من شعر شعراء الزّهراء (ع) في میلادها
2018-05-13
جهاز زواج فاطمة (ع)
2018-05-14

( تزویج النّورین )

 

قال تعالیٰ : ﴿  مَرَجَ البَحرَینِ یلتقیان بَینهُما بَرزخُ لا یَبغیان ﴾

سورة الرّحمٰن الآیة19

 

 

فلمّا استهلّ هلال جمال فاطمة (ع) و أشرق في الاُفق ، متعالیاً نورها شیئاً فشیئاً في سماء المجد و العظمة تحت ظلّ والدها العظیم المربّي لها و في أحضان الوالدة العظیمة الحریصة علیها .

أخذت تستتمُّ إشراقاً و کمالاً و جمالاً و بهاءاً حتّی أصبحت في العقد الأوّل کالبدر لیلة تمامه و کماله فبلغت سنَّ بلوغ الفتیات ، و عمر زواج الغانیات من لداتها الفواطم الهاشمیّات و إن لم تر ما تراه لداتها بل کانت بتول عن الطّمث دونهنّ و عندما أصبحت الزّهراء یافعة عذراء تفتّحت فیها أزهار الحیاة و الحیاء فکانت إنسیّة حوراء و أنیسةُ هیفاء و جمیلةُ بیضاء و وردة فیحاء و جلیلةُ حمراء و أنیقةُ عیناء و عطوفةُ حنّاء وعفیفةُ شیماء ؛ شاع إسمها بین الأشراف بالعفّة و الشّرف و عرفت بالأوصاف الأصیلة الحمیدة کلّها حتّیٰ الدّلال و الشّرف ، فأحیت إسم اُمّها خدیجة الشّریفة اُمّ الشّرف و تاجرة العرب ، و رفعت رأس أبیها بفضائلها عالیاً بین رؤس العرب و اشتهرت بالأدب و کانت تشار إلیها بالبنان في مظاهر خلقها و خُلقها فعندئذ تکاثر و تواتر خطّابها و طلاّبها ، إذ جمعت شرف الأدب إلیٰ شرف الحسب و النَّسب ، و لکنّ فاطمة (ع) مثلها مثل مریم العذراء لا تعیش حیاة النّساء بل کانت تعکف في محراب العبادة لله و الدّعاء ، فهي مشغولةُ بمناجاته ، مهتمّةُ بمکالمته وبطاعته و عبادته ، و في ذلك إشتغالُ لها عمّن سواه فهواها هواه ، بید أنّ السّنّة الإلهیّة و الشّریعة السّماویّة تفرض علیها الزّواج ممّن یلیق و ممّن هو کفوُ لها ، لقوله (ص) :

« ألنّکاح سنّتي فمن رغب عن سّنّتي فلیس منّي » !!

فمن یا تریٰ هو الکفو لها ؟

أهل یکون الغنيّ الّذي له القناطیر المقنطرة من الذّهب و الفضّة و الأموال أو الخیل المسوّمة و الأنعام و الحرث ، کفوُ لها فحسب ؟؟

کما ظنّ ذلك عبدالرّحمن بن عوفٍ ؟؟ کلاّ !!

فحاشالها أن یکون لها الأغنیاء و الأثریاء بل الملوك أکفّاء .

أو هل یکون رؤساء القبائل و شیوخ قریشٍ و رجال المهاجرین و الأنصار لها أکفّاء ؟؟ کلاّٰ ثمّ کلاّٰ و ألف کلاّٰ.

فمن یا تریٰ یکون کفواً للزّهراء ؟؟ و من الّذي یلیق لها ؟؟

هذا سؤال دقیق و لا یسهل الجواب علیه في حینه ، و کان یوجهّه کلّ من خطبها من أولئك النّمط فردّ رسول ﷲ(ص) خطبته !!!

خطبها عتیق بن أبي قحافة فردّه رسول ﷲ (ص) ، فعرف أنّه لیس کفواً لها ؛ ثمّ خطبها عمر بن خطّاب فردّه رسول ﷲ (ص) إیضاً فعرف الجمیع أنّه لیس کفواً لها و کانا یظنّان إنّ لهما حقّ المصاهرة لأنّها زوّجاه ببنتیهما و لأنّه (ص) زوّج عثماناً ، سابقاً و خطبها عبد الرّحمٰن الثّريّ فردّه رسول ﷲ إیضاً أشدّ ردًّ فرجع خائباً و خطبها الکثیرون من شباب المهاجرین و الأنصار فردّهم إیضاً فمن هو الکفو لفاطمة (ع) و من الّذي لا تردّ خطبته ؟؟ یا تریٰ ؟؟ و الکلّ بانتظار الجواب !!!

و کان رسول ﷲ (ص) یعلم علم الیقین أن لا کفو لها غیر علیّ بن أبي طالب (ع) ، لمعرفته إیّاه حقّ المعرفة أصلاً و حسبأ و نسباً و دیناً و خُلقاً ؛ فهو ربیبه .

فعلیّ جوهرة ثمینةُ أبدعها اﷲ ثمّ صاغها رسول اﷲ بعنایة اﷲ ، صیاغةً دقیقةً حکیمة قویمة ، و هو إبن عمّها و إبن عمَّ أبیها ؛ فالأصل واحد و الشّرف متکافیء و التّربیة واحدة فربّاه النّبيُّ کما ربّیٰ فاطمة (ع).

لکنّ الزّواج حسب العرف و الشّرع لا بدّ فیه إیجاب و قبول لیتحقّق و من إقدامٍ و خطبةٍ من جانب الکفو للکریمة .

فکان النّبيّ (ص) ینتظر أوّل بادرة من عليًّ في ذلك .

و لم یمنع علیّاً من ذلك سویٰ قلّة الید و ضئالة المهر ثمّ الحیاء ثمّ یُتمه و فقده لأبیه عمران أبي طالب ، و الأهمُّ من ذلك کلّه علمه بإنّ النبي (ص) ینتظر أمر ﷲ فیها فلا یتعدّیٰ الوحی الإلٰهي في جمیع شؤونه فکیف بموضع خطیرٍ کهذا !!

و الحکم الإلٰهي لا یکون إلاّٰ عن حکمةٍ إلٰهیّةٍ و مصلحةٍ واقعیّةٍ و النّبيّ لا ینطق عن الهویٰ إن هو إلاّ وحیُ یوحیٰ ، فحان دور الإلٰهي و الحکم و التّقدیر الرّبّاني و القسمة السّماویّة و المشیّئة الرّبّانیّة .

فشاء ﷲ و أراد فأهبط جبرئیل إلیٰ النّبيّ (ص) فقال :

« إنّ ﷲ یأمرك أن تزوّج فاطمة من عليًّ »

رویٰ ذلك العامّة و الشّیعة و رواه من العامّة إبن حجر الهیثمي في الصّواعق (ص:107) ، و حقّاً إنّ هذه الرّوایة صاعقة سماویّة تصیب رؤوس أعداء الزّهراء و حاسدیها و حاذلیها .

و یروي الکنجي الشّافعي بأسناده عن أنس کما جاء في کتاب کفایة الطّالب (ص:298) قال :

کنت عند رسول ﷲ (ص) فغشیه الوحی فلمّا أفاق قال لي :

« یا أنس أتدري ما جاء به جبرئیل من عند صاحب العرش ؟ »

قلت بأبي و اُمّي ما جاءك به جبرئیل ؟ قال (ص) :

« قال إنّ ﷲ یأمرك أن تزوّج فاطمة من عليًّ ؛ فانطلق فادع لي أبابکر و عمر و عثمان و طلحة و الزّبیر و بعدّتهم من الأنصار » .

قال : فانطلقت فدعوتهم فلمّا أخذوا مقاعدهم قال رسول ﷲ (ص) :

« ألحمدلله المحمود بنعمته ألمعبود بقدرته ألمطاع بسلطانه ألمرغوب إلیه فیما عنده ألمرهوب عذابه ألنّافذ أمره في أرضه و سمائه ألّذي خلق الخلق بقدرته و میّزهم بأحکامه . أعزّهم بدینه و أکرمهم بنبیّه محمّد (ص) ،
ثمّ إنّ ﷲ تعالیٰ جعل المصاهرة نسباً وصهراً فأمر ﷲ یجري إلیٰ قضائه و قضاؤه یجري إلیٰ قدره فلکلّ قدرٍ أجلُ و لکلّ أجلٍ کتابُ یمحو ﷲ ما یشاء و عنده اُمّ الکتاب ، ثمّ أنّ ﷲ تعالیٰ أمرني أن اُزوّج فاطمة بعليًّ فاشهدکم أنّي قد زوّجته علیٰ أربعمائه مثقالٍ فضّةٍ إن رضي بذلك عليُّ » .

و کان عليُّ غائباً قد بعثه رسول ﷲ في حاجةٍ ، ثمّ إنّ رسول ﷲ (ص) أمر بطبقٍ فیه بسر فوُضع بین أیدینا ثمّ قال إنتهبوا ، فبینا نحن ننتهب إذ أقبل عليُّ فتبسّم إلیه النّبي ثمّ قال :

« یا عليُّ إنّ ﷲ أمرني أن اُزوّجك فاطمة فقد زوّجتکها علیٰ أربعمائة مثقال فضّة إن رضیت » .

فقال عليُّ (ع) : قد رضیت یا رسول ﷲ .

ثمّ إنّ علیّاً مال فخرَّ ساجداً شکراً لله تعالیٰ و قال :

« ألحمد لله ألّذي حبّبني إلیٰ خیر البریّة محمّد رسول ﷲ».

فقال رسول ﷲ (ص) :

« بارك ﷲ علیکما و بارك ﷲ فیکما و أسعدکما و أخرج منکما الکثیر الطّیّب » .

قال أنس : فوﷲ لقد أخرج منهما الکثیر الطیّب .

و رویٰ الذّهبي بأسناده عن عبدﷲ قال : قال النّبي (ص) :

« یا فاطمة لمـّا أردت أن اُملکكِ بعليًّ أمر ﷲ جبرئیل فصفّ الملائکة ثمّ خطبهم فزوّجكِ من عليًّ » .

و أمـّا قصّة زواج فاطمة بالتّفصیل فقد رواها الخوارزمي بأسنادٰه عن اُمّ سلمة و سلمان المحمّدي و عليّ ابن أبي طالب کلّ قالوا :

« إنّه لمـّا أدرکت فاطمة بنت رسول ﷲ(ص) مدرك النّساء خطبها أکابر قریش من أهل السّابقة و الفضل في الإسلام و الشّرف و المال و کان کلّما ذکرها أحدُ من قریش أعرض رسول ﷲ عنه بوجهه حتّیٰ کان یظنّ الرّجل منهم في نفسه أنّ رسول ﷲساخط علیه أو قد نزل علیٰ رسول ﷲ (ص) فیه وحی من السّماء ، و لقد خطبها من رسول ﷲ (ص) أبوبکر بن أبي قحافة ، فقال له رسول ﷲ (ص) : یا أبابکر أمرها إلیٰ ربِّها ،

ثمّ خطبها بعد أبي بکرٍ عمر ، فقال له مثل مقالته لأبي بکر ،

و إنّ أبابکر و عمر کانا ذات یوم جالسین في مسجد رسول ﷲ (ص) و معهما سعد بن معاذ الأنصاري ثمّ الأوسي فتذاکروا أمر فاطمة ، فقال أبوبکر :

لقد خطبها من رسول ﷲ ألأشراف فردّهم رسول ﷲ و قال :

إنّ أمرها إلیٰ ربّها ، إن شاء أن یزوّجها زوّجها ،

و إنّ عليّ بن أبي طالب (ع) لم یخطبها من رسول ﷲ (ص) و لم یذکرها له و إنّ علیّاً لا أراه یمنعه من ذلكإلاّٰ قلّة ذات یده و أنّه لیقع في نفسي أنّ اﷲ و رسوله إنّما یحبسانها علیه ،

قال ، ثمّ أقبل أبوبکرٍ علیٰ عمر و علیٰ سعد بن معاذٍ فقال :

هل لکما في القیام إلیٰ عليِّ بن أبي طالبٍ تذکرا له هذا ؟؟

قالا : قم بنا علیٰ برکة ﷲ و یمنه ،

قال سلمان الفارسي : فخرجوا من المسجد فالتمسوا علیّاً في منزله فلم یجدوه و کان ینضح ببعیرٍ کان له علیٰ نخل رجلٍ من الأنصار باُجرة ،

فانطلقوا نحوه فلمّا رآهم عليُّ قال لهم :

ما بدا لکم و ما الّذي جئتم له ؟؟

فقال له أبوبکر : یا أباالحسن إنّه لم یبق خصلةً من خصال الخیر إلاّ و لك فیها سابقةُ و فضل و أنت من رسول ﷲ (ص) بالمکان الّذي قد عرفت من القرابة و الصّحبة و السّابقة و قد خطب الأشراف من قریشٍ إلیٰ رسول ﷲ (ص) إبنته فاطمة فردّهم و قال :

إنّ أمرها إلیٰ ربّها إن شاء أن یزوّجها زوّجها ، فما یمنعك أن تذکرها لرسول ﷲ تخطبها منه ؟ فإنّي أرجوا أن یکون ﷲ سبحانه و تعالیٰ و رسوله إنّما یحبسانها علیك،

قال : فغر غرت عینا عليًّ بالدّموع و قال :

یا أبابکر لقد هیّجت منّي ما کان ساکناً و أیقضتني لأمرٍ کنت عنه غافلاً و إنّ فاطمة لرغبتي و ما مثلي یقعد عن مثلها غیر أنّي یمنعني من ذلك قلّة ذات الید ، فقال له أبوبکر : لا تقل هذا یا أباالحسن فإنّ الدّنیا و ما فیها عند ﷲ تعالیٰ و عند رسوله کهباء منثور ،

قال : ثمّ إنّ عليَّ بن أبي طالب (ع) حلّ ناضحهِ و أقبل یقوده إلیٰ منزله فشدّه فیه و أخذ نعله و أقبل إلیٰ رسول ﷲ (ص) فکان رسول ﷲ في منزل اُمّ سلمة إبنة أبي امیّة بن المغیرة المخزومي ، فدقّ عليُّ الباب ،

فقالت اُمّ سلمة من بالباب ؟

فقال لها رسول ﷲ (ص) قبل أن یقول عليُّ أنا علي :

قومي یا اُمّ سلمة فافتحي له الباب و مریه بالدّخول فهذا رجلُ یحبّه ﷲ و رسولُه و یحبُّهما ،

قالت اُمّ سلمة فقلت : فداك أبي و اُمّي من هذا الّذي تذکر فیه هذا و لم تره ؟

فقال : یا اُمّ سلمة هذا رجلُ لیس بالخرق و لا بالنّزق هذا أخي و ابن عمّي و أحبُّ الخلق إلیَّ ،

قالت اُمّ سلمة : فقمت مبادرةً أکاد أن أعثر بمرطي فتحت الباب فإذا بعليّ بن أبي طالب (ع) ، و ﷲ ما دخل حین فتحت له حتّیٰ علم أنّي قد رجعت إلیٰ خذري،

قالت : ثمّ إنّه دخل علیٰ رسول ﷲ (ص) فقال :

ألسّلام علیك یا رسول ﷲ و رحمة ﷲ و برکاته ،

فقال له النّبيّ : و علیك السّلام یا عليّ .

قالت اُمّ سلمة : فجلس عليّ أبي طالب علیه السّلام بین یدی رسول ﷲ (ص) و جعل یطرق إلیٰ الأرض کأنّه قصد لحاجةٍ و هو یستحي أن یبدیها لرسول ﷲ (ص) حیاءً منه ،

فقالت اُمّ سلمة : فکان رسول ﷲ (ص) علم ما في نفس عليًّ فقال :

یا أبالحسن إنّي أریٰ أنّك أتیت لحاجةٍ ؟؟ فقل حاجتك و ابد ما في نفسك فکلّ حاجةٍ لك عندي مقضیّةُ .

قال عليُّ : فقلت :فداك أبي و اُمّي إنك لتعلم أنّك أخذتني من عمّك أبي طالبٍ و من فاطمة بنت أسدٍ و أنا صبيُّ لا عقل لي فعذّیتني بغذاءك و أدّبتني بأدبك فکنت لي أفضل من أبي طالب و من فاطمة بنت أسدٍ في البّر و الشّفقة و إنّ ﷲ عزّوجلَّ هداني بك و علیٰ یدیك و استنقذني ! … و إنّكو ﷲ یا رسول ﷲ (ص) ذخري و ذخیرتي في الدنّیا و الآخرة یا رسول ﷲ فقد أحببت مع ما قد شدّ ﷲ من عضدي بك أن یکون لي بیتُ و أن تکون لي زوجةُ أسکن إلیها و قد أتیتك خاطباً راغباً أخطب إلیك إبنتك فاطمة ، فهل أنت مزوّجني یا رسول ﷲ ؟

قالت اُمّ سلمة : فرأیت وجه رسول ﷲ یتهلّل فرحاً و سروراً ثمّ تبسّم في وجه عليٍّ  (ع) وقال له یا أباالحسن فهل معك شيءُ اُزوّجك به ؟؟

فقال : فداك أبي و اُمّي و ﷲ ما یخفیٰ علیك من أمري شيءُ ، لا أملك إلاّٰ سیفي و درعي و ناضحي ، ما أملك شیئاً غیر هذا ،

فقال له رسول ﷲ (ص) : یا عليّ أمّا سیفك فلا غناء بك عنه تجاهد به في سبیل ﷲ و تقاتل به أعداء ﷲ ، أمّا ناضحك فتنضح به علیٰ نخلك و أهلك و تحمل علیه رحلك في سفرك و لکنّي قد زوّجتك بالّدرع و رضیت بها منك ، یا أبالحسن اُبشّرك ؟؟

قال عليُّ فقلت : نعم فداك أبي و اُمّي یا رسول ﷲ بشّرني فأنّك لم تزل میمون النّقیبة ، مبارك الطّائر ، رشید الأمر صلّیٰﷲ علیك ،

فقال لي رسول ﷲ (ص) : أبشر یا أبالحسن فأنّ ﷲ عزّوجلّ قد زوّجکها في السّتماء من قبل أن اُزوّجکها في الأرض و لقد هبط علیُّ في موضعي من قبل أن تأتیني ملكُ له وجوهُ شتّیٰ و أجنحةُ لم أر قبله من الملائکة مثله ، فقال لي :

ألسّلام علیكَ و رحمة ﷲ و برکاته أبشر یا محمّد باجتماع الشّمل و طهارة النّسل فقلت و ما ذاك أیّها الملك ؟

فقال : یا محمّد (ص) ، أنا سیطائیل الملك الموکَّل بإحدیٰ قوائم العرش سألت ربّي عزّوجلّ أن یأذن لي في بشارتك و هذا جبرئیل في أثري یُخبرك عن ربّك عزّوجلّ بکرامة ﷲ عزُوجلّ لك ،

قال النّبيُّ (ص) : فما استتمّ الملك کلامه حتّیٰ هبط علیّ جبرئیل (ع) فقال لي : ألسّلام علیك و رحمة ﷲ و برکاته یا نبيّ ﷲ ، ثمّ إنّه وضع في یدیّ حریرةً بیضاء من حریر الجنّة و فیها سطران مکتوبان بالنّور .

فقلت : حبیبي جبرئیل ما هذه الحریرة و ما هذه الخطوط ؟

فقال جبرئیل : یا محمّد (ص) إنّ ﷲ إطّلع إلیٰ الأرض إطّلاعةً فأختارك من خلقه و ابتعثك برسالاته ثمّ إطّلع ثانیةً فاختار لك منها أخاً و وزیراً و صاحباً و ختناً فزوّجه إبنتك فاطمة (ع) .

فقلت حبیبي جبرئیل و من هذا الرّجل ؟

فقال لي یا محمّد (ص) : أخوك في الدّین و ابن عمّك في النّسب عليِّ بن أبي طالب و أنّ ﷲ أوحیٰ إلیٰ الجنان أن تزحرفي فتزخرفت الجنان و أوحي إلی شجرة طوبیٰ أن احملي الحليّ و حملت شجرة طوبیٰ الحليَّ و الحلل و تزخرفت الجنان وتزیّنت حورالعین و أمر ﷲ الملائکة أن تجتمع في السّمآء الرّابعة عند البیت المعمور.

قال : فهبط جمیع الملائکة من ملائکة الصّفیح الأعلیٰ و ملائکة السّمآء الثّانیة و ملائکة السّمآء الثّالثة إلیٰ الرّابعة و أمر ﷲ عزّوجلّ رضوان فنصب منبر الکرامة علیٰ باب البیت المعمور و هو المنبر الّذي خطب فوقه آدم یوم علّمه ﷲ الأسمآء و عرضه علیٰ الملائکة و هو منبرُ من نورٍ فأوحیٰﷲ عزّوجلّ إلیٰ ملكٍ من ملائکة حجبه یقال له راحیل أن یعلو ذلك المنبر و أن یحمده بمحامده و أن یمجّده بتمجیده و أن یُثنی علیه بما هو أهله و لیس في الملائکة کلّها أحسن منطقاً و لا أحلیٰلغةً من راحیل الملك .

فعلیٰ راحیل المنبر و حمد ربّه و مجّده و قدّسه و أنثیٰ علیه بما هو أهله فارتّجت السّماوات فرحاً و سروراً ،

قال جبرئیل : ثمّ أوحیٰ إلیّ أن أعقد عقدة النّکاح فإنّي قد زوّجت أمتي فاطمة بنت حبیبي محمّد من عبدي عليّ بن أبي طالب فعقدت عقدة النّکاح و أشهدت علیٰ ذلك الملائکة أجمعین و کتبت شهادة الملائکة في هذه الحریرة و قد أمرني ربّي أن أعرضها علیك وأن أختمها بخاتم مسك أبیض و أن أدفعها إلیٰ رضوان خازن الجنان و أنّ ﷲ عزّوجلّ لمـّا أشهد علیٰ تزویج فاطمة من عليّ بن أبي طالب (ع) ملائکتة أمر شجرة طوبیٰ أن تنثر حملها و ما فیها من الحلّی و الحلل فنثرت الشّجرة ما فیها و التقطه الملائکة و الحورالعین و أنّ الحور و الملائکة لیتهادینه و تفخران به إلیٰ یوم القیامة.

یا محمّد ، و أنّ ﷲ أمرني أن آمرك أن تزوّج علیّاً في الأرض من فاطمة و أن تبشّرها بغلامیْن زکیّین طیّبین طاهرین فاضلین خیّرین في الدّنیا و الآخرة ،

یا أبالحسن : فو ﷲ ما عرجت الملائکة من عندي حتّیٰ دققت الباب ، ألا و إنّي منفّذُ فیك أمر ربّي فامض یا أبالحسن أمامي فإنّي خارجُ إلیٰ المسجد و مزوّجك علیٰ رؤوس النّاس و ذاکراً من فضلك ما تقرّ به عینك و أعین محبّیك في الدّنیا و الآخرة .

قال عليُّ : فخرجت من عند رسول ﷲ (ص) و أنا لا أعقل فرحاً و سروراً فاستقبلني أبوبکرُ و عمر و قالالي ما وراك یا أبالحسن ؟

فقلت زوّجني رسول الله (ص) إبنته فاطمة و أخبرني أنّ ﷲ عزّوجلّ زوّجنیها في السّماء و هذا رسول ﷲ (ص) خارجُ في أثري لیظهر ذلك بحضرةٍ من النّاس ، ففرحا بذلك فرحاً شدیداً و رجعا معي إلیٰ المسجد فو ﷲ ما توسطناه حتّیٰ لحق بنا رسول ﷲ(ص) و أنّ وجهه لیتهلّل سروراً و فرحاً ،

و قال (ص) : أین بلال بن حمامة ؟ فأجابه مسرعاً و هو یقول لبّیك لبّیك یا رسول ﷲ .

فقال له رسول ﷲ (ص) إجمع المهاجرین و الأنصار .

قال فانطلق بلال بأمر رسول ﷲ (ص) و جلس رسول ﷲ (ص) قریباً من منبره حتّیٰ إجتمع النّاس ثمّ رقیٰ درجةً من منبره فحمد ﷲ و أثنیٰ علیه و قال :

معاشر المسلمین إنّ جبرئیل (ع) أتاني آنفاً فأخبرني أنّ  ربّي عزّوجلّ جمع الملائکة عند البیت المعمور و أنّه أشهدهم جمیعاً أنّه زوّج أمته فاطمة إبنة رسوله محمّدُ (ص) من عبده عليّ بن أبي طالبٍ (ع) و أمرني أن اُزوّجه في الأرض و اُشهدکم علیٰ ذلك .

ثمّ جلس و قال لعليًّ : قم یا أباالحسن فاخطب لنفسك أنت .

قال : فقام عليّ (ع) فحمد ﷲ و أثنیٰ علیه و صلّیٰ علیٰ رسوله

و قال : الحمد لله شکراً لأنعمه و أیادیه و لا إلٰه إلاّ ﷲ شهادةً تبلغه و تُرضیه و صلّیٰﷲ علیٰ محمّد و آله صلاةً تزلفه و تحظیه ، و النّکاح ممّا أمر ﷲ عزّوجلّ به و رضیه و مجلسنا هذا ممّا قضاه الله و أذن فیه  قد زوّجني رسول الله (ص) إبنته فاطمة و جعل صداقتها درعي هذا و قد رضیت بذلك ، فسلوه و اشهدوا .

فقال المسلمون : لرسول ﷲ ، زوجته یا رسول ﷲ ؟

فقال رسول ﷲ (ص) : نعم .

فقال المسلمون : بارك ﷲُ لهما و علیهما و جمع شملهما .

و انصرف رسول ﷲ (ص) إلیٰ أزواجه فأخبرهنّ ففرحن و أظهرن الفرح .

قال عليُّ (ع) : و أقبل رسول ﷲ (ص) فقال :

یا أباالحسن إنطلق الآن فبع درعك و اتني بثمنها حتّیٰاُهیّيء لك و لإبنتي فاطمة ما یصلحکما .

قال عليُّ (ع) فأخذت درعي فانطلقت به إلیٰ السّوق فبعته بأربعمائه درهم سودٍ هجریّة و أقبلت إلیٰ رسول ﷲ (ص) فطرحت الدّراهم بین یدیه ، ثمّ قبض رسول ﷲ (ص) قبضةً و دعا بأبي بکرٍ فدفعها الیه و قال : یا أبابکر إشتر بهذه الدّراهم لإبنتي ما یصلُح لها في بیتها و بعث معه  سلمان الفارسي و بلال بن حمامة لیعیناه علیٰ حمل ما یشتري به .

قال أبوبکر : و کانت الدّراهم الّتي دفعها إلیَّ ثلاثةٍ و ستّین درهما ، قال : انطلقت إلیٰ السوق فاشتریت فراشاً من خیشِ مصر محشوّاً بالصّوف و قطعاً من أدمٍ و وسادةً من أدمٍ حشوها لیف النّخل و عباءة خیبریّة و قربة للماء و قلت هي خادم البیت و کیزاناً و جراراً و مطهرةً للماء و ستر صوفٍ رقیقٍ و حملت أنا بعضه و سلمان بعضه و بلال بعضه و أقبلنا به فوضعناه بین یدی رسول ﷲ (ص) فلمّا نظر إلیه بکیٰ و جرت دموعه علیٰ لحیته ثمّ رفع رأسه إلی السّماء و قال :

الّهمّ بارك لقومٍ جلّ أوانیهم الخزف .

قال عليّ بن أبي طالب (ع) و دفع رسول اﷲ (ص) باقي ثمن الدّرع إلیٰ اُمّ سلمة و قال : إرفعي هذه عنك . و مکثت بعد ذلك شهراً لا اعاود رسول اﷲ (ص) في أمر فاطمة بشیءٍ إستحیاءً من رسول اﷲ (ص) غیر أنّي کنت إذا خلوت برسول اﷲ قال لي :

یا أبالحسن ما أحسن زوجتك و أجملها أبشر یا أبالحسن فقد زوّجتك سیّدة نساء العالمین .

قال علیُّ (ع) : فلمّا کان بعد شهر دخل علیّ أخي عقیل فقال :

و اﷲ یا أخي ما فرحت بشیء قطّ  کفرحي بتزویجك فاطمة الزّهراء بنت رسول اﷲ (ص) یا أخي فما بالك لا تسل رسول ﷲ (ص) أن یُدخلها علیك فتقرُّ أعیننا باجتماع شملکما ؟؟

فقلت : و اﷲ یا أخي إنّي لاُحبّ ذلك و ما یمنعني أن أسأل رسول اﷲ (ص) إلاّ حیاءً منه فقال :

أقسمت علیك إلاّ قمت معي فقمنا نرید رسول اﷲ (ص) فلیقنا في طریقنا اُمّ أیمن مولاة رسول اﷲ (ص) فذکرنا ذلك لها فقالت :

لا تفعل ذلك یا أباالحسن و دعنا نحن نکلّم في هذا فإنّ کلام النّساء في هذا أحسن و أوقع في قلوب الرّجال ، ثمّ انثنت راجعة فدخلت علیٰاُمّ سلمة بنت أبي امیّة بن المغیرة زوج النّبي (ص) فأعلمتها بذلك و أعلمت نساء رسول ﷲ (ص) جمیعاً فاجتمع اُمّهات المؤمنین إلیٰ رسول ﷲ (ص) و کان في بیت عائشة فأحدقن به

و قلن له :

فدیناك بآبائنا و اُمّهاتنا یا رسول ﷲ (ص) قد اجتمعنا لأمرٍ لو أنّ خدیجة في الأحیاء لقرَّت بذلك عینها .

قالت اُمّ سلمة : فلمّآ ذکرنا خدیجة بکیٰ النّبيّ ثمّ قال :

خدیجة و أین مثل خدیجة ؟ صدّقتني حین یکذبني النّاس و أیّدتني علیٰ دین ﷲ و أعانتني علیه بمالها إنّ ﷲ عزّوجلّ أمرني أن اُبشّر خدیجة ببیتٍ في الجنّة من قصب الزّمرّد لا صخب فیه و لا نصب .

قالت اُمّ سلمة : فقلنا فدیناك بآبآئنا و اُمّهاتنا یا رسول ﷲ (ص) إنّك لم تذکر من خدیجة أمراً إلاّ و قد کانت کذلك غیر أنها قدمت إلیٰ ربّها فهنّاها اللهُ بذلك و جمیع بیننا و بینها في درجات جنّتة و رحمته و رضوانه .

یا رسول ﷲ ، هذا أخوك في الدّین و ابن عمّك في النّسب عليّ بن أبي طالب (ع) یُحبّ أن یدخل علیٰ زوجته فاطمة و تجمع بها شمله .

فقال رسول ﷲ (ص) : یا اُمّ سلمة فما بال عليٍّ لا یسئلني ذلك ؟؟

قلت : یمنعه من ذلك الحیاء منك یا رسول ﷲ .

قالت اُمّ أیمن : فقال لي رسول ﷲ (ص) :

إنطلقي إلیٰ عليٍّ فأتیني به .

قالت : فخرجت من عند رسول ﷲ (ص) فإذا بعليٍّ ینتظرني لیسئلني عن جواب رسول ﷲ (ص) فلمّا رآني

قال : ماوراك یا اُمّ أیمن ؟

قلتُ أجب رسول ﷲ (ص) .

قال عليُّ : فدخلتُ علیه و هو في حجرة عائشة و قمن أزواجه فدخلن البیت و أقبلت فجلست بین یدیه مطرقاً إلیٰ الأرض حیاءً منه ، فقال رسول ﷲ (ص) :

أتحبّ أن تُدخل علیك زوجتك ؟؟

فقلتُ و أنا مطرقُ : نعم فداك أبي و اُمّي .

فقال : نعم حبّاً و کرامةً یا أبالحسن اُدخلها علیك في لیلتنا هذه أو لیلة غدٍ إنشاء ﷲ ، فقمتُ من عنده فرحاً مسروراً و أمر رسول ﷲ (ص) أزواجه لیزیّنّ فاطمة و لیطیّبنها و یُفرش لها بیتاً لیُدخلها علیٰ بعلها عليّ ، ففعلن ذلك و أخذ رسول ﷲ (ص) من الدّراهم الّتي دفعها إلیٰ اُمّ سلمة من ثمن الدّرع عشرة دراهم فدفعها إلیٰ عليٍّ ثمّ قال :

إشتري تمراً و سمناً و أقطاً.

قال عليّ فاشتریتُ بأربعة دراهم تمراً و بخسمة دراهم سمناً و بدرهمٍ أقطاً و أقبلتُ به إلیٰ رسول ﷲ (ص) فحسر النّبي عن ذراعیه و دعاه بسفرةٍ من أدمٍ و جعل یشدخ التّمر بالسّمن و یخلطه بالأقط حتّیٰ إتّخذه حیساً ثمّ قال لي یا عليّ ادع من أحببت ؛ فخرجت إلیٰ المسجد و أصحاب رسول ﷲ (ص) متوافرون فقلتُ : اُجیبوا رسول ﷲ (ص) فقام القوم بأجمعهم و أقبلوا نحو رسول ﷲ (ص) فأخبرته أنّ القوم کثیر فجلّل رسول ﷲ (ص) ألسّفرة بمندیلٍ ثمّ قال :

أدخل علیّ عشرة بعد عشرة ، ففعلت ذلك فجعلوا یأکلون و یخرجون و السّفرة لا ینقصُ ما علیها ! حتّیٰ لقد أکل من ذلك الحیس سبعماءة رجلٍ و إمرأةٍ کلّ ذلك ببرکة کفّ رسول ﷲ (ص) .

قالت اُمّ سلمة ثمّ دعاالنّبيّ (ص) بإبنته فاطمة و دعا بعليٍّ فأخذ علیّاً بیمینه و أخذ فاطمة بشماله فجمعهما إلیٰ صدره فقبّل بین أعینهما و دفع فاطمة إلیٰ عليّ و قال : یا عليُّ نعم الزّوجة زوجتك ، ثمّ أقبل علیٰ فاطمة و قال : یا فاطمة نعم البعل بعلك ، ثمّ قام معهما یمشي بینهما حتیٰ أدخلهما بیتهما الّذي بنیٰ لهما ثمّ خرج من عندهما فأخذ بعضادتی الباب و قال :

طهّر کما ﷲ و طهّر نسلکما أنا سلمُ لمن سالمکما و حربُ لمن حاربکما أستودعکما ﷲ و أستخلفُه علیکما .

قال عليُّ (ع) : و مکث رسول ﷲ (ص) بعد ذلك ثلاثاً لا یدخل علینا ، فلمّا کان في صبیحة الیوم الرّابع جاءنا (ص) لیدخل علینا فصادف في حجرتنا أسماء بنت عمیس الخثعمیّة فقال لها :

ما یوقفك هنا و في الحجرة رجل ؟؟

فقالت له : فداك أبي و اُمّي إنّ الفتاة إذا زفّت إلیٰ زوجها تحتاج إلیٰ إمرأة تعاهدها و تقوم بحوائجها و إنّي لأقضي حوائجها و إنّي لأقضي حوائج فاطمة و أقوم بأمرها.

فتغر غرت عیناه بالدّموع و قال : یا أسماء قضیٰﷲ لك حوائج الدّنیا و الآخرة .

قال عليُّ (ع) : و کانت غداة قریره و کنت أنا و فاطمة تحت العباء فلمّا سمعنا کلام رسول ﷲ (ص) لأسماء هممنا لنقوم فقال : سألتکما بحقّي علیکما لا تفرّقا حتیٰ أدخل علیکما ، فرجع کلّ واحدٍ منّا إلیٰ صاحبه و دخل علینا رسول ﷲ (ص) و جلس عند رؤسنا و أدخل رجلیه فیما بیننا فأخذت رجله الیمنیٰ و ضممتها إلیٰ صدري و أخذت فاطمة رجله الیسریٰ فضمّتها إلیٰ صدرها و جعلنا ندفیء رجلی رسول ﷲ (ص) من القّر حتّیٰ دفیت رجله قال لي :

یا علي إئتني بکوز من ماءٍ فأتیته بکوزٍ من ماءٍ فتفل فیه ثلاثاً و قرأ علیه آیات من الکتاب ﷲ عزّوجلّ و قال :

یا علي إشربه و اترك منه قلیلاً ، ففعلت ذلك ، فرشّ رسول ﷲ (ص) باقي الماء علیٰ رأسي و صدري و قال أذهب ﷲ عنك الرّجس یا أبالحسن و طهّرك تطهیراً ، ثمّ قال إئتني بماءٍ جدیدٍ فتفل فیه أیضاً و قرأ علیه آیاتٍ من کتاب ﷲ عزّوجلّ و دفعه إلیٰ ابنته فاطمة (ع) و قال إشربي هذا الماء و اترکي منه قلیلاً ففعلت ذلك فاطمة (ع) و رشّ النّبيُّ (ص) باقی الماء علیٰ رأسها و صدرها و قال :

أذهب ﷲ عنكِ الرّجس و طهّركِ تطهیراً .

و أمرني بالخروج من البیت و خلا بإبنته و قال : کیف أنت یا بنیّة یا فاطمة و کیف رأیتِ زوجكِ ؟؟

قالت : یا أبة خیر زوج إلاّ أنّه دخل علیّ نساءُ من قریش و قلن لي : زوّجك رسول ﷲ (ص) من  رجل فقیرٍ لا مال له.

فقال لها رسول ﷲ (ص) : ما أبوك بفقیرٍ و لا بعلك بفقیرٍ و لقد عُرضت علیّ خزائن الأرض من الذّهب و الفضّة فاخترت ما عند ربّي عزّوجلّ .

یا بنیّة لو تعلمین ما یعلم أبوكِ لسمجتِ الدّنیا في عینك ، و ﷲ یا بنیّة ما ألوتك نصحاً أن زوّجتك أقدمهم سلماً و أکثرهم علماً و أعظمهم حلماً یا بنیّة إنّ ﷲ عزّوجلّ إطّلع إلیٰ الأرض إطّلاعة فاختار من أهلها رجلین فجعل أحدهما أباك و الآخر بعلك ، یا بنیّة نعم الزّوج زوجكِ لا تعصي له أمراً ، ثمّ صاح بي رسول ﷲ (ص) فقلت لبّیك یا رسول ﷲ (ص) ،

قال : اُدخل بیتك و الطف بزوجتك و ارفق بها فإنّ فاطمة بضعة منّي یؤلمني ما یؤلمها ویسرُّني ما یسرُّها ، أستودعُکم ﷲ و أستخلفه علیکما .

قال عليُّ (ع) فوﷲ ما أغضبتُها و لا أکرهتها من بعد ذلك علیٰ أمرٍ حتّیٰ قبضها ﷲ عزّوجلّ إلیه و لا أغضبتني و لا عصت لي أمراً و لقد کنت أنظر إلیها فتنجلي عنّي الغموم و الأحزان بنظرتي إلیها .

قال عليُّ : ثمّ قام رسول ﷲ (ص) لینصرف فقالت له فاطمة :

یا أبة لا طاقة لي بخدمة البیت فأخدمني خادمةً تخدمني وتعینني علیٰ أمر البیت . فقال لها رسول ﷲ (ص) : یا فاطمة أیّما أحبّ إلیك خادمُ أو خیرُ من الخادم ؛ فقال عليُّ : فقد قولي ، خیرُ من الخادم !! فقالت : یا أبت خیرُ من الخادم ، فقال لها رسول ﷲ (ص) : تکبّرین ﷲ في کلّ یومٍ أربعاً و ثلاثین تکبیرة و تحمدینه ثلاثاً و ثلاثین مرّة و تُسبّحینهُ ثلاثاً و ثلاثین مرّةٍ فتلك مائةُ باللّسان و ألفُ بالمیزان .

یا فاطمة إن قلتیها صبیحة کلّ یومٍ کفاك ﷲ ما أهمّك من أمر الدّنیا و الآخرة .

و الحدیث الطّویل الصّحیح هذا قد تضمّن أسراراً کثیرةً عن حیاة الزُوجین عليٍّ و فاطمة (ع) لم یلتفت إلیها أحدُ من الکتّاب لحدّ الآن و أنا احبّ أن اشیر فقط إشارةً عابرةً إلیها یفهمها المحقّقون منهم .

فأوّلاً : هل إنّ الّذین سبق منهم أن خطبوا فاطمة فردّهم رسول ﷲ (ص) کانوا یظنّون أنّ رسول ﷲ (ص) سیردّ علیّاً إذا خطب منه فاطمة (ع) إیضاً و ذلك لقلّة ذات یده فأسرعوا إلیٰ حثّه علیٰ التّقدُم لخطبتها ؟؟

فلا بدّ من البحث عن سرّ فعلهم ذاك و إستخراج الجواب الصّحیح من الأدلّة و القرائن و أنا هنا ارید أن اعلن ذلك حسبما توصّلت إلیه في التّحقیق ، إنّهم کانوا یُصمرون السّوء لابن أبي طالب (ع) و کانوا یحبّون أن یردَّه النّبي و یُحرمُه !!

و السّؤال الثّاني الّذي لا بدّ من التّحقیق حوله إنّ الّذي کلّفه رسول ﷲ (ص) بشراء جهاز زواج بنت النّبي فاطمة (ع) و بنت خدیجه کان لا یعرف أن یشتري لها خیراً ممّا إشتراه أو تعمّد في شراء الخزف بدل الأواني النّحاسیّة فإذا کان لا یعرف کان علیه أن یستعین ببعض نسآءه أو ببعض أزواج النّبيّ (ص) في ذلك ، و ما معنیٰ جریان دموع النّبيّ علیٰ خدّیه حینما وضع ما اشتراه بین یدیه و قوله (ص) :

« أللّهمّ بارك لأهل بیتٍ جلّ آنیتهم الخزف » ؟!

و هل کان هذا المکلّف بهذه المهمّة جلّ أوانیه من الخزف ؟ حتّیٰ راق له أن یجعل جهاز عروس کالزّهراء (ع) من الخزف ؟؟

و السّؤال الثّالث الذّي لا بدّ من الجواب علیه أنّه ما معنیٰ أن یُدخل والد العروس نفسه بین العروسین تحت العبآء ثمّ یطلب مآءً ثمّ یقرأ علیه فیتفل فیه فیأمرهما بشرب ذلك المآء ثمّ یرشُّ منه علیٰ رأس العروس و صدرها ؟ و ما هي الآیات الّتي قرأها ؟ هل هي آیات الشّفآء ؟ و لم تك فاطمةُ مریضة و لیس بها من علّة فهل هي آیات إبطال السّحر؟ فمن الّذي کان قد یرید شرّاً بالعروسین فیُسحرهما هل الّذي سبق أن خطبها فردّه و قد دعاه الحسد لعليّ أن یعمل السّحر ضدّهما فیضطرّ حینئذٍ رسول ﷲ (ص) لإبطاله بهٰذه الکیفیّة؟ أم ما ذا ؟

و لیس من الضّروري هنا أن اُعلن ما یصحّ جواباً بل أدعه سرّاً حتّیٰ یظهر و لدهما المهديّ من آل محمّد (ص) فیعلن ذلك ، فانتظروا إنّي معکم من المنتظرین .

هذا بعض الأسئلة حول بعض الأسرار الغامضة في حدیث زواج فاطمة (ع) هذا ، و امّا سائر الأسرار المعلن عنها في أحادیث اُخریٰ فهی کثیرةُ إیضاً و من تلك الأسرار هي نوعیّة المهر الحقیقي لفاطمة (ع) دون المهر الّذي قدّمه عليّ لها و هو درعه الّذي باعه بأربعماءة مثقال فضّة أو أکثر فقد وردت الأحادیث المتواترة عن طریق الفریقین العامّة و الشّیعة تصرّح بأنّ ﷲ جعل صداق الزّهراء (ع) ألکرة الأرضیّة أو المعمورة أو الخمس منها !!! ومن جملة ذلك ما رواه الخوارزمي في المناقب ، الفضل التّاسع عشر ، (ص:235) عن النّبيّ (ص) إنّه قال :

«یا علي إنّ اﷲ زوجّك فاطمة و جعل صداقها الأرض فمنمشیٰ علیها مُبغضاً لك مشیٰ حراماً » .

و لا غرو في ذلك فإنّ ﷲ مالك الأرض و السّماوات ویهب ما یشاء لمن یشاء جلّ جلاله و عمّ نواله ، و قد جعل الأرض صداقاً و مهراً للصّدّیقة لتکون زوجةً لعليٍّ و هو أبوترابٍ وحده و لیس للأرض أبُ غیره !!

لهذا فقد صدق الصّادق الأمین (ص) أنّ ﷲ جعل الأرض صداقاً لسیدة نساء العالمین .

فإذا کانت الأرض کلّها أو خمسها لها کیف لا تکون أراضي فدكٍ لها و هي نحلتها الّتي نحلها رسول ﷲ (ص) ؟؟

و کیف تحرم حتّیٰ من شبرٍ من الأرض ؟

و أمّا هدیّة الزّواج الّتي أتحف ﷲ بها العروسین فهي عظیمةُ جلیلةُ ثمینةُ فلا رأت عینُ مثلها و لا سمعت اُذنُ و لا خطر ببال بشر .

فقد رویٰ صاحب مجمع الزّوائد (ج:9 ص:204) عن الهیثمي بأسناده عن عبدﷲ بن مسعودٍ قال :

سأُحدّتکم بحدیثٍ سمعته من رسول ﷲ (ص) فلم أزل أطلب الشّهادة للحدیث فلم أرزقها ، سمعتُ رسول ﷲ (ص) في غزوة تبوكٍ یقولُ و نحن نسیرُ معه :

«إنّ اﷲ أمرني أن أزوّج فاطمة من عليٍّ ففعلتُ . قال جبرئیل :
إنّ ﷲ تعالیٰ بنیٰ جنّةً من لؤلؤة قصبٍ ، بین کلّ قصبٍ إلیٰ قصبةٍ لؤلؤةٍ من یاقوتةٍ مشذّرةٍ بالذّهب و جعل سقوفها زبرجداً أخضر و جعل فیها طاقاتٍ من لؤلؤ مکلّلة بالیواقیت ثمّ جعل علیها غرفاً لبنةً من فضّة و لبنة من ذهبٍ و لبنةٍ من دُرٍّ و لبنةٍ من یاقوتٍ و لبنةٍ من زبرجد .
ثمّ جعل فیها عیوناً تنبع في نواحیها و حفّت بالأنهار و جعل علیٰ الأنهار قباباً من درّ و جعل في کلّ قبّةٍ أریکةً من درّة بیضاء غشاؤها السّندس و الإستبرق و فرش أرضها بالزّعفران و فتق بالمسك و العنبر و جعل في کلّ قبّة حوراء و القبّة لها مائة باب علیٰ کلّ باب حارسان و شجرتان ، في کلّ قبّة مغروسُ .
و کتاب مکتوب آیة الکُرسي حول القباب .
قلت للجبرئیل لمن بنیٰﷲ هذه الجنّة ؟؟ قال :
بناها لفاطمة إبنتك و عليّ بن أبی طالب سوا جنانهما تحفةً أتحفهما و أقرّ عینیك یا رسول ﷲ» .

فمن یا تُریٰ رأیٰ مثل هذه التّحفة الإلٰهیّة و من من العرائس في تاریخ البشریّة من حوّاء حتّیٰ هذا العصر کان لها ذلك غیر فاطمة (ع) ؟

فما أغزّ فاطمة (ع) عند الله جلّ جلاله و ما أکرم عليّ (ع) و أخصُّه عند ﷲ !!

فلیکن الحمقیٰ الأغبیاء یُلجئون علیّاً لیبني للزّهراء بیت الأحزان في المدینة ، فرغماً لآنافهم لقد بنیٰﷲ لهما بیت الأفراح في الجنّة !!!

فهنیئاً لك یا حبیبة ﷲ و رسوله و هنیئاً لك یابن أبي طالب .

و من الأسرار اللّطیفة الخفیّة في زواج فاطمة العفیفة (ع) هي إتحافُ ﷲ سبحانه شیعتها بهذه المناسبة الشّریفة بصکاك الفکار من النّار و من غضب الجبّار .

فقد رویٰ الکثیرون منهم الخوارزمي ذلك في حدیثٍ قطعيّ الصّدور متواتر : أنّ رسول ﷲ (ص) خرج علیٰ أصحابه و وجهه مشرق کدائرة قمر فسأله عبدالرّحمٰن بن عوف ، فقال :

« بشارةُ أتتني من ربّي في أخي و ابن عمّي و إبنتي بأنّ ﷲ زوّج علیّاً من فاطمة (ع) » .

و رویٰ بلال بن حمامة قال : طلع علینا النّبي (ص) ذات یومٍ و وجهُه مُشرقُ کدائرة القمر فقام عبدالرّحمن بن عوف فقال : یا رسول ﷲ ما هذا النّور ؟

فقال: « بشارةُ أتنتي من ربّي في أخي و ابن عمّي و إبنتي فإن ﷲ زوّج علیّاً من فاطمة و أمر رضوان خازن الجنان فهزَّ شجرة طوبیٰ فحملت رُقاعاً صکاکاً بعدد محبّي أهل بیتي و أنشأ من تحتها ملائکة من نورٍ و دفع إلیٰ کلّ ملكٍ صکّاً فإذا استوت القیامة بأهلها نادت الملائکةُ في الخلائق .
فلا تلقیٰ محبّاً لنا أهل البیت إلاّ دفعت له صکّاً فیه فکاکه من النّار فأخي و ابن عمّي و إبنتي بهم فکاک رقاب رجالٍ و نسآءٍ من اُمّتي من النّار » .

ﷲ أکبر هٰذا معنیٰ فَطم فاطمة لمحبّیها من النّار .

فإلیٰ أین تذهبون أیّها المسلمون ؟؟ أما تعقلون ؟

ثوبوا إلیٰ رُشدکم و تمسّکوا بولاء فاطمة و تبرّؤا من أعدائها وظالمیها لکی تفوزوا بالصّکاك و الفکاك من النّار .

و تأییداً لهٰذا فقد روت عائشة عن النّبي (ص) أنّه قال :

« لا یجوز علیٰ الصّراط إلاّ من بیده صكُّ من عليٍّ » .

فأیّها المسلمون لا أحد غیر عليٍّ و فاطمة و أهل البیت بیده صکاك الفکاك من النّار و قد تعلمون ما هي النّار ، لا تُبقی و لا تذر لوّاحةً للبشر علیها تسعة عشر فثبوا إلیٰ رشدکم و تعالوا معنا و تمسّکوا بالعترة للنّجاة من النّار غداً .

و السّر الآخر عن زواج فاطمة و عليٍّ (ع) هو ما رواه المفسّرون کالثّعلبيّ و الطّائي و القطّان و مفّسروا الشّیعة عن إبن عبّاس و سعید بن جبیرٍ و سفیان الثّوري و غیرهم في تفسیر الآیة الشّریفة قولُه تعالیٰ :

﴿  مَرَجَ البَحرَیْن یَلتَقیان بَینَهما بَرزَخُ لا یَبغیان ﴾ ؛ أنّها نزلت في عليٍّ و فاطمة (ع) و زواجهما و أنّ البحرین هما عليُّ أمیرالمؤمنین و فاطمة المعصومة و هما بحری الولایة و لإمامة مع العصمة و الطّهارة یلتقیان بالزّواج و قد مرجهما ﷲ سبحانه یمشیئته و إرادته الحتمیّة و زوّجها فوق عرشه و بعد إلتقائها یخرج منهما الّؤلؤ و المرجان و هما الحسنان و قد کتبت ذلك في تفسیری ( تفسیر أهل البیت ) ع فراجع .

و بعد ذلك کلّه إنّ من الأسرار الّتي طالما کانت خافیة علیٰ النّاس من الحیاة الزّوجیّة لفاطمة و عليٍّ (ع) هي أنّ ﷲ سبحانه حینما أنزل الوحی في سورة هل أتیٰ إکراماً لها و في فضلها و فضل الحسنین (ع) لأنّهم صاموا ثلاثة أیّامٍ فأفطروا علیٰ المآء حیث آثروا بإفطارهم و قوتهم علیٰ المسکین و الیتیم و الأسیر فنزلت فیهم هل أتیٰ  کما أجمع الرّوات و المفسّرون من الفریقین العامّة و الشّیعة علیٰ ذلك فذکر ﷲ لهم نعم الجنّة و لذائذها من شراب الکافور و الأرائك و أواني من فضّةٍ و أکوابٍ قواریر و شراب الزّنجبیل و السّلسبیل و الولدان المخلّدون و ثیاب سندس خضر و إستبرق و أساور من فضّة و الشّراب الطّهور ! فذکر ﷲ لهم ذلك و لٰکنّه لم یتطرَّق لذکر الحورالعین إجلالاً لفاطمة الحورآء سیّدة النّساء علیها السّلام .

و هل للحور العین فخرّ سویٰ أن تکون في خدمة خادمة فاطمة (ع) فضّة ؟؟

و هي الّتي شارکت أهل البیت في الصّیام و الإیثار .

أجل فما یصنع عليُّ بالحورالعین و هو زوج الحورآء فاطمة الزّهرآء (ع) ؟!

فعلیك أیّها القارئ بالولاء للحورآء سیّدة النّسآء حتّیٰ تسعد غداً بالحورالعین .

و السّر الأعجب في حدیث عن الحیاة الزّوجیّة لعليٍّ و فاطمة الزّهراء (ع) هو ما جآء عن المعصومین تصریحاً بانحصار الکفوّیة للزّهرآء في عليٍّ (ع) .

فقالوا : « لو لا عليُّ لما وُجد کفوًّ لفاطمة علیٰ ظهر الأرض » !! و لم یصرّحوا بعکسه بأن یقولوا : لو لا فاطمة لما وُجد کفوُّ لعليّ ، إذ أنّ علیّاً قد تزوّج بعدها من زوجاتٍ حصلن علیٰ کفاءة الزّوجیّة لعليّ کأمامة و فاطمة الکلابیّة و غیرها و لکنّ فاطمة (ع) لولاء لما کان لها کفوُ علیٰ وجه الأرض .

جآء ذلك في روایةٍ عن الإمام الصّادق جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسین علیهم السّلام أنّه قال :

« لو لا أنّ ﷲ تعالیٰ خلق أمیر المؤمنین علیّاً علیه السّلام لفاطمة علیها السّلام ما کان لها کفوُّ علیٰ الأرض من آدم فما دونه » !!

و ذلك یعني أنّه لیس في البشر رجلُ غیر عليٍّ یلیق أن یکون زوجاً لفاطمة (ع) حتّیٰ الأنبیآء بما فیهم یوسف و یحییٰ و عیسیٰ و سلیمان و داوُد علیهم السّلام فکیف بغیرهم لأنّهم لم یکونوا أکفّآء للزّهرآء فاطمة سیّدة النّسآء الحورآء و أمّا إبراهیم و إسماعیل و نوحُ و  آدم فهم آباؤها !!!

فسبحان من خلق هٰذا البتول العذرآء و زوّجها في السّمآء بسیّد الأوصیآء ، و لا بدّ من إلفات نظر الأُمّة الإسلامیّة إلیٰ أهمّیة فاطمةٍ کزوجة و أهمیّة زوجةٍ کفاطمة ، و في حدیثٍ أخويٍّ بین عليٍّ و النّبي صلوات ﷲ علیهما أخذ النّبيّ (ص) یعدّد فضائل عليٍّ و مناقبه و إمتیازاته علی سائر البشر حتّیٰ نفسه (ص) فقال له فیما قال :

« و اوتیت زوجة صدّیقة مثل إبنتي و لم اوت مثلها زوجّة » .

صدق رسول ﷲ (ص) فإنّه لم یؤته ﷲ زوجة کالزّهرآء حتّیٰ والدتها العظیمة خدیجة فهي لم تبلغ کمالاً کما بلغت الزّهرآء و لا جمالاً !!

و أمّا سائر زوجات النّبيّ فالمؤمنات الصّادقات منهنّ کنّ یفتخرن بخدمة الزّهرآء و یتشرّفن بالتّلمّذ و التّعلّم منها و لم یکنّ معصومات مطهّرات کما کانت الصّدیقة الطّاهرة فاطمة (ع) فکیف بغیرهنّ من الزّوجات اللاّتي کُن یؤذین رسول ﷲ في حیاته ثمّ تسبّبن في إثارة الفتن بعد مماته فمنهنّ من تجمّلت وتبغّلت علیٰ حدّ تعبیر إبن عبّاس و لو عاشت تفیّلت .

و أمّا نثار زواج فاطمة (ع) فقد رویٰ إبن المغازلي بأسناده عن عبدﷲ قال :

لمـّا زوّج النّبيّ (ص) علیّاً من فاطمة أتت قریش فقالوا :

یا رسول ﷲ زوّجت فاطمة علیّاً بمهر خسیس ! فقال النّبيّ  (ص) :

« ما زوّجت فاطمة عليّاً و لکنّ ﷲ زوّجها عند شجرة طوبیٰ و حضر تزویجها الملائکة و أمر ﷲ شجرة طوبیٰ لتنثرین ما علیك من الثّمار فنثرت الدّرَّ و الیاقوت و الزّبرجد الأخضر و ابتدر الحور العین یلتقطن فهنّ یتهادیْن و یتفاخرن به إلیٰ یوم القیامة و یقلن : هٰذا نثار فاطمة بنت رسول ﷲ (ص) » .

فلمّا کان لیلة زفافها أمر رسول ﷲ (ص) بقطیفة فثنّاها علیٰ بغلته و أمر فاطمة أن ترکب البغلة و أمر بلالاً أن یسوق البغلة فبینما هم في الطّریق إذ سمعوا حسّاً ، فالتفت النّبيّ (ص) : « ما الّذي أحدرکم ؟ »

قالوا : جئنا لتزّف فاطمة بنت رسول ﷲ إلیٰ زوجها عليّ بن أبي طالب فکبّر جبرئیل و کبّر میکائیل وکبّرت الملائکة وکبّر رسول ﷲ (ص) فوقع التّکبیر علیٰ العرائس من تلك الّیلة .

فهٰذا نثار فاطمة (ع) في جنان الخلد و تلك الصّکاك هي تحفة زواجها و لعمری لو یقول قائل :

انّ ﷲ یحبّ الفاطمة منتهی الحبّ وفوق الغرام و العشق البشري لما عدی الواقع فهو تعالیٰ جمیلّ و یحبّ الجمال کلّه مجتمعُ في فاطمة (ع) ، و لا أحسب أنّه یحبّ اُنثیٰ غیر فاطمة (ع) بمقدار حبّه لفاطمة (ع) جلّ جلاله و عظُم شأنه .

و أمّا الّذي یلفت نظر الباحث عن الأسرار في هذا الحدیث هو إعتراض قریش علیٰ قلّة مهر فاطمة (ع) ونسبة الخسّة إلیٰ مهرها فهل هذا کان عن سوءنیّةٍ أو عن جهلٍ ؟ فمهما کان لا أظنّ أحداً من العقلاء یجیز الإعتراض لهم هذا ، فما هو حقّهم في التّدخّل في شؤون رسول ﷲ (ص) و إبنته ؟ و إذا کانوا قد إعترضوا بدافع العاطفة و المحبّة الإنسانیّة فلماذا لم یتقدّموا بإقتراح تقدیم شيءٍ من جانبهم بهذه المناسبة العظیمة ؟ فلم یقدّموا هدایا ثمینة لفاطمة (ع) باسم هدایا الزّواج و هم یمتلکون الأموال الطّائلة بل و یکنزون الذّهب و الفضّة فکانت ثروة أحدهم قناطیر من الدّراهم و الدّنانیر کما یتحدّث المورّخون عنها ، فما بالهم قد بّخلوا علیٰ رسول ﷲ (ص) و إبنته و لم یُقدّموا جزءاً من ثرواتهم إن صدقوا أنّهم قد تأذّوا من قلّة مهر فاطمة (ع) !! کلاّ لکنّها الأغراض الخبیثة تنبیء عنها فلتات لسانهم فیخاطبون النّبيّ العظیم بهٰذه اللّهجة الحقیرة فینسبون الخسّة لمهر فاطمة (ع) .

و لا بدّهنا أن اُنوّه إلیٰ سرّ تخفیف مهر فاطمة (ع) فلیس ذلك لقلّة ذات ید عليٍّ إذ کان یمتلك بعیراً ناضحاً و فرساً و سیفاً غیرها و کان بإمکان النّبيّ (ص) أن یأمره ببیعها کلّها و یطلب منه مهراً غالیاً .

فالسّرُّ في ذلك أنّه (ص) یرید أن یشرّع مهر السّنّة أوّلاً ثمّ إنّه یرید أن یعلّم المسلمین کیف یحاربون العادات الجاهلیّة ، ثانیاً یقصد صلّیٰﷲ علیه من ذلك إعلان المبدأ الإسلامي بالنّسبة إلیٰ الزّواج القائم علیٰ أساس تخفیف المهور ، و رفع الأثقال عن کاهل الشّباب المسلم الّذي یرید بنآء حیاةٍ زوجیّة بل رفع الموانع عن طریق الشبّان لکی یقدموا علیٰالزّواج و یحرزوا ثلثی دینهم بالزّواج ، فالمهر الثّقیل هو مانعُ طبیعيُّ في طریق کثیرٍ منهم و لیس من المنطقي تحمیل الزّوج مهراً غالیاً جدّاً فیئنّ من ثقله في بدء حیاته الزّوجیّة فلایهنأ بالزّواج کما یتبغي ، و أمّا إذا کان المهر خفیفاً فلا مانع أمام الشّابُ الّذي یرید أن یعیش الحیاة الزّوجیّة فیقدم برغبةٍ کاملةٍ علیٰ الزّواج فیصون نفسه و دینه و یحصن عرضه من التّلوّث بالإنحرافات الجنسیّة و الخًلقیّة .

فصلّیٰ ﷲ علیٰ رسول اﷲ کما خفّف المهر و سلام ﷲ علیٰ فاطمة کما رضیت بذلك و لم تطلب أکثر ، و الذّل و العار لمن یعترض علیٰ ذلك !!

فعلیٰ الاُمّة الإسلامیّة مراعاة مهر السُّنّة و هي مهر فاطمة (ع) أن أرادوا أن یعالجوا کثیراً من المشاکل الإجتماعیّة و الاخلاقیّة و الجنسیّة و لیسهّلوا نفقات الزّواج علیٰ الشّباب حتّیٰ لا یبقي شابُّ محرومُ من الزّواج و لم تبق شابّة تنتظر من یخطبها فلا تجد ، فاتّقوا ﷲ یا مسلمین و لا ترکضوا ورآء العادات المستوردة من الأجانب فتخسروا عزّ الدّنیا و الآخرة .


نشر في الصفحات 70-43 من كتاب قدیسة الاسلام

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *