(42)
سورة الدُّخان
بإِسمِ ذاتِيَ المُستَجِمعِ لِصفاتِ الكَمالِ و الجَلالِ و الجَمالِ و رحمانيّتيَ الواسِعَةِ و رحيميَّتِيَ الخّاصَّةِ بالمُؤمنينَ اُوحي إليكَ بِرَمزِ حآء ميم النّورانيّ ،
فالقرآنُ المُبينُ لِلأحكامِ والعُلومِ و العَقائِدِ الحَقّةِ إنّا أنزلناهُ بواسطةِ جبرائيل عليكَ في ليلة القدرِ المُبارَكةِ 21 رمضان إنّا كُنّا مُنذِرين بهِ أعداءَ آل مُحمّدٍ (ص) ،
ففي ليلةِ القَدرِ يُقسَمُ و يُقَدَّرُ كُلّ أمرٍ مُحكَمٍ مِنَ الأرزاقِ و الأولادِ و الأَعمارِ لِمُدّةِ سَنَةٍ كامِلَةٍ لجميعِ النّاسِ أمراً مُقَدّراً مِن عِندِنا إنّا كُنّا مُرسِلين الملائِكَةَ بها إليٰ الوَليِّ المَعصومِ لِيُمضيها ،
كلّ ذلك رَحمةً مِنَ اللهِ ربّك لاُِمّتِك إنّهُ هو السميعُ العليمُ لأِقوالِهِم و أفعالِهِم و هو رَبُّ السماواتِ و الأرضِ و ما بَيْنَهما مِنَ الخَلقِ يَتَولّيٰ شُؤونَهم إن كنتُم موقِنين بِلَيلةِ القَدر ،
لا إلـٰه إلاّ هو فلا تَطيعوا سِواهُ مِن وُلاةِ الجَوْر و الطّواغيت فاللهُ يُحيي و يُميتُ مَن تُطيعوهُ و هو ربّكم و ربُّ آباءِكم الأوّلين يَتَولّيٰ شؤونكم فلستُم موقِنين بَل أنتُم في شَكٍّ منهُ تَلعَبونَ بالخِلافَةِ و المُلك ،
فارتَقِب لهُم يا حبيبي يومَ تأتي السّماءُ لهُم بِدُخانٍ بَيِّنٍ يُريٰ صادِرٌ مِنَ الصّواعِقِ السّماويّةِ يَعُمُّ النّاسَ فيقولون هذا عذابٌ أليمٌ لنا مِنَ الله ،
و يقولون حينئذٍ رَبّنا اكشِف عنّا العذابَ السّماويَّ هذا إنّا مُؤمِنونَ مِنَ الآن بِوِلايَةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) و نكونُ مِن شيعَتِهم ،
أنّيٰ يكونُ لهُمُ الذِّكريٰ بِصِدقٍ و قد أتمَمنا عليهِمُ الحُجَّةَ و جاءَهُم رسولٌ مُبيِّنٌ لهم عاقِبَةٌ طُغيانِهم ثُمّ تَولَّوْا عنهُ مُعرِضين و قالوا هُوَ مُعَلَّمٌ بما يأمُرُنا بهِ مِن ولايَةِ عليٍّ مِن عليٍّ نَفسُهُ و هوَ مَجنونٌ جُنَّ بِحُبِّ عليٍّ (ع) ،
إنّا مَعَ ملائِكةِ الرَّحمَةِ كاشِفون عنكُم العَذابَ بِبَرَكَةِ محمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) و نرفَعُ عنكُم المَجاعَةَ و القَحطَ بِبَركَتِهِم لكنّكم قليلاً بعدُهُ إنّكُم عائِدونَ في مُعاداتِكُم لِعَليٍّ (ع) ،
فَلِأنّكم عائِدون في مُعاداتِكم لمُحمدٍ و آلِهِ (ص) فَستَروْنَ يومَ بَذرِ نَبطِشُ بِكُمُ البَطشَةَ الكُبريٰ بِسيفِ عليٍّ (ع) فيَقتُل صناديدِكُم إنّا مُنتَقِمونَ مِنكُم بِعليٍّ (ع) ،
و بالتأكيدِ إنّا اختَبَرنا قَبلَ اُمّتِكَ قومَ فرعونَ الأقباطِ و جاءَهُم موسيٰ رسولٌ كريمٌ مُكرَّمٌ و قالَ لهُم أدّوا إليَّ الطّاعَةَ يا عِبادَ اللهِ إنّي رسولٌ لكم مِن قِبَلِ اللهِ أمينٌ عليٰ الرِّسالَةِ ،
و رسولٌ إليكُم بِأن أقولَ لكُم لا تَعلُوا عليٰ اللهِ بالشِّركِ و الكُفرِ و العِصيان إنّي آتيكُم بإعجازٍ واضِحٍ بَيِّنٍ كانقلابِ العَصيٰ حَيَّةً واليَدِ البَيْضآء و غيرِهما و إنّي أعوذُ باللهِ أن ترجموني بالسِّحر ،
و قال لهُم موسيٰ إن كنتُم لا تُؤمنون لي و لرسالتي فاعتَزِلوني جانِباً و اترُكوا مُعاداتي و مُخالَفَتي ثُمَّ دَعا ربَّهُ قائِلاً إلـٰهي إنّ هؤلاءِ قومٌ مُجرِمونَ بِطاعَةِ فرعون ،
فأمرناهُ أن أسرِ و اخرُج عنهُم بعباديَ المُؤمنين أتباعِك ليلاً لِكَي لا يَلتَفِت فرعونَ و جنودُهُ فيَتَّبِعونَكُم واترُكِ النّيلَ بعدَ عبِورِكَ مِنهُ مُنفَرِجاً إنّهُم جُندٌ مُغرَقونَ فيهِ ،
فَكَم تَركوا بعدَهُم قومُ فرعونُ مِن بساتينَ و عيونِ المياهِ و زُروعٍ و مَساكِنَحَسَنَةٌ و نَعمَةً مِنَ المالِ و البَنينَ كانوا فيها مُتفَكِّهينَ مُتَنَعِّمين ،
كذلك المَقامِ الكريمِ و الجنّاتِ و العُيونِ و النّعمةِ الّتي كانَت لهُم أورَثناها كلّها قوماً آخَرين هُم بني إسرائيل فما حَزَنَ عليٰ فَقدِهِم أهل السماءِ والأرضِ و لا كانوا ذُو مُهلَةٍ في العَذاب ،
و باتأكيد إنّا نَجّينا بني إسرائيل مَعَ موسيٰ مِن العذابِ الّذي يُهينُهم بهِ فرعونُ مِن قَتلِ أبناءِهم و أسرِ نِساءِهِم إنّ فرعونَ كانَ مُستَعلِياً عليهِم مِنَ المُسرِفين في تعذيبِهم ،
و لَقَد اختَرنا بني إسرائيلَ لِلنّجاةِ مِن فرعونَ عليٰ عِلمٍ منّا بأنّهم آمَنوا بموسيٰ و شريعَتِهِ و آتيناهُم مِنَ المُعجِزاتِ ما فيهِ إختبارٌ لهُم واضِحٌ بَيِّنٌ ،
إنَّ هؤلاء المُشركينَ و المُنافِقين كأبي جهلٍ و أبي سُفيانَ و حِزبَهُما ليقولونَ : ألمَوتَةَ إن هِيَ إلاّ مَوتَتنا الأوليٰ و ما نَحنُ بِمَبعوثين يومَ القيامَةِ ثانِيَةً فآتوا بآباءِنا إن كنتُم صادِقينَ أنّهُم سَيُحيَوْن ،
فآباءِ هؤلاءِ أفضَلُ مالاً و جاهاً و مِلكاً أم قومُ تُبَّعٍ مُلوكُ اليَمَن العُظَماء ؟
حتّيٰ نُرجِعَ هؤلاءِ و نَترُكَ أولئِكَ و قد أهلَكناهُم قَبلَهُم إنّهُم كانوا مُجرِمينَ و لم نُرجِعهُم ،
و ما خَلقتُ و أنا العَظيمُ هذِه السّماواتِ و الأرضِ و ما بَيْنَهما مِن الخَلقِ لَغواً و عَبَثاً كي نَستَجيبَ لِما يَشتَهونَ و ما خَلقتُهما إلاّ بالحِكمَةِ و الجِدِّ لِيَعبدونا و لكنّ أكثَرَ المُنافِقين لا يَعلمون ،
إنَّ يوم القيامَةِ يوم الحُكمِ الفَصلِ موعِدُهُم أجمعين فيُحشَرون فيهِ يومَ لا يُفيدُ و لا يَنفَعُ مَوليًٰ مِنَ الخُلَفاءِ عَن وَليِّهِ شيئاً في الحِسابِ و لا هُم يُنصَرونَ مِنَ العَذاب ،
إلاّ مَن رَحِمَهُ الله مِن شيعةِ آل مُحمّدٍ (ص) والمُؤمنين فإنَّ مولاهُ عليٌّ (ع) يُغنيهِ و يُفيدُهُ و يَنفَعُهُ بالشَّفاعَةِ و يَنصُرُهُ مِنَ العَذابِ إنّ اللهَ هو العزيزُ الرّحيمُ بالمُؤمنين
بالتأكيد إنَّ شَجَرةَ الحَنظَلِ المُرّةِ في الجَحيمِ هي طعامُ الأثيمِ بِتَركِ ولايةِ آل محمدٍ (ص) و النّاصِب لِعداوَتهِم كأبي جَهلٍ و أبي سُفيانَ و حِزبَهُما و هوَ كالنُّحاسِ والرِّصاصِ المَصهورِ يَغلي في بطونِ المُنافقين كغَلي الماءِ !!
فيومئذٍ يُنادي عليٌّ (ع) قسيمُ النّارِ و الجَنّةِ ملائِكَةَ جهنَّمَ فَيأمُرُهُم أن يأخُذوا عَدُوَّهُ و يَجُرّوهُ إليٰ وَسَطِ الجَحيمِ ثُمَّ يَصُبّوا فوقَ رأسِهِ مِن الحَميمِ المَصهورِ فيقولُ ذُقْ إنّكَ كُنتَ العزيزُ الكريمُ بالخِلافَةِ هذا جزاءُ ما كنتُم بهِ تُجادِلون ،
بالتأكيد في ذلك اليَوم إنَّ المُتّقينَ المُوالينَ لآِِل محمّدٍ (ص) يكونونَ في مقامٍ وَ مَقَرٍّ أمنٍ و أمانٍ في جنّاتٍ عليٰ حافَّةِ عيونِ الماءِ و العَسَل و اللَّبَن ،
فَمَوالي أهل البَيْتِ (ع) يَلبَسونَ في الجَنَّةِ مِن سُندُسِ الحَريرِ و نمارِقِ الدّيباجِ فَيَجلُسونَ مُتَقابِلينَ يَتَحدَّثونَ و في هذِهِ الحالِ نُزوّجُهُم بنِساءٍ بِيضٍ واسِعادتِ العَيْنِ يَدعوُنَ الغِلمانَ أن يأتوهُم بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنينَ مِن كُلّ خَوْفٍ ،
لا يذوقونَ ألَمَ المَوْتِ في الجَنَّةِ فلا يَموتونَ إلاّ المَوتَةَ الاُوليٰ في الدّنيا و يَقيهِمُ اللهُ عَذابَ النّارِ كُلّ ذلك فَضلاً مِنَ اللهِ لِمُوالاتِهِم آلَ محمدٍ (ص) ذلكَ هو الفَوْزُ العَظيمُ لَهُم
فَنحنُ إنّما سَهّلنا و بَيّنا هذا الأمرَ عليٰ لِسانِكَ لاُِمَّتِكَ في القُرآنِ أمَلاً مِنّا لَعلّهُم يَتذَكّرونَ أهمِيَّةَ وِلايَةَ عَليٍّ و أهل البَيْت (ع) ،
فانتَظِر يا حبيبي أن يَنالوا ما تَوَعّدناهُم بهِ كما أنّهُم مُرتَقِبونَ وَ فاتِكَ حتّيٰ يَغتَصِبوا الخِلافَةَ مِن عَليٍّ و مِن الزّهراءِ (ع) فَدَكاً .
نشر في الصفحات 1078-1074 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی