هو الإمام الخامس محمّد بن علي بن الحسین باقر علوم الأوّلین و الآخرین کما لقّبه رسول ﷲ (ص) و قال لجابر بن عبدﷲ« ستدرکه یا جابر فاقرأه منّي السّلام ، و کنیته أبوجعفر (ع) ».
والدته الجلیلة هي فاطمة بنت الإمام الحسن بن علّي فهو أوّل فاطميًّ وُلد من فاطمییّن و کانت ولادته في المدینة المنوّرة في غرّة شهر رجب الأغر سنة ستّ و خمسین هجریّة .
تسلّم أعباء الإمامة بعد وفاة أبیه زین العابدین مباشرة بنصّ منه و من النّبيّ و عليّ و الحسین قبله !
و قد کان مع أبیه في کربلاء یوم عاشوراء و کان عمره أربع سنوات فشاهد حادثه الطّف بامّ عینیه و اُسر و عاش حتّیٰ سنة أربع عشرة ومائة فکان المجدّد عند رأس القرن الأوّل الهجري بالإجماع فجدّد الإسلام و التّشیّع و فقه أهل البیت (ع) .
و کان معاصراً لأواخر ملك بني اُمیّة فاستشهد أیّام خلافة هشام بن عبدالملك حیث دسّ إلیه السّمّ علیٰ ید إبراهیم بن الولید بن عبد الملك لعنة ﷲ علیه فدفنه إبنه الصّادق عند أبیه و عمّه في البقیع الغرقد و کان وفاته السّابع من ذي الحجّة فوصّیٰ بالنّدبة علیه في منیٰ کلّ عام ٍمن یومن السّابع حتّیٰ أیّام التّشریف و عیّن مبلغاً لذلك یکفي عشرة سنوات و بعدها کان الصّادق یُدیمها إلیٰ آخر حیاته و أوصیٰ بمال لکي تستمرّ حتّیٰ بعد وفاته .
قال الشّیخ المفید (ق) و فیه یقول القرطبي :
یا باقر العلم لأهل التّقیٰو خیرُ من لبّیٰ علیٰ الأجبُل
و قال مالك ابن أعین الجهني یمدحه :
إذا طلب النّاس علم قرآن
لکانت قریش علیه عیالاً
و إن قیل أین ابن بنت النّبي
لنالت بذلك فروعاً طوالاً
نجومٌ تُهلّل للمدلجین
جبالٌ تورّث علماً جبالاً
و رویٰ إبن صبّاغ في الفصول المهمّة (ص:220) عن بعض أهل العلم و الخیر قال : کنتُ بین مکّة و المدینة فإذا بشیَخٍ یلوح في البریّة لیظهر تارة و یغیب اخریٰ حتّیٰ قرب منّي فتأمّلته فإذا هو غلامُ سباعيُّ أو ثمانيٌّ فسلّم علیّ فرددتُ علیه فقلتُ من أین یا غلام ؟ قال : من ﷲ . قلتُ : و إلیٰ أین ؟ قال : إلیٰﷲ . قلتُ فما زادك ؟ قال : التّقویٰ . قلتُ : فمن أنت ؟ قال : رجلٌ عربيٌّ . فقلتُ من أیّ العرب ؟
قال من قریشٍ . قلتُ : عیّن لي إبن من عافاك ﷲ . فقال : أنا رجلٌ هاشميٌّ . فقلتُ :
عیّن لي . فقال : أنا رجل علويٌّ . ثمّ أنشد :
نحن علیٰ الحوض وُرّاده
نذود و یسعد ورّاده
فما فاز من فاز إلاّٰ بنا
و ما خاب من حبّنا زاده
فمن سرّنا نال منّا السّرور
ومن ساءنا ساء میلاده
و من کان غاصبنا حقّنا
فیوم القیامة میعاده
ثمّ قال : أنا أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسین بن عليّ بن أبي طالب . ثمّ التفتُّ فلم أره و لم أدر نزل في الأرض أو صعد إلیٰ السّماء .
و قد أمر رسول ﷲ (ص) جابر بن عبدﷲ الأنصاري أن یُبلّغ سلامه إلیٰ الإمام الباقر علیه السّلام و إلیك ما رواه الشّیخ الخزّاز الرّازي بأسناده المذکورة في کتابه کفایة الأثر عن جابر بن یزید الجعفي عن جابر بن عبدﷲ :
قال : سمعتُ جابر بن عبدﷲ الأنصاري یقول :
لـمّا أنزل اللهُ تبارك علي نبیّه (ص) : ﴿ یا أیّها الّذین آمنوا أطیعوا ﷲ و أطیعوا الرّسول و اولی الأمر منکم ﴾ قلتُ یا رسول ﷲقد عرفنا ﷲ و رسوله فمن أولی الأمر منکم ؟ ألّذین قرن ﷲ طاعتهم بطاعتك ؟؟؟
فقال علیه السّلام : « خلفایي و أئمّة المسلمین بعدي أوّلهم عليّ بن أبي طالب ثمّ الحسن ثمّ الحسین ثمّ عليّ بن الحسین ثمّ محمّد بن عليّ المعروف بالتّوراة بالباقر و ستدرکه یا جابر فإذا لقیته فاقرأه منّي السّلام ثم ّ الصّادق جعفر بن محمّد ثم موسیٰ بن جعفر ثمّ علیّ بن موسیٰ ثمّ محمّد بن علي ثمّ عليّ بن محمّد ثم ّ الحسن بن علي ثم سمیّي و کنیّي حجّة ﷲ في أرضه و بقیّته في عباده إبن الحسن بن علي ذلك الّذي یفتح اللهُ تعالی ذکره علیٰ یده مشارق الأرض و مغاربها ذاك الّذي یغیب عن شیعته و أولیاءه غیبةً لا یثبتُ فیها علی القول بإمامته من امتحن ﷲ قلبه للإیمان ».
قال جابر : فقلتُ یا رسول ﷲ فهل لشیعته الإنتفاع به في غیبته ؟؟
فقال علیه السّلام : « إي والّذي بعثني بالحقّ نبیّاً إنّهم لیستضیئون بنوره و ینتفعون بولایته في غیبته کانتفاع النّاس بالشّمس إن سترها السّحاب ، یا جابر هذا من مکنون سرّ ﷲ و مخزون علم ﷲ فاکتمه إلاّٰ عن أهله ».
قال جابر بن یزید : فدخل جابر بن عبدﷲ الأنصاري علیٰ عليّ بن الحسین علیهما السّلام فبینا یحدّثه إذخرج محمّد بن عليّ الباقر علیهما السّلام من عند نساءه و علیٰ رأسه ذؤابة و هو غلام فلمّا بصر به جابر إرتعدت فرائصه و قامت کلّ شعرة علیٰ جسده و نظر إلیه ملیّاً ثمّ قال له : یا غلام أقبل . فأقبل . ثم ّقال له : أدبر .
فأدبر . فقال جابر: شمائل رسول ﷲ (ص) و ربّ الکعبة ثمّ قام فدنیٰ منه ثم ّ قال له : ما إسمك یا غلام ؟ قال : محمّد . قال : إبن من ؟ قال : إبن عليّ بن الحسین .
فقال : یا بنیّ فداك نفسي فأنت إذاً الباقر ؟؟ قال نعم فأبلغني ما حمّلك رسول ﷲ (ص) !!!
قال جابر : یا مولای إنّ رسول ﷲ (ص) بشّرني بالبقاء إلیٰ أن ألقاك و قال لي : إذا لقیته فاقرأه منّي السّلام . فرسول ﷲ یا مولای یقرأ علیك السّلام .
فقال أبوجعفر علیه السّلام : یا جابر علیٰ رسول ﷲ ما قامت السّماوات و الأرض ، و علیك یا جابر بما بلّغت السّلام … إلخ .
و کان الإمام الباقر (ع) حاضراً في کربلاء یوم عاشورا و قد شاهد تلك الفاجعة باُمّ عینیه و تحمّل السّبی و الأسر و المآسي کلّها .
نشر في الصفحات 223-220 من كتاب قدیسة الاسلام