(45)
سورة الذّارِياٰت
بإِسمِ ذاتيَ و رحمانيّتي و رحيميّتي اُوحي إليكَ قَسَماً بالطاّقاتِ الذَريّة الذّاريةِ الّتي تَهُبُّ و تَنفَجِرُ بِقُوّةٍ تنشُرُ الذّرّاتَ في الهَواء ،
و قَسَماً بِكُلِّ ذَرّةٍ تَحمِلُ طاقَةً و ثِقلاً و حَرارَةً و إشعاعاً كالأجرامِ السّماوِيَّةِ أو باطِنِ الأرض أو السَّحاب الثِّقال و غيرها ،
و قَسمَاً بالجارياتِ في الفَضاءِ و في الماءِ بِيُسرٍ و سَهولَةٍ كالأثيرِ و الأمواجِ النّوريّةِ و الصّوتيّةِ و الكَهرباءِ و الطّائِرات والسُّفُن و غيرها ،
و قَسمَاً بالملائِكَة المُقسِمة لِلاُمورِ بأمرِ اللهِ كتقسيمِ الأرزاقِ بَيْنَ الخلائِقِ و تَقسيمَ الأعمارِ و تَقسيمَ الأنوارِ و الأخطارِ و الأمطار .
فَقَسماً بِكُلِّ ذلك إنّما تُوعَدون بالمَعادِ والحسابِ و الجَزاءِ و الجَنّةِ و النّارِ والصِّراطِ و الميزانِ فبالتأكيدِ كُلُّهُ وعدٌ صادِقٌ سَيَتَحقّقُ قَطعاً ،
و إنَّ الحِسابَ و الجَزاءَ عن الدّينِ الّذي اُكمِلَ بِولايةِ عليٍّ (ع) لَهُوَ واقِعٌ حَتماً فَتُسألونَ يومَ القيامةِ عن ولايةِ عليٍّ (ع) و تُجازون عليه ،
و قَسَماً بالسّماءِ ذات الطُّرُقِ لِلعُبورِ و مَجاري و مَداراتَ لِلسَّير إنّكُم في قولٍ حَولَ ولايةِ عليٍّ (ع) مُختَلِفٍ فَمُؤالِفٍ و مُخالِف ،
يُصرَفُ عن عليٍّ (ع) و عَن مَوَدَّتِهِ وَ وِلاءِهِ مَن صُرِفَ عن رَحمَةِ اللهِ و فَضلِهِ و هدايَتِهِ و عن سَعادَةِ الدُّنيا و الآخره ،
قاتَلَ اللهُ الخَرّاصونَ بالكَذِب و الإفتراءِ عليٰ مُحمدٍ و أهل بَيْتِهِ (ع) و الّذين في غَمرَةِ النِّفاقِ غافِلونَ عَن وِلايَةِ عليٍّ (ع) و يَسألونَ إستهزاءً مَتيٰ يكونُ يوم الدّين ؟
فيومُ الدّين هو يومٌ هُم عليٰ نارِ جَهنّمَ يُختَبرون كيف يَتَحمّلونَ عذابَها و يُقال لهُم ذوقوا إختبارَكم الحِسِّي بالعذابِ هذا هُوَ الذي كنتُم بهِ تَستَعجِلون مُستَهزِئين ،
و في يومِ الدين عليٰ التَّحقيقِ يكونُ المُتَّقينَ المُوالينَ لآِلِ مُحمّدٍ (ص) و شيعَتِهم في جنّاتٍ و بساتينَ و عيونٍ مِنَ العَسَل و اللَّبَن والشَّرابِ و المآء ،
فَهُم في الجَنّاتِ آخِذينَ ما آتاهُم رَبُّهم مِن نِعَمِ الجَنّةِ و ثِمارِها و حورِها و ثِيابِها و لَذائِذِها جَزآءً وِلايَتِهم لآِلِ مُحمّدٍ (ص) و إنّهُم كانوا قَبلَ ذلِكَ في الدُّنيا مُحسِنينَ بِآلِ مُحمّدٍ (ص) ،
و كانوا هؤلاءِ الشّيعَةِ الأتقياء في الدّنيا لا يَنامونَ في اللّيلِ إلاّ قليلاً و كانوا بالأسحارِ يُصَلّونَ نُوافِلَ اللّيلِ و يَستَغفِرونَ اللهَ و لأِربعينَ مُؤمِنٍ ،
و كانوا يُنفِقونَ في سبيلِ اللهِ و يَدفَعونَ الزَّكَوات و الصَّدَقاتِ إليٰ السّائِلِ الفَقيرِ المِسكينِ والأسيرِ و الحَيْوانِ المَحروم ،
و قَسَماً بالذّارياتِ إنَّ في الأرضِ آياتٌ و دَلائِلٌ عليٰ قُدرَةِ اللهِ وَ وِلايَةِ مُحمدٍ و آلِهِ (ع) لِلمُتَيقِّنينَ بِولايَتِهم حيثُ تَدُلُّ عليٰ ضَرورَةِ نَصبِ الإمامِ المَعصومِ و كذا في أنفُسِكُم فالإمامُ هوَ كالقَلبِ والدَّماغِ في الجِسم ، أفَلا تُبصِرونَ يا ناس ؟؟؟
واعلَموا أيّها النّاسُ إنّ رِزقَكُم مكتوبٌ مُقَدَّرٌ في اللَّوحِ المَحفوظِ في السماءِ تَتَنَزَّلُ الملائِكةُ بهِ عليٰ إمامِ الزَّمانِ المَعصومِ مِن آلِ مُحمّدٍ (ص) ثُمَّ بِبَرَكَتِهِ تُرزَقونَ و كذا ما توعَدونَ مِن رِزقِ الآخرةِ ،
فَقَسماً بِرَبِّ السّماءِ و الأرضِ إنَّ رِزقَكُم لَحَقٌ مِنَ اللهِ بواسِطَةِ وَليّهِ المعصوم مِن آلِ مُحمّدٍ (ص) لا شَكّ فيهِ مثل ما لا شَكَّ في أنّكم تَنطِقونَ فلا تَطلُبوهُ مِن الجائِرين ،
فيا حبيبي هَل وَصَلَكَ قِصّة ضيوفِ إبراهيم جَدِّكَ مِنَ المَلائِكَة المُكرَمينَ جَبرئيلَ و أعوانَهُ حينما نَزَلوا لِعذابِ قَوْمِ لوطٍ و يُبَشِّروهُ بإسحاق ،
حيثُ دَخَلوا عليهِ ضيوفاً فسَلّموا عليهِ قالوا سلاماً عليكَ و عليٰ أولادِكَ المعصومين فأجابَهُم قائِلاً و سلامٌ عليكم أيّها الضّيوفُ الغُرَبآء ،
فانحازُ إليٰ زَوجَتِهِ سارَةَ فطلب لهم طعاماً فأعطَتهُ عِجلَها الرَّبيب بعدَ أن شَوِيَتهُ لهُم فَقدَّمهُ إليهِم و لكنّهم امتَنَعوا عَنِ الأكلِ فقالَ لهُم ألا تأكلونَ طعامي ؟؟؟
فأحَسَّ في قَلبِهِ مِنهُم قَلَقاً إذا أنَّ الضَّيْف كان إذا لَم يأكُل طعاماً فهوَ عَدوٌّ جاءَ لأِخذِ الشّأر فقالوا لا تَخَف نَحنُ ملائِكَةٌ لا نَأكُل ثُمَّ بَشّروهُ بإسحاقَ سيكونُ غلاماً عليماً مِن سارَه ،
فلمّا سمعت سارة البِشارَة أقبَلت مُسرِعةً متعَجِّبةً تصيحُ فلَطَمت وجهَها خَجَلاً و قالت كيف أَلِدُو أنا عجوزٌ في التِّسعين عاقِره ،
فقالوا لها نَعَم بهذهِ البِشارةُ يُبشِّرك اللهُ و قال : إنّي سَأهبُ سارةُ و إبراهيمَ العجوزَيْن غلاماً إسمُهُ إسحاق سيكون نبيّاً واللهُ هوَ الحكيمُ في صُنعِهِ العَظيمُ بِخَلقِهِ ،
فَسَألَهم بعد ذلك إبراهيمُ هل نَزلتُم لهذا فَقَط فما هو شأنكم أيّها الملائِكة المُرسَلون إليٰ الأرض ؟ قالوا إنّا اُرسِلنا إليٰ قومِ لوطٍ المُجرمين نُعذّبُهم و نُهلِكُهُم ،
أرسَلنا اللهُ لِنُرسِلَ عليهِم من السماءِ حجارةً من الطّين المَفخور مكتوبٌ عليٰ كلِّ حِجارَةٍ إسمَ صاحبها بأمر الله خاصّةٌ لِلمُسرفينَ أهل اللّواط ،
فأخرَجنا مَن كان في قريَتِهم من المُومنين قُلنا اخرُجوا منها فما وَجَدنا فيها غير بَيْتِ لوطٍ النّبيّ أحداً من المُسلمين فكان هوَ و بَناتهُ مسلمين فَقَط ،
و تركنا في المدينة أثَراً شاخِصاً من عذابِهم علامةً للذين يخافون العذابَ الأليم فَيَعتَبِرون منها و يتركون اللِّواط .
و تركنا في موسيٰ آيةً إيضاً إذ أرسَلناهُ إليٰ فرعونَ ببُرهانٍ و إعجازٍ بَيِّنٍ واضِحٍ فأعرَضَ بِقَفاهُ عنهُ و قال : أنتَ ساحرٌ أو مجنون لأِنّك تَدّعي إلـٰهاً غيري !!!
فنتيجةً لِقولِهِ ذاك و إعراضِهِ أخذناهُ معَ جنودِهِ في البَحر و النّيل فطَرحناهُم فيهِ ليَغرَقوا فحينئذٍ أخَذَ يلومُ نَفسَهُ عليٰ عِنادِهِ ،
و في قومِ عادٍ إيضاً آية لكم أرسلنا عليهم العاصفة الهَوجآءِ عقيمة الفائِدَة بل كانَت مُدمِّرة مُخرِّبة فعذّبناهُم ،
فعاصفةُ عادٍ كانت ما تَدَعُ مِن شييءٍ قائِمٍ من البِناءِ والزَّرعِ و الأثاثِ و الحيوانِ و الإنسان تَعصِفُ عليهِ إلاّ جَعَلتُه كالبالي ،
و لكم في ثمودٍ آيةً و عِبرَةً حيثُ قيل لهُم بواسطة صالِحِ النّبيّ تَمتّعوا بالمَلذّاتِ والشّهَواتِ حتّيٰ يحينُ مَوعِدُ عذابِكم و هَلاكِكُم ،
فَبَدَل أن يتوبوا إليٰ اللهِ و يُؤمنوا قبلَ نزولِ العذابِ عَصَوا و عَتَوا و خالَفوا أمرَ ربِّهم فأخَذَتهُم الصّاعقةُِ و الصّيحَةُ صباحاً و هُم ينظرونَ نزولَها ،
فحينئذٍ كما رَأوا العذابَ فما استطاعوا أن يَقِفوا قائِمين بَل جَثَوا عليٰ رُكَبِهِم مِن شِدّةِ الخَوفِ و هَول الصّاعِقَةِ و ما كانوا مُنتَصرينَ عليٰ صالحٍ النّبيّ (ع) ،
و تَذكَّروا قومَ نوحٍ من قَبلِ عادٍ و ثَمودَ إنّهم كانوا قوماً فاسقين بتركِ طاعَةِ نوحٍ و إصرارِهِم عليٰ مُخالَفَتِهِ فأغرقناهُم بالطّوفان ،
و تذكّروا قُدرَتَنا فالسّماءَ بَنيناها بطاقاتٍ و جاذبيّاتٍ بِيَدِ قُدرَتِنا و قُوَّتِنا و إنّا لموسِعون أكنافَها و الأرض مَهّدناها كافرش فَنِعمَ الماهِدونَ لكُم
و ما عَداء ذاتِنا الواجِب الوجودِ الفَردِ فإنّا خَلَقنا كلّ شييءٍ في الوجودِ مُزدَوَجاً أو مُكرّراً أو مُماثِلاً أو متزاوِجاً لعلّكم تتَذكّرون وَ حدانِيّةِ اللهِ و قُدرَتِه ،
فَيا أيّها النّاس إهرَبوا مِن عذاب اللهِ و فِرّوا إليٰ اللهِ وَ تمَسّكوا بولايةِ عليٍّ و آل مُحمّدٍ (ص) يُنجيكُم مِن عَذابهِ إنّي لَكُم مِنَ اللهِ نَذيرٌ واضِحُ الإنذارِ إن تَركتُم وِلايَتَهُم
و لا تَجعَلوا مَعَ اللهِ إلـٰهاً آخَرَ مِن وُلاةِ الجَوْر و الحُكّام و الخُلَفاءِ و الاُمَراءِ تُطيعونَهُم كما تُطيعونَ اللهَ إنّي لكُم من اللهِ نذيرٌ بَيِّنٌ اُنذِرُكُم عاقِبَة طاعَةِ الخُلَفاء ،
و كما يقولُ المُنافِقون لكَ يا حبيبي إنّكَ ساحِرٌ أو مجنونٌ فكذلك ما أتيٰ الّذين مِن قَبلِهِم مِنَ الكُفّار مِن رسولٍ مِن عِندِ اللهِ إلاّ قالوا هُوَ ساحِرٌ أو مجنونٌ ،
هل أوصيٰ أولئكَ الكفّارُ هؤلاءِ المُنافقينَ بذلك كَلاّ بَل هُم قومٌ طاغونَ يدعوهُم طُغيانهم لهذا فأعرِض عنهم فما أنتَ بِمَلومٍ عليٰ نَصبِكَ عليّاً (ع) لِلولايَةِ ،
و ذَكِّر النّاسَ يا حبيبي بِفَضائِلِ عليٍّ و أهل البيت (ع) و ذَكِّرهُم بثواب التّمَسُّكِ بولايَتِهم و عِقابِ مُخالَفَتِهم فإنّ الذِّكريٰ تَنفَعُ المُسلمينَ المُؤمنين ،
و ذَكِّر النّاس بأنّي ما خَلَقتُ الجِنَّ و الإنسَ إلاّ لِيَعبدوني بِمُوالاة عليٍّ و آل محمدٍ (ص) و مَوَدّتِهم و طاعَتِهم و لو لا هُم لما خَلَقتُ الخَلقَ و الأفلاك ،
و عندما آمُرُهُم بالخُمسِ والزَّكاةِ يدفعوها إليٰ النّبيّ و أهل بيتِهِ (ع) ما اُريدُ مِنهُم مِن رِزقٍ لي منهم و ما اُريدُ أن يُطعِمونِ بل اُريدُ تَطهيرَهُم و تزكِيَتَهُم بذلك ،
بالقَطعِ واليَقينِ والتأكيدِ إنَّ اللهَ هوَ الرزّاقُ لِعبادِهِ يرزُقُهم بواسِطَةِ محمدٍ و آلِهِ (ص) و بِبَرَكَتِهِم و هو ذوالقُوّةِ الشّديدُ عليٰ الإرزاقِ و بِيُمنِهِم رَزَقَ بالقُدرَةِ ،
و بعدَ هذا فإن للّذين ظَلَموا آلَ مُحمّدٍ (ص) مِثلَ ذنوبِ أتباعِهِم مُضاعَفَةً فيَحمِلونَ أوزارَ أصحابِهِم أيضاً فَليَثيبوا إليٰ رُشدِهِم و لا يَستَعجِلونَ بالظُّلم ،
فَالويلُ و العَذابُ والثُّبور واللَّعنَةُ الدّائِمَةُ لِلّذينَ كفَروا بولايةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) وَ وَيْلاهُ لهُم من يومِ القيامَةِ الّذي يوعَدونِ بهِ لِلعقاب .
نشر في الصفحات 1108-1100 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی