(95)
سورة القَلَمْ
بِإسمِ ذاتِيَ القُدسيّ الإلـٰهيّ الجَبّار المُنتَقِم الغالِب وبإسمِ رحمانيَّتي الواسِعةِ و رحيميَّتِيَ الخاصَّة بعِباديَ المُؤمِنين اُوحي إليكَ و أرمِزُ بِحرَفِ نُونٍ ،
قَسَماً اُقسِمُ بالقَلَمِ الإلـٰهيّ الّذي يَكتُبُ و يُقَدِّرُ جميعَ المُقَدَّراتِ لِلمَخلوقاتِ في الَّلوْحِ المَحفوظِ و قَسَماً بِما يَسطُرونَ الأملاكُ في صَحائِفِ الأعمال ،
ما أنتَ يا مُحمّدُ (ص) كما يَقولُ أعداءِكَ بِنِعمَةِ رَبِّكَ وِلايَةِ عليٍّ (ع) بِمَجنونٍ بَل إنَّ مَوَدَّةَ عليٍّ (ع) و مَحَبَّتَهُ وَ وِلاءَهُ هِيَ دَليلُ العَقلِ و الفَهمِ و الكِياسَةِ ،
و بالتّأكيدِ إنَّ لكَ يا حبيبي لَأجراً و ثَواباً و جَزاءً عِندَ اللهِ في أعليٰ دَرَجاتِ الجِنانِ أعَدَّهُ لَكَ لِما بَلَّغتَ ما أنزَلَ إليكَ في وِلايَةِ عليٍّ (ع) من غَيرِهِ مِنّةٍ و إمتِنانٍ علَيك ،
وَ حَقّاً إنّكَ يا رسولَ اللهِ وَ يا سَيّدَ الخَلائِقِ و أشرَفَ المُرسَلين لَعليٰ أخلاقٍ و مُثُلٍ و فَضائِلَ و مَحامِدَ عَظيمَةٍ عالِيَةٍ راقِيَةٍ جَميلَةٍ و كَمالاتٍ نَفسانِيَّةٍ تَفوقُ ما سِويٰ الله ،
فَسَتَنظُر و يَنظُرونَ أعداءِك إليٰ عاقِبَةِ أمرِكَ و أمرِهِم فَيَعرِفونَ بِأيٍّ مِنكُم يَنسَبُ الجُنونُ هُم أم أنتَ ؟ حاشاك ،
إنَّ ربَّكَ يا حبيبي هو أعلَمُ بِعاقِبَةِ مَن يَضِلُّ عَن سبيلِ اللهِ وَ وِلايَتِكُم و اللهُ هُوَ أعلَمُ بِحالِ المُهتَدينَ بِوِلايَتِكُم و عاقِبَتِهِم ،
فلا تُطِع يا رسولَ اللهِ طَلَبَ المُكَذِّبينَ بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) حينَما يَطلُبونَ مِنكَ أن تُداهِن فيهِ فإنَّهُم وَدُّوا لَوْ تُداهِنُ فيُداهِنونَ و يَغُشّوك ،
و لا تُطِع كُلّ مُنافِقٍ حَلاّفٍ يَعقِدُ الحِلفَ ضِدَّكُم في الصَّحيفَةِ و يَدفُنها في الكَعبَةِ وَ هُوَ حَقيرٌ عَيّابٌ نَمّامٌ ساعٍ بِالنَّميمَةِ مَنّاعٌ لِلخُمسِ مُعتَدٌ عليٰ أهل بَيتِكَ آثِمٌ جِلفٌ جافٌّ دَعِيٌّ إبن زِنا كالوَليدِ بن مُغْيرَةَ وَابن الخطاب وَ زيادِ ابن أبيهِ وَ مُعاويَة و عَمر و بن العاص .
و لا تُطِعهُ لأِنَّهُ كانَ ذا مالٍ و بَنينَ و ثَروَةٍ و عَشيرَةٍ فإنَّهُ كافِرٌ إذا تُتليٰ عليهِ آياتُنا النّازِلَةِ بِشَأنِ عَليٍّ (ع) قالَ هذهِ أساطيرُ الأوّلينَ و أكاذيبهم ،
سَنَسِمُهُ بِسِمَةٍ و عَلامَةٍ عليٰ خُرطومِهِ و أنفِهِ الطّويلِ الضَّخمِ بِسَيفِ عليٍّ (ع) يَومَ بَدرٍ يُعرَفُ بِها إنّهُ مُشرِك ،
إنّا اختَبرنا بَني اُمَيَّةَ كما اختَبرنا أصحابَ البَساتين في صَنعاءِ اليَمَن حيثُ أقسَموا بَيْنَهُم أنَّهُم بالتأكيد لَيَقطَعونَ ثِمارَ أشجارِها صَباحاً و لا يَستَثنونَ مَشيئَةُ الله ،
فَطافَ و دارَ عليهِم بَلاءٌ طائِفٌ مِن رَبِّكَ فَأحاطَ بَساتِينهم فأتْلَفَها و أحرَقَها فَأصبَحَت كالبُستانِ المَصرومِ ثَمَرُهُ و المَقطوعِ شَجَرُه ،
فَتَنادَوْا بَيْنَهم صَباحاً فَناديٰ بعضَهُمُ البَعضَ أنِ امشُوا إليٰ حَرثِكُم و زَرعِكُم إن كنتُم صارِمينَ لِلثَّمَرِ و حاصِدينَ و مُجتَنينَ ،
فانطَلَقوا و هُم يَتَهامَسون بَيْنَهُم قائِلينَ : لا تَدَعُوا أن يَدخُلَنّها اليَومَ عليكُم فَقيرٌ جائِعٌ و غَدَوْا عازِمينَ عليٰ مَنعٍ و حَردٍ و رَدعٍ لِلمَساكينِ و هُم يَظُنّونَ أنّهُم قادِرين ،
فَلَمّا رَأوْها قالوا إنّا لَضالّونَ عَن طُرُقِ بَساتينِنا إنّها لَيْسَت هِيَ و لَمّا تيَقّنوا قالوا بَل نَحنُ مَحرومونَ مِنها و مِن خَيراتِها و ثِمارِها ،
قالَ لهُم المُؤمِنُ الّذي كانَ في وَسَطِهِم و بَيْنَهُم ألَم أقُل لَكُم أمسُ هَلاّ تُسَبِّحونَ لِلّهِ و تَستَغفِرونَ و تَتَوَكّلونَ عَلَيه ؟
قالوا سُبحانَ اللهِ رَبّنا تُبنا إليهِ إنّا كُنّا ظالِمينَ لأِنفُسِنا بالطُّغيانِ فَأقبَلَ بعضهم عليٰ بَعضٍ يَتَلاوَمونَ لِما صَدَرَ مِنهُم بِأمس ،
قالوا يا وَيْلَنا إنّا كُنّا طاغينَ عسيٰ اللهُ ربّنا أن يُبدِلَنا خَيْراً مِنها بَعدَ هذا حيثُ تُبنا إنّا إليٰ رَبِّنا راغِبونَ بالطّاعَةِ و العِبادَةِ ،
كذلِكَ العَذابُ سَيكونُ لِبَني اُمَيَّةَ و لَعذابُ الآخِرَةِ لَهُم أكبَرُ مِن عذابِ الدُّنيا و لَو كانوا يعلَمونَ ما أعَدَّ اللهُ لَهُم مِن العَذاب ،
بالتّأكيدِ و اليَقينِ إنَّ لِلمُتّقينَ المُوالِين لِمُحمّدٍ و آلِهِ الطَيِّبين (ع) عندَ ربِّهم يوم القيامَةِ جَنّات النّعيمِ يَتَنَعَّمون فيها بِنَعيمِها ،
فَنَسألُ عُقولَكُم وَ وِجدانَكُم فَأجيبوُا بالإنصافِ أفَهَل نَجعَلُ المُسلِمينَ كالمُجرِمينَ يَومَ القِيامَةِ كَلاّ و هَيْهاتَ و حاشا فَما لَكُم كَيْفَ تَحكُمونَ بِنَجاةِ المُجرمين ؟؟
نَسألُ مُوَبِّخينَ مُستَنكِرينَ هل لكُم كتابٌ من الله بذلك فيهِ تَقرَؤنَ نَجاتَهُم ؟ كَلاّ و إنَّ لكُم فيهِ حُكمٌ مِن اللهِ عليٰ ما تَختارون ؟؟
أم لَكُم علَينا أيْمانٌ و عُهودٌ إقسَمنا بِها لَكُم بالنَّجاةِ و هِيَ بالِغَةٌ إليٰ يَومِ القِيامَةِ و قُلنا لَكُم إنَّ لَكُم كُلّ ما تَحكُمون بِهَواكُم ،
إسألهُم يا حبيبي أيُّهُم بِذلِكَ زاعِمٌ يَدّعيهِ ، هَل لهُم شُرَكاءٌ مَعَ اللهِ فليَأتوا بِشُركاءِهِم إن كانوا صادقين في شِركِهم قَبَّحَهُمُ الله ،
يَومَ يُكشَفُ بِواسِطَةِ مَلائِكَة الغَضَبِ عَن ساقِ أعداءِ آلِ مُحمّدٍ لِتُشَدَّ بالأغلالِ و يُؤمَرونَ بالسُّجودِ عليٰ وُجوهِهِم بَيْنَ يَدَيِ اللهِ فلا يستَطيعونَ لِشِدَّةِ وِثاقِهِم و قَد كانوا يُدعَوْنَ لِلسّجوُد فَيَعصوُن و هُم سالِمون ،
فَدَعني أنا و مَن يُكَذِّبُ بِحَديثِ وِلايَةِ عليٍّ (ع) سَنَستَدرِجُهُم أنا و مَلائِكَتي لِلعَذابِ مِن حَيثُ لا يَعلَمونَ و اُملي لَهُم إتماماً لِلحُجَّةِ إنَّ كَيْدي بِهِم مَتينٌ قَويٌّ ،
فَما بالُهُم قَبَّحَهُمُ اللهُ لا يُوالونَ عَلِيّاً (ع) هَل تَسألهُم أجراً مادِّياً كَثيراً فَهُم مِن دَفعِ الغرامَةِ مُثقَلونَ يَشُقُّ عليهِم كثيراً ؟ كَلاّ فلَيس كذلك ،
أم عِندَهُمْ عِلمُ الغَيْبِ كما تَعلَمُهُ أنتَ و عليٌّ (ع) فَهُم يَكتُبونَ بهِ ما يَكتُبونَهُ في الصَّحيفَةِ مِن حِرمانِ عليٍّ (ع) مِنَ الخِلافَه ،
فاصبِر يا رَسولَ اللهِ لِحُكم رَبِّكَ مِن تَأخيرِ عَذابِ المُنافِقين و لا تَكُن كَيُونُسَ النّبيّ (ص) صاحِبِ الحُوتِ إذ ناديٰ رَبَّهُ داعِياً عليٰ قَومِهِ و هُوَ مَكظومٌ مِنهُم ،
فإنّهُ لَو لا أن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ مِن رَبّهِ فَتَوَسَّلَ بِمُحمّدٍ و عليٍّ إليٰ اللهِ فَنَجيٰ لَولاهُ لَنُبِذَ بالصَّحراءِ عُرياناً و هُوَ مَذمومٌ عِندَ الله ،
لكِنّهِ سَبَّحَ اللهَ و قَدَّسَهُ و تَوَسَّلَ بِكُم أهلَ البَيْتِ فاجتَباهُ اللهُ ثانِيَةً بالنُّبوَّةِ فجعَلَهُ من الصّالِحين المُوالينَ لِمُحمدٍ و آلِهِ الطّاهِرين ،
و إن يَكيدُ الّذين كفَروا بِوِلايَتِكُم لِكَي يُزلِقونَكَ بأذيٰ عُيونِهم الحاسِدَةِ حينَما رَفَعتَ عَلِيّاً (ع) يَومَ الغديرِ فبانَ بَياضُ إبطَيْكُما ،
لَمّا سَمِعوا مِنكَ ذِكرَ عليٍّ (ع) بالوِلايَةِ فَقُلتَ مَن كُنتُ مَولاهُ فهذا عليٌّ (ع) مَولاهُ و يَقولونَ إنَّ مُحمَّداً لمَجنُونٌ بِنَصبِ عليٍّ لِلوِلايَةِ ،
و ما هُوَ إلاّ ذِكرٌ لِلعالَمينَ أجمَعينَ مِنَ الجِنِّ و الإنسِ و المَلائِكَةِ أمَرَهُ اللهُ بِإبلاغِهِ إليهِم .
نشر في الصفحات 1691-1685 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی