تزویج النّورین
2018-05-13
أسماء القدّیسة و کُناها
2018-05-20

جهاز زواج فاطمة (ع)

و امّا جهاز زواج فاطمة الزّهراء سیّدة النّساء بنت رسول ﷲ (ص) وبنت أعظم شخصیّة في تاریخ البشریّة و بنت سیّد البشر و أفضل الأنبیآء و المرسلین فکان یساوی جهاز أبسط عروس في عصرها .

و قبل أن نصف جهاز زواجها لا بدّ من الإشارة إلیٰ ما غفل عنه الکثیرون من الکتّاب و المؤلّفین و لم یُشیروا إلیه و ذلك أنّه من البدیهيّ الّذي لا یخفیٰ علیٰ ذوی الألباب أنّ الأمّهات بدّخرن لبناتهنّ ما یحتجن إلیه من الأثاث في زواجهنّ وطبیعيُّ أن تفعل جزءً من ذلك خدیجة العاقلة الفاهمة النّاضجة لفاطمة بنتها حتّیٰ و لو أنفقت کلّ ثروتها في سبیل الإسلام و المسلمین .

فمن المتحمل جدّاً و الظّن به قويّ أنَّ خدیجة لم تنس زواج فاطمة (ع) و لم تحرمها من بعض ثیاب العرس و لو کانت ثیابها نفسها ، مع العلم أنّها کانت تاجرة مکّة فکانت تستورد من الشّام الأقمشة المتنوّعة و تستورد الثّیاب و الألبسه النّسائیة الجاهزة فتبیعها علیٰ النّساء و العرائس و تجّار الأقمشة و غیرهم فلیس من المعقول أن نفرض أنّها لم تدّخر لبنتها العزیزة ما یلزمها لزفافها !!!

فلهذا عندما یتحدّث المورّخون و الرّوات عن تصدّق الصّدیقة فاطمة بلباس عرسها الثّمین علیٰ المسکینة لیلة زفافها یکون هذا دلیلاً علیٰ ما ذکرناه ، و إلاّ فمن أین کانت لها لدلة عرس ثمینة إذ لم یرو أحد بأنّ ما اشتروها لها کانفي ضمنه ذلك بل کلّ ما یرویٰ في ذلك أنّ الملابس الّتي اشتروها هي عبارة عن :

1-قمیصُ بسبع دراهم 2-خمارُ بأربعة دراهم 3-قطیفة سودآء خیبریّة 4-عبآءُ قطواني .

و أظنّ أن العباء القطواني هذا لم یکن لباساً لها وإنّما کانت تستفید منه مع عليٍّ بالإلتحاف کما جآء في حدیث زواجها .

فهذه هي الملبوسات الّتي اشتراها أبوبکر حینما أمره رسول ﷲ (ص) بشراء ما یصلح لها لأنّه کان یمتهن التعامل بالأقمشة و کان ذو خبرة في الشّرآء و لکن ، هل إنّ هذا الّتي اشتراهها کانَ کافیةً لعروسٍ تتزوّج ؟؟ فالجواب الصّحیح هو کلاّ !!

و لا أعلم هل إنّ حضور المسکینة لیلة زفافها تعترض طریقها و تطلب منها إکسآءَها کان عفویاً أم کان وراء هذه القضیّة أیاديٍ خبیثةٍ حرّکتها لذلك و هذا سرُّ آخرُ في زواج الزّهرآء ینبغي للباحثین التّحقیق حوله .

فکیفما کان فلنرجع إلیٰ الحدیث عن جهازها ، فالأثاث البیتيُّ الّذي ابتاعتها الهیئة المکوّنة من أبي بکر و سلمان المحمّدي و بلال غیر ما ذکرنا هو مایلي :

1-فراشان من خیش مصر .

2-أربع مرافق من أدم الطّائف حشوُدها اذخر .

3-سریر ملفوف بشریط من خوص .

4-حصیر هجري .

5-رحیٰ ید .

6-مخضب من نحاس لغسل الثّیاب .

7-قربة صغیرة .

8-قدح من خشب .

9- بساط من الجلد .

10-مطهرة مزفّتة .

11-جرّة خضرآء من خزف .

12-کیزان خزف.

فحملت الهیئة المکلّفة إلیٰ رسول ﷲ (ص) هذا الأشیآء فحینما شاهدها جعل یقلّبها بیده و یقول : أللّهمّ بارك لقومٍ جلّ آنیتهم الخزف !!!

و الّذي یلفت النّظر أنّ النّبيّ کلّف أبابکر بالشّرآء و کلّف بلالاً بحمل ما یشتریه ثمّ أرسل سلماناً معهما فما معنیٰ ذلك ؟ فهل کان یقصد الإستفادة من الذّوق الفارسي ؟ أم ماذا ؟ و مع ذلك تری أنّهم قد غفلوا عن أشیآء مهمّة کشراء قدر للطّبخ و غیر ذلك کمصباح للإنارة و ما شاکل .

فلماذا لم یستعن أبوبکر ببعض النّسآء العارفات بجهاز العرائس ؟ لا أدري و لا أحسب أحداً یدري و هل کان ذلك تعمّداً منه لأنّه کان یهواها و خطبها فردّه النّبيّ (ص) أم أنّ ذلك کانت فلتة منه کما کانت خلافته فلتة من بعد وقیٰﷲ المسلمین شرّها ؟ لست أدري و ربّما هناك من یدري و لکن لندعه سرّاً غامضاً ، و لنستمرّ بسرد الکلان عن جهاز فاطمة الزّهرآء (ع) .

فبدیهيّ أنّ الزّهرآء نقلت معها ما کان لها من أثاث من بیت والدها النّبيّ (ص) إلیٰ بیت زوجها عليٍّ ، و هذا ما لم یشر إلیه أحد من الکتّاب الّذین کتبوا عنها ، وطبیعيُّ أن یکون لها في دار والدها کما یلي :

1-مصحفُ تقرأ فیه .

2-سجّادة تصلّي علیها .

3- مشط تتمشط فیه .

4-سواك تستاك به .

5-مکحلة تکتحل بها .

6-مغزل تغزل به الصّوف .

7-ملابسها الشّخصیّة حتّیٰ العباءة و الجلباب و ما ذکرنا سابقاً و الأحذیة .

ثمّ إنّ علیّاً جلب معه إلیٰ بیته الجدید ما کان یمتلکه من عدیٰ الصّداق ما یلي :

1-کان له بعیر ناضح .

2-کان له فرس .

3- کان له سیف .

4-کان له أدوات عمل کالمسحاة و غیرها .

5-کان له ملابسه الرّجالیّه بما فیها العبآءة و العمّه .

کما یروي المورّخون أنّه أعدّ لبیت العروس ما یلي :

1-فرش الحجرة بالرّمل النّاعم و هو ما یتّخذ في عصرنا لحمّام الشّمس .

2-نصب الخشبة من الحائط إلیٰ الحائط لو ضع السّتار علیه .

3-وضع علیٰ الأرض أهال الکبش و مخدّة لیف .

4-علّق منشفة علیٰ الحائط للإنتشاف بعد الغسل .

5-وضع قربة ماء مهیّأة للغسل .

6-أضاف علیٰ الرّحآة منخلا لنخل الدّقیق لفاطمة (ع) خاصّة إذ کان هو یحبّ الدّقیق غیر المنخول .

و بعد هذه کلّه لا بدّ أن لا ننسیٰ أنّ زینب اخت فاطمة (ع) منحتها قلادة تتزیّن بها في عرسها و قد تصدّقت بها فاطمة (ع) بعد مدّة علیٰ الفقیر .

و أمّا تشریفات زواج العروسة الحورآء فاطمة الزّهرآء (ع) فهي کما یلي :

1-التّزیین : أمر رسول ﷲ (ص) أزواجه لیزیّن فاطمة (ع) و لیُطیّبنها و یُفرش لها بیتها .

2-تحضیر الطّعام : أخذ رسول ﷲ (ص) من الدّراهم المتبقّیة عند اُمّ سلمة من صداق فاطمة (ع) عشرة دراهم فدفعها إلیٰ عليٍّ ثمّ قال : إشتري تمراً و سمناً و أقطاً ثمّ أمر بخبز خبز کثیر ثمّ حسر عن ذراعیه و جعل یشدخ التّمر في سمن حتّیٰ إتّخذه حیساً .

3-ألولیمة : ثمّ هیّأ الطّعام و قال : اُدع یا علي من أحببت .

4-الدّعوة : فجآء عليُّ إلیٰ المسجد فصعد ربوة و نادیٰ : أجبیبوا إلیٰ ولیمة فاطمة.

5-البرکة : فأقبل النّاس إرسالاً و لا أظنّ أنّ أحداً من المسلمین إمتنع من الحضور لأنّ ولیمة عرسها طعام یتبرّکون به و یستشفون فجآء کلّ من بلغه ذلك لیتبرّك و کلّ المهاجرین و الأنصار و غیر هم کما قال الشّاعر :

قوم إذا سمعوا بمکّة أکلة

حجّوا لها قبل الحجیج بعام

فکیف و أن دعاهم العرّیس بنفسه ؟

و جآءوا یُهرعون آلافاً مؤلّفه کما قال عليُّ نفسه :

فقام القوم بأجمعهم و أقبلوا نحو رسول ﷲ (ص) فأخبرته أنّ القوم کثیر .

فجلّل رسول ﷲ (ص) السّفرة بمندیل ثمّ قال : أدخل عليّ عشرة بعد العشرة ، ففعلت ذلك فجعلوا یأکلون و یخرجون و السّفرة لا ینقص ما علیها … ألخ .

فأکل القوم عن آخرهم و من یدري عددهم الدّقیق فقد روي أنّهم کانوا أربعة آلاف شخص و یرون أنّه لم ینس النّبيّ (ص) زوجاته بل دعا بالصّحاف فملئت و وجّه إلیٰ حجراتهنّ ثمّ أخذ صحناً و جعل فیه طعاماً و قال هذا لفاطمة و بعلها .

و لا غرو فإنّ ﷲ تعالیٰ یقول : ﴿  وَ لو أنَّ أهل القُریٰ آمَنوا وَ اتَّقوا الفَتحنا علیهم برکاتٍ مِن السًّمآء ﴾ .

و أمّا تشریفات زفاف فاطمة الحورآء سیّدة النّسآء (ع) فهي کما یلي :

1-أمر رسول ﷲ (ص) أمّ المؤمنین أمّ سلمة فأتت بالعروس الحورآء فاطمة الزّهرآء (ع) تجرّ أذیالها حیاء من والدها العظیم فکادت أن تعثر أمامه فأعاذها الوالد الفذّ بالله من العثرة فيُ الدّنیا و الآخرة ، فأصبحت بدعائه معصومةً من کلّ عثرة أو زلّةٍ طول حیاتها ، و هذا سرُّ آخر کشفته لأهل المعرفة من أسرارها سلام ﷲ علیها .

2-ثمّ أمر رسول ﷲ (ص) فأتي ببغلته الشّهبآء وثنّیٰ علیها قطیفة و قال لها :

إرکبي ببسم ﷲ ، فرکبت الصّدّیقة الطّاهرة کما أمرها النّبيّ مع أنّ غرفتها و حجرتها کانت بجنب المسجد و بجنب منزل النّبيّ (ص) !! و سرُّ ذلك لیس فقط إستحباب زفاف العروس و إنّما لکی یُعمی عیون حاسدي عليّ و مُبغضیه أوّلاً ثمّ کان یهدف صلّیٰﷲ علیه أن ینهي أبنته العروسه عن تذکّر یتمها وفقد اُمّها خدیجة (ع) حیث انّ البنت بنت الباکر تذکر أمّها لیلة زفافها وتغتمّ لفقدها فهذه أسرار اُخریٰ من زواج الزّهرآء (ع) کشفتها لذوي الألباب !!

3-ثمّ أمر رسول ﷲ (ص) سلمان المحمّدي-الفارسي-أن یقود بغلتها و مشیٰ النّبي بنفسه خلفها و معه أرحامها و أعمامها حمزة و جعفر و عقیل و بنوهاشم مُشهّرین سیوفهم !! أجلالاً و هیبة لها ثمّ ردعاً لأی مؤامرة أو دسیسة محتملة من أعدآء عليّ و المنافقین الّذین کانوا یتربّصون الدّوائر و یغتنمون الفرص حنقاً وغیضاً کما لحق منهم التّآمر بدحرجة الدّباب لیلة العقبة و إیخافهم للفاطمیّات و الهاشمیّات بعد سنوات ، و إلاّٰ ما هو سرُّ إشهار السّیوف إذ الزّفاف لیس إعلان حرب أو إقدامُ علیٰ قتال !!!

و أمّا سرُّ إنتخاب سلمان المحمّدي لکی یقودها فهو جدیر بالبحث و التّحقیق من قبل الـمُحقّقین و لم یسبق لأحد أن نوّه إلیه فالّذي اُشیر إلیه هنا موجزاً إنّه لیس السّبب هو کبر سنّ سلمان إذ کان في الصّحابة من یساویه سنّاً و لم تك الشّجاعة و البطولة إذ کان الزّبیر أو حمزة أشجع منه فربّمان کان ذلك لأجل أنَّ سلماناً کان من أصحاب السّرّ و من حواریي رسول ﷲ و من تلامذة أمیرالمؤمنین و شیعته المخلصین و قد بلغ الدّرجة العاشرة من الأیمان و أصبح مُحمّدیّاً .

4-ثمّ أمر النّبيّ (ص) نساءه و الهاشمیّات مع نساء المهاجرین و الأنصار أن یرفن الحوراء فاطمة الزّهراء و ینشدن و یزغردن لها فحففن بالعروس العذراء و هنّ یعلنّ الفرح و السّرور و یردّدن الأناشید اللّطیفة بالصّوت الرّقیق .

هذا و کل أهل المدینة یسمعون أصواتهنّ و أناشیدهنّ کلّ ذلك بمرأیٰ من النّبيّ (ص) و مسمع منه و هو المشرّع الأقدس ، فلا مجال لتخریم الغناء لیلة الزّفاف کما أفتیٰ الفقهاء بتجویزه و لا عبرة بمن حرمّ مطلق الإستماع لصوت النّساء.

و قد أثبت المؤرّخون أناشید النّساء في زفاف الحورآء الزّهراء کما یلي :

کانت أوّلهنّ اُمّ سلمة أمّ المؤمنین تنشد و باقي النّسوة یُردّدن البیت الأوّل :

سرن بعون ﷲ جاراتی

و اشکرنه في کلّ حالاتٍ

و اذکرن ما أنعم ربّ علی

من کشف مکروه و آفاتِ

وقد هدانا بعد کفرٍ و قد

أنعشنا ربّ السّماواتِ

و سرن مع خیر نساء الوریٰ

تُفدیٰ بعمّاتٍ و خالاتِ

فبنت من فضّله ذوالعلیٰ

بالوحی منه و الرّسالاتِ

و کانت عائشة تنشد و بقیّة النّساء یُرددّن المقطع الأوّل منها :

یا نسوة استترن بالمعاجر

و اذکرن ما یحسن في المحاضر

و اذکرن ربّ النّاس إذ خصّنا

بدینه مع کلّ عبد شاکر

و الحمد لله علی إفضاله

والشّکر لله العزیز القادر

سرن بها و ﷲ أعلیٰ ذکرها

و خصّها منه بطهر طاهر

و أنشدت حفصة تغنّي و النّسوة یردّدن المقطوعة الاُولیٰ :

فاطمة خیر نساء البشر

ومن لها وجهُ کوجه القمر

فضّلك ﷲ علی ذاالوریٰ

بفضل من خصّ بآی الزّبر

زوّجك ﷲ فتیٰ فاضلاً

أعني علیّاً خیر من في الحضر

فسرن جاراتي بها أنّها

کریمةُ بنت عظیم الخطر

ثمّ أخذت حفصة تغنّي و النّساء یز غردن إذ کانت ردّتها تصرّح بإسم فاطمة و وصفها بأنّها خیر نساء البشر علی الإطلاق و وصف جمالها و نور وجهها ، و بعدها اُخذت معاذة اُمّ سعد بن معاذ تنشد و البواقي یُردّدن بعد کلّ بیت تنشده ردّه شعرها و هو :

أقول قولاً فیه ما فیه

و أذکر الخیر و أبدیه

محمّدُ خیر بني آدم

ما فیه من کبر و لا تیه

بفضله عرّفنا رشدنا

فالله بالخیر یجازیه

و نحن مع بنت نبیّ الهدیٰ

ذي شرف قد مکّنت فیه

في ذروة شامخة أهلها

فما أری شیئاً یدانیه

5-و أمّا هتاف الرّجال جمیعاً بما فیهم رسول ﷲ (ص) فکان :

ﷲ أکبر ﷲ أکبر ﷲ أکبر

لا اله الاّ ﷲ و ﷲ أکبر

6-و آخر مرحلة من التّشریفات الّتي ذکرها المؤرّخون و الکتّاب و المؤلّفون إنتهت بوصول موکب الزّفاف و جوقة الأهازیج إلیٰ حجرة العروس ، فتبادلن الأوراد و تناولن الحلویٰ بهذه المناسبة الشّیّقة .

7-ثمّ أنفذ رسول ﷲ (ص) إلی عليٍّ الّذي کان یتلهّف بفارغ الصّبر إلی لقاء حبیبته و عشیقته و رؤیة جمالها ، فدعاه رسول ﷲ (ص) ، فسعی مسرعاً و لکن بطماُنینة و وقار و فرح و إستبشار فسلّم علی رسول ﷲ (ص) و قال :

لبّیك و سعدیك فعليُّ بین یدیک صلّی اﷲ علیك .

8-فأخذ رسول اﷲ بید عليٍّ البطل المغوار و الفتیٰ الأمین ثمّ هتف بالعروسة الحورآء سیّدة النّسآء فمسك معصمها فوضع یدها في ید عليٍّ أبن عمّها ، فاتّصل التّیّار الکهربائي السّاخن بالحبّ من یده إلیٰ یدها و من یدها إلیٰ یده فجریٰ مجریٰ الدّم في العروق فوصل إلیٰ القلبین الطّاهرین ألنّابضین بالحبّ الطّاهر .

ثمّ قال له رسول ﷲ (ص) :

«هذه أمانةﷲ و رسوله فخذها ، ثمّ قال : إذهبا إلیٰ بیتکما جمع ﷲ بینکما و أصلح بالکما … أستودعکما ﷲ»

وفي روایةٍ اُخریٰ قال :

« اللّهمّ هذه إبنتي و أحبّ الخلق إليّ اللّهمّ هذا أخي و أحبّ الخلق إليّ اللّهمّ اجعله لك ولیّاً و بك حفیّاً و بارك له في أهله ، ثمّ قال :
یا عليّ اُدخل بأهلك بارك ﷲ لك و رحمة ﷲ و برکاته علیکم إنّه حمیدُ مجید » .

ثمّ خرج من عندهما فأخذ بعضادتی الباب فقال :

« طهّرکما ﷲ و طهّر نسلکما ، أنا سلمُ لمن سالمکما و حربُ لمن حاربکما أستودعکما ﷲ و أستخلفه علیکما » ، ثمّ أغلق الباب علیهما .

و إلیٰ هنا توقّف جلّ الکتّاب الّذین کتبوا عن هذا الزّواج المیمون المبارك لکنّني أستمرّ بسرد تمام القصّة إتماماً للفائدة وأقول :

9-ثمّ أمر رسول ﷲ (ص) جمیع الحاضرین رجالاً و نسآء بالإنصراف فانصرفوا و لم یبق أحدُ سویٰ أسمآء بنت عمیس زوجة عمّ فاطمة جعفر لتلي منها ما تلی النّسآء من العروس لأنّها یتیمة الأمّ یتیمة الأمّ فلا بدّ من یقوم مقام خدیجة عند فاطمة (ع) .

10-ثمّ قام أمیرالمؤمنین (ع) برشّ المآء من احجرة حتّیٰ باب المنزل عملاً بالإستحباب .

11-ثمّ صلّیٰ أمیرالمؤمنین رکعتي صلاة الزّواج و العرس .

12-ثمّ سجد شکراً لله و حمداً أن زوّجه بفاطمة الزّهرآء (ع) و قرأ الدّعآء .

13-ثمّ من البدیهيّ أنّه قبّل عليّ ید الزّهرآء کما کان رسول ﷲ یُقبّل یدها و صدرها و شمّ نحرها کما کان رسول ﷲ (ص) یشمّ بذلك رائحة الجنّة منها .

14-ثمّ غسّل أمیرالمؤمنین (ع) رجلی عروسته طبعاً للإستحباب و نفی الفقر ، و بعد ذلك بدیهیُّ أن إستئذنها لسائر ما یفعل العرّیس بعروسه من المستحبّات ثمّ مرج البحرین یلتقیان بإلتقاء عليٍّ بالزّهراء الحوراء فثناثرت شجرة طولی بالصّکاك لمـُحبّیها.

هکذا تمّ زواج النّورین .

-فهنیئاً لك یا علي و بورك لكِ یا زهراء یا بنت محمّد (ص) –

کهذه الجملة و ما شابهها أصبح المسلمون یهنّئونهما رجالاً و نساءً .

و في ختام الکلام عن هذه المناسبة العظیمة احبّ أن الفت انظار القرّاء إلیٰ نکتة دقیقة في قصّة زواج الحوراء الزّهراء (ع) و هي أنّها فداها نفسي کانت العروسة الوحیدة في التّاریخ باستغنائها عن التّجمیل المعتاد للعرائس قدیماً و حدیثاً فلم یتحدّث أحد عن إحتیاج الزّهراء إلیٰ ما کانت الفتیات الاُخریات سواها یحتجن إلیه من الزّرکشة و التّزیین لیلة العرس و الزّفاف فکان جمال الحوراء و زینتها الطّبیعیّة فوق ما یتصوّره الانسان في النّساء الجمیلات و ملکات الجمال في البشریّة لذلك لم یتحدّث أحد في تشریفات زفافها عن إحتیاجها إلی الماشطة و ما شاکلته فکانت حوراء بتمام المعنیٰ و کان وجهها کوجه القمر .

و لا بدّ إیضاً أن اُلف نظر المسلمین إلی فریة إفتعلها بعض المغرضین فادّعیٰ أنّ فاطمة (ع) لم تکن مسرورةً بزواجها من عليٍّ إبن عمّها البطل الفذّ لقلّة ذات یده و هذا المفتري السّفیه الغبي لم یفهم بأنّ مثل فاطمة الصّدّیقة تجلّ عن الإهتمام بالمادّیّات و النّبي (ص) یجلُّ عن أن یعادل سیّدة النّساء بأغلیٰ الأثمان و أکثر الأموال فالکفویّة لیست هي امتلاك التّروات و لو کانت لإستجاب النّبيّ لخطبة من تقدّم لذلك من الأثریاء ، و قد نظّم العبدي في شعره انفال الزّهراء بأقوال النّساء و بکاءها ثمّ جواب النّبيّ (ص) لها ، و قال :

إذ أتته البتول فاطم تبکي

و توالی شهیقها و الزّفیراً !!

إجتمعن النّساء عندي و أقبلن

یطلن التّقریع و التّعییراً

قلن إنّ النّبي زوّجك الیوم

علیّاً بعلاً معیلاً فقیراً

قال : یا فاطم إصبري و اشکري

ﷲ فقد نلت منه فضلاً کبیراً

أمر ﷲ جبرئیل فنادیٰ

معلناً في السّماء صوتاً جهیراً

إجتمعن الأملاك حتّیٰ إذا

ساوردوا بیت ربّنا المعموراً

قام جبریل خاطباً یکثر التّحمید

لله جلُ و التّکبیراً

خُمس أرضی لها حلالُ فصیّره

علی الخلق دائماً ممهوراً

نثرت عند ذلك طوبیٰ و للحور

من المسك و العبیر نثیراً

و أنا اکتفي بالجواب المنظوم ببیت واحد فأقول :

ما أتته البتول فاطم تبکي

ما توالیٰ شهیقها و الزّفیراً

فحاشا لفاطمة أن تبکي و هي بنت خدیجة الثّریّة الّتي أنفقت کلّ ثرواتها لله و قدّمت کلّ أموالها لزوجها رسول ﷲ (ص) لینفقها علیٰ المسلمین و هي الّتي بذلت بدلة زفافها قبل أن تدخل علیٰ العرّیس للمسکینة ثمّ هي الّتي بعد مدّة تؤثر المسکین و الیتیم علیٰ نفسها و أطفالها فتعطیهم طعامها و أفطارها ثلاثة أیّام و تفطر علیٰ الماء وحده ، فمثل هذه لا تبکي لأسباب مادّیّة أبداً بل کانت الزهراء سلام ﷲ علیها جدّ فرحة مستبشرة من زواجها بابن عمّها العظیم و ما کان فرحها یقلّ عن فرح عليٍّ للزّواج معها .

و قد أجاد الشّاعر حین قال :

و زوّج في السّماء بأمر ربّي

بفاطمة المهذّبة الطّهور

وصیّر مهرها خمساً بأرض

لما تحویه من کرم و حور

فذا خیر الرّجال و تلك خیر في

النّساء و المهر خیر المهور

و لقد أجاد إیضاً الشّاعر المعاصر اللّبناني بولس سلامة حینما صوّر هذا الزّواج قائلاً :

عاد إثر الوقیعة البکر لیث

رمقته القلوب بالإیماء

صار خلف النّبيّ غیر حفي

بالرّیاحین في أکفّ الإماء

قادمات من یثرب بالمثاني

بالزّغارید طلقة بالغناء

ناقرات الدّفوف بالرّاح حمراً

فالعذاریٰ في موسم الحنّاء

سار و الوجه حائر کشرید

ظلّ في اللّیل موطن الأنواء

عابساً تارة و طوراً تنمّ العین

عن بهجة و طیف هناء

یلمس الدّرع فیئه و هي کنز

لفقیر لم یلتفت للثّراء

أتراها تفی بمهر عروس

أتراه یردّ ردّ جفاء ؟

و أبوها لو رام عدل صداق

مال قارون ظلّ دون الوفاء

دون ما تستحقّ إیوان کسریٰ

و اللّآلي و حلیة الزّبّاء

و لو أنّ الدّهناء تبر لکانت

بعض شيء بجانب الزّهراء

بضعة من أب عظیم یراها

نور عینیه مُشرقاً في رداء

فهي أحلیٰ في جفنه من لذیذ

الحلم غبّ الهجود و الإعیاء

و هي قطب الحنان في صدر طٰه

و اختصار البنات و الأبناء

غیّب الموت من خدیجة وجهاً

فإذا فاطم معین العزاء

تحسب الکون بسمة من أبیها

فهي اُمّ تذوب في الإرضاء

ها لها ما یناله من عذاب

و امتداد الکفّار في الأسواء

و تراهم یرمونه بحجار

أو یکبّونه علیٰ الدّقعاء

فجراح کأنّهنّ شفاء

شاکیات لله فرط البلاء

فاطم تمسح الجراح بعین

حین تنهلّ اُختها بالبکاء

جاء بیت النّبي و القلب خفق

فهو في مثل رجفة البرداء

قال إنّي ذکرت فاطمة ..

و انبثّ صوت مکبّل بالحیاء

فأجاب النّبيّ : أبشر علیّاً

خیر صهر مشی علیٰ الغبراء

بیعت الدّرع في الصّداق

و زفّت لعليٍّ سلیلة الأنبیاء

هو خیر الأزواج عفّ عزیز

و هي خیر الزّوجات من حوّاء

في نقاء السّحاب خلقاً و طهراً في صفاء الزّنابق العذراء

و یضمّ النّبيّ تحت جناحیه

المدیدین منیة الأحشاء

فعليُّ و زوجه منه بعض

شیمة الکلّ شیمة الأجزاء

رفرف السّعد فوق کوخ

حقیر لم یدنّس بقسوة الأغنیاء

إن تکن قسمة الغنيّ متاعاً

فالإلٰه الرّحمن للأتقیاء

ذلك البیت بعد غمدان باق

ذکره یملأ الزّمان النّائي

و یحول القصر المنیف رماداً

فیذوب هبآء إثر الهباء

ویصون الخلود دار شریف

زیّنتها بساطة الفقراء

إلیٰ آخر قصیدته الّتي یذکر فیها ولادة الحسنین (ع).

و قد سبق أن نظمت في ذلك قصیدة مفصّلة و هٰذه الأبیات منها أرجوا أن یتقبّلها الوالدان عليُّ وفاطمُ (ع) منّي بقبول حسن ، و هٰذه الأبیات :

سار نحو الخطیبة البکر کفو

هیّجته افؤاد للحورآء

جاء عند النّبيّ غیر خفيّ

قصده منه خطبة الزّهرآء

حیدر ذاك جآء یطلب عرساً

من شریف و سیّد الأنبیآء

طأطأ الرّأس عفّة و حیآء

ذکر البنت و هي خیر النّسآء

فأجاب النّبيّ سمعاً و حبّاً

عقد ﷲ عقدها في السّمآء

فأجاب النّبيّ سمعاً و حبّاً

عقد ﷲ عقدها في السّمآء

ذاك جبریل جآء یُخبر جهراً

فاطمُ زوج سیّد الأوصیآء

جعل ﷲ مهرها کلّ أرض

فهي للحشر مسجد الأولیآء

و هي للمبغضین منع حرام

لا تباح المعمورة الأعدآء

هو خیر الأصهار دیناً و نبلاً

و هي خیر الزّوجآت دون مرآء

مهرها بعد ذاك أحسن مهر

فخرها أنجبت له الأبناء

فعندما انجرّ بنا الکلام إلیٰ هنا أریٰ من الضّروري أن اُشیر إشارة عابرةً إلیٰ تعریف عليّ بن أبي طالب زوج الزّهرآء فاطمة سیّدة النّسآء و بعلها حتّیٰنعرف لماذا أنّه وحده حاز علیٰ الکفویّة اللاّزمة للزّواج معها ؟ و قبل الخوض في ذلك لا بأس بذکر ما قاله کمیت الشّاعر فیه کما یرویه أبوالفتوح في تفسیرة (ج:2 ص:193) قال کمیت مشیراً إلیٰ تزویج النّبي علیّاً بفاطمة علیهم السّلام :

عليُ أمیرالمؤمنین و حقّه

من ﷲ مفروضُ علیٰ کلّ مسلمٍ

و إنّ رسول اﷲ أوصیٰ بحقّه

و أشرکه في حقٍّ مقسّمٍ

و زوّجه صدّیقةً لم یکن لها

معادلة غیر البتولة مریمٍ

و ردّم أبواب الّذین بنیٰ لهم

بیوتاً سوا أبوابه لم یردّمٍ

و أوجب یوماً بالغدیر ولایةً

علیٰ کلّ برٍّ من فصیحٍ و أعجمٍ

فما عساني أن أقول في عليٍّ أمیرالمؤمنین علیه أفضل الصّلاة و السّلام ؟؟!

إذ هو نفس الرّسول بنصّ آیة المباهلة و هو إمام المجاهدین و سیّد العابدین و قائد الغرّ المحجّلین و یعسوب الدّین و وليّ المسلمین و قسیم الجنّة و النّار بیوم الدّین و أفضل الخلق بعد سیّد المرسلین .

عليُّ ولید الکعبة المقدّسة ، و قتیل المسجد المقدّس .

عليُّ هو صوت العدالة الإلٰهیّة ، و مثال الرّحمة الإنسانیّة .

عليُّ ثمثال الفضائل و الفواضل الخلقیّة ، و مثال المـُثل الإسلامیّة .

فهل بإمکان أحدٍ أن یصف علیّاً حقّ الوصف أو یعرفه حقّ المعرفة ؟

کلاّ و حاشا !!

إذ قال له النّبي (ص) : یا عليّ ما عرفك إلاّ ﷲ و أنا !!

فإذ التمسنا غیضاً من فیض من بحار فضائله و أشعّة من شعاع معرفته لا بدّ أن نتصفّح توصیف ربّه له و تعریف رسوله عن وصیّه .

إذ أنّ علیّاً جوهرةُ فریدة أبدعها ﷲ فصاغها رسول ﷲ (ص) .

فعليُّ هو الصّراط المستقیم ، و هو النّبأ العظیم .

و عليُ إمام الأخیار و سیّد الأبرار .

عليُّ  حیدر الکرّار و والد الأئمّة الأطهار .

عليُّ والد السّبطین و أبوالحسنین .

عليُّ نور المشرقین وضیاء الخافقین .

عليُّ میزان الأعمال و نور ذي الجلال .

عليُّ عین ﷲالنّاظرة و یده الباسطة .

عليُّ حجّة ﷲ الکبریٰ و آیة ﷲ العظمیٰ و العروة الوثقیٰ .

عليُّ أخو الرّسول و زوج البتول و سیف ﷲ المسلول .

عليُّ مکسّر الأصنام و محطّم الأزلام و اللّیث الضّرغام .

عليُّ قاتل المشرکین و النّاکثین و القاسطین و المارقین .

عليُّ بسیفه قام الدّین و بولایته تمّت النّعمة و کمل الدّین .

عليُّ أزهد الزّهّاد و أعبد العبّاد.

عليُّ أعلم العلماء و أفقه الفقهاء .

عليُّ أفصح الفصحاء و البلغاء و أشجع الشجعاء .

عليُّ هو القرآن النّاطق .

عليُّ هو الصّدّیق الأکبر و الفاروق الأعظم .

عليُّ أبو الأرامل و الأیتام.

عليُّ جامع الأضداد و قامع الأنداد .

عليُّ محیي السّنة و ممیت البدعة.

عليُّ مع الحقّ و الحقّ مع علي یدور معه حیث ما دار .

عليُّ مع القرآن و القرآن مع علي.

عليُّ خیر البشر فمن أبیٰ فقد کفر.

عليُّ ممسوسُ في ذات ﷲ .

و أخیراً : لا فتیٰ الاّٰ عليّ لا سیف الاّٰ ذوالفقار.

هٰذه لمحاتُ موجزة عمّا وصفه به معلّمه و مربّیه رسول ﷲ (ص) و أبنائه المعصومین (ع) و ما وصفته أنا و أمّا الآیات النّازلة بشأنه فهي ما یقرب من ربع القرآن و لا یمکن إستقصائه هنا کلّها .

فأکتفي بذکر قلیل منها تیمّناً و تبرّکاً بمقدار الملح في الزّاد و حقّاً أنّه لا یمکن أن یقرن و یُقاس أحدُ بعلیٍّ مطلقاً و لا یجوز أبداً کما قال الشّاعر السّیّد الرّضا الهندي:

قاسوك أباحسنٍ بسواك

و هل بالطَّود یقاس الذّر ؟

أنّیٰ ساووك بمن ناووك وهل

ساووا نعلی قنبر ؟

فعلیُّ روحي فداه أسمیٰ بأن یُقاس بمن سواه ، إذ لولاه لهلك سواه !!

و حبّ عليّ بن أبي طالب هو عنوان صحیفة المؤمن .

و حبّ علیٍّ إیمانُ وبغضه کفر .

فإلیك قارئي العزیز ألآیات النّازلة في عليٍّ أمیرالمؤمنین (ع) :

1-«و إنّه في اُمّ الکتاب لدینا لعليُّ حکیم » !! .

2-«و کلّ شيءٍ أحصیناه في إمامٍ مبینٍ » !! .

3-«إنّما ولیّکم ﷲ و رسوله والّذین آمنوا الّذین یقیمون الصّلوٰة و یؤتون الزّکوٰة و هم راکعون » .

4-«إنّما یُرید ﷲ لیُذهب عنکم الرّجس أهل البیت و یطهّرکم تطهیراً » .

5-«و من النّاس من یشري نفسه ابتغاء مرضات ﷲ و ﷲ رؤفُ بالعباد » .

6-«الّذین ینفقون أموالهم باللّیل و النّهار سرّاً و علانیةً فلهم أجرهم عند ربّهم و لا خوفُ علیهم و لا هم یحزنون » .

7-«یا أیّها الرّسول بلّغ ما اُنزل إلیك من ربّك فإن لم تفعل فما بلّغت رسالته» .

8-«ألیوم أکملتُ لکم دینکم و أتممتُ علیکم نعمتي و رضیتُ لکم الإسلام دیناً» .

9-«أفمن کان علیٰ بیّنةٍ من ربّه و یتلوه شاهدُ منهم » .

10-«و إنّ من شیعته لإبراهیم » .

11-«وفضّلنا آل عمران علیٰ العالیمن» .

12-«و أنفسنا و أنفسکم» .

13-«هو الّذي أیّدکم بنصره و بالمؤمنین » .

14-«إنّ الأبرار یشربون من کأس … ألخ » .

15-« إنّ الأبرار لفي نعیم … ألخ » .

16-«قل کفیٰ بالله شهیداً بیني و بینکم و من عنده أمّ الکتاب » .

17-«أفمن کان مؤمناً کمن کان فاسقاً لا یستوون » .

18-«من المؤمنین رجالٌ صدقوا ما عاهدوا ﷲ علیه … ألخ » .

19-«في بیوتٍ أذن ﷲ أن تُرفع و یّذکر فیه اسمه … ألخ » .

20-«و الّذي جآء بالصّدق و صدّق به » .

هذه اشارةُ موجزة  إلیٰ بعض الآیات فمن أراد ألوقوف علیٰ تفسیرها شرحها فالیراجع کتاب ألغدیر للأمیني و غایة المرام للبحراني و تفسیر البرهان للبحراني و تفسیر أهل البیت للمؤلّف و شواهد التّنزیل للحسکاني و غیرها .

فعليُّ هو هذا و بهٰذا الأوصاف والصّفات الحمیدة و الفضائل الجّمة العظیمة کان أفضل النّاس و أشرفهم بعد رسول ﷲ (ص) و لا یدانیه في فضله أحد من النّاس و بدیهيّ أنّ فاطمة تعتزّ بزوجٍ کعليٍّ و تفرح به تفخر علیٰ جمیع النّسآء و تمتاز علیهنّ جمیعاً به ، کما قال الشّاعر :

إن قیل حوّآء قلت فاطم فخرها

إن قیل مریم قلت فاطم أفضلُ

أفهل لمریم والد کمحمّدٍ (ص)

أو هل لمریم مثل فاطم أشبل ؟

أفهل لحورآء مثل حیدر بعلها

لا حنطة خبز الشّعیرة یأکل!

فبعد هٰذا من المؤسف جدّاً أن یتجرّأ بعض المثقّفین المعاصرین من الفرس أن یهینوا علیّاً أمیرالمؤمنین (ع) و ینسب إلیه التّقصیر تجآه فاطمة (ع) جهلاً بالحقیقة أو تجاهُلاً .

إذ لم یتلمّذ عند علمآئنا الفطاحل بل تخرّج علیٰ الیهوديّ الحاقد – گورویج – في جامعة سوربون بباریس .

فلیفهم أمثال هذا الجاهل أنّ علیّاً کان کفو الزّهرآء أوّلاً ثمّ کان زوجاً لها ثانیاً و لم یقصّر في واجبات الزّوجیّة مطلقاً بل کان یقوم بمهامّها أکثر من زوجه إذ کان یخدمها في البیت و یعینها في أعمال البیت و هي عرفاً لم تکن علی عاتق الزّوج .

ثمّ إنّ علیّاً کان یحبُ فاطمة حبّاً جمّاً لا کزوجة فحسب بل إلیٰ حدّ العشق و الغرام و کان متفانیاً في محبّتها کما کانت هي متفانیة في محبّته !!

و لم یتزوّج عليُّ علیها مادامت في الحیاة بل إنّه لو لا وصیّتها بأن یتزوّج من بنت أختها «أمامة» لما تزوّج بعدها إیضاً حزناً علیها .

و کم کان حزن عليٍّ لفراق فاطمة (ع) بعد إستشهادها فذلك ما لا یوصف .

و من رثائه هو لها بعد فقدها نفهم مدیٰ حبّه لها فإلیك شیئاً من رثاءه لها :

رویٰ عدّة من الرّوات أنّ علیّاً (ع) بعد ما اُستشهدت سیّدة النّسآء فاطمة الزّهرآء سلام ﷲ علیها تولّیٰ امرها بنفسه و غسّلها بیده ففي أثناء ذلك هاج به الحزن و أخذ یبکي بکاءً عالیاً ، ثمّ تمالك علیٰ نفسه خشیة أن یشعر به أعداؤها فأتمّ غسلها و تکفینها ثمّ دفنها لیلاً لوصیّتها ، فلمّا شاهد حین دفنها یدین کیدی رسول ﷲ (ص) استلمتا منه جثّة الزّهراء في مرقدها خاطب النّبي رائیاً بضعته بهذه الخطبة الّتي یرویها الکثیرون و منهم محمّد بن محمّد الطّبري في کتابه بشارة المصطفیٰ لشیعة المرتضیٰ (ص:9-258) :

قال عليُّ : « ألسّلام علیك یا رسول ﷲ منّي ،
و السّلام علیك من ابنتك و حبیبتك و قرّة عینك و زائرتك و البائتة في الثّریٰ ببقعتك ، المختار ﷲ لها سرعة اللّحاق بك ،
قلّ یا رسول ﷲ عن صفیّتك صبري و ضعف عن سیّدة النّساء تجلّدي ، الاّٰ أنّ في التأسي لي بسنّتك و حزن الّذي حلّ بی لفراقك موضع تعزٍّ و لقد وسّدتك في ملحوظ قبرك بعد أن فاضت نفسك علیٰ صدري و غمضتك بیدي و تولّیت أمرك بنفسی ، نعم و في کتاب ﷲ أنعم القبول و إنّا لله و إنّآ إلیه راجعون ، قد استرجعت الودیعة !
و اخذت الرّهینة !
و اختلست الزّهراء فما أقبح الخضراء و الغبراء یا رسول ﷲ
أمّا حزني فسرمد و أمّا لیلي فسهّد ،
لا یبرح الحزن من قلبي أو یختار ﷲ لي دارك الّتي أنت بها مقیم ،کمدُ مقیّح و همّ مهیّج ،
سرعان ما فرّق بیننا و إلیٰﷲ أشکو ،
و ستنبّئك إبنتك بتظافر امّتك علیّ و علیٰ هضمها حقّها ،
فاستخبرها الحال فکم من غلیل مُعتلج بصدرها لم تجد إلیٰ بثّه سبیلاً ،
و ستقول ! و یحکم ﷲ و هو خیر الحاکمین ،
سلامُ علیك یا رسول ﷲ سلام مودّع لا سأم و لا قال ،
فإن أنصرف فلا عن ملالة و إن اقم فلا عن سوء ظن بما وعد ﷲ الصّابرین ، و الصّبر أیمن و أجمل ، و لو لا غلبة المستولین علینا لجعت المقام عند قبرك لزاماً و التّلبّث عنده معکوفاً و لأعولت إعوال الثّٰکلیٰ علیٰ جلیل الرّزیّة !!
فبعین ﷲ تدفن إبنتك سرّاً و یهتضم حقّا قهراً و تمنع جهراً و لم یطل العهد و لم یخلق منك الذّکر فإلیٰﷲ یا رسول ﷲ المشتکیٰ و فیك أجمل العزاء فصلوات علیها و علیك و رحمة ﷲ و برکاته » .

و بعد منصرفه من دفنها و رجوعه إلیٰ بیتها جزع علیها جزعاً شدیداً فأنشأ یرُثي :

أری ٰ علل الدّنیا علیّ کثیرة

و صاحبها حتّیٰ الممات علیل

لکل اجتماع من خلیلین فرقة

و کلّ الّذي دون الفراق قلیل

و إنّ افتقادي فاطماً بعد أحمد

دلیل علیٰ أن لا یدوم خلیل

و ذکر الرّوات إنّه حینما کان یزور قبرها کان یبکي بکاء مرّاً و یقول :

مالي مررت علیٰ القبور مسلّماً

قبر الحبیبة لا تردّ جوابي؟

أحبیب ما لك لا تجیبیني إذاً ؟

أنسیت بعدك خلّة الأحباب؟

فیرویٰ أنّه ذات یوم سمع هاتفاً یجیبه من مرقدها قائلاً :

فأنا الحبیبة کیف لي بجوابکم

و أنا رهین جنادل و تراب ؟

أخفیٰ التّراب محاسني فهجرتکم

و حجبت عن أهلي و عن أتراب

فعلیکم منّي السّلام توصلت

مني و منکم خلّة الأحبابی

و لا بدّ اُشیر هنا إلیٰ تحریف صاحب الدّر المنثور في طبقات ربّات الخدور (ص:360) لبعض عبارات هذه الأبیات سهواً أو جهلاً و ﷲ العالم .

و رویٰ مؤلف دیوان الأمام أمیرالمؤمنین (ع) أنّه أنشد في رثاء الزّهراء فاطمة (ع) هذه الأبیات إضافةً علیٰ الأبیات السّابقة :

أریٰ علل الدّنیا علیّ کثیرة

و صاحبها حتّیٰ المماة علیل

ألا هل إلیٰ قصر الحیاة سبیل

و أنّیٰ و هذه العمر لیس یحول

و إنّي و إن أصبحت بالموت موقناً

فلي أمل من دون ذاك طویل

و للدّهر ألوانُ تروح و تغتدي

و إنّ نقوساً بینهنّ تسیل

و منزل حقٍّ لا معرَّج دونه

لکل امریء منها إلیه سبیل

قطعت بأیّام التّعزّز ذکره

و کلُّ عزیز ما هناك ذلیل

و إنّي لمشتاق إلیٰ من اُحبّه

فهل لي إلیٰ من قد هویت سبیل ؟!

و إنّي و إن شطّت بي الدّار نازحاً

و قد مات قبلي بالفراق جمیل

فقد قال في الأمثال في البین قائل

أضرّ به یوم الفراق زحیل

لکلّ اجتماع من خلیلین فرقة

و کلّ الّذي دون الفراق قلیل

و إنّ افتقادي فاطمة بعد أحمد

دلیل علیٰ أن لا یدوم خلیل

و کیف هناك العیش من بعد فقدهم

لعمرك شيء ما إلیه سبیل

ستعرض عن ذکری وتنسی مودّتي

و یظهر بعدي للخلیل عدیل

و لیس خلیلي بالملول و لا الّذي

إذ غبت یرضاه سوای بدیل

و لکن خلیلي من یدوم وصاله

و یحفظ سرّي قلبه و دخیل

إذا انقطعت یوماً من العیش مدّتي

فإنّ بکاء الباکیات قلیل

یرید الفتیٰ أن لا تموت حبیبة

و لیس إلیٰ ما یبتغیه سبیل

و لیس جلیلاً رزء مال و فقده

و لکنّ رزء الأکرمین جلیل

لذلك جنبي لا یؤاتیه مضجع

و في القلب من حرّ الفراق غلیل

و أیضاً لقد رویٰ عدّة من الرّوات و الخطباء أنّ علیّاً رثیٰ فاطمة الزّهراء قائلاً :

نفسي علیٰ زفراتها محبوسة

یا لیتها خرجت مع الزّفرات

لا خیر بعدك في الحیاة و إنّما

أبکي مخافة أن تطول حیاتي

و من المؤسف إیضاً أن یتعمّد البعض الآخر من الکتّاب أو یُغلّطوا في نسبة هذین البیتین إلي الزّهراء نفسها ، و إنّما خاطب عليُّ حبیبته الزّهراء بهذین البیتین و تتجلّیٰ محبّة عليٍّ لفاطمة في قمّة الحبّ من قوله :- لا خیر بعدك فيالحیاة– إذ یصرّح أنّ مفهوم خیر الحیاة عند عليٍّ هو العیش مع فاطمة (ع) فقط و لا خیر في الحیاة بعد فاطمة (ع) ، ثمّ یتمنّیٰ أن لا تطول حیاته حتّیٰ یتمّ له اللّقاء بها سریعاً . فهذه أحاسیس عليٍّ تجاه فاطمة (ع) فمن یکون مثله بالنّسبة إلیها ؟ لا أحد علیٰ الإطلاق .

لذلك کلّه فعليّ نعم الزّوج لفاطمة و نعم الکفو لها و نعم الحبیب .

و لقد نظمت بمناسبة زوجها و قلت :

أفاطم إذ أنت حوریّة

علیٰ الأرض تمشین بالأرجل

فلا رجل لائق للزّواج

و لا کفو یبلغ شأن الوليّ (ع)

فقد صار بینکما نسبة

کنسبة فصّ لفي الأنمل

فلولاء کنت کغیر النّساء

أبنت نبيّ الهدیٰ المرسل

فهل في النّساء کفاطمة

و هل في الرّجال کمثل عليّ (ع) ؟

فلا زوج یشبه حیدرة

و لا بعل یوجد شبه عليّ (ع) !

هو الکفو روحاً وقلباً لها

فقالت نعم إنّه بعل لي

لذا کان والدها المصطفیٰ

یروم لها کفوها الأمثال

لکلّ خطیب أجاب بـ لا

و لبّیٰ بلیٰ و نعم لعليّ (ع)

و في ختام الکلام عن زواج فاطمة (ع) بالإمام (ع) یجدر بي أن اُشیر بأنّها لیست زوجته في الدّنیا فحسب بل إنّها قرینته و حلیلته و حوریّته في الجنان في مقعد صدق عند ملیك مقتدر و قد صرّحت بذلك الأحادیث الصّحیحة و الرّوایات المعتبرة المسندة علیهم السّلام .

و لا عجب في ذلك إذ إنّ ما یحسّه عليّ الممسوس في ذات ﷲ من إقترانه بحبیبته و عشیقته و قرینته و حلیلته الحوراء الإنسیّة لا یراه في غیرها من النّساء و الحورالعین .

فکما صرّخ قائلاً لها : – لا خیر بعدك في الحیاة – یصُحّ أن أقول لا خیر بعدها في النّساء ، فالغرام المعنوي الّذي کان یشعر به تجاهها لم یکن لیشعر به في غیرها و لن یلمس في غیرها ما کان یلمس فیها من الطّاقة النّوریّة الإلٰهیّة و الشّحنة السّماویّة و القوّة الجاذبیّة الملکوتیّة ، فإفهم و اغتنم هذا فقد کشف لك یا قاریء العزیز سرّاً عرفانیّاً عظیماً و الحمد لله و قد أشرت في فصل ولادة النّور إلیٰ حدیث سلمان عن النّبي (ص) و تصریحه بأنّ ﷲ خلق من نور عليّ نور فاطمة ، فعلیٰ هذا ففاطمة سلام ﷲ علیها جزء لا یتجزّأ من نور عليّ ، فحريُّ بي أن أقول عن لسانهما :

أنا من أهویٰ و من أهویٰ أنا

نورنا فردُ فحلّ البدنا


نشر في الصفحات 94-71 من كتاب قدیسة الاسلام

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *