(43)
سورة الجاثِيَة
بإِسمِ ذاتيَ القُدسيّ و صِفَتي الشّامِلة بالرَّحمةِ جميعَ خَلقي مِن إسمِ رحمانيّتي و رَحمتِيَ الّتي أختَصُّ بِها بِرَحيميّتي اُوحي إليكَ بِرَمزِ حا ميم النّوراني
تنزيلُ القُرآنِ كتابُ وحيِ اللهِ هُوَ مِن كلامِ اللهِ يُنَزِّلُهُ بواسطةِ جَبرئيل عليٰ رسولِهِ بِعزَّتِهِ لأِنّهُ عزيزٌ و بِحِكمَتِهِ لأِنّهُ حكيمٌ ،
بالتأكيد إنَّ في السّماواتِ و الأرضِ لَعَلاماتٍ و دلائِلَ و بَراهينَ تَدُلُّ المُؤمِنينَ عليٰ ضَرورَةِ نَصبِ الإمامِ و إنّهُ وليُّ اللهِ في السماواتِ و الأرض ،
و كذلكَ في خَلقِ أبدانِكُم حيثُ جَعَلَ العَقلَ أميراً في الجَسَد و في خَلقِ ما يَنتَشِرُ بقُدرَةِ اللهِ في الأرضِ مِن دابّةٍ فلا بُدَّ لِلأنعامِ مِن راعٍ و لا بُدَّ لِلنَّحلِ مِن يَعسوبٍ ، كلّ ذلكَ دَلائِل عليٰ وجوبِ نَصبِ الإمامِ لِقَومٍ يُوقِنونَ بذلك .
و في اختلافِ اللّيل و النّهار عَلامَة عليٰ اختِلافِ نورِ آل محمّدٍ (ص) و ظُلمَةِ أعداءِهِم و في ما أنزَلَ اللهُ مِن المَطَر فأحيا بهِ بَعضَ الأرضِ دونَ بعضِهِ دليلٌ عليٰ أنَّ الوِلايَةَ تُحيي بَعضَ القلوبِ و كذا الرّياحُ اللّواقِحُ فلا تَسفيدُ منها كُلّ شَجَرَةٍ ، فهذهِ دلائِلُ يَفهُمُا العُقَلاءُ فَقَط ،
فتِلكَ هي بَراهينُ اللهِ عليٰ ضَرورَةِ نَصبِ عليٍّ (ع) لِلإمامَةِ نتلوها عليك يا مُحمّد (ص) بالحَقِّ واليَقينِ والصِّدقِ فَبِأيّ حديثٍ بَعدَ كلامَ اللهِ و آياتِهِ يُؤمنون هؤلاء ؟
ألويلُ و العَذابُ والثّبور لِكُلِّ أفّاكٍ يَكذِبُ عليٰ مُحمّدٍ (ص) و أثيمٍ يَظلِمُ آلَ مُحمّدٍ (ص) يَسمَعُ آياتِ الله تُتليٰ عليهِ بِشأنِ آل مُحمّدٍ (ص) ثُمَّ يُصِرُّ مُستَكبِراً عليهِم كَأنّهُ لم يسمعها فَتَوعَّدهُ بعذابٍ أليمٍ في جَهنّم ،
و إذا عَلِمَ الأفّاكُ الأثيمُ عَدوُّ آل محمّدٍ (ص) نزولَ شيئاً من آياتِنا بِشأنِ آل مُحمّدٍ (ص) اتَّخَذها سُخرِيّةً يستَهزِءُ بها أولئِكَ المُنافِقون لهُم عذابٌ يُهينُهُم في جَهنَّم .
فَمِن وَراءِ هؤلاءِ بعد ما يموتونَ جَهنّم و لا ينفَعُهُم ما كَسَبوا شيئاً مِنَ الخِلافَةِ و المُلكِ والسُّلطان و لا ما اتَّخَذوا مِن دونِ اللهِ أولياءَ مِن وُلاةِ الجَوْر و لهُم عذابٌ عظيمٌ يستغيثُ مِنهُ أهلُ النّار ،
هذا الأمرُ أي مُوالاةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) و مُتابَعة عليٍّ (ع) و مُشايِعَته هو هُديًٰ من اللهِ و فوزٌ و فَلاحٌ والّذين كفَروا بولايةِ محمدٍ و آلِهِ (ص) و آياتِ ربّهم النّازِلَةِ بشأنِهم لهُم عذابٌ مُضاعَفٌ مُؤلِمٌ ،
فاللهُ جَعَلَ أهل البيت (ع) كسفينةَ نوحٍ مَن رَكِبَها نَجيٰ و مَن تَخلّفَ عنها غَرِق كما سَخَّر لكُمُ البَحَر لِتَجري السُّفُنُ فيهِ بأمرهِ فتَحمِلُكُم لِتَبتَغوا مِن فَضلِهِ رزقاً و لعلّكم تَشكرونَ نِعمَةَ ولايةِ آل محمدٍ (ص) ،
و سَخَّرَ لآِلِ مُحمّدٍ (ص) تكويناً كلّ ما في السّماواتِ و ما في الأرضِ لُطفاً لكم تسخيراً منهُ فَلَهُم الوِلايَةُ التّكوينيّةُ عليها إنّ في ذلك لَآياتٍ لِقومٍ يَتَفكّرون في فَضائِلِهم ،
قل يا حبيبي لِعَليٍّ والزّهراء (ع) و رَبعِهِما لِيَصبِروا فَلا يَنتَقِموا و لا يَثأروا عِقاباً للّذين أساؤا إليهِم مِن أهلِ الجَوْر الّذين لا يعتَقِدونَ بِمجييءِ أيّامِ اللهِ كيومِ قيامِ القائِمِ (ع) و يومِ القيامَةِ فَعِندها لِيَجزيهِمُ اللهُ بما كانوا يكسِبونَ بِحَقّهم مِنَ الظّلم ،
فالجَزاءُ مُطابِقٌ لِعَمَلِكُم فَمَن عَمل صالِحاً و تولّيٰ آل محمّدٍ (ص) فَنَفعُهُ لِنَفسِهِ و مَن أساءَ و تَركَ موالاتِهم فَعَليْها ضَرَرُهُ ثُمّ إليٰ اللهِ تُرجَعون يومَ القيامَةِ فيُحاسِبُكم ،
و لقد آتينا بني إسرائيلَ التّوراة و آتيناهُم فيهِ الحُكمَ بوجوبِ الإيمانِ بِمُحمّدٍ و آلِهِ (ص) حينَ بِعثَتِهِ و آتيناهُم بِشارَةَ نُبُوَّتِهِ و رَزقناهُم من الطيّباتِ بِبَركَةَ محمدٍ و آلِهِ (ص) و فَضّلنا مُحمّداً و آلَهُ (ص) عليٰ جميعِ العالَمين ،
و آتيناهُم في القرآنِ بَيّناتٍ و آياتٍ واضِحاتٍ مِنَ الأمرِ بالتَمَسُّكِ بولايةِ محمدٍ و آل محمدٍ (ص) فما اختَلَفوا عنها إلاّ مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بفضائِلِهم في القرآن و اختلافِهم كانَ بَغياً بَيْنَهُم و عِناداً ،
إنَّ اللهَ ربّك يا مُحمّد سَيَحكُمُ بينهم يوم القيامةِ فيما كانوا يختَلِفون فيهِ مِن أمرِ الخِلافَةِ و الإمامَةِ و ينقُضونَ بَيْعَةَ الغدير ،
ثُمّ يا حبيبي نحنُ جعلناكَ عليٰ طريقةٍ شرعيّةٍ مِن أمرِ الإمامَةِ و الوِلايَةِ فأمرناكَ بِنَصبِ عليٍّ (ع) لها فاتَّبِعها و لا تَتَّبِع أهواءَ بني اُميّة الّذين لا يعلَمون أسرارَ الوِلايَةِ ،
إنّ المُنافقينَ و مُخالِفي عليٍّ (ع) لن يَدفَعوا عنكَ مِنَ اللهِ شيئاً مِن العِقاب لو اتَّبَعتَهُم و إنَّ الظّالمين لآِلِ محمّدٍ (ص) أولياءٌ لِبَعضٍ و لكنّ الشّيعة المُتّقين فاللهُ وَليُّهُم و عليٌّ (ع) مَولاهُم ،
هذا الأمرُ بولايةِ عليٍّ (ع) هُوَ دلالةٌ لِلنّاس لِيُبصِرونَ طريقَ سعادَةِ الدّنيا و الآخرة و يَتبَصَّرونَ في الدّينِ و هو هُديًٰ و رَحمَةً لِقومٍ يوقِنون بوجوبِ مُوالاتِهِ ،
نَسألُ مُستَنكِرينَ هَل حَسِبَ الّذين اقتَرَفوا عِداءَ آل محمّدٍ (ص) و الآثام أن نجعلهم كالّذين آمَنوا بولايَتِهم و عملوا الصّالحاتِ ؟ مُتساوينَ في كيفيّةِ نَزعِ أرواحِهِم و نُشورهِم قَبُحَ حُسبانَهُم ، هَيهات .
ليس كما يَحسَبونَ فاللهُ عادِلٌ خَلَقَ السّماواتِ و الأرضَ بالعَدل و لِتُجزيٰ كُلّ نَفسٍ إنسيَّةٍ أو جِنيّةٍ مُنافِقةٍ أو مُوالِيَةٍ لآِل مُحمّدٍ (ص) بما كَسَبت بالعَدلِ و هُم لا يُظلَمون في الجَزاء
أفَرَأيتَ يا حبيبي مَن تَركَ الولايَةَ وَ اتّخَذَ إلـٰهَهُ هَواهُ النَّفسانِيّ وتَركَهُ اللهُ في ضَلالَتِهِ مَعَ عِلمِهِ بأنّهُ ضالٌّ و أغلَقَ سَمعَهُ و قَلبَهُ عن سِماعِ فضائِلِ آلِ محمّدٍ (ص) و أغمَضَ عينَيْهِ عن رُؤيَةِ أنوارِهِم فَمَن يَهديهِ مِن بَعدِ اللهِ لِوِلايَتِهم أفلا تَتَذَكَّرون ؟
و قال المُنافِقون و المُشرِكونَ ماهِيَ الحياةُ إلاّ حياتُنا الدّنيويّة فلا حياةَ اُخرَويّةَ بعدَها بَل نموتُ و نَحيا هُنا فَقَط و ما يُميتُنا إلاّ الزّمان يُنهي أعمارَنا و ما لهُم بذلكَ مِن عِلمٍ إن هُم إلاّ يَظُنّون ذلكَ و هوَ ظَنٌّ باطِلٌ
فهم حينما تُتليٰ عليهِم آياتُنا النّازِلةُ بِشَأنِ آل محمدٍ (ص) واضحاتٍ ما كانَ إحتجاجَهُم في قِبالِها إلاّ أن قالوا يا آلَ مُحمّدٍ ائتوا بِآباءِنا اُمّيَةَ و عَبدَ شمسٍ أحياءً إن كنتُم صادِقين بِأنّكم أولياءُ الله ،
قُل لَهُم يا حبيبي : إِنّهُ يُحييكُم في الرَّجعَةِ عندَ ظُهورِ المَهديِّ (ع) ثُمَّ يُميتُكم بِسَيفِهِ ثُمَّ يحشرُكُم في يومِ القيامَةِ لا شَكَّ في ذلكَ و لكنَّ أكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ الرَّجعَه ،
وَ قُل لَهُم يا حبيبي : إنَّ لِلّه مُلكُ السّماواتِ والأرضِ فيُولّي عليها آلَ مُحمّدٍ بِمَشيئَتِهِ و يوم تقومُ ساعة القيامَةِ في ذلك اليوم يَخسَرُ المُبطِلونَ بِعِداءِهِم لآِلِ مُحمّدٍ (ص) ،
فيا حبيبي يومئذٍ تريٰ كلّ طائِفَةٍ و فِرقَةٍ جاثيةً عليٰ رُكَبِها تَنتَظِر نَتيجَةَ الحسابِ و كُلّ اُمّةٍ من الاُمَم تُدعيٰ إليٰ صحيفة أعمالِها و يُقالُ لَها : أليوْمَ تُجزَوْنَ ما كُنتُم تعمَلونَ في الدّنيا ،
و يُقالُ لهُم هذا كتابُنا الّذي كَتَبَتهُ ملائِكتُنا الحَفَظَة الرّقيبانِ العَقيدان فالآن يَنطِقُ عليكم بالحَقِّ و الصِّدقِ عمّا عَمِلتُم إنّا كُنّا بواسطةِ ملائِِكتِنا نَستَنسِخُ ما كنتُم تعمَلونَ في الدّنيا ،
فيومَئذٍ يختَلِفُ الجَزاءُ فأمّا الّذين آمَنوا بولايةِ مُحمّدٍ و آل محمّدٍ و عَمِلوا الصّالِحاتِ مِثلَهُم فَيُدخِلُهُم اللهُ في جَنّةِ رَحمَتِهِ و ذلك الجَزاءُ هو الفوزُ البَيِّنُ لهُم وَ واضِحٌ ،
و أمّا الّذين كفروا بولايةِ محمدٍ و آل محمدٍ فيُخاطِبُهُم اللهُ لائِماً أفَلَم تَكُن آياتي بِشأنِ آل محمدٍ (ص) تُتليٰ عليكُم عَلَناً فاستَكبَرتُم عن ولايتهم و كنتُم قوماً مُجرمين بِعِدائِهم ؟
و كنتُم إذا قيل لَكُم إنّ وَعَد اللهِ بعذابِ أعداءِ آل محمّدٍ (ص) حَقٌّ و ساعةُ القيامَةِ لا شكَّ فيها ستَجييء قُلتُم ما نَدري ماهِيَ السّاعَةُ نحنُ لا نَظُنُّ بها إلاّ ظَنّاً وَ ما نَحنُ مُتَيَقِّنين ،
فيومَئذٍ ظَهَر لهُم نتيجة سيّئاتِ ما عَمِلوا مِن تَركِ مُوالاةِ آل مُحمّدٍ (ص) و نَزَلَ و وَقَعَ بِهِم ما كانوا بهِ يَستَهزِؤنَ مِن العَذاب في الدّنيا ،
فيومَئذٍ يقول آل مُحمّد (ص) لأِعداءِهِم في هذا اليوم نَنساكُم مِنَ الشَّفاعَةِ كما تَناسَيتُم لِقاءَ يومِكُم هذا و مَصيرُكم و مَثواكُم النّارُ الحَريقِ و ما لَكُم مِن وُلاةِ الجَوْر ناصِرين منها ،
ذلكم العَذابُ جَزاءٌ بأنّكم اتَّخذتُم آيات اللهِ النّازِلةِ بشأنِ آل مُحمّدٍ (ص) مَهزَلَةً و سُخرِيَّةٌ و غَرَّتكُمْ مُغرياتِ الدّنيا فاليومُ الموعودُ لا يُخرَجونَ من جَهنّم و لا هُم تُقبَلُ مِنهُم العُتبيٰ و التَّوبَة ،
فَلِلّهِ الحَمدُ عليٰ اختيارِهِ مُحمّداً و آلِهِ (ص) لِلوِلايَةِ و هو رَبُّ السماواتِ و الأرضِ رَبُّ العالَمينَ أعرَفُ بِمَصالِحِهم و لهُ الكبرياءُ في السّماواتِ و الأرضِ فَقَط فلا يَحِقُّ لِوُلاةِ الجَوْرِ أن يستَكبِروا واللهُ هو العزيزُ في مُلكِهِ ألحَكيمُ في صُنعِهِ .
نشر في الصفحات 1087-1079 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی