(57)
سورة الحُجُرات
بإِسمِ ذاتِيَ الرُّبوبيِّ الأقدَسِ المُتَعال و بِإسمِ رحمانِيَّتيَ الّتي وَسِعَت كُلَّ شيءٍ و رحيميَّتي الّتي اختُصَّت بِمَن شِئتُ اُوحي :
يا أيّها المُسلِمون لا تُقَدِّموا أمراً و لا نَهياً و لا حُكماً و لا تَشريعاً بَيْنَ يَدَي اللهِ و رَسولِهِ و لا تُبرِموا أمراً بِدونِهما واتّقوا عَذابَ اللهِ إنَّ اللهَ سميعٌ لإِقوالِكُم عليمٌ بِأفعالِكُم ،
يا أيّها الّذين آمَنوا ظاهِراً باللهِ و رَسولِهِ لا تَرفَعوا أصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النّبيّ فإنّهُ حَرامٌ و إثمٌ كبيرٌ سِيّما إذا قالَ إيتوني بِدَواةٍ و كَتِف فلا تُكثِروا اللَّغَطَ عِندَه ،
و لا تجهَروا لِرَسولِ اللهِ بالقَوْلِ المُشينِ المُؤذي كقولِكُم : إنَّ الرَّجُلَ لَيَهجُرو ذلكَ كَجَهرِ بَعضكم لِبَعضٍ فإنّهُ مَعصومٌ عَن الهُجر فَتَحبَطَ أعمالَكُمُ السّالِفَة كُلّها و أنتُم لا تَشعُرونَ بارتِدادِكُم ،
و بالتأكيدِ إنَّ الّذينَ يَغُضّونَ أصواتَهُم عِندَ رسولِ اللهِ كعَليٍّ (ع) و سَلمان و أبي ذَرٍ و المِقداد أولئِكَ الّذين امتَحَنَ اللهُ قُلوبَهُم لِلتَّقويٰ فكانَت مَليئَةً بِها لَهُم مَغفِرَةٌ مِنهُ و أجرٌ عظيمٌ ،
إنَّ الّذين يُنادونَكَ يا حبيبي مِن وَراءِ حُجُراتِ زَوجاتِكَ يَصيحونَ يا مُحمّد فَأكثَرُهُم مُنافِقونَ و جُهّالَ و حَمقيٰ لا يَعقِلونَ حُرمَةَ النُّبوَّه ،
و لو أنَّ هؤلاءِ الحَمقيٰ صَبَروا خارِجَ الحُجُراتِ حَتّيٰ تَخرُجُ إليهِم فيُكَلِّمونَكَ بِهُدوءٍ لَكانَ خَيْراً لهُم و أفضَل و اللهُ غفورٌ رحيمٌ لِمَن تابَ مِنهُم ،
يا أيّها المُسلِمونَ الّذين آمَنوا بالإسلامِ إذا جاءَكُم كالوليد بن عَقَبَةَ الاُمَويّ إنسانٌ فاسِقٌ غيرُ عادِلٍ بِخَبَرٍ فَتَفَصَّحوا و تَبَيَّنوا صِدقَهُ مِن كِذبِهِ ،
ذلكَ خَشيَةَ أن تُصيبوا قَوْماً أبرِياءَ عِقاباً بِجِهالَةٍ مِن كِذبِ المُخبِر الفاسِق فَتُصبِحوا عليٰ ما فَعَلتُم مِن تَصديقِهِ و إتّهامِ البَريءِ نادِمينَ حينَ لا يَنفَعُ النَّدَم ،
واعلَموا يا فَسَقَه يا كذّابين أنَّ فيكُم رسولَ اللهِ يَعرِفُ أكاذيبِكُم فَلَيسَ شَخصاً عادِيّاً يُصَدِّقُكُم فَلَو يُطيعُكُم في كثيرٍ مِن الاُمورِ الّتي تَختَلِقونَها لَنِلتُمُ العَنَتَ دونَهُ ،
واعلَموا إستدراكاً أيّها المُؤمِنونَ العُدول الصّادِقون أنَّ اللهَ حَبّبَ إليكُمُ الإيمانَ و زَيَّنَهُ في قلوبِكُم تَهوونَهُ و كَرَّهَ إليكُمُ الكُفَر و الفُسوقَ و العِصيانَ فاجتَنَبتُموها والّذين اجتَنَبوها أولئِكَ هُمُ الرّاشِدونَ فَقَط ،
إنّ ذلكَ كانَ فَضلاً مِنَ اللهِ عليكُم أيّها المُؤمِنونَ الصّادِقونَ و نِعمَةً مِنهُ لكُم و اللهُ عليمٌ بإيمانِكم و صِدقِكُم حكيمٌ في فَضلِهِ عليكم ،
و يَجِبُ عليكُم أيّها المُسلِمونَ إن طائِفَتانِ مِنَ المُسلمينَ اقتَتَلوا بَيْنَهُما أن تُصلِحوا بَيْنَهُما مُباشِرَةً و بسُرعَةٍ و إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ أفضَلُ مِن عامّةِ الصَّلاةِ والسَّلام و الصّيام ،
فَإن بَغَت إحديٰ الطائِفَتَيْنِ عليٰ الاُخريٰ كالفِئَةِ الباغِيَةِ عليٰ عليٍّ (ع) بِصِفّين فَقاتِلوا الّتي تَبغي وانصُروا الحَقَّ حتّيٰ تَفييءَ الفِئَةَ الباغِيَةُ إليٰ أمرِ اللهِ والسِّلْمِ ،
فَإن رَجَعَتِ الفِئَةُ الباغِيَةُ عن بَغيِها فَأصلِحوا بَيْنَ الطّائِفَتَيْنِ كما فَعَلَ الحَسَنُ بنُ عليٍّ (ع) و أعدِلوا في قَرارِ الصُّلحِ و أقسِطوا في إجراءِ شُروطِ الصُّلح ،
بالتإكيد إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ في إجراءِ بُنودِ الصُّلحِ و شُروطِهِ و لا يُحِبُّ الخائِنينَ كمُعاوِيَةَ المُناقِضينَ لِبُنودِ الصُّلح ،
ليسَ إلاّ أنَّ المُسلمينَ إخوَةٌ في الإسلامِ فَإذا اختَلَفوا و تَنازَعوا فَأصلِحوا بَيْنَ أخَويْكُم المُسلِمينَ واتَّقوا اللهَ أنْ تَكونوا مَعَ الظّالِمِ ضِّد المَظلومِ لَعلَّكم تُرحَمونَ بِرَحمَةِ الله ،
يا أيّها المُسلِمونَ يَنهاكُمُ اللهُ نَهياً مَولَويّاً لا يَسخَر و يَستَهزِِِيء قَومٌ مِن المُسلِمينَ مِن قَومٍ المُسلمينَ و لا نِسآءً مِن نِسآءٍ كما سَخَرَت عائِشَةُ و حَفصَةُ مِن اُمِّ سَلَمَةٍ عَسيٰ أن يكونوا هُم خَيراً مِنهُم فَاُمُّ سَلَمةٍ خَيرٌ مِن عائِشَه
و لا يلمَز بعضُكُم الآخَر بِمَنقَصَةٍ و عَيْبٍ و لا تَتَنابَزوا و تَتَسابُّوا بالألقابِ المُهينَةِ فِإنَّ ذلكَ هو بِئسَ الإسمُ المُحَرَّمُ مِنَ الفُسوقِ بَعدَ الإيمانِ و مَن لم يَتُب مِن ذلِكَ فأولئِكَ هُمُ الظّالِمون ،
يا أيّها المُسلِمونَ اجتَنِبوا كثيراً مِنَ الظَّنِّ السَيِّيءِ إنَّ بَعضَ الظَّنِّ إثمٌ و حَرامٌ و بَعضَهُ ليسَ كذلِكَ كاظَّنِّ الحَسَن فلا تَظُنّوا بالمُؤمِنينَ سُوءاً ،
و يا أيّها المُسلِمون لا تَجَسَّسُوا ضِدَّ المُؤمِنينَ و لا يَغتابُ بَعضَكُمُ البَعضَ فَإنّهُ يَأكُلُ لحمَهُ فَهَل يُحِبُّ أحدكُم أن يَأكُلَ لَحمَ أخيهِ المَيِّت كما أكَلَت هِندٌ لَحمَ حَمَزَةَ كَلاّ فَقَد كَرِهتُموه ،
واتّقوا اللهَ و خافُوهُ يا مُسلِمين واجتَنِبوا الظَّنَّ السّؤءَ و التَّجَسُّسَ والغَيْبَةَ فالتَّقويٰ مَشروطَةٌ بِذلِكَ إنَّ اللهَ تَوّابٌ لِمَن تابَ مِن ذلِكَ رحيمٌ يَرحَمُهُ ،
يا أيّها النّاسُ مِن نَسلِ آدَمَ و حَوّا إنَّ اللهَ خَلَقَكُم مِن آدَمَ و حَوّا فَأنتُم جميعاً أولادَهُما واللهُ جَعَلكم شُعوباً و قَبائِلَ لِتَتَعارَفوا بِيْنَكُم لا لِكَي تَختَلِفوا ،
و بالتأكيدِ والقَطعِ و اليَقينِ إنَّ أكرَمَكُم أيّها النّاسُ عندَ اللهِ هُوَ أتقاكُم لِلّهِ لا غَيْر إنَّ اللهَ عليمٌ بِمَن هو أتقاكُم خَبيرٌ بِأعمالِكُم و نِيّاتِكُم ،
قالَتِ الأعرابُ عَرَبُ الجاهِلَيّة آمَنّا بِوِلايَتِكَ و أهل بَيْتِك يا مُحمّد (ص) قُل لهُم لَم تُؤمِنوا بِوِلايَتِنا في قُلوبِكُم و لكِن قولوا أسلَمنا ظاهِراً ،
و قُل لهُم هَيهاتَ و لَمّا يَدخُلِ الإيمانُ بِولايِتَي وَ وِلايَةِ أهل بيتي (ع) حَقيقَةً في قلوبِكُمُ القاسِيَةِ المُنافِقَةِ المُعادِيَةِ لعليٍّ (ع) ،
و قُل لهُم يا حبيبي : إن تُطيعوا اللهَ و رَسولَهُ فَتُوالوا أهلَ بَيتي و تُبايِعوا عليّاً (ع) بالخِلافَةِ مِن بَعدي فإنَّ اللهَ لا يُنقِصُكُم مِن ثَوابِ أعمالِكُم مِن شييءٍ و إلاّ فَيَلِتكُم ثوابَ أعمالِكم كُلّها إنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ لِمَن أَطاعْ ،
فالإيمانُ مُنحَصِرٌ في الّذين آمَنوا باللهِ و رَسولِهِ ظاهِراً و باطِناً فَوَالَوْا أهل بَيْتِهِ (ع) يَقيناً و لم يَشُكّوا في عِصمَتِهم وَ وِلايَتِهم أبَداً ،
و جاهَدوا في سبيلِ اللهِ عَن دينِهم و مَذهَبِهِم تَحتَ رايَتِهِم سلامُ اللهِ عليهِم بِكُلّ ما لَدَيْهِم مِن غالٍ و رَخيصٍ مِن أموالِهِم و أنفُسِهِم أولئِكَ هُمُ الصّادِقونَ في إيمانِهِم و يَقينِهِم
قُل لِلأعرابِ إنّكُم بِادِّعاءِ الإيمانِ و قَولِكم لي آمَنّا أتُريدونَ أن تُخبِروا اللهَ العالِمَ بِالسَّرائِرِ و الخَفِيّاتِ بدينِكم واللهُ أعلَمُ بدينِكُم مِنكُم فاللهُ يَعلَمُ ما في السّماواتِ و الأرضِ مِنَ الخَفيّاتِ و اللهُ بِكُلِّ شَييءٍ عليمٌ ،
و بَعد أن تُخبِرُهُم أنَّهُم لم يُؤمِنوا حَقيقَةً بَل أسلَموا ظاهِراً طَمَعاً لِلرّئاسَةِ و خَوفاً مِنَ العُقوبَةِ فإنّهُم يَمُنّونَ مِنّةً عليكَ أن أسلَموا ظاهِراً قُل لهُم لا تَمُنّوا عليَّ إسلامَكُم إذ لا يَسويٰ شيئاً عِندي ،
و قُل لَهُم عليٰ فَرضِ أنَّكُم أسلَمتُم إسلاماً كامِلاً بِمُوالاةِ عليٍّ (ع) فلا تَمُنّوا عَليَّ إيضاً بَلِ اللهُ لهُ المِنَّةُ عليكُم أن هَداكُم لِلإيمانِ بِويلايَتِهِ إن كنتُم صادِقينَ في الإسلام و المُوالاة ،
بالتأكيدِ إنَّ اللهَ عالِمُ الغَيبِ يَعلَمُ غَيبَ السماواتِ و الأرضِ و ما خَفِيَ مِن سِرٍّ فيهِما و هوَ أعلَمُ بالضَّمائِرِ واللهُ بَصيرٌ بما تعمَلونَ كامِلاً ،
نشر في الصفحات 1270-1262 من كتاب تفسير القرآن أهل البيت (ع) المجلد ألثّانی