(65)
سورة ألجُمُعَةِ
بِإسمِ ذاتِيَ المُقَدَّس المُنَزَّهِ عَنِ المَثيلِ والشَّريكِ و الشَّبيهِ و عَن كُلِّ نَقصٍ و عَيْبٍ و بإسمِ رحمانِيَّتيَ الشّامِلَةِ لِجَميعِ الخَلقِ و رحيميَّتيَ الخاصَّةِ بالمُؤمِنينَ اُوحي إليك :
يُقَدِّسُ اللهَ و يُنَزِّهَهُ عَن كُلِّ ما يُشينُ بِلسانِهِ التَكوينيّ و إن كفَرَ الكافِرُ بِلِسانِهِ البَشَري لـٰكِنَّ تكوينُهُ يُسبِّحُ لِلّهِ مَعَ كُلّ ما في السّماواتِ و الأرضِ مِن مَوجوداتٍ و مَخلوقاتٍ مِن جَواهِرَ و أعراضٍ و مُجَرَّداتٍ و أرواحٍ و مادِيّاتٍ ،
واللهُ جَلَّت عَظَمَتُهُ هو السُّلطانُ المُطلَقُ المالِكُ الحَقيقيُّ التّامُّ الإختيارِ المُتَمَلِّكُ بالخَلقِ و الإيجادِ والتَّدبيرِ و الإفناءِ لِجميعِ الكائِناتِ المُنَزَّهِ جِدّاً عَنِ النَّقائِصِ العَزيزُ في مُلكِهِ و الحَكيمُ في سُلطانِهِ ،
واللهُ جَلّ جَلالَهُ لِكَونِهِ المَلِكُ القُدّوسُ إقتضيٰ لُطفُهُ و عَدلُهُ فَبَعَثَ في أهلِ مَكّةَ اُمّ القُريٰ ، الّذين بَلَغوا الرُّقِيَّ في الفَصاحَةِ و البَلاغَةِ بِمُعَلّقاتِهِم ، مُحمّداً (ص) رَسولاً عَرَبِيّاً قُرَشِيّاً مَكيّاً تهامِيّاً هاشِمِيّاً ،
بَعَثَهُ فيهِم رَسولاً لِيَتلوَ و يَقرَاءَ عليهِم آياتِ اللهِ منَ القرآنِ فيُعجِزهُمْ مِن الإتيانِ بِمِثلِها فيُزَكّيهِم بِها و يُؤدِّبُهُم و يُعَلِّمُهُم عُلومَ القُرآنِ و يُعَلِّمَهُمُ الحِكمَةَ العَقلِيَّةَ و العَمَليَّةَ و هيَِ وِلايَةُ عليِّ بن أبيطالب (ع) ،
بَعدَ أن كانوا أهلَ مَكّة و قُرَيشٍ مِن قَبلِ بِعثَةِ مُحمّدٍ (ص) بالرِّسالَةِ إليهِم لَفي ضَلالٍ بَيِّنٍ واضِحٍ عَن الهُديٰ و الحَقِّ و العَدلِ لِجاهِلَيَّتِهم و كُفرهِم و شِركِهِم ،
و لِيُزَكّي قَوماً آخَرينَ مِن هؤلاءِ الضّالّينَ و هُم بَعدُ لَمّا يَلحَقوا بأهلِ مَكّةَ لِيَتشَرَّفوا بِخِدمَتِهِ و هُوَ يَتلو عليهِم آياتِ اللهِ كالفُرسِ و غَيرهِم مِنَ الأقوامِ و هُوَ العَزيزُ في بَعثِهِ و الحَكيمُ بِجميعِ خَلقِهِ ،
ذلكَ البَعثُ بالرِّسالَةِ والنُّبُوَّةِ و الوِلايَةِ و كذا الإمامَة هو فَضلُ اللهِ الّذي يُؤتيهِ مَن يشآءُ مِن عِبادِهِ بِجَعلِهِ و لا مَجالَ لِاختيارِ النّاسِ فيهِ فالوِلايَةُ حَصَرَها في مُحمّدٍ و آلِهِ (ص) و الخِلافاتُ كُلّها باطِلَةٌ و اللهُ هو صاحِبُ الفَضلِ العظيمِ وَحدَهُ .
و مَثَلُ الّذين حُمِّلوا القُرآنَ و لكنَّهُم خالَفوهُ كَمَثَلِ الّذين حُمِّلوا التَّوراةَ مِنَ اليَهودِ ثُمَّ لم يَحمِلوها و مَثَلهُم كَمَثلِ الحِمارِ الّذي يَحمِلُ كُتُباً لا يَقرَأَها و لا يَفهَمُ ما فيها جَهلاً و حُمقاً و بَلاهَةً ،
و تَمثيلُ المُنافِقينَ قُريشاً والحِزبَ الاُمَويّ بالحِمارِ هُوَ بِئسُ المَثَلِ لهُم و هُمُ القَومُ الّذين كَذّبوا بآياتِ اللهِ النّازِلَةِ بِشَأنِ وِلايَةِ عليّ بن أبيطالب (ع) ،
واللهُ سُبحانَهُ لا يهدي القومَ الظّالِمينَ لِحَقِّ مُحمّدٍ و آلِ مُحمّدٍ (ص) الّذي بَعَثَهُ اللهُ مِنهُم فيهِم لِيُزَكّيهِم و يَهديهِم إليٰ وِلايَةِ عليٍّ (ع) و هُم خالَفوهُ فكانوا ظالِمين ،
قُل يا حبيبي لِليهودِ و أتباعِهمُ الاُمَويّينَ يا أيّها الّذين إدَّعَيتُمُ الهُديٰ بِأنّهُم هادُوا لِلهُديٰ ، إن زَعمتُم أنّكُم أحِبّاءُ اللهِ مِن دونِ النّاسِ والشَّعب المُختار فقولوا : أللّهُمَّ أمِتنا عليٰ هذِهِ الحالَةِ إن كنتُم صادِقينَ في إدّعاءِكُم ؟
و لكنّهم لا يَتَمَنّونَ المَوْتَ أبَداً لِكونِهم كاذِبينَ في إدّعاءِهِم و يَعلَمونَ أنّ اللهَ يُبغِضُهم لِعَدَمِ إيمانِهم بمحمدٍ (ص) الّذي بَشَّرت بِهِ التّوراةُ و بِما قَدَّمت أيديهِم مِن جَرائِمَ واللهُ عليمٌ بِأحوالِ الظّالِمينَ بِحَقِّ محمّدٍ و آلِ مُحمّدٍ (ص) ،
قُل لهُم يا حبيبي إنَّ المَوتَ الّذي لا تَطلُبونَهُ بَل تَفِرّونَ مِنهُ فَهُوَ لا بُدَّ مِنهُ حَتماً فإنّهُ مُلاقِيكُم فلا مَفَرَّ مِنهُ أبَداً فَسَتَموتُونَ جميعاً ،
ثُمَّ بَعدَ نَزعِ أرواحِكُم تُرَدّونَ إليٰ مَحَكَمةِ عَدلِ الله ، عالِمُ الغَيبِ و الخَفِيّاتِ و العالِمُ بالمَشهوداتِ فَيَحكُمُ عليكُم بِعَدلِهِ بالخُلودِ في العَذابِ فيُخبِرُكُم بما كنتُم تعمَلونَ بِوِلايَةِ محمّدٍ و آل محمّدٍ (ص)
يا أيّها المسلِمونَ الّذين آمَنوا باللهِ و بِرَسولِهِ يَجِبُ عليكُم إن لَم تكونوا مُسافِرينَ أو مَرضيٰ و مَعذورينَ إذا نُودِيَ لِصَلاةِ الجُمُعَةِ بَعدَ الخُطبَةِ من يَومِ الجُمُعَةِ فاسعَوْا إليٰ الصَّلاةِ جَماعَةً بعدَ حُصولِ شَرائِطِها و سُمِّيَت الجُمُعَةُ جُمُعَه لِأنَّ اللهَ جَمَعَ الأرواحَ فيها لِيَأخُذَ مِنها الإقرارَ عليٰ وِلايَةِ مُحمّدٍ و آلِهِ ،
واترُكوا البَيْعَ و الشِّراءَ و سائِرَ المُعامِلاتِ و العُقودِ التِّجارِيَّةِ لا مُطلَقِ العُقودِ عندَ ما نُودِيَ لِصلاةِ الجُمُعَةِ و اُذِّنَ لَها نَهياً مَولويّاً تَنزيهيّاً واجِباً تحريميّاً لِمَن وَجَبَت عليهِ و إرشاداً لِغَيرهِ ذلِكُم خَيرٌ لَكُم لأِنَّ الآخِرَةَ خيرٌ مِنَ الدُّنيا إن كنتُم تعلَمونَ فائِدَةَ صَلاةِ الجُمُعَةِ ، بَعدَ حُصولِ شرائِطِها و بِدونِها فلا خَيرَ فيها ،
فَحينَما تُقضيٰ مُهِمَّةُ صلاةِ الجُمُعَةِ العِبادِيَّةِ الإجتماعِيَّة السِّياسيّةِ الإتحاديّةِ و تَنتهي فَنَأمُرُكُم أيّها المُسلِمونَ فانتَشِروا و تَوسّعوا في أقطارِ الأرضِ تُبَلِّغونَ مَن غابَ عَن الخُطبَةِ ما قالَهُ الإمامُ وانتَشِروا لِطَلَبِ العِلمِ و طالِبينَ لِلرِّزقِ الحَلال ،
واطلُبوا الكمالاتِ المَعنَويَّةِ و المادِيَّةِ مَعاً مِن فَضلِ اللهِ الَّذي ذَكرنا أنَّهُ اختَصَّ بِهِ مُحمّداً و آلِهِ (ص) مُستَلهِمينَ مِن وِلايَتِهِم واذكُروا اللهَ كثيراً مُصَلّينَ عليٰ مُحمّدٍ و آلِهِ (ص) لَعَلَّكُم بِذلكَ تُفلِحونَ في الدّنيا و الأخرِه ،
وَ المُنافِقونَ مِن أصحابِكَ يا مُحمّد (ص) و الجاهِلونَ إذا رَأَوٰا تِجارَةً قادِمَةً و بَيْنَ يَدَيْها مِيرَة يَضرِبونَ بالدِّفوفِ والمَلاهي تَرَكوا صَلاة الجُمُعَةِ وَ انصَرَفوا مُتَسلِّلينَ إليها و لَم يَبقِ غَير عليٍّ (ع) وَ شيعَتِهِ ،
وَ هُم إنما تَركوكَ يا رسولَ اللهِ حينما كُنتَ قائِماً فيهِم بِأمرِ اللهِ فذلِكَ هُوَ الإرتِدادُ عَن الدّينِ بِعَيْنِهِ و الإستخفافُ بِكَ و بالصَّلاةِ لَعَنهُمُ الله .
قُل لَهُم يا حبيبي : إنّكُم تَركتُم رِضيٰ اللهِ و أجرَهُ و ثَوابَهُ و جَنَّتَهُ و رِضوانَهُ مُنفَضِّينَ إليٰ اللَّهوِ وَالتِّجارَةِ و لكِنَّ ما عِندَ اللهِ خَيرٌ مِمّا طَلبتُم فَخَسِئتُم و خَسِرتُم و قُبحاً لَكُم ،
واعَموا أنَّ اللهَ هُوَ خيرُ الرّازِقينَ لِعِبادِهِ المُؤمِنينَ عليٍّ (ع) و شيعَتِهِ القائِمينَ مَعَ النّبيِّ في الصَّلاةِ فَيَرزُقُهُم مِن فَضلِهِ في الدّنيا و الآخِرةِ و ذلكَ هُوَ الفَوْزُ العَظيم .
نشر في الصفحات 1384-1379 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی