(97)
سورة الحَشرْ
قَدَّسَ اللهَ و نَزَّهَهُ بِلِسانِ حالِهِ التّكوينيّ عَن جَميعِ العُيوبِ والنَّقائِصِ كُلّ ما في السّماواتِ والأرضِ مِن مَخلوقٍ واللهُ هو العزيزُ في مُلكِهِ ألحَكيمُ في سُلطانِه ،
واللهُ تعاليٰ شَأنُهُ هو الّذي أخرَجَ الّذين كفَروا مِن يَهودِ بَني قُرَيْظَةَ حُلَفاء بَني اُمَيَّةَ مِن ديارِهِم لأِوَّلِ جَلاءٍ لهُم و حَشرٍ و جَمعٍ لِلخُروجِ مِن جَزيرَةِ العَرَبِ ما ظَنَنتُم أن يَخرُجوا بِسُرعَةٍ و هُم ظَنّوا أنَّهُم ما نِعَتُهُم حُصونُهُم مِنَ الله ،
فأتاهُمُ اللهُ بِجَيْشِ مُحمّدٍ (ص) مِن حيثُ لَم يَحتَسِبوا و لَم يَظُنّوا و قَذَفَ في قُلوبِهِمُ الرُّعبَ مِن عَليٍّ (ع) فَخَرجوا يُخرِبونَ بُيوتَهُم بأيديهِم كَي لا يَسكُنُها أحَدٌ و بِأيدي المُؤمِنين دَمَّروها عليهِم فاعتَبِروا يا أصحابَ التَّدَبُّرِ والتَّفَكُّر ،
وَ لو لا أن كَتَبَ اللهُ و حَكَمَ عليهِم بِجَوازِ الجَلاءِ مِن ديارِهِم إليٰ الشّامِ لَعذَّبَهُم في الدّنيا بالقَتلِ بِأيدِيكُم و لَهُم في الآخِرَةِ عذابُ النّارِ و إتماماً لِلحُجَّةِ حَكَمَ عَلَيهِم بالجَلاء ،
كُلُّ ذلِكَ لأِجلِ أنّهُم عانَدوا و خالَفوا اللهَ و رَسولَهُ مُحمّداً (ص) و مَن يُعانِدِ اللهَ فَإنَّ اللهَ سيُعاقِبُهُ و يَغلِبُهُ واللهُ شَديدُ العِقابِ لِمَن عانَدَه ،
و أنتُم أيّها المُسلِمونَ ما قَطَعتُم نَخلَةً و شَجَرَةً لهُم أو تَركتُموها قائِمَةً عليٰ جُذورِها فَكُلّ ذلِكَ بِإذنِ اللهِ لَكُم في ذلِكَ و أمرِهِ و لِكَي يُخزِي الفاسقينَ المُعتَدين ،
وَ ما رَدَّ اللهُ عليٰ رَسولِهِ مِنَ الأموالِ مِنهُم فما أجرَيْتُم عليها مِنَ الخَيْلِ و الإبِلِ عَفوَةً و جِهاداً بَل تَرَكوها و ذَهَبوا فَسَلَّطَ اللهُ رَسولهُ عليٰ مَن يشآءُ مِن أعداءهِ واللهُ عليٰ كُلّ شييءٍ قَديرٌ فهِيَ لهُ وَحدَه ،
فما رَدَّ اللهُ عليٰ رَسولِهِ مُحمّدٍ (ص) مِن الغَنيمَةِ مِن أهلِ قُريٰ خَيْبَرٍ و فَدَكٍ بِسَيفِ عليٍّ (ع) فَهُوَ لِلّهِ و لِلرّسولِ و لِآلِ مُحمّدٍ (ص) و أيتامَهُم و مَساكينَهُم و إبن السّبيلِ منهُم كَي لا يكونَ دَولةً مِنَ الثَّروَةِ بَيْنَ الأغنياءِ مِنكُم حينَما يَغصِبونَ الخِلافَه ،
وَ ما آتاكُمُ الرَّسول مُحمّدٌ (ص) أيُّها المُسلِمونَ مِن سُنَّتِهِ فَخُذوهُ و ما نَهاكُم عَنهُ فانتَهوا عَنهُ و لا تَقتَرِفوهُ واتَّقوا اللهَ و خافُوهُ إن لَم تَنتَهوا إنَّ اللهَ شَديدُ العِقابِ لِمَن خالَفَ سُنَّتَهُ و شَرعَهُ واغتَصَبَ فَدَكاً ،
والغَيْيء حَقٌّ خاصٌّ لِلفُقَراءِ مِن آلِ مُحمّدٍ المُهاجِرينَ مِن مَكّةَ (عليٌ و رَبعُهُ ) الَّذينَ أخرَجَهُم مُشرِكوا قُرَيشٍ وَ بَني اُمَيَّةَ مِن ديارِهِم وَ أموالِهم يَطلُبونَ فَضلاً مِنَ اللهِ و رِضواناً بِهجرَتِهم وَ يَنصُرونَ اللهَ و رَسولَهُ بالمَبيتِ في فِراشِهِ أولئِكَ هُمُ الصّادِقون في نُصرَتِهم ،
و عليٌ و فاطِمَةُ و الحَسَنان (ع) هُمُ الّذين سَكَنوا دارَ الهِجرَةِ يَثرِبَ مَدينَة الرّسولِ و أسكَنوا في قُلوبِهِمُ الإيمانَ مِن قِبَلِ المُهاجِرينَ يُحبُّونَ مَن هاجَرَ إليهِم كَسَلمانَ و أبي ذَرٍ و مِقدادَ و مَن لا يَجِدونَ في صُدورِهِم طَمَعاً لِما اُوتِيَ آلُ مُحمّدٍ (ص) ،
و عليٌ و فاطِمَةُ و الحَسَنان (ع) و خادِمَتِهِم فِضَّةُ يُؤثِرونَ عليٰ أنفُسِهِم مِسكيناً و يَتيماً وأسيراً و غَيرهِم و لو كانَ بِهِم خصاصَةٌ و حاجَةٌ إليٰ الطَّعامِ لِصيامِهِم و مَن يَتَّقِ بُخلَ نَفسِهِ كآلِ مُحمّدٍ فأولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ فَحَسب ،
والأئِمَّة المَعصومينَ و صَحبِهِمُ الّذين جاؤا بَعدَ الخَمسَةِ أصحاب الكِساءِ ، يَقولونَ في دَعَواتِهِم و قُنوتِهِم رَبَّنا اغفِرلَنا ذُنوبَ شيعَتِنا واغفِر لإِخوانِنا الّذين سَبَقونا بالإيمانِ كسَلمانٍ و أبي ذَرَ و عَمّار وَوَوَ ،
وَ لا تَجعَلِ اللّهُمَّ في قُلوبِنا حِقداً لِشيعَةِ عليٍّ (ع) الّذينَ آمَنوا بِوِلايَتِهِ بِأيِّ سَبَبٍ كانَ الغِلّ فالغِلّ كُلّ الغِلّ لأِعداءِ آلِ مُحمّدٍ (ص) ، رَبّنا إنّكَ رؤفٌ رحيمٌ بِهِم و بِنا ،
نَستَفهِمُ تَقريراً ألَم تَنظُر يا حبيبي إليٰ أصحابِكَ الثَّلاثَةِ و بَني اُمَيَّةَ الّذين نافَقوا يَقولونَ لإخوانِهِم اليَهود بَني قَرَيْضَةَ الّذين كفَروا مِن اليَهودِ لَئِن أخرَجَكُم مُحمّدٌ مِنَ المَدينَةِ و الحِجازِ لَنَخرُجَنَّ مَعكُم مِنها ،
وَ لا نُطيعُ في تركِ نُصرَتِكُم وَ وِلائِكُم أحَداً مِن نَبيٍّ أو أهل بَيْتِهِ و إن قُوتِلتُم و حُورِبتُم مِن جانِبِ جَيْشِ مُحمّدٍ لنَنَصُرَنَّكُم في الحَربِ واللهُ يَشهَدُ أنّهُم لَكاذِبونَ و عاجِزونَ عَن نُصرَتِهِم ،
لَئِن اُخرِجوا بَني قُرَيْضَةَ بِأمرِ الرَّسولِ لا يَخرُجونَ المُنافِقونَ مَعَهُم و لَئِن قُوتِلوا لا يَنصُرونَهُم أبوسفيان و حِزبِهِ و لَئِن نَصَروهُم سَيُوَلُّنَّ الأدبارَ فارّينَ مِن سَيفِ عليٍّ (ع) مُنهَزِمينَ ثُمَّ لا يُنصَرونَ بَل يُخذَلون ،
لَأنتُم يا آلَ محمّدٍ و يا علي (ع) أشَدُّ رَهبَةً في صُدورِ آل أبي سُفيانَ مِنَ اللهِ فَيَخافونَكُم أكثَر مِن خَوفِهِم اللهَ ذلِكَ لأِجلِ أنَّهُم قَومٌ لا يَفقَهونَ بأنَّ اللهَ هُوَ ناصِرُكُم ،
هؤلاءِ اليَهودُ و المُنافِقون لا يُقاتِلونكم مُجتَمِعين مُتَّحِدينَ إلاّ إذا كانوا في قِلاعٍ مُحَصَّنَةٍ أو مِن وَراءِ جِدارِ البُيوتِ لِعَدَمِ شُجاعَتِهم لِلبِراز لَكُم بَأسُهُم بَينَهُم شديدٌ تَحسَبُهُم أيّها النّاظِرُ مُجتَمِعين و لكِنَّ قُلوبَهُم مُتَفَرِّقَةٌ ذلِكَ لأِجلِ أنّهُم قَوْمٌ لا يَعقِلونَ حَقيقةَ الإسلام ،
فَمَثَلهُم كَمَثَلِ شيعَةِ آلِ أبي سُفيان الّذينَ غُلِبوا مِن قَبلِهِم قريباً في بَدرٍ ذاقوا بِسَيفِ عليٍّ (ع) وَ بالَ أمرِهِم و عاقِبَةَ كُفرِهِم و لهُم عذابٌ أليمٌ في النّار ،
و مَثَلَهُم كَمَثَلِ الشّيطانِ حينَما قال لِلإنسانِ الكافِر اُكفُر باللهِ و بِوِلايَةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ فلمّا كفَرَ بِهِم قال لَهُ إنّي بَريءٌ مِنكَ إنّي أخافُ عذابَ اللهِ رَبّ العالَمين الّذي أعدَّهُ لَك ،
فكانَ عاقِبَتهما ألشّيطانُ والكافِرُ بولايَتِهم أنّهُما يَصيران في النّارِ خالِدَيْنِ فيها إليٰ الأبَد وَ ذلكَ هو جَزاءُ الظّالِمين لآِلِ مُحمّدٍ و أهل البَيْت (ع)
يا أيّها الّذين آمَنوا بالإسلامِ إتَّقوا اللهَ و خافُوهُ ولتَنظُر كُلّ نَفسٍ بِنَظَرِ الإهتِمام ما قَدَّمَتهُ لِحسابِ غَدٍ و جَزاءِ يومَ القيامَةِ و اتّقوهُ اللهَ إنّ اللهَ خبيرٌ بما تَعمَلونَ في الدّنيا ،
و نَنصَحكُم و نَنهاكُم إرشاداً و تَنزيهاً لا تكونوا كالّذين نَسَوُا اللهَ فَلم يُوالوا آل مُحمّدٍ (ص) فَأنساهُمُ اللهُ أنفُسَهُم مِن رَحمَتِهِ أولئِكَ هُمُ الفاسِقون قَطعاً ،
وَاعلَموا أنّهُ لا يَستوي أصحابُ النّار أعداءُ آل محمّدٍ (ص) يَومَ القيامَةِ حالاً مَعَ أصحابِ الجَنّةِ إذ أنَّ أصحابَ الجَنَّةِ وشيعَةِ آلِ مُحمّدٍ هُمُ الفائِزون ،
وَ اعلَموا لو أنّنا أنزَلنا هذا القُرآنَ الآمِرَ بِوِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) عليٰ جَبَلٍ لَرَأيْتَ الجَبَلَ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِن خَشيَةِ عذابِ اللهِ لو يَعصيهِ و لكِنّ المُنافِقينَ لا يَخشَعون و تِلكَ الأمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ لَعلَّهم يَتَفَكّرونَ بِشَأنِ الوِلايَه ،
إنَّ اللهَ تَعاليٰ هُوَ اللهُ الّذي لا إلـٰهَ إلاّ هُوَ لا يُشرِكُ مَعَهُ خُلَفاءَ الجَوْرِ و هُوَ عالِمٌ بالمغيبات و الأسرار و عالِمٌ بالظَّواهِر و الآثارِ و هُو الرَّحمانُ عليٰ جميعِ خَلقِهِ والرَّحيمُ بالمُؤمِنين ،
وَ هُوَ اللهُ الّذي لا إلـٰه إلاّ هُوَ المَلِكُ الحَقيقيُّ لِما سِواهُ و هُوَ يُوَلّي عليٰ مُلكِهِ آل مُحمّدٍ (ص) و هُوَ القُدّوسُ المُنَزَّهُ عَن جَميعِ النَّقائِصِ و السَّلامُ العادِلُ و المُؤمِن بالإيمانِ لِلمُؤمِنين و المُهَيْمِنُ عليٰ خَلقِهِ بِقُدرَتِهِ و الجَبّارُ المُتَكبِّرُ عليٰ الجَبابِرَةِ المُتَكَّبِرينَ سُبحانَ اللهُ عمّا يُشرِكونَ بِطاعَتِهِ غَيرَهُ مِنَ الخُلَفاء ،
وَ هُوَ اللهُ الخالِقُ لِجَميعِ الخَلائِقِ وَ البارِيءُ المُوجِدُ مِنَ العَدَمِ و المُصَوِّرُ لِجَميعِ الصُّوَر لهُ الأسماءُ الحُسنيٰ ألتِّسعَةَ و التِّسعونَ يُقَدِّسُهُ و يُسبِّحُ لَهُ بِلِسانِ حالِهِ التّكوينيّ جَميع ما في السّماواتِ و الأرضِ و هُوَ العزيزُ في مُلكِهِ ألحَكيمُ في سُلطانِهِ جَلَّت عَظَمَتهُ ،
نشر في الصفحات 1701-1694 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی