هو الإمام الثّامن أبومحمّد عليّ بن موسیٰ الرّضا علیه آلاف التّحیّة و الثّناء بضعة رسول ﷲ (ص) بعد بضعته الزّهراء (ع).
ولد یوم الجمعة لإحدیٰ عشرة لیلة خلت من ذي القعدة سنة ثمان و أربعین و مائة هجریّة بالمدینة و والدته الجلیلة إسمها نجمة النّوبیّة و کنیتها تکتم إشترتها له جدّته حمیدة اُمّ موسیٰ بن جعفر (ع) تحمّل أعباء الإمامة بنصٍّ من أبیه و آباءه و جدّه رسول ﷲ (ص) و قد رویٰ النّصّ علیه کثیرونو منهمعليّ بن یقطین و هشام بن الحکم و داوود الرّقّي و محمّد بن سنان و غیرهم و رویٰ المخزومي الّذي کانت اُمّه من ولد جعفر بن أبي طالب (ع) ، قال بعث إلینا أبوالحسن موسیٰ (ع) فجمعنا ثمّ قال لنا : أتدرون لم دعوتکم ؟ فقلنا لا ؛ فقال : إشهدوا أنّ إبني هذا وصیّي و القیّم بأمري و خلیفتي من بعدي ، من کانت له عندي دین فلیأخذه من إبني هذا و من کانت له عندي عدّة فلینجزها منه و من لم یکن له بدٌّ من لقائي فلا یلقني إلاّٰ بکتابه ؛ رواه الکلیني في الکافي ، و کان الرّضا المجدد للقرن الثّاني الهجري و عاش سلام ﷲ علیه حتّیٰ سنة ثلاثٍ و مائتین حیث استشهد في شهر صفر علیٰ أثر السّمّ الّذي دسّه إلیه المأمون العبّاسي لعنه ﷲ في طوس خراسان فدفنه في القبّة الهارونیّة فوق رأس هارون بأمتار لأنّه لم یتمکّن من الحفر عند رجلیه ، و قد جلب الإمام راغماً من المدینة إلیٰ طوس ثم ّ أجبره علیٰ قبول ولایة العهد حتّیٰ یقضي علیٰ سمعته عند الشّیعة ولکنّه فشل في مراده فازداد الإمام (ع) عظمةً و شموخاً بین الفرس و سائر المسلمین فحسده المأمون فقتله بالسّمّ ، و قد مدحه أبونؤاس الشّاعر في البلاط العبّاسي بقوله :
قیل لي أنت أشعر النّاس طرّاً
في فنون من الکلام النّبیه
لك من جوهر الکلام بدیع
یُثمر الدّرّ في یدی مُجتنیه
فعلیٰ ما ترکت مدح بن موسیٰ
و الخصال الّتي تجمّعن فیه ؟
قلتُ لا أهتدي لمدح إمام ٍ
کان جبریل خادماً لأبیه
و قال فیه إیضاً :
إذا أبصرتك العین من بعد غایةٍ
و عارض فیك الشّكّ أثبتك القلب
و لو أنّ قوماً أمّموك لقادهم
نسیمك حتّیٰ یستدلّ به الرّکب
و قال إیضاً :
مطهّرون نقیّاتٌ ثیابهم
تجري الصّلاة علیهم أینما ذکروا
من لم یکن علوّیاً حین تنسبه
فما له من قدیم الدّهر مفتخر
و الله لـمّا بدا خلقاً فأتقنه
صفاکم و اصطفاکم أیّها البشر
و أنتم ملأ الأعلیٰ و عندکم
علم الکتاب و ما جاءت به السّور
و رویٰ أبوالفداء من شعر إمام الرّضا (ع) ما یلي :
کلّنا یأمل مدّاً في الأجل
و المنایا هنّ آفات الأمل
لا تغرّنّك أباطیل المنیٰ
و الزم القصد و دع عنك العلل
إنّما الدّنیا کظلّ زائل
حلّ فیه راکب ثمّ ارتحل
و ناهیك عن الدّسیسة لمأمون العبّاسي و سیاسته الشّیطانیّة بعرضه الخلافة علیٰ الإمام الرّضا (ع) ثمّ ولایة العهد فمن البدیهيّ الواضح إنّ مأمون کان جدّ حریصاً علیٰالخلافة و الملك إلیٰ حدّ أنّه قتل أخاه الأمین و صلب جسده ببغداد و لم تؤثر فیه عاطفة الاُخوّة و رحمیّته الاُخوّة کي یرحم الأمین و یغضّ النّظر عنه بل قتله شرّ قتلة في سبیل الملك و الملك عقیم کما أعلن ذلك هارون اللّعین ، فکیف یروق له أن یتخلّیٰ عن الخلافة و یتنازل عن الملك لعليّ بن موسیٰ الرّضا علیهما السّلام و لکنّه أراد أن یُحمّله مسؤولیّة جنایاته و خیاناته و جرائمه و مظالمه و یکسب لنفسه السّمعة الحسنة و یجلب محبّة النّاس الّذین کانوا یحملون الودّ للإمام فیکسب الشّیعة ثمّ یجعل الإمام درعاً له واقیاً أمام الثّائرین من ولد عليٍّ (ع) کزید النّار و أمثاله و غیرهم من الّذین خرجوا علیه و کان یخافهم ثمّ کان یهدف من ذلك أن یُعلن للملأ أنّ أئمّة أهل البیت (ع) لیسوا زاهدین في الملك و لیسوا زاهدین في الدّنیا و لکنّهم یرغبون فیها إن سنحت لهم الفرصة بالصّعود إلیٰ کراسیّ الحکم و الملك فیسيء إلیٰ سمعة الإمام (ع) و یفصّل بینه و بین شیعته و محبّیه و بالأخصّ الإیرانیّین منهم حیث حل ّبساحتهم في خراسان و شرّف موطنهم بقدومه و قد التفّوا حوله و أحبّوه إلیٰ حدٍّ کبیر و کان یحسد المأمون الإمام الرّضا (ع) علی هذه الشّعبیّة العظیمة و یتحسّس بالخطر منها فکان یهدف إلی جرح سمعة الإمام و مسّ کرامته عند النّاس و لکنّه خاب و الحمد لله فازداد الإمام عظمة و شرفاً و محبّة بین النّاس فاقت شرف المأمون و شخصیّته مع أنّه کان یُسمّی بخلیفة المسلمین ، و قصّة أمره الإمام بإمامة صلاة العید ثمّ إرجاعه من وسط الطّریق أقویٰ دلیل علی حقده و حسده الباطني علیٰ الإمام (ع) فولایة العهد کانت مصیبةً و بلاءً ابتلی بها الإمام (ع) و لم یکتف بذلك حتّیٰ أن دسّ إلیه السّمّ فمضیٰ شهیداً مسوماً بأرض الغربة بعیداً عن أهله و عیاله فلا حول و لا قوّة إلاّٰ بالله العلیّ العظیم و سلام ﷲ و تحیّاته و صلواته و برکاته علیه دائماً ؛ و علیٰ المأمون لعنة ﷲ أبد الآبدین .
و هذا المدایني یذکر لنا و یقول : لـمّا جلس الرّضا عليّ بن موسیٰ (ع) في الخلع بولایة العهد قام بین یدیه الخطباء و الشّعراء و خفقت الألویة علیٰ رأسه فذکر عن بعض من حضر ممّن کان یختصّ بالرّضا علیه السّلام إنّه قال: کنتُ بین یدیه في ذلك الیوم فنظر إلیّ و أنا مستبشر بما جریٰ فأومأ إلیّ أن اُدن ، فدنوتُ منه فقال لي من حیث لا یسمعه غیري :
نعم فلم یتمّ الأمر للإمام الرّضا سلامُ ﷲ علیه بل قتله المأمون مسموماً وحیداً فریداً بعیداً عن وطنه و أهله و عشیرته و شاء ﷲ أن یکون مرقده و ضریحه قبلة لقلوب الشّیعة یقصدونه للزّیارة منذ ذلك الحین حتّیٰ الیوم و قد ورد النّصّ من المعصومین سلام ﷲعلیهم أجمعین أنّه لا یزوره إلاّٰ الخواص من الشّیعة و إنّ زیارته تعدل ألف حجّة و عمرة و قد وعد هو (ع) زوّاره أن یردّ زیارتهم عند الصّراط و المیزان ؛ جعلنا ﷲ من زوّاره و شیعته و رزقنا شفاعته .
و الإمام الرّضا (ع) هو بضعة رسول ﷲ (ص) سمّاه رسول ﷲ بذلك کما کانت فاطمة بضعة الأولیٰ حیث قال (ص) .
ستدفن بضعة منّي بخراسان ،
و ببرکة الإمام الرّضا (ع) جاءت البشارة بمجیئ السّیّد الخراساني من خراسان مع ثلاثمائة ألف رجل أصحاب الرّایات السّود إلیٰ الکوفة فیضع رایته في الکوفة و یکون الحکم للشّیعة و بینه و بین المهديّ (عج) إثنان و سبعون شهراً هو من ولد الحسین (ع) و إسمه إسم النّبيّ (ص) .
نشر في الصفحات 236-233 من كتاب قدیسة الاسلام