هو الإمام العاشر أبوالحسن عليّ بن محمّد الهادي النّقيّ سلام ﷲ علیه .
وُلد (ع) بناحیة صربا من المدینة المنوّرة یومن الجمعة النّصف من شهر ذي الحجّة من سنة إثنتی عشرة و مائتین ، والدته الکریمة هي سُمانة المغربیّة المکنّاة بالسّیّدة اُمّ الفضل .
تحمّل أعباء الإمامة بنصٍّ و وصیّةٍ من والده الجواد (ع) بعد استشهاده مباشرةً و قد أشخصه المتوکّل العبّاسي جبراً من المدینة إلیٰ العسکر الّذي کان مدینة عسکره و جیشه في العراقّ فسُمّیت المدینة بعد وروده إلیها بسُرّ من رأیٰ و الآن هي سآمرّآء حیث مرقده الشّریف عامرُ تقصده الزّوّار من جمیع البلاد و قد عاش فیها عشرین سنة حتّیٰ استُشهد علیٰ أثر السُّمّ الّذي دسّه إلیه المعتزّ العبّاسيّ في ألثّالث من شهر رجب سنة أربع و خمسین و مائتین من الهجرة .
و رویٰ في عیون المعجزات (ص:120) : رویٰ الشّیخ حسین بن عبد الوهّاب بإسناده عن هاشم بن زید قال : رأیت عليّ بن محمّدٍ صاحب العسکر و قد اُتي بأکمه فأبرأه و رأیته یُهیّئ من الطّین کهیئة الطّیر و ینفخ فیه فیطیر فقلت له: لا فرق بینك و بین عیسیٰ (ع) ؟ فقال : أنا منه و هو منّي .
و رویٰ المسعوديّ في مروج الذّهب (ج:4 ص:93) و ابن خلّکان في و فیات الأعیان (ج:2 ص:434) و ابن الجوزي في التّذکرة (ص:260) و غیرهم :
أنّه حمل إلیٰ المتوکّل في جوف اللّیل و المتوکّل یشرب الخمر و في یده کأس فلمّا رآه أجلسه إلیٰ جنبه و ناوله الکأس الّذي في یده ، فقال الإمام (ع) یا أمیر ما خامر لحمي و دمي قطّ فاعفني منه فأعفاه و قال : أنشدني شعراً ، فقال : إنّي لقلیل الرّوایة للأشعار ، فقال : لا بدّ تنشدني ، و طبعاً کانت یقصد إنشآء الغزل ، فأنشده الإمام موعظةً فقال :
«باتوا علیٰ قلل الأجبال تحرسهم
غلب الرّجال فما أغنتهم القلل
و استنزلوا بعد عزّ عن معاقلهم
فأودعوا حفراً یا بئس مانزلوا
ناداهم صارخٌ من بعد ما قبروا
أین الاسرّة و التّیجان و الحلل
أین الوجوه الّتي کانت منعمةً
من دونها تضرب الأستار و الکلل
فأصفح القبر عنهم حین ساءلهم
تلك الوجوه علیها الدّود یقتتل
قد طالما أکلوا دهراً و ما شربوا
فأصبحوا بعد طول الأکل قد اکلوا
و طالما عمرّوا دوراً لتحصنهم
ففارقوا الدّور و الأهلین و انتقلوا
و طالما کنزوا الأموال و ادّخروا
فخلّقوها علیٰ الأعداء و ارتحلوا
أضحت منازلهم قفراً معطّلةً
و ساکنوها إلیٰ الأجداث قد رحلوا »
و رووا أنّ موعظة الإمام (ع) هذه أثّرت في المتوکّل فأفاق من السّکر و بکیٰ بکاءً طویلاً فأمر برفع الشّراب و اعتذر من الإمام (ع) .
و ما أکثر کرامات الإمام الهادي (ع) و معاجزه و قد رواها الفریقان الخاصّة و العامّة و من ذلك ما رواه إبن شهر آشوب في مناقبه بأسناده عن أبي محمّد الفحّام بالإسناده عن أبي الحسن محمّد بن أحمد قال : حدّثني عمّ أبي قال : قصدت الإمام یوماً فقلت : إنّ المتوکّل قطع رزقي و ما أتّهم في ذلك إلاّ علمه بملازمتي لك ، فینبغي أن تتفضّل علیّ بمسألته ،فقال (ع) :
« تُکفیٰ إن شآء ﷲ» : فلمّا کان في اللّیل طرقني رسل المتوکّل رسولٌ یتلو رسولاً فجئت إلیه فوجدته في فراشه
فقال : یا أباموسیٰ یشغلني شغلي عنك و تُنسینا نفسك ، أیّ شيء لك عندي ؟؟
فقلت : الصّلة الفلانیّة و ذکرت أشیآء فأمرلي بها و یُضعفها ، فقلت للفتح : هل وافیٰ عليّ بن محمّد إلیٰ ها هنا أو کتب رقعة ؟؟ قال : لا ، قال فدخلت علیٰ الإمام فقال لي : یا أبوموسیٰ هذا وجه الرّضا ، فقلت له : ببرکتك یا سیّدي و لکن قالوا : إنّك ما مضیت إلیه و لا سألت .
قال : إنّ ﷲ تعالیٰ علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمّات إلاّ إلیه و لا نتوکّل في المهمّات إلاّ علیه و عوّدنا إذا سألناه الإجابة ألخ …
و رویٰ ایضاً عن الإربلي بأسناده عن جماعة من أهل إصفهان منهم العبّاس أحمد بن النّصیر و أبوجعفر محمّد بن علویّة ، قالوا : کان بإصفهان رجلٌ یُقال له عبدالرّحمان و کان شیعیّاً ، فقیل له : ما السّبب الّذي أوجب علیك القول بإمامة عليّ النّقيّ دون غیره من أهل الزّمان ؟؟
فقال : شاهدت ما یوجب علیّ ذلك ، إنّي کنت رجلاً فقیراً و کان لي لسانٌ و جرأةٌ فأخرجني أهل إصفهان سنةً من السّنین مع قوم آخرین فجئنا إلیٰ باب المتوکّل یوماً إذ خرج الأمر بإحضار عليّ بن محمّد بن الرّضا فقلت لبعض من حضر : من هذا الرّجل الّذي قد اُمر إحضاره ؟؟ فقیل : هذا رجلٌ علویٌ تقول الرّفضة بإمامته ، ثمّ قیل : و نقدّر أنّ المتوکّل یحضره للقتل ، فقلت : لا أبرح ها هنا حتّیٰ أنظر إلیٰ هذا الرّجل أیّ رجلٍ هو ؟؟ قال :
فأقبل راکباً علیٰ الفرس و قد قام النّاس صفّین یمنة الطّریق و یسرتها ینظرون إلیه ، فلمّا رأیته وقفت فأبصرته فوقع حبّه في قلبي ، فجعلت أدعو له في نفسي بأن یدفع ﷲ عنه شرّ المتوکّل فأقبل یسیر بین النّاس و هو ینظر إلیٰ عرف دابّته و أنا دائم الدّعاء له ، فلمّا صار إلیّ أقبل علیّ بوجهه و قال : إستجاب ﷲ دعائك و طوّل عمرك و کثر مالك و ولدك .
قال : فارتعدت و وقعت بین أصحابي فسألوني ما شأنك ؟ فقلت : خیر ، و لم اُخبرهم ، فانصرفنا بعد ذلك إلیٰ إصفهان ، ففتح ﷲ علیّ وجوهاً من المال حتّیٰ أنّی اُغلق بابي علیٰ ما قیمته ألف ألف درهم سویٰ مالي خارج داري ، و رُزقت عشرة الأولاد و قد بلغت من عمري نیّفاً و سبعین سنة ، و أنا أقول بإمامة هذا الّذي علم ما في قلبي و الستجاب ﷲ دعاءه لي .
و قد کان الإمام الهاديّ ألفضل الکبیر علیٰ الاُمّة الإسلامیّة حیث ربّیٰ علمآء و فقهآء أمثال إبن السّکّیت یعقوب بن إسحاق یربو عددهم علیٰ 111فقیه و عالم و لا یخفیٰ ما لإبن السّکیت من الأثر في تربیة إبن المتوکّل الّذي قتل أباه !!!
و أراح الإسلام و المسلمین من شروره .
نشر في الصفحات 244-241 من كتاب قدیسة الاسلام