سورة ألبَيّنَةِ
2017-04-13
سورة ألحاقَّةِ
2017-04-13

(65)
سورة ألجُمُعَةِ

( بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ )

بِإسمِ ذاتِيَ المُقَدَّس المُنَزَّهِ عَنِ المَثيلِ والشَّريكِ و الشَّبيهِ و عَن كُلِّ نَقصٍ و عَيْبٍ و بإسمِ رحمانِيَّتيَ الشّامِلَةِ لِجَميعِ الخَلقِ و رحيميَّتيَ الخاصَّةِ بالمُؤمِنينَ اُوحي إليك :

(‌ يُسَبِّحُ‌ لِلّهِ ما في السَّماواتِ وَ ما في الأرضِ )

يُقَدِّسُ اللهَ‌ و يُنَزِّهَهُ عَن كُلِّ ما يُشينُ بِلسانِهِ التَكوينيّ و إن كفَرَ الكافِرُ بِلِسانِهِ البَشَري لـٰكِنَّ تكوينُهُ يُسبِّحُ لِلّهِ مَعَ كُلّ ما في السّماواتِ و الأرضِ مِن مَوجوداتٍ و مَخلوقاتٍ مِن جَواهِرَ و أعراضٍ و مُجَرَّداتٍ و أرواحٍ و مادِيّاتٍ ،

( ألمَلِكِ القُدّوسِ العَزيزِ الحكيمِ )

واللهُ جَلَّت عَظَمَتُهُ هو السُّلطانُ المُطلَقُ المالِكُ الحَقيقيُّ التّامُّ الإختيارِ المُتَمَلِّكُ بالخَلقِ و الإيجادِ والتَّدبيرِ و الإفناءِ لِجميعِ الكائِناتِ المُنَزَّهِ جِدّاً عَنِ‌ النَّقائِصِ العَزيزُ في مُلكِهِ و الحَكيمُ في سُلطانِهِ ،

( هُوَ الّذي بَعَثَ في الاُمِيّيّنَ رَسولاً منهُم )

واللهُ جَلّ جَلالَهُ لِكَونِهِ المَلِكُ القُدّوسُ إقتضيٰ لُطفُهُ و عَدلُهُ فَبَعَثَ في أهلِ مَكّةَ اُمّ القُريٰ ، الّذين بَلَغوا الرُّقِيَّ في الفَصاحَةِ و البَلاغَةِ بِمُعَلّقاتِهِم ، مُحمّداً‌ (ص) رَسولاً عَرَبِيّاً قُرَشِيّاً مَكيّاً تهامِيّاً هاشِمِيّاً ،

(‌ يَتلو عليهِم آياتِهِ و يُزَكّيهِم و يُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ و الحِكمَه )

بَعَثَهُ فيهِم رَسولاً لِيَتلوَ و يَقرَاءَ عليهِم آياتِ اللهِ منَ القرآنِ فيُعجِزهُمْ مِن الإتيانِ بِمِثلِها فيُزَكّيهِم بِها و يُؤدِّبُهُم و يُعَلِّمُهُم عُلومَ القُرآنِ و يُعَلِّمَهُمُ‌ الحِكمَةَ العَقلِيَّةَ و العَمَليَّةَ و هيَِ وِلايَةُ عليِّ بن أبيطالب (ع) ،

(‌ و إن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ )

بَعدَ أن كانوا أهلَ مَكّة و قُرَيشٍ مِن قَبلِ بِعثَةِ مُحمّدٍ (ص) بالرِّسالَةِ إليهِم لَفي ضَلالٍ‌ بَيِّنٍ واضِحٍ عَن الهُديٰ و الحَقِّ و العَدلِ لِجاهِلَيَّتِهم و كُفرهِم و شِركِهِم ،

(‌ و آخَرينَ مِنهُم لَمّا يَلحَقوا بِهِم و هُوَ العزيزُ الحكيم )

و لِيُزَكّي قَوماً آخَرينَ مِن هؤلاءِ‌ الضّالّينَ و هُم بَعدُ لَمّا يَلحَقوا بأهلِ مَكّةَ لِيَتشَرَّفوا بِخِدمَتِهِ و هُوَ يَتلو عليهِم آياتِ اللهِ كالفُرسِ و غَيرهِم مِنَ الأقوامِ و هُوَ العَزيزُ في بَعثِهِ و الحَكيمُ بِجميعِ خَلقِهِ ،

(‌ ذلكَ فَضلُ اللهِ يُوتيهِ مَن يشآءُ و اللهُ ذوالفضلِ العَظيم )

ذلكَ البَعثُ بالرِّسالَةِ والنُّبُوَّةِ و الوِلايَةِ و كذا الإمامَة هو فَضلُ اللهِ الّذي يُؤتيهِ مَن يشآءُ مِن عِبادِهِ بِجَعلِهِ و لا مَجالَ لِاختيارِ النّاسِ فيهِ فالوِلايَةُ حَصَرَها في مُحمّدٍ‌ و آلِهِ (ص) و الخِلافاتُ كُلّها باطِلَةٌ و اللهُ هو صاحِبُ الفَضلِ العظيمِ وَحدَهُ‌ .

(‌ مَثَلُ الّذين حُمِّلوا التَّوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثلِ الحِمارِ يَحمِلُ أسفاراً )

و مَثَلُ الّذين حُمِّلوا القُرآنَ و لكنَّهُم خالَفوهُ كَمَثَلِ الّذين حُمِّلوا التَّوراةَ مِنَ اليَهودِ ثُمَّ لم يَحمِلوها و مَثَلهُم كَمَثلِ الحِمارِ الّذي يَحمِلُ كُتُباً لا يَقرَأَها و لا يَفهَمُ‌ ما فيها جَهلاً‌ و حُمقاً و بَلاهَةً ،

(‌ بِئسَ مَثَلُ القَوْمِ الّذين كَذّبوا بآياتِ الله )

و تَمثيلُ المُنافِقينَ قُريشاً والحِزبَ الاُمَويّ بالحِمارِ هُوَ بِئسُ المَثَلِ لهُم و هُمُ القَومُ الّذين كَذّبوا بآياتِ‌ اللهِ‌ النّازِلَةِ بِشَأنِ وِلايَةِ عليّ بن أبيطالب (ع) ،

(‌ واللهُ لا يَهدي القَومَ الظّالمين )

واللهُ سُبحانَهُ لا يهدي القومَ‌ الظّالِمينَ لِحَقِّ مُحمّدٍ‌ و آلِ مُحمّدٍ (ص) الّذي بَعَثَهُ اللهُ مِنهُم فيهِم لِيُزَكّيهِم و يَهديهِم إليٰ وِلايَةِ عليٍّ (ع) و هُم خالَفوهُ فكانوا ظالِمين ،

(‌ قُل يا أيّها الّذين هادُوا إن زَعَمتُم أنّكُم أولياءُ لِلّهِ‌ مِن دونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إن كنتُم صادِقين )

قُل يا حبيبي لِليهودِ و أتباعِهمُ الاُمَويّينَ يا أيّها الّذين إدَّعَيتُمُ الهُديٰ بِأنّهُم هادُوا لِلهُديٰ ، إن زَعمتُم أنّكُم أحِبّاءُ اللهِ مِن دونِ‌ النّاسِ والشَّعب المُختار فقولوا : أللّهُمَّ أمِتنا عليٰ هذِهِ الحالَةِ إن كنتُم صادِقينَ في إدّعاءِكُم ؟

(‌ و لا يَتَمَنَّونَهُ أبَداً بِما قَدَّمَت أيديهِم و اللهُ عليمٌ بالظّالمين )

و لكنّهم لا يَتَمَنّونَ‌ المَوْتَ أبَداً لِكونِهم كاذِبينَ في إدّعاءِهِم و يَعلَمونَ أنّ اللهَ يُبغِضُهم لِعَدَمِ إيمانِهم بمحمدٍ (ص) الّذي بَشَّرت بِهِ‌ التّوراةُ و بِما قَدَّمت أيديهِم مِن جَرائِمَ واللهُ عليمٌ بِأحوالِ الظّالِمينَ بِحَقِّ محمّدٍ و آلِ مُحمّدٍ (ص) ،

( قُل إنَّ المَوْتَ الّذي تَفِرّونَ مِنهُ فَإنَّهُ مُلاقيكُم )

قُل لهُم يا حبيبي إنَّ المَوتَ الّذي لا تَطلُبونَهُ بَل تَفِرّونَ مِنهُ فَهُوَ لا بُدَّ مِنهُ حَتماً فإنّهُ مُلاقِيكُم فلا مَفَرَّ مِنهُ أبَداً فَسَتَموتُونَ جميعاً ،

(‌ ثُمَّ تُرَدّونَ إليٰ عالِمِ الغَيْبِ و الشَّهادَةِ فيُنَبِّئُكُم بِما كنتُم تعمَلون )

ثُمَّ بَعدَ نَزعِ أرواحِكُم تُرَدّونَ إليٰ مَحَكَمةِ عَدلِ الله ، عالِمُ الغَيبِ و الخَفِيّاتِ و العالِمُ بالمَشهوداتِ فَيَحكُمُ عليكُم بِعَدلِهِ بالخُلودِ في العَذابِ فيُخبِرُكُم بما كنتُم تعمَلونَ بِوِلايَةِ محمّدٍ و آل محمّدٍ (ص)

( يا أيّها الّذين آمُنوا إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسعَوا إليٰ ذِكرِ الله )

يا أيّها المسلِمونَ الّذين آمَنوا باللهِ و بِرَسولِهِ يَجِبُ عليكُم إن لَم تكونوا مُسافِرينَ أو مَرضيٰ و مَعذورينَ إذا نُودِيَ لِصَلاةِ الجُمُعَةِ‌ بَعدَ الخُطبَةِ من يَومِ الجُمُعَةِ فاسعَوْا إليٰ الصَّلاةِ جَماعَةً بعدَ حُصولِ شَرائِطِها و سُمِّيَت الجُمُعَةُ جُمُعَه لِأنَّ اللهَ جَمَعَ الأرواحَ فيها لِيَأخُذَ مِنها الإقرارَ‌ عليٰ وِلايَةِ مُحمّدٍ و آلِهِ ،

( و ذَرُوا البَيْعَ ذلِكُم خَيرٌ لكُم إن كُنتُم تَعلَمون )

واترُكوا البَيْعَ و الشِّراءَ و سائِرَ‌ المُعامِلاتِ و العُقودِ التِّجارِيَّةِ لا مُطلَقِ العُقودِ عندَ ما نُودِيَ لِصلاةِ الجُمُعَةِ و اُذِّنَ لَها نَهياً مَولويّاً تَنزيهيّاً واجِباً تحريميّاً لِمَن وَجَبَت عليهِ و إرشاداً لِغَيرهِ ذلِكُم خَيرٌ‌ لَكُم لأِنَّ الآخِرَةَ خيرٌ مِنَ الدُّنيا إن كنتُم تعلَمونَ فائِدَةَ صَلاةِ الجُمُعَةِ ، بَعدَ حُصولِ شرائِطِها و بِدونِها فلا خَيرَ فيها ،

( فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانتَشِروا في الأرض )

فَحينَما تُقضيٰ مُهِمَّةُ صلاةِ الجُمُعَةِ العِبادِيَّةِ الإجتماعِيَّة السِّياسيّةِ الإتحاديّةِ‌ و تَنتهي فَنَأمُرُكُم أيّها المُسلِمونَ فانتَشِروا و تَوسّعوا في أقطارِ الأرضِ تُبَلِّغونَ مَن غابَ عَن الخُطبَةِ‌ ما قالَهُ الإمامُ وانتَشِروا لِطَلَبِ العِلمِ و طالِبينَ لِلرِّزقِ الحَلال ،

( وابتَغوا مِن فَضلِ اللهِ واذكُروا اللهَ كثيراً لَعلَّكُم تُفلِحون )

واطلُبوا الكمالاتِ المَعنَويَّةِ و المادِيَّةِ‌ مَعاً مِن فَضلِ اللهِ الَّذي ذَكرنا أنَّهُ اختَصَّ بِهِ مُحمّداً و آلِهِ (ص) مُستَلهِمينَ مِن وِلايَتِهِم واذكُروا اللهَ كثيراً مُصَلّينَ عليٰ مُحمّدٍ و آلِهِ (ص) لَعَلَّكُم بِذلكَ تُفلِحونَ في الدّنيا و الأخرِه ،

(‌ وَ إذا رَأَوا تِجارَةً أو لَهواً إنفَضّوا إليها )

وَ المُنافِقونَ مِن أصحابِكَ يا مُحمّد (ص) و الجاهِلونَ إذا رَأَوٰا تِجارَةً قادِمَةً و بَيْنَ يَدَيْها مِيرَة يَضرِبونَ بالدِّفوفِ والمَلاهي تَرَكوا صَلاة الجُمُعَةِ وَ انصَرَفوا مُتَسلِّلينَ إليها و لَم يَبقِ غَير عليٍّ (ع) وَ شيعَتِهِ ،

(‌ و تَركوكَ قائِماً )

وَ‌ هُم إنما تَركوكَ يا رسولَ اللهِ حينما كُنتَ قائِماً فيهِم بِأمرِ اللهِ فذلِكَ هُوَ الإرتِدادُ عَن الدّينِ بِعَيْنِهِ و الإستخفافُ بِكَ و بالصَّلاةِ لَعَنهُمُ الله .

(‌ قُل ما عِندَ اللهِ خَيرٌ مِنَ اللَّهوِ وَ مِنَ التِّجارَة )

قُل لَهُم يا حبيبي : إنّكُم تَركتُم رِضيٰ اللهِ و أجرَهُ و ثَوابَهُ و جَنَّتَهُ و رِضوانَهُ مُنفَضِّينَ إليٰ اللَّهوِ وَالتِّجارَةِ و لكِنَّ ما عِندَ اللهِ خَيرٌ مِمّا طَلبتُم فَخَسِئتُم و خَسِرتُم و قُبحاً لَكُم ،

( واللهُ خَيرٌ الرّازِقين )

واعَموا أنَّ اللهَ هُوَ خيرُ الرّازِقينَ لِعِبادِهِ المُؤمِنينَ عليٍّ (ع) و شيعَتِهِ القائِمينَ مَعَ النّبيِّ في الصَّلاةِ فَيَرزُقُهُم مِن فَضلِهِ في الدّنيا و الآخِرةِ‌ و ذلكَ هُوَ الفَوْزُ العَظيم .

( صَدَقَ اللهُ العَليُّ العَظيم )


نشر في الصفحات 1384-1379 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *