(55)
سورة الشُّعراء = وَ أَنذِر
بإِسمِ ذاتِيَ الرُّبوبيّ المُستَجمِعِ لِجَميعِ صِفاتِ الكَمالِ و الجَمالِ و الجَلال وَ بإِسمِ رحمانِيَّتيَ الواسِعَة وَ رحيميَّتيَ الخاصَّةِ اُوحي إليك ،
طآسين ميم رَمزٌ لِما أخبَرتُكَ بِما سَيكونُ مِن الحَوادِثِ إليٰ يَومِ القيامَةِ فاُذَكِّرُكَ بها ،
تِلكَ الآياتُ النّازِلَةُ بِشَأنِ أهل بَيْتِكَ (ع) مِن سورَة الأبرارِ هِيَ نَصٌ مِنَ القرآنِ المُظهِرِ لِحَقِّ آل مُحمّدٍ (ص) ،
لَعلّكَ يا حبيبي كابِتٌ نَفسَكَ بالحُزنِ و الأسيٰ و الهَمِّ و الغَمِّ لأِجلِ ألاّ يكونَ المُنافِقين مُؤمِنينَ بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) ؟؟؟
يا حبيبي إنْ نَشَاءْ أن نُجبِرُهُم عليٰ مُوالاةِ عليٍّ (ع) كُرهاً نُنَزِّل عليهِم مِنَ السّماءِ عَذاباً فَتَظَلُّ أعناقُ المُنافِقينَ لِلوِلايَةِ خاضِعينَ و لكن ما فائِدَةُ ذلِك ؟؟
و ما يأتيهِم مِن ذِكرٍ بِشَأنِ عليٍّ (ع) في القرآنِ مِنَ اللهِ الرَّحمان جَديدٌ إلاّ كانوا عَنهُ مُعرِضينَ هؤلاءِ المُنافِقين و لا يُؤمِنون ،
بالتأكيدِ كَذّبوا بِوِلايَةِ عليٍّ و أهل البَيْت (ع) فَسَيأتيهِم أخبارُ نَتيجَةِ تَكذيبِهِم و ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ مِن أخذِ البَيْعَةِ لِعَليٍّ (ع) في غَديرِ خُمٍّ ،
نَسألُ مُوَبِّخينَ ألَم يَنظروا إليٰ الأرضِ كم أنبَتنا فيها بِبَرَكَةِ مُحمّدٍ و آل محمدٍ (ص) مِن كُلِّ زَوجٍ و نَوعٍ مِنَ الزَّرعِ و النَّباتِ كريمٌ حَسَن ،
إنّ في ذلكَ الفَضل لَدِلالَةٌ عليٰ بَرَكةِ الذَّواتِ المُقَدَّسَةِ الطّاهِرَةِ مُحمّد و آل مُحمّدٍ (ص) و لكنْ ما كانَ أكثَرُ قُريشٍ مُؤمِنينَ بِوِلايَتِهِم ،
و بالقَطعِ و اليَقينِ و التأكيدِ إنَّ رَبّكَ يا مُحمّد (ص) لَهُوَ العزيزُ الّذي يُعِزُّ أهل بَيتِك (ع) و يَرحَمُهُم رَغمَ أنّهُم ما كانوا أكثَرَ قُريشٍ مُؤمِنين ،
و مِثالاً لِذلكَ تَذَكَّر إذ ناديٰ ربُّكَ موسيٰ في طورِ سينآءَ آمِراً أن ائتِ القوم الظّالِمينَ فِرعونَ و رَبعِهِ ،
قوم فِرعونَ الظّالِمين بِرُكونِهِم إليٰ فِرعَونَ و قُل لَهُم إستِنكاراً ألا يَتّقونَ اللهَ مِن طاعَةِ فِرعَون ؟ قالَ موسيٰ رَبِّ إنّي أخافُ أن يُكَذِّبونَ رِسالتي فيَزدادونَ كُفراً ،
و قالَ موسيٰ رَبّ إنّي يَضيقُ صَدري و لا ينطق لِساني بالدَّعوَة عَلَناً ضِدَّ فِرعَون لِأنَّ لهُ علَيَّ حَقٌ بِتَربِيَتي في بَيْتِهِ فأرسِل إليٰ هارون لِيَتكَفَّلَ الدّعوَةَ بالرِّسالَه ،
و لَهُم عليَّ ذَنبٌ سابِقٌ هُوَ قَتلي لِلقِبطيّ و نُصرَتي الإسرائيليّ فَأخافُ أن يَقتُلوني قِصاصاً بِهِ فَيُقَتَلُ الدّينُ بِقَتلي ،
قالَ اللهُ تعاليٰ لِموسيٰ كَلاّ لا تَخَفْ و لا يَضيقُ صَدرَكَ فَنُرسِلُ مَعكَ هارون كما تُريدُ فاذهَبا بآياتِنا إليٰ فِرعَون إنّا مَعكُم أنا و مَلائِكَتي مُستَمِعونَ لِرسالَتِكُم ،
فاذهَبا فأتِيا فِرعَونَ فقولا لَهُ و لِمَن حَولَهُ إنّا كُلّ واحِدٍ مِنّا رسولُ رَبِّ العالَمينَ إليكَ ومَن مَعَكَ ،
و رسالة رَبِّ العالَمين هِيَ أن نَقولُ لَكَ أنْ أرسِل مَعَنا بَني إسرائيلَ لِيَخرُجوا مَعَنا مِن مِصرَ إليٰ فِلسطين ،
قالَ فرعونُ لَهُما بَعدَ أن أدَّيا الرِّسالةَ إليهِ يا موسيٰ هَل نَسيتَ ألَم نُربّيكَ في قَصرِنا مِنَ الطّفولَةِ وَ مَكَثتَ بَيْنَنا مِن عُمُرِكَ سِنينَ ثلاثين ؟
و قالَ فِرعونُ لِموسيٰ أنَسيتَ فِعلَتَكَ الّتي فَعَلتَها بالقِبطيّ فَقَتَلتَهُ دِفاعاً عَنِ الإسرائيليّ و نَسيتَ إنَّكَ مِنَ الكافِرين بِرُبوبيَّتي ،
قالَ موسيٰ لِفرعون نَعَم أنا فَعلتُها . قَتَلتُ القِبطيِّ دِفاعاً عَن قريبيَ الإسرائيليّ و أنا يَومَئِذٍ كُنتُ ضالاًّ في الطُّرُقاتِ لا أعرِف طريقَ مَديَن ،
و سَبَبُ ذلكَ أنّي فَرَرتُ مِنكُم لَمّا خيفتُكم عليٰ دِيني فَذَهبتُ إليٰ مَديَنَ ثُمَّ طورِ سينآء فَوَهَبَ لي رَبيّ نُبُوَّةً و جَعَلَني مِنَ المُرسَلينَ إليكُم ،
: و تِلكَ نعمة تَمنُّها عَلَيَّ أنْ لَبِثتُ في قَصرِكَ سنين فالمِنّةُ لِسارَة المُؤمِنَه لا لَكَ ثُمَّ إنَّكَ تَستَعبِدني و لا تَمُنَّ عَلَيَّ أن عَبَّدتَ بَني إسرائيلَ ظُلماً ،
قالَ فِرعونُ لِموسيٰ إنَّكَ قُلتَ إنّكُما رَسولا رَبِّ العالَمين و ما هُوَ رَبّ العالَمين إذ أنّي أقولُ أنا رَبُّ مِصر ؟؟؟
قالَ موسيٰ إنَّ مَن أرسَلَني هُوَ رَبّ السماواتِ كُلّها و الأرضَ كُلّها و ما بَيْنَهُما مِنَ الخَلائِقِ إن كُنتُم مُوقِنينَ بِأنَّ لَها خالِق ،
قالَ فِرعَون لِمَن حَولَهُ إستهزاءً بِموسيٰ ألا تَستَمِعونَ جَوابَهُ التّافِه إذ أنا أقولُ لهُ بِأنّي رَبّ مِصرَ و هُوَ يقولُ رَبّها غَيري ،
فَتَوجَّهَ موسيٰ مُخاطِباً ألحاضِرينَ قالَ لهُم إنَّ رَبّي هُوَ ربّكم الّذي خَلَقكُم و فِرعَونُ لَم يَخلُقكُم و هُوَ ربّ آباءِكُمُ الأوّلينَ قَبلَ ولادَةِ فرعون ،
قالَ فِرعَونُ إنَّ رسولَكُم الّذي اُرسِلَ إليكُم مِن جانِبِ ربّكم لَمَجنونٌ لا يَعقِل بِأنّي أنا رَبُّ مِصر لا غيري ،
فَأجابَ موسيٰ هَبْ بِأنّي أنا مَجنونٌ و لكِنّ رَبّي رَبُّ المَشرِقِ والمَغرِبِ و ما بَيْنَهما مِنَ الأمصارِ و لكنّكَ تَملِكُ مِصرَ وحدَها إن كنتُم أيّها المُستَمِعونَ تَعقِلونَ ما أقول ؟؟؟
قالَ فِرعونُ غاضِباً مُهَدِّداً لِموسيٰ لَئِن اتَّخَذتَ إلـٰهاً غَيري و عَصيْتَني و خالَفتَني لَأجعَلنَّكَ مِنَ المَسجونينَ في سُجوني ،
قالَ لهُ موسيٰ إنّي لَن أتَّخِذُ إلـٰهاً غيركَ جُزاماً بَل بِدليلٍ و بُرهانٍ فَهَل تَسجُنَني حتّيٰ و لَو جِئتُكَ بِشَييءٍ مُبينٍ عليٰ إدّعائي ،
قالَ فِرعَونُ فَأتِ بالشّييءِ المُبينِ إن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ في دَعواك ، فَتناسُباً مَعَ اشتِهارِ السِّحرِ في زَمانِهِ ألقيٰ عَصاهُ فإذا هِيَ ثُعبانٌ مُبينٌ تَسعيٰ
و نَزَعَ يَدَهُ موسيٰ مِن تَحتِ إبطِهِ فإذا هِيَ تَشُعُّ نوراً بَيضآءَ مَعَ سُمرَتِهِ لِلنّاظِرينَ و لَم يكُ فرعونُ كذلك ،
قالَ لِلجَماعَةِ المُحتَفينَ حَولَهُ إنَّ موسيٰ هذا لَساحِرٌ عليمٌ فالثُّعبانُ و اليَدُ البَيْضاءُ سِحرٌ مِنهُ لا مُعجِزَةٌ و بُرهانٌ ، يُريدُ أن يُخرِجَكُم مِن مِصرَ بِسِحرِهِ فماذا تَأمُرونَ بِشأنِهِ ،
قالَ جُلَساؤهُ إنَّكَ اتَّهمتَهُ بالسِّحرِ فَأخِّر الحُكْمَ لِأيّامٍ لِتُثبِت التُّهمَةَ بِحضورِ السَّحَرَةِ و ابعَث في مَدائِنِ مِصرَ لِيَحشروا لَكَ السَّحرَةَ
فَليَجمعوهُم هُنا و يَأتوكَ بِكُلِّ سَحّارٍ مُداوِمٍ عليٰ السِّحرِ عالِمٍ بهِ لا مَن إدَّعاهُ فَجُمِعَ السَّحرَةُ لِمَوعِدٍ مُقَرَّرٍ و يَومٍ مَعلومٍ لِلنّاس ،
و أعلَنَ فِرعونُ إعلاناً لِلنّاسِ يَستَفهِمُهُم لِلحَثِّ هَل تُحِبّونَ أن تَجمتَمِعونَ لِمُشاهَدَةِ سِباقِ السَّحَرةِ لَعلّنا نَتَّبِع السَّحَرَةَ إن كانوا هُمُ الغالِبينَ عليٰ موسيٰ ،
فَلمّا جاءَ السَّحَرةُ لِلسّباقِ قالوا لِفرعَون هَل إنَّ لنا اُجرَةً علي عَمَلِنا الشّاقِّ إن كُنّا نَحنُ الغالِبينَ عليٰ موسيٰ ؟؟
قالَ فِرعَونُ لِلسَّحَرَةِ نَعَم لكُم اُجرَتِكُم و جَوائِزِكُم و إنّكُم إذا غَلَبتُموهُ فَإنَّكُم إذاً لَمِنَ المُقَرّبينَ عِندي و في بِلاطي ،
فَلَمّا اجتَمَعوا في مَيدانِ سِباقِ السِّحر مُتَقابِلينَ قالَ موسيٰ لِلسَّحَرَةِ اُلقُوا في السّاحَةِ ما أنتُم مُلقونَ مِن سِحرِكُم أوّلاً ،
فَألقَوا السَّحَرةُ حِبالَهُم و عِصِيَّهُم لِيَراها النّاس حيّاتٍ و أفاعِيَ و قالوا بِعِزَّةِ فِرعَونَ و سُلطانِهِ إنّا لَنَحنُ الغالِبونَ عليٰ موسيٰ ،
ثُمَّ ألقيٰ موسيٰ عَصاهُ فَانقَلَبَت بِالإعجازِ ثُعبانٌ فإذا هِيَ تَلقَفُ حِبالَهُم و عِصِيَّهُم و تَبتَلِعُها و تَقضي عليٰ إفكِهِم و تَمويهِهِم ،
فَلمّا رأيٰ السَّحَرَةُ ذلِكَ عَلِموا أنّها مُعجِزَةٌ و لَيسَت عَصاهُ مِنَ السِّحر فألقوا أنفُسَهُم لِلّهِ ساجِدينَ عليٰ الأرضِ قالوا : آمَنّا بِرَبِّ العالَمين رَبِّ موسيٰ و هارون الّذي أرسَلَهُما ،
قالَ فِرعونُ لِلسَّحَرةِ أنتُم أجَرائي فَكَيْفَ آمَنتُم لهُ قَبلَ أن آذنَ لكُم إنَّ هذا كيدٌ تآمرتُم مَعَهُ عليَّ فيهِ إنّهُ لَكبيرُ السَّحَرَةِ الّذي عَلّمَكُم السِّحرَ فآمُرُكُم بِهذا ،
فَمَن قريبٍ تَعلَمونَ كيفَ اُعاقِبُكُم لَاُقَطِّعَنَّ أيديكُم و أرجُلَكُم مِن خِلافٍ اليُمنيٰ بِاليُسريٰ و بالعَكسِ و لَاُصَلَّبِنَّكُم جَميعاً فتَموتُون صَلباً ،
فَأجابَ السَّحَرَةُ فرعونَ قالوا بَعدَ أن آمَنّا باللهِ فلا ضَيْرَ يَضُرُّنا مِنَ القَتلِ والصَّلبِ إذ أنّا بِذلكَ إليٰ رَبِّنا لَمُنقَلِبونَ فَيُتيبُنا ،
إنّا نَأمَلُ أن يَغفِرلنا رَبّنا ما سَبَق مِنّا مِن خطايانا و سِحرَنا بَعدَ أن كُنّا أوّلَ المُؤمنينَ بهِ و بِموسيٰ و هارون و نَطلُبُ الشَّهادَةَ ،
و بَينما فِرعونُ يُجادِلَُ السَّحَرَةَ و يُهدِّدُهُم هَرَبَ موسيٰ و هارونُ و المُؤمنونَ مِنَ السّاحَةِ لِيَنجوا مِنهُ فَأوحَيْنا إليهِ أن سافِر لَيلاً مَعَ بني إسرائيل و اعبُرِ النّيلَ فإنَّ فِرعَون سَيَتَّبِعُكُم ،
فأرسَلَ فِرعونُ مَن يُعلِنُ في مَدائِنِ مِصرَفي حَشدِ النّاسِ أنَّ موسيٰ و رَبعَهُ هُم عِدَّةٌ قَليلَةُ و إنّهُم فاعِلونَ ما يُغيظُنا فَيَستَحِقّونَ عَذابَنا و نَحنُ جميعاً نُحَذِّرُ هروبهم ،
فَأخرجنا فِرعَونَ و جُنودَهُ مِن قصورِهِم و بَساتينِهم و جَنّاتِهِم و عُيونِهما و كنوزٍ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ و الجَواهِر كَنَزوها و مَقامٍ كريمٍ عليٰ عَرشِ مِصرَ فَخَرجوا يَتَّبِعونَ أثَرَ موسيٰ فهكذا أورَثنا كُلّ ذلِكَ بَني إسرائيل ،
فاتَّبَعَ فِرعَونُ و جُنودَهُ موسيٰ عِندَ شُروقِ الشَّمسِ فَلَمّا اقتَرَبوا مِنهُم و تَراءَ الجَمعانِ و شَاهَدَ بعضَهُم البَعضَ قالَ أصحابُ موسيٰ إنّ أمَامَنا النّيلُ و عَن قليلٍ سَيُدرِكُنا فِرعونُ ،
فَأَجابَ موسيٰ أصحابَهُ قال كَلاّ لَن يُدرِكَنا فِرعونُ و جُنودَهُ إذ أنَّ مَعي مَن يُنَجّيني مِنهُ هُوَ رَبّي سَيهديني كَيفَ أنجَوَ مِنهُ ،
فَأوحَينا إليٰ موسيٰ أنِ اضرِب بِعَصاكَ ماءَ النِّيلِ فَضَرَبَ فانفَلَقَ الماءُ وانحَسَرَ عَن قاعِهِ فكانَ كُلُّ قِسمٍ كالجَبَلِ الثّامِخِ الشّاهِق ،
و أدنَيْنا في النِّيلِ الآخَرينَ فِرعَونَ و جُنودَهُ و أنجَينا موسيٰ و مَن مَعَهُ أجمَعينَ فَخَرَجوا سالِمين ثُمَّ رَدَدنا المِياهَ فأغرَقنا الآخرين ،
إنَّ في ذلِكَ الحادِثُ لَدِلالَةً عليٰ قُدرَتِنا و انتِقامِنا مِنَ الظّالِمين و ما كانَ أكثَرُ المُنافِقينَ مُؤمِنينَ بِوِلايَةِ أميرِ المُؤمِنين (ع) و إنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزيزُ الرَّحيمُ بِأهلِ بَيْتِهِ الطّاهِرين ،
وقرَاءْ تِلاوَةً عليٰ اُمَّتِكَ الوَحيَ المُنزَل بِخَبَر إبراهيم و قِصّتِهِ مَعَ قَومهِ إذ قالَ لِعَمِّهِ آزَرَ و قَومَهُ ما تَعبُدوُنْ ؟ إستِخفافاً ،
فَأجابُوهُ قائِلينَ نَعبُدُ أصناماً نَنَحَتُها مِنَ الصَّخرِ أوِ الخَشَبِ فَنَبقيٰ لِعِبادَتِها عاكِفينَ مِنَ الصَّباحِ حتّيٰ المَساء :
فقالَ إبراهيمُ مُستَنكِراً هَل يَسمَعونَكُم الأصنامُ حينما تَدعونَهُم أو هَلْ يَنفَعونَكُم و يَقدِرونَ عليٰ نَفعِكُم أو قادِرونَ أن يَضُرّونَ عَدُوَّكُم ،
قالوا كَلاّ لا يَسمَعونَنا و لا يَنفَعونَنا و لا يَضُرّون عَدُوَّنا بَل هِيَ جَماداتٍ وجَدنا آباءَنا يَعبُدونَها فَقَلّدناهُم تَقليداً أعميٰ ،
قالَ إبراهيمُ فانظُروا إليٰ الأصنامِ الّتي تعبُدونَها أنتُم و آباوُكُمُ الأقدَمونَ قَبلَكُم فإنّي لها عَدوٌ لا أعبُدُها و لا أعبُدُ إلاّ رَبَّ العالَمين ،
فَرَبّ العالَمين هُوَ الّذي خَلَقَني فَهُوَ يَهديني إليٰ عِبادَتِهِ و هُوَ الّذي يَرزُقُني فَيُطعِمُني و يَسقيني و هُوَ الّذي إذا مَرِضتُ فَهُو يَشفيني مِنَ المَرَض ،
و هُوَ الّذي يُميتُني ثُمَّ يُحييني يومَ القِيامَةِ و هُوَ الّذي آمُلُ مِنهُ أن يَغفِرَ لي خَطيئَتي بِمُعاشِرَتِكُم و مُداراتِكُم يَومَ الجَزاءِ فلا يُعاقِبني عليها ،
ثُمَّ رَفَعَ إبراهيمُ يَدَيْهِ مُبتَهِلاً إليٰ اللهِ قائلاً رَبِّ هَبْ لي حُكماً و إمامَةً وَ وِلايَةً و ألحِقني بالصّالِحينَ مُحمّدٍ و آلِهِ الطّاهِرينَ غَداً ،
واجعَل لي ربّ ذِكراً حَسَناً مَديٰ الأجيالِ و في الأقوامِ الآخَرينَ مِنَ المُسلِمين واجعَلني مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعيمِ أرِثُها مِنَ المَلائِكةِ المُقَرَّبينَ،
واغفِر يا إلـٰهي لِعَمّي آزَر الذّي رَبّاني فَهُوَ أبي و رَبيبي إنّهُ كانَ مِنَ الضّالّين عَن جادَّةِ التَّوحيدِ إن تابَ إليك ،
و لا تُخزِني يا إلـٰهي عليٰ رُؤسِ الأشهاد فَتُعاقِبني بِذَنبِ قَومي يوم القيامة يومَ لا يَنفَعُ فيهِ مالٌ و لا بَنونَ عَن عذابِ اللهِ إلاّ مَن أتيٰ اللهَ بِقَلبٍ سَليمٍ بِمُوالاةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) ،
يومَ هُيِّئَتِ الجَنَّةُ و زُيِّنَت لِلمُتّقينَ المُوالينَ لِمُحمدٍ و آلِهِ الطّاهرين ، وبُرِّزَت نيرانُ الجَحيمِ و دُخانها لِلغاوين لِيَرَوها ،
و تَقولُ خَزَنَةُ النّيرانُ لِلغاوينَ المُنافِقينَ المُناوِئينَ لِمُحمّدٍ و آلِهِ الطّاهِرين : أيْنَ ما كنتُم تَعبُدونَ و تُطيعونَ مِن دونِ اللهِ هَل يَنصرونَكُم اليوم أو يَنتَصِرونَ هُم مِن عَذابِنا ؟؟؟
فَأكَبَّتهُمُ المَلائِكَةُ عليٰ وُجوهِهِم في النّارِ هؤلاءِ المُنافقين هُم و خُلَفاءَهُم الغاوينَ عَن وِلايَةِ أميرِ المُؤمنين (ع) و كُلُّ جُنودَ إبليسَ أجمعين ،
فَيَقولُ الأتباعُ لِلخُلَفاءِ المَتبوعينَ في النّارِ يَختَصِمونَ مَعَهُم أنفُسُهم إنّنا كُنّا في ضَلالٍ بَيِّنٍ بِتَركِنا وِلايَةَ آلَ مُحمّدٍ (ص) و طاعَتِنا لَكُم إذ سَوَّيناكُم في الطّاعَةِ بِرَبِّ العالَمين ،
و ما أضَلَّنا عَن وِلايَةِ آل محمدٍ (ص) إلاّ خُلَفاءِ الجَوْرِ المُجرمون فَما لَنا اليومَ مِن شافِعينَ مِن أهلِ الشَّفاعَةِ و لا صَديقٍ حَميمٍ يُنجينا فَنتَمَنّيٰ لو يكونُ لَنا رَجعَة لِلدُّنيا فَنَكونَ مِن الشيعةِ المُؤمنين ،
إنَّ في ذلِكَ لَدِلالَةً عليٰ عَظَمَةِ وِلايَةِ عليٍّ (ع) و أهمّيتِها و مَعَ ذلِكَ ما كانَ أكثَرُ قُرَيشٍ مُؤمنينَ بِوِلايَةِ أميرِ المُؤمنين (ع) و إنَّ اللهَ لَهُوَ العزيزُ الرّحيمُ بِمُحمّدٍ و آلِ مُحمّدٍ (ص) ،
كَذَّبَت قبلَ قومِ إبراهيمَ قومُ نوحٍ المُرسَلينَ نوحاً و مَن بَعدَهُ إذ قالَ لهُم نوحٌ أخوهُم مِن قَومِهم مُستَنكِراً عليهِم ألا تَتَّقونَ اللهَ إنّي لكُم رسولٌ أمينٌ مِن جانِبِهِ لِأدعُوكُم إليه ،
فاتّقوا عذابَ اللهِ و أطيعوني في دَعوَتي إليهِ و ما أسألُكُم عليٰ رِسالَتي مِن أجرٍ مادّيٍ منكُم إن أجرِيَ إلاّ عليٰ رَبِّ العالَمينَ الّذي أرسَلَني ، فاتَّقوا اللهَ و أطيعوني ،
فَأجابَهُ قومَهُ قالوا يا نوحُ أنُؤمِنُ لَكَ حالِكَوْنِكَ اتَّبَعَك الأرذَلون ؟ فَنحنُ نَستَنكِفُ مِنهُم قال : أنا لا اُحاسِبُهُم بما كانوا يعمَلونَ إنْ حِسابُهُم إلاّ عليٰ اللهِ لو كنتُم تَشعرونَ و تَعقِلون ،
و بَعدَ أن آمَنوا فهُم أولياءُ اللهِ و أوليائي يُحبُّهُم اللهُ و اُحِبُّهُم و ما أنا بِطارِدِ المُؤمِنينَ باللهِ كَلاّ إنْ أنا إلاّ نَذيرٌ لَكُم بَيِّنُ الإنذار ،
فَهَدَّدوهُ قالوا لَئِن لَم تَنتَهِ يا نوحُ مِن دَعوَتِنا لِتَركِ الأصنامِ إليٰ عِبادَةِ اللهِ لَتكونَنَّ مِنَ المَرجومينَ أنتَ و رَبعُكَ بِأيدينا بالحِجارَةِ ،
عندئذٍ إبتَهَلَ إليٰ اللهِ قالَ : يا رَبِّ إنَّ قومي كَذّبوني و لَم يُطيعوني فافتَح بَيني و بَينَهُم بِفَتحٍ مِنكَ و نَجِّني و مَن مَعِيَ مِنَ المُؤمنينَ مِن أذاهُم و رَجمِهِم ،
فاستَجَبنا دُعاءَ نُوحٍ فَأنجَيناهُ و مَن مَعَهُ في السَّفينَةِ المَملوءَةِ بالحيواناتِ كُلّها و مَن مَعَهُ مِنَ المُؤمنين ثُمَّ أغرقنا بالطّوفانِ الباقينَ مِنَ النّاس ،
إنَّ في ذلِكَ الحادِث لَدِلالَةً عليٰ أنَّ مَثَلُ أهل البَيْتِ كَسَفينَةِ نوحٍ مَن رَكِبَها نَجيٰ و مَن تَخلَّفَ عَنها غُرِقَ و هَويٰ و مَعَ ذلكَ ما كانَ أكثَرُ قُريشٍ بِمُؤمِنينَ بِوِلايَةِ أمير المُؤمنين (ع) و إنَّ اللهَ لَهُوَ العزيزُ الرَّحيمُ بآلِ مُحمّدٍ ،
و مِثلُ قَومِ نوحٍ و تَكذيبِهِم لِنوحٍ كَذَّبَت قومُ عادٍ المُرسَلينَ الّذين دَعَوْهُم إليٰ طاعَةِ اللهِ و عِبادَتِهِ ،
تَذَكّروا إذ قالَ لهُم أخوهُم مِن قَومِهم هودٌ النّبيُّ (ص) مُستَنكِراً ألا تَتَّقونَ اللهَ إنّي لكُم رسولٌ أمينٌ مِن جانِبِهِ فاتَّقُوا اللهَ و أطيعوني في دَعوتي ،
و قالَ لهُم أنا ما أسألُكُم عليٰ رِسالَتي و دَعوتي إيّاكُم مِن أجرٍ مادّيٍ فَتَنفِرونَ مِنّي بِسَبَبِهِ بَل إنْ أجرِيَ إلاّ عليٰ اللهِ رَبّ العالَمين فَسَيُعطينيهِ ،
و قالَ ناهِياً لهُم أتَبنُونَ بِكُلِّ مكانٍ مُرتَفعٍ مَسَلّةً لِجَلبِ المارَّةِ ثُمَّ تَسخَرونَ مِنهُم إذا جاؤها و تَتَّخِذونَ مَصانِعَ الخُمورِ أمَلاً مِنكُم بالخُلودِ في الدّنيا ؟
و إذا بَطَشتُم بالنّاسِ بَطَشتُم بَطشَةَ جبّارينَ قُساةٍ ظَلَمَةٍ لا تَرحَمونَ الضُّعَفاءَ فاتَّقوا اللهَ و دَعُوا كُلّ ذلِكَ و أطيعوني في دَعوتي ،
واتَّقوا اللهَ و خافوا نِقمَتَهُ و عَذابَهُ فهو الّذي أمَدَّكُم بما تَعلَمونَ مِنَ النِّعَمِ أمَدَّكُم بِأنعامٍ كثيرَةٍ و أولادٍ و بَساتينَ و عُيونِ المِياهِ العَذِبَةِ ،
و قال لهُم فإن لم تَتَّقوهُ فإنّي أخافُ عليكُم عَذابَ يومٍ عظيمٍ يَسلُبُ اللهُ مِنكُم تِلكَ النِّعَم و يُعَذِّبكُم و يُهلِكُكُم جَميعاً ،
فَأجابوهُ قالوا سَوآءٌ في النَّتيجَةِ عِندَنا إنْ وَعظَتَنا أم لم تَكُ مِنَ الواعِظين لَنا فَنَحنُ لا نَتَأثَّر بِوَعظِكَ إنْ هذا الذي تَراهُ مِنّا إلاّ سَجيَّةَ أجدادِنا الأوّلينَ و ما نَحنُ بِمُعذّبينَ عليٰ هذا ،
فَكذَّبوهُ في دَعوَتِهِ و لَم يُؤمِنوا باللهِ فأهلكناهُم بِتَكذيبِهِم إنَّ في ذلِكَ لَدِلالَةً عليٰ أنّا نُهلِكُ مَن يُكَذِّبُ بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) ومَعَ ذلكَ ما كانَ أكثرُ المُنافِقينَ مُؤمِنينَ بِوِلايَةِ أمير المُؤمنين (ع) ،
و بِالقَطعِ و اليَقينِ والتّأكيدِ بَعدَ التأكيد إنَّ ربَّكَ يا مُحمّد (ص) لَهُوَ العزيزُ الّذي يُعِزُّ أهل بيتك (ع) و الرَّحيمُ الّذي سَيَرحَمَهُم ،
و مِثلُ عادٍ كَذَّبَت قَومُ ثَمودٍ ألمُرسَلينَ إليهِم إذ قالَ لهُم أخوهُم مِن قومِهم صالِحُ النّبيّ (ع) : ألا تَخافونَ اللهَ و عَذابَهُ ؟
و قالَ لهُم إنّي رسولٌ إليكُم مِن جانِبِ اللهِ أمينٌ في الرِّسالَةِ ءُأدّيها كامِلَةً فاتّقوا اللهَ و أطيعوني فيما آمُرُكم بِهِ و أنا ما أسألُكُم عليهِ مِن أجرٍ دُنيَويٍّ إن أجرَيَ لِرِسالَتي إلاّ عليٰ اللهِ ،
هَل ظَنَنتُم أنّكُم تُترَكونَ مَعَ كُفرِكِم و فُجورِكِم فيما هاهُنا في سَدومٍ آمِنين ؟
تَعيشونَ في جناتٍ و عيونٍ و زروعٍ و نَخلٍ طلعُها لَيِّنٌ و تَنحِتونَ في الجِبال بُيوتاً مُترَفين ؟؟؟
كَلاّ لا تُترَكونَ فاتَّقوا اللهَ و أطيعوني و آمِنوا و اتَّقوا و لا تُطيعوا أمرَ الفَسَقَةِ الطُّغاةِ الّذينَ يُفسِدونَ في الأرضِ بالإثمِ و العُدوانِ و لا يُصلِحونَ فيها بالعَدل ،
فأجابوهُ قالوا لستَ أنتَ إلاّ مِن الذين خَبَّلَهُمُ السِّحرُ إذ لو لا ذلكَ لَما ادَّعَيْتَ الرِّسالَةَ ما أنتَ إلاّ بَشَرٌ مِثلُنا لا تَمتازُ عَلَينا فَأتِ بِبُرهانٍ إن كُنتَ مِن الصّادِقينَ في دَعواك ،
قالَ لهُم صالِحٌ هذهِ ناقَةٌ تخرُج لَكُم مِن صَخرةِ الجَبَلِ إعجازاً فاجتَرِموها لَها شِربُ يومٍ و لَكُم شِربُ يَومٍ معلومٍ مِنَ الماءِ و لا تَمسّوها بِأذيًٰ فَيَأخُذَكُم عذابُ يومٍ عظيمٍ فَيُهلِكُكُم ،
فَعَصَوهُ فَعَقَروا النّاقَةَ فَنَزَلَ العذابُ مِنَ السّماءِ فَأصبَحوا نادِمينَ عليٰ عقرها و لمّا يَنفَعُ النَّدَم فَأخذَهُم العذابُ فَهَلكوا إنَّ في ذلكَ لَأيةً عليٰ أنَّ آل محمدٍ (ص) لَيسوا عِندَ اللهِ بأقَلَّ مِن ناقَةِ صالِحٍ ،
و معذلكَ فإنَّ اُمّتِكَ سَيَقتُلونَ أهلَ بَيتِكَ (ع) و ما كانَ أكثَرُهُم بِمُؤمنينَ بِوِلايَتِهم و إنَّ ربّك يا مُحمّد (ص) لَهُوَ العزيزُ الّذي سَيَنتَقِمُ لَهُم و الرّحيمُ الّذي سَيَرحَمُهُم ،
و تَذَكَّر يا حبيبي حيثَ كَذَّبت قُريشٍ حيثُ كَذَّبوكَ ، قومُ لوطٍ المُرسَلينَ إليهِم إذ قالَ لهُم أخوهُم مِن عَشيرَتِهِم لوطَ النّبيّ إبنِ اُختِ إبراهيم ألا تَتّقونَ الله ؟؟؟
و قالَ لهُم لوطٌ إنّي رسولٌ مِن جانِب اللهِ إليكُم أمينٌ عليٰ مَصالِحِكُم و سَعادَتِكُم فاتَّقوا اللهَ و أطيعوني في رِسالَتي ،
و قالَ لهُم أنا ما أسألُكُم عليٰ أداءِ رِسالَتي مِن اُجرَةٍ مادّيَةٍ منكُم فليسَ أجري و ثوابي و جَزائي عليٰ رِسالَتي إلاّ عليٰ اللهِ رَبِّ العالَمين الّذي أرسَلَني ،
و قالَ مُستَنكِراً عليهِم أتأتونَ الذُّكورَ باللِّواطِ مِنَ النّاسِ و تَدَعونَ ما خَلَقَ رَبّكُم مِن وَطيِ فُروجِ أزواجِكُم مِنَ النِّساءِ قُبُلاً و دُبُراً بَل أنتُم قَومٌ مُعتَدون ،
فأجابوُهُ و قالوا مُهَدِّدينَهُ لَئِن لَم تَنتَهِ و تَمتَنِع يا لوطَُ عن مَوعِظَتِنا و نَهيِنا عَن اللِّواطِ لَتَكونَنَّ مِنَ المُخرَجينَ مِن دارِكَ جَبراً ،
قالَ لهُم لوطٌ إنّي لِعَمَلِكُم اللِّواطُ مِنَ النّاقِمينَ المُناوِئينَ ثُمَّ دَعا رَبّهُ قائِلاً : رَبِّ نَجّني و أهلِيَ بَناتي و أولادي دُونَ زَوجَتي لِفِسقِها مَعَهُم مِمّا يَعمَلونَ و لهذا فَزوجاتُ النّبيّ لَسنَ مِن أهل بَيْتِه ،
فَنَجّينا لوطاً و بَناتَهُ و أولادَهُ جَميعهُم إلاّ زَوجَتَهُ العَجوزَةَ الفاسِقَةَ القَوّادَةَ أبقَيناها في الباقِين ،
ثُمَّ أمرنا جَبرئيلَ و المَلائِكةَ فَدَمّرنا الآخرينَ بِمَدينَتِهِم و مَساكِنِهم و أمطرنا عليهِم مَطَرَ الحِجارَةِ فَقَبُحَ مَطَرُ القَومِ المُنذَرين مُسبَقاً بالعَذابِ ،
إنَّ في ذلِكَ العَذاب لَدِلالَةً عليٰ أنّنا سَوفَ نُهلِكُ بالعَذابِ مَن لم يُؤمِن بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) و مَعذلِكَ فَما كانَ أكثَرُ قُرَيشٍ بِمُؤمِنينَ بِوِلايَتهِ ،
و بالقَطعِ و اليَقينِ لا يَضُرّ آلَ مُحمّدٍ (ص) عَدَمَ إيمانِ أكثَرهم بِوِلايَتِهِم فَرَبُّكَ يا مُحمّد (ص) لَهُوَ العزيزُ الّذي يُعزِّهُم والرَّحيمُ الذّي سَيَرحَمُهم ،
و مِثلُ أولئك فقد كذَّب أصحابُ أيكَة مَديَن المُرسلينَ إليهم و تَذَكّر إذ قالَ لهُم شُعيبُ النّبيّ ألا تَتّقونَ اللهَ و تَخافوه ؟؟؟
و قال لهم شُعيبٌ إنّي لكم رسولٌ من جانِبِ رَبّي أمينٌ عليٰ رسالتي فآمُرُكُم و أدعوكُم فاتَّقوا اللهَ و خافوا عَذابَهُ و أطيعوني تُفلِحوا ،
و ما أسالكم عليٰ أداءِ رسالتي مِن أجرٍ دُنيَويٍّ أو اُخرَويٍّ بل إن أجرِيَ الاُخرَويّ و ثَوابي و جَزائي ليسَ إلاّ عليٰ اللهِ رَبّ العالَمين الّذي اصطَفاني
و قال لهُم آمُرُكم بِشَرعِ اللهِ أوفو المِكيال حَقَّهُ تماماً و لا تكونوا من المُخسِرينَ المُنقِصينَ لِلمِكيال وزِنوا الأجناسَ بالميزانِ الصَّحيحِ السَّويِّ العَدل ،
و أنهاكُم أن لا تُنقِصوا النّاسَ و تَنهَبوا أشياءَهُم ظُلماً و تَغصَبوها منهم عُدواناً فذلكَ أشَدُّ الفَسادِ في الأرضِ فلا تَعثَوا في الأرض فتكونوا مُفسِدين ، فغاصِبي حُقوقَ آل محمّدٍ مثالهم ،
و قالَ لهُم اتّقوا اللهَ الّذي خَلَقَكم و خافوا عِقابَهُ و عَذابَهُ عليٰ هذهِ و السَّجيّةِ الّتي وَرِثتُموها مِن آباءِكُمُ الأوّلين ،
قالوا في جَوابِهِ يا شُعيبُ إنّما أنتَ مِنَ المُسَحَّرينَ الّذينَ خَبَّلَهُمُ السِّحرُ و ما أنتَ إلاّ بَشَرٌ مثلنا فكيف تكونُ رَسولاً و إن نَظُنّك لَمِنَ الكاذِبينَ في دَعواك ،
و قالوا يا شُعيبُ أسقِط علَينا قِطعَةَ حَجَرٍ مِنَ السّماءِ إن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ في دَعواكَ فَنَحنُ لا نُطيعُك ،
فقالَ لهُم شُعيبٌ إنَّ اللهَ ربّيَ الّذي أرسَلَني إليكُم هو أعلَمُ مِنّي بِما تعمَلونَ مِنَ الظُّلمِ و العُدوانِ و السَّلبِ و النَّهبِ فَهُوَ يُعَذِّبَكُم ،
فمُباشِرَةً بعدَ طَلَبِهِم العذابَ أخذَهُم عذابُ يومٍ أظلَّتهُمُ الغُيومُ المُحرِقَةُ المُظلِمَةُ فهَلَكوا جميعاً إنّ عذابَ يومِ عَذابِهِم كانَ عَذاباً مَهولاً ،
إنَّ في ذلكَ العذاب لَدِلالَةً عليٰ أنّنا سَنُعذِّبُ غاصِبِي حُقوقَ آلِ مُحمّدٍ (ص) مِثلَهُم و مَعهـٰذا فما كانَ أكثَرُ المُنافِقينَ بِمُؤمنينَ بِوِلايَتِهِم و إنَّ اللهَ لهُوَ العزيزُ المُعِزُّ لِآل مُحمّدٍ (ص) ألرَّحيمُ المُستَرَحِّمُ عَليهم ،
و بالتأكيد إنَّ الأمرَ بِمُوالاةِ عليٍّ (ع) هو الوحيُ المُنزَلُ مِن كلامِ رَبِّ العالَمين نَزَلَ بهِ جبرئيلُ الروحُ الأمينُ عليٰ الوحيِ عليٰ سَمعِكَ و قلبِكَ لِتَكونَ مِنَ المُنذِرينَ بهِ اُمَّتِك ،
و ذلكَ الوحيُ نَزَلَ بِلسانٍ عَربيٍّ بَليغٍ فَصيحٍ واضِحٍ لِيَفهَمُهُ جميعُ العَرَبِ و لا يُخالِفوا عَليّاً (ع) و فَضلُهُ لفي الكُتُب الأوّلينَ السّماويّةَ مذكورٌ
نَسألُ مُؤكِّدينَ أوَلَم يكُن لهُم بُرهانٌ عليٰ حَقّانِيّةِ عليٍّ (ع) و فَضيلَتِهِ أن يكونَ مَنعوتاً في التّوراةِ و الإنجيلِ بِإسمِ إيليا و يَعلَم ذلكَ جميعُ عُلَماءِ بَني إسرائيلَ و أحبارُهُم ،
و لو كُنّا نُنَزِّلُ الأمرَ بِمُوالاةِ عليٍّ (ع) غيرِكَ يا مُحمّد العَربيّ كَبَعضِ فَلاسِفَة اليونانِ أو عُلَماءِ الفُرسِ لِيَقْرَأُهُ عليٰ العَرَبِ ما كانوا بِعَليٍّ (ع) مُؤمنين ،
بَل أنزلناهُ بِلِسانٍ عَرَبيٍّ مُبينٍ لِيَكونَ أجلَبُ لِقُلوبِ العَرَب فكذلك جَلَبناهُ إليٰ قُلوبِ قُرَيشٍ المُجرِمين لكنّهُم لا يُؤمِنونَ بِهِ حتّيٰ يَرَوا العذابَ الأليمَ بِسَيفِ المَهديّ (عج)
فيَقومُ القائِمُ المَهديُّ (عَجّ) و يَظهَر مِن غَيبَتِهِ فيَأتيهِم بَغتَةً و فُجأَةً و.هُم لا يشعُرونَ بهِ مُسبَقاً فحينَئِذٍ يقولون : هَل نَحنُ مُمهَلونَ لِفُرصَةٍ اُخريٰ ؟فَيَقولُ لهُم كَلاّ ،
نَسألُ مُستَنكِرينَ مُستَخِفّينَ لِأعداءِ عليٍّ أميرِ المُؤمنين (ع) هَل إنّهُم حينما يقولونَ آتِنا بما تَعِدُنا بِعَذابِنا يَستَعجِلون ؟؟ و حينما يُنَزَّلُ العذابُ يقولونَ هل نَحنُ مُنظَرون ،
أفتَريٰ يا مُحمّد (ص) لو أنّنا إتماماً لِلحُجّةِ نُمَتِّعِ المُنافِقينَ سِنينَ تَربُوا عليٰ أربَعَةِ عَشَرَ قَرنٍ ثُمَّ جاءَهُم ما كانوا يُوعَدونَ بِهِ مِن قيامِ المَهديّ (عج) ما أغنيٰ عنهُم ما كانوا يُمَتَّعونَ بالدُّنيا ؟؟
و هذِهِ سُنّتَنا الإلـٰهيّة أن نُتِمَّ الحُجَّةَ و ما أهلَكنا مِنْ أهلِ قَريَةٍ إلاّ بعدَ أن أرسَلنا لَها مُنذِرونَ يُنذِرونَهُم عذابنا و هذهِ تَذكِرَةٌ و مَوعِظَةٌ لِمُخالِفي عليٍّ (ع) فَليَحذَروا العَذابَ و بَعدَ هذا الإنذارُ و ما كُنّا ظالِمينَ إن أهلكناهُم بالعذابِ ،
و إن يقولُ المُنافِقونَ بِأنَّ الوَحيَ مِنَ اللهِ نازِلٌ بِخِلافَةِ أبي بَكرٍ و لكنَّ جَبرَئيلَ قَد خانَ أوِ الشّياطينُ خانَت فَأنزَلَتهُ بِشَأنِ عليٍّ (ع) فَقُل لهُم ما تَنَزَّلَت بِهِ الشّياطينُ لأِنّهُم ما يَنبَغي و يَحِقُّ لهُم ذلِكَ فلا يَستطيعونَ لِأنّهُم عَن سمعِ الوَحيِ لَمُبعَدون و مَطرودون ،
فَيا مُحمّد (ص) إيّاكَ أن تدعوُا لِطاعَةِ غَيرِ عَليٍّ (ع) و مُوالاتِهِ فلا تَدعُ مَعَ اللهِ إلـٰهاً آخَرَ فَطاعَة غير عليٍّ (ع) شِركٌ فإن فَعَلتَ فتكونُ مِنَ المُعذّبين ،
وَ يا مُحمّد (ص) يَجِبُ عليكَ الإنذارُ فاجمَع عشيرَتَكَ في بَيْتِ أبي طالبٍ و أنذِرهُم و قل لهم إنَّ عليّاً (ع) أخي و وَصييّ و وَزيري و وارِثي و خَليفَتي مِن بَعدي فاسمَعوا لهُ و أطيعوا ،
وَ يا مُحمّد (ص) لَيِّن جانِبَكَ و تواضَع لِمَن اتَّبعَكَ عليٰ مُوالاةِ عليٍّ (ع) من شيعَةِ المُؤمنين كسلمان و أبي ذَرو المِقدادَ و عَمّار و غيرِهِم ،
فإن عَصَوْكَ بعدَ الإنذارِ و لَم يُوالوا عليّاً (ع) فَقُل لهم : أنّي أبرَاءُ إليٰ اللهِ مِمّا تعمَلونَ مِنَ النِّفاقِ و العِداءِ لِعَليٍّ (ع) ،
وَ تَوَكَّل يا حبيبي عليٰ رَبِّكَ العزيزُ المُعِزُّ لِعَليٍّ (ع) ألرَّحيمُ المُتَرَحِّمُ عليهِ و أبلِغ وِلايَتَهُ في غَديرِ خُمٍّ فهو الّذي يَراكَ بِعَين عِنايَتِهِ حينما تقومُ مُبَلِّغاً بِغَديرِ خُمٍّ ،
و إنَّ اللهَ هو الّذي يَرعيٰ تَقَلُّبَكَ في أصلابِ المُوَحّدينَ و يُشاهِدُ تَقَلُّبَكَ عليٰ تُرابِ الأرضِ مَعَ السّاجِدينَ شُكراً لِلّهِ عليٰ وِلايَةِ عليٍّ (ع) إنّهُ هو السّميعُ العَليمُ لإِقوالِكَ و أفعالِك ،
قُل لِاُمَّتِكَ يا حبيبي هَل اُخبِرُكُم عليٰ مَن تَتَنَزَّلُ الشّياطينُ و الأبالِسَةَ مُوَسوِسَةً لهُم ؟ إنّها تَتَنزّلُ عليٰ كلِّ مُنافِقٍ مُناوِيءٍ لعليٍّ (ع) مُكذّبٍ لِلوَحيِ مُجرِمٌ
و هؤلاءِ الأفّاكونَ الآثِمون يُلقونَ الإستماعَ إليٰ وَساوِسِ الشّياطين حينما يُوحونَ إليهِم بالوَساوِسِ و أكثَرُ الجِنّ كاذِبون في إيحاءآتِهم ،
والشُّعَراءُ مِنَ الأفّاكينُ الآثِمينَ و المُنافِقينَ الّذين يَهجونَ رسولَ اللهِ و أهل بَيْتِه (ع) يَتّبِعُهُم المُنافِقونَ الغاوُونَ عَنِ الحَقِّ ، والدليلُ عليهِ أنّهُم في كلِّ وادٍ من وِديانِ الباطِلِ يَخوضونَ و أنّهُم يقولونَ ما لا يَفعَلون مِمّا يَفخَرونَ بهِ شِعراً ،
إلاّ أنَّ الشُّعراء الصّادِقونَ الّذينَ آمَنوا باللهِ و بِوِلايَةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) وَ عَمِلوا الصّالحات فَأنشَدوا في فَضائِلِهم و شَمائِلِهِم وَ ذَكَروا اللهَ كثيراً في أشعارِهِم لا يَتَّبِعُهُم الغاؤون ،
فَأولئِكَ الشُّعَراءُ كَفِرَ زدَقَ و الكُمَيْت و شُعراءُ الغَديرِ و شُعراءُ الطَّفِّ و مَن مِثلُهُم الّذينَ انتَصَروا لِمُحمّدٍ و آلِ مُحمّدٍ (ص) فَهَجَوا أعدائَهُم بَعدَ ما ظَلَموهُم فَهُم يَفعَلونَ ما يَقولون ،
و عَن قريبٍ يَعلَمُ الّذين ظَلَموا آلَ مُحمّدٍ (ص) أيَّ مُنقَلَبٍ و مَصير لَهُم في العَذابِ الأليمِ فَيَقَلِبونَ في دَرَكاتِ الجَحيمِ وَ قَعرِ جَهَنَّمَ و بِئسَ المَصير .
نشر في الصفحات 1251-1225 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی