(83)
سورة الرّوم
بِإسمِ ذاتِيَ القادِرِ القاهِرِ الغالِبِ و بإسمِ رحمانيَّتي و رحيميَّتي ، اُوحي إليكَ و أرمِزُ بِألِف لام ميم رمز التّاريخِ والأحداثِ المُقبِلَةِ لِاُمَّتِك ،
نُخبِرُكَ يا حَبيبي قَد غُلِبَتِ الرُّوم مِن جَيْشِ الفُرسِ في أقرَبِ أرضٍ مِنكَ و هِيَ أذرُعاتِ الشّامِ و هُم مِن بَعدِ مَغلوبِيَّتِهِم سَيَغلِبونَ قَريباً ألفُرسَ و يَهزِمُوهُم ،
و سَيَغلِبونَ الفُرسَ في بِضعٍ مِنَ السِّنين و هي ما بَيْنَ الثّلاثَةِ والتِّسعَةِ و لِلّهِ الأمرُ و التَّقديرُ و القَضاءُ مِن قَبْلِ غَلَبَةِ الفُرسُ الرّومَ و مِن بَعدِ غَلَبَةِ الرّومُ الفُرسَ و يَومَئذٍ يَفرَحُ المُسلِمونَ لِأنَّ الرّومَ أهل كِتابٍ و الفُرسَ عُبّادُ النّار ،
و يَفرَحونَ بِنَصرِ اللهِ لِأهلِ الدّينِ عليٰ أهلِ الشِّركِ و الكُفّارِ واللهُ سُبحانَهُ يَنصُرُ مَن يشآءُ مِن عِبادِهِ بِعِزَّتِهِ و رَحمَتِهِ و هُوَ العَزيزُ المُعزُِّ و الرَّحيمُ بِالمُؤمينن ،
هذا هُوَ وَعدُ اللهِ بِغَلَبَةِ الرّومِ عليٰ الفُرسِ و اللهُ لا يُخلِفُ وَعدَهُ ، بَل هُوَ صادقُ الوَعدِ قَطعاً فَحَتماً سيَكونُ و لكِنَّ أكثَرَ النّاسِ المُشرِكينَ لا يَعلَمون ذلِك ،
فَهُم لِعَدَمِ إيمانِهِم جاهِلونَ و فَقَط يَعلَمون ظاهِراً مِن اُمورِ الحياةِ و الدُّنيا و مَشاغِلِها و لَواهِيها و هُم عن الحياةِ الآخِرةِ و لوازِمِها غافِلونَ و أهمُّها الإيمانُ بِالوِلايَه ،
نَستَفهِمُهُم مُوَبِّخينَ أفَلم يَتَفَكّروا في خِلقَةِ أنفُسِهِم و يَدَعوُا الغَفلَةَ كي يَعرِفوا ما خَلَقَ اللهُ السّماواتِ و الأرضَ و ما بَيْنَهُما مِنَ الخَلائِقِ إلاّ بالعَدلِ و الحِكمَةِ لِفَترَةٍ و مُدَّةٍ مُعيَّنَةٍ و سَتَفنيٰ يَوْماً كُلّها ،
و بَعدَ الفَناءِ و مَوتِ النّاسِ سيكونُ لهُم حَشراً و مَعاداً لِلحسابِ و الجَزاءِ حَتماً لاقتِضاءِ العَدلُ و الحِكمَةُ ذلِكَ و إنّ كثيراً من النّاسِ المُنافِقينَ بِلِقاءِ رَبِّهِم في المَعادِ لَكافِرون ،
نَسألُ مُوَبِّخينَ مُشرِكي قُرَيْشٍ و بَني اُمَيَّةَ أَوَلَم يُسافِروا في الأرضِ فَيَنظُروا الآثارَ فَيَعرِفوا كيف كانَ عاقِبَة الّذينَ مِن قَبلِهِم مِنَ الاُمَم بَعدَ أن كانوا أشَدَّ مِنهُم قُوَّةً و أثاروا الأرضَ لِلزَّرعِ و عَمَروها بالزِّراعَةِ أكثَرَ مِمّا عَمَروها أهلُ مَكّه ،
و جاءَتهُم رُسُلُهم كهُودٍ و صالحٍ وموسيٰ و عيسيٰ بالمُعجِزاتِ الواضِحاتِ فكذّبوا فأهلَكَهُمُ اللهُ فما كانَ اللهُ لِيَظلِمَهُم بِعَذابِهِ و لكِن كانُوا هُم أنفُسَهُم يَظلِمونَ أنفُسَهُم بالعِصيان ،
ثُمَّ إنَّ بَني اُمَّيَةَ إيضاً مِثلَهُم فكانَ عاقِبَة الّذين أساؤوا لآِلِ مُحمّدٍ (ص) الإساءَةَ و الظُّلمَ أن كذّبوا بآياتِ اللهِ النّازِلَةِ بشأنِهِم و كانوا بِها يَستَهزِؤنَ قائِلينَ لَعِبَت هاشِمُ بالمُلكِ فلا خَبَرٌ جآءَ و لا وحيٌ نَزَل ،
إنّ اللهَ سُبحانَهُ هو يَبدَاءُ خِلقَةَ الخَلقِ جميعاً ثُمَّ يُعيدُ خَلقَهُم بَعدَ مَوتِهِم لِلحَشرِ فَثَمَّ بَعدَ الإعادَةِ و المَعادِ إليهِ تُرجَعونَ لِلحسابِ و الجَزاءِ و يَومَ قيامِ الساعَةِ و المَعادِ يُبلِسُ المُجرِمونَ بِحَقِّ آلِ مُحمّدٍ (ص) وَ شيعَتِهم كَإبليس فيُحكَمُ عليهِم بالعَذاب ،
و يَومَئِذٍ لا يُوجَدُ لأِعداءِ آل مُحمّدٍ (ص) و مُخالِفيهِم شُفَعاءَ عندَ اللهِ مِن خُلَفاءِهِمُ الّذينَ أشرَكوهُم في الطّاعَةِ مَعَ اللهِ و يكونون يَومَئِذٍ بِخُلَفاءِهِم كافِرينَ فَيَتَبَرَّؤنَ مِنهُم ،
وَ يومَ تقومُ ساعَةُ الحَشرِ و المَعادِ لِلنّاسِ فيومَئِذٍ يَتَفَرَّقونَ فِرقَتَيْنِ أصحابُ اليَمينِ و أصحابُ الشِّمالِ فَأمّا الّذين آمَنوا بِوِلايَةِ آل محمّدٍ (ص) و عَمِلوا الصّالِحاتِ فَهُم يَصيرونَ في رَوضَةِ الجَنَّةِ مَحبورينَ مَسرورين ،
و أمّا أهلُ الشِّمالِ الّذين كفَروا بِوِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) و كذّبوا بآياتِنا النّازِلَةِ بِشَأنِهم و كذّبوا بِلِقاءِ الآخِرَةِ و حسابِ يَومِ القيامَةِ ، فأولئِكَ المُنافِقون في العَذابِ الجَحيمِ يُحضَرونَ دائِماً ،
فَسَبِّحوا اللهَ و قَدِّسوهُ يا أصحابَ اليَمينِ المُوالِينَ لِمُحمّدٍ و آلِهِ الطّاهِرين حينَ تُمسون مَساءً و حين تُصبِحون صَباحاً و احمِدوهُ لَهُ الحَمدُ في السماواتِ و الأرضِ حينَ العِشاءِ عَشِيّاً و حينَ تُظهِرونَ ظُهراً ،
فاللهُ سُبحانَهُ و تَعاليٰ يُخرِجُ المُؤمِنَ الحَيَّ بِوِلاءِهِ لآِلَ مُحمّدٍ (ص) كمُحمّد ابن أبيبَكرٍ و مُعاوِيَةَ الثّاني مِنَ المَيِّت قَلبُهُ بالنِّفاقِ و يُخرِجُ المُنافِقَ المَيِّت قَلبُهُ مِنَ الحَيّ كإبنِ نُوحٍ و يُحيي الأرضَ بَعدَ مَوتِها بِوِلاءِ آلِ محمّدٍ و كذلِكَ تُخرَجونَ مِن قُبورِكِم مُؤمِنينَ و مُنافِقين ،
و مِن آياتِهِ وِلايَةِ اللهِ و قُدرَةِ اللهِ عَزَّوجَلَّ و دَلائِلَ عَظَمَتِهِ أن خَلَقَ أباكُم آدَم و اُمَّكُم حَوّآءَ مِن تُرابٍ ثُمَّ إذا أنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرونَ مِن صُلبِهِما و نَسلِهِما ،
و مِن دَلائِلِ وِلايَتِهِ و قُدرَتِهِ و عَظَمَتِهِ و حِكمَتِهِ و لُطفِهِ هِيَ أن خَلَقَ لكُم مِن جِنسِكُم أزواجاً لِتَسكُنوا إلَيْها بالنِّكاحِ فَتَكسِبوا الرَّاحَةَ والسَّكينَةَ و الطُّمَأنِينَةَ بِذلِكَ و جَعَلَ بَيْنَكُم أيّها الأزواجُ مَوَدَّةً و مَحَبَّةً و رَحمَةً و عاطِفَةً إنّ في ذلِكَ لَدِلالاتٍ عليٰ عَظَمَةِ اللهِ لِقَومٍ يَتَفكَّرونَ في آلاءِ الله ،
و مِن دَلائِلِ وِلايَةِ اللهِ التّامَّةِ المُطلَقَةِ هي خَلقُ السّماواتِ والأرضِ و لا خالِقَ لَهُنّ غَيرُهُ و كذلِكَ إختِلافُ ألسِنَتِكُم أيُّها البَشَر و ألوانِكُم و أنتُم كُلُّكُم مِن نَسلِ آدَم و حوّآء إنَّ في ذلِكَ لَدِلالاتٍ عليٰ وِلايَةِ اللهِ التّامَّةِ لِكُلّ أهلِ العِلمِ و العُلَماء ،
و مِن دَلائِل وِلايَةِ اللهِ التّامَّةِ علَيْكُم هو مَنامُكُم بالَّليْلِ والنَّهارِ و لَيسَ في إختيارِكُم أن لا تَنامُوا و كذلِكَ طَلَبُكُم لِلرِّزقِ مِن فَضلِهِ إنَّ في ذلِكَ لَدِلالاتٍ لِقَوْمٍ يَسمَعونَ كلامَ الله ،
و مِن دَلائِلِ وِلايَةِ اللهِ أنَّهُ يُريكُمُ البَرقَ تَخافونَه خَوفاً مِنَ الصّاعِقَةِ و تَطمَعونَ فيهِ طَمَعاً في المَطَر و يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مآءً مَطَراً فيُحيي بِهِ الأرضَ بَعدَ يُبسِها إنَّ في ذلِكَ لَدِلالاتٍ لِقَوْمٍ يَعقِلون الدِّلالات ،
و مِن دَلائِلِ وِلايَةِ اللهِ التّامَّةِ المُطلَقَةِ هِيَ أن تَقومُ السَّماءُ و الأرضُ في مَداراتِها بِنِظامِها المُتقَنِ الدَّقيقُ بِأمرِهِ التّكوينيّ و إرادَتِه ،
ثُمَّ إنَّ اللهَ سُبحانَهُ حينَما يُريدُ حَشرَكُم و مَعادَكُم بِنَفسِ الوِلايَةِ التّامَّةِ و الإرادَةِ التّكوينيَّةِ حينَما يدعوكُم دَعوَةً مِنَ الأرضِ بالنُّشورِ فَمُباشرةً إذا أنتُم تُخرَجونَ لِلحَشر ،
و لَهُ مِلكيَّةُ مَن في السَّماواتِ و الأرضِ مِن رُوحٍ مِلكيَّةٌ تامَّةٌ حقيقيّةٌ تكويناً يَتَصرَّفُ فيهِم كيفما يَشآءُ و يُريدُ و كلٌّ لهُ مُطيعونَ تكويناً ،
و هو سُبحانَهُ و تَعاليٰ هُوَ الّذي بَدَاءَ الخَلقَ ثُمَّ هو يُعيدُهُ بَعدَ مَوتِهِ و ذلِكَ أهوَنُ عليهِ مِن خَلقِهِ إبتداءً إذ كانَ إيجادٌ مِن عَدَمٍ و هذا إعادَةٌ بعدَ مَوتٍ و للهِ المَثَلُ الأعليٰ في الخَلقِ و الإيجادِ في السّماواتِ و الأرضِ يُشاهِدُهُ المُتَأَمِّلُ و هو العَزيزُ في خَلقِهِ ألحَكيمُ في صُنعِه ،
يَضرِبُ اللهُ لكُم مَثلاً مِن أنفُسِكُم كي تَفهَموا أنّهُ ليسَ لَكُم حَقُّ إختيارِ الإمامِ أوِ الخَليفَةِ و إنتخابهُ سائِلاً هَل لَكُم في ما مَلَكَت أيْمانُكُم مِن عَبيدٍ و إماءٍ شُرَكاءَ تامُّونَ الإختيارِ في ما رَزقناكُم مِن أموالٍ ؟ كَلاّ ،
فَهَل أنتُم مَعَ عَبيدِكُم في أموالِكُم تَتَساوون مِلكيَّةً و تَصرُّفاً ؟ كَلاّ و هَيهات فَهَل لهُم حُرِيَّةٌ مثلكُم تَخافونَهُم كخيفَتِكُم مِنَ الأحرارِ ؟ كَلاّ و حاشا ، فكذلكَ أنتُم بالنَّسبَةِ إليٰ اللهِ عَبيدُهُ و هو وليُّكُم يُوَلّي عليكُم مَن يشآءُ و هكذا نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍٍ يَعقِلونَ لِقَومٍ يَعقِلونَ بِعُقولِهِم حَقيقَةَ الوِلايَه ،
بَل إنَّ الّذين اختاروا لِأنفُسِهِم خَليفةً والّذين ظَلَموا آلَ محمّدٍ (ص) ، إتَّبَعوا أهواءَهُمُ النّفسانِيَّةَ جَهلاً و سَفاهَةً بِغَيرِ عِلمٍ و فَهمٍ فَمَن يهدي الّذين تَرَكَهُم اللهُ في ضَلالَتِهِم وما لَهُم مِن ناصِرينَ مِن عذابِ الله ،
فَنَأمُرُكَ يا رسولَ اللهِ . اُمَّتَكَ أن أقِم وَجهَكَ لِلدّينِ الّذي أكمَلتُهُ بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) مُخلِصاً خالِصاً و لا تَلتَفِت يَميناً و شِمالاً فَوِلايَتُهُ هِيَ فِطرَة اللهِ الّتي فَطَرَ النّاسَ عليها و خَلَقَهُم بِبَرَكَتِها ،
لا تَبديلَ مِنَ اللهِ لِلوِلايَةِ الّتي خَلَقَ النّاسَ علَيها أبَداً فالوِلايَةُ لِعَليٍّ (ع) قَطعاً لا لِغَيرِه ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ بِوِلايَتِهِ و القائِمُ بِسَيْفِهِ و جِهادِهِ و لكِنَّ أكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ حَقيقَةَ الدّين ،
أقِم وجهَكَ أنتَ و اُمَّتِكَ عليٰ وِلايَةِ عليٍّ (ع) مُنيبينَ إليٰ اللهِ واتَّقوهُ بالثَّباتِ عليٰ وِلايَتِهِ و أقيموا الصَّلاةَ بِوِلايَتِهِ و لا تكونوُا مِنَ المُشرِكين بِطاعَةِ اللهِ طاعَةَ خُلَفاءِ الجَوْر ،
و لا تَكونُوا أيُّها المُسلِمونَ مِنَ الّذين فَرَّقوا دينَهُم إليٰ مَذاهِبَ و فِرَقٍ أربَعَةٍ و كانوا أحزاباً كشيعَةِ آل أبي سُفيانَ و بَني مَروان و بَني العَبّاس وَوَوَوَ و كُلّ حِزبٍ بما لَدَيْهِم مِنَ الباطِلِ فَرِحونَ بَل والوُا آلَ مُحمّدٍ (ص) فَحَسب لا غيرِهم ،
و إذا مَسَّ النّاسَ ضُرٌّ كالقَحطِ و الوَباءِ و ظُلمِ الحُكّامِ و جَوْرِهم إبتَهَلوا إليٰ اللهِ نادِمينَ تائِبينَ إليهِ لِيَدفَعَ الضُّرَّ عنهُم ثُمَّ إذا أذاقَهُم مِنهُ رَحمَةً بِبَرَكَةِ محمّدٍ و آل محمّدٍ (ص) و بِسَبَبِهِم إذا فَريقٌ مِنَ النّاسِ بِرَبِّهِم يُشرِكونَ بِطاعَةِ الحُكّامِ الظَّلَمَةِ و طاعَة خُلَفاءِ الجَوْر ،
و بِطاعَةِ الظّالِمينَ لِيَكفُروا بِما آتَيْناهُم مِن نِعمَةِ وِلايَةِ محمّدٍ و آل محمّدٍ (ص) و بَرَكَتِهِم فَنَقولُ لَهُم مُهَدِّدينَ تَمتَّعوا بِكُفرِكُم فَسَوفَ تَعلَمونَ ما أعدَدَنا لَكُم مِنَ العَذابِ و الخِزي ،
نَستَفهِمُهُم مُوَبِّخينَ هَل أنزَلنا عليهِم بُرهاناً و آيَةً و وَحيَاً يُجيزُ لهُم تَرَكَ وِلايَةِ آل محمدٍ (ص) و طاعَةِ الظّالِمينَ يُصَرِّحُ بِما كانوا بهِ يُشركونَ مِن طاعَتِهِم ،
و إذا أذَقنا النّاسَ رَحمَةً مِن عِندِنا كَغَلَبَةٍ في حَربٍ بِبَرَكَةِ عليٍّ (ع) و جهادِهِ فَرِحوا بِها مِثلَ بَدرٍ و خَندَقٍ و خَيْبَرٍ و إن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ كهزيمَةِ الأحَد بِما قَدَّمَت أيديهِم مِن خِيانَةٍ إذا هُم يَقنطونَ مِنَ النّصر ،
نَسألُ مُوَبِّخينَ أفَلا يَرَوْنَ أنَّ اللهَ بِمَشيئَتِهِ و تَقديرِهِ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشآءُ إختبارَهُ و يَقدِر الرِّزقَ عَمَّن يشآءُ إمتِحانَهُ بَليٰ هو هكذا إنَّ في ذلِكَ لَدِلالاتٍ عليٰ وِلايَةِ اللهِ لِقَومٍ يُؤمِنونَ بِذلِك ،
فَنَأمُرُكَ و اُمَّتَكَ وُجوباً فَآتِ ذا القُربيٰ حَقَّهُ و أعطِ الزَّهراءَ (ع) فَدَكاً نِحلَةً مُقابِلَ ما أنفَقَتهُ اُمُّها مِن ثَرَواتٍ لِيَكونَ مِن ثَمَّ لِلمسكينِ و ابنِ السَّبيلِ مِن ذُرّيَتِها و شيعَتِها و الإيتاءُ هُوَ خيرٌ و أفضَلُ لِلّذينَ يُريدونَ التَّقَرُّبَ إليٰ اللهِ وَ أولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ غَداً ،
وَ اعلَموا أنّكم ما آتَيتُم مِن مالٍ رِباً لِتضخم مِن أموالِ النّاسِ حَراماً ،فلا فائِدَةَ لَهُ عِندَ اللهِ و لا بَرَكه و ما آتَيتُم مِن زَكاةٍ تَقصُدونَ بِها رِضيٰ اللهِ فأولئِكَ المُزَكّونَ هُمُ المُضاعَفَةَ لهُمُ البَرَكةُ و الأجر ،
إنَّ اللهَ هُوَ الّذي خَلَقَكُم ثُمَّ هو الّذي رَزَقَكُم ثُمَّ يُميتُكُم ثُمَّ يُحييكُم غَداً فَهَل مِن خُلَفاءِكُم مَن يَفعَلُ مِن ذلِكُم الأفعال مِن شَييءٍ ؟ كَلاّ و هَيْهات فسُبحانَ اللهِ وتَعاليٰ عَمّا تُشرِكونَ بِطاعَتِهِ طاعَةَ الخُلَفاء ،
قَد ظَهَرَ الفَسادُ مِن الظُّلمِ و الفَحشاءِ في البَرِّ و البَحرِ بِما كَسَبَت أيدي النّاس مِن تَركِ وِلايَةِ آل محمدٍ (ص) و غَضبِ الخِلافَةِ مِنهُم و بالتّأكيدِ لِيُذيقَهُم اللهُ بَعضَ مَساوِيَ الّذي عَمِلوهُ في الدُّنيا لَعَلَّهُم يَرجِعون إليٰ وِلايَتِهِم ،
قُل يا رسولَ اللهِ لِلمُفسِدينَ المُناوِئينَ لِعَليٍّ (ع) سِيروا في الأرضِ فانظُروا إليٰ آثارِ عادٍ و ثَمودٍ كيفَ كانَ عاقِبَة الذين أفسَدوا مِن قَبلُ و كانَ أكثَرُهُم مُشرِكينَ باللهِ فَأهلَكَهُمُ ،
فَنَأمُرُكَ و اُمَّتكَ جميعاً أن أقِم وَجهَكَ لِلدّينِ المُستَقيمِ الّذي اُكمِلَ بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) و لا تَنحَرِف عَنهُ إليٰ غَيرهِ مِن قَبلِ أن يَأتِيَ يَومٌ لا يُقبَلُ فيهِ عَمَلٌ إلاّ بِوِلايَتِهِ و ذلِكَ اليَومُ لا مَرَدَّ لهُ مِنَ اللهِ يَومَئذٍ يَنقَسِمونَ إليٰ الجَنَّةِ و النّارِ و القَسيمُ هُوَ عليُّ بن أبيطالِبٍ (ع) ،
فَمَن كفَرَ بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) فَعليٰ نَفسِهِ يَرجِعُ كُفرُهُ فَيُدخِلُهُ عَليٌّ ألنّارَ و مَن عَمِلَ صالِحاً و تَمَسَّكَ بِوِلايَتِهِ فَلِأنفُسِهِم يَمهَدونَ مَنازِلَ الجَنّاتِ و قُصورِها لِِيَجزِيَ اللهُ الّذين آمَنوا بِوِلايَتِهِ و عَمِلوا الصّالِحاتِ جَزاءً مِن فَضلِهِ في الجِنانِ إنَّهُ لا يُحِبُّ الكافِرينَ بِوِلايَتِهِ ،
وَ مِن آياتِ اللهِ الدّالَّةِ عليٰ وِلايَتِهِ إنّهُ يُرسِلُ الرِّياحَ مُبشّراتٍ بالمَطَر ثُمّ بعدَها لِيُذيقكُم المَطَرَ مِن رَحمَتِهِ و بالمَطَرِ يُذيقُكُم الزَّرعَ و الثَّمَرَ و لِتَجري السُّفُنُ الشّراعيَّةُ بالرِّياحِ فَتَبتَغوا التِّجارَةَ مِن فَضلِهِ و الرِّزقَ و لَعلَّكُم تَشكُرونَ نِعَمَهُ فَتُوالونَ آلَ مُحمّدٍ (ص) ،
وَبالتإكيدِ لَقَد أرسَلنا مِن قَبلِكَ أنبياءً مُرسَلينَ إليٰ قَوْمِهِم فَجاؤهُم بالمُعجِزاتِ الواضِحاتِ و أتَمّوا عليهِمُ الحُجَجَ فانتَقَمنا مِنَ الّذين أجرَموُا مِنهُم و خالَفوهُم وكانَ حَقّاً عَلَيْنا واجِباً باللُّطفِ وَ العَدلِ أن نَنصُرَ المُؤمِنينَ المُوالينَ لِلرُّسُلِ ،
فَاللهُ سُبحانَهُ هو الّذي يُرسِلُ الرِّياحَ فَتُحَرِّكُ الغُيومَ المُمطِرَةَ فيُنشِرُها في الفَضاءِ كيفَما يشآءُ و حيثُ يَشآءُ و يَجعَلُها قِطَعاً مُنتَشِرَةً هُنا و هُناك فتَريٰ المَطَرَ يَخرُجُ مِن خِلالِها فَيَسقي العِبادَ و البِلادَ ،
فحينَما يُصيبُ بالمَطَرِ مَن يشآءُ مِن عبادِهِ بحِكمَتِهِ فإذاهُم يَستَبشِرونَ فَرَحاً و سُروراً و إن كانوا مِن قَبلِ أن يُنزّل عليهِم بالمَطَر مَغمومِينَ مَهمومين قانِطينَ مِن رحمََةِ الله ،
فانظُر أيّها الإنسانُ إليٰ آثارِ رَحمَةِ اللهِ كيفَ يُحيي الأرضَ بالزَّرعِ بَعدَ سَقيِها بالمَطَر بَعدَ يُبسِها إنَّ اللهَ ذلِكَ هُوَ بالتأكيد مُحيي المَوتيٰ يومَ القيامَةِ و هوَ عليٰ كُلِّ شييءٍ أرادَهُ قَديرٌ ،
و لو أنّنا بِحِكمَتِنا و إنتِقامِنا أرسَلنا ريحاً فَرَأوُا الزَّرعَ مُصفَرّاً لَظَلّوا مِن بَعدِهِ يَكفُرونَ باللهِ جَزَعاً فإنّكَ لا تُسمِعُ المَوْتيٰ المَيِّتَةِ قُلوبُهم كلامَ اللهِ و لا تُسمِعُ الطُّروشَ آذانَهُم عَنِ الحَقِّ دَعَوتِكَ إليٰ الوِلايَةِ حينَما يُوَلّونَ مُدبِرينَ عَن وِلايَةِ عليٍّ (ع) و عَن سِماعِ الحَقّ ،
و ما أنتَ يا رسولَ اللهِ بهادي العُميِ القُلوب الّذين لا يُبصِرونَ فضائِلَ عَليٍّ (ع) عَن ضَلالَتِهِم و نِفاقِهِم بَل إن تُسمِعَ إلاّ مَن يُؤمِنُ بآياتِنا النّازِلَةَ بِشَأنِ عليٍّ (ع) فَيَهتَدونَ فَهُم مُسلِمونَ مُوالونَ لِعَليٍّ و وُلدِهِ (ع) ،
وَ اللهُ سُبحانَهُ هوَ الّذي خَلَقَكُم مِن نُطفَةٍ ضعيفَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ ضُعفِ الطُّفولَةِ قُوَّةَ الشَّبابِ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ القُوَّةِ ضُعفَ المَشيبِ و هكذا يخلُقُ ما يشآءُ بِحِكمَتِهِ و هُوَ العليمُ بالمَصالِحِ ألقَديرُ بالأشياء ،
وَ يَومَ تَقومُ ساعَةُ الحَشرِ والبَعثِ والنُّشورِ و الحِسابِ فحينَئذٍ يُقسِمُ المُجرِمونَ بِحَقِّ عليٍّ و الزَّهراء (ع) إنَّهُم ما لَبِثوا في الخِلافَةِ والمُلكِ غَيرَ ساعَةٍ كِذباً و إنكاراً و هكذا كانوا يَكذِبونَ في الدُّنيا ،
و يَقولُ لهُم آلُ مُحمّدٍ (ص) ألّذين اُوتوُا العِلمَ الإلـٰهيَّ و الإيمانَ الكامِل لَقَد لَبِثتُم إليٰ يَومِ البَعثِ سُجِّل عليكُم في صَحيفَةِ أعمالِكُم و كتابِ اللهِ الجَرائِمَ و الآثامَ وَ البِدَعَ تُحاسِبونَ علَيها و لكِنّكُم لا تَعلَمونَ ذلِك ،
فَيومَئذٍ حينَما يَرَوْنَ أنَّ كُلَّ ظُلمٍ الظّالِمين و جَرائِمِهم مُسجَّلٌ في حِسابِهِم لأِنَّهُم أسَّسوا الظُّلمَ يَعتَذِرونَ إليٰ آلِ مُحمّدٍ (ص) و لا يَنفَعُ الّذين ظَلَموا آلَ مُحمّدٍ (ص) مَعذِرَتَهُم و لا هُم يُقبَلُ مِنهُمُ العُتبيٰ ،
و بالتأكيدِ لَقَد ضَرَبنا لِلنّاسِ في هذا القُرآنِ المُنزَلِ مِن كُلّ مَثَلٍ يَدُلُّهُم عليٰ وِلايَةِ عليٍّ (ع) و لَئِن جِئتَهُم يا مُحمّدُ (ص) بآيَةٍ بَشَأنِهِ لَيَقولُنَّ الّذينَ كَفَروا بِوِلايَتِهِ إن أنتُم إلاّ مُبطِلونَ في دَعواكُم ،
كذلِكَ يَطبَعُ اللهُ عليٰ قُلوبِ الّذينَ لا يَعلَمونَ فَضائِلَ عليٍّ (ع) بالنِّفاق فاصبِر إنَّ وَعَدَ اللهِ بالإنتِقامِ مِن أعداءِ عليٍّ (ع) حَقٌّ و حَتمٌ و لا يَستَخِفَنَّكَ الّذينَ لا يُؤقِنون بِوِلايَةِ عليٍّ (ع) بِتَركِ الصَّبرِ و الثَّباتِ عليٰ وِلايَتِهِ .
نشر في الصفحات 1615-1601 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی