فاطمة اُمّ البلاغة
2018-05-21
فاطمة (ع) أمّ المصیبة
2018-05-21

« الخطبة »

« الحمد لله علیٰ ما أنعم و له الشّکر علیٰ ما ألهم و الثّنآء بما قدّم ،

و تمام منن أولادها ، جمّ عن الإحصآء عددها و نأیٰ عن الجزآء أمدها و تفاوت عن الإدراك أبدها ، و ندبهم لاستزادتها بالشّکر لاتّصالها و استحمد إلیٰ الخلائق بإجرالها و ثنیٰ بالنّدب إلیٰ أمثالها ،

و أشهد أنّ لا إله إلاّ ﷲ وحده لا شریك له ،

کلمة جعل الإخلاص تأویلها و ضمن القلوب موصولها و أنار في التّفکّر معقولها : الممتنع من الأبصار رؤیته و من الألسن صفته و من الأوهام کیفیّته ، إبتدع الأشیآء لا من شيءٍ کان قبلها و أنشأها بلا إحتذاء أمثلة إمتثلها ،

إبتدع الأشیآء لا من شيءٍ کان قبلها و أنشأها بلا إحتذاء أمثلة إمتثلها ،

کوّنها بقدرته و ذرأها بمشیّته من غیر حاجة منه إلیٰ تکوینها و لا فائدة له في تصویرها ، إلاّ تثبیتاً لحکمته و تنبیهاً علیٰ طاعته و إظهاراً لقدرته و تعبّداً لبریّته و إعزازاً لدعوته ، ثمّ جعل الثّواب علیٰ طاعته و وضع العقاب علیٰ معصیته زیادة لعباده من نقمته و حیاشةً[1]لهم إلیٰجنّته .

و أشهد أنّ أبي محمّداً عبده و رسوله ، إختاره قبل أن أرسله و سمّاه قبل أن إجتباه ، و اصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغیب مکنونة و بستر الأهاویل[2] مصونة و بنهایة العدم مقرونة علماً من ﷲ تعالیٰ بمآیل الاُمور و إحاطةً بحوادث الدّهور و معرفة منه بمواقع الاُمور ، إبتعثه ﷲ إتماماً لأمره و عزیمةً علیٰ إمضاء حکمه و إنفاذاً لمقادیر حتمه فرأیٰ الاُمم فرقاً في أدیانها عکّفاً[3] علیٰ نیرانها عابدةً لأوثانها ، منکرة لله مع عرفانها ،

فأنار ﷲ بأبي محمّد (ص) ظُلمها و کشف عن القلوب بهمها[4] و جلّیٰ عن الأبصار غممها[5] ، و قام بالهدایة و أنقذهم من الغوایة و بصّرهم من العمایة ،

و هداهم إلیٰ الدّین القویم و دعاهم إلیٰ الطّریق المستقیم ،

ثمّ قبضه ﷲ إلیه قبض رأفة و اختیار و رغبة و إیثار ،

و محمّد (ص) عن تعب هذه الدّار في راحةٍ قد حفّ بالملائکة الأبرار و رضوان الرّبّ الغفّار و مجاورة الملك الجبّار ،

صلیٰﷲ علیٰ أبي نبیّه و أمینه و خیرته من الخلق و صفیّه و السّلام علیه و رحمة ﷲ و برکاته ».

ثّم التفتت إلیٰ أهل المجلس و قالت :

« أنتم عباد ﷲنصب أمره ونهیه و حملة دینه و وحیه و اُمناء ﷲ علیٰ أنفسکم و بلغاؤه إلیٰ الاُمم ، زعیم حقٍّ له فیکم و عهد قدّمه إلیکم و بقیّة إستخلفها علیکم ، کتاب ﷲ النّاطق و القرآن الصّادق و النّور السّاطع و الضّیاء اللاّمع ،
بیّنة بصائره منکشفة سرائره متجلّیة ظواهره مغتبطة[6] به أشیاعه[7] قائد إلیٰ الرّضوان إتّباعه مؤدًّ إلیٰ النّجاة إستماعه ،

به تنال حجج ﷲ المنوّرة و عزائمه المفسّرة و محارمه المحذّرة و بیّناته الجالیة و براهینه الکافیة ، و فضائله المندوبة و رخصه الموهوبة و شرائعه المکتوبة .

فجعل ﷲ الإیمان تطهیراً لکم من الشّرك ،

و الصّلاة تنزیهاً لکم عن الکبر ،

 

و الزّکاة تزکیة للنّفس و نماءً[8] في الرّزق ،

و الصّیام تثبیتاً للإخلاص ،

و الحجّ تشییداً[9] للدّین ،

و العدل تنسیقاً للقلوب ،

و طاعتنا نظاماً[10] للملّة ،

و إمامتنا أماناً من الفرقة ، !!!

و الجهاد عزّاً للإسلام ،

و الصّبر معونةً علیٰ استیجاب الأجر ،

و الأمر بالمعروف و النّهی عن المنکر مصلحة العامّة ،

و برّ الوالدین وقایة من السّخط ،

و صلة الأرحام منسأة في العمر و منماة للعدد ،

و القصاص حقناً للدّماء ،

و الوفاء بالنّذر تعریضاً للمغفرة ،

و توفیة المکاییل و الموازین تغییراً للبخس ،

و النّهی عن شرب الخمر تنزیهاً عن الرّجس ،

و اجتناب القذف[11] حجاباً عن اللّعنة ،

و ترك السّرقة إیجاباً للعفّة ،

و حرّم ﷲ الشّرك إخلاصاً له بالرّبوبیّة ،

فاتّقوا ﷲ حقّ تقاته و لا تموتنّ إلاّٰ و أتنم مسلمون ،

و أطیعوا ﷲ فیما أمرکم به و نهاکم عنه فإنّه إنّـما یخشیٰﷲ من عباده العلماء ، ثمّ قالت : أیّها النّاس :

إعلموا أنّي فاطمة و أبي محمّد صلّیٰﷲ علیه و آله ، أقول عوداً و بدواً ، و لا أقول ما أقول غلطاً ، و لا أفعل ما أفعل شططاً[12] ،

-لقد جاءکم رسول من أنفسکم عزیز علیه ما عنتّم حریص علیکم بالمؤمنین رؤفُ رحیم –

فإن تعزوه[13]و تعرفوه تجدوه أبي دون نساءکم و أخا إبن عمّي دون رجالکم ، و لنعم المعزّیٰ إلیه (ص) فبلّغ الرّسالة صادعاً بالنّذارة ،

مائلاً مدرجة المشرکین ضارباً ثبجهم[14] آخذاً بأکظامهم ،

داعیاً إلیٰ سبیل ربّه بالحکمة و الموعظة الحسنة یجذّ[15] الأصنام و ینکت الهام ، حتّیٰ إنهزم الجمع و ولّوا الدّبر و حتّیٰ تفرّیٰ[16] اللّیل عن صبحه و أسفر الحقّ عن محضه[17] ، و نطق زعیم الدّین و خرست شقاشق[18] الشّیاطین ،

 

وطاح وشیظ[19] النّفاق و انحلّت عقد الکفر و الشّقاق ،

و فهتم بکلمة الإخلاص في نفرٍ من البیض الخماص[20] ،

وکنتم علیٰ شفا حفرة من النّار ،

مذقّة الشّارب و نهزة الطّامع و قبسة العجلان و موطیء الأقدام ، تشربون الطّرق و تقتاتون القدّ أذلّةً خاسئین تخافون أن یتخطّفکم النّاس من حولکم ،

فأنقذکم ﷲ بأبي محمّد (ص) بعد اللّتیّا و الّتي ،

و بعد أن منی ببهم الرّجال و دؤبان العرب و مردة أهل الکتاب کلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها ﷲ ،

أو نجم قرنُ للشّیطان أو فغرت فاغرةُ من المشرکین قذف أخاه في لهواتها فلاینکفیء حتّیٰ یطأ صماخها بأخمصه و یخمد لهبها بسیفه ،

مکدوداً[21] في ذات ﷲ مجتهداً في أمر ﷲ قریباً من رسول ﷲ سیّداً في أولیاء ﷲ ،

مشمّراً ناصحاً مجدّاً کادحاً لا تأخذه في ﷲ لومة لائم ،

و أنتم في رفاهیّة من العیش و ادعون فاکهون آمنون ،

تتربّصون بنا الدّوائر و تتوکّفون الأخبار و تنکصون عند النزال و تفرّون من القتال ،

فلمّا اختار ﷲ لنبیّه دار أنبیاءه و مأویٰ أصفیائه ظهرت فیکم حسکة[22] النّفاق ، و سمل جلباب الدّین و نطق کاظم الغاوین و نبغ خامل الأقلّین و هدر فنیق[23]المبطلین ،

فخطر في عرصاتکم و أطلع الشّیطان رأسه من مغرزه هاتفاً بکم !!

فألقاکم لدعوته مستجیبین و للغرّة[24] فیه ملاحظین ،

ثم ّ استنهضکم فوجدکم خفافاً و أحمشکم[25] فألفاکم غضاباً فوسمتم غیر إبلکم و وردتم غیر مشربکم ، هذا : و العهد قریب و الکلم رحیب و الجرح لـمّا یندمل[26] و الرّسول لـمّا یُقبر !!

إبتداراً زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنّم لمحیطة بالکافرین .

فهیهات منکم و کیف بکم و أنّیٰ تُؤفکون و کتاب ﷲ بین أظهرکم ،

اُموره ظاهرة و أحکامه زاهرة و أعلامه باهرة و زواجره لائحة و أوامره واضحة ،

و قد خلّفتموه وراء ظهورکم ، أرغبةً عنه تدبرون ؟؟ أم بغیره تحکمون ؟؟ بئس للظّالمین بدلاً ، و من یبتغی غیر الإسلام دیناً فلن یُقبل منه و هو في الآخرة من ، الخاسرین ،

ثم لم تلبثوا إلاّٰ ریث أن تسکن نفرتها و یُسلس قیادها ثمّ أخذتم  تورون و قدتها و تهیجون جمرتها و تستجیبون لهتاف الشّیطان الغوي و إطفاء أنوار الدّین الجلي و إهمال سنن النّبي الصّفي و تشربون حسواً[27] في ارتغاء[28] و تمشون لأهله و ولده في الخمرة الضّراء ،

و نصبر منکم علیٰ مثل حدّ الـمُدیٰ[29] و وخنرة السّنان في الحشیٰ[30] !!!

 

 

و أنتم تزعمون[31] أن لا إرث لي من أبي ! أفحکم الجاهلیّة تبغون ؟ و من أحسن من ﷲ حکماً لقومٍ یُؤمنون ؟

أفلا تعلمون ؟ بلیٰ قد تجلّیٰ لکم کالشّمس الضّاحیة أنّي إبنته !

أیّها المسلمون : ءاُغلب علیٰ إرثي ؟!

یابن أبي قحافة أفي کتاب ﷲ أن ترث أباك و لا أرث أبي ؟!

لقد جئت شیئاً فریّاً[32] !

أفعلیٰ عمدٍ ترکتم کتاب ﷲ و نبذتموه ورآء ظهورکم ؟؟

إذ یقول : و ورث سلیمانُ داود ،

و قال : فیما اقتصّ من خبر یحییٰ بن زکریّاً – إذ قال ربّ هب لي من لدنك ولیّاً یرثني و یرث من آل یعقوب …-

و قال : و اُلوا الأرحام بعضهم اُولیٰ ببعضٍ في کتاب ﷲ

و قال : یوصیکم ﷲ في أولادکم للذّکر مثل حظّ الاُنثیین

وقال : إن ترك خیراً الوصیّة للوالدین و الأقربین بالمعروف حقّاً علیٰ المتّقین و زعمتم أن لا خطوة لي و لا إرث من أبي أفخصّکم ﷲ بآیةٍ أخرج أبي منها ؟

أم تقولون أهل ملّتین لا یتوراثان ؟!

أو لستُ أنا و أبي من أهل ملّةٍ واحدةُ ؟

أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمّي ؟!

فدونکها[33] مخطومة[34] مرحولة تلقاك یوم حشرك فنعم الحکم[35]ﷲ و الزّعیم[36]محمّد (ص) و الموعد القیامة و عند السّاعة یخسر المبطلون و لا ینفعکم إذ تندمون و لکلّ نبأٍ مستقر و سوف تعلمون من یأتیه عذاب یخزیه و یحلّ علیه عذاب مقیم ،

ثمّ رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت لهم :

یا معشر الفتیة و أعضاد الملّة و حصنة الإسلام ما هذه الغمیزة[37] في حقّي و السّنة[38] عن ظلمي ؟؟

أما کان رسول ﷲ (ص) أبي یقول :

ألمرء یُحفظ في وُلده ؟

سرعان ما أحدثتم و عجلان ذا إهالة[39] و لکم طاقة بما اُحاول و قوّة علیٰ ما أطلب و اُزاول[40] .

أتقولون مات محمّد (ص) ؟؟!!

فخطبُ جلیلُ إستوسع وهنه و استنهر[41] فتقه و انفتق رتقه[42] ،

و أظلمت الأرض لغیبته و کسفت الشّمس و القمر و انتئرت النّجوم لمصیبته ، و أکدت[43] الآمال و خشعت الجبال و اُضیع الحریم[44] و اُزیلت الحرمة عند مماته ، فتلك و ﷲ النّازلة الکبریٰ و المصیبة العظمیٰ الّتي لا مثلها نازلة و لا بائقة عاجلة ، أعلن بها کتاب ﷲ جلّ ثناؤه فیٰ أفنیتکم و في ممساکم و مصحبکم هتافاً و صراخاً و تلاوةً و ألحاناً و لقبله ما حلّ بأنبیاء ﷲ و رسله حکمُ فصلُ و قضاء حتمُ :

﴿  و ما محمّدُ إلاّٰ رسولُ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علیٰ أعقابکم و من ینقلب علیٰ عقبیه فلن یضرّ ﷲ شیئاً و سیجزي ﷲ الشّاکرین ﴾.

إیهاً بني قیلة[45] أاُهضم تراث أبی ؟؟ و أنتم بمرأیٰ منّي و ومستمع و منتدیٰ و مجمع ؟؟ تلبسکم الدّعوة و تشملکم الخبرة و أنتم ذووا العدد و العدّة و الأداة و القوّة و عندکم السّلاح و النّجدة ،

توافیکم الدّعوة فلا تُجیبون و تأتیکم الصّرخة فلا تُغیثون و أنتم موصوفون بالکفاح معروفون بالخیر و الصّلاح و النُّخبة الّتي انتخبت و الخیرة الّتي اختیرت لن أهل البیت ،

قاتلتم العرب و تحمّلتم الکدّ و التّعب و ناطحتم الاُمم و کافحتم البُهم لا نبرح أو تبرحون نأمرکم فتأمِرون حتّیٰ إذا دارت بنا رحیٰ الإسلام و درّ حلب الأیّام و خضعت نعرة الشّرك و سکنت فورة الإفك و خمدت نیران الکفر و هدأت عیون الهرج و الستئسق نظام الدّین ،

فأنّیٰ جرتم بعد البیان و أسررتم بعد الإعلان و نکصتم بعد الإقدام و أشرکتم بعد الإیمان ؟؟!!

بؤساً لقوم نکثوا أیمانهم من بعد عهدهم و همّوا بإخراج الرّسول و هم بدأوکم أوّل مرّة أتخشونهم فالله أحقّ أن تخشوه إن کنتم مؤمنین .

ألا و قد أریٰ أن خلدتم إلیٰ الخفض و أبعدتم من هو أحقّ بالبسط و القبض و رکنتم إلیٰ الدّعة و نجوتم من الضّیق بالسّعة فمججتم ما وعیتم و دسعتم الّذي تسوّغتم ، فإن تکفروا و من في الأرض جمیعاً فإنّ ﷲ لغنيُّ حمید .

ألا و قد قلتُ ما قلتُ علیٰ معرفةٍ منّي بالخذلة الّتي خامرتکم و الغدرة الّتي استشعرتها قلوبکم و لکنّها فیضة[46] النّفس

 

و نفثة[47] الغیظ و خور القناة و بثّة[48] الصدر و تقدمة الحجّة !!!

فدونکموها فاحتقبوها[49] دبرة الظّهر نقبة الخُفّ ،

باقیة العار موسمة بغضب الجبّار و شنار[50] الأبد ،

موصولة بنار ﷲ الموقدة الّتي تطّلع علیٰ الأفئدة ،

فبعین ﷲ ما تفعلون و سیعلم الّذین ظلموا أيّ منقلبٍ ینقلبون !!

و أنا إبنة نذیرٍ لکم بین یدی عذابٍ شدید ،

فاعلموا إنّا عاملون و انتظروا إنّا منتظرون » .

بعد هذه الجملة من خطبة فاطمة (ع) رویٰ الرّوات کلاماً للخلیفة و لسنا بصدد التّحدّث عنه .

فاستمرّت الزّهرآء تقول

« سبحان ﷲ ما کان أبي رسول ﷲ عن کتاب ﷲ صادفا[51] و لا لأحکامه مخالفاً !!

بل کان یتّبع أثره و یقفو سُوره ،

أفتجمعون إلیٰ الغدر إعتلالاً علیه بالزّور ؟
و هذا بعد وفاته شبیهُ بما بغي له من الغوائل في حیاته ،

هذا کتاب ﷲ حکماً عدلاً و ناطقاً فصلاً یقول :

﴿  یَرِثُني وَ یَرثُ مِن آلِ یَعقوب ﴾ ؛ ﴿ و ورثَ سلیمان ُ داود﴾ ،

و أباح من حظّ الذّاکرین و الإناث ما أزاح به علّة المبطلین و أزال التّظنّي و الشّبهات في الغابرین ،

کلاّ بل سوّلت لکم أنفسکم  لکم أنفسکم أمراً فصبرٌ جمیل و ﷲ المستعان علیٰ ما تصفون !! »

عند ذلك ألقیٰ الخلیفة المسؤولیّةَ علیٰ النّاس الّذین شارکوه فالتفتت الصّدّیقة فاطمة إلیهم قائلة :

« معاشر النّاس المسرعة إلیٰ قیل الباطل المغضیة علیٰ الفعل القبیح الخاسر أفلا تتدبّرون القرآن أم علیٰ قلوبٍ أقفالها ، کلاّ بل ران علیٰ قلوبکم ما أسأتم من أعمالکم فأخذ بسمعکم و أبصارکم لبئسما تأوّلٰتم و سآء ما به شرتم و شرّ ما منه إعتضتم لتجدنّ و ﷲ محملاً ثقیلاً و غبّه و بیلاً إذا کُشف لکم الغطاء و بان لکم ماوراء الضّراء و بدا لکم من ربّکم ما لم تکونوا تحتسبون ، و خسر هنالك المبطلون » ،

ثمّ عطفت علیٰ قبر النّبيّ (ص) و قالت :

« قد کان بعدك أنباءٌ و هنبثةٌ

لو کنت شاهدها لم تکثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

و اختلّ قومك فاشهدهم فقد نکبوا

و کلُّ أصلٍ له قُربیٰ و منزلة

عند الإلٰه علیٰ الأدنین مقتربُ

أبدت رجالٌ لنا نجویٰ صدورهم

لـمّا مضیت و حالت دونك التّرب

تجهّمتنا رجالٌ و استُخفّ بنا

لـمّا فُقدت و کلّ الأرض مغتصبُ

وکنت بدراً و نوراً یُسعضآءُ به

علیك یُنزل من ذي العزّة الکتبُ

و کان جبریل بالآیات یؤنسنا

فقد فقدت و کلّ الخیر محتجبُ

فلیت قبلك کان الموت صادفنا

لـمّا مضیت و حالت دونك الکتبُ

أبدیٰ رجالٌ لنا بغضاء قلبهم

لـمّا قضیت فآوت دونك الشّهبُ »

فرووا الضّجّة ألّتي أحدثتها فاطمة (ع) ببلاغتها و قالوا : ( فما رأینا یوماً أکثر باکیاً و لا باکیةً من ذلك الیوم ).

ثمّ إنکفئت إلیٰ الدّار و أمیرالمؤمنین (ع) یتوقّع رجوعها إلیه و یتطلّع طلوعها علیه فلمّا استقرّت بها الدّار قالت لأمیرالمؤمنین (ع) :

«یابن أبی طالب:أشتملت شملة[52] الجنین وقعدت حُجرة الظّنین[53]؟؟!!

نقضت قادمة[54] الأجدل فخانك ریش الأعزل ،

هذا ابن أبي قحافة یبتزّني[55] نحلة[56] أبي و بلغة إبنیّ لقد أجهد في خصامي و ألفیته الألدّ[57] في کلامي ، حتّیٰ حبسني بنوقیلة[58]نصرها و المهاجرة وصلها و غضّت الجماعة دوني طرفها و لا دافع و لا مانع ،

خرجتُ کاظمة و عدت راغمة[59] ، أضرعتَ[60] خدّك یوم أضعت جدّك ،

إفترست الذّئاب و افترشت التّراب ؟
ما کففتُ قائلاً و لا أغنیت طائلاً و لا خیار لي لیتني متُّ قبل هنیئتي و دون ذلّتي عذیري[61]ﷲ منه عادیاً[62] و منك حامیاً[63] ،

ویلای في کلّ شارقٍ ویلای في کلّ غارب ،

مات العمد و وهن[64]العضد شکوای إلیٰ ربّي و عدوای إلیٰ ربّي ،

أللّهمّ إنّك أشدّ قوّةً و حولاً و أشدّ بأساً و تنکیلاً ».

فعندما سمع عليٌّ أمیرالمؤمنین (ع) کلامها قام شاهراً سیفه فأذّن المؤذّن فقال بعد التّکبیرات و الشّهادة : أشهد أنّ محمّداً رسول ﷲ . فقال (ع) لها:

« إن کنتِ تریدین أن یستمرّ ذکر والدك هذا فاصبري و إن کنتِ تریدین النّصرة فها أنا ذا !! »

ثمّ قال : « لاویل لكِ بل الویل لشانئیكِ[65] ؛

نهنهي[66] عن وُجدكِ یا إبنة الصّفوة و بقیّة النّبوّة فما ونیت عن دیني و لا أخطأتُ مقدوري فإن کنتِ تریدین البلغة[67] فرزقكِ مضمونٌ و کفیلكِ مأمونٌ و ما أعدّ ﷲ لك أفضل ممّا قُطع عنكِ فاحتسبي ﷲ».

فقالت (ع) : « حسبي ﷲ ،

و أمسکت ،

لا إلٰه إلاّ ﷲ» .

فحینما نأتی إلیٰ نهایة خطبة الزّهرآء (ع) و نعرف أنّ بلاغة فاطمة بلاغةٌ لیس لها مثیل لا بدّ أن نعرف إیضاً أنّ فدك کانت نحلة الزّهرآء حیث وهبها رسول ﷲ (ص) ذلك في حیاته ثمّ بعد النّحلة کانت الزّهرآء وارثة لرسول ﷲ (ص) ، ثمّ إنّ الصّدّیقة الزّهرآء فاطمة (ع) کانت بنت النّبيّ (ص) و أقرب الأقارب و ذوي قرباه فکانت لها حقّ الخمس بنصّ القرآن فهذه أدلّةٌ ثلاثة تستوجب إستحقاقها لفدكٍ قطعاً .

و بعد ذلك لا بدّ أن نعرف بأنّها صدّیقة لا تدّعي ما لیس لها أوّلاً ، ثمّ أنّها صاحبة الید فکان الفدك بیدها فالّذي إدّعیٰ نفي الملکیّة کان علیها أن یُقیم البیّنة علیه لا أن یطلب منها البیّنة علیه لا أن یطلب منها البیّنة ثانیاً ، و أمّا ثّالثاً فإنّها أقامت الشّهادة و الیمین علیٰ النّحلة و رابعاً إنّ الّذي إدعیٰبأن النّبيّ لا یورّث ، خالف نصّ القرآن کما استشهدت بذلك الزّهرآء فاطمة (ع) فقول باطلٌ و إدّعاءُه مردودٌ شرعاً ، و خامساً لو کان النّبيّ (ص) لم یورّث فبأیّ الحجّة دُفن الشّیخان في حجرته ؟؟ فعلیٰ قبول إدّعآء إبوبکرٍ یلزم أن زوجات النّبيّ بما فیهنّ عائشة و حفصة لم یرثا شیئاً من الحجرة فعلیه یکون دفنهما فیها تصرّفاً غصیبّاً ممنوعاً ،

و سادساً علیٰ فرض عدم ردّ دعواه بعدم توریث النّبيّ (ص) الّذي لازمه توریثه فدکاً للزّهرآء فاطمة (ع) یلزم إشتراك جمیع النّسآء في الحجرة فإذا کانت حجرة النّبيّ (ص) مساحتها ثلاثة أمتارٍ في ثلاثة أمتار أی تسعة أمتار و النّسآء بغیر الزّهرآء کنّ تسعة زوجات فیکون سهم کلّ من عائشة و حفصة ألتُّسع من الثّمن أی ینقسم الثّمن الّذي هو أقلّ من مترٍ من الحجرة علیٰ تسعة زوجات فیکون سهم کلّ واحدة أقلّ من شبرٍ ، و هذا من أعجب الامور الواقعة في تاریخ المیراث فکیف دفن الشّیخان هناك ، ثمّ کیف یُحرم الحسن (ع) إبن فاطمة (ع) من الدفن في ملکه الّذي ورثه عن أمّه و هي وارثة النّبيّ (ص) ؟؟

هذا و قد أجمع فقهآء أهل البیت علیٰ أنّ الزّوجة لا ترث من الأرض فعلیه فإنّ حجرة النّبيّ (ص) ملکٌ خاصٌّ لفاطمة (ع) لأنّها الوارثة الوحیدة للحجرة فلا ترث عائشة و حفصة شیئاً من ذلك بإجماعهم و بإدّعاء الخلیفة ونفي الإرث إیضاً ، فالنّتیجة أنّنا حینما نقرآ خطبة الزّهرآء (ع) هذه نستفید إضافةً علیٰ الأدب الجمّ و الفصاحة و البلاغة الرّاقیة إستقادةً فقهیّةً و قصائیّةً و علمیّةً عظمیٰ من بیان سیّدة النّسآء الصّدیقة و نستفید أموراً کثیرةً تاریخیّة تکشف لنا حقیقة الأوضاع السّیاسیّة الّتي واجهتها فاطمة الزّهرآء (ع) و بالتّالي لیس لنا سویٰ أن ننحاز إلیٰ جانب فاطمة المظلومة و نؤیّد کلامها و إستدلالها و إحتجاجها و نذعن بصدقها و نصدّقها فإنّها صدّیقة طّاهرة لا تقول کذباً و لا تدّعي باطلاً .

فالخطلة البلیغة هذه تثبت حقّانیّتها و تُدین غاصبیها و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله و قد صرّح أمیرالمؤمنین (ع) بملکیّة فدكٍ لها و أنّها کانت بیدها بقوله :

«بلیٰ کانت في أیدینا فدك من کلّ ما أفاء ﷲ علیه فشحّت علیها نفوس قومٍ و سخت عنها نفوس قومٍ آخرین فنعم الحکم ﷲ … إلخ».

فلا مجال مطلقاً لإنکار ملکیّة فدكٍ للزّهرآء سیّدة النّسآء و لهٰذا فقد فازت الصّدّیقة علیٰ الخلیفة في الإحتجاج فاستسلم لها و کتب لها کتاباً و أقرّ لها بفدكٍ لٰکنّ مشاوره إستعمل القوّة فمزّق السّند بحجّة أنّ الخلیفة بحاجةٍ إلیٰ واردات فدكٍ في محاربته لقبائل العرب و لو لا إذغان الخلیفة لحقّها لما کتب لها .

فکلّ سنّيٍ ملزم أبي بکر و کتابته لسند فدك بإسم فاطمة (ع) و الإقرار بأنّ فدك ملك لها قطعاً ،

و الّذي یُنکر ملکیّة فدك لفاطمة فهو لا سنّيٌ و لا شیعي بل هو منافق ناصبيٌّ خبیث عدوّ لله و لرسوله و لفاطمة (ع) .

[1]– حاش : جمع و ساق.

[2]– الأهاویل : الألوان المختلفة و الأشکال.

[3]– العکوف : القیام علیٰ الشّیء.

[4]– البُهم : المشکلات.

[5]– الغمم : الأغشیة.

[6]– مغتبطة : مسرورة.

[7]– الأشیاع : الشّیعة و الأتباع.

[8]– النّماء : الزّیادة و البرکة.

[9]– التّشیید : رفع البناء.

[10]– النّظام : القوام.

[11]– القذف : نسبة الفحشاء للغیر.

[12]– الشّطط : مجاوزة الحقّ.

[13]– تعزوة : تنسبوه.

[14]– الثّبج : المرکز.

[15]– یجذّ : یکسر.

[16]– تفرّیٰ : إنبثق.

[17]– محضة : خالصة.

[18]– الشقاشق : حدّة الألسن و سیل الکلام

[19]– وشیظ : السّافل الرّذل.

[20]– البیض الخماص : النّورانیّین الزّهّاد.

[21]– دؤباً و کّاداً.

[22]– الحسکة : الشّوکة الخفیّة ، یعني الحقد.

[23]– الفنیق : الفحل المستعصي.

[24]– الغرِّة : التّغریر بالجاهل.

[25]– أحمشکم : دعاکم للغضب.

[26]– یندمل :یلتئم.

[27]– الحسو : الشّرب جرعة جرعة.

[28]– الإرتغاء : شرب الرغوة من اللّبن.

[29]– المدیٰ : جمع المدیة ، السّکّین.

[30]– الحشیٰ :الأحشیٰ و الأمعاء.

[31]– تدعون کذباً.

[32]– فریّاً : إفترآء الکذب.

[33]– ألخطاب لأبي بکرٍ و الضّمیر لفدك.

[34]– من الخطام للإبل أن مقوّدةً.

[35]– الحاکم.

[36]– المدّعي الضّامن.

[37]– الغمیزة : التّهاون.

[38]– السّنة : التّناوم.

[39]– إهالة : التّراب علیٰ الحقّ.

[40]– المزاولة : هي الممارسة.

[41]– استنهر : اُصبح کالنّهر.

[42]– الرّتق : الإلصاق و الإصلاح.

[43]– فنیت و خابت.

[44]– تقصد نفسها.

[45]– قیلة : هي اُمّ الأنصار الأولیٰ.

[46]– فیضان همّها.

[47]– الأنفاس الغائظة.

[48]– بیان السّرّ و نشره.

[49]– إرتکبواها کلّکم.

[50]– الشّنار : العیب و العار.

[51]– صادفاٌ : معرضاً.

[52]– الشّملة : هیئته جلوس الجنین في الرّحم.

[53]– الظّنین : المتّهم الخائف.

[54]– القادمة : سابقة النّسر.

[55]– یبتزّ : یغتصب جبراً.

[56]– النّحلة : فدك.

[57]– الألدّ : اللّدود العنود.

[58]– قیلة : هي إسم أمّ الأنصار.

[59]– راغمة : مرغمة الأنف.

[60]– أضرعت : أخصعت.

[61]– العاذر.

[62]– المعادي.

[63]– المحامي النّاصر.

[64]– وهن : ضعُف.

[65]– الشّانیء : المبغض.

[66]– کفّیٰ عن الحزن و الهمّ.

[67]– البلغة : الکفاف في المؤنة.


نشر في الصفحات 161-147 من كتاب قدیسة الاسلام

اشتراک گذاری :

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *