(98)
سورة الحَديد
بِإسمِيَ الخاصّ لِذاتِيَ الرُّبوبيِّ الواجِبِ الوُجودِ وَحدي وَبإسمِ رَحمانيَّتيَ الّذي يَضُمُّ كُلّ شَييءٍ و بإسمِ رحيميَّتيْ لِخُصوصِ عِباديَ المُؤمنين اُوحي :
بلسانِهِ التّكوينيّ سَبَّحَ لِلّهِ و قَدَّسَ و نَزَّهَهُ عَن كُلِّ ما يُشينُ ، جَميعُ ما في السّماواتِ و الأرض مِن مَخلوقٍ وَاللهُ هو العزيزُ في مُلكِهِ ألحكيمُ في سُلطانِهِ لهُ مِلكيَّة ما في السماواتِ و الأرضِ يُحيي الأحياءَ وَ يُميتُها وَ هُوَ عليٰ كلِّ شييءٍ أرادَهُ قادِر ،
فاللهُ جَلّ جَلالُهُ هُوَ الذّاتُ الواجِبُ الأوّلُ في الوُجودِ وَ هُوَ الآخرُِ الأزَليّ الباقي بَعد فَناءِ المَوجوداتِ وَ هُوَ الظّاهِرُ لِلعُقولِ و العُقَلاء بالبَراهين وَ هُوَ الباطِنُ المُستَتِرُ عَن إدراكِ الحَواسّ وَ هُوَ بِكُلّ شييءٍ عالِمٌ جِدّاً .
وَ هُوَ تَعاليٰ هُوَ الخالِقُ الّذي خَلَقَ السّماواتِ وَالأرضَ في سِتّةِ مَراحِل تكوينيَّة ثُمَّ استَويٰ عليٰ عَرشِ التَّدبيرِ لَها يَعلَمُ ما يَدخُلُ في الأرضِ وَ ما يَخرُجُ مِنها و ما يَنزِلُ مِنَ السماءِ و ما يَصعَدُ فيها و هو مَعَكُم أيْن ما كنتُم مِن مَكانٍ إذا لا يَخلو مِنهُ مَكانٌ وَاللهُ بِما تَعمَلونَ مِن عَمَلٍ بَصيرٌ يُشاهِدُهُ ،
وَ لِلّهِ سُبحانَهُ المُلكُ الحَقيقيُّ التّامُّ المُطلَقُ لِكُلّ السَّماواتِ وَ الأرضِ وَ ما فيها فَيُوَلّي علَيها أحبِّاؤهُ مُحمّداً وَ آل مُحمّدٍ (ص) وَ إليٰ اللهِِ تُرجَعُ اُمورها ،
يُدخِلُ الّليل وَ ظُلمَتَهُ في النّهارِ وَضَوْءَه مَغرِباً وَ يُدخِلُ النّهارَ في الّليْل فَجراً وَ هُوَ عليمٌ بِنِيّاتِ الصُّدورِ وَ مَكنوناتِها وَ مَقاصِدِها وَ أحاسِيسها ،
وَ لذلِكَ نأمُرُكُم أمراً وُجوبيّاً آمِنوا باللهِ وَ رَسولِهِ مُحمَّدٍ وَ أنْفِقوا الخُمسَ وَالزّكاة مِمّا جعَلَكُم مُستَخلِفينَ فيهِ لِمَن كانَ قَبلَكُم فَالّذينَ آمَنوا مِنكُم بِوِلايَةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) وَ أنفَقوا الخُمسَ وَالزَّكاةَ لَهُم أجرٌ كبيرٌ عِندَ الله ،
فَاللهُ سُبحانَهُ هُوَ الَّذي يُنَزّلُ عليٰ عَبدِهِ مُحمّدٍ (ص) آياتٍ واضِحاتٍ بِشَأنِ عليٍّ (ع) لِيُخرِجَكُم بِها مِنَ الظُلُماتِ المُختَلِفَةِ المُتَنَوِّعَة المُتراكِمَةِ إليٰ النّورِ الإلـٰهيّ السّاطِع إنَّ اللهَ بِكُم لَرؤفٌ رَحيمٌ قَطعاً ،
وَ نَستَفهِمُ مُستَنكِرينَ ما لَكُم أن تُنفِقوا الخُمسَ في سبيلِ اللهِ و لِلّهِ ميراثُ السّماواتِ وَ الأرضِ وَ لا يَحتاجُ إليكُم وَ يُورثُها مَن يَشآءُ ، لا يَستوي مِنكُم شَأناً مَن أنفَقَ مِن قَبلِ الفَتحِ وَ قاتَلَ كعليٍّ و خَديجَةَ (ع) ،
( أولئِكَ أعظَمُ دَرَجَةً مِنَ الّذينَ أنفَقوا مِن بَعدُ وَ قاتَلوا وَ كُلاًّ وَعَدَ اللهُ الحُسنيٰ وَ اللهُ بما تَعمَلونَ خبير )
أولـٰئِكَ أعظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ مِنَ الّذين أنفَقوا مِن بَعدِ الفَتحِ وَ قاتَلوا فَلا يَلحَقُهُم في الفَضلِ لاحِقٌ و كُلاًّ مِنهُم وَعَدَهُ اللهُ الحُسنيٰ جَزاءً وَاللهُ بِما تعمَلون خبيرٌ يُجازي عَليه ،
أيّها المُسلِمون مَن ذا الّذي يُقرِضُ اللهَ مِنكُم قَرضاً حَسَناً يُقَدِّمُهُ لأِولياءِهِ محمدٍ و آلِهِ (ع) و شيعَتِهِم لِمُدّةٍ دائِمَةٍ يَستَلِمُها يوم القيامَةِ فيُضاعِفُهُ اللهُ لهُ و لهُ أجرٌ كبيرٌ يُؤجِرُهُ عليه ،
و الأجرُ ذلِكَ سَيكونُ يَومَ تَريٰ المُؤمِنين وَ المُؤمناتِ المُوالِينَ لآِلٍ محمّدٍ يَسعيٰ نُورُهُم مِن جِباهِهِم غُرّاً مُحَجّلِين بَيْنَ أيديهِم و بِأيْمانِهم يُقالُ لهُم بُشراكُمُ اليومَ جنّاتٍ تجري من تَحتِها الأنهارُ يَخلُدونَ فيها و ذلِكَ الأجرُ هُوَ الفَوْزُ العَظيمُ لَهُم ،
و في ذلكَ اليوم يَقولُ المُنافِقونَ و المُنافِقاتُ المُخالِفون لآِلِ محمّدٍ لِلّذين آمَنوا بِوِلايَةِ آل محمّدٍ (ص) أمهِلونا بُرهَةً كَي نَقتَبِس مِن نُورِكم و نَنجوا مِنَ الظُّلُمات ،
تقولُ لهُم الملائِكَةُ كَلاّ إرجِعوا إليٰ وَراءِكُم حياة الدّنيا فالتَمِسوا نوراً بِمُوالاةِ آل محمّدٍ (ص) فيها فَعندئذٍ يُضرَبُ بَينَهُم بِسورٍ حاجِزٍ لهُ بابٌ داخِلُهُ فيهِ الرَّحمةَ والنّورَ و خارِجُهُ مِن قِبَلِهِ الجَحيمُ و العَذابُ ،
فالمُنافِقينَ يُنادون شِيعَةَ آل محمّدٍ ألَم نَكُن مَعكُم في الدّنيا ؟ فَيُجيبونَ قائِلينَ نَعَم بَليٰ و لكِنّكُم أبلَيْتُم أنفُسَكُم بِتَركِ المُوالاةِ و تَرَبّصتُم بآلِ مُحمّدٍ (ص) الدَّوائِرَ و غَرّتكُمُ الأمانِيُّ و طَلَبتُم الرِّئاسَةَ حتّيٰ جآءَ أمرُ اللهِ بِأجَلِكُم و غَرّكُم باللهِ الغَرورُ و الطُّغيان ،
فهذا اليوم لا يُؤخَذُ مِنكُم فِديَةٌ تُقَدِّمونَها لِلخَلاصِ و لا تُقبَلُ مِنَ الّذين كفَروا بِوِلايَةِ آل مُحمّدٍ و مَصيرُكُم النّارُ تَأوونَ إليها هِيَ مآلكُمُ و هِيَ بِئسَ المَصيرِ وَ المَآل ،
( ألَم يَأنِ لِلَّذينَ آمَنوا أن تَخشَعَ قُلوبهُم لِذِكرِ اللهِ وَ ما نَزَلَ مِنَ الحَقّ وَ لا يكونوا كالّذين اُوتوا الكِتابَ مِن قَبلُ ؟)
نَسألَ مُوَبِّخينَ ألَم يَحينُ الحِينُ لِلّذينَ آمَنوا ظاهِراً بالإسلامِ أن تَخشَعَ قُلوبُهُم لِوِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) ذِكرِ اللهِ وَ ما نَزَلَ مِنَ الحَقّ في عليٍّ (ع) و لا يكونُوا كالّذين اُوتو الكِتابَ السّماوِيَّ مِن قَبلِهِم ،
فَطالَ عليهِمُ الأمَدُ والزَّمانُ و هُم يَخشَعونَ و لا يُطيعونَ و لا يُذعِنونَ فَقَسَت نَتيجَةً لِذلِكَ قُلوبُهُم و أصبَحَ كثيرٌ مِنهُم فاسِقونَ بَل أسرِعوا بِمُوالاةِ آلِ مُحمّدٍ (ص) و طاعَتِهِم وَ لا تَدَعوا غَيبةَ المَهديِّ (ع) تطول ،
إعلَموا عِلمَ َيقينٍ قَطعيٍّ حَتميٍّ أنَّ اللهَ يُحيي الأرضَ بِالعَدلِ أيّامَ حُكمِ المَهديِّ مِن آلِ مُحمّدٍ (ص) بَعدَ مَوتِها بالجَوْرِ قَد بَيَّنا لكُمُ الآياتِ لَعلَّكُم تَعقِلونَ ضَرورَةَ حكومَةِ آل محمّدٍ (ص) ،
إنَّ المُصَدِّقينَ و المُصَدِّقاتِ بِمُوالاةِ آل مُحمّدٍ (ص) و طاعَتِهِم و أقرَضوُا اللهَ قَرضاً حَسَناً قَدَّموهُ لهُم يُضاعَفُ لهُم إنفاقَهُم و لهُم أجرٌ كريمٌ في الجِنانِ يُؤجَرونَ عَليه ،
والّذينَ آمَنوا باللهِ و رُسُلِهِ بمُحمّدٍ (ص) و آلِهِ الإثنا عَشَر (ع) أولئِكَ هُمُ الصِّديقونَ والشُّهَداءُ عِندَ رَبِّهم و إن لَم يُقتَلوا لَهُم أجرُهُم عندَ اللهِ و نورُهُم يومَ القِيامَةِ ،
والّذينَ كفَروا بِوِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) و كذّبوا بآياتِنا النّازِلَةِ بِشأنِهِم أولئِكَ أصحابُ النّارِ الجَحيمِ المُستَعِرَةِ عليٰ الدَّوامِ و إليٰ الأبَد و حتّيٰ السَرمَد ،
إعلَموا أنّما الحياةُ الدّنيا مِن دُونِ وِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) هِيَ لَعِبٌ و لَهوٌ و زينَةٌ زائِلَةٌ و وَسيلَةُ تَفاخُرٍ بَينَكُم و تَكاثُرٍ في الأموالِ و الأولادِ الّتي تتركونَها و تَذهَبون ،
وَ هِيَ مَثَلها كَمَثَلِ مَطَرٍ أعجَبَ الكُفّارَ إنباتُهُ لِلزَّرعِ ثُمَّ يَهيجُ الزَّرعُ فتَراهُ مُصفَرّاً ثُمَّ يكونُ حُطاماً يابِساً و في الآخِرة عذابٌ شديدٌ أعَدَّهُ اللهُ عليها ،
وَ أعَدّ اللهُ مَغفِرَةً مِنهُ و رِضوانٌ لِمَوالِي آل مُحمّدٍ (ص) و شيعَتِهِم و ما الحياةُ الدّنيا بِغَيرِ وِلايَةِ آل مُحمّدٍ (ص) إلاّ مَتاعُ الغُرورِ والطُّغيانِ والضَّلال ،
تَسابَقوا بَيْنَكُم نَحوَ مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم تَنالوُها بالوِلايَةِ والتَّقويٰ و جَنَّةٍ بَعدَها يكونُ عَرضُها و طولُها كَعرضِ السّماءِ الاُوليٰ و الأرضِ اُعِدَّت لِلّذينَ آمَنوا بِاللهِ و رَسولِهِ ذلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتيهِ مَن يشآءُ مِن مُواليهِم و اللهُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ لِلمُوالِين .
ما أصابَ الإنسانَ مِن مُصيبَةٍ في الأرضِ و لا في أنفُسِكُم إلاّ هُوَ مُسَجَّلٌ في كِتابِ الَّلوْحِ المَحفوظِ مِن قَبلِ أن نَخلُقَها (نوجِدها ) إنَّ ذلِكَ التَّسجيلُ عليٰ اللهِ سَهلٌ بَسيطٌ ،
نُخبِرُكُم بهذا لِكَي لا تَتَأسَّفوا عليٰ ما فاتَكُم مِن نَفعٍ و لا تَفرَحوا بِما آتاكُم مِن شَهَواتٍ واللهُ لا يُحِبُّ كُلّ مُختالٍ مُعجبٍ بِنَفسِهِ فَخورٍ عليٰ غيرِهِ و لا يُحِبُّ الذّين يَبخَلونَ بالخُمسِ والزَّكاةِ و يَأمُرونَ النّاسَ بالبُخلِ و مَن يَتَولَّ و يُعرِض عَنها فإنَّ اللهَ هُوَ الغَنيُّ عَنها و هُوَ الحَميدُ عليٰ فِعالِه ،
بالتّأكيدِ لَقَد أرسَلنا رُسُلَنا المَعصومينَ بالبَراهينِ الواضِحاتِ و أنزَلنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَ الوَحيَ والشَّريعَةَ لِكي يَقومَ النّاسُ بِأمرِ العَدلِ و القِسطِ بَيْنَهُم ،
و أنزَلنا في الوَحيِ الحُكمِ بالسَّيْفِ والسِّلاحِ الحَديديّ لإجراءِ حُكمِ اللهِ فالحديدُ فيهِ قُوَّةٌ شديدَةٌ و مَنافِعُ لِلنّاسِ و لِيَعلَمِ اللهُ مَن يَنصُرهُ بالسِّلاحِ و يَنصُرُ رُسُلَهُ بِها بِظَهرِالغَيْبِ إنَّ اللهَ قَويٌّ عزيزٌ يأمُرُ بالقُوَّةِ والعِزَّه ،
و بالتأكيدِ لَقَد أرسَلنا نُوحاً و إبراهيمَ بِرِسالَةِ التَّوْحيدِ و العَدلِ و جَعَلنا في ذُرَّيتِهِما النُّبُوَّةَ و الإمامَةَ فَمِنهُم مُهتَدٍ كآلِ هاشِمٍ و آلِ مُحمّدٍ (ص) و كثيرٌ مِنهُم فاسِقونَ كبَني اُمَيَّةَ و آلِ أبي سُفيان ،
ثُمَّ أتبَعنا عليٰ قَفيٰ آثارِهِم بِرُسُلِنا و أعقَبنا بعيسيٰ بنِ مريَمَ و آتيناهُ الإنجيلَ و جَعلنا في قُلوبِ الّذينَ اتّبَعوا عيسيٰ رَأفَةً و رَحمَةً لاُِمّةِ مُحمّدٍ وَالإسلام ،
و رُهبانِيّةً بِتَركِ الدُّنيا الحَلال إبتَدَعوها بِدعَةً ما كَتبناها عليهِم في الإنجيلِ إلاّ لِيَطلُبوا بِها رِضوانَ اللهِ فَما راعُوها حَقَّها فآتَينا الّذين آمَنوا مِنهُم كسَلمانٍ والنَّجاشيِّ أجرُهُم و كثيرٌ مِنهُم فاسِقون ،
يا أيُّها الّذينَ آمَنوا ظاهِراً إتَّقوا اللهَ و آمِنوا واقِعاً و باطِناً بِرَسولِهِ يُؤتِكُم نَصيبَيْنِ مِن رَحمَتِهِ و يَجعَل لكُم نُوراً تَمشوُنَ بهِ في الدُّنيا و الآخِره و يَغفِر لكُم واللهُ غفورٌ لكُم رحيمٌ بِكُم ،
نَأمُرُكُم بِهذا لِكَي هَلاّ يَعلَمُ أهلُ الكتابِ التَّوراةِ و الإنجيلِ أنَّهُم لا يَقدِرونَ عليٰ شَيءٍ مِن فضلِ اللهِ بِخِلافِ ما يَزعُمونَ أنَّهُم أحِبّاؤهُ و لِكَي يَعلَموا أنَّ الفَضلَ بِيَدِ اللهِ هُوَ يُؤتيهِ مَن يشآءُ مِن عِبادِهِ المُوالِينَ لِمُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) المَيامِين وَ اللهُ ذوالفَضلِ العَظيمُ عليهِم فَحَسبْ
نشر في الصفحات 1711-1702 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی