(32)
سورة الإمتحان
بإسمِ ذات جلالَتي المُستجمِعِ لجميعِ صفاتِ الكمالِ وَالجَلالِ و الجَمالِ و بإسم رحمانيَّتي ورَحيميَّتي اُوحي إليكَ :
يا أيّها الّذين آمَنوا باللهِ وَبولايةِ مُحمّدٍ و آل مُحمّدٍ (ص) فَرَضتُ عليکم أن لا تَتّخِذوا الكافِرَ والمُشرِکَ والمُنافِقَ الّذى هو عدوّى وعدوّكم فى الخَفاءِ أولياءَ وخُلفاءَ تُلقونَ إليهم بالمَحبّة ،
وَ هؤلاءِ أعداء اللهِ و أعداءِکم أبوسفيان وَ حِزبهِ قَد کَفروا بِما جاءَکُم مِنَ الحَقِّ وَالوحيِ وَالدّينِ وَالشَّرع يُخرِجونَ رسولَ اللهِ مِن مَکَّةَ ،
و إيّاكم اُخاطِبُ أيّها المسلمون أن تُؤمنوا باللهِ ربّکم ولاتركنوا إليٰ بنى أميّةَ إن كنتُم خَرجتُم للجهادِ فى سبيلى و ابتِغاءِ مَرضاتي مَعَ النبيّ (ص) ضِدَّهُم ،
فَأنتُم تُلقونَ إليهم سِرّا بالمَوَدّةِ والولاء وأنا أعلَمُ كامِلا” بما أخفيتُم مِنَ النِّفاق ومَوَدَّتِهِم وما أعلَنتُم مِنَ الإِسلام ومَن يَفعَلهُ منكم فقد ضَلَّ عن طريق الهُدی ،
إن يُصادفوكم و يَصيدوكم، يكونوا لكم أعداء” ويَمُدّوا إليكم أيديَهُم بالإنتقام وألسنتِهِم بالسَّبِّ ويَتَمنَّوْنَ لو تکفرونَ باللهِ ورسولهِ ،
ولو تکفرونَ فَلَن تَنفَعکم قَرابتکم و نِسبَتِکُم من رسول اللهِ ولا بَناتِکُم الّتی تَزَوَّجنَ مِنهُ يوم القيامة فيومَئِذٍ يَفصِلُ اللهُ بين رسولِهِ و بينکم و اللهُ بصيرٌ بنفاقِکُم ،
فيا أيُّها الّذين آمنوا و قُلنا لكم لاتَتّخِذوا عَدوّى وعدوّكم أولياءَ قد كانت لكُم اُسوَةٌ حَسَنةٌ فى إبراهيم الخَليل، وَمَن مَعَهُ في التَّبَرَي مِن أعداءِ الله
حيث قال إبراهيمُ والّذين مَعَهُ لِقومِهم أتباعُ نَمرودَوها مانَ إنّا بريئونَ مِنکُم وَ مِمّا تَعبدونَ مِن دونِ الله کنمرودٍ والأصنام ،
فقالوا لهُم إنّا کفَرنا بِکُم و تبرَّأنا مِنکُم و ظَهَر بينَنا و بينَکُمُ العِداءُ و الکَراهَةُ والبُغضُ أبَداً حتّيٰ أن تُؤمِنوا فذلکَ کونوا أيُّها المُسلِمون وَ تَأَسّوا بإبراهيمَ و مَن مَعَهُ ،
إلاّ أنّهُ لا تتأسّوا بقولِ إبراهيمَ لِعَمّهِ آزَرَ الّذى رَبّاهُ سأطْلُبُ المَغفِرَةَ لكَ مِنَ اللهِ و ما أملِكُ شَفاعَةً لكَ مِنَ اللهِ شيئا” يُنجيكَ مِن عذابِهِ ،
فَبَعَدَ أن قال لِعَمّهِ آزَرَ أنا لا أملِك لَكَ مِنَ الشفاعَةِ إبتَهَلَ إليهِ قائِلاً : رَبّنا عليکَ توَکّلنا بالإيمان و إليکَ أنَبْنا و رَجَعنا مِنَ الإثم و إليکَ المَصير ليَفَهَمَ آزَر شرائِطَ النَّجاة ،
وَأضافَ إبراهيمُ ربَّنا لاتجَعَلنا تحَتَ سُلطَةِ الكُفّار إمتحاناً لَهُم و اغفِرلنا وَعَدَنا لِعَمِّنا الكافِر بالإستغفارِ لَهُ إنّكَ أنتَ العزيزُ الحكيمُ فى سُلطانِه.
لَقَدكانَ فى إبراهيمَ وَمَن مَعَهُ لكُم اُسوَةٌ حَسَنَةٌ تتَأسّونَ بِهِم في التَّبَريّ و العِداء لأِعداءِ اللهِ وذلك لِمَن كانَ يخافُ اللهَ و عذابَ اليومَ الآخر و يَرجو النّجاةَ ،
ومَن يُعرِض عن هذا الواجبِ الشَّرعيّ والفَرضِ الدّيني ولايَتَبَرّي مِن أعداءِ اللهِ وأعداءِ محُمّدٍ و آلِ مُحمّدٍ (ص) فَليَعلَم بِأنّ اللهَ غنيٌّ حميدٌ لِمَن لايُعرِض عَنهُ
يا حبيبي عَسى اللهُ بِحكَمتِهِ أن يَجْعَلَ بَيْنكَ و بَيْن بَني اُميّةَ و أبي سفيان الّذين عادَيْتُم مَودَّﺓً فَتَتَزَوَّج بِنَتَهُ أمَّ حبيبةَ و اللهُ قادرٌ عليمٌ و هو رؤفٌ رحيمٌ بِک ،
لايَنهاکمُ اللهُ عن مَوادّةِ الّذين لم يُعادوکم فی الدّين مِن بَني اُميّة ولم يُقاتِلوکم و يُخرجوکم من بيوتکم فلا ينهاکم أن تُحسِنوا إليهم كمُعاوية الثّاني و تَعدِلوا فيهِم إنَّ اللهَ يُحِبُّ العُدُول منكم .
إنّما يَنهاكُمُ اللهُ عن مَوَدَّةِ الّذين قاتَلوكُم في الدّين مِنهُم و أَخرَجوكُم من بيوتِكُم و سانَدوا علي إخراجِكُم بِأن تَتَولّوهُم و مَن يَتَولّهُم فهوَ ليسَ فَقَط يُعينُ علي الظُّلم بَل أولئك هُمُ الظّالمون !
يا أيّها المُسلمون إذا جاءَتكُم المُؤمناتُ مُهاجراتٍ مِن دارِ الكُفرِ إلی الإسلام فاختَبِروهُنَّ فَرُبّما كُنّ جواسيس أو هارِباتٍ و لَسنَ مُسلماتٍ ،
فَإن عَرفتُموهُنَّ أَنَهُنّ مُؤمناٍت بالإسلام فَلا تَردّوهُنّ إلى أزواجِهِنّ الكُفّار لا هُنَّ حَلالٌ لأِزواجِهِم الکُفّار و لا هُم يَحِلّونَ لَهُنّ بَعدَ إسلامِهِنّ .
و أمّا مهورَهُنّ مِن أزواجِهِنّ الكُفّار فآتوهُم ما أنفَقوا فيها و لا ضَيْر عليكم بعدَ ذلك أن تنكحوهُنّ إذا آتيتموهُنّ المَهر و عَقَدْتُم عليهِنّ بَعدَ العِدّة ،
و لا تمُسِكوا إمساكَ نِكاحٍ بِمِعصَمِ الكافراتِ لا إبتداءً حيثُ يحَرُمُ نكاحُهُنّ ولا إستمرارا” إذا ارتَدَدْنَ وحينئذٍ طالِبوا ما أنفَقتُم عليهِنّ مِنَ المَهرِ وليَسألِ الكُفّارُ ما أنفَقوا علىٰ المُهاجرات ،
و هذا الحُكمُ الشَّرعيُّ هو حُكمُ اللهِ و ضَروريٌّ في دين الإسلام لا يَتَغيَّر إليٰ يوم القيامَةِ وَاللّهُ يحكُمُ بيْنَكُم و بَيْن الكُفّار واللهُ عليمٌ حكيمٌ بِمَصالِحِكُم ،
و إن فاتَتكم بعضٌ مِن زوجاتِكم فَهَر بْنَ إليٰ الكُفّار فَعاقَبتُم و قاتَلتُم الكفّار فَغَنِمتُم فآتوا الّذين ذَهَبت زوجاتُهم مِثلَ ما أنفَقوا مهورَهُنّ مِن الغَنيمةِ ،
وَاتَّقوا اللهَ بِمَنعِ حَقِّ مُسلمٍ من الغَنيمةِ واتّقوهُ بِأن تُخالِفوا أحكامَهُ فإنّكم آمَنتُم بهِ فَيَجِبُ عليكم أن تُطيعوه .
يا أيّها النَبيّ محمّد (ص) إذا جاءَتك النِّساءُ لِيُسلِمنَ فَأظَهَرنَ الإيمانَ و الشَّهادَتَيْن وجِئنَ يُبايِعنَكَ علىٰ الإسلام بهذِهِ الشّروط :-
علیٰ شرطِ أن لايُشرِکنَ بعبادِةِ اللهِ و بطاعَتِهِ شيئاً دونَهُ و لا يَسرِقنُ مالَ مُسلِمٍ و لا يَزنينَ بأنواعِ الزّنا و لا يَقتُلنَ أولادَهُنّ إسقاطاً و غيرَهُ ،
وَلا يأتينَ بِبُهتانٍ في وَلَدٍ يَفترينَهُ بَيْنَ أيديهِنَّ و أرجُلِهِنّ فَيَنسِبنَهُ إليٰ غَيرِ أبيهِ و لا يَعصينَكَ في الحِجابِ و العِدّةِ و ما شاكَل ،
فإن بايَعنَكَ بهذهِ الشّروطِ صِدقاً فَبايِعهُنَّ واقبَل إسلامَهُنَّ واستَغفِر لَهُنّ ما سَلَفَ مِنهُنّ مِن الكُفرِ إنّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ لِمَن آمَن
يا أيُّها الذّين آمَنوا باللهِ لا تَتَولَّوْا و لا تَتَّخِذوا أولياءَلَكُم قوماً مِنَ المُنافقينَ أعداءَ محمّدٍ و أهل بيتِهِ (ع) غَضِبَ اللهُ عليهم لِظُلمِهِم آلَ مُحمدٍ (ص)
قَد يَئِسوا مِن شَفاعَةِ محُمّدٍ وآل محُمدٍ (ص) في الآخرة ويَئِسوا مِن رَحمَةِ اللهِ لِظُلمِهِم لآِلِ محمّدٍ كما يَئِسُ الكُفّارُ مِن قُريشٍ أصحاب القُبور مِن رَحمَةِ الله .
نشر في الصفحات 870-864 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی