(100)
سورة القِيامَةِ
بِإسمِ ذاتِيَ الخَلاّقِ القادِرِ المُقتَدِرِ وَ بِإسمِ رَحمانيَّتيَ الشّامِلَةِ لِجَميعِ الخَلائِقِ وَ رَحيميَّتِيَ الخاصَّةِ بالمُؤمِنينَ مِنهُم اُوحي :
إعظاماً وَ إجلالاً وَ إكباراً لا اُقسِمُ بِيَومِ القِيامَةِ وَ النُّشورِ وَ الحِسابِ وَ الجَزاءِ وَ كذلِكَ لا اُقسِمُ إِجلالاً بالنَّفسِ الإنسانِيّةَ الَّلوامَّةِ للإنسانِ إذا ارتَكَبَ الإثم ،
نَسألُ إستِنكاراً هَل يَحسَبُ الإنسانُ المُنافِقُ أنّنا سَوفَ لَن نَجمَعَ عِظامَهُ المُتَبَعثِرَةَ في الأجداث ؟ بَليٰ فَليَعلَم أنّنا قادِرينَ عليٰ أن نُرَكِّبَ مَفاصِلَ أنامِلِهِ و نَجمَعُها ،
فَذلِكَ أمرٌ مَحتومٌ لا يُنكِرُهُ عاقِلٌ بَل يُريدُ الإنسانُ المُنافِقُ بِإنكارِهِ عِناداً أن يستَمِرَّ بالفُجورِ في مُستَقبَلِ الزَّمانِ فَيَسألُ إستهزاءً مَتيٰ مَوْعِدُ يومِ القِيامَه ؟
فحينَما بَرِقَ البَصرُ حَيْرَةً و وَحشَةً مِن وُقوعِها و أهوالِها فَيَخسِفُ اللهُ القَمَرَ و يَجمَعُ الشَّمسَ و القَمَرَ في مَدارٍ واحِدٍ يَومَئذٍ يَقولُ الإنسانُ المُنافِقُ إليٰ أيْنَ المَفَرّ حَتّيٰ أفِرّ ؟
فيَأتي الخِطابُ كَلاّ و هَيْهاتَ مِنَ المَفَرِّ فَلا مَلجَاءَ لَكَ بَل إليٰ مَحكَمَةِ ربِّكَ يَومَئذٍ المُستَقَرّ فَيُخبَرُ الإنسانُ يَومَئذٍ بما قَدَّمَ مِن عَمَلٍ و ما أخّرَ في الدُّنيا ،
و إنّما يُخبَرُ بهِ رَدّاً لِلمَعاذِير فلَيسَ جاهِلٌ بهِ بَلِ الإنسانُ عليٰ نَفسِهِ و أعمالِهِ بَصيرٌ خبيرٌ و لو ألقيٰ يَومَئذٍ مَعاذيرَهُ طَلَباً لِلخَلاصِ و الفِرار ،
ياحبيبي يا رسولَ الله إنّكَ عالِمٌ بِجَميعِ القُرآنِ جُملَةً واحِدَةً بَعدَ أن أنزلناهُ عليكَ لَيْلَةَ القَدرِ و لكِنْ لا تُحَرِّكْ بِه لِسانَكَ لِتَعجَلَ بإبلاغِهِ إنَّ علَينا جَمعَهُ و قَراءَتَهُ عليكَ بِواسِطَةِ جَبرَئيل جُزءاً جُزءاً ،
فإذا قَرأناهُ عليكَ بِواسِطَةِ جَبرَئيل أمينِ الوَحيِ فاتَّبِع مِنهاجَ القَراءَةِ في الإبلاغِ بالمُناسِباتِ ثُمَّ إنَّ علَينا بَيانَ تَفسيرِهِ و مَعانِيهِ لكَ و لَيْسَ لأِحَدٍ أن يَتَبَرَّعَ بِبَيانِهِ بِرَأيِه ،
كلاّ أيُّها المُنافِقون أعداءَ أهلِ البَيْتِ لا تُحبّونَ الآجِلَة و ثَوابَها وَ وِلايتَهَم (ع) بَل تُحِبّونَ الدُّنيا العاجِلَةَ و شَهواتَها و تَذَرونَ الآخِرَة و نَعيمها ،
وُجوهٌ لِشيعَةِ آل مُحمّدٍ و مُحبّيهِم و مَوالِيهِم يَومَئذٍ علَيها نَضرَةَ السُّرورِ و الفَرَحِ و الفَوْزِ و الفَلاحِ وَ وُجوهِهِم إليٰ رَحمَةِ رَبّها ناظِرَةٌ و ثَوابِه ،
وَ وُجوهٌ لِمُخالِفي آلِ مُحمّدٍ و مُناوِئيهِم يَومَئذٍ عابِسَةٌ كالِحَةٌ مُسوَدَّةٌ مَغمومَةٌ مَهمومَةٌ حَزينَةٌ كئيبَةٌ تَعلَمُ أنّهُ سيُفعَلُ بِها ما يَقصِمُ ظَهرَها و فِقرَةَ الظَّهر ،
فَنَزجُرُ المُنافِقينَ بهِ كَلاّ فَسيَعلَمون إذا بَلَغَتِ النَّفسِ التَّرقُوَةَ حينَ المَوت وقيل لِلمُسَجّيٰ مَنِ الشّافي لَكَ و تيَقَّنَ أنّهُ وَقتُ الفِراقِ والتَفَّتْ ساقُهُ بِساقِهِ عندئذٍ إليٰ حُكمِ رَبِّكَ يَومَئذٍ مَساقُهُ ،
فَلا صَدَّقَ المُنافِقُ بالوِلايَةِ وَ لا صَلّيٰ مُخلِصاً لِلّهِ وَ لـٰكِنَّهُ كَذَّبَ بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) وَ تَوَلّيٰ مُعرِضاً عَنها ثُمَّ ذَهَبَ إليٰ أهلِهِ يَتَمَطّيٰ في مَشيِهِ المُطيْطاءَ عمر و صَخر .
فَأوليٰ لكَ أيّها الكافِرُ المُنافِقُ مِنَ اللهِ الوَيْلُ والثُّبورُ و اللَّعنُ و العَذابُ ثُمَّ أوْلاكَ اللهُ اللَّعنَةَ و العَذاب أيُّها المُكَذِّبُ بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) فَاليوَيْلُ لَكَ .
نَسألُ إستِنكاراَ هَل يَحسَبُ الإنسانُ المُنافِقُ أن يُترَكَ طَليقاً مُهمَلاً حُرّاً مِنَ التَّكليفِ و الحِسابِ والجَزاء ؟
ألَم يَكُنِ المُنافِقُ نُطفَةً مِن مَنيٍّ يُمنيٰ مِن صُلبِ الرَّجُلِ و بَيْضَتِهِ في الرَّحِمِ ثُمَّ كانَ عَلَقَةً في الرَّحِمِ فَخَلَقَهُ اللهُ بَشَراً فَسَوّيٰ هَيكَلَهُ فَجَعلَ مِنهُ الزَّوجَيْنِ الذَّكَرَ و الاُنثيٰ بِحِكمَتِهِ و تَدبيرِهِ ،
فَكما جَعلَ النُّطفَةَ كذلِكَ فَهُوَ قادِرٌ عليٰ إعادَتِهِ و مَعادِهِ بَعدَ المَوْتِ فَنَسألُ تَقريراً و نَستَفهِمُ لِكي يَحَكِّمُ المُنافِقُ ضَميرَهُ و عَقلَهُ فيَفهَم ألَيسَ اللهُ بِقادِرٍ عليٰ أن يُحيِيَ المَوْتيٰ يَومَ القيامَةِ ؟؟ فَبَديهِيٌّ أنّهُ قادِرٌ حَتماً .
نشر في الصفحات 1717-1714 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی