(85)
سورة القَمَر
بِإسمِ ذاتِيَ القادِرِ القاهِرِ المُقتَدِر و الخالِقِ المُدَبَّرِ المُصَوِّر و فالِقِِ الأشياءِ مُدَبِّرِ الشَّمسِ و القَمَر و مُيسيِّرهما و كاسِفِهما و خاسِفِهما و بإسمِ رحمانيَّتيْ و رَحميَّتي أبدَأء الوَحيَ :،
مِن علاماتٍ إقتِرابِ ساعَةِ القِيامَةِ هِيَ مُعجِزَةُ إنشِقاقِ القَمَر و هِيَ دِلالَةٌ عليٰ الوِلايَةِ التّكوينِيَّةِ لِمُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) والعَقلُ يُؤيِّدُ إمكانَ إنشِقاقِ القَمَر كما يُصَدِّقُ كُسوفَهُ و العِلمُ كذلِك يُصَدّقُه ،
و كُفّارُ قُرَيشٍ و المُنافِقينَ و بَني اُمَيَّةَ إذا رَأوا مُعجِزَةٌ لِمُحمّدٍ و آل محمّدٍ (ص) يُعرِضوا عَنها عِناداً و جُحوداً و يَقولونَ إنّها سِحرٌ مِن مُحمّدٍ باستِمرارٍ كَلاّ و أنّيٰ لِلسِّحرِ مِنَ التَّصرُّفِ في الأكوانِ ،
وَاتّبَعوا أهواءَهُمُ الشَّقِيَّةَ فلَم يُؤمِنوا و كَذّبوا مُحمّداً (ص) و كَذّبوا كُلّ أمرٍ ثابِتٍ قَطعيٍّ وِجدانيٍّ مِنهُ و لَقَد جآءَهُم بِواسِطَتِهِ مِن أخبارِ الاُمَمِ الهالِكَةِ ما فيهِ زاجِرٌ و رادِعٌ لَهُم عَنِ الكُفرِ وَ ما فيهِ الحِكمَةَ وَلكِن ما تَنفَعُ الإنذارات ،
فَأعرِضْ عنهُم و اهجُرهُم يا حبيبي حتّيٰ يَحينُ مَوْعِدُ يَومٍ يَدعُوا فيهِ الدّاعي إسرافيلُ إليٰ البَعثِ و النُّشورِ الّذي يُنكِرونَهُ خاشِعَةً أبصارُهُم خَوفاً و ذِلَّةً يَخرُجونَ مِنَ القُبورِ كَأنَّهُم جَرادٌ مُنتَشِرٌ في الأرض ،
مُطَأطِئينَ بِرُؤسهِم و أعناقِهِم مُسرِعينَ إليٰ الّذي دَعاهُم لِلنُّشورِ فعندَئِذٍ يَقولُ الكافِرونَ بِوِلايَةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) هذا اليومُ يَومٌ صَعبٌ عسيرٌ عَلَينا ،
كَذَّبَت قَبلُ قُرَيشٍ و بَني اُمَيَّةَ قَومَ نُوحٍ نُوحاً فَكَذّبوا رِسالَةَ عَبدِنا نُوحٌ و قالوا إنّهُ مَجنونٌ فَزَجَروهُ و عانَدوهُ فَدَعا حينَئذٍ رَبَّهُ قائِلاً : رَبّي إنّي مَغلوبٌ لَدَيْهِم فافتَعِل لِيَ النَصَّر علَيهِم و انصُرني ،
فَعِندئِذٍ إستَجَبنا دُعاءَهُ و فَتَحنا أبوابَ السَّماء و غُيومَها بِمَطَرٍ و ماءٍ مُنهَمِرٍ مُنْصَبٍّ بِشِدَّةٍ و فَجَّرنا مِنَ الأرض عُيوناً نابِعَةً مُتَدَفِّقَةً فالتَقيٰ الماءُ مِن الأرضِ و السَّماءِ عليٰ إنفاذِ أمرٍ بِهَلاكِهِم بالطّوفان قَد قُدِر بِمَشيئَتِنا ،
و حَملنا نُوحاً و مَن مَعَهُ عليٰ سَفينَةٍ أمرناهُ فَصَنَعها ذاتِ ألواحٍ خَشَبيَّةٍ و مَسامِيرَ و دُسُرٍ خَشَبيَّةٍ تَجري عليٰ الماءِ بِسَلامٍ مِنّا و بَرَكاتٍ بِمَرأيًٰ مِنّا مَصونَةً مِنَ الغَرَقِ جَزاءً لِمَن كانَ كُفِرَ و عُصِيَ في سبيلِ اللهِ والدَّعوَةِ والرِّسالَه ،
و بالتأكيدِ لَقَد تَركناها لِلأجيالِ عِبرَةً و دِلالَةً عليٰ أنَّ مَثَلَ أهلِ البَيْتِ كسَفينَةِ نوحٍ مَن رَكِبَها نَجيٰ و مَن تَخلَّفَ عَنها غَرِقَ و هَويٰ فَهَل مِن مَتَذَكِّرٍ بِها فَيَتَمسَّك بِوِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) فَيَنجُو ؟؟؟
فَنَسألُ تَقريراً و إنذاراً أعداءَ آلَ مُحمّدٍ كَيفَ كانَ عَذابي لِقَوْمِ نُوحٍ و إنذاري لِمَن يُعادي مُحمّداً و آلَ مُحمّدٍ ؟؟ و بالتأكيدِ لَقَد شَرَحنا و بَسَطنا القُرآنَ لِلتَّذَكُّرِ فَهَل مِن مُتَذَكِّرٍ يُسرِعُ إليٰ وِلايَتِهِم و طاعَتِهِم ؟؟؟
و كَذّبَت قومُ عادٍ هُوداً فكيفَ كانَ عذابي لهُم و إنذاري لِلمُكَذّبين ؟ إنّا بِواسِطَةِ جَبرئيل و مَلائِكَةَ العذابِ أرسَلنا عليهِم عاصِفَةً صَريرَةَ الصَّوتِ مُدَمِّرَةً أهلَكَتهُم في يَومٍ نَحسٍ باستِمرارٍ آخَرُ أربِعاءَ مِن صَفَرٍ ،
فكانَتِ العاصِفَةُ المُدَمِّرَةُ تَنتَزِعُ النّاسَ مِن مَخابِئِهِم فَتُهلِكُهُم كأنّهُم جُذوعُ نَخلٍ مُنقَلِعٍ مُتساقِطٍ و لكِن لا تُدَمِّرُ غيرهم كي تُبقي آثارَهُم عِبرَةً فكيفَ كانَ عذابي لِعادٍ و إنذاري لِلمُكَذّبينَ ألَيسَ مُخيفاً ؟؟؟
و لَقَد سَهّلنا بالشَّرحِ و البِساطَةِ في اللَّفظِ والبَلاغَةِ و الجَزالَةِ في التَّعبيرِ آيات القرآنِ لِلتَّذَكُّرِ و الإتّعاظِ فَهَل مِن مُتَذَكِّرٍ بِها يُوالي آل محمدٍ (ص) ؟
و كَذَّبت قَومُ نَمرود بالنُّذُر الّتي أنذَرَهُم بِها صالِحٌ فَقالوا مُستَنكِرينَ أبَشَرٌ مِنّا واحِداً نَتَّبِعهُ و نُطيعُهُ إنّا لَو فَعَلنا إذاً لَو فَعَلنا إذاً لَفي ضَلالٍ و خَبالٍ هَل اُلقِيَ عليهِ الوَحيُ مِن بَيْنِنا وَحدَهُ ؟ كَلاّ بَل هو كذّابٌ جائِرٌ ،
فَقُلنا لَهُ سَيعلَمونَ غَداً حينَما يَنزِلُ العَذابُ مَن هو الكذّابُ المُتَجَبِّر ؟ أنتَ أم هُم ؟ إنّا سَنُخرِجُ النّاقَةَ مِنَ الصَّخرةِ كما يَطلُبونَ إتماماً لِلحُجّةِ و إختِباراً لَهُم فارتَقِب عاقِبَةَ أمرِهِم و تَصَبَّر و اصبِر ،
( وَ نَبِّئهُم أنَّ الماءَ قِسمَةٌ بَيْنَهُم كُلّ شِربٍ مُحتَضر فنادَوْا صاحِبَهُم فتَعاطيٰ فَعَقَر فكيفَ كانَ عذابي و نُذُر ؟)
و قُلنا لِصالِحٍ أخبِر قَومَكَ أنَّ المآءَ بالعَيْنِ مَقسومٌ بَيْنَهُم و بَيْنَ النّاقَةِ كُلٌّ منهما لهُ شِربٌ و نَصيبٌ يَحضُرُهُ في يَومِهِ فخالَفوا فنادَوا صاحِبَهُم قَدّار فتَعاطيٰ السِّلاح فَعَقَرها فكيف كانَ عذابي لهُم و نُذري إيّاهُم ؟
إنا أرسَلنا عليهم صيحةَ جبرئيل مُدَوّيةً واحِدَةً فأهلَكَتهُم فكانوا صَرعيٰ كهشيمِ الحشيشِ المُتراكَمِ للحَظيرَة و لَقَد يَسَّرنا القرآنَ بالأمثالِ و المَواعِظِ و العِبَرِ و الدُّروسِ لِلتَّذكُّر فهل مِن مُتَذَكِّرٍ بهِ فيُوالي آل مُحمّدٍ (ص) ؟
و كَذّبت قومُ لوطٍ بالنُّذُر الّتي أنذَرَهُم بِها لوطٌ (ع) إن لَم يَتوبوا مِن اللِّواطِ فأرسَلنا عليهِم مَطَرَ الحِجارَةِ و الحَصباءِ فأهلَكَتهُم عديٰ آل بَيْت لوطٍ بَناتُهُ دونَ زَوجَتِهِ الفاسِقَةِ نَجّيناهُم مِن قَريَتِهم بِوَقتِ السَّحَر نِعمَةً مِن عِندنا عليهم كذلك نُجازي مَن شُكَر نِعمتنا واتّقيٰ فَنُنَجّيهِ مِثلَهُم ،
و لَقَد أنذَرَهُم لوطٌ بَطشَتَنا بِهِم بالعَذابِ إن لم يَتوبوا فَتَشكّكوا بالإنذاراتِ و لَقَد طالَبوُهُ بِرَفعِ اليَدِ عَن ضَيْفِهِ حتّيٰ يَلوطُوا بِهِ فَأعمينا أعيُنَهُم طَمساً بِجِناحِ جَبرئيل و قُلنا لهُم فذوقوا عذابي و نُذري يا فَسَقَه ،
و بالتأكيدِ لَقَد صَبَّحَهُم عِندَ الصَّباحِ المُبَكِّر عذابٌ ثابتٌ مُستَقِرٌ عليهِم لا يُرفَعُ عنهُم فَهَلَكوا جميعاً فَقُلنا لَهُم ذوقوا عذابي و نُذُري و لَقَد يَسَّرنا القرآنَ واضِحاً لِلتَّذَكُّرِ فَهَل مِن مُتَذَكِّرٍ يَتَذَكَّرُ بهِ فيُوالي عليّاً (ع) ؟؟
و بالتأكيدِ لَقَد جاءَ آل فرعون النُّذُر بِواسِطَةِ موسيٰ و هارون ، فَكذّبوا بآياتِنا النّازِلَةِ بواسِطَتِهِما عليهِم و مَعاجِزنا كلّها فَأخذناهُم بالعذابِ أخذَ عزيزٍ مُقتَدِرٍ عليهِم .
فنَسألكم مُوَبِّخين يا قُرَيْش و بَني اُمَيّه و أهل مَكّه هل إنَّ كفّارُكم كأبي جَهلٍ و أبي سُفيانَ خَيرٌ مِن أولئِكُم الاُمَم الهالِكَةِ أم لكُم بَراءَةٌ مِنَ العَذابِ جاءَت في الزُّبُرِ الإلـٰهيَّةِ أم يقولون نَحنُجميعٌ مُنتَصِرون عليٰ مُحمّدٍ و عليٍّ ؟ كَلاَّ و هَيْهات ،
فَعَن قريبٍ يُهزَمُ جَمعُ قُرَيْشٍ و بني اُمَيَّةَ بِسَيفِ عليٍّ (ع) في بَدرٍ و اُحُدٍ و يَفِرّونَ مِن ساحَةِ المَعرِكَةِ يُوَلّونَ مُدبِرينَ ظُهورَهُم مُنهَزِمينَ مِن سَيفِ عليٍّ (ع) ،
و ليسَ الهَزيمة عذابُهُم فَحَسب بَلِ السّاعَةُ مَوعِدُهُم لِلعَذابِ الشّديدِ والسّاعَةُ هِيَ أدهيٰ و أعظَمُ و أشَدُّ مَرارَةً مِنَ الهَزيمَةِ إنَّ المُجرِمينَ فيها يَخلُدونَ في لهيبٍ و دُخانٍ يَومَ يُسحَبونَ في النّارِ عليٰ وُجوهِهِم فيُقالُ لَهُم ذوقوا حَريقَ النّار ،
إنّا كُلّ شَييءٍ خَلَقنا بِتَقديرٍ و حِكمَةٍ و مَشيئَةٍ و ما أمرُنا بِهَلاكِكُم إلاّ دَفعةً واحِدةً تَأتيكُم كَغَمضِ عَيْنٍ و فَتحها و لَقَد أهلَكنا أشياعَكُم كعُتبَةَ و شَيبَةَ و الوَليد بِسَيفِ عليٍّ (ع) فَهَل مِن مُتَذَكِّرٍ يَتَذَكَّرُ و يَتَّعِظُ
و كُلّ شَيءٍ فَعَلوهُ أعداءُ محمدٍ و آل محمدٍ (ص) فهو مَكتوبٌ عليهِم في صَحائِفِ أعمالِهِم و كُلّ صَغيرةٍ و كبيرَةٍ من أفعالِهِم و آثامِهِم و جَرائِمِهِم مُسَطَّرٌ بِيَدِ الرَّقيبِ والعَتيدِ فيُجازونَ علَيها ،
و بالتأكيدِ إنَّ المُتَّقينَ المُوالينَ لِمُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) الطّاهِرين سَيَكونُون في جَنّاتٍ و أنهارِ العَسَلِ و اللَّبَنِ وَالخُمرِ و المآءِ غَداً و يَجلسونَ في مَقعَدِ صِدقٍ و مَجلِسِ عِزٍّ أرفَعُ مَقامٍ في الجِنانِ وَ أقرَبَهُ إليٰ المَليكِ رَبِّ العِزَّةِ المُقتَدِر .
نشر في الصفحات 1625-1619 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی