَرنِیَ اللهُ بِبِناءِ الجِدارِ حفِظاً لِلکَنز ،
و أنا ما فَعلتُ کُلّ ما فَعلتُهُ مِن هذهِ الاُمورِ عَن رَأيي و هَوایَ بَل بِأمرِ اللّهِ و وَحيِهِ ذلِکَ الذّی شَرَحتُ لَکَ مِنَ الأسرارِ هُوَ تأويلٌ و تَفسيرٌ لِما لَم تَستَطِع عليهِ صَبراً يا موسیٰ ،
و يسألونَک يا رسول الله عن قِصّةِ إسکَندَر المَقدونِیّ ذي القرنَيْن الّذی ضَرَبَهُ الکُفّار علیٰ قَرنِيْ رَأسِهِ فَسُمیَّ بِهِ فَقُل لَهُم سأتلوُ عليکُم فی القرآنِ منهُ ذِکراً تَتَذَکّرونَ بهِ و تَتَّعِظون ،
إنّا بِقُدرَتِنا و فَضلِنا و مَشيئَتِنا مَکنّا لَهُ فی الأرضِ شَرقاً و غَرباً فَسَخّرها و آتيناهُ مِن کُلِّ شَيیءٍ يُسَبِّبُ لهُ المُلکَ و السُّلطانَ سَبَباً کالعُدَّةِ و العَدَد فَأتَبَع سَبَباً لِتَسخيرِ الأرض ،
فَسارَ بِعُدَّتِهِ و عَدَدِهِ نَحَو الغَربِ حتّیٰ إذا بَلَغَ مَغرِبَ الشَّمسِ فی المُحيطِ الأطلَسیّ نِهايَةِ أرضِ الرّومِ وَجَد الشَّمسَ تَغرُبُ فی بُحَيْرَةٍ طينُها أسَود و هِیَ البَحرُ الأسَود ،
و وَجَدَ عِندَ ساحِلِها الغَربیّ قَوماً لا يَعبُدونَ اللهَ فأوحَيْنا إليهِ بواسِطَةِ وَزيرِهِ الخِضر قُلنا يا ذالقَرنَيْن إمّا أن تُعَذِّبَ هؤلاءِ الکُفّار لِأنّهم مُحارِبونَ و أمَا أن تَتَّخِذَ فيهِم العَفوَ و الإحسانَ سِياسَةً ،
قالَ إسکَندَر لِلخِضر أمّا مَن ظَلَم مِنهُم و حارَبَنا فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ بَعدَ قَتلِهِ يُرَدُّ إلیٰ رَبّهِ فيُعَذِّبُهُ فی النّارِ عَذاباً مُنکَراً شَديداً لا انقِطاعَ لهُ ،
و أمّا مَن آمَن باللهِ و رُسُلِهِ و عَمِل صالِحاً و أطاعَ فلَهُ يوم القيامةِ الجَزاءُ الحَسَنِ فی الجِنانِ و نَحنُ سنَقولُ لهُ مِن أوامِرِنا أمراً يَسيراً سَهلاً عليهِ ،
ثُمَّ مَضیٰ إسکَندَرُ و أتَبَعَ سَبَباً يُوصِلُهُ إلیٰ جَميعِ أقطارِ الأرضِ نَحَو المَشرِقِ حتّیٰ إذا بَلَغَ مَطلعَ الشمسِ بانتِهاءِ الأراضي الّصينيّةِ وَجَد الشَّمسَ تُشرِقُ علیٰ قومٍ لَم نَجعَل لهُم مِن دونِ الشَّمس سِتراً مِن عِماراتٍ و أبنِيَةٍ ،
و هکذا بالتأکيدِ إستفادَ إسکَندَرُ من هذهِ التّجارُبِ فی تَکثيرِ جَيْشِهِ منهُم و قَد أحَطناهُ بِما لَدَيْهِ مِنَ التَّجارُبِ خِبرَةً ثُمَّ أتَبَع بِتِلک التّجارُبِ سَبَباً لامتِدادِ سُلْطانِهِ ،
فَسارَ إلیٰ أن وَصَلَ ما بَيْنَ السَّدَّيْنِ الجَبَلَيْنِ الّذی بَنا بَيْنَهُما سَدَّهُ المَعروفُ بإسمِهِ وَجَدَ بعَدهُما قَوماً وُحوشَ لا يَکادونَ يَفهَمونَ کَلاماً و لا يَفهَمُ لُغَتَهُم غَيرَ الخِضر (ع) ،
قالوا يا ذا القرنَين إنَّ قَبيلتَيْنِ وَحشِيَّتَيْن مِنَ الصِّينِ و التَّبَّت هُما يأجوجُ و مَأجوجُ مِن وُلدِ يافِثِ بن نُوحٍ مُفسِدونَ فی أراضينا بالغارَةِ علَينا فَهل تَرضیٰ أن نَجعَل لکَ خَراجاً مالِيّاً علیٰ أن تَجعَلَ بَينَنا و بَينَهُم سَدّاً يَمنَعُهُم مِنَ الغارَةِ علينا ؟
قال لهُم إسکَندَرُ إنَّ ما مَکّني فيهِ رَبّي منَ المالِ و الثًّروَةِ أفضَلُ مِن خَراجِکُم فَأعينُوني بالعُمّالِ الأقوياء و أنا اُنفِقُ الأموال فَأجعَلُ بَينکُم و بَينَهُم حائِطاً حَصيناً هُوَ جِدارُ الصِّين ،
و قالَ لهُم آتوني مِن المَعدِنِ تُرابَ الحَديدِ حتّیٰ إذا ساویٰ بَيْنَ الجَبَلَيْن حَفراً لِأساسِ الجِدار قال انفُخُوا عليها النّار حتّیٰ إذا جَعَلَ الحدَيدَ مُذاباً قال آتوني اُفِرغ عليهِ نُحاساً مُذاباً ،
فَلمّا أضافَ النُّحاسَ علیٰ الحَديدِ صَبَّهُ فی الاُسُسِ ثُمَّ بَنیٰ عليهِ الجِدارَ ، فَأصبَحَ حَصيناً قَويّاً کالسَّدِّ فما استَطاعوا أن يعبُروهُ و ما استَطاعُوا لَهُ نَقباً وثَقباً أعداؤهُم ،
عندئذٍ بَعدَ ما کَمُلَ السَّدُّ قالَ هَذا رَحمَةٌ مِن ربّي أن وَفَّقَنی لِخِدمَةِ النّاسِ و دَفْعَ شَرِّ الأشرارِ فإذا جاءَ وعدُ ربّی لِلقِيامَةِ يجعَلهُ اللهُ أرضَاً مُندَکَّةً و سيکونُ وَعدُ ربّی حَقّاً لا مُحالَةَ ،
و کما قالَ إسکَندَرُ فَوَعدُنا بِزِلزالِ الأرضِ حَقٌّ و بَعدهُ نَترُکُ النّاسَ بعضَهُم يَموجُ فی بَعضٍ فی أجداثِهِم و بَعدَها يَنفُخُ إسرافيلُ فی البُوقِ فَنَجمَعُهُم لِلحَشر جميعاً و نَعرِضُ جهَّنمَ علیٰ الکافِرينَ عَرضاً يُشاهِدوها بِاُمّ أعيُنِهم ،
و الکافِرينَ هُمُ الّذين کانَت أعيُنُهُم فی الدّينا قَد أغَمضوها عَن وِلايَةِ آلِ محمّدٍ (ص) ذِکري و کانُوا لا يَستَطيعونُ سِماعاً لِفَضائِلِهم لِغَضَبِهم و عدائِهِم لهُم و حِقدِهم و حَسَدِهِم ،
فَنَسألُ مُوَبِّخينَ هَل حَسِبَ الّذين کَفروا بِوِلايَةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) أن يَتَّخذِوا عِبادِيَ الّذين سَمّوهُم خُلَفاءَ مِن دوني أولياءَ و لا نُحاسِبُهُم و لا نعاقِبُهُم علیٰ ذلِکَ کَلاّ إنّا أعَتدنا جهنّمَ للکافرينَ بِوِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) مَنزِلاً يَنزِلونَ إليه ،
قُل يا رَسولَ اللهِ لاُِمّتِکَ باستِفهامِ تَقريرٍ هَل نُخبِرُکُم بالّذينَ هُمُ الأخسَرين أعمالاً بَيْنَ أهلِ الخُسرانِ ؟ فَهُمُ الّذين ضَلَّ سَعيهُم عنِ الصَّوابِ و الحَقِّ فی الحياةِ الدّنيا بِتَرکِ وِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) و هُم يحَسَبونَ أنّهم يُحسِنونَ عَمَلاً باتِّباعِ غَيرهِم ،
أولئِکَ هُمُ الّذين کَفروا بآياتِ رَبّهِم النّازِلَةِ بشَأنِ وِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) و کفَروا بِلِقاءِ اللّهِ فَحبَطَت و بَطَلَت أعمالهُم فلا نُقيمُ لهُم يومَ القيامَةِ وَزناً فی مِيزانِ الأعمالِ يُثابُونَ علَيه ،
وَ بعدَ ذلِکَ الإحباطُ لأِعمالِهِم جزاوُهُم جهنّمُ يَخلُدونَ فيها جَزاءً بِما کفروا بولايَةِ آل محمدٍ (ص) واتَّخَذوا آياتيَ النّاِزلَةِ بِشَأنِهِم و إبلاغِ رُسُلي بِوِلايَتِهِم إستِهزاءً و مَسخَرَةً ،
و بالتأکيدِ إنَّ الّذين آمَنوا بِوِلايَةِ محمدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) و عَمِلوا الصّالِحاتِ علیٰ سُنَّتِهِم کانَت لهُم جَنّاتُ الفِردَوْسِ مَعَ محمدٍ و آلِ محمّدٍ مَنزِلاً يَخلُدونَ فيها لا يُريدون عَنها تَحَوُّلاً و إنتِقالاً ،
قُل يا رسولَ الله لاُِمَّتِکَ لَو کانَ البَحُر المُحيطُ بالرُّبعِ المَسکونِ کُلِّهِ حِبراً لِکِتابَةِ کَلِماتِ ربّی فی فَضائِلِ أهلِ بَيْتي لَنَفِذَ البَحرُ قَبلَ أن تَنفَذَ کلِماتُ ربّی فی فَضائِلِهِم و لَوْ جئِنا بِمِثلِهِ و ضِعفِهِ مِداداً و حِبراً ! ،
قُل يا رَسولَ اللهِ لاُِمَّتِکَ لَستُ أنا إلّا بَشراً مِثلُکُم ناصِيَتي بِيَدِ اللهِ و لا أمتازُ إلاّ بالوَحیِ و النُّبُوَّةِ و الرِّسالَةِ يُوحیٰ إلیَّ أنّما إلـٰهُکُم إلـٰهٌ واحِدٌ فلا تُطيعوا غَيرَهُ مِنَ الخُلَفاءِ و الحُکّام ،
و قُل لهُم يا حبيبی فَمَن کانَ مِنکُم مَن يَرجُو لِقاءَ رَحمَةِ ربّهِ و ثَوابِهِ فَليَعمَل عَمَلاً صالحِاً و يُوالي آلَ مُحمّدٍ (ص) و يَتَمَّسکٌ بِوِلايَتِهِم و يَتَشَيَّع لَهُم ،
وَلا يُشرِک بِوِلايَةِ علیٍّ (ع) وَ عِبادَةِ اللهِ بِمُوالاتِهِ أحَداً مِنَ الخُلَفاءِ وَ الطّواغيتِ وَ الحُکّامِ فإشراکُ غِيرِهِ فی الخِلافَةِ شِرکٌ خَفّیٌ
نشر في الصفحات 1655-1619 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی